سامي النصف

العالم بين حربين عالميتين

مرت علينا قبل مدة الذكرى المائة لقيام الحرب العالمية الأولى التي ذهب ضحيتها ما يقارب 20 مليون انسان والتي زرع مؤتمر الصلح اللاحق لها بذور الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها 50 مليون إنسان بسبب شروط الإذلال والإذعان التي فرضت على ألمانيا، وقد لا يعلم البعض ان دول العالم قد انقسمت في الحرب الأولى الى تحالف ضم روسيا وأميركا واليابان والصين وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا ومعهم أغلب الدول الأوروبية الصغيرة قابلهم محور ألماني ـ نمساوي ـ تركي، وكادت دول المحور ان تنتصر رغم الفارق العددي الكبير إلا ان دخول أميركا الحرب حسمها لصالح الحلفاء في الأولى ومرة أخرى في الثانية.

***

ويروج البعض خاطئا في منطقتنا ان تلك الحرب لم تقم إلا لإسقاط الدولة العثمانية واقتسام تركتها، والحقيقة كالعادة أبعد ما تكون عن تلك المقولة، فالدولة العثمانية سقطت قبل بداية الحرب بسنوات أي في عام 1908 لصالح حكومات الاتحاد والترقي التي عزلت السلطان عبدالحميد، كما اقتسمت الدول الكبرى وحتى الصغرى أملاك رجل أوروبا المريض قبل تلك الحرب الكونية، فقد خرجت مصر ودول شمال افريقيا من أملاك الدولة العثمانية لصالح فرنسا وبريطانيا وايطاليا، كما انتصرت جيوش اليونان وبلغاريا وصربيا والجبل الأسود على الجيوش التركية قبل الحرب، ونالت استقلالها وطرقت أبواب الأستانة، لذا لا يعقل الاعتقاد بأن الحرب الكونية الأولى لم تقم إلا للسيطرة على أرض الشام والعراق الساقطة لا محالة بسبب الضعف الشديد لجيوش الدولة التركية قبل ان يتولى قيادتها لاحقا الذئب الرمادي كمال أتاتورك.

***

والحقيقة ان أسباب نشوب الحرب العالمية الأولى شديدة التعقيد بعكس أسباب بدء الحرب العالمية الثانية السهلة نسبيا، فقد سبقت الحرب الأولى حروب عدة وتحالفات وأزمات وأخطاء جسام على رأسها رغبة النمسا في إذلال صربيا، ولولا ذلك لذهبت عملية اغتيال ولي عهد النمسا الذي كان في عداء شديد مع والده الامبراطور دون تبعيات، ومعروف ان من قام بالاغتيال الذي كان بمثابة الشرارة التي أشعلت الحرب هي منظمة الشباب البوسني (مالادا بوسنيا) وذراعها السرية، الكف الأسود، الذي ضم 7 شباب مؤمنين بمشروع صربيا الكبرى التي تضم البوسنة وكان من الشباب الذين أعدوا عملية الاغتيال محمد محميد والذي نفذها جافريل برينسب الذي لم يعدم لصغر سنه.

***

آخر محطة: 1 ـ من يعتقد ان دولنا هي التي قُسمت وتغيرت خرائطها بعد تلك الحرب فعليه ان يراجع نفسه، فقد تغيرت خرائط الدول الأوروبية بعد تلك الحرب ومرة ثانية بعد الحرب العالمية الثانية، وفي العدد الأخير لمجلة «الايكونومست» البريطانية تقرير خاص عن پولندا وضمنه كيف تغيرت خريطتها بشكل جذري خلال القرن الماضي.

2 ـ الفارق بين شعوبنا والشعوب الأخرى انهم يقبلون حقائق الحياة ويتعاملون بإيجاب مع «فقه الواقع» ويمضون قدما للامام بينما نبقى نحن نعيش في الماضي لندفع حاضرنا ومستقبلنا ثمنا له.

 

احمد الصراف

ونعتذر مع ابتهال.. ونساهم

كتبت الزميلة ابتهال الخطيب مقالا بعنوان «أعتذر مسبقا» قالت فيه إن العامل الاقتصادي هو الذي يحدد جوانب حياتنا، وما نعتنقه من فكر وما نعيشه من سلام أو حرب. وأن كارل ماركس الذي لم يستطع أصحاب العقول الصغيرة أن يصلوا إلى عمق فكره، واكتفوا بالتمسك بعدائه للدين، متغاضين عن عمق نظرياته، سبق ان قال إن «الإنسان أثمن رأسمال في الوجود»، وهذه الفكرة بالذات هي ما يحتاج أغنياء بلدنا وتجاره أن يستوعبوها ويستثمروا فيها.
فبينما يقف «داعش» على أطراف دولتنا، ينمو الخطر الأكبر بيننا، يتنامى داخل نفوس صغارنا ويتعاظم في طريقة تكوينهم الفكري، وكان هذا ما شغل بال فارعة السقاف منذ سنوات، وكأنها تتنبأ بما لا يحب أحدنا أن يتخيله، فقد أرعبتها المقامرة بمستقبل الأجيال، وأثخن قلبها إيمانها بأن الخطر الداهم داخلي لا خارجي، فعملت على تكوين «لوياك» هذه المؤسسة الشبابية التي من أهدافها منع الشباب من الفراغ، وإبعادهم عمن قد يستغل حماسة أعمارهم لتأجيج العنف وترسيخ التطرف. وهكذا نجحت لوياك في خلق فرص عمل مستمرة للشباب، ورسخت فيهم فكرة الكسب الحقيقي والاعتماد على النفس والتواضع واحترام الوظيفة مهما صغر شأنها، وفتحت أبواب العمل والفن ومختلف الهوايات الرائعة أمامهم، واستقطبت طاقاتهم الكامنة ومواهبهم المنسية، ولربما الأهم والأجمل في «لوياك» أنها جمعت الشباب وخلطتهم، بشيعتهم وسنتهم، بمتدينيهم ومتحرريهم، بكويتييهم وبدونهم في تشكيلة لم يسبق لها مثيل، وكل ذلك تحت السقف ذاته. وهذا هو الاستثمار الحقيقي في الإنسان، وهنا يجب أن يستثمر أغنياء الكويت وتجارها إذا ما أرادوا للبلد أن يستمر حقيقة، أي مستقبل للكويت خال من العنف والتطرف بصورتهما البشعة التي يجلبها «داعش» للمنطقة، فهؤلاء الأغنياء هم القادرون على فهم فكرة أن الاستثمار في الشباب بالإنفاق من أجل الحفاظ على عقولهم ليس هو الطريق إلى نجاح الدولة فقط، ولكن إلى نجاحهم هم كذلك. وإذا ما ترك الشباب للتطرف والعنصرية، وإذا ما أغلقت الأبواب، إلا من باب العنف والسلاح، في وجوههم، فإن المجتمع القادم سيخلو من البهجة، وسيرفض متع الحياة التي هي كل ما تقوم عليه تجارة الأغنياء، وسنتحول ببطء ولكن بثبات من دولة مدنية حديثة إلى أفغانستان أخرى، وليس ذلك ببعيد ولا حتى بطويل الأمد، الخطر قريب ويمكنه أن يقع في طرفة عين.
واستجابة لنداء الزميلة والصديقة ابتهال، وبالرغم من شعورنا بأن النداء لا يشملنا، فإننا سنقوم اليوم بتقديم ما بإمكاننا تقديمه للوياك، متمنين من الافراد والأسر الذين خاطبتهم الزميلة القيام فورا بدورهم المأمول.

أحمد الصراف