فؤاد الهاشم

الكويتيون و.. «الشاورما»!

تأسس مسرح «البولشوى» الروسى فى نهايات القرن الثامن عشر، ويعتبر «درة الثقافة فى التاج القيصري»، وحين يقول لك أحدهم إنه شاهد عرضاً حياً لأحد عروض الباليه فى هذا المسرح فهذا يعنى إنه «محظوظ» وقد دعت له والدته «بالسعد والهنا»، أيام الإتحاد السوفيتى الغابر كانت عروض هذا المسرح تسافر إلى بلدان العالم الرأسمالى، وعندما تصل إلى نيويورك أو لوس أنجلوس، تكون طوابير الامريكيين امام شباك التذاكر لأكثر من ثلاثه كيلو مترات!

قل لأي اميركى انك حصلت على تذكرة لمشاهدة عرض «بحيرة البجع» أو «دون كيشوت» وسيقوم على الفور بمحاولة «تقبيل يدك التى أمسكت بهذه التذكرة»!!

زمن الكويت الجميلة – بدايات السبعينات – قررت الحكومة ان تعالج مشكلة «سفر المواطنيين إلى الخارج فى الصيف»، ورأت إن «السياحة الداخلية» تحتاج إلى «شوية اهتمام» حتى يبقى المواطن فى بلده مع اسرته مستمتعاً بما لديه!! عهدت المسؤولية بالمرحوم «صالح شهاب» وكان وقتها يشغل منصب «وكيل وزارة الإعلام لشؤون السياحة»، وهو رجل دمث الخلق، طيب القلب، نقي السريرة، مخلص فى عمله، لا تراه إلا مبتسماً، ولا تشاهده إلا «هاشا وباشا»، وكان أسمر البشرة لكن قلبه فى بياض ثلوج القطبين الشمالى والجنوبى معاً!!

تحرك المرحوم «صالح» وسافر إلى مشارق الأرض ومغاربها وجاء بكل عروض السيرك والمسرح والألعاب من كل بلد وحضارة، بل وأشترى أجهزة عرض سينمائى ووزعها – ومعه فريق عمل كبير – على حدائق الكويت العامة لتعرض الأفلام السينمائية الحديثة والقديمة على الرواد فى بدايات «العصارى وحتى ما بعد صلاة العشاء»، ووزع جداول بذلك تقول: «فيلم لحن الخلود لفريد الأطرش فى حديقة الشامية»، و «فيلم سبارتكوس محرر العبيد فى حديقة القادسية»..وهكذا!!

كان المرحوم «صالح شهاب» أشبه بالأم الحنون التى تلاحق طفلها – وهو يلعب فى الصالة – وهى ممسكة بملعقة الأكل لتدسها فى فمه كلما تيسر لها ذلك، كان يحاول أن «يشربنا الوناسة» بهذا المشروع الحكومى الذى أطلق عليه اسم «الترويح السياحى»!!

الصحافة وقتها لم ترحمه، وكانت شخصيته – وهو يستقبل الوفود السياحية الأجنبية أو يلتقط صورا مع أهل العروض المسرحية أو المواطنين فى الشارع – مرتدياً «البشت» بصورة دائمة..عرضه لريشة كل رسام كاريكاتير فى صحافتنا القديمة، وأكثر الذين لسعوه بالإنتقادات المرحوم عميد الصحافة الراحل «عبدالعزيز المساعيد» فى جريدته «الرأى العام» لكن «صالح شهاب» – كعادته دوماً – لم يغضب من الإنتقاد، ولم تزعجه السخرية!!

التقينا به ونحن شباب فى العشرينات نتابع أفلامه فى الحدائق «من أجل مغازلة البنات» وعروضه المسرحية الأجنبية فى سينما الأندلس والحمراء، وكنت محظوظاً أكثر حين التقيت به، وقد دخلت إلى عالم الصحافة عام1981 وكثيراً ما دعوته إلى مكتبى فى الجريدة لإجراء حوار لكنه يرفض الحديث للجرائد قائلاً: «أنت تعال القهوة الشعبية »!! حدث ذلك، وسألته عن الترويح السياحى وأيامه، فذكر لى معلومة طريفة لكنها عجيبة عن الشعب الكويتى إذ قال إنه «فعل المستحيل» فى موسكو حتى يقنع فرقة «البولشوى» الروسية لتحضر إلى الكويت لمدة ثلاثة أيام بسبب انشغال جدولها بزيارات فى كل أنحاء العالم، وحين نجحت فى ذلك جعلت سعر التذكرة للمواطنين «ربع دينار» فقط لا غير بينما سعرها الحقيقى الذى يدفعه الأمريكى فى أمريكا، والسويدى فى السويد، والبريطانى فى إنجلترا يزيد على مائة دينار ومع ذلك، فلم يكن عدد الحضور داخل سينما الأندلس لمشاهدة عروض الباليه الراقية هذه يزيد عن ربع مقاعدها، ثم أطلق تعليقه الساخر الذى جعلنى أضحك منذ عام 1983 – تاريخ لقائى به – وحتى يومنا هذا قائلاً: «الكويتيين يحبون يسمعون حسين جاسم، وعودة المهنا، ويأكلون..شاورما»!! توفى الراحل صالح شهاب في 25 يوليو عام 1985، وندمت لأننى لم ألتق به مرة ثانية وثالثة، فقد كان رجلاً نادراً من رجال زمن الكويت الجميل الذى رحل عنا مع.. رجاله الطيبين!!

*********

آخر العمود:
«علق أحد المغردين الذين يعملون لصالح الشيخ أحمد الفهد على خبر «الرأى العام» حول عدد المشاهدات لمقال: من «وكيل عريف» إلى «فيلد مارشال» الذى بلغ 72 ألفاً قائلاً: «إن السبب فى إرتفاع عدد القراء لهذا المقال هو فى وجود إسم الشيخ أحمد الفهد بداخله»!

يذكرنى بنكته تقول إن أحد الشيوخ كان يقود سيارته بسرعة كبيرة فى البر ومعه عدد من «الفداوية» فانقلبت السيارة «عدة قلبات» ثم اعتدلت فالتفت الشيخ إلى «الفداوية» معتذراً لهم عن قيادته المتهورة فما كان منهم إلا أن صاحوا بصوت واحد: «لأ.. يا طويل العمر، أنت مو غلطان، إحنا اللى مو..قاعدين عدل»!!

مشكلة الشيخ أحمد الفهد إن الذين يقفون معه أضروه – ويضرونه – أكثر من الذين يقفون.. ضده!!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *