سعيد محمد سعيد

الورقة الرابحة

 

لدى الكثيرين، هناك وهناك، من ناشطين وسياسيين وكتاب وصحافيين ومسئولين ومتملقين ومتسلقين ورقة رابحة، يمكن استخدامها عدة مرات، ولن تجد لها استهلاكاً يسحب منها صلاحيتها… تلك الورقة هي (تمثيل البطولة) في المواقف التي تتطلب موقفاً بطولياً حقيقياً… فإن استدعى أن يحرز هذا الناشط السياسي حضوراً أقوى وصموداً أطول وانتشاراً أسرع بين الناس الذين يقفون للإستماع إليه أو… يجلسون، فما عليه سوى أن يرفع صوته بشتم الحكومة وشتم كل من له علاقة بالحكومة… هكذا جزافاً!

وإن تطلب الأمر، أن يقف ذلك الشخص المتسلق المتملق لكي يمتدح الحكومة ويحلف برأسها ويشير اليها بالبنان في أنها السبب وراء كل نعمة أنعم الله بها على عباده، فما عليه سوى تجميع مفردات من تلك التي اعتاد من يخدع نفسه وغيرها استخدامها ثم يلقيها أينما سنحت الفرصة… في الديوان أو في الصحافة أو على هيئة قصيدة أو قل في مقابلة تلفزيونية، تغيب فيها الحقائق والمصارحات والمكاشفات وتتصدرها الشعارات والكلام الإنشائي الذي يخلو من أية إحساس بالمسئولية.

هناك موضة جديدة بدأت تظهر هذه الأيام، فمن يضع عينه على مجلس الشورى مثلاً، فلا سبيل له إلا بالظهور أمام الحكومة والشعب في لباس جديد.. ذلك اللباس كله حب الوطن والولاء للوطن والإنتماء الى كل شبر فيه، واطلاق الدعوات للوحدة والقيام بزيارات الوحدة واشعال (عرس) الوحدة… ثم لا يعوزك أن تنظر الى شخص تاه بين حقيقته وحقيقة شعاراته، فانكشف امام الجميع.. منافقاً لا يشق له غبار! اما عنا وعن امثالنا من الصحافيين والكتاب، وغيرنا من السياسيين، فمن له حيلة، لا بد وأن يحتال ويبحث عن الورقة الرابحة التي تناسبه، ومعشر المواطنين أيضاً عليهم أن يبحثوا عن الورقة الرابحة… ومرحباً بالأوراق الرابحة أيا كان لونها؟

سعيد محمد سعيد

حق المريض النفسي

 

من الواجب أن نوضح في البداية، أن طرح فكرة هذا الموضوع جاءت مؤسسة على وجود معضلة في المجتمع البحريني، أو قل معضلتان: الأولى تزايد معدل الإصابة بالأمراض النفسية والإكتئاب (تصل نسبته إلى 10 في المئة بين النساء في البحرين)، والثاني هي الأوضاع التي يعيشها المريض النفسي في المجتمع، مع أن للمرضى عموماً حقوقاً نادى بها الدين الإسلامي أولاً وحفظتها الأعراف ثانية ثم ان هذه الحقوق ذاتها تنطبق على المرضى النفسيين. للمريض النفسي الحق كل الحق في أن يعامله الناس طبقاً لاحتياجاته، ويقدمون له الدعم النفسي، فأحد أولئك المرضى تمنى أن تتطرق الصحافة إلى هذه الفئة من المرضى حتى تزول فكرة الخوف الشديد من المريض النفسي الذي يحتاج إلى كل الناس.

في كتابه الرائع: «الطب النفسي والقانون… أحكام وتشريعات الأمراض النفسية» للباحث لطفي الشربيني، يشير إلى ان دراسة الطب النفسي وعلاقته بالقانون أمر حيوي يتصل اتصالاً مباشراً بمواصفات الحياة للناس، وسلامة المجتمع، ويعتبر المقياس الحقيقي لحضارة الشعوب، والتقييم الصحيح لمنظورات المجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، فإن المرض النفسي يختلف عن غيره من الأمراض من حيث أن له طبيعة خاصة في أعراضه وأسبابه وآثاره وطرق علاجه… فهو يؤثر ليس على المريض فحسب وإنما على الأسرة والمجتمع ككل، فالمرض النفسي هو مرض يصيب أساسا الوظائف المعرفية مثل الإدراك والتركيز والقدرة على اتخاذ القرار، والاستبصار بالمرض، وهذا يحدث بدرجات متفاوتة في أنواع مختلفة في المرض النفسي فالذهان مثلا يختلف في هذه النقطة عن مرض العصاب، وكذلك مرض الاكتئاب عن مرض الخرف.

وعندما نتكلم عن طبيعة المرض النفسي فلابد ان يكون هذا في سياق المجتمع إذ ان أعراض المرض النفسي كالضلالات، والهلاوس، والانطوائية، والاندفاعية تقابل غالبا بالرفض والنظرة السلبية، ويوصم المريض النفسي بوصمة سلبية تلاحقه هو أسرته طيلة الحياة، وهناك طبيعة أخرى تميز المريض النفسي وهي انه غالبا لا يشكو من مرضه بل وفي بعض الأحيان يتعايش ويتفاعل مع هذه الأعراض ذات الطبيعة الخاصة، ولهذا تقع على المجتمع مسئولية اكتشاف المريض والبحث عنه وتقديم المساعدة للمريض حيثما وجد فهذا حق من حقوقه

سعيد محمد سعيد

الضبع… الضبع!!

 

قصة الضبع التي انتشرت في البلاد من اقصاها الى أدناها… ذلك الحيوان المخيف الذي زعم أنه هرب من حظيرة في قريتنا (البلاد القديم) وأثار حالا من الرعب والخوف في نفوس الناس حتى وصل الى قرية سار والتهم خروفاً. تلك القصة، التي يسألني عنها كثيرون، ولا أعرف لها جواباً غير أنني اسمع عن الضبع لكنني لم أره ولا أريد أن أراه… سببت هلعاً للكثير من الناس في مختلف مناطق البلاد!! ومع ذلك، ومع كل هذا الخوف الذي انتشر بعد نشر خبر هروبه ، لم نجد لا ممثلاً بلدياً ولا مسئولاً ولا حتى صاحب الحظيرة، تحدث الى الناس أو قال شيئاً يوضح حقيقة هذه القصة!

المهم أن الكثير من المواطنين والمقيمين صاروا لا يقتربون من تلك القرية حتى وإن كان الظرف يحتم عليهم الذهاب الى هناك… بل اضيفت بعض القصص المرتبطة بحادث الضبع منها أن شخصاً كان يقود سيارته فانقض عليه الضبع بشكل مباغت وعض (السلنسر مال السيارة) وكأنه (جازورا الشخصية الكارتونية التي تأكل الحديد)!!

وآخر، كان ذاهباً الى إحدى الورش فوجد الضبع يسير بهدوء في اتجاهه فما كان منه الا أن شغل (جهاز انذار السرقة في سيارته) فخاف الضبع وولى هارباً.

شجاع ثالث لديه الدليل، التقط صوراً للضبع وخزنها في هاتفه النقال!! وصار يفاجئ المشككين ومن يكذبه وينكر وجود الضبع بالدليل القاطع! أما كيف التقطها وأين؟ فالمواقع الإلكترونية كثيرة، وهو لا يعطي الإجابة.

أما أفضل ما في الأمر، أن الكثير من الأطفال صاروا يركزون على أداء الواجبات والبقاء في المنزل أطول مدة والعودة الى البيت مع مغيب الشمس.

لكن أين الضبع؟

سعيد محمد سعيد

الكذابون

 

لماذا نكذب؟ ذلك سؤال لا تتطلب إجابته إلا عبارة واحدة بسيطة وهي: «لأن قول الحقيقة في الوضع المر صعب، وقول غيرها يعتبر أكذوبة دون ريب!»… أما لماذا يكذبون ولماذا تكذبون أنتم أيضاً فهذه قصتها قصة! فالكل أصبح في هذا البلد يفهم الكذب ويتلقاه ويشرحه وينشره على طريقته… لكنه يبقى كذباً، من قبيل:

– إعلان نوايا حسن النوايا والمحبة والتفاهم وتجاوز الأزمات بين أبناء البلد ودحض الطائفية والتأكيد على اللحمة الوطنية وتجسيد معاني الأسرة الواحدة و… قصيدة طويلة من أبيات ما قرأت عين أبدع منها أو أكثرها بلاغة!

– الإصرار على الكذب على السلطة وعلى الدولة وعلى (أولي الأمر) باستمرار اشاعة القول إن الناس تعيش في بحبوحة من العيش، وأن أقل مواطن.. لا يقل راتبه عن راتب أكثر اللاعبين (احترافاً) في العالم، وأن المواطن الذي يستخدم سيارة (راديترها يفوح) فهذا مواطن يريد أن يتسلى بالعودة الى أيام العذاب فقط لأنه مل الرفاهية!

– لقد امتلأت البلاد بالمشروعات الإسكانية، حتى وصلنا الى مرحلة صرنا نخاف فيها من إنشاء البيوت على البيوت وتداخل الأراضي في الأراضي، وبناء العمارات السكنية على اخواتها… حتى صار المواطن ينام مطمئناً وهو يضع (المصاصة) في فم طفله الرضيع لينام وهو ضامن أن وحدته السكنية جاهزة ومذخرة له حتى يكبر ويتزوج وينجب أطفالاً.

