علي محمود خاجه

مع الرئيس وأمرنا لله

  لا أرغب في استمرار سمو الرئيس، ولا أعتقد أن مشاكل البلد ستحل بطريقة إدارته التي ترضخ، وأحيانا تقترح من نفسها، صرف الأموال في كل جهة دون حل جذري منطقي وموضوعي.
فغلاء الأسعار لا يحل بزيادة الرواتب بل بتقنين الأسعار، وارتفاع أسعار العقار لا يحل بزيادة البدلات بل بتحرير المزيد من أراضي الدولة، وزيادة الأمراض لا تحل برحلات العلاج إلى الخارج بل بتوفير العلاج المناسب في البلد، وتردي الخدمات التعليمية لا يحل بالبعثات الخارجية أو الداخلية في المؤسسات التعليمية الخاصة بل من خلال تطوير المدارس والجامعات والهيئات التعليمية الحكومية، وهلم جرا على كل القطاعات المتردية وهي كل القطاعات تقريبا.
وكل الأمور السابق ذكرها لم تُعالج بل استمر نهج المحاصصة والمجاملة وأحيانا التخوف من بعض الحناجر النيابية من قبل الحكومات المتعاقبة، فكان الضحية المجتمع بشكل عام، والمستفيد بعض الأفراد من هنا وهناك، ولا ألتمس إلى اليوم أي خطوة تجعلنا نتفاءل بالمستقبل الإداري للحكومة الجديدة القديمة، وعليه فأنا لا أرغب في استمرار سموه كرئيس للسلطة التنفيذية.
لكن دعونا نتوقف قليلا، ونفكر كيف لنا أن نبعد تلك الإدارة بالأطر الدستورية، أو على الأقل نحاول أن نقومها في عمر المجلس المتبقي قبل أن نعود إلى الاختيار على أمل أن نحسنه فعلا.
فالحل المنتهج اليوم من قبل بعض النواب، وهو تقديم استجواب تلو الآخر إلى سمو الرئيس حل خاوٍ فارغ ضعيف لا داعي له أبدا، فالمجلس كما هو واضح للجميع لا يملك من أمره شيئا، والأصوات محسومة مهما عظم الفساد وكبر وأحسن الظروف، أقول أحسنها، لن تحقق أكثر من 22 صوتا نيابيا لعدم التعاون، وكل جلسة استجواب تتحول إلى سرية بإرادة مجلسنا المنتخب منا، وهو ما يعني أننا لا نتمكن حتى من سماع المرافعات كي نشكل الضغط الكافي للتغيير.
وهذا ما ينتج البطالة المقنعة للمجلس حتما، فالاستجوابات المتتالية التي لا فائدة منها حسبما أرى تأخذ جلسات كاملة من عمر مجلس الأمة، وبالتالي فإن الدور التشريعي يختفي لأن الاستجواب يسبق كل بنود جدول الأعمال، ويلغيها من جلساتها المخصصة.
لقد أسأنا الاختيار، وعلينا أن نسلم بهذا الواقع، فلا «جمعة وثيقة» ولا « جمعة غضب» ولا «جمعة رحيل» ستجدي نفعا أبدا، وسيطرة الحكومة على المجلس هي صنيعة أيدينا، وسمو الأمير صاحب الحق الدستوري الوحيد بحل مجلس الأمة، فدعونا نستثمر ما يمكن استثماره من هذا المجلس بدلا من تكرار الأسطوانة دون جدوى أبدا، وعندما يحين الاختيار مجددا سيكون لنا كلمة أخرى ستجعل سمو الرئيس يرحل إن رغبنا فعلا في ذلك، وانعكست رغبتنا على اختيارنا.
بقاء سمو الرئيس مدة سنتين لحين الانتخابات المقبلة واقع صنعناه بأيدينا واختيارنا، وليس من المنطقي أن نحاسب سموه على كعكة الاستسلام النيابي للحكومة التي قدمناها له على طبق من ذهب، ونلوم الحكومة على التهامها تلك الكعكة!!

