محمد الوشيحي

فعلاً.. الأسد لا يلحس الجبنة

كل شيء يمكن أن أتقنه، أو أتخيل أنني أتقنه، ما عدا الرسم.. وكنت تلميذاً، عندما طلب منا أستاذ الرسم أن نتخيل المستقبل، ونرسمه. ويبدو أنه كان يتوقع منا أفكاراً أبكاراً لم تُطرق بعد. فسللت قلمي من غمده ورسمت لوحة ما زلت أتذكرها، بسبب التهزيء الجم الذي تلقيته بسببها.

رسمت لوحة (سبق أن كتبت عنها مقالة) فيها بقرة تطير، وفوق ظهرها أرنب يأكل تفاحة، وبطة تأكل جزرة، وأسد يلحس جبنة (من باب كل الأحبة اتجمّعوا.. في البوفيه). ولا أتذكر، للأمانة، سبب غضبته، هل لأنني حوّلت البقرة إلى «إيرباص»، وتسببت في زحام الفضاء، المزدحم أصلاً، أم لأن الأسد أكرم من أن اعتبره فأراً، أم لأنني لم أكتب تاريخ صلاحية الجبنة التي تناولها الأسد. لا أتذكر.

ولا أدري أين أستاذي الآن، حيٌّ هو أم لوّح لنا بتلويحة الوداع وغادر سطح كوكبنا بمثل ما استقبُل به. لكن لو أن صدفة جمعتني به، اليوم، لأرجعت ذاكرته إلى تلك الرسمة، وذلك التهزيء المبين الذي صبّه علي، ولسألته: ما رأيك بعد أن انحدر «الأسد» إلى فصيلة الضباع، التي هي أرذل من فصيلة الفئران؟ ما رأيك به وهو يستمتع بلعق دماء أطفال سورية، في حماة وحلب والسويداء ودرعا والرقة وبقية مناطق الغابة السورية.

ومن الذي يستحق التهزيء، اليوم، يا أستاذي؟ ذلك التلميذ الصغير الذي أطعم الأسد جبنة، أم تلك الأنظمة التي أطعمت الأسد دماء أطفال شعبه؟ ومن الذي يستحق التقريع والوقوف على قدم واحدة في مواجهة الحائط؟ ذلك الطفل الذي رسم للبقرة جناحين وطيّرها، أم تلك الأنظمة الإقليمية التي طيّرت البراميل المتفجرة فوق رؤوس النساء والعجائز والأطفال المرعوبين؟

على أن ما تأكد لي، بعد هذه السنين الطويلة، أن الأسد، فعلاً، لا يلحس الجبنة، ولا يستطعمها. ولو عادت بي السنون إلى الوراء لرسمت لوحة فيها ضباع ترتدي ثياب الأمهات الحانيات، تهرب من الضباع الأجنبية، بعد أن تقبّل أقدامها، وتستمتع بتقطيع أحشاء العصافير الراقدة في عشها… ولاحتملت ما سيأتيني من تقريع بسببها.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *