قبل سنوات٬ هي عمر انطلاق الثورات العربية٬ كنت أتحدث وأصدقاء أجانب حول العلاقة بين السياسة والفنون المعبرة عنها في المنطقة من أدب وأفلام سينمائية وتلفزيونية ورواية وفن تشكيلي وغناء وغير ذلك من الأدوات، ومقارنة ذلك بالتعبير الغربي للسياسة في الفن٬ ومستوى التشابه بين الشعوب في العالم كطبائع بشرية٬ مع الاحتفاظ بفكرة الفروق التي منها البيئة والتاريخ والحالة السياسية. في الأرشيف الغربي، لا سيما الأمريكي، قائمة طويلة من الأغاني التي تتضمن بعض التاريخ السياسي كتعبير فني له علاقة بمرحلة ما. وكانت الحالة المصرية بالنسبة لي مثالا حيا غنيا لمرحلة مثيرة من عمر التاريخ سواء في القرن الماضي أم مع ثورة يناير٬ وكثافة ما أنتج ما يعكس مرحلة غير مستقرة الملامح بعد. مرحلة مشوشة مثل ماء البحر حين يختلط بالوحل فلا تعود ترى الأصداف المستقرة حتى يهدأ.
تذكرت هذا وأنا أقرأ حوارا أخيرا لفنان العرب الأسطورة محمد عبده٬ في جريدة إماراتية٬ حين سأل الصحافي عبده سؤالا وجدته مثيرا على المستوى الفكري. السؤال كان حول إذا ما كانت الأغنية السياسية لا تزال موجودة فعلا، أم ذابت مع تلاشي مرحلة التغني بالقومية العربية في الستينيات، وما تلاها؟ وعما إذا كانت المرحلة تستدعي ردة إلى نسق مشابه، على اعتبار أن تلك الأغنية جاءت رفيقة للأزمات والتهديدات الكبرى التي تعرضت لها المنطقة العربية؟ أجاب محمد عبده مستنكرا: “وماذا أثمر هذا النوع من الأغاني؟ الأغنية السياسية كانت صراخا في صحراء العرب، كان هناك الكثير من الشعراء والمؤلفين الذين تميزوا بنتاج غزير في هذا المجال، والآن لم نعد نسمع نتاجا يصب في إطار نقد السلوك السياسي، على نحو يمكن اعتباره توجها فنيا”، والحديث لعبده الذي استأنف “مع تواتر صناعة الأغاني السياسية في الستينيات وما تلاها، هل استطاعت أن تؤثر أو تعدل في إطار ما دعت إليه؟ لا أعتقد، لذلك فإن استدعاءها أو استعادتها عمل غير مجدٍ، والاستثناءات تبقى محدودة، ومشروطة أن تكون هناك فكرة ورسالة حقيقية ومحددة، بعيدا عن العمومية ومجانية الطرح”. متابعة قراءة الغناء والسياسة .. ومحمد عبده