علي محمود خاجه

دستور الشعبي غير

   أعلم أنه إلى حين نشر هذا المقال سيهلل ويطبل الكثيرون حول الوثيقة التي بادر بها عضو كتلة العمل الشعبي مسلم البراك في “جمعة الرد” التي طالب بها بأن يرحل سمو رئيس الحكومة ونائبه، على أن تجهز “وثيقة الزنقة” كما أسماها البراك يوم الأحد؛ ليتم تمريرها على النواب لكشف من سيوافق ومن سيرفض أمام الشعب على حد تعبيره.
وقبل البدء لا بد أن أشير إلى أني من الموقعين على عريضة عدم تكليف الشيخ ناصر المحمد قبل شهر تقريبا كي لا يفسر ما سأكتبه بنحو غير صحيح، فما أكثر التخوين هذه الأيام!
وقبل البدء أيضا أقول إنه لو أوتيت أنا كمواطن الآن بوثيقة رحيل سمو الرئيس ونائبه فسأوقع وأختم وأبصم عليها فورا.
طيب، نتجه الآن للكلام الدستوري المنطقي البعيد عن العاطفة والتشنج، “الشعبي” يريد من النواب، ونضع عشرين خطاً تحت النواب، أن يوقعوا على وثيقة تطالب برحيل رئيس الحكومة ونائبه، على أي أساس؟ يقول قائل على أساس أنهم لا يصلحون وفشلوا في إدارة الحكومة أو الحكومات المتعاقبة… وأقول صحيح، وهذا رأيي أيضا.
لكن من أي منطلق دستوري قانوني نبرر هذه الوثيقة؟ فالنواب لهم أدواتهم الرقابية التي خصص لها الدستور فصلا كاملا من الشرح والتفصيل والتحليل، وإن كنا نريد الدستور واحترامه فعلينا تطبيقه دون الالتفاف عليه؛ حتى إن كان الغرض سليما والنوايا طيبة.
ثم لنفرض جدلا أن الوثيقة تم توقيعها من النواب، فأين تذهب الوثيقة حينها؟ إلى رئيس الوزراء أم الأمة أم إلى سمو الأمير؟ أعتقد أنه في حال تسليمها إلى أحدهم فإن الرد الطبيعي والمنطقي والمعقول هو أنكم أنتم ممثلو الأمة، وإن كنتم تريدون إقرار أمر ما فعليكم إقراره بالسبل الدستورية والقانونية، ووثيقتكم هذه لا تمثل شيئا أبدا، بل هي خلق عرف جديد فيه التفاف على الدستور والأدوات الدستورية.
هذا عطف على أن هذه الوثيقة يمكن أن تستغل كممسك للوقوف ضد الرئيس أو نائبه حتى إن كانت القضايا غير عادلة، بمعنى أنه من الممكن أن يوجه استجواب إلى الرئيس على خلفية فصل طالب من مدرسة، وإن لم يقف من وقع على الوثيقة من النواب مع مقدمي هذا الاستجواب غير المنطقي فإنه سيوصم بالتحالف والخيانة العظمى من قبل بقية فرقة الوثيقة.
لو رجعنا إلى الماضي القريب أو البعيد نيابيا فإننا لن نجد وثيقة كتلك أبدا، فلا المطالبون من النواب بالتعليم المشترك أو حق المرأة أو الدوائر الخمس قاموا بتوقيع وثيقة؛ لأن العقل هو المتسيد، فلا يجوز لنائب أن يستحدث أمرا غير دستوري لتحقيق هدف دستوري.
اختيار الوزارة وحل المجلس هما قراران للأمير فقط دستوريا، وتقديم النصح والمشورة هما الأمران الوحيدان اللذان من الممكن عملهما اليوم من قبل النواب في سبيل التغيير أو الحل؛ بالإضافة طبعا إلى تحقيق عدم التعاون أو طرح الثقة داخل قبة البرلمان.
لذا دعونا لا نستحدث أي أمر يخالف الدستور وقواعده العامة وقوانينه المنظمة في سبيل الوصول إلى أهدافنا، خصوصا ممن يمتلك الأدوات الكافية لصنع مصير الدولة وأعني هنا النواب، فإن لم يتحقق ذلك فعلينا أن نحترم الأغلبية، وإن عارضت أفكارنا ومعتقداتنا، وأن نحسن اختيارنا فعلا في المرة المقبلة.
آخر جملة: لقد تلطخت أيدينا بدم الدستور مرارا وتكرارا بتصفيقنا وتهليلنا لمنتهكيه وكارهيه فمتى تصحو العقول؟

خارج نطاق التغطية:
قد يكون الوزير الفهد مستقيلا حين نشر هذا المقال، وإن كان ذلك فهذا لا يعني انتهاء قضايا استجوابه، بل تجب ملاحقته قضائيا على ما طرح في محاور الاستجواب، أما إن لم يستقل فلا مناص من المنصة.

احمد الصراف

نوابنا والعراق

كتب يونس حنون مقالا في الحوار المتمدن تعلق ببعض الظواهر السلبية في وطنه العراق، وقال انه يتذكر عندما قاد صدام حسين حملة إيمانية، بعد ان سرق هو وابناؤه وعشيرته بلدا باكمله من اهله، بعد أن تحول فجأة لواعظ يتحف شعبه يوميا بنصائح الايمان والتقوى، ولم يتورع عن الاستمرار في تمثيله البائس بعد سقوطه، عندما كان يدخل قاعة المحاكمة متأبطاً مصحفا، وانتهى صدام وظن الكثيرون ان جرائمه ومذابحه لاكثر من ربع قرن يمكن أن تمحى، لأنه قال «الله اكبر» عند سماعه الحكم باعدامه. وانتهى زمنه الرديء، واعقبه اردأ منه، زمن الضحك على الذقون بالديموقراطية والانتخابات والاصابع البنفسجية، وبقيت صورة المحتال ماثلة امامنا نراها بشكل اوضح لكن في سيماء العشرات ممن اصبحوا سياسيين ومجاهدين رمدت عيوننا برؤية سحنهم التي تملأ شاشة الفضائيات والاخبار، وغيرهم من أفواج المنافقين من اصحاب السماحة والفضيلة الذين يتسابقون في اعلان ايمانهم وتقواهم وتمسكهم باهداب الدين واحكامه، وتيارات وأحزاب وحركات تدعي انها الاقرب الى الله من غيرها، وعمائم ومسابح ولحى وجباه مسودة تتصدر المشهد السياسي وتدعي انها مدعومة من المرجعيات والأنبياء والسماء، وصراخهم يعلو كل يوم بالدعاء الى الله ان يحفظ البلد ويحميه، نشاهدهم على رأس مواكب الزيارات متصدرين لصفوف المصلين وهم دائما اول الناس في الحث على الاعتصام بحبل الله والدعوة الى مكارم الاخلاق رغم انهم اكثر من مزق هذا الشعب وفرق ابناءه! وكيف أصبح إصلاح حال البلد الممزق، المنهك والجائع قضية ثانوية بجانب ضرورة بدء كل جلسة من جلسات مجلس النواب بتلاوة من القرآن، وبأن تتوقف الجلسات في مواعيد الصلاة، وان يذهبوا للحج جماعة! ورأيناهم ومن جاء بعدهم وهم يمارسون الركوع امام الكاميرات، ويكون صوتهم الاعلى وهم يتباكون على حقوق الشعب المظلوم لزوم خداع المغفلين ورفع العتب بعد ان حملوا الامانة في جيوبهم بدلا من اعناقهم، ومع كل هؤلاء المؤمنين من سياسيينا ونوابنا فإن البلد يمتلئ بالقتلة والسراق وكواتم الصوت والمفخخات والعبوات الناسفة. وينط دعاة ابليس ليتحفونا بين الفترة والاخرى بتفاهة يجعلون منها قضية كبرى عسى ان ينسى الناس بعدها الكهرباء والامن والتموين، فهذا مجلس محافظة البصرة يصدر قرارا بمنع بيع الخمور، ويتبعه مجلس بغداد، ويستمر القتل والاختطاف والارهاب وسرقة النفط، وكأن من يرتكب هذه الأمور هم من خريجي البارات، وكأن مشاكل الاسكان والمزابل والخراب والمشردين لا تحل إلا بغلق محلات بيع الخمور، ليصبح بعدها العراق جنة الله على الارض، أو كأن الذين فجروا انفسهم طمعا في الجنة كانوا يتعاطون الخمور، وأن فساد الحكومة ونهب ثروات الشعب والمشاريع الكاذبة والصفقات المشبوهة لم يقم بها سوى «العركجية»! وتبقى الحيرة مرتسمة والتساؤل قائما، من اين يأتي هؤلاء بكل هذا النفاق؟
ولو نظرنا لحال نوابنا في الكويت، وما ظهر على المعدمين منهم من مظاهر ثراء فاحشة، وكيف تقلبت مواقفهم، وانتقلت اصواتهم ذات اليمين وذات الشمال، خلال الاستجوابات الأخيرة، وقارناها بشديد تصلبهم في القضايا الدينية في الوقت نفسه، لعلمنا بأننا لسنا بأحسن منهم بكثير، فكلنا في الهم سواء!!
يقول غاندي: إن اعظم نجاحات الشيطان تحصل عندما يظهر وكلمة الله على شفتيه!

أحمد الصراف
[email protected]