محمد الوشيحي

مو مني كل الصوج

قبل يومين انطلقت من «تويتر» حملة «اقلب الصورة» للتضامن مع حقوق «البدون» الإنسانية، وما أكثر الحملات التي تنطلق وتتلاشى كدخان سيجارة، بلا تأثير، لكن الحملة هذه لها استثناء إنساني يلوّنها بلون مختلف عن غيرها.
وبعيداً عن موضوع التجنيس… ما بال إخوتنا من البدون تفرغوا للبكاء واختفوا بين حشائش كثيفة من الحزن فلم نعد نرى إلا دموعهم ولا نسمع إلا أنينهم؟ ما بالهم نذروا أنفسهم لجلسة القرفصاء وأسندوا ظهورهم إلى حائط الهم؟ ما بالهم يغنّون المواويل الحزينة ويرددون «مو مني كل الصوج»؟
متألمون هم؟ الجواب «نعم» بحجم السماء وأكبر… أعرف مقدار الألم، أو أزعم أنني أتخيل ذلك، وأعرف أن شيئاً لا يؤلمهم كما يؤلمهم الضحك على جراحهم والاستهزاء بها عندما تخرج من أفواه قليلي المروءة، رغم أن من البدون من يعدل قبيلة المستهزئ به كاملة ومنهم من تعدل عائلة بأكملها، لكنها الدنيا والحظوظ (بالطبع أتحدث عن البدون المستحقين لا المزورين الذين نثروا الملح على جراح المستحقين). ومع ذا، دعوني أعتب على البدون عتب محب…
يقول المؤرخون: «محنة الأديب منحة الأدب»، فأين الإنتاج الأدبي بين جموع البدون الذين يعيشون في محنة؟ أين الشعر العظيم؟ أين أدب الرواية؟ أين العملقة في التلحين؟ أين الفن التشكيلي؟ أين النحت والرسم؟ أين الاختراعات العلمية؟ أين وأين وأين كل ما له علاقة بالإبداع الناتج من الآلام؟
غالبية أدباء العالم كانوا لا يجدون قوت يومهم، كانت الهموم تعتصرهم فأنتجوا لنا عصيراً أدبياً بقي خالداً… تمعنوا في سِيرهم، فها هو الأديب العالمي «فيكتور هوغو» ابن القصور، يقدم أفضل إنتاجه وهو في فترة الاغتراب والمنفى، والشاعر العظيم بندر بن سرور اعتلى في الحالق الشاهق عندما كان «مشحتراً» لا يجد ما يدفئ عظامه من زمهرير الشتاء، وأعظم قصائده ظهرت للناس وهو يرتجف برداً ويعالج تشققات كفه، وها هو امرؤ القيس، أشهر من يملك قلباً أخضر من بين الرجال في التاريخ، يطلق حممه الشعرية وهو بين الصعاليك المعتّرين، وهي حمم تتفوق بفراسخ على حممه عندما كان يعيش في قصر أبيه ويحمل رتبة «ابن الملك».
هنا أيضا، من بين «بدون الكويت» سنجد الأديبة سعدية مفرح، الكاتبة، الروائية، ذات الذائقة الشعرية الفاخرة، والرائع علي المسعودي الذي كلما قرأت له تخيلته يجلس تحت ظل شجرة وحيداً يعزف بالناي، وغيرهما قلة، فأين الآخرون؟
أنا لا أدعو إلى الدروشة الفنية، ونسيان ما خلا ذلك، لا… أنا أقول احملوا التفاحتين، كل تفاحة في يد، تفاحة المطالبة بالحقوق وتفاحة الإبداع، فإذا سقطت الأولى من اليد بقيت الأخرى تسد الجوع.
دعوا الدموع للعين تتكفل بها، وليحمل كلّ منكم نايه ويبحث عن شجرة تظلله، ولينطلق، فالسماء لا يحكمها رجال المرور الكويتيون، وكم بين النجوم من مقاعد شاغرة، فحلقوا كي نراكم حين نراكم ونحن ننظر إلى الأعلى لا إلى الأسفل… حلِّقوا واعصروا الغيوم ليتساقط المطر، لا تنتظروا المطر… حلقوا وشكِّلوا من طين آلامكم ما يبهرنا ويسحرنا.
وكان الله في العون…

احمد الصراف

الجالية الكويتية في الكويت!

كتب الفريق المتقاعد أحمد الرجيب، وكيل الداخلية السابق، مقالا في «الأنباء» ملأه بالحسرة والألم، تطرق فيه الى ظاهرة تحوّل الكويتيين لأقلية في وطنهم، بعد تزايد نسبة المقيمين بينهم، التي نعتقد أنها ستكون في حدود %72 لمصلحة هؤلاء مع ظهور نتائج التعداد! وقال إنه شارك في عدة لجان خرجت بتصورات واضحة للمشكلة، لكن الحكومة تجاهلتها، على الرغم من خطورة الوضع. وقال إن وراء المشكلة المواطن والشركات.. والحكومة!
اسمح لنا يا أخي الكريم أن نختلف معك هنا.
أولا: لا يتحمّل أي فرد أو شركة مسؤولية مباشرة عن الخلل، بل هي لعبة سياسية حكومية صادرة عن سلطة خفية داخلها تتحكم في قرارها، وهي التي فرغت مؤسسات الدولة من كل مضامينها! فحق استقدام العمالة بالجملة، أو غض النظر عمن يطلبها، مثلها مثل أي عملية تنفيع أخرى، كأعلاف الماشية المدعومة وتوزيع الزرائب وزيادة مساحة الحيازات الزراعية والتعامي عن مخالفات البناء وتكليفات شراء مباشرة وتلزيم أداء مختلف الخدمات من دون مناقصات، ما هي إلا وسائل سهلة و«مجانية»، وإن على حساب المال العام، لشراء ولاء النواب وإسكات الخصوم وإرضاء الأحباب! وبالتالي ليس من العدل أن تضع اللوم على المواطن، الذي كان، ولا يزال لدى «الجهاز الأمني» تعليمات بتسهيل طلبات نوابه، وطلبات المتنفذين الآخرين المتعلقة باستقدام العمالة الرثة والمتاجرة بها جهراً!
كنت ستصبح يا سيدي الكريم، على الرغم من كل خصالك الطيبة وأمانتك، شخصا كبيرا طالما انتظرنا سماع صرخته، لو كنت تقدّمت باستقالة مسببة من منصبك، احتجاجا على قيام السلطة، أو لنقل الحكومة، بتجاهل كل التحذيرات والتقارير الأمنية، التي صدرت عنك وعن غيرك، منذ ما بعد التحرير وحتى اليوم، والمتعلقة بطرق علاج هذه المشكلة الخطيرة، ولكن..!
وبالتالي، فالخلل في التركيبة السكانية ليس خطرا مقارنة بخطر التركيبة الحكومية، وتشجعها لشهية الكسب غير المشروع، لدى الكثيرين، على حساب أمن الوطن والمواطن.

أحمد الصراف