سامي النصف

انتحار طيار.. ومنعاً لانتحار قادم!

الطيران وبعكس المهن الأخرى لا يعتبر التأهل له ضمانا لعمل يستمر مدى الحياة، بل يخضع الطيار كل عدة أشهر لعدة اختبارات مهنية وصحية للتأكد من صلاحيته للطيران، ولو رسب في اي منها لفقد تأهله وعمله وبات عليه ان يبحث عن وسيلة عيش أخرى، وهو كما قيل أحد أسباب حادث الطائرة الألمانية الأخير، حيث كانت لمساعد الكابتن مشكلات في بصره باتت تهدد مستقبله وتزيد من كآبته مما أدى به للانتحار.

***

وأذكر إبان ترؤسي للجان التدريب والحفاظ على المستويات في اتحاد النقل الجوي العربي ان زميلي رئيس اللجنة الطبية في الاتحاد كان يأتي في كل اجتماع بطلب اجراء المزيد من الفحوصات الطبية على الطيارين بحجة ان خطأ الطيار يتسبب في موت المئات، وكنت أطلب منه في المقابل ان تكون هناك فحوصات مماثلة للأطباء، فالطيار عندما يخطئ يذهب بالعشرات او المئات إلا ان خطأه يتوقف كونه يفقد روحه معهم إلا ان الطبيب او الجراح غير المؤهل قد يتسبب اثناء حياته المهنية التي تستمر- ايا كان أداؤه- عشرات السنين في فقدان المئات او حتى الآلاف لأرواحهم بسبب تشخيصاته أو جراحته الخاطئة، وإذا كانت الفحوصات الطبية الأولية او الدورية قد تمنع طيارا مكتئبا او مدمن خمور او مخدرات من ممارسة عمله، فماذا عن الطبيب المكتئب او المدمن؟!

***

والحقيقة ان علوم الطب القديمة تستطيع الاستفادة من علوم الطيران الحديثة، ومنها الفحوصات الطبية والمهنية الواجبة والملزمة كل عام، كذلك يمكن لقسم الجراحة ان يستفيد من إلزامية عمل لائحة تقرأ «قبل» إجراء العملية للتأكد من شخص المريض ووجود المعدات، وان العملية هي في القدم اليمنى لا اليسرى على سبيل المثال، وبعد العملية لا يغادر الجراح إلا بعد قراءة لائحة «ما بعد العملية» للتأكد من ان المعدات قد جمعت ولم يبق منها شيء في بطن المريض، أمر آخر مهم وهو ان الطيار لا يسمح له قانونا ببدء عمله إلا بعد التأكد من انه قضى فترة راحة كافية، كما ان عمله محدد بساعات معينة لا يستطيع تجاوزها، بينما يقوم الأطباء والجراحون ومنهم العاملون في قسم الطوارئ بإجراء عمليات خطيرة وهم شديدو الإجهاد لوجودهم في العمل أحيانا لمدة 24 ساعة دون نوم، ما يتسبب في حدوث الأخطاء المميتة.

***

آخر محطة:

(1) كان بإمكان طيار الألمانية ان يصطدم بالجبال خلال دقيقتين لو دفع الطائرة بانحدار شديد للأعماق ولكن من الواضح انه أراد عبر التحليق لمدة 8 دقائق في جو صحو ان يستمتع لأطول مدة ممكنة برؤية جبال الألب التي تغطي قممها الثلوج للمرة الأخيرة.

(2) الانتحار عملية إجرامية مجنونة قد تأتي وليدة اللحظة او عبر إصرار وترصد وتخطيط مسبق، كذلك فالانتحار يتم في بعض الأحيان بالأداة السهلة للمنتحر، فالطبيب ينتحر بالدواء، والعسكري بالمسدس، والطيار بالطائرة، أما حكاية لماذا يأخذ مئات الركاب معه فقد يكون أحد أسبابها ان المنتحر يرى ان الحياة قاتمة لا تستحق العيش فيعتقد بفكره المنحرف انه يعمل معروفا في الركاب بتخليصهم من الحياة التعيسة، ناهيك عن ان الأنانية التي يعبر عنها بمقولة «وبعدي الطوفان» هي صفة غريزية في الإنسان.

(3) كنا أول من تحدث في العالم عن احتمال انتحار الطيار الألماني عبر مقال 26/3 والمنشور قبل الوصول لشريط تسجيلات الكابينة، ونحذر في مقال اليوم من خطورة وجود فأس الحريق في كابينة القيادة دون وضعه في صندوق محكم يصعب من عملية الوصول إليه، حيث يمكن لطيار يخطط للانتحار ان يستخدمه لقتل زميله او جعله يفقد الوعي خلف باب الكابينة المحكم كي ينفرد بقيادة الطائرة وإلا فانتظروا فاجعة قادمة قبل التحرك!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *