سعيد محمد سعيد

ماذا لو…؟

 

هل يمكن أن نتخيل معاً صعوبة المشهد الآتي والخطورة التي تكمن خلفه؟ لنشاهد معاً: طفل في السابعة من العمر تقريباً ومعه اثنان من أنداده يعبث في ريش طائر، ذلك الطائر كان نافقاً بالقرب من ساحة قريبة من منزل الطفل على ما يبدو. ترى، ما الذي يمكن أن يشعره الواحد منا حين ينظر الى مثل هذا المشهد؟ وليس هذا فحسب… ففي كثير من المناطق، بدأت طيور النورس تنتشر على شكل مجموعات (مهاجرة) وخصوصاً في أوقات الصباح الباكر، ولأن يوم أمس كان أول أيام الفصل الدراسي الجديد، فإنه يحلو لبعض الأطفال الجري وراء تلك الطيور. وسيكون الحال أفضل لو اكتفوا برمي الحجارة من بعيد لإخافتها بدلاً من الجري وراءها، وفي هذا الجري وما شابهه في حال الطفل الذي يعبث بريش الطير النافق ما يرفع درجة الخطورة… ماذا لو كان ذلك الطائر مصاباً بمرض انفلونزا الطيور؟، هل يمكن أن نتكلم بصراحة؟ قليل من الصراحة؟ ويتوجب هنا أن نشير إلى أن كثيراً من برامج التوعية والتثقيف، لاسيما الصحية منها، لا تصل بالشكل المطلوب الى شرائح مختلفة من المجتمع. وهذا في حد ذاته يثير تساؤلاً مقلقاً: «هل وصلنا الى مجتمع العبقرية الذي لا يريد فيه البعض أن يتعلم أو يستمع لرسالة إعلامية ويتعالى، كونه يملك من المعلومات ما يغنيه عن غيره؟ وهل وصلت بنا الأمور الى «التفلسف» في تلقي بعض التعليمات والإرشادات المهمة؟، في الحقيقة، يبدو الوضع ­ وخصوصاً بالنسبة للأمراض السارية والمعدية ومرض انفلونزا الطيور ­ صعباً، لا يمكن معه قبول أي تجاهل لأبسط جزئية في موضوع الوقاية والمكافحة. فالأطفال، حين يعبثون بالطيور الميتة فإنهم بذلك يقتربون من منطقة خطرة للغاية. حتى في المدارس، قد نجد طيراً ميتاً في ملعب المدرسة أو في مكان ما، وهذا ما يلزم اتخاذ اجراءات أكثر تشدداً، ومنها تحريك عمال النظافة وابلاغ الشركات بأهمية تأهيل وتدريب فرق العمل على كيفية التخلص من الطيور النافقة أينما وجدت، وتوجيههم الى ضرورة الإبلاغ عن أية مظاهر مقلقة في حال وجود أعداد من الطيور النافقة في أي مكان. صحيح نحن في أمان، لكن من غير المعقول أن نقول «إننا في أمان دائم». وسلامة الجميع

سعيد محمد سعيد

الأخبار السارة من السجن!

 

حينما نقرأ خبراً مفاده أن أحد السجناء تمكن من اكمال دراسته في السجن وحصل على الدبلوما من إحدى الجامعات الأميركية، فإن شعوراً جميلاً بالتفاؤل والسرور يملأ النفس، وربما كان الجانب الأكثر إضاءة هنا، هو قوة الإصرار والعزيمة لدى ذلك السجين الذي حقق بصبر واحتساب، ما كان يصبو إليه.

هذه النوعية من الأخبار تعتبر من الأخبار السارة التي ترد الينا من السجن! ونتمنى أن تكون أخبار السجون كلها مفرحة بدءاً بتحسن الأوضاع بعد سلسلة الزيارات المتفق عليها بين الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان ووزارة الداخلية، انتهاءً عند أساليب التأهيل والإصلاح وإعادة دمج المفرج عنهم في المجتمع لكي يواصلوا تعويض ما فقدوه طوال سنوات العقوبة.

أخبرني أحد المفرج عنهم، أنه منذ تنفس هواء الحرية، حتى عهد قريب، وهو يعاني من صعوبة التعامل مع الكثير من أفراد المجتمع، خصوصاً أولئك الذين يفترض فيهم أنهم مثقفون ومتنورون… فالبعض يعاملك من منطلق الجرم الذي أجرمته في تلك السنة، ويجعله وصمة عار تتابعك أينما حللت سواء تبت أم لم تتب… تعدلت أم لم تتعدل، لا فرق لديهم!

لكنني أجد محدثي محقاً! نعم، لقد أخطأ ذلك «البني آدم» في يوم من الأيام، واستحق العقوبة وكان له القانون بالمرصاد… ثم بعد ذلك، عاد الى الحرية من جديد،إذ من حقه أن يعيش كأي فرد في المجتمع، فلماذا نوصد الأبواب في وجهه؟

كل العذر، لأي إنسان دخل السجن، ثم خرج منه بعد أن نال جزاءه حين يقف محتاراً في كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف… وكل العذر للشباب الذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع الإنسان «المخطئ» التائب! فهم لا يعرفون من التعامل الإنساني والديمقراطي إلا شعارات «فضفاضة» حفظوها بأسلوب الببغاء.

في المقابل، هناك شباب يبذلون جهداً كريماً في تثقيف المجتمع والتصدي لمثل هذه السلوكيات، ولطالما أننا نعيش موسم عاشوراء طوال شهري محرم وصفر، فلربما أصبح موضوع التعامل مع المفرج عنهم ومنحهم الفرصة وقبول إدماجهم في المجتمع من المواضيع التي يحبذ المرور عليها بين الحين والآخر ولو مرور الكرام من باب : «امنح الفرصة للتائب لأن يعيش، فهذا من حقه»

سعيد محمد سعيد

ملاحقة الفساد والمفسدين

 

شن أحد الخطباء هجوماً على من يدعي أنه يواجه الفساد والمفسدين في المجتمع وهو لا ينطق ولا بكلمة واحدة حين يتطلب الموقف ذلك! واصفاً أولئك بأنهم مجموعة من الناس الذين (يبيعون) كلاماً من أجل الاستهلاك المحلي لتحقيق بطولات ورقية.

ولعل ذلك الخطيب مصيب الى حد ما في توصيف فئة من الناس تعيش بيننا في المجتمع، ونعرفها من خلال الكلام الكثير عن النشاط (الغيبي) الذي يقوم به الفرد منهم في سبيل التصدى لجميع مظاهر الفساد والسرقة والتلاعب بالمال العام والعبث بأموال الدولة، وهذه الفئة عادة ما تصف غيرها من خلق الله بالخنوع وعدم العمل من أجل الحفاظ على أموال البلاد ومواجهة العابثين.

وإذا كان هذا الكلام جاء في خطبة على منبر، فإن الفئة المقصودة هنا، في تلك الخطبة، موجودة فعلا… تصرخ في وجوه الناس في المجالس وتتسع أشداقها عن آخرها وهي تتحدث وتتلو القصة تلو القصة، لكن في حقيقة الأمر، كل ما يصول ويجول على اللسان ما هو الا مجرد مصارعة وهمية يفترضها قائلها.

الفساد في البلاد ليس سلعة تباع وتشترى، فإن كانت لدينا بضعة ملفات مهمة وحساسه ومن ضمنها الفساد، فمن غير الممكن أن نطلق لأنفسنا لفظة «نشطاء في وجه الفساد» أو «شركاء في التصدي للفساد» ثم لا يجدنا خلق الله في المواقف التي تتطلب وجودنا ولا يسمعون منا كل ذلك العطاء الكفاحي العظيم إلا في المجالس الصغيرة!

بالنسبة لي شخصياً، اعتقد أن ذلك الإنسان الموظف أو العامل أو المسئول أو تلك المعلمة أو تلك الموظفة… ذلك الإنسان الذي يضبط تلاعباً ما أو يقف على فساد بدلالات معينة وبممارسات واضحة، وبكل إقدام، يستخدم القنوات القانونية للتبليغ… ذلك هو الجندي الحقيقي الذي يواجه الفساد.

شبع الناس كثيراً من الخطب والمحاضرات والندوات ومن سلالم المجد الورقية التي يصنعها البعض لأنفسهم! فمكافحة الفساد تعني فضحه حين ضبطه! وتوعيه المجتمع ضد هذا الخطر الفادح ضد من تسبب فيه، ولا بد أن يكون للقانون صوته الأعلى حين يتم تقديم من تجاوز قوانين البلد للمحكمة

سعيد محمد سعيد

الحسين…

 

حين يشرق يوم الحسين… العاشر من المحرم، تشرق في النفوس الشمس المحمدية بكل بهائها وعطائها وقدسيتها.

هو ذلك الرمز الذي جمع بني البشر، في بلاد الإسلام أو في سائر بلاد الله جل وعلا، ليعلن مسيحي هنا عشقه للحسين، ويتفانى كاهن هناك في ديره ليبكي الحسين، ويعتلي مسلم هنا نبضات قلبه ليذكر الحسين… وينادي كل التائقين الى التحرر من نير الظلم والاستبداد والباحثين عن القيم المثلى العليا والذاهبين الى حيث ينتشر ربيع الإنسانية… كلهم، ينادون باسم الحسين… السبط أبي الشهداء.

من يكره الحسين؟

هو ذلك الذي يكره جده محمد بن عبدالله (ص).

الحسين ريحانة رسول الله (ص)… وكذلك كان إمامنا الحسن (ع)… إمامان إن قاما وان قعدا.

حين يصب أولئك جام غضبهم على سيد الخلق، الرسول الأعظم، من خلال رسوم كارتونية تسقطهم في وحل التخلف والحقد والفهم المعقوف لحرية التعبير وحقوق الإنسان، فإنهم لا يقاسون إطلاقاً ببني الإسلام حين يبعدون الأمة عن الحسين ونهضة الحسين وذكرى الحسين…

«حسين مني وأنا من حسين… أحب الله من احب حسينا»… تلك المقولة الشهيرة التي قالها رسول الله (ص) ما برحت عالية الصدى والتأثير لتقول للأمة جمعاء إن الإسلام محمدي النشأة حسيني الاستمرار…

لن تفلح يا هذا في حجب نور الحسين…

وهل تنجح مثل هذه النفخات «الواهية» في إزاحة تلك السحابات المباركة المليئة بغيث الخير؟ وهل يقدر رداء أسود يرتديه بعضهم أن يحجب شعاع الشمس؟

العالم يهتف باسم الحسين… في كل اصقاع الأرض، تسمع حناجر تصدح باسم الحسين… وتذكر الحسين وتبكي الحسين وتتمنى أن يوفقها الله لكي تسير على درب الحسين… المطرز بالتوحيد والإيمان والخير والفضل والإنسانية والإصلاح.

سعيد محمد سعيد

العناوين المنبرية

 

من بين عشرات العناوين التي شملتها جداول الخطباء منذ بداية موسم عاشوراء، لن تجد الكثير من الموضوعات التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بقضايا اجتماعية وثقافية وظواهر معيشية وممارسات سلبية يمكن تحديدها بسهولة في المجتمع.

صحيح، اكتظت الكثير من الجداول بالمحاضرات البحثية المتقدمة الراقية في مجال العلوم الدينية والعقائد والأبحاث التي تسلط الضوء على معطيات النهضة الحسينية المباركة. وتلك عناوين موضوعات مهمة من دون شك، إلا أن المتتبع لحاجة المجتمع البحريني وما يمر به من إرهاصات كثيرة وتحولات مختلفة، يفترض بادئ ذي بدء أن يبذل الخطباء الأفاضل بعض الجهد قبل موسم عاشوراء ليحددوا أهم القضايا التي يعيشها المجتمع اليوم وتترك آثاراً سلبية ويعملون على بحثها جيداً والتفكير في كيفية طرحها بالأسلوب الذي يوصل رسالة مهمة الى آلاف المستمعين الذين يداومون على حضور المجالس الحسينية.

أكبر مشكلة هي تلك التي يظهر فيها الخطيب وكأنه لا يدرك ما يحدث حوله من تغيرات وحركة اجتماعية وسياسية دائبة، فيجلس على منبره وأمامه مئات العقول والعيون ليحتار في تخبطه تارة وهرولته تارة أخرى، قافزاً من نقطة الى أخرى ومن مطب الى آخر في موضوع لا يدري من أين بدأه وأين سينتهي به المقام فيه!

نعم، هناك من الخطباء، وهم قلة مع الأسف، من يتحرك مع المستمعين تبعاً لما استخلصه من متابعة واستماع وقراءة ومشاهدة وتقصيًّ لكثير من الموضوعات التي ربما يحتاج لها الناس أكثر من مجرد إعادة السيرة الحسينية التي لن تأخذ من وقت الخطيب أكثر من عشرين دقيقة من المحاضرة، فيما يمكن تبني موضوعات الساعة من خلال الطرح المفضي الى نتيجة جيدة يخرج بها المستمع.

قلة هم من الخطباء الذين التفتوا مثلاً لظاهرة بيع البطاقات السكانية، ونفر قليل منهم ممن تحدث عن أهمية متابعة أولياء الأمور للتحصيل الدراسي لأبنائهم… وقليل أيضاً تحدثوا عن الحفاظ على قوة الأسرة والتحذير مما ابتلت به كثير من البيوت من آفات! والقائمة تطول.

لم ينته الموسم، ولم نتأخر في لفت انتباه الخطباء الى ما يمكن أن يكون نافعاً مفيداً خلال هذا الموسم الذي يستمر طوال شهري محرم وصفر، وليس من الصعب على الخطيب أن يتابع القضايا التي تهم الناس… ولكن بمعرفة وتعمق في فهم الفكرة.

سعيد محمد سعيد

الترصد الوبائي

 

لسنا في إطار تقييم أداء برامج الترصد الوبائي، سواء لدينا في مملكة البحرين، أم سائر دول منطقة الخليج العربي… فعلى رغم أهمية هذه البرامج ومدى فاعليتها في مراقبة انتقال الأوبئة، فإن اقتراب مرض «انفلونزا الطيور» من المنطقة بعد الإعلان عن وصوله تركيا والعراق، يعني أنه بوجود نظام للرصد الوبائي أم عدمه، فإن حال الطوارئ لا بد أن تكون قائمة!

في ملفنا هذا سنركز على زاوية جديدة وهي حتمية من دون ريب: «هل نحن مستعدون للمواجهة فعلاً؟ وهل أكملت الجهات ذات العلاقة آلية عملها واستعداداتها لمواجهة أي احتمال مهما كانت خطورته؟ وهل يمكن تحول التخمينات التي يطلقها البعض هنا وهناك من أن المرض «وصل» إلى البلاد بوفاة شاب بحريني ارتفعت درجة حرارته وفارق الحياة… إلى معلومات دقيقة؟ ماذا عن لجنة المكافحة ومتابعتها للقرارات التي تصدر على مستوى مجلس التعاون؟

حتى الآن، نستطيع القول ان الوضع مطمئن جداً في بلادنا ولله الحمد، إلا أن هذه «الوبائية» العالمية، لا يمكن أن تفصلنا عن العالم، ولا شك في أن معدلات الخوف التي تزداد يوماً بعد يوم في نفوس المواطنين والمقيمين هي مبررة بلا شك، إلا أن التطمين يوجب إعلان المتابعة المستمرة لهذه الأوضاع.

قبل كتابة هذا الملف، كان هناك قلق بشأن مستوى العمل الذي تبذله اللجنة التي تضم في عضويتها ممثلين من قطاعات حكومية مهمة، إلا أنه بالاقتراب من مسرح العمل، وتحديداً في إدارة الثروة الحيوانية بوزارة شئون البلديات والزرعة، سنضع علامة استفهام على سوء أداء الإعلام بكل أجهزته في متابعة الأوضاع والاكتفاء فقط ببضع بيانات صحافية وتصريحات هنا وهناك، فيما لم يكن هناك أي ذكر لخطة إعلامية تحقق التواصل مع الجمهور وكأن هذه القضية، بسيطة وعابرة، يتوجب تغطيتها جيداً!

