علي محمود خاجه

فرضية

في أقل من ثلاث سنوات تفتّت ما يسمى بالحراك، وكل الشعارات التي رفعت طوال السنوات الثلاث الماضية تحولت إلى شتائم وطعن وتخوين بين عناصر ذلك الحراك، بل إن أكثر عناصره ارتباطا على مدى عشرين سنة الماضية اختلفوا، وأصبح الغمز واللمز تارة والكلام التخويني المباشر تارة أخرى شعار أنصارهم ومحبيهم. كل ما حدث وسيحدث نتيجة طبيعية وحتمية للطريقة التي تكوّن فيها هذا الحراك أصلاً، فالتركيز كان منصبّا على جلب القيادات من كل حدب وصوب دون أي معيار كفاءة أو تجانس أو انسجام فكري، بل إن أساس اختيار تلك القيادات ارتكز على قدرتهم على جلب الجماهير، والبحث عن شعارات إصلاح خيالية كل هدفها تحقيق أكبر قدر من "الريتويت"، وأي واقعي كان سيستوعب أن هذا الحراك هزيل ركيك لا يصلح لبناء حركة إصلاحية حقيقية، ولكن بعض المتمصلحين وبعض الحالمين أوهموا أنفسهم بإمكانية الإصلاح من خلال هذه التركيبة غير المنطقية أبدا، إلى أن تكسّرت أحلامهم على صخور الواقع غير المجامل. لست بصدد نبش ما مضى أو التحدث بأسلوب "قلنالكم"، لكني أود أن أطرح فرضية، أحمد الله أنها لم تحدث، ولكني أقدمها كي يستوعب البعض فداحة ما حدث بشكل أوضح، تلك الفرضية تفترض الآتي: ماذا لو كانت مطالب هذا الحراك تحققت قبل ثلاث سنوات بالطريقة التي شكل فيها؟ وماذا لو أن السلطة في الكويت رضخت لمطالب أعضائه وقدمت لهم ما يريدون من تشكيل للحكومة ليهيمنوا بذلك على السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ أعتقد أن هذه الفرضية لو كانت قد تحققت لكان كمّ الكوارث والمصائب على البلاد هائلا، بحيث لا تستطيع العقول استيعابه، فكيف ستكون حال من تفتت وخوّن كل من يختلف معه، ورفع الشعارات الخيالية، وحقق عدداً غير مسبوق من النزاعات والانقسامات في أقل من ثلاث سنوات، دون أن تكون له سلطة أو نفوذ أو مركز قرار، لو تولى أمور السلطة ومغرياتها في المدة نفسها؟ من جعل أشد المؤيدين للحراك يعلن بالحرف "أن نار الحكومة ولا جنة المعارضة"، كفيل بأن يشرح حجم الكارثة التي كانت ستقع على الكويت لو أن هذا الحراك الهزيل تقلّد شؤون السلطة فعلا. إن ما حدث، ورغم شدة وجعه على المخلصين للإصلاح ممن آمن بذلك الحراك، يحتم عليهم التفكير مجدداً بأن الانجراف الأعمى لفكرة مهما كانت واضحة وجميلة بالنسبة إليهم، لا يعني أبداً نبذ المخالف واتهامه بأشنع التهم ونفيه من طريق الإصلاح، فقد يحمل هذا المخالف أحيانا رأيا سديدا وفكرا حكيما، وإن الطريق الوحيد لتبني الإصلاح هو تبني الآراء وفقاً للجودة لا الكم، فها هو الكم العددي يتلاشى ولم يتبقّ أي شيء من الإصلاح. خارج نطاق التغطية: مبارك عليكم الشهر.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

علي محمود خاجه

email: [email protected]
twitter: @alikhajah

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *