علي محمود خاجه

لا تضيعوا المسار

كتبت قبل أسابيع عن ضرورة اهتمام الحكومة تحديداً بجودة الأعمال المقدمة من قطاعاتها بدلاً من المسميات الوظيفية أو جهات العمل، على أن تراعي الحكومة في سلم رواتبها والامتيازات المالية لموظفيها عامل الجودة بالمقام الأول، وقد أشرت في ذلك المقال إلى كفاءة ما تقدمه المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية تحديداً وجودته، بل إن كتابة ذلك المقال أصلاً كان سببها الإضراب الذي تداعى له موظفو التأمينات الاجتماعية.
ما أعرفه أن وسيلة كالإضراب تستخدم للضغط على أحد طرفي العلاقة للوصول إلى حلول في اتجاه معين، وقد ارتكزت مطالب المضربين في مؤسسة التأمينات على إعادة النظر في سلم الرواتب بالإضافة إلى بعض المسائل الإدارية المتعلقة بالمسميات الوظيفية وغيرها، وهي مطالب أعتقد أنها مستحقة، خصوصاً في جانبها المالي لأننا كما أشرنا في مقال سابق إلى أن معيار الجودة هو ما يتوجب على الحكومة أن تعززه مادياً قبل أي معيار آخر.
كما أني أجد بالتزام أغلبية الموظفين قرار نقابة موظفي التأمينات بالإضراب أمراً فيه الكثير من حسن العمل التنظيمي، لكن ما لا أفهمه أبداً هو أن يتحول الإضراب من وسيلة لتحقيق مطالب معينة إلى هدف يسعى البعض إلى استمراره دون مبررات واضحة، فقد أقدمت الحكومة ممثلة بوزارة المالية على طرح البديل الاستراتيجي للرواتب لكل القطاعات العامة ومن ضمنها مؤسسة التأمينات، كما طُرحت مبادرة جيدة لتحقيق المطالب الإدارية والمالية لموظفي التأمينات في مدة لا تتجاوز ستة أشهر، وهو ما يعني أن أسباب الإضراب قد انتفت بتحقيق المطالب في مدة زمنية معقولة.
لماذا الاستمرار في الإضراب إذاً رغم كل تلك الضمانات؟
قد يقول قائل إن ما طرحته الحكومة من وعود ليس محل ثقة، والسبب أن هناك وعوداً سابقة لم تتحقق، وهو طرح أتفهمه جيداً حتى إن اختلفت معه هذه المرة، فإن صدق ذلك الطرح ولم تحقق الحكومة ما وعدت به خلال ستة أشهر فإن بإمكان النقابة معاودة الإضراب في ظل الالتزام التنظيمي الجيد من موظفي التأمينات مع نقابتهم.
إن فض الإضراب اليوم لا يعدّ تخاذلاً أو تهاوناً، بل هو انتصار لمطالب تم الاتفاق على تحقيقها بين الطرفين في مدة زمنية قصيرة جداً، ولا مبرر أبداً لتعطيل مصالح المواطنين، خصوصاً أن هناك الكثيرين منهم بحاجة إلى استمرار عمل مؤسسة التأمينات الاجتماعية بشكل طبيعي.

احمد الصراف

الحرف العربي والغربي

“>”>عندما قام القائد التركي الفذ أتاتورك، وتعني أبو الأتراك، في ثلاثينات القرن الماضي بإلغاء الأحرف العربية من الكتابة التركية، وأحل اللاتينية بدلا منها، ثارت ثائرة بعض المتشددين وتخوفوا من أن هذا سيؤدي مع الوقت لأن ينسى الأتراك هويتهم الدينية، ويضعف من قدرتهم على قراءة القرآن، وغير ذلك من المحاذير. ولكن تبين، وبعد أكثر من ثمانين عاما، أن شيئا من ذلك لم يحدث، فلغة القرآن العربية كانت غريبة عليهم عندما كانوا يكتبون لغتهم بالأحرف العربية، وبقيت كذلك بعد تغيير تلك الأحرف، ولكن العقيدة في نفوسهم بقيت بالقوة نفسها، والدليل أن الأتراك، ومنذ 11 عاما وهم يختارون حكومة يديرها رئيس اكبر حزب ديني إسلامي فيها. وبالتالي أثبتت التجربة وغيرها أن مطالبة الكثيرين، ونحن منهم وأقلهم علما، بضرورة تطوير اللغة العربية، وإدخال تعديلات جذرية عليها، لتكون أكثر مواءمة مع العصر، مطالبة جديرة بالتفكير. كما نعتقد أنه حتى مع تغيير حروفها من العربية إلى اللاتينية فلن يغير هذا ما في النفوس، في ما يتعلق بالدين، والدليل الأقوى من المثال التركي يكمن في حقيقة أن %80 من مسلمي العالم ليسوا بعرب، ولا يكتبون لغتهم بأحرف عربية، ومع ذلك لم يؤثر هذا في حقيقة زيادة إصرارهم، ومنذ أكثر من الف عام، على التمسك بدينهم أو معرفتهم بكتبهم المقدسة.
حركة كمال اتاتورك الثورية في طريقة كتابة التركية دفعت في حينها بعض المستنيرين العرب الذين سئموا من تخلف مجتمعاتهم وبعدهم عن الدول المتحضرة، للدعوة إلى أن تحذو الدول العربية حذو تركيا، ومطالبتهم بكتابة العربية بالأحرف اللاتينية، لأن ذلك سيجعلها أقرب لتراث وعلوم اللغات الأوروبية والأميركية، ويفتح لها خزائن العلوم المدونة بتلك اللغات، وسيساهم ذلك أيضا في تطوير الفكر العربي وتقدم الدول العربية، خصوصاً أن اللغة العربية، كما ذكرنا، تفتقد عدة أحرف عالمية. كما ان الكتابة بالأحرف اللاتينية ستقضي تماما على معضلة التشكيل والنطق السليم، وهي معضلة يشكوا منها %99 من الناطقين بالعربية. وشئنا أم ابينا فإن العصر هو عصر الحرف اللاتيني، فبغيره لا يمكن لأي فرد أن يتنقل في العالم بسهولة ويعرف الإشارات والإرشادات، أو يحصل على تصاريح الزيارة، أو يتعامل بالبطاقات الائتمانية أو يعرف القواعد العالمية ويتعامل مع المصارف الأجنبية أو يستخدم الإنترنت، إذا لم يكن ملما بدرجة أو بأخرى باللغة الإنكليزية، فهي لغة الحضارة والعصر الحديث.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com