نواب مجلس الأمة الذين اشتطوا لطلب الجلسة الطارئة مطالبون بأن يبيّنوا لنا، نحن الناس اصحاب المصلحة واصحاب السلطة والسيادة، مبررات عقد الجلسة، او بالاحرى مبررات رفضهم لتصحيح اسعار النفط. اعضاء مجلس الامة لم يعترضوا على نوايا الحكومة في التقشف، ولم يتساءلوا عن حيثيات برنامجها الاصلاحي. بل الأغرب من هذا كله ان اعضاء مجلس الامة لم يتنادوا لعقد جلسة طارئة، عندما فقدت الدولة والوطن والناس ثمانين في المئة من دخلهم عندما تراجعت اسعار النفط الى عشرين دولارا للبرميل. لم يكن شأنهم، وفي الواقع لم يكن شأن أي من «جهابذة» تويتر من المعترضين على رفع اسعار الوقود. فالجميع تظاهر بانه خارج المشكلة، او انها اصلا ليست موجودة.. او ان على الدولة ان تتحمل وحدها مسألة حلها. وهذا في الواقع هو واقع الحال في الكويت. فالدولة تتكفل بكل شيء وتتحمل وحيدة كلفة كل شيء.
فقدت الكويت ثمانين في المئة من دخلها، ومع هذا لم يعبأ احد ولم تهتز او ترتعش وطنية احد. الكل تغاضى عن «الكارثة»، والكل أدار وجهه نحو الصراع الطائفي او الانشغال باوضاع سوريا او اليمن او الانقلاب التركي. هذه «القضايا»، ان جازت تسميتها بقضايا كانت الشغل الشاغل للثوار والمعارضين. اما انخفاض اسعار النفط والخسارة الرهيبة التي منيت بها الكويت، فلم تكن من شأن احد. فهذا امر تضطلع الدولة به. وهي المسؤولة عن مواجهته وليس الناس. متابعة قراءة على ما شطتكم.. على ما..؟
ترامب وإلغاء البدلات في السعوديّة
إذا فاز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، فسيكون ذلك بسبب «الوظائف»، فهي أم القضايا في الانتخابات.
اتفق معظم المحللين الذين تابعوا المناظرة الرئاسية بينه وبين المرشحة المنافسة القوية هيلاري كلينتون، مساء الاثنين الماضي، على أن ترامب سجّل نقاطه في مرمى كلينتون خلال نصف الساعة الأول المخصّص لموضوع «خلق الوظائف»، بينما دمرته هيلاري بخبرتها وتحضيرها الجيد طوال الساعة التالية وهما يناقشان بقية المواضيع.
في اليوم نفسه، كان السعوديون مشغولين بقرارات حكومية خفّضت بدلات وعلاوات كانوا يحصلون عليها ضمن رواتبهم الشهرية، ما يعني انخفاضاً في إجمالي دخلهم الشهري يتفاوت بين قطاع وآخر.
إنه الموضوع نفسه، الوظائف والدخل، والذي يتّفق عليه السعودي والأميركي ومواطنو كل بلاد العالم. لكن مشكلة السعوديين مختلفة عن غيرهم، ذلك أن الحكومة هي المُوَظِّف الأكبر والمفضل عندهم، وليس قطاعات الأعمال والخدمات، كما هي الحال في أميركا وغيرها من الدول ذات الاقتصاد الإنتاجي. بالتالي، كانت القرارات التي وصفت بالتقشفية شاغلة، ليس للمواطنين «الموظفين» لدى الحكومة فقط، وهم غالبية اليد العاملة السعودية، وإنما لعموم الاقتصاد، فانعكس القرار سلباً في اليوم التالي على سوق المال التي انخفضت أكثر من 200 نقطة دفعة واحدة. وستستمر تأثيراته في عموم الاقتصاد، مثل حجر أُلقي في بحيرة لم تكن ساكنة، وإنما تموج بتأثيرات انخفاض سوق النفط وإلغاء أو تجميد كثير من المشاريع الحكومية الكبرى، وقبل هذا وذاك انخفاض أسعار النفط.
لو استمع السعودي إلى ترامب أو حتى كلينتون، فإن الحل يكمن في خلق مزيد من الوظائف، مثلما وعدا في مناظرتهما المشار إليها. الأول يريد وقف خروج الوظائف من أميركا إلى الصين والمكسيك وإعادة ما خرج منها، وهو وعد سهل قوله صعب تطبيقه. كلينتون لديها حلول أفضل، فهي تعد بزيادة الإنفاق على مشاريع تجديد البنية التحتية المتهالكة، والتوسع في مشاريع الطاقة البديلة، ولكل منهما خطة مفصلة لتوفير الوظائف وبالأرقام. كلينتون مثلاً، قالت إنها تستهدف خلق 10 ملايين وظيفة جديدة خلال سنوات حكمها، إن فازت طبعاً.
الحلول الأميركية تبدو منطقية ويمكن تطبيقها هناك، ذلك أن الأميركي يعمل بنفسه ويبحث عن الوظيفة، وينقم في شدة على السياسيين الذين جعلوه يفقد وظيفته السابقة ولم يوفروا له وظيفة بديلة، أو أنه وجد وظيفة براتب منخفض عن وظيفته السابقة.
خلق وظائف (نحن نقول توليد) ركن أساس في رؤية المملكة للمستقبل 2030، إذ نريد تقليص الاعتماد على النفط بخلق موارد بديلة وجديدة، وذلك بالتوسع في قطاعات الأعمال والخدمات، لكن لدينا مشكلة نتفرد بها ولا تواجه ترامب ولا كلينتون، وهي أن «عجينة القوة العاملة» في السعودية مكونة حالياً من 85 في المئة أجانب و15 في المئة سعوديين، ولا توجد لدينا نية جادة للتحرر من الاعتماد على العمالة الأجنبية، بل إن المخططين لرؤية 2030 يرون في توافر عمالة رخيصة في بلادنا وقربنا من مصادرها ميزة تجب الاستفادة منها، وهي مسألة وإن كانت صائبة محاسبياً لكنها خاطئة سياسياً ووطنياً، فالوظائف تخلق أصلاً للمواطنين، والدول «أوطان» وليست شركات. ولو فعلنا ذلك سنحافظ على المعادلة نفسها التي شعرنا بألمها الأسبوع الماضي، بصدور القرارات الملكية التي خفّضت رواتب موظفي الدولة، وهي اعتماد الاقتصاد الوطني على دخل موظفي الحكومة.
في أميركا، أوقف الكونغرس غير مرة الصرف على الحكومة الفيديرالية بسبب خلاف بينه وبين الرئيس، إذ إن الأخير غير مخوّل إصدار أوامر بالصرف المالي، وهو مبدأ دستوري لتقرير الفصل الصارم بين السلطات، فتتعطل الحكومة الفيديرالية. حصل ذلك مرتين أو ثلاثاً، آخرها الثلثاء الماضي. لم يهتم أحد غير موظفي الحكومة وأسرهم ودائنيهم، ولم تتأثر سوق المال. والسبب أن الموظفين الفيديراليين لا يكادون يظهرون وسط ملايين القوى الأميركية العاملة، بينما في المملكة عددهم متقارب، إذ يصل عدد العاملين لدى قطاع الأعمال إلى 1.7 مليون، بينما تعداد العاملين المدنيين لدى الحكومة 1.2 مليون، وهناك مثلهم وأكثر في القطاع العسكري. لكن، إذا أخذنا في الاعتبار أنهم يحصلون على رواتب أفضل وأكثر استقراراً، كما أن هناك ما نسميه سعودة وهمية، وهؤلاء مسجلون موظفين بالحد الأدنى من الراتب، أي 3 آلاف ريال فقط، تنفيذاً لأنظمة وزارة العمل الأخيرة التي تكافئ قطاع الأعمال بمنحه تأشيرات استقدام بقدر التقدم الذي يحققه بمنشآته في نسبة السعودة، فكأن الوزارة تداوي الخلل بالتي كانت هي الداء، فالعمالة الأجنبية هي داء الاقتصاد والإنتاج، لكن طالما وصلت إلى النسبة المرضي عنها فإليك ببضع تأشيرات!
هل قرار الدولة مجرد استجابة لضغوط انخفاض الدخل لتراجع أسعار النفط، وبالتالي يمكن أن يكون مجرد قرار موقت لظروف المرحلة، أم أنه يأتي ضمن خطة التحول الوطني الداعية إلى «كفاءة الإنفاق»؟
لن ينكر أحد أن أنظمة البدلات والانتدابات والنثريات المترامية في أركان كل وزارة، لا تنطبق عليها قواعد كفاءة الإنفاق ولا الترشيد. لكن، هل هناك هدف أعمق من سابقيه، وهو إعادة هيكلة جسم الخدمة المدنية المترهل، بجعل الوظيفة الحكومية غير مغرية، وتشجيع موظفي الدولة على الانتقال إلى قطاع الأعمال والتجارة والصناعة، لتحقيق رؤية زيادة الإنتاج غير النفطي؟
لا أستطيع تقديم إجابة أكيدة، إذ لم يكلف نفسه أي مسؤول من وزارات الخدمة المدنية أو المالية أو العمل أو الإعلام ليعقد مؤتمراً صحافياً يشرح الغرض من هذه القرارات.
أعتقد أن الأسباب الثلاثة السابقة وجيهة، لكن آخرها هو الأهم. فالحل يكمن في قطاع الأعمال، وما يحدد هناك مصير الوظائف وقدر الرواتب والعلاوات والبدلات هو كفاءة الموظف وإنتاج الشركة وحال الاقتصاد، وهذه أفضل من ترك كامل الاقتصاد تحت رحمة موظفي الحكومة وأسعار النفط. فبقدر ما اقتصاد المملكة في حاجة إلى التحرر من الاعتماد على النفط، فإنه أيضاً في حاجة إلى التحرر من الاعتماد على موظفي الدولة، وثمة قاعدة أخرى، أن الحكومة الصغيرة هي دوماً أفضل أداء.
لكن المعضلة الكبرى أن معظم قطاع الأعمال مُحتلّ طولاً وعرضاً إدارة ووظيفة وتملكاً وخبرة، من الأجانب، وحتى تتحرر السوق منهم فسيجد موظف الحكومة الراحل إليها صعوبات تجعله يتمنى يوماً من أيام الوظيفة «الميري».
التأمين الصحي للمتقاعدين… بالأرقام!
تم تناول قانون التأمين الصحي للمتقاعدين من عدة جوانب، أغلبها يتعلق بالبعد السياسي ومدى تلبيته لاحتياجات المتقاعدين الفعلية في العلاج والرعاية الطبية المناسبة، وبشكل إجمالي جاءت ردود الفعل سلبية جداً تجاه القانون، فكالعادة كانت الإسقاطات الساخرة والحس الفكاهي سيدة الموقف، خصوصاً فيما يتعلق بالبند الخاص بتغطية الحمل والولادة، وهو أمر بلا شك مثير للغضب والاستهجان.
لا نلوم الرأي العام الكويتي المحبط وردة فعل الأغلبية من المواطنين على الكثير من القرارات الحكومية أو التشريعات النيابية التي باتت تفصّل وفق قياسات تنفيعية خاصة، ولا نلوم ارتفاع وتيرة الغضب جراء توقيت هذه المنافع مع سياسات التقشف ومحاولات استغلال المواطن العادي تارة بجعله البقرة الحلوب ومد اليد إلى جيبه مباشرة عبر زيادة الأسعار ورفع الدعم الحكومي عن بعض السلع والخدمات، وربما يصل الأمر إلى تقليص الرواتب، وتارة أخرى من خلال استغلال هذا المواطن نفسه باسم تقديم الخدمات له عبر قوانين مثل التأمين الصحي. متابعة قراءة التأمين الصحي للمتقاعدين… بالأرقام!
أعطوهم الشيك الذهبي
قرأت قبل يومين تقريرا تحليليا في وحدة التقارير في صحيفتنا “الاقتصادية”، حول إجمالي إنفاق الدولة على الرواتب والبدلات لموظفي الدولة خلال العام الماضي 2015، الذي بلغ 487.5 مليار ريال. وذلك بعد قرار مجلس الوزراء السعودي الأخير خفض رواتب وبدلات وعلاوات ومكافآت الوزراء وأعضاء مجلس الشورى، وعلاوات ومكافآت وبدلات موظفي الدولة. واستند تحليل “الاقتصادية” إلى تصريحات سابقة للدكتور إبراهيم العساف وزير المالية، بأن هذا البند يستقطع عادة نحو 50 في المائة من نفقات الدولة البالغة فعليا 975 مليار ريال في 2015. يقول التقرير إن مخصصات الرواتب والبدلات وأجور العمال العام الماضي، شكلت نحو 38 في المائة من ميزانية الدولة المقدرة حينها بـ860 مليار ريال. وبلغ عدد موظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري نحو 3.32 مليون موظف بنهاية عام 2014، فيما يبلغ عدد موظفي الخدمة المدنية بنهاية رمضان 1436هـ (منتصف يوليو 2015) نحو 1.26 مليون موظف ومستخدم.
أهتم بالاقتصاد لعلاقته بالتنمية وتداخلاته بالسياسة والأمن بطبيعة الحال، وما بقي من تفاصيل ذلك فهو شأن الاقتصاديين. وما شدني هو إمكانية تحليل مزيد من مثل هذه التقارير بمعلومات إضافية قد تتعلق بأعمار الموظفين ونوع الأعمال التي يمارسونها في القطاع العام، ومدى إمكانية استبدال الأعمال الحالية بأخرى إلكترونية – مثلا – بتقليص الوظائف التي قد يمارسها لاحقا شباب، يتم توظيف بعضهم “من بعد” دون الحاجة حتى إلى المكاتب والأجهزة وميزانياتها، وذلك في بعض الأقسام التي قد لا تتطلب ذلك بطبيعة الحال. ولا سيما أن الأعمال من بعد تتنامى في العالم بشكل كببر، منها ما يقترب من 50 في المائة من الوظائف في أمريكا. أما في نقطة استبدال الوظائف فهي تتعلق بالتقاعد المبكر لمن لا تتطلب وظائفهم خبرات مهنية حيوية، ومن ثم تقدم الحكومة ما يسمى بالشيك الذهبي- أو صيغة شبيهة منه تراعي خصوصية الجهات الحكومية- للموظف الذي يمكن الاستغناء عنه دون انتظار، عن طريق شراء الخدمة. من شأن ذلك علاج البيروقراطية والترهل الوظيفي، إضافة إلى تجاوز صعوبة تعامل القدامى مع التوجه التقني الجديد للأجهزة الحكومية. وهو ما قامت به بعض الشركات قبل سنوات مثل أرامكو والاتصالات والكهرباء. متابعة قراءة أعطوهم الشيك الذهبي
ما مغزى الاتفاق الأخير بين الصين والسعودية؟
حدث هذا الأسبوع تطور مهم في العلاقات التجارية الصينية – السعودية، حيث اتفق الطرفان على تسوية المعاملات التجارية بينهما، وذلك من خلال استخدام ترتيبات خاصة تسمح للطرفين باستخدام عملة كل دولة في تسوية المعاملات التجارية فيما بينهما، في إطار نظام لمعدلات صرف بين العملتين يتم تحديده بصورة مباشرة دون استخدام عملة دولية وسيطة كالدولار الأمريكي. على سبيل المثال ستقوم السعودية باستيراد السلع من الصين، ويمكن أن تدفع قيمة هذه المنتجات بالريال السعودي، بينما تقوم الصين باستيراد النفط من السعودية، ويمكن أن تدفع قيمة هذه الواردات باستخدام الرينمنبي الصيني. بهذا الشكل يمكن للدولتين تسوية المعاملات التجارية فيما بينهما باستخدام عملتيهما.
من أهم مزايا هذا النظام أنه سيخفف من استخدام العملات الأجنبية (الدولار) في تسوية المعاملات التجارية بين البلدين؛ فبدلا من أن تستخدم الصين الدولار الأمريكي في سداد واردات النفط من المملكة يمكنها في هذه الحالة أن تستخدم الرينمنبي أي عملتها المحلية (عملة سهلة بالنسبة لها) بدلا من استخدام الدولار الأمريكي (عملة صعبة) في السداد، كما يمكن للمملكة أن تدفع قيمة ما تحتاج إليه من الصين باستخدام الريال السعودي (عملة سهلة بالنسبة لها) بدلا من أن تدفع قيمة ما تستورده من الصين بالدولار الأمريكي (عملة صعبة). متابعة قراءة ما مغزى الاتفاق الأخير بين الصين والسعودية؟
نهاية التنظيم الدولي!
ربما يكون أكثر ما تُهاجَم به تيارات الإخوان المسلمين في العالم هو ارتباطهم بتنظيم دولي يجمعهم ويتلقون الأوامر والتعليمات منه، وقد أحسن خصوم الإخوان استغلال هذه الفكرة للطعن في وطنيتهم، وتجريدهم من الانتماء، على اعتبار أنهم ينتمون لكيان عالمي يدينون له بالولاء و«البيعة» على حساب أوطانهم. متابعة قراءة نهاية التنظيم الدولي!
كويت آمنة لا أمنية
كلما تكررت الأفعال وردود الأفعال على الساحة السياسية، سألت نفسي: من يفترض فيه أن يكيف نفسه مع الآخر، الدولة وقوانينها؟ أم الشعب مصدر السلطات جميعاً؟
المنطق يقول إن الدولة تتشكل والقوانين تصمم حسب حاجات الناس ومقدار تطورهم الطبيعي، هذا المنطق يتجسد في الدول التي يوجد فيها نظام ديمقراطي حقيقي تتكشف فيه تحولات الرأي العام يومياً عبر عشرات الوسائل التي يتم من خلالها إفهام “الحكومة والبرلمان” ما يريده الناس. متابعة قراءة كويت آمنة لا أمنية
إحباط كامل الدسم
أخذ صديقي، وهو رجل أعمال متوسط الحال، ولا يصنف من فئة الهوامير، التي تلاحقها مناقصات الخير أينما سارت، يتحدث بأسى على غير عادته، يقول إنه يفكر بجدية في أن يجعل له محل إقامة بصورة شبه دائمة خارج الكويت، ربما في إسبانيا أو البرتغال، فكلتا الدولتين تمنح الأجنبي حق إقامة دائمة وفيزا “شنغن” متى امتلك بيتاً بسعر معين، يقول إنه يشعر بإحباط كبير، ولا يرى أي بصيص أمل للقادم، فالوضع بالدولة يمضي من سيئ لأسوأ، وليس هناك من يشعرك بأن طاقة نور ستفتح، وأن حلماً جميلاً سيشع جمالاً في هذا الليل الطويل.
يقول صديقي المحبط إنه يشعر بقلق كبير في السنوات القليلة الماضية، وهو ليس قلقاً من الموت أو المرض بسبب كبر السن وفقدان بهجة الشباب، إنما قلق من ظلام المجهول بالدولة الذي سد كل سبل الغد، ولا يجد في إدارة الدولة من يمسك بيده مصباحاً لينير دروب الغد، يقول صديقي هي ليست مسألة أسعار نفط وتهاوت، فكلنا سواء كنا أصحاب أعمال حرة أو تجاراً أو موظفين في الدولة نعتمد على هذه السلعة، وأمر طبيعي أن تلسعنا حرارة رحيل سنوات الرخاء، وإنما هي أزمة ثقة بالإدارة، هي إدارة مفروضة علينا، لا نستطيع مجرد مناقشتها، فما بالك إقناعها لتغير رأيها أو نهجها، فهذا النهج ثابت على عناده كالجبال الرواسي، فمثل يا جبل ما يهزك ريح كأنه مفصل على مقاس الجماعة هنا، ويا سبحان الله على الصدف.
يضرب هذا الصديق مثلاً، عن شركتين متماثلتين تماماً في النشاط التجاري، وخصصت لكل واحدة منهما مليون دينار كاستثمار فيهما، وتركتهما لفترة من الزمن لتعود وتبحث عن استثمارك، فتجد أن الأولى خسرت المليون واستدانت مليوناً آخر، والثانية حققت ربحاً يساوي المليون، الفرق بين الشركتين بسيط، هو الإدارة، واحدة أعسرت لسوء الإدارة، والثانية حققت نجاحها لحسن إدارتها!