لنقرأ الملف معاً..

سعيد محمد سعيد

أية عداوات تلك؟!

 

حين يتحدث كبار السن من أهل البحرين عن ذكريات شهر محرم، وإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، في تلك السنوات التي خلت والأيام التي طواها الزمن، فإن الحديث الرقيق ينساب إلى أذنيك دونما تكلف… في تلك الذكرى… آنذاك، لم يكن هناك سني أو شيعي!

جميل ذلك الحديث، فما الذي يمنع من أن تبقى تلك الصورة؟ وما الذي يجعلها جزءاً من (نمط) اجتماعي في العلاقات بين أفراد المجتمع، ولى وانتهى؟

بين القريتين الجارتين، بني جمرة والبديع، حكايات من هذا القبيل، كانت ومازالت بدرجة ما. وبين الجارتين الصغيرتين أم الحصم والماحوز ما يمكن أن يمثل عادات اجتماعية اعتاد عليها الناس في موسم عاشوراء، إلا أن ما تغير اليوم، يعود إلى أسباب. يعود معظمها إلى ذلك التغير الخطير في احترام المعتقدات وبروز بضعة أمزجة طائفية بغيضة تتغذى على فطريات العداوات وتنمو! ولعل أكثر ما يجعل أهل البحرين يشعرون بالأسى والحزن، هو أن تضعف العلاقات ويصيبها الوهن وتتحول تلك اللحظات الطيبة التي نعيشها في كثير من المواسم، إلى ميدان قتال يتوجب على كل طرف أن يشهر فيه سلاحه.

لكن بودي هنا أن اكون واضحاً وصريحاً. وليعذرني الجميع، فليس موسم عاشوراء ميدان قتال. لمن لا يعرف هذا الموسم نقول إنه «الموسم المحمدي الذي يجدد في أبناء الأمة القيم العظيمة التي تمثلت في استشهاد الإمام الحسين لكل البشرية وليس للمسلمين فحسب». فليس هناك من داع لتنظيم منتديات «خبيثة الهدف» تمضي في اتجاه تجربة محاولة معاكسة لإلحاق مزيد من التفتيت في المجتمع وتأليب الناس في هذا البلد ضد بعضهم بعضا، بل ولا يستحي البعض من أن يحل ضيفاً على البحرين لكي يعمل عمل السحرة والفجرة الذين يزرعون الفتنة ويعملون جاهدين لكي ينشروا المزيد من الحقد والغضب بين الناس وبعضهم بعضا.

لكن المؤسف هو أن هناك من يستمع دونما استخدام للعقل، ويقبل ويثني أيضاً. ومن ذلك البعض فئات مثقفة واعية متعلمة. ولسنا هنا ندين فريقا دون آخر، فمن ينظم منتدى تفوح منه روائح الطائفية العفنة، ومن يستخدم المنبر الحسيني لإشعال الفتنة هما مخطئان دون شك. وإذا كانت مثل هذه الممارسات ستستمر، فإن أمراً واحداً يوقفها، وهو رفض الناس لمثل أولئك بحيث يعرفون قدرهم ويقفون عن حدهم

سعيد محمد سعيد

تنمية المعارف… تنمية الممارسات

 

الهدف الاستراتيجي الذي تسعى لتحقيقه منظمة العفو الدولية هذا العام هو دمج التربية على حقوق الإنسان في استراتيجية حقوق الإنسان كأسلوب عمل على أن يكون له حضور في جميع مناحي عمل المنظمة.

وفي الحقيقة، لم يأت هذا الهدف من باب صياغة البرامج والحملات، لأن المنظمة تبنت في اجتماع مجلسها الدولي الذي عقد في مدينة موريليوس بالمكسيك في العام الماضي استراتيجية دولية للتربية على حقوق الإنسان، وهناك، صدر قرار بأن تتلقى التربية على حقوق الإنسان موارد كافية كي تلعب دورها في هذا المجال.

