محمد الوشيحي


إلى الشقراء… 
تلك

أنا الشرق، أنا العرب، أنا النفط، أنا الثروة، أنا الرفاه، أنا التخلف، أنا الثورة، أنا السفيه في عين حكّامي.

سيدتي الشقراء الأوروبية، يا من تعرفت بك بعد أن قدموكِ إلي «مهندسة ديكور داخلي من السويد» وقدموني إليك «كويتي جورناليست» أو صحافي كويتي، أخطأوا هم في تعريفي، وكذبوا عليك لجهلهم… قالوا جورناليست ولم يقولوا صعلوكيست متمرّديست من الميدل ايست، لا يعيش بلا نساءايست، وفي حضور الجمال قد ينسى التنفس فيموت إن لم يذكّره أحد، لكنه لا يميل إلى اللون الأشقر فافرحي أو احزني…

ماذا أيضاً؟ أحدثك أكثر؟… أنا المتناقضات… أنا الفوضى كما هي حالت هذه المقالة… أنا الشرق، ألا تعرفين الشرق، حيث الشعوذة حقيقة والحقيقة شعوذة؟ حيث تفسير الأحلام يدر دخلاً أضعاف الدخل من الاختراعات الهندسية؟ أنا العرب، حيث الشعوب ملك للحكام يورثونها أبناءهم كالعقار والأبقار؟ أنا من العرب، حيث لا يوفر لنا حكّامنا أطباء فنلجأ إلى العلاج بالبصق، قبل أن نشكر الحاكم ونحمده على جزيل نعمه ووافر فضله… أنا من العرب، حيث لا نرفض أمراً لحكامنا إلا إذا نهضنا لتحيتهم والتصفيق لهم فيأمروننا بالجلوس فلا نقبل… أنا من الشعوب تلك، حيث لا يتحدث حكامنا إلا إلى الفضائيات الأجنبية، وبالتوقيت الأميركي، الذي يوافق موعد نومتنا السابعة، فالمواطن الأميركي هو المخاطب لا نحن.

أنا من مصر الحرة يا سيدتي الشقراء، حيث نجح الضعفاء في كسر أنف أبي الهول… أنا من ليبيا، حيث الحاكم الذي وضع إبهامه وسبابته في رقبة شعبه اثنين وأربعين عاماً، وعندما دفع الشعب يدي الخناق بعيداً عن رقبته، تساءل الخنّاق مذهولاً: «من أنتم؟»، هو كان يخنق والسلام، لم يكن يعرف هوية المخنوق.

من أنا؟ أحدثك أكثر؟… أنا سورية، حيث مقاومة إسرائيل أربع مرات يومياً في نشرات الأخبار تكفي وتفيض. أنا من سورية حيث الطفل «حمزة» أحرج «عطران الشوارب»، حيث استُبدل العلاج بالبصق بالعلاج بالقصف… من أنا؟ أنا درعا لا أمّ لكِ، حيث يعلو صوت الربابة وغناء أمهات الشهداء على دوي المدافع… اخفضي عينيك يا سيدتي إجلالاً وانحني إكراماً فأنتِ في حضرة درعا، حيث الكرم هنا بإراقة دماء أولادنا قبل أن تنبت شواربهم عندما يعتقد الخليجيون أن الكرم يكون بإراقة دماء الأكباش والأنعام ويفاخرون بذلك… أنا من درعا أيتها الشقراء، حيث تخجل الجبال من ثباتي… أنا يا خضراء العينين درعاوي، أنا ابن السابعة عشرة الذي غنّت لي أمي أغنية العرس عندما بلغها خبر استشهادي، وعندما مر بي أصحابي وهم يحملون أشلائي أمام منزلنا، خرجت لهم أمي وأطلقت زغرودة حااااارة رددتها معها السماء… «أوييييييييها ليليليليليش».

من أنا بالتفصيل؟ أنا الكويت، حيث الحرية التي كانت، والريادة التي كانت، والخجل الذي كان، والفن الذي كان، والوحدة الوطنية التي كانت… أنا من الكويت، حيث يُضرب النواب والأكاديميون ويتم سجن المضروب. لا تضحكي، انتظري قليلاً… أنا من الكويت حيث يُطلب من المضروب أن يحمد الله بكرة وأصيلاً لأنهم اكتفوا بضربه وسحله وامتهان كرامته فقط، وآه «لو كنتَ في دولة من الدول اللي بالي بالك»، هكذا نطقوها.

أنا من الكويت لا أبا لكِ، إن كنتِ تعرفين أباك… أنا من الكويت، حيث يحكمنا أسرة نحبها، إلا أن خطاياها تناثرت من «الكيس» في الفترة الأخيرة لكثرتها… أنا من الكويت، حيث تطاير الدستور كدخان سيجارتي، هكذا، هوووووف… أنا يا شقراء يا بنت الأشقر من الكويت، حيث قرر الأحرار ذوو الدماء الحارة استعادة وطنهم رغماً عن أنف الوباء المنتشر في الأجواء.

أنا كل هؤلاء وأكثر… فمن أنتِ؟

احمد الصراف

ماذا قالت وفاء؟ (2/2)

تقول وفاء سلطان: ان المراقب العادي لمجريات الأحداث قد يعتقد أن هذا الهيجان الجماهيري ما هو إلا تعبير عن رفض تلك الحركات للقمع الممارس عليها، الذي طال أمده، ومطالبة بحريات مستحقة منذ أمد، و‎قد يكون في الأمر بعض الصحة، لكنني لا أستطيع هنا أن أميز بين شكل وآخر من أشكال الحرية، فالحرية مهما تعددت أشكالها تبقى واحدة ولا يمكن الفصل بينها، فكيف تطالب تلك الحركات بالحريات السياسية، ولا تطالب في الوقت نفسه بحرية الاعتقاد والتعبير؟ و‎هل يعقل أن ذلك الشاب الذي خرج لتوه من صلاة الجمعة وراح يهتف «الله أكبر» هو في حقيقة الأمر يطالب بالحرية كحق شخصي، وبغض النظر عن شكل تلك الحرية؟ ‎إن كان الأمر كذلك، فلماذا لم نر عبر التاريخ الإسلامي حركات تطالب بإنصاف الأقليات كبشر لهم الحقوق نفسها؟ أو بإنصاف النساء كبشر لهن الحقوق نفسها؟ فتقارير الأمم المتحدة تكشف أن مئات، إن لم يكن آلاف، من النساء المسلمات يقتلن كل عام ‎»دفاعا» عن الشرف، فأين هي الحركات التي ثارت ضد هذا الظلم الذي لا يمكن أن يقابله ظلم آخر؟
‎إن الحرية مبدأ لا يتجزأ، وكما نطالب بتحررنا من قبضة الدكتاتور، كذلك يجب أن نطالب أولا بتحررنا من ثقافة كرست وجود ذلك الدكتاتور، وكرست كره الإنسان لأخيه الإنسان في الوطن الواحد! ولا شيء يبرهن على نضوج الإنسان في فهمه للحرية، إلا إيمانه بحق غيره في أن يمارس تلك الحرية، وبالتالي لا يمكن أن أصدق أن ذلك «الثائر»، وهو يهتف «الله أكبر» يؤمن بحق الإنسان الذي لا يشاطره قناعاته الدينية في أن يستمتع بحرياته؟ وأن هؤلاء النسوة اللاتي يطالبن بحقهن في ممارسة الحرية السياسية، لا يمانعن من أن تمارس وفاء سلطان حقها في حرية التعبير؟ فلم يسمعهن أحد يوما يحتججن على ضرب المرأة في ديارنا أو على أنها ناقصة عقل وليس من حقها الشهادة منفردة وحصتها أقل في الميراث، فما الذي يقنعني بأن استيعابهن لمفهوم الحرية، كمفهوم شامل ومقدس، هو استيعاب ناضج وحقيقي؟
‎ ‎لم يحدث أن تغير مجتمع بشري تغييرا جذريا من خلال ثورة من دون أن يسبق تلك الثورة تطور ثقافي تدريجي، وبالتالي فان هذه الثورات هي في الغالب ثورة جياع ومحرومين وليست ثورة أحرار، وهذا يكسبها أهمية إنسانية أكثر، ولا يقلل أبدا منها، فالجوع والحرمان أشد إيلاما للروح البشرية من القمع، إنها غريزة البقاء التي هي أقوى الغرائز وأقدسها، فقد يُقمع الإنسان ويظل حرا داخل عقله ومحتفظا بمعنوياته، أما أن يجوع أو يجوع أطفاله أمامه، ولا يستطيع أن يفعل شيئا، وخصوصا عندما يجد نفسه محاطا بغيلان تأكل ‎الدجاجة بعظامها والبيضة وقشرتها، فالقهر عندها يسحق نفسه وروحه معا.
المقال طويل ومثير وبإمكان المهتمين البحث عنه في الإنترنت.

أحمد الصراف
[email protected]

احمد الصراف

ماذا قالت وفاء؟ (2/1)

تقول الكاتبة والمحللة النفسية وفاء سلطان، تعليقا على الأحداث التي تجري في بلداننا، إن الدكتاتور هو ‎ناتج حتمي للثقافة الدينية! وإذا كانت الثورات ضد الطغاة مشروعة، بل وهي واجب مقدس للإطاحة بهم، فالاهم أن نثور على ثقافة ساهمت، ولا تزال، في خلق هؤلاء! وأنها واجهت كثيرا من الأسئلة التي قد لا تستطيع الإجابة عنها، لأن مواجهتها تتطلب جهدا وصبرا أمام قطيع مغيب الوعي، لا يعرف إلا أن ينطح من يقف في وجهه، وهو في طريقه لمذبحه! وتتساءل لماذا اشتعلت الثورات اليوم، وليس من قبل، علما بأن هذا الواقع المأساوي مستمر منذ عقود، وليس هو اليوم اسوأ منه بالأمس؟ و‎لماذا بدأت في تونس وانتهت بسوريا ولم تمر على دول تفتقر أكثر الىا لحرية؟ ولماذا اجهضت في بعضها، ولم تسفر عن وضع أفضل، حيث يُفترض أنها نجحت؟ و‎هل هناك أصابع أو عوامل خارجية وراءها؟ وقالت ان ‎هذا الهيجان الجماهيري له أسبابه التي يحددها الوعي وأخرى يفرضها حيز اللاوعي، فالاعتقاد أن المشاركين في تلك الحركات هم من المُحبَطين، الذين لم يعد أمامهم أي أمل في وضع أفضل قد يكون صحيحا، ولكن هذا الإحباط، إن أخذناه بمعناه السيكولوجي، لا يمكن أن يكون سمة لهؤلاء الثائرين، بل على العكس، فهم طبقة خرجت حديثا من دائرة إحباطها، واكتسبت قوة جديدة نفخت فيها روح التمرد. كما أن ‎الإحباط يعني حالة من اليأس تجمّد صاحبها وتمنعه من أي حركة بغية تحسين وضعه. فهؤلاء ليسوا مُحبطين في الوقت الحاضر، بل هم خرجوا ـ ولو جزئيا ـ من حالة الإحباط التي عاشوها لسنين طويلة، ‎أما من بقي منهم محبطا، فليس له دور إطلاقا في تلك الحركات، فمن غير المتوقع أن الطبقة التي تعيش في المقابر مثلا قد شاركت في أحداث ساحة التحرير! فبنظرة بسيطة على ما كان الشباب الذين تجمهروا في الساحة يلبسون ويتواصلون بتلفوناتهم ومن خلال الإنترنت، لوجدنا أنهم من طبقة حديثة الإحباط، وتحررت لتوها من جزء منه. و‎بقدر ما يسبب القمع إحباطا، تسبب الحرية ـ وخصوصا في بداياتها ـ إحباطا، و‎كما تزيد الحرية من فرص النجاح، كذلك تزيد من فرص الفشل. فالحرية تضع الشخص أمام خيارات جديدة ليكون معتادا على مواجهتها، الأمر الذي يشعره بمسؤوليته الشخصية حيال وضعه، بعد أن كان يحمّل السلطات القائمة مسؤولية هذا الوضع! و‎ما لم يملك الإنسان المواهب والإمكانات التي تساعده على أن يخلق من نفسه الشخص الذي يريد أن يكون تصبح الحرية وبالا عليه، لأنها تعطيه الفرصة نفسها التي أعطيت لغيره، وماذا يفعل بهذه الفرصة ما لم يملك المواهب التي تساعده على الاستفادة منها؟ أي أن الحرية في تلك الحالة تعمق الفروق في الإنجازات بينه وبين غيره الأمر الذي يزيد من ضغوطه ويعمق إحساسه بفشله وبعجزه.

أحمد الصراف
[email protected]

محمد الوشيحي

بو عكاريش

الدنيا تغيرت، والدول العربية المحيطة بنا تجري كل يوم لترفع لياقتها البدنية وتلحق بالدول المتقدمة، وما كان يحدث في سنة بات يحدث في يوم أو بعض يوم، ولم يعد لدى العشاق ما يكفي من الوقت للاستماع لأغاني أم كلثوم التي تمتد أكثر من ساعة وساعتين… خلاص… يا تلحق يا ما تلحق.

حتى الرجل الكويتي الذي كانت أقصى رغباته تنحصر في الأسعار والنساء، ولهذا جمع الرغبتين في دعاء واحد: «يا كريم يا مرخص الحريم»، على اعتبار أن النساء من مسؤوليات إدارة حماية المستهلك… أقول حتى الرجل الكويتي تغيرت رغباته، فالنساء اليوم أكثر من الهم على قلبه، خصوصاً بعد أن امتد نطاق مجلس التعاون الخليجي واتسع، وكل ما لا يجد سعره مناسباً أو حتى رخيصاً في الكويت يشتريه عن طريق الإنترنت أو أي طريق آخر. والمرأة الكويتية كانت فأصبحت.

إذاً… تغيرت المشاكل والطموحات والرغبات والنفسيات، وتغيرت الثقافة، وبات الكويتي، كغيره من مواطني دول العالم، يناقش مشاكله السياسية والاقتصادية ويحتج على هذا ويؤيد ذاك، وأصبح يشاهد ما تفعله الحكومات لخدمة شعوبها، وتابع تنافس فنلندا وآيسلندا والنرويج في قطاع الاتصالات، وكيف اشتعل السباق بين الحكومات الثلاث للتفوق على بقية دول العالم، فقرر برلمان فنلندا أن يضمّن الدستور مواد خاصة بالإنترنت باعتباره من حقوق الإنسان، فالتزمت الحكومة بذلك وتعهدت بأن توفر لكل منزل إنترنت بسرعة «1 ميغا بايت» كحد أدنى، فغضب الشعب النرويجي على حكومته وشعر بالغيرة، فخافت حكومته وتعهدت بأن «تشد حيلها»، وشدت حيلها بالفعل فتفوقت على فنلندا، ودخلت آيسلندا على الخط، وهات يا منافسة..

كل هذا وحكومتنا تعيش على النظام القديم، وتختبئ خلف نظام المشيخة وفداوية الإعلام وفداوية البرلمان وفداوية الفتاوى وأهل الفتنة، وتركت الاتصالات على نظام «يا طير يا خافق الريش، سلّم على بو عكاريش»، وإلى أن يصل الطير أبو الريش برسالة العاشق إلى منزل معشوقته الآنسة أم العكاريش تكون اليابان قد أعادت بناء جسورها المهدمة جراء الزلزال إلى حالتها قبل الزلزال (العالم شاهد صور إعادة الإعمار، وكيف استطاع اليابانيون إعادة بناء طريق سريع خلال أقل من أربعة أيام).

طيب وبعدين… ما الذي تبقى لم يفعله الشعب الكويتي ليعبر عن غضبه؛ استجوابات واستجوب، مقالات وكتبَ، مسيرات ومظاهرات وسارَ وتظاهرَ، لم يبقَ إلا أن «نطبع مفروشات ونوزعها»، على رأي اللمبي، بينما الحكومة تتمدد على أرجوحتها التي ربطتها بين شجرتين، وتستمتع بنكهة الفراولة على أنغام شتائم فداويتها لخصومها، والبلد يهوي ويهوي ويهوي، والشعب يغلي ويغلي ويغلي… وحتماً لن تستمر الأمور بهذه الصورة.

احمد الصراف

أهواء ملالي وشيوخ القرون الوسطى

يعيش غالبية مسلمي أوروبا الغربية، وبعض الأقليات الأخرى، في مجتمعات متعددة الثقافات، فلها ما يشبه المحاكم الشرعية أو المحلية الخاصة بقضايا الأسرة والارث وغيرها. كما يلعب رجل الدين دورا مهما في حياة هذه المجتمعات، وتم ذلك بفضل مجموعة من القوانين التي اقرتها برلمانات تلك الدول التي هدفت في البداية لخلق مناخ أفضل لهؤلاء المهاجرين. ولكن بعد مرور ما يقارب العقدين على هذا التسامح والتعدد الثقافي تبين لعلماء الاجتماع والسياسة وحقوق الانسان خطأ هذه السياسة، فقد استغل دعاة التزمت والتشدد، ومن المسلمين بالذات، تسامح مجتمعاتهم الغربية الجديدة في استمرار اضطهادهم للمرأة كابنة أو زوجة او اخت، أو حتى كأم، وكأنهم لا يزالون يعيشون في سابق مجتمعاتهم أو دولهم، سواء من خلال اجبارهن على الزواج المبكر، والعيش بالطريقة التي تناسب آباءهن أو الذكور من اخوتهن، أو الاقتران بمن يفرض عليهن، ورفض حقوقهن كبشر، وحتى ان تعلق الأمر بالدراسة واللباس، وعليه أعلنت السلطات الألمانية والايطالية والهولندية وغيرها فشل نظام تعدد الثقافات وأنها بصدد اعادة النظر فيه. وقال ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، ان اتباع هذه السياسة زاد من تطرف الأقليات في بريطانيا، وان الدولة بحاجة الى هوية وطنية اقوى لمنع الآخرين من اللجوء إلى التطرف، وأن سياسة التعدد الثقافي دفعت كل طرف لأن يعيش منفصلا عن بقية المجتمع، وقلل هذا من درجة التسامح بينها بنسبة كبيرة. كما تحول المجتمع الغربي لغيتوهات، فهنا يعيش الباكستانيون، وهناك مسلمو الهند، ومنطقة ثالثة للايرانيين وغيرهم، وكل منها لها ثقافتها التي تساعدها على الاستمرار في رفض الانصهار في المجتمع الأوسع والأكبر. وليس بالمستغرب أن نسمع قريبا بقوانين أوروبية «تضيقية» جديدة تهدف إلى الاسراع في عملية انصهار الأقليات بدرجة أكبر في مجتمعاتهم الجديدة، ولو تطلب الأمر استخدام «عضلات الليبرالية»، ان جاز التعبير، في تحقيق ذلك، فلا يمكن ترك تربية النشء لعقلية النجوع والقرى التي قدم منها هؤلاء بحجة الحق في «التعدد» الثقافي، فحقوق الانسان يجب ألاّ تترك لأهواء ملالي وشيوخ القرون الوسطى.
***

ملاحظة: بسبب غيابنا الذي سيستمر حتى ما بعد رمضان، وبسبب فارق الوقت، يرجى ممن يرغب في الاتصال بنا عدم إرسال رسائل نصية والاكتفاء برسائل الايميل.
وشكرا للجميع

أحمد الصراف
[email protected]

مبارك الدويلة

حصاد السنين الصمت المريب

لم يعد مقبولاً هذا الصمت المطبق تجاه الأحداث في سوريا من قبل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. فما يحدث هناك مجزرة وحشية بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى. ولئن كان البعض يرى في نظام الأسد رمزا للصمود، فقد حان الوقت كي يترك هذه النظرة، التي ليس لها رصيد من الواقع، جانبا، وينظر إلى الأمر من منظور انساني بحت. فهذه الجموع البشرية التي انتفضت في مختلف المدن والمحافظات السورية لا يمكن ان يوجهها حزب واحد أو تنظيم بعينه أو جماعة محرضة، بل هذه الآلاف المؤلفة من البشر حركتها مشاعر الظلم والقهر، واشتركت في ما بينها بالشعور بالمهانة وقسوة الحياة عليها، لذلك نقول لمن يرى في نظام الأسد نفعا ان الوقوف مع الشعب أنفع لك اليوم فقد يأتي نظام مخلص للأمة العربية ومنحاز للأمم الإسلامية والقضايا القومية لها أولوية عنده، نقول لحزب الله في لبنان، ادعم مطالب الشعب السوري فهو الذي سيدعم غدا كل غيور على أمته وكل محب لتحرير أرضه. كما نقول للجارة إيران، حان الوقت لتظهري للعالم كله وللعرب بشكل خاص انحيازك للشعوب المقهورة وليس للأنظمة الظالمة المتجبرة! ونقول لبعض اخواننا هنا في الكويت الذين لم يراعوا مشاعر اخوانهم السوريين الذين سقط اقرباؤهم بالمجازر البشعة لجلاوزة النظام البعثي العلوي، نقول لهم اتقوا الله في اهل السنة والجماعة، فالوقوف مع الظالم بهذا الشكل السافر وغير المبرر له عواقب وخيمة، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
بقي ان نتوجه الى حكام وملوك ورؤساء العرب، ونقول لهم ان النظام السوري كان، وما زال، عنصر أمن وأمان لاسرائيل، فها هي جبهة الجولان ساكنة سكون اهل المقابر منذ قرابة نصف قرن لم تطلق فيها رصاصة واحدة، وها هو نظام حسني مبارك ونظام بن علي سقطا سقوطا مدويا يجب ان يكون درسا لكل الطغاة، وكلنا نذكر موقفكم الطيب والمشرف من ثورة الشعب الليبي، فلماذا هذا الصمت المريب عن النظام السوري الوحشي؟ أليس عيبا ان «تفزع» اوروبا للشعب السوري ونحن ندرك جيدا مدى مصالحها مع بقاء نظام الأسد؟ لكنها القراءة الجيدة للساحة السياسية! بينما نحن ما زلنا نعيش في الوهم.
• • •
• كلمة أخيرة: كلمة شكر وتقدير للسفير الكويتي عادل حيات والدبلوماسي عريفان العريفان على حسن تعاملهما مع الكويتيين في وارسو (بولندا)، حيث انهما يقدمان صورة مشرفة للدبلوماسية الكويتية، وذلك بتعاملهما الراقي مع مصالح الكويتيين هناك وبعلاقاتهما الواسعة مع المسؤولين في تلك الديار، فكل الشكر والتقدير لهما.

احمد الصراف

مبالغات الخطة

في بداية ابريل الماضي صرح وزير المالية مصطفى الشمالي، على هامش مؤتمر الكويت لمشاريع الــPPP تحت شعار «الشراكة بين القطاعين العام والخاص» بأن نسبة إنجاز مشاريع خطة التنمية تعتبر جيدة، على الرغم من البطء في الإنجاز الذي عانته الخطة في عامها الأول! والحقيقة أن هذا الكلام غير صحيح من اول حرف إلى آخر حرف فيه، ومؤسف ان يصدر عن شخص بمثل هذه المسؤولية في الحكومة، فخطة التنمية تحدثت عن محطة كهرباء الزور ومترو الأنفاق وشركة الإسكان، ومدينة الحرير، أو أي شيء آخر وغيرها، وجميع هذه المشاريع لا تزال على الورق ولم ينفذ منها شيء، والدليل ما صدر عن «عراب» الخطة الشيخ أحمد الفهد، الذي أعلن في نهاية الشهر نفسه من أن الحكومة تخلت عن فكرة التمويل المدعومة، وأن الشركات، التي لم تؤسس حتى الآن، والتي ستقوم بتنفيذ خطة التنمية، ستحقق العائد المرجو منها، وان الدولة تتعهد بشراء المنتج النهائي منها ثم بيعه مدعوما، وان هذه الشركات، التي تحتاج الى أشهر عدة لتأسيسها، يمكنها اللجوء للاقتراض المصرفي! وهذا يعني أن تصريح وزير المالية في أول الشهر غير صحيح تماما، وهو يعرف ذلك، والسؤال هو لماذا ينجر وزير بمثل هذه الخبرة المالية والأهمية السياسية لمثل هذا المأزق والمبالغة؟ وهل هو مجبر لإرضاء طرف أو آخر؟ وعليه نجد أن خطة التنمية اصبحت معرضة أكثر وأكثر للتأخير والمساومات، وغالبية مشاريعها المستقبلية فاشلة ومكلفة، وليس هناك ما يثبت جدواها اقتصاديا، واي مشروع غير مجد اقتصاديا سيشكل عبئا على الموازنة عاجلا ام آجلا، ولن يكون سوى حوض للتوظيف الانتخابي العشوائي!
وفي السياق نفسه لو نظرنا لمشروع «مستشفيات الضمان الصحي» لوجدنا أنه مشروع أقرب للنكتة منه لأي شيء آخر، بسبب شروط تنفيذه بنظام الــ BOT أو الــ PPP !! ولا اعتقد ان شركة تحترم نفسها على استعداد للدخول في مثل هذا المشروع ما لم يعدها طرف ما بــ«إثراء غير مشروع» فقط لكي يبدأ التنفيذ!
***
ملاحظة: ارتفعت نفقات الدولة العامة من 4 مليارات، سنة 2000، إلى 12 مليارا، سنة 2010، منها %90 رواتب وخدمات هامشية! هذا جنون وسفه، ولو كانت الدولة رجلا لتم الحجر عليها!

أحمد الصراف
[email protected]

محمد الوشيحي

سجل عندك 1

تريد الكذب البارد الذي يسرسح على جوفك ويخدّر دماغك ويطبطب على أكتافك أم لديك القدرة على تحمل الصدق الذي يلسعك ويصفعك ويسفعك بالناصية… تعال إلى ميدان الصدق، وتعال لنتحدث عن الفرق بين عادات الشعوب المتعلمة وطباعها ونقارنها بعادات الشعوب غير المتعلمة وطباعها. وعندما أقول «متعلم» أو «متعلمة» فأنا أتحدث عن الفرد في الشعوب المتعلمة، وعندما أقول «غير المتعلم» فأنا أتحدث عن الفرد في الشعوب غير المتعلمة، حتى لو كان يحمل شهادة الدكتوراه. وطبعاً لا حاجة لي إلى التذكير بأنني أتحدث عن الغالبية لا الكل.

وسيلفتك في الشعوب غير المتعلمة المبالغة في الحزن والكرم، ويموت ميّتهم الذي لا يعادل حبة خردل، فتندب الندابات، وينثرن التراب على وجوههن، ويرتفع صراخهن، وتقوم قيامتهن… ويموت المتعلم فيكتفي أهله وأصدقاؤه بالحزن والإطراق والصمت ووضع الورود على القبر، فللموت هيبة عندهم وجلال.

وإذا زرت صديقاً من الشعوب غير المتعلمة، فيا ويلك ويا سواد ليلك إن كنت مستعجلاً أو على سفر، سيقسم عليك بأغلظ الأيمان وأمتن العبارات أن تأكل عنده ذبيحة، كبشاً أو تيساً أو ديكاً رومياً أو غيرها من البهائم التي تعتمدها بيئته رمزاً للكرم وحسن الضيافة، وسيدعو الجيران والأقارب، وستشعر لوهلة بينهم أنك أبو زيد الهلالي، وفي أضعف الأحوال أنت دياب بن غانم، أما إذا زرت متعلماً تربى في بيئة متعلمة، فسيخيّرك: «ماذا تشرب؟» أو «سأصحبك إلى مطعم فاخر إن كان لديك الوقت»، هكذا ببساطة، فإذا كنت غشيماً مثلي، وأجبته: «كثّر الله خيرك… لست جائعاً»، فسيصدقك فتجوع فتموت.

وفي الشعوب غير المتعلمة، سيفاخر أحدهم: «أنا أكرمُ ضيفي حتى لو لم أكن أملك مال الضيافة، سأستدين لإكرامه، وسأقتّر على أولادي من أجله»، وهو يرى ذلك غاية الفخر وسنام المجد، في حين تعتبر الشعوب المتعلمة هذا المسلك تهوراً وعدم حصافة.

ويحدثني صديق: كنا في أميركا، والتقينا صدفة مع مجموعة من المعارف، واتفقنا على تناول الغداء معاً، وجاءتنا الفاتورة، فتناهبناها كعادتنا، كلّ يقول أقسم أن أدفعها أنا، وعلا صوتنا، وانطلقت أيمان الطلاق، ونهض بعضنا لينتزع الفاتورة من يد الممسك بها، فجاء إلينا أميركي طاعن في السن، تبين لنا لاحقاً أنه صاحب المطعم، وقد تحول وجهه إلى اللون الأحمر الفاقع، وهمس بأدب وهو يحاول إخفاء غضبه: «ما المشكلة أيها السادة؟»، فأجبناه ضاحكين: «لا شيء»، فأصرّ: «أنا رأيتكم وسمعتكم تصرخون، هل لديكم مشكلة مع أسعار المطعم؟»! يقول صاحبي: «تمنيت لحظتذاك أن تنشق الأرض لتبتلعني، فالأميركي الأحمر لا يعرف طريقتنا في المبالغة»، ويضيف صديقي: «شرحنا له الموضوع قبل أن نغادر المطعم ونتركه وهو يضع يديه على وسطه ويتبعنا بنظرات من يفكر في إغلاق المطعم أو بيعه، ولا أظنه فهم شيئاً مما قلناه… حتى هذه اللحظة».

وتستمر المبالغة حتى لو على المستوى السياسي، فلحكّام الشعوب غير المتعلمة صلاحيات وسلطات مبالغ فيها، وبإمكان الحاكم تقسيم أراضي الدولة، هذه أقضي فيها الصيف، وتلك للشتاء، وهذه الأرض لأخي، وتلك لابني، ووو، وهذا من حقه، كما تعتقد تلك الشعوب، وكلما قسا على الشعب اعتبروه مهيباً، في حين لو تجرأ حاكم شعب متعلم على التفكير، مجرد التفكير، بمثل هذا، لعلقوه من أذنه اليسرى على مدخل المدينة، وربطوه بالحبال، وضربوه بالنعال… وللزوج غير المتعلم صلاحيات وسلطات على زوجته مبالغ فيها، وهو يفخر بذلك، وهي تفخر أيضاً، وللأب على أبنائه صلاحيات مبالغ فيها، ويفخر ويفخرون، ولرجل الدين سلطات مبالغ فيها، وثروات مبالغ فيها، ومكانة اجتماعية مبالغ فيها، فهو يقبض أموال الزكاة والخمس والنذور ووو، ويحدد ملامح حياة البشر، ويتدخل في تفاصيل الناس، فيقمع ويقطع ويقلع كما يشتهي، أما عند المتعلمين، فهو رجل دين، بس، هكذا…

أما الصدق، فيا ويلاه على الصدق، خصوصاً عند النساء، بل تحديداً عند النساء… تسأل الصبية غير المتعلمة: «ملامحك تغيرت، هل أجريتِ عمليات تجميل؟»، فتقسم لك بشعرها الذي للتو قصّته، أنها لم تجرِ ولا عملية، وتسأل المتعلمة فتنساب وتترقرق بوضوح: «آه، نعم، أجريت أربع عمليات تجميل، واحدة هنا وأخرى هنا…».

وكي لا تتحول المقالة إلى معلقة سأتوقف هنا على أن أستكمل لاحقاً، وأتمنى أن يحتفظ كل غاضب بغضبه إلى أن أُنهي هذه السلسلة.

حسن العيسى

بالحوار لا بالوعيد

قبل أسابيع بسيطة تجمعنا، وكان عددنا لا يتجاوز ثلاثين فرداً، في شارع محمد مساعد الصالح (شارع الصحافة سابقاً)، كان الغرض من الاجتماع «لم يكن عاما بأي معنى» إظهار رفضنا قرار وزير الأشغال الدكتور فاضل صفر إلغاء قرار المجلس البلدي بتسمية الشارع باسم المرحوم محمد مساعد، الذي أعيد تسميته في ما بعد باسم المرحوم بمبادرة من حضرة سمو أمير البلاد حفظه الله. في ذلك الاجتماع البسيط لاحظنا استنفاراً غريباً من وزارة الداخلية وسيارات البلدية، كانت هناك حالة «فوبيا» واضحة من وزارة الداخلية من أي تجمهر ولو كان عدد المتجمهرين، الذين كانوا كتاباً وأصحاب فكر، بسيطاً، فقط كانت هناك «أوامر عليا» من وزارة الداخلية بمنع كل تجمع عام أيَّاً كان، وكان الضباط الحاضرون أصدقاءنا ومن معارفنا القديمة مثل طارق حمادة ومصطفى الزعابي، كانوا يشعرون ببعض الحرج، فلم تكن المسألة تستاهل مثل ذلك الاستنفار الأمني واستعراض قوة السلطة ولا أقول نيتها البطش. انتهى الاجتماع بثرثرة بيننا وبين الضباط رافقتها لحظات حنين استرجعنا فيها ذكريات قديمة انتهت من عقود جميلة.

اليوم تعود «فوبيا» (مرض الخواف) إلى وزارة الداخلية في دعوة تجمع ساحة الصفاة، وأخذت وزارة الداخلية تتلو البيانات الواحد تلو الآخر، تهدد من الاجتماع وتذكرنا بنصوص القانون وعقوباته، كان خطاب وزارة الداخلية يحمل الوعيد والتهديد، ويدخل في روع الناس بأن مثل تلك الاجتماعات هو بمثابة انقلاب على نظام البلد وأمنه، ورافقه حالة استنفار أمني من أجهزة العصا الغليظة التي تلوح بها الوزارة، ولم يكن مثل هذا متوقعاً من الوزير الشيخ أحمد الحمود الذي يراهن الكثيرون بأنه يحمل آمالاً كبيرة في إصلاح الأجهزة الأمنية بالوزارة، وهذا أملنا فيه. أيضاً، فليتسع صدره قليلاً، فالمجتمعون الشباب لا يريدون سوى التعبير عن أنفسهم، لا يريدون غير ممارسة أبسط الحقوق الدستورية في «الاجتماعات العامة»، هم ملوا الاثنين معاً، تركيبة مثل هذا المجلس «البصام» ورب عمله الحكومي.

فما الضير في ممارسة سعة الصدر الآن، فليس الشباب الداعون إلى التجمع من أصحاب السوابق في الإخلال بالأمن، وليسوا حفنة أشرار ستقلب أمن الدولة.

حجة وجود قوانين تمنع مثل هذا الاجتماع العام رغم صدور حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية عدد من مواد وفقرات القانون، لا يعني إضافة قداسة على المواد الباقية التي تحظر «المواكب والتظاهرات والتجمعات المقامة في الميادين؛ فأشد أنواع الظلم والاستبداد هو الذي يكون مدوناً بنصوص القوانين، فهي قوانين لها صفة الشرعية، إلا أنها في الوقت ذاته تفقد صفة المشروعية حين تتعارض مع روح الدستور ومبادئ العدالة الإنسانية.

لا حاجة إلى الخوف من أن تكون ساحة الصفاة هي نسخة كويتية لساحة اللؤلؤة بالبحرين، وهي ليست ميدان التحرير بمصر، ولن تكون أياً منهما، فالظروف مختلفة تماماً، والخشية هنا غير مبررة تحت أي ظرف كان.

من ناحية أخرى، ماذا يمنع الشيخ أحمد الحمود أن يفتح حواراً عاقلاً بينه وبين نائب مثل مسلم البراك –بغرض الخروج بصيغة تفاهم حول مكان الاجتماع– ولو كان البراك يمثل نفسه كمواطن وليس كنائب للأمة.

لا أجد فرقاً هنا بين ساحة الصفاة «المحرمة» أو ميدان التحرير أمام مجلس الأمة، مادام الغرض السامي هو ممارسة حق الشباب في التعبير عن رأيهم في سياسة الدولة الغائبة عن الأولويات والغارقة في «تكتيكات» و«تضبيط» نوابها… بالحوار الهادئ وبالخطاب العاقل يمكن بسهولة تجاوز لغة الوعيد إلى لغة الأمل والعمل للإصلاح.

احمد الصراف

تأجيل السعادة

من المحزن، كما تقول الكومارية أرونا لادفا، أن الكثيرين منا يميلون للشعور بالحزن وإنكار السعادة بحجة أننا لا يمكن أن نكون سعداء من دون تحقق أمر ما، أو أن يوما ما سنصبح سعداء، كما نرغب، عندما نتقاعد مثلا! ولكن السعادة لا تقع في بقعة أو مكان أو وضع معين، فقد يراها البعض في كل شيء وكل مكان، بينما لا يعرف آخرون ما تعنيه، فنحن في غالبيتنا نعد أنفسنا بالسعادة متى ما انتهينا من مرحلة الدراسة والسهر وضغوط الامتحانات، ولكن ما أن تنتهي الفترة ونشعر بالسعادة حتى تجرفنا قضايا الحياة الأخرى وننسى، ونعد أنفسنا باننا سنكون سعداء حتما إن حصلنا على وظيفة توفر لنا دخلا يغنينا عن مذلة طلب المصروف من أهالينا ولكن بعد فترة ينتابنا الحزن لسبب ما، وهنا ايضا نعد انفسنا بأنه سيختفي مع الترقية الوظيفية المرتقبة أو الزيادة في الراتب أو الالتقاء بفتى أو فتاة الأحلام، وتتحقق كل هذه الأمور وتأتي السعادة في كل مرة للحظات وسرعان ما تختفي بمثل ما أتت، ونعتقد بأنها ستعود مع أول طفل يملأ حياتنا بهجة وحبورا، وطفل آخر يشارك اخاه أو اخته الحياة ويكون عضدا له او لها، ثم ننتظر الترقية أو الصفقة التجارية الموعودة، وأن السعادة ستليها دون شك، ولا تأتي بسبب صخب الأطفال وصياحكم، وهنا نقنع أنفسنا بأن الراحة والسعادة ستأتيان مع ذهاب الأطفال للمدرسة، أو عندما يكبرون ويقل ضجيجهم وتقل مشاكلهم، أو عندما ينهون دراستهم ويتزوجون ويستقلون بحياتهم، ولا يحدث شيء من هذا، ثم نعد انفسنا بالسعادة في الإجازة المقبلة التي سننسى فيها متاعب الحياة، ولكن الحقيقة ان ليس هناك وقت أفضل للشعور بالسعادة من الآن، فالسعادة ليست محطة أو نقطة نود الوصول اليها، بل هي رحلة حياة مستمرة. وقد بينت دراسة بريطانية شارك فيها 4700 شخص عام 2008 أن السعادة معدية، بعكس الشعور بالحزن لأثره المحدود نسبيا على الآخرين، وهذا يعني أننا سعداء بطبيعتنا وأن السعادة أقرب للنفس الإنسانية من الحزن. كما بينت دراسات أخرى أن الجماعات الأكثر ارتباطا ببعضها اكثر سعادة من غيرها بسبب شعور أفرادها بالانتماء ووجود شبكة من العلاقات الاجتماعية بينهم وهدف أو أهداف تجمعهم، بعكس الذين يعيشون منفردين. كما ثبت ان الأكثر سعادة هم الأكثر انتاجا، وبالتالي فالسعادة هي حالة ذهنية، تستطيع فيها أن تقنع نفسك بما تشاء، فليس هناك ما يستحق الحزن عليه، ولا شيء يبدو بمثل ذلك السوء الذي تبدو عليه الامور لأول وهلة، فهل كانت سعادتنا تكمن في ساعة يد ويجب عند فقدها أن نشعر بالتعاسة مثلا؟ أم ان السعادة تكمن في سيارة تلمع بحيث ان خدشها قد يذهب بسعادتنا؟ إن الحقيقة المطلقة أننا نشعر بسعادة أكثر عندما نكون بحضور أناس سعداء وبالتالي عليك بأن تترك صحبة دائمي الشكوى، فالسعادة، كما قلنا ليست محطة ترغب في الوصول اليها، بل هي رحلة حياة مستمرة، وهي لن تأتي في الغد أو بعد الغد، بل هي الآن، وفي هذه اللحظة، فلا تضيع وقتك في الحزن والتفكير في المصائب.

أحمد الصراف
[email protected]