يكمل هذا الصديق حديثه المهموم بأنه ليس له اهتمام كبير بالشأن السياسي، لكن الأمر “السياسي” يفرض نفسه عليه، يقفز على رقبته، وهو لا يملك حولاً ولا قوة ان يقول حتى رأيه في أبسط الأمور، دائرة الحريات تضيق يوماً بعد يوم، ولا تستطيع أن تعترض أو تنتقد إلا بحدود “التدجين” المسموح به، تخيل أن للحريات خطاً بيانياً، دقق النظر فيه ستجد أنه في القمة في منتصف الستينيات من القرن الماضي، ثم يبدأ بالانحدار مع كل عقد يمضي حتى نصل للقاع الآن (وربما لم نصل بعد) وأعتقد أن القادم أسوأ كما قلت لك، هو غرامشي الذي قال إن الأزمة تكمن في أن القديم يموت ولا جديد يحل مكانه.
ويتابع صديقي حديثه: تابع أخبار جرائدنا، وهي بالمناسبة لا تختلف عن بعضها بغير أسمائها، والسبب هيمنة الرقابة وقوانين السواد التي شرعت من قبل، لن تجد غير الخواء بالمناشيت والتعليق الصحافي، وزواياكم تعيد وتكرر كلاماً مستهلكاً ليس فيه إبداع ولا تجديد، أفهم تماماً وضعكم حين تكتبون داخل أقفاص المسموح التي يجثم فوقها حرس السلطة وحرس أصحاب النفوذ المالي وحرس دعاة الفضيلة، حالكم من حال الجميع، انسداد الأفق السياسي، وسطوة الرأي الأوحد أضاعا كل أمل بحرية التجديد وحيوية الكلمة.
ماذا بعد، يمكن أن أضيفه، هناك الكثير والكثير يمكن أن أقوله لك، وكلانا يعرف ماذا يمكن أن يقال وماذا يمكن أن يسمح بنشره، دعني فقط أكرر ما قلته بأن الأمور سيئة وتمضي نحو الأسوأ، و”تسد النفس”… عن إذنك لدي موعد لاستخراج فيزا “شنغن”… سأترككم مع عاصفة غالون البنزين وصبوحة خطبها نصيب.
12 سنة
أكتب المقال بشكل دوري ومستمر منذ اثني عشر عاماً تقريباً، بدءاً من جريدة “الطليعة”، مروراً بمجلة “أبواب” وانتهاءً بجريدة “الجريدة”، بالإضافة إلى بعض الكتابات هنا وهناك، أكثر من 500 مقال كتبتها طوال تلك المدة، وهي حصيلة معقولة برأيي وكفيلة بأن تمكنني من معرفة النطاق المناسب للكتابة، وتلافي أي محاذير قانونية قد أواجهها إذا كتبت في اتجاه معين.
ولمن لا يعلم فإن كل ما أكتبه ويكتبه الزملاء في الصحف الورقية على الأقل يخضع لمتابعة من القائمين على الصحف للتأكد من السلامة القانونية لما يُكتَب، وطوال فترة كتابتي تخطيت بعض الحدود القانونية، وهو ما كاد يسبب لي مشاكل وملاحقات قضائية لولا حرص الإدارات الصحافية التي تعاملت معها على تقويم بعض الكتابات وإلغاء البعض الآخر إن تطلب الأمر، حماية لي وللجريدة، وأنا ممتن جداً لهذا الأمر. متابعة قراءة 12 سنة
نبيل الفضل.. وأنا
على الرغم من اختلاف طبائعي وآرائي مع «ما كان» يماثلها لدى المرحوم، النائب نبيل الفضل، فإننا تواددنا لما يقارب الثلاثين عاما.
كان المرحوم يوافق معي على ضعف أداء الحكومة، ولكنه ارجع ذلك لوجود مجلس أمة «معرقل»، ولكني أرجعت ذلك لضعف ذاتي في قدراتها، وليس بسبب المجلس. وكان يعتقد أن أداء الحكومة سيكون مميزا وفعالا لو انفردت بالحكم لبضع سنوات، بعيدا عن مزايدات النواب. متابعة قراءة نبيل الفضل.. وأنا