لكن، هل نحن في البحرين خصوصاً والخليج عموماً، يمكن أن نستفيد من ذلك الهدف؟ والإجابة تقول، إن حقوق الإنسان والمطالبة بترسيخها كممارسة ديمقراطية تصون حقوق جميع أفراد المجتمع تجعلنا جزءاً مستفيداً من كل التحولات الإيجابية في مجال حقوق الإنسان على مستوى العالم.

ومنظمة العفو الدولية تعرف معنى «التربية على حقوق الإنسان» بالقول إنها ممارسة مدروسة تقوم على المشاركة بهدف تمكين الأفراد والمجموعات والمجتمعات من خلال تنمية المعارف والمهارات والمواقف المنسجمة مع مبادئ حقوق الإنسان المعترف بها دولياً.

لكن النقطة الأهم هي أن التربية على حقوق الإنسان (وسيلة) لتنمية وادماج الأبعاد الخاصة بالمعرفة والفعالية والمواقف لدى الأشخاص، بما فيها التفكير النقدي فيما يتعلق بحقوق الإنسان لخلق ثقافة تساعد على تنمية احترام مبدأ حقوق الإنسان للجميع والدفاع عن تعزيزه.

وليس هناك شك في أهمية تلك (الوسيلة)، ففي مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تتنامى ممارسات في غاية السوء على مستوى العلاقات بين أفراد المجتمع وبين مؤسسات المجتمع المدني، بل أن هناك (رموز) تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان، وهي تمارس القمع حتى الثمالة! وهناك ناشطون في مجال حقوق الإنسان لا يدركون ماذا يعني احترام حقوق الآخرين في التعبير عن آرائهم واتخاذ المواقف التي تتوائم مع آرائهم!!

التوجه اليوم، على مستوى المنظمات الحقوقية العالمية، هو بناء ثقافة عالمية لحقوق الإنسان ومنع الانتهاك، وليس ممكناً أن نقفز الى (العالمية) قبل أن نعدل من أوضاعنا داخلياً

سعيد محمد سعيد

والقوم نيام!

 

أكثر ما يقال عنا نحن بني الإسلام أننا نيام! وربما يصح ذلك الوصف أو لا يصح، لكن الصورة الأعم، هي أن الإعلام في العالم العربي والإسلامي هو إعلام لا يمتلك خطاباً مشتركاً في الدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية؟ وفي الواقع، لم تكن الصحف والمجلات و… الإعلام الغربي بشكل عام، جديدة عهد بالإساءة الى نبي الأمة الرسول الأعظم (ص) ولكل المسلمين بكل طوائفهم، بل كانت تستمد وجودها أحياناً من شن الحملات تلو الحملات على الدين الإسلامي في حالة من صوغ حوار جديد للصراع بين الحضارات… ولعل الحرب الجديدة، القائمة، غير المتوازنة… هي الحرب بين الغرب والإعلام الغربي، وبين الإسلام كديانة، وفي هذا تفصيل طويل وحديث يطول مقامه.

ولعل المشكلة الأكبر التي جعلتنا مطية للكثير من الهجمات، هي أننا في العالم الإسلامي مجزأون أصلاً… فإعلامنا وصحفنا ومجلاتنا ومؤسساتنا البحثية والدينية (خصوصاً) انشغلت على مدى عقود في النفخ في كير الطائفية وتقديم الكتابات التي تفت عضد الأمة وتفرق الناس وتبقي حريق الطائفية مشتعلاً باستمرار، وكلما جاءت قناة جديدة تلبس ثوباً مريباً فتحت باب النقاش على مصراعيه في السنة والشيعة أولاً، ثم يبدأ الهجوم من صحيفة هنا أو كاتب هناك أو اذاعة هنا على الطوائف الأخرى.

القوم نيام… كلنا نيام! ندعي أننا واعون لما يحيق بنا من مخاطر… وهذا الأمر صحيح! لكن، ما الذي فعلناه في سبيل التصدي لتلك المخاطر… لا شئ! حكومات وأنظمة في الدول العربية والإسلامية لا هم لها إلا إضعاف الداخل، لتنصدم حين يتقوى عليها الخارج! تجعل المسلمين في المجتمع يتناحرون، ثم تريد من الغرب ألا يستهزئ بهم… تزرع قنابل الطائفية ثم تختفي وراء الأنظار، وتفتح المجال لدمار لا تحمد عقباه.

صورة جميلة هي التي شاهدنا فيها النواب سنة وشيعة يصلون معاً… لكن هل يكفي أن نرفع الأصوات مدافعين عن الرسول العظيم (ص) ومعبرين عن الاستنكار لما قامت به صحف دنماركية أو اسرائيلية أو نرويجية؟ علني أبحث عن إجابة واحدة: «أين نجد أنفسنا من وصية الرسول (ص) في حديث (البنيان المرصوص)؟ هل امتثلنا لأمره حقاً»؟

سعيد محمد سعيد

الذكرى… بين الشعار والممارسة

 

إذا قدر لنا أن نستخدم لغة مشتركة في حديثنا عن سيد الشهداء الحسين بن علي بن ابي طالب عليهما السلام، نخرج بها من حدود الطائفة والمأتم والموكب والرثاء والثناء، والبكاء والصفاء، فهناك لغة واحدة لا غير. .. لغة الإنسانية والعطاء لكل البشرية… هذه لغة نهضة الحسين عليه السلام. في موسم عاشوراء، تتبدى مساحات شاسعة من الحركة، وهي حركة مستمرة لا تتوقف مدى الدهر، ذلك أن المبادئ التي نهض من أجلها سبط الرسول محمد (ص) لم تكن يوماً تناسب في ثوبها وحلتها ومأسويتها ومضامينها فئة من الناس… أو كانت محصورة في عنوان ضيق… لقد ارتفع صداها ليبلغ اصقاع الأرض شرقاً وغرباً… شمالاً وجنوبا، حتى صارت كثير من الأمم، التي لا عهد لها بالإسلام، تستلهم من الحسين الرمز المحمدي، انطلاقها نحو التحرر والتقدم ونشر عناوين المحبة الإنسانية الرافضة لكل أشكال الظلم والقمع. فحين يتحدث سماحة العلامة السيد عبدالله الغريفي مؤكداً أهمية الابتعاد عن الشعارات والممارسات التي تخرج الموكب الحسيني عن إطاره الذي يتمحور حول (الدين) كعقيدة سماوية قوية وهو محور تلك النهضة المباركة، فإنه بذلك، يحذر من مغبة الحياد بكل ما للموكب من تأثير ثقافي واجتماعي وإنساني قبل أن يكون ديني، الى ما يجعله مجرد موكب تنطلق فيه الشعارات السياسية المجوفة الفارغة، وتجد موكباً يمر عليك ساعة فلا تسمع فيه للحسين عليه السلام ذكراً. إنها لفتة مشهودة لسماحة السيد، وليكن ذلك… بيد أنه لابد من الإشارة الى أن ذكرى عاشوراء لا تعني العيش في الماضي السحيق… منابر الحسين ومواكب الحسين ومنتديات الحسين وكل هزة ضمير تتحدث عن الحسين يجب أن يكون لها اتصال بالواقع، على أن يتبلور في منظومة بنائية تجعل من منطلقات نهضة الحسين أساساً… فهنا تجد الفنانين في جمعية المرسم الحسيني يبدعون تلك اللوحات، منهم الشيعي ومنهم السني ومنهم البوذي ومنهم المسيحي… ذاك ملتقى إنساني، وتجد هنا مادة صحافية يتحدث فيها علماء أفاضل من السنة والشيعة، وتجد هناك الدولة، ويجب أن نذكر هذا الأمر للأمانة، تقدم خدمات سنوية كبيرة تشمل القطاعات الخدمية كافة. بين الشعار والممارسة، بين الذكرى ومستخلصاتها، يجب أن نفكر بعمق: كيف نمتثل أهداف نهضة الحسين (ع).