غسان حامد عمر

أَمِن العَدْل؟!

ضمن أجواء ما سُمّي بالحرب الباردة بين قطبي القرن العشرين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، برزت أزمة “الصواريخ الكوبية” التي اكتشفتها طائرة التجسس الأمريكية U2 في أكتوبر عام 64 لتؤكد المعلومات الاستخباراتية بوجود صواريخ باليستية متوسطة المدى في الأراضي الكوبية وعلى بعد 90 كيلومتراً فقط من ولاية فلوريدا الأمريكية.

وطوال الثلاثة عشر يوماً التي تلت الرابع عشر من أكتوبر اهتز العالم الذي بات على شفير حربٍ نووية وضغطت الولايات المتحدة سياسياً بالمفاوضات وعسكرياً حين رفعت مستوى التأهب وأعطت لنفسها حق فرض حظر بحري وجوي باعتراض أي سفينة أو طائرة تشتبه في قدومها من الاتحاد السوفيتي أو حملها أي أسلحة في منطقة الأطلسي.

يقول المنظر العسكري الجنرال كارل فون كلاوزفيتز:
“الحرب امتدادٌ آخر للسياسة”، حقيقةً لم تكن الحرب يوماً نزهةً أو موقفاً يدعو للفرح، لكن الظروف تفرض على كثير من الأوطان الآمنة “عمليات موضعية” سريعة حتى لا يستفحل الداء وينتقل لأجزاء الجسد السليم.

قال شاعر النيل حافظ إبراهيم:
أمن العدل أنهم يردون الماء صفوا وأن يكدر وردي؟
أمن الحق أنهم يطلقون الأسد منهم وأن تقيد أسدي؟
نحن نجتاز موقفاً تعثر الآراء فيه وعثرة الرأي تردي
فقفوا فيه وقفة الحزم وارسوا جانبيه بعزمة المستعد

* (قد نختلف مع أي نظام لكننا لا نختلف مع الوطن، ونصيحة أخ لا تقف مع «ميليشيا» ضد وطنك، حتى لو كان الوطن مجرد مكان ننام على رصيفه ليلاً).. (جلال عامر).

سعيد محمد سعيد

مواطنون… 4 – 6 – 8 سلندر!

 

أجمل ما في أهل البحرين الطيبين الأصيلين أنهم لا يعرفون تكتيكات البعض في التمييز والطائفية والتقسيم الاجتماعي وتوزيع الولاءات وتجارة الانتماء والولاء المزيف.

عند فئة «زار التقسيم والفئوية» أن تكون مواطناً من سعة (8 سلندر)، في النفاق والتدليس والجمبزة ودعوات الوطنية الممجوجة، أفضل عندهم بكثير من 4 و6 سلندر. وفي كل الحالات، هذه السعات والقدرات والطاقات، ليست هي صفة أهل البحرين الذين يهم المخلصون منهم أن يعملوا بإخلاص لأجل الوطن وأهله، دون انتظار العطايا والهبات و»دهان السير».

لهذا، تجد أن بعض الشخصيات من البحرينيين، من الجنسين، منهم كتاب ومثقفون وناشطون سياسيون وحقوقيون وإعلاميون، يتحدثون بصدق في طرح القضايا المهمة التي تلامس الوطن والمواطن، فتصبح تهمتهم بالخيانة كبيرة! وكأن (بو 8 سلندر) يتحسس نفسه أولاً حين يستمع للإنتقاد. وكثيراً ما يضع «بعض» المسئولين كتابات الصحافة التي تحدد مواطن الخلل والتقصير والفساد في خانة «إهانة الحكومة»! وأن هذا النوع من الطرح لا طائل من ورائه إلا الانتقاص وإظهار الأداء السيء، وذلك – حسب ظنهم وقولهم – ليس إلا حالة من حالة العداء المقصود والمتراكم لتحقيق مآرب «أخرى».

سيبقى هذا القول، محصوراً في دائرة رأي مفرد، أو جمعي، لكنه في اتجاه واحد! هو ذاته الاتجاه الذي يجب ألا يقبله أي مسئول حكومي شريف يرى أن الصحافة هي المرآة التي تعكس واقع الحال، وأن الصحافة الوطنية شريك رئيسي مع الحكومة في التنبيه إلى مواقع الخلل، بكل مسئولية وأمانة، على ألا يكون ذلك على حساب المصلحة الوطنية بتقديم المصالح الشخصية تارة، والنوايا الخبيثة تارة أخرى، تحت شعار الولاء الحقيقي، الذي يفضح دائماً الولاء المزيف لطائفة أو لقوى سياسية أو لخطاب ديني «صفوي» مرة، وحاقد مرات ومرات!

والغريب أن الحديث عن شعارات براقة رنانة من قبيل «المواطن أولاً»، و«مصلحة الوطن العليا فوق كل شيء»، و»كلنا أسرة واحدة متحابة»، مضافٌ إليها تعابير أخرى من قبيل صيانة النسيج والوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، كل ذلك ميدانياً، لا يرقى إلى ترجمة حقيقية نعايشها على أرض الواقع لتمتين العلاقات بين أبناء البلد وتجاوز كل المحن والأزمات. بل حتى المبادرات المحدودة منها، والتي تحمل نوايا طيبة، سرعان ما تفشل وتتوارى.

ومهما يكن من أمر، فقد تسبب الخطاب المؤجّج لبعض النواب وبعض الخطباء وبعض الناشطين السياسيين في إثارة حالة من الصراع اليومي بدأ يزداد مع ظهور نموذج جديد من «الوطنية» القائمة على لفت نظر الحكومة إلى شخص أو إلى جماعة أو إلى عينة من المسئولين أو الشخصيات على أنهم الرمز الحقيقي والمثال الأكيد المدافع عن مصلحة الوطن، أما ما دونهم من المواطنين فليسوا سوى «قوة» خطرة تعمل في السر والعلن لتقويض المجتمع والعبث بمقدرات الدولة والشعب.

من الضرورة بمكان أن يسعى كل مسئول وكل جهاز حكومي وفق مسئوليته أن يفهم ويطبق ويدافع عن حقوق كل مواطن مهما كان دينه أو طائفته أو انتماؤه السياسي أو الفكري، وفق الدستور الذي اعتبر المواطنين سواسية! وبالطبع، نعلم أن هناك فئة من المسئولين، يعتبرون وزاراتهم أو إداراتهم ملكاً لهم ولأبنائهم ومن يحيط بهم. فيمارسون ما يشاءون ولا يخشون في «التجاوز» لومة لائم، إلا أن ذلك الأمر لا ينتهي إلا بتقديمهم للمساءلة القانونية الحقيقية حين يخطئون ويتجاوزون. يا جماعة، لماذا لا نرى محاسبة لأي مسئول ممن تجاوزوا وأخطأوا وعبثوا بالمال العام؟