كثيراً ما يتساءل الطلبة في حوارات الفصل في جامعة الكويت، عندما نغطي الشأن السياسي الإسلامي والعربي والدولي عن الفارق بين الإصلاح والانقلاب والثورة. ويثير هذا الأمر الكثير من الأسئلة. فهناك فارق بين كل من هذه الأحداث، والتي وقع بعض منها في العالم العربي والإسلامي في مراحل مختلفة من تاريخه الحديث.
إن الثورة عملية عنفية تشارك فيها قطاعات شعبية كبيرة وتهدف إلى إزاحة النظام السياسي وهدمه بالكامل بعد أن تسود في البلاد حال من فقدان الأمل بالإصلاح وآفاق تحسن الأحوال. الثورات الناجحة في التاريخ، والتي تركت أثراً كبيراً قليلة. فاول الثورات الحديثة هي الثورة الفرنسية الواقعه في أواخر القرن الثامن عشر، وتليها الثورة الروسية الشيوعية عام 1917، والثورة الصينية التي انتصرت عام 1949، ثم الثورة الإيرانية عام 1979، وقد تميّزت كل ثورة من هذه الثورات بعمق عنفها الشعبي، بقيام ملايين الناس بالتحرك في مدنها الرئيسية المكتظة أصلاً بالسكان، وبالنجاح بعد ذلك بهدم النظام السياسي بالكامل من الناحيه.. الدستورية والقانونية والعسكرية والاقتصادية والمعنوية والشرعية. وبعد انتصارها عادة ما تقوم الثورات بتصفيات داخلية كبيرة ضد الذين يمثلون رموز النظام القديم، وبعد الانتهاء من هذا تبدأ التصفيات بين صانعي الثورة أنفسهم. لقد وقعت هذه الممارسات في الثورات كلها بما فيها الإيرانية. وعادة ما تهدأ الثورات بعد فترة من قيامها وبعد إرساء دعائم النظام الجديد. وكثيراً ما تسعى الثورة إلى تصدير الثورة لتخلق واقعاً شبيهاً بها في الدول المحيطة، كما فعل نابليون مع الثورة الفرنسية، ولينين مع الثورة الروسية، وماوتسي تونغ مع الثورة الصينية، والإمام الخميني مع الثورة الإيرانية.
أما الانقلاب فشأن آخر، فيقع عندما تتوافر ظروف لمجموعة من الأفراد في الانقضاض على السلطة في ظل ضعف كبير في أجهزتها، كما يقع الانقلاب في الكثير من الأحيان من قبل فئة من السلطة أو القصر، وذلك لمنع تدهور الوضع في البلاد الى ثورة عامة تطيح بالنظام. لهذا فالانقلابات عندما تقع لا تعني هدم النظام السياسي بالكامل، وقد لا يصحبها العنف، وهي عادة ما تستبدل فئة من النخبة بفئة أخرى من النخبة بمعزل عن المشاركة الشعبية الأوسع. إن معظم الانقلابات وقعت في العالم النامي، وقد قام بها عسكريون في مجتمعات كانت المؤسسة العسكرية هي أقوى المؤسسات. لكن بالمقابل وقعت العديد من الانقلابات قام بها مدنيون من داخل الفئات الحاكمة. وبما أن الانقلاب أقل عنفاً، فهناك انقلابات حققت نجاحات كبيرة في إحداث نقلة في المجتمع، وهناك انقلابات حققت حالة تراجع للمجتمعات، ونستطيع أن نرى مشاهد لهذا وذاك في الدول العربية.
ونجد أن الإصلاح يمثل نقيض الانقلاب والثورة. فالانقلاب والثورة عادة ما يقعان بعد فشل الإصلاح على كل صعيد. أما الإصلاح فهو ذلك التغيير الذي يتم ضمن القنوات الدستورية وضمن المعادله القانونية والدستورية والسياسية للبلاد. الإصلاح قد يغيّر الكثير، وقد يطرح الجديد، ولكنه عندما يقع يتم في الإطار الدستوري والقانوني السلمي للبلاد. وهناك مدرسة كبيرة من المفكرين والسياسيين والاقتصاديين، ممن يفضلون الإصلاح على الانقلاب أو على الثورة، وذلك بما للإصلاح من أبعاد سلمية وإمكانية كبيرة، لتحقيق تطورات مفيدة للمجتمع ولاستمراره موحداً ونامياً. فالانقلابات نجدها نجحت في دول نجاحاً بارعاً، بينما فشلت فشلاً ذريعاً في دول أخرى، كما أن الفشل كان أكبر من النجاح في معظم الدول التي وقعت فيها الانقلابات. أما الثورات فيمكن القول بأنه لا توجد ثورة منتصرة غير ناجحة، فهي تنجح، ولكنها تحمل معها من العنف والغضب ما يجعل الأوضاع في ظل الثورات هي الأصعب على أي مجتمع، لهذا تندر الثورات في التاريخ الحديث.
إن الإصلاح هو الأساس لتفادي الأسوأ في المجتمعات الحديثة، وهو يعني تطوير البنى الاقتصادية والسياسية والإدارية والقانونية، بما يساهم في المزيد من المشاركة السياسية والإنسانية وصناعة العدالة ومراكمة المعرفة والعلم وبناء المؤسسات وتسهيل شؤون الناس وبناء اقتصاد إنساني يشمل المجتمع برمته.