سامي النصف

العرب من الدولة الظلامية إلى الدولة الهلامية

الواقع المؤلم لدولنا العربية يظهر انها تحولت من نظام «الدولة الديموقراطية» ذات الحريات الليبرالية ابان العهود الملكية الخيرة، الى مشروع «الدولة الظلامية» ذات القمع السياسي والمقابر الجماعية واقتصاد الإفقار الموجه في عهد الثوريات العسكرية غير المباركة، وقد انتهى الحال بشعوبنا العربية المظلومة بعد ثورات الخريف العربي إلى الوصول لقاع مظلم جديد لا قرار له يسمى بالدولة الهلامية!

***

واولى مواصفات «الدولة الهلامية» التي قامت على انقاض «الدولة الظلامية» البائدة، أنه لا شيء صلبا فيها، بل كل الأمور ضمنها سائحة على بعضها البعض، فلا هيبة ولا احترام للسلطة، ولا خط واضحا يفصل بين القضاة والمتهمين او بين العسكر والحرامية، ضمن تلك الدولة يخطف السائحون والمستثمرون ويخرج القتلة والبلطجية من السجون ويدخل بدلا منهم رجال المال والأعمال والإعلام!

***

ومن مواصفات «الدولة الهلامية» أيضا ان يومها اسوأ من امسها المظلم والمليء بالظلم، وان وضعها السيئ اليوم ستبكي عليه دما في الغد، ولا يعرف في تلك الدولة الحكيم من الأحمق او المتعلم من الجاهل، فالجميع يتظاهر في الشوارع كل الاوقات ثم يشتكي من ضيق العيش وقلة ذات اليد وسوء الوضع الاقتصادي دون ان يسأل نفسه: كيف للوضع الاقتصادي ان يتحسن والمصانع والمزارع والمدارس والجامعات قد هجرت والمستثمرون والسائحون قد طفشوا او خطفوا؟!

***

ولو نظرت للخارطة السياسية والجغرافية لـ «الدولة الهلامية» لما علمت انك امام مشروع دولة ام مشاريع عدة دول قادمة لا قيمة مستقرة لعملتها ولا مستقبل واضحا لمسارها؟! فهي كصاحب البقالة الذي يستيقظ كل صباح لا يعلم ما سيأتيه به يومه من رزق أو من شر، فلا رؤى عنده ولا تخطيط، ومنظّر وحكيم الدول الهلامية التي ستتكاثر مع كل يوم يمر في منطقتنا العربية هو الفيلسوف الكبير والشاعر النحرير أحمد عدوية، ونشيدها الوطني هو اغنيته النضالية ذائعة الصيت: كله على كله!

***

آخر محطة:

1 ـ ادعى احدهم كذبا ان الكويت ستختفي وان الخليج لن يبقى فيه الا ثلاث دول كبرى، وقد نسب تلك الرؤية للدكتور الاميركي المعروف انتوني كودزمان الذي انكرها في لقاء لي معه، ثم عاد ونسبها للدكتور ارون كاتز الذي اتضح انه طبيب ولا علاقة له بالسياسة.

2 ـ الحقيقة التي لا يعلمها من ادعى كذبا اختفاء الكويت والدول الصغيرة في الخليج والمنطقة عبر ضمها للدول كبيرة الحجم، ان معادلة الامن قد تغيرت تماما في العالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي اواخر الثمانينيات، ولم تعد هناك حاجة استراتيجية للبقاء على الدول الكبرى في المنطقة لتمنع تمدده، واصبح البعض من تلك الدول الهلامية هو المهدد بالفناء والانشطار وبات الامن يتمركز في الدول الصلبة الصغيرة، حتى بات حلم الاثرياء والمفكرين والمواطنين العرب العيش في دول الخليج الصغيرة.. الآمنة!

احمد الصراف

رأي في موقف الضفدع

علميا، يمكن سلق ضفدعة حتى الموت من دون أن تحاول الهرب. فلو وضعنا ضفدعة في قدر فيه ماء حار، فإنها ستقفز منه هاربة فورا! ولكن لو قمنا بوضعها في قدر ماء بارد، وقمنا بتسخين الماء تدريجيا، وعلى فترة طويلة، فإنها ستتأقلم مع الوضع إلى أن تموت، دون أن تشعر بارتفاع الحرارة. ولو طبقنا التجربة ذاتها على البشر، واعتبرناهم ضفادع، فإن بالإمكان تغيير «أفكارهم» بصورة تدريجية حتى تصبح خطرة بما يكفي للقضاء عليهم، دون أن يشعروا خلال ذلك بالخطر المميت، فالبشر، كبقية الكائنات لا يتخذون قرارا أو يقومون بردة فعل تجاه أمر لا يشعرون به! ولو قامت حكومة دولة ما بتدريب شعبها، بصورة تدريجية وبطيئة، من خلال المناهج مثلا، على أفكار خطرة أو خاطئة، كأن تخلق أو تؤصّ.ل لدى أفراده الشعور بكراهية العالم الآخر واحتقاره، فسيكون لديها جيل يؤمن بأنه أفضل من غيره، كما فعل هتلر مع الألمان! وسيتملّكه ذلك الشعور من دون وعي، لأن التغيير في آرائه الخطرة ومواقفه غير المنطقية حصل على فترة طويلة، دون أن يشعر بخطورتها، وما ان يحاول تطبيقها، فإن العالم أجمع سيتكاتف ضده ليقضي عليه، كما فعل الحلفاء بالألمان واليابانيين، الذين اعتقدوا لفترة أنهم من عرق أفضل. وبالتالي فإن تردي الوعي الشعبي في دول كثيرة لم يأت. من فراغ، بل تسببت به طرق تدريس وسياسة إعلامية تصبّ في اتجاه معين. فالكثيرون مثلا يحرصون على متابعة المسلسلات التركية الهابطة والسخيفة، ولا يعترضون مثلا على متابعة الصغار لها، وهذا سيخلق منهم، بصورة تدريجية، قبولا لكل سخيف وتافه، ويصبح تعديل الوضع مع الوقت صعبا جدا، فعملية تسطيح الفكر التدريجية التي يتعرّض لها تجعله كالمدمن أو الإرهابي أو المتشدد الديني، الذي لا يرى شيئا غير الذي يطلب منه رؤيته! وقد تنسحب الحالة الفردية على آخرين أو مجموعة من البشر أو حتى على شعب كامل، بحيث يرضون بالعيش بمذلة، ويقبلون الفقر والقمع والفساد من دون احتجاج.
نقول ذلك بمناسبة ما ورد في الصحف من خبر تعلق بتقرير عن لجنة في وزارة التربية أوصت بتخفيف جرعة الدروس الدينية في المناهج الدراسية، وأن وزير التربية وزير التعليم العالي رفض توصياتها وطلب من أعضائها عدم الاقتراب من هذا الموضوع! وقد جمعتني الصدفة بالوزير في اليوم نفسه، فأكد لي عدم صحة الخبر، وأميل لتصديقه، لما عرف عنه من استقامة وانفتاح، ونطالبه بالسعي لتقليل الجرعة الدينية في المناهج، التي زيدت على مدى 30 سنة بصورة تدريجية، على حساب المواد العلمية، خاصة بعد أن ثبت أن هذه الجرعة الزائدة تسببت في أن تصبح الكويت، بالرغم من صغر حجم شعبها، ودرجة الحرية النسبية التي يتمتع بها، ورخائه المادي، أصبح في السنوات العشرين الأخيرة المصدر الأكبر، نسبة لعدد سكانه، «للمجاهدين» والمتعصبين الدينيين والمقاتلين في أفغانستان والبوسنة والعراق، وأخيرا في سوريا، التي قارب عدد من قتل فيها من شباب كويتيين حتى الآن الخمسين، على ذمة جريدة «السياسة» التي أوردت أسماء 30 منهم!
لقد تعلم جيلنا، من مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، في مدارس حكومية، وكنا جميعا ندرس الدين مرة أو مرتين في الأسبوع، وخلقت تلك المرحلة رجالا ونساء جلهم مثال الصدق والأمانة والاستقامة. ليأتي، في غفلة من الزمن، من قام بزيادة الجرعة تدريجيا في المناهج، لتتحول الكويت بسببها إلى بؤرة تطرف ديني لم تعرفه في تاريخها، ولتصبح فوق ذلك من أكثر دول الخليج فسادا!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

المعارضة: من يعلّق الجرس؟

عندما تم الاعلان عن تكوين ائتلاف المعارضة فرحت لظني بان المعارضة بكل اطيافها انضوت تحت مظلة واحدة، ولكن عندما علمت ان نصف هذه المعارضة شكل طيفا جديدا وفُرز الحراك الى مجموعتين، قلت لعله «خير». فالتعدد، احيانا، يثمر تنوعا في الافكار والرؤى. وتبددت آمالي عندما شاهدت «كل حزب بما لديهم فرحون»، وأصبحنا نقرأ تغريدات تضرب تحت الحزام، ولا تدل إلا على تصفية حسابات بين الرموز الذين كانوا يتنافسون انتخابيا قبل تشكيل تكتل الاغلبية! ثم انتقل الصراع الى الندوات والمحاضرات، وكانت النتيجة استياء القاعدة الشعبية الداعمة للحراك من هذا الوضع، وشعور غالبية المنتمين إلى المعارضة والمؤيدين لها بالإحباط مما وصلت اليه الامور، في الوقت الذي بدأت فيه قوى الفساد وحلب البلاد باعادة ترتيب صفوفها واستخدمت الوسائل المشروعة وغير المشروعة لاستغلال هذا الوضع غير المشجع للحراك الشعبي. فبدأت تحسن صورة مجلس بوصوت واحد، واستعملت المال السياسي من جديد لشراء المزيد من الولاءات للسلطة والعداءات للمعارضة، وصرنا نشاهد كل يوم يدخل لاعب جديد لفريق السلطة ليضرب احد اطياف المعارضة بقصد اضعافها والتشكيك في قدراتها. ولان الحراك لم يصل الى امكانات الحزب الواحد وقدراته التنظيمية نجد ان مواجهة هذا التحرك الحكومي لم تكن ناجحة، بل مشتتة ومبعثرة، وبدأ الحراك ينشغل بنفسه، وبدأت السلطة تتطمش عليه، وبدأ مخطط نهب البلد ينفذ على اعلى مستوى، وفقد الاصلاحيون الامل في الاصلاح، ويئس الحكماء من سيطرة الرأي الحكيم او حتى الاستماع اليه، وصرنا نسمع عن ندوة يقيمها هذا الطرف تتبعها ندوة اخرى يقيمها الطرف الآخر!
المشكلة التي تواجهنا اننا ان تحدثنا من باب النصح وانتقدنا احد الرموز نُعتنا باننا نثبط الحراك ونعوقه! وما اكثر ما سمعنا مقولة: «مو وقته الحين تنتقد الحراك، اجّ.ل رايك بعدين»! حتى عندما كتب الزميل مبارك صنيدح مقالته الرائعة في «الوطن»، قالوا عنه انه يبحث عن خط رجعة مع السلطة! لذلك، نشاهد كثيرا من العقلاء يحتفظ برأيه لنفسه حتى لا يصنف مع الحكوميين او المتخاذلين او المثبطين!
أنا أقولها الآن بالصوت العالي وليقولوا عني مايشاؤون، لا بد للمعارضة من ان تتحد تحت راية واحدة وهدف واحد متفق عليه واسلوب واحد للوصول إلى الهدف، لا بد للطرفين أن يتنازلا عن بعض ما يُظن انه مكاسب لهما ويعيدا ترتيب صفوفهما من جديد ويطهراها من الاعداد «اللي ما لها لازم» ويلغيا سياسة تخوين الآخر وإقصائه. لا بد من رأس واحد للمعارضة وراية واحدة، وما يجري اليوم على الساحة السياسية هو لعب ومضيعة للوقت.
كنت ارغب في الحديث عن دور الحركة الدستورية الاسلامية في رأب الصدع ومساهمتها في تقليل الفجوة بين طرفي الصراع بعدم الدخول في السجالات التي تدور على الساحة، لكن كلمة الاستاذ محمد الجاسم عنها صدمتني عندما قال إنها فاقدة للهوية في هذا الحراك! وشعوري بانه تجنٍ على الحركة ودورها العاقل في هذا الحراك، خصوصاً انه شاهد عن قرب مشاركة «حدس» وقواعدها في كل الانشطة، وتصدروا لكل ما من شأنه دعم الحراك الشعبي، وتجاوزوا في الوقت نفسه كل المطبات التي مرت في طريق هذه المسيرة، وكان لرموزهم، الحربش والدلال والمطر والشاهين، السبق في تسجيل الحضور والمشاركة الفاعلة ناهيك عن الصواغ اسد «الخامسة» وزيزومها!
السؤال الآن: من يعلق الجرس اولا ويبادر بالتنازل عن مكاسبه الضيقة ويسعى لجمع الكلمة ويتسبب في التفاف اهل الكويت من جديد على المعارضة السياسية، بعد ان تبين لهم ان القادم اسوأ بكثير مما نحن فيه اليوم؟!

حسن العيسى

ديرة ماشية سماري

 في كل مرة يتحدث الناس عن الفساد في الدولة تأتي إجابة المسؤول جاهزة معلبة بجملة "هاتوا الدليل" وسنحاكم المتهمين عن الفساد! إجابة خاوية، فيها تهرّبٌ من المسؤولية وتحميلها للصدفة والقدر… والنتيجة الحتمية هي تكريس الفساد رسمياً وتوطيد أركان اللامبالاة، وتبلد مشاعر الغضب والرفض عند البشر، حين تصبح قناعتهم مختصرة في كلمات من شاكلة "ماكو فايدة أو خلها على الله والشق عود".
أكثر من صحيفة، خلال هذه الأيام، تناولت أزمة الاختناقات المرورية، ونقلت قليلاً من حجم هذه المأساة… ولا أدري إن كان سيادة المسؤول صاحب مقولة "هاتوا الدليل" فكّر ولو مرة واحدة عن أسباب الكارثة المرورية بالدولة، وتساءل إن كانت هي وليدة واقع الفساد المترسخ بالدولة أم لا؟! يعرف، ونعرف معه، أن هذه الكارثة في الكويت هي التجسيد الحي لفساد الإدارة السياسية في الدولة من ناحية، وإظهار عجز السلطة عن معالجتها أو حتى التخفيف من وقعها من ناحية أخرى، ومن المؤكد أن أصحاب القرار والسيادة المطلقة لا تشكل عندهم القضية المرورية أولوية، فأولوياتهم مستغرقة في تصفية حساباتهم الداخلية، وحدود المعارضة وكيف يمكن القضاء عليها، وتوزيع الكعكة المالية على دوائر المقربين من جماعات المؤلفة قلوبهم.
  كارثة المرور هي نتيجة فساد سنوات طويلة، فساد مستوطن في وزارة الأشغال، وفساد مثله في بلدية الكويت، وآخر في إدارة المرور، وأخيراً هي نتيجة فساد أخلاق الكثير من السائقين الذين أَمِنوا العقوبة فأساؤوا الأدب.
  وزارة الأشغال لم تخطط لحجم الشوارع وقدرة استيعابها في المستقبل، فهي كبلدية الكويت تعد مرتعاً خصباً لـ"الهبر" والسرقات والفساد، وتفصيل هدم الأرصفة وإعادتها من جديد من أجل عيون فلان وعلان… فأين هي من التدبير والتخطيط للشارع مادامت السلطة التي فوقها غير مكترثة بالشارع السياسي؟ أما البلدية… فحدثوا عنها ولا حرج… من العمارات التي ترخص من دون مواقف سيارات للمستأجرين… ومن غض النظر عن عمارات ومساكن خاصة مخالفة في عدد الأدوار، وتناسي توفير مواقف لسيارات الساكنين، فيوقفون سياراتهم في الشارع العام فتغلق الطرق… أما إدارة المرور فقد أصبحت "حمّال الأسية" التي عليها أن تفك معضلة تتجاوزها بكثير… فأضحى اللواء مصطفى الزعابي مثل "شريم" كيف له أن ينفخ من غير "براطم" (شفاه)… لكن في الوقت ذاته، هناك مسؤولية تاريخية على الإدارة المرورية وعلى وزارة الداخلية، إذ هناك الآلاف من السائقين حصلوا على إجازتهم بالرشوة أو بالواسطة، وهناك آلاف السيارات التي مرت من الفحص الفني رغم عدم صلاحيتها، وهناك حكايات مزعجة عن أصحاب "التكاسي" الجوالة وارتباطهم بضباط من وزارة الداخلية… والقائمة عريضة وطويلة مع تاريخ تلك الإدارة لا يستطيع مصطفى مهما أخلص في عمله أن يحل عقدها الملتوية، فهي عقدة السلطة السياسية بداية ونهاية… وهي عقدة الكويتي الذي يستورد السائق والطباخ والعامل والموظف مثلما يستورد السيارات "من غير رسوم" وبقية البضائع ويترك الأمور على عواهنها… فالأزمة ليست أزمة مرور… بل هي أزمة دولة "مسمرة" تمشي على البركة.

احمد الصراف

يوم اغتيال البراءة

لا يمكن تخيل مجتمع قابل للبقاء والازدهار من دون دعم أخلاقي كاف من السلطة! فليس هناك من عامل يؤثر سلباً في أي مجتمع كالتساهل في التعامل مع غرائز أفراده ورغباتهم، وتسهيل حصولهم على كل شيء دون مقابل! والأمم العظيمة هي التي اهتمت بتعليم الأخلاق لصغارها، ولم تعتمد في ذلك على «ثقافة» المجتمع وعاداته وتقاليده وتعاليمه الدينية، فالدين عادة يحث على التراحم والأخوة بين المنتمين له، وليس بالضرورة مع غيرهم، وهذا ما يضع أتباع أي دين في مواجهة مستمرة مع «الآخر»! ولهذا نجد في مجتمعاتنا من يتساءل أحياناً، عند تعرضه للخديعة أو السرقة، عما إذا كان من خدعوه يعتقدون بأنه يهودي يستحق أن يخدع ويسفك دمه! وبالتالي يجب أن تدرّس الأخلاق بكثافة في مراحل الدراسة الأولى، وتعطى أهمية كبرى على غيرها من المواد! ولو كانت هذه هي الحال، لما كانت هناك حاجة إلى كتابة هذا المقال، ونشير هنا إلى التفاوض المريب والمحموم الذي يجري بين المجلس والحكومة لإسقاط قروض المواطنين وفوائدها، فهذا، إن تم، يعتبر بحكم «الجريمة الأخلاقية»، لما سيكون له من تبعات سلبية مؤسفة على أجيال حاضرة وقادمة، فهذا «الإسقاط» ما كان ليتم لولا شديد رغبة السلطة والنواب لخلق شعبية زائفة وزائلة حتماً، وهو بحكم التفويض الرسمي للجميع ليسرقوا ويغشوا ويخدعوا ويدوسوا في بطن الأنظمة والقوانين ويتخلوا عن أي التزام أدبي أو مادي طالما أن «ماما الحكومة» ستأتي في نهاية المطاف وتنقذهم! كما أنه صفعة على وجه كل من التزم وسدد ما عليه، وكل من رفض الاقتراض، وهو قادر عليه، لعدم رغبته في «المشاركة» في سرقة مال عام ليس من حقه بقدر كونه من حق أبنائه وأحفاده! إن هذا التصرف من الحكومة، ولا ألوم المجلس النيابي بالقدر نفسه، سينسف عقوداً طويلة من التربية التي حاول البعض غرسها في نفوس أبنائهم، فقد شعرت وصديقي بومحسن بالحزن عندما قال لنا ابنه إننا أخطأنا كثيراً عندما نصحناه قبل سنوات بعدم الاقتراض، وأنه لو لم يستمع لـ «خرابيطنا الأخلاقية» لكسب الكثير! وقال إن علينا، نحن جيل السذج والمؤمنين بالعقل والمنطق والتصرف السليم، أن نتعلم أن السلطة ستخذل كل واحد منا المرة تلو الأخرى، ولن يكون هناك في المقبل من الأيام مكان لغير المفلس والنصاب، كما هي الحال في أغلبية دول العالم المتخلفة!

* * *
ملاحظة: لم يتردد الرجل الثاني في الدولة والقاضي السابق في الاعتراف بالحاجة إلى خبير دستوري «خارجي» لمعاونته في عمله التشريعي! ولا أدري بالتالي لماذا لا يقوم الرجل الخامس في الدولة بالاستعانة بخبيري مرور وأمن بريطانيين مثلاً لمساعدته في وضع حد لكل هذا التسيب الأمني والمروري الذي نعيشه؟

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

كلمة بوفتين

بينما يبدو أن البعض يتعمد تغييب الحقيقة واختلاق الأعذار ليتهرب من المواجهة والإجابة عن سبب استمرار تردي الحال رغم الادعاء قبل أشهر بأن "الصوت الواحد" سينقذ البلد وسيقودنا إلى التنمية، فيكتفي بالقول إن المقاطعين يجب ألا يتدخلوا بالمجريات السياسية أو يعلقوا عليها. وكلمة الصديق عبدالله بوفتين أمام سمو الأمير في مؤتمر "الكويت تسمع"، هذا المؤتمر المعد والمنظم من الديوان الأميري أزعجت البعض لدرجة جعلتهم يختلقون الأكاذيب ويروجونها في سبيل طمس رسالته الجميلة ونقاطها المهمة التي تعد خارطة طريق للإصلاح، كما أراها شخصياً. وقبل الخوض في غمار الحديث عن الكلمة لابد من الإشارة إلى أمور تعمد البعض كذباً أن يزورها عن شخص عبدالله، فهو أحد الرافضين لمرسوم "الصوت الواحد" شأنه شأن الكثير من الشباب الكويتي، وهو موقف سياسي راق توجه بمقاطعة الانتخابات على أن تكون المحكمة الدستورية هي الفيصل القانوني بين المؤيدين والرافضين للمرسوم، وهو من أكثر الشباب رفضاً للممارسات غير القانونية في التعبير عن الرفض والمعارضة، ولم يكن طوال مدة الحراك تابعاً لطرف دون طرف بدليل استمراره في مشروع "الكويت تسمع"، فلو كان تابعاً لأحد أو لخدمة أهداف المعارضة لما استمر، ولو كان تابعاً لأحد لما اختاره ممثلو "الكويت تسمع" المعد والمنظم من الديوان الأميري ليلقي كلمتهم بالمؤتمر، أما الحديث عن خدمة أطراف المعارضة من خلال خطابه فهو أمر لا علاقة له بالواقع لا من قريب ولا من بعيد. أما على صعيد خطابه فقد تطرق عبدالله إلى معظم المشاكل الأساسية التي لم تحل، ولا أعتقد أنها ستحل في ظل "السيستم" القائم على إدارة الدولة من مجالس وحكومات متعاقبة. فمن منّا لا يرغب في وضع أفضل على الصعد المختلفة؛ تعليم وصحة وإسكان ورياضة وطرق، والاهتمام بالشباب، ووقف العطايا والمنح، والتوجه إلى بناء الدولة بدلاً من شراء الهواتف والسفر، كلها أمور تتطلب معالجة سريعة ولا تخلو لقاءاتنا الاجتماعية من نفس هذا الحديث، فنقله عبدالله إلى رئيس الدولة وبشكل مباشر وأمام الجميع. ولأنه مخلص لوطنه حريص على وحدة الأطياف المختلفة طلب من سمو الأمير الدعوة إلى مؤتمر وطني يجمع كل وجهات النظر تحت مظلة واحدة يكون عنوانها المصارحة وهدفها المصالحة، ومن يرفض هذا الطلب فهو لا يريد التوافق بالكويت، ويصر على عزل الفئات التي لا يرتضيها من المجتمع، وهذا بالطبع تفكير إقصائي لا يحمل رؤية أو حرصا على الكويت، فالحوار مطلوب وتقريب وجهات النظر ضرورة كي لا تتسع الفجوة بين فئات المجتمع. شخصيا أنا من أشد المختلفين مع "الإخوان" والسلف بل كل قوى الإسلام السياسي أو حتى القوى القائمة على الانتماء العرقي العائلي أو القبلي، ولكن هذا لا يعني بأن نلقيهم خارج دائرة المواطنة لمجرد أنهم مختلفون. لقد قدم عبدالله بوفتين نموذجاً جميلاً للشباب الكويتي الصريح الذي لا يجامل أو يخجل من مطالبه دون مصلحة أو حسابات أخرى كما يحاول البعض كاذباً أن يصورها، بل إنه قدم نموذجاً للشباب بألا يكتفوا بالاستياء دون عمل فشارك في مؤتمر الشباب، وقدم للأمير رسالة الكثير من الشباب وأنا أحدهم… فشكراً "بوعبدالرحمن".

سامي النصف

الأمم المتقدمة.. منضبطة وغير فوضوية!

لو تطلعنا إلى خارطة العالم لوجدنا ـ لأسفنا الشديد ـ ان وطننا العربي الإسلامي هو مركز التخلف في الأرض، وكلما ابتعدنا عنه شرقا وغربا وشمالا زادت الأمم تقدما وتطورا وحتى نظافة، فشرق آسيا الأصفر يتشابه في إنجازاته الحضارية وتقدمه الاقتصادي واستقراره السياسي مع غرب أوروبا وشمال اميركا الأبيض، بينما يجمع التخلف الحضاري والاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي العرب السمر مع الأفارقة السود وبعض شعوب غرب شبه القارة الهندية.

***

فالأرقام والمؤشرات التي لا تكذب تظهر ان الثراء والصناعة والزراعة المتطورة وأفضل الجامعات والمراكز الصحية هي إما في دول مثل كوريا والصين واليابان وسنغافورة واستراليا ونيوزيلندا وبلدان الاتحاد الأوروبي أو أميركا الشمالية، والعكس من ذلك ما هو قائم في المنطقة العربية.. فما السر؟!

***

أرى ان الفروقات بيننا وبينهم أو بين التقدم والتخلف هو في شدة الانضباط لديهم والتسيب والفوضى لدينا، وهو ما جعل تاريخهم مليئا بالإنجازات الحضارية والانتصارات العسكرية التي لا تتم إلا بالانضباط، بينما تسبب تسيبنا وفوضانا العارمة في الهزائم العسكرية والتخلف الحضاري.

***

ومن أسباب تقدمهم برود الأعصاب والصبر والجلد واتقان العمل وتفشي ثقافة الصدق والنزاهة وعدم تقديس المال، ومعها ازدراء من لا يعمل أو من يغش ويسرق، بالمقابل يسود على شعوبنا سرعة الانفعال وفقدان الصبر والجلد وعدم اتقان الصنعة رغم وفرة الشهادات العلمية الزائفة أو عديمة الجدوى التي لا تؤدي الى الاحتراف، ولا ترى الثقافة السائدة لدى شعوبنا غضاضة من عدم المهنية والغش والكذب والخداع للوصول للأهداف وعلى رأسها حيازة المال الذي يعشق لذاته ولا يمانع من الوصول اليه بأي طريقة مشروعة أو غير مشروعة مثل (السرقة، الغش، الغزو والرشوة.. الخ).

***

ان متابعة سريعة لكيفية جلوسهم في معاهد العلم أو المصانع او إبان استعراضاتهم العسكرية وألعابهم الرياضية في الاحتفالات تظهر انضباطا شديدا لا يوجد حتى شيء قريب منه في منطقتنا، فالمشية العسكرية العربية مشتتة ومتفرقة وليست على نوتة واحدة، والاستعراضات الرياضية للطلبة تحفل بتصادم البعض بالبعض، وعليه فلن يصلح حال الأمتين العربية والإسلامية إلا إذا بدأنا الاهتمام الشديد باستعراضات رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية وحرصنا على الانضباط الشديد فيها حتى لو تمت إعادة التمارين مئات المرات.. من هذا الانضباط ستبدأ الأمتان العربية والإسلامية الخطوة الأولى في طريق الألف ميل للوصول الى الحضارة والانتصار.

احمد الصراف

أنا وشوقي.. والفريق غازي!

يقول شوقي:
«وطني لو شغلت بالخلد عنه
لنازعتني إليه في الخلد نفسي»!
ولو حدث وانتقلت للكتابة في صحيفة اخرى، مقابل مبلغ كبير – وهذا ما سبق وأن عرضه صديق عزيز وكريم – لنازعتني نفسي للعودة والكتابة في القبس من دون مقابل، وبكل ما تعنيه الكتابة فيها من منغّصات، وما تضعه أحيانا من قيود، ورفض نشر مقال هنا وآخر هناك! مناسبة هذا الحديث هو مواقف القبس التي تجعلها مميزة عن غيرها، مع الاحترام للجميع! فقبولها نشر مقال «الطب والخلق المفقود» المتعلق بأخلاقيات المهنة وإصرار البعض على الترويج لأنفسهم، وكأنهم «بائعو خضار»، وليسوا رسل رحمة لمهنة حماها القانون وحمىالعاملين بها من الابتذال، والذي شارك في تعميمه أكثر من «طبيب وزير»! أولا بأن قبولها النشر دليل واضح على مواقف القبس الكبيرة، فلو طبق القانون لتصبح القبس على رأس المتضررين «إعلانيا»! ولو كان القانون غير سائب، في وطن «كويتي وافتخر» لما حدثت القصة التالية: ففي صباح يوم نشر مقال «كويتي وافتخر» وقفت مركبة أحد ابنائي امام بيت والدي، في منطقة سكنية مطروقة، لتوصيل غرض! وخلال دقيقة واحدة ترجل شخصان من مركبة، تبين لاحقا أنها مسروقة، وقاما بسرقة سيارة ابني، التي كانت من النوع الذي يدار بزر، ويسهل تشغيلها ان كان مفتاحها في جيب مالكها ولا يقف بعيدا عنها كثيرا! وقد صورت كاميرات مراقبة في الشارع تفاصيل حادث السرقة! المعاناة بدأت، في وطن «كويتي وافتخر»، عندما ذهب ابني الى المخفر للإبلاغ عن السرقة، حيث اضطر هناك الى انتظار «حضرة» المحقق ليأتي، وعندما حضر، انتظروه لفترة أطول ليفرغ، وعندما فرغ، «أخد يلت ويعجن في المشكلة» من دون اتخاذ اي إجراء حاسم، ومرت خمس ساعات قبل ان «يسمح» له بالمغادرة، وكأنه متهم، وليس مبلغا عن سرقة مركبة، يزيد ثمنها على 18 ألف دينار! علما أن الساعات الخمس تكفي لتفكيك كل قطع المركبة وبيعها، او الخروج بها من البلد، وهذا ليس بالأمر الصعب، كما نعرف، فقد تم تهريب عتاه المجرمين والسجناء من «حدودنا الآمنة»، بتعاون خير وجميل من أحبة، طالما خالفوا القانون، ولم يطل عقابُ أحدٍ منهم كثيرا!
إن المشكلة الأمنية في تفاقم، ولا يود أحد من كبار المسؤولين – كما يبدو – أن يقلق نفسه بها، ربما لأن الأمر يحتاج الى ثورة أمنية، قد يكون وكيل وزارة الداخلية الفريق غازي العمر جديرا بها، ولكن يقال إن هناك أطرافا لا يريدون له أن يعمل! وأخبرني صديق أثق به أن الحملات الأمنية التي اصبحت رائجة هذه الأيام، دليل على ما وصل اليه الوضع من تسيب وخراب، فوجود كل هذا العدد الهائل من العمالة العاطلة ضمن مساحات مسكونة لا تتعدى بضعة كيلو مترات، وفي بلد لا أنفاق ولا غابات ولا أحراش ولا جبال فيه، يعني أن وراء الأكمة ما وراءها، وان هناك من «يتعمد» الإضرار بالأمن! وقال إن الآلاف الذين يتم القبض عليهم يطلق سراح غالبيتهم في اليوم التالي عندما يتقدم أي «كويتي ويفتخر»! ليكفلهم، ولا يتم ذلك من بعضهم – طبعا – من دون قبض المقسوم من العامل المسكين!

أحمد الصراف

سامي النصف

الخارطة الزرقاء لـ.. المركز المالي!

أوضاعنا ومنذ سنوات عدة مختلفة عما يجري في العالم أجمع، وقد يكون اختلافنا عن العالم هو سبب تخلفنا الذي يشتكي منه الجميع ويشارك به ـ يا للعجب ـ الجميع، فإن قرر العالم ان بناء المباني يبدأ من الأسفل، قررنا ان هذا لا ينطبق علينا «لخصوصيتنا الكويتية» وان على مبانينا ان تبنى من أعلى دون ان نعطى مبررا لهذا الاستفراد، وهل يعني اختلافنا عن باقي الخلق ان نأكل على سبيل المثال من أنوفنا ونتنفس من أعيننا؟!

***

علم الآباء المؤسسون للكويت القديمة بذكائهم وحكمتهم ـ لا بشهاداتهم المضروبة ـ ان كويت المركز المالي هي الوسيلة الوحيدة للعيش والبقاء، حيث لا زرع ولا ضرع ولا أنهار ولا أمطار في الكويت، بل صحراء جافة قاحلة تعتبر الأكثر سخونة في العالم، بينما تتمتع الدول المجاورة لها بالأنهار واعتدال الطقس والزراعة وكان مفترضا طبقا لذلك المعطى ان يهاجر الكويتيون لدول الجوار لا العكس.

***

لقد استوعب الآباء المؤسسون حكاما ومحكومين حقيقة متطلبات واستحقاقات المركز المالي للكويت ومنها:

(1) وجود الحريات الاجتماعية والسياسية وانعدام التعصب والانفتاح الإيجابي على الحضارات والديانات المختلفة، لذا ارتحل المقموعون من الدول الثرية المجاورة للكويت وليس العكس، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.

(2) عدم وجود ضرائب باهظة على السكان او البضائع في وقت فرضت فيه الدولتان العثمانية والصفوية ومثلهما باقي إمبراطوريات العالم الضرائب الباهظة على شعوبهم لتمويل حروبهم.

(3) الاهتمام بخلق أحد أكبر «أساطيل النقل» في المنطقة، حيث كان أسطول السفن الكويتية الذي كانت أعداده تتجاوز عشرات الآلاف من السفن الصغيرة والكبيرة، قصيرة وطويلة المدى، هو الركيزة الأساسية للمركز المالي الكويتي الذي عاشت على إيراداته الكويت لقرون عدة، ولولا ذلك الأسطول الذي يتم تجديده وتحديثه تباعا لانقرضت الكويت وضمت لإحدى دول الجوار.

***

تلك الركائز والحقائق والبديهيات التي علم بها الآباء المؤسسون قبل 4 قرون وسبقوا بها سنغافورة وهونغ كونغ ولوكسمبورغ والبهاما وباقي دول الخليج، أصبحت لاحقا هي ركيزة جميع المراكز المالية الناجحة في المنطقة وخارجها من تسامح وتقبل الثقافات المختلفة وخفض الضرائب وخلق أساطيل ضخمة تتمثل في طائرات متعددة الأحجام لخدمة تلك المراكز، وتلك المعطيات التي صدرناها للعالم نسينا ان نستوردها لاحقا منهم، كي نعلم ان حلم المركز المالي لن يتحقق دونها ولا فائدة من فوائض أموال تعتمد على مداخيل النفط الناضب والمورد الوحيد للدولة.

***

آخر محطة: (1) بديهية أقرب لشروق الشمس من الشرق، لا مركز ماليا دون شركة طيران كويتية عملاقة كحال الجيران، تمتلك طائرات حديثة تنقل المواطنين والمستثمرين والسائحين والمقيمين والزائرين والبضائع لمشارق الأرض ومغاربها، ودون ذلك سترجع الكويت صحراء قاحلة متى ما اختفت او انخفضت مداخيل النفط في وضع أسوأ مما بدأنا به قبل 4 قرون من الزمن.

(2) بديهية أخرى أقرب لغروب الشمس من الغرب، لا شركة طيران كويتية تسعد الشعب الكويتي وتخدم المركز المالي، حلم القيادة السياسية والبديل الوحيد للنفط، دون تسابق حكومي ـ نيابي لدعم متميز للشركة في حلتها الجديدة، ومن غير ذلك ستعلن وفاة «الكويتية» بـ «السكتة المالية» التي قتلت كثيرا من الشركات قبلها!

 

حسن العيسى

ماذا سيخسر الليبراليون أكثر؟

من مقال "الانتفاضة العربية وأوهام الدولة الدينية" للأستاذ مسعود الظاهر في جريدة النهار اللبنانية قبل أكثر من عام، ختم الكاتب مقالته بهذه الفقرة: "لاتزال العصبيات الدينية والقبلية حاضرة بقوة في المجتمعات العربية، ولاتزال الدولة الديمقراطية مفهوماً ضبابياً في عالم عربي محكوم بالذهنية الدينية والقبلية، ومع إصرار القوى السياسية الحاكمة في دول عربية منتفضة على تطبيق الشريعة الإسلامية تراجعت مفاهيم الحرية، والوطن والمواطنة، والسيادة، وحقوق الإنسان العربي الفرد، وباتت مؤسسات الدولة العصرية مهددة بالزوال، وعاجزة عن ممارسة الديمقراطية دون مشاركة الديمقراطيين في معركة شرسة لحماية أنفسهم ووطنهم، فانتشار الوعي الديمقراطي لم يخفف من الوعي الديني بل زاده صلابة في الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الدول العربية المنتفضة، وهي قوى إسلاموية سلطوية لا تستطيع إقامة التعارض مع السلطة الدينية، وتحديداً مع سلطة المرشد الديني أو سلطة ولاية الفقيه، فالمؤسسة السياسية في الدول العربية المنتفضة اليوم هي امتداد للسلطة الدينية التي تتمتع بصلاحيات واسعة للرقابة على الناس والكتب والفنون والمطبوعات والمسرح والأغاني والنوادي الفكرية، فهناك اليوم تصادم حاد وجذري بين قوى إسلاموية استغلت الانتفاضات الشبابية لتحاول بناء دولة إسلامية تتعارض جذرياً مع أهداف تلك الانتفاضات، وبين قوى ديمقراطية عريضة تواجه بصلابة المد الإسلاموي الذي يستخدم العنف السلطوي باسم الإسلام السياسي، وهي معركة مصيرية تطال حاضر العرب ومستقبلهم".
يشترك الكثير من المثقفين العرب مع الأستاذ مسعود الظاهر في قلقهم المشروع من المستقبل القادم للدول العربية، وكأن لسان حالهم يقول "كالمستجير من الرمضاء بالنار"، الرمضاء هي صحارى النظم العربية الحاكمة (أو التي كانت حاكمة) والنار التي قد يستجيرون (أو استجاروا فعلاً) بها هي الأنظمة الثورية التي تلبس العباءة الدينية، إذن حسب هذا الرأي، تصبح قضية الحريات والديمقراطية ليست هي أزمات "أنظمة حكم" فقط، بل هي أزمة مجتمعات عربية يهيمن عليها بالأساس الهوية القبلية والنزعات الدينية الطائفية.
فحين يزول النظام السوري فرضاً، فالبديل هو جبهة النصرة وجند الشام، وهما صور متجددة للعرب الأفغان، فأين الحل بفرض عدم تفكك الدولة السورية إلى دويلات طائفية وعرقية؟! هل يتعين على الحالمين بالحريات والكرامة أن ينتظروا عشرات وربما "مئات" السنين حتى يتبلور الوعي بالانتماء للدولة وبهويتها الوطنية، أم عليهم أن يتجرعوا مرارة أنظمتهم الحاكمة لأن البديل أسوأ؟!
خطورة مثل هذا الرأي أنه يبرر ضمناً "شرعية" بقاء واستمرار الأنظمة العربية السائدة، ويبرر من جهة أخرى كل الإجراءات القمعية التي تتخذها هذه الأنظمة ضد المخالفين، هذا القمع لا يفرق بين صاحب لحية وحليق، وبين ليبرالي ويساري، وبين إسلامي معتدل وآخر متطرف، فهم على مسطرة واحدة عند الحاكم، عندها تصبح كل محاولة لنصح النظام الحاكم والدعوة إلى إصلاحه جريمة كبرى ضد أمن الدولة وهيبة الحكم.
لنقر بأن الحالة العربية ستمر بمخاض طويل، يختلط فيه الداخل بالخارج، مصالح الدول الكبرى وتفكك الداخل الذي لم يقم أساساً على مفهوم الدولة الأمة، وإنما كان مجرد ترتيبات حدودية رسمها المستعمر الإنكليزي– الفرنسي على رمال الصحراء سابقاً، وتصونها اليوم "الولايات المتحدة"، وأن الطريق أمام شعوب المنطقة بقبائلهم وطوائفهم للوصول إلى عالم متطور وحر مازال طويلاً وشاقاً، لكن لابد من بداية ما للتغيير، فهذه الأنظمة ترفض كل محاولات الإصلاح، وتصر على تقنين الجمود السياسي والفساد المالي، وما الذي يخشاه المثقفون الليبراليون في النهاية، فليس هناك أسوأ من جمود الانتظار.