ضمن نطاق التغطية:

من خلال متابعتي لنوّاب الحكومة لاحظت أن أغلبيتهم العظمى هي ممن فازوا بسبب الفرز القبلي «الفرعيات» أو الفرز الطائفي «الدائرة الأولى» أو من التيارات الدينية… والقبيلة والعائلة والطائفة والدين تأتي في أعلى سلم أولويات الكثير من أبناء المجتمع، وبالتالي لن يتغير أو تنصلح الحال ما دامت الأولويات بهذا الشكل.

احمد الصراف

… أهلاً بك في هولندا*

لكي أساعد غيري في تقبل الأمر والتعامل مع المشكلة بروح جديدة، فقد طلب مني الكثيرون أن أصف خبرتي في تربية طفل ذي اعاقة. فعندما نقرر انجاب طفل فاننا في الحقيقة «نخطط» للأمر بعناية فائقة وكأننا نخطط للقيام برحلة جميلة رائعة لربوع ايطاليا للاستمتاع بدفء شمسها وحيوية شعبها. من أجل ذلك، نقوم بقراءة كل ما تطاله ايدينا من معلومات عن ايطاليا، وتاريخها وآثارها، ونمني النفس برؤية روائع مايكل انجلو، وكوليزيوم روما، وركوب جندول فينيسيا، ونشعر بالبهجة ونحن نتعلم «بونجوري، ومولتوبيني، وكرازياس» وغيرها. وبعد اشهر من الانتظار المثير يأتي يوم السفر فنقوم بتحضير أنفسنا، وبعد ساعات تحط الطائرة على الأرض وترحب بنا المضيفة قائلة: أهلا بك في هولندا! ونرد باستغراب: هولندا؟ ماذا تعنين بذلك، لقد خططنا للسفر الى ايطاليا، وهذا هو المفترض، وهذا ما حلمنا به طوال حياتنا! فترد المضيفة قائلة: أعتذر عن ذلك، فقد اضطررنا لاجراء بعض التغيرات، والهبوط في هولندا، وعليكم تقبل ذلك!
علينا هنا أن ندرك أن الطائرة لم تأخذنا إلى مكان مرعب ومثير للاشمئزاز أو القرف ويمتلئ بالحشرات والجوع والمرض، بل فقط لمكان مختلف عما حلمنا به طوال حياتنا، وما علينا هنا سوى الذهاب للتعلم عن جغرافية هولندا وتاريخها وحفظ كلمات جديدة، لأننا سنقابل هنا أناساً مختلفين تماما عما سبق ان خططنا. كما أن حركة الهولنديين وردود أفعالهم أكثر بطئا من الايطاليين، وتصرفاتهم اقل بهرجة وصخبا! وما ان تستقر الأمور ونتمعن في ما حولنا، بعد التقاط أنفاسنا، سنكتشف أن في هولندا طواحين هواء رائعة وزهور توليب جميلة وأن هناك رامبرانت! ولكن مع هذا فجميع من نعرف مشغول بالذهاب إلى إيطاليا أو القدوم منها، والكل يتحدث عن مدى روعتها وجمالها، وهذا سيجعلنا نقضي بقية عمرنا نقول لهم: نعم، نعم، كان من المفترض أن نسافر الى ايطاليا، فتلك كانت خطتنا.
ان ألم فقد ذلك الحلم لن يذهب ويمحى أبدا أبدا أبدا، وستبقى الحقيقة المؤلمة ماثلة أمام أعيننا مدى الحياة، ولكن ان اضعنا وقتنا ونحن نتألم ونتحسر لعدم السفر الى ايطاليا، فسيحرمنا هذا من روعة التمتع بما في هولندا من اشياء وأماكن خلابة وتجارب جميلة.
فاذا كنت من اولئك الذين حطت طائرتهم في هولندا، وقررتم المعيشة فيها، بدلا من ايطاليا، وتشعرون بالحيرة والارتباك، فما عليكم، للتغلب على شعور الوحدة، سوى زيارة موقع Emily Perl Kingsley.

ترجمة عن مقال كتبته اميلي كنزلي، 1987.

أحمد الصراف
[email protected]