– حتى اذا عاشت البلاد أوضاعأً صعبة، ومرت بحال من الاضطراب الأمني، فإن الدافع الأول لأولئك المتصيدين، هو استغلال الظرف للتنكيل الطائفي واثبات ولاء مبني على كوميديا اللحظة، التي وإن اضحكت الكثيرين، لكنها ستبكيهم يوماً حتماً.

– المسئولون الذين يفتحون أبوابهم لكل المواطنين والمقيمين هم في الحقيقة أناس على مستوى كبير من الوطنية، لكن حين يزورهم الناس ويجدون المكتب مغلقاً من أول أول أول أمس… شئ غير لطيف.

– وأخيراً، متى سيبحث القوم ملفات البلد بصدق… الكذب ثم الكذب ثم الكذب لن يطعمنا الا فتات (الحبل)… حبل الكذب القصير

سعيد محمد سعيد

المجتمع العنيف

 

في الواقع، لم يعد المجال كافياً للتنظير والتأويل واستخدام المنهج الشفهي في الوصف والتحليل والنقد والاستنتاج ونحن نشاهد أحوال المجتمع التي تتردى (مع شديد الأسف) بشكل لافت للنظر.. العنف بدأ ينتشر حتى وإن كنا لا نراه!

نستطيع أن نشاهد مظاهر العنف والعنف المضاد بين الفينة والأخرى، ويمكننا رؤية كيف تتحول النقاشات والخلافات البسيطة الى تشابك دام، لكن هناك نوع آخر من العنف ينتشر ولا نستطيع رؤيته… العنف داخل البيوت، والعنف داخل المكاتب بل والعنف حتى في دور العبادة… هل يعقل ان تشهد دور العبادة كل هذا العنف؟!

فحين يتشاجر الناس بسبب خلاف على إمامة المسجد فهذا عنف، وحين (يصطاد) عامل في المسجد طفلاً ليهتك عرضه فهذا أيضاً عنف… الى آخره من أمثلة.

لن نتحدث عن العنف في جزئية معينة، لكنه حديث عن واقع مخيف يتصدر فيه العنف مواقف كثيرة في حياتنا اليومية، إلا أن الجانب الأهم هو مبادرة المراكز البحثية والمهتمين لإجراء الدراسات الميدانية التي تركز على القضايا والظواهر المنتشرة بصورة عميقة ترتكز على التحليل والبحث والاستنتاج واستخلاص التوصيات والحقائق.

من المهم استغلال طاقات الباحثين في البلد، وخصوصاً فيما يتعلق بما يشغل بال الكثير من المواطنين والمقيمين من قضايا وظواهر، وليس هناك في الآونة الأخيرة ما هو أكثر اخافة للوضع الاجتماعي من مظاهر العنف في كل شئ.

لكن، لنفترض أن هناك دراسات وأبحاثاً أجريت ميدانياً وخرجت بنتائج وتوصيات مهمة، ترى، هل تتبنى الدولة النتائج وتضعها في موقع التنفيذ؟

في الظن خير، واذا كانت وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الداخلية على بينة من أهمية هذا النوع من الدراسات، فإن النتائج والتوصيات ستصل الى الحكومة وستجد من يطالب بتنفيذها، لأن الغاية المراد الوصول اليها هي العيش في مجتمع آمن… وهذه أمنية الجميع

سعيد محمد سعيد

لقد مات!

 

بالأمس، مات «ص» على سرير المرض في المستشفى! ليس المرض هو الذي هاجمه، بل ربما هو الذي هاجم المرض! مكث اسبوعاً يصارع ذلك المهاجم الشرس الذي لم يجد مقاومة من «ص» الذي لم يقاوم… فلم تترك له جرعات المخدر اللعين قوة للتعامل مع ما قد يلم بهذا البدن الضعيف. كان «ص» شابا طيباً نشطاً خلوقاً… وهو بالمناسبة رياضي ممتلئ بالحيوية والنشاط، وكان كغيره من الشباب، يجرب، ويواصل تجاربه الحياتية، لكن تجربة قاسية تلك التي جعلت (ص) ليس هو… لكنه مات!

سؤال قد يكون مباغتاً لكن لا بأس من أن نطرحه على أنفسنا: هل نتذكر بعض الأسماء من الشباب والرجال والفتيان اليانعين من معارفنا في القرية أو (الفريج) أو في العمل والمدرسة والجامعة راحوا في لحظة بسبب جرعة من المخدر القاتل؟! بعضنا سيشعر بالأسى والحزن والأسف لتعدد القائمة، وبعضنا سيحمد الله لأنها لم تكن قائمة طويلة، لكن الخوف أن يكون في القائمة اسم واحد على الأقل!!

قبل سنوات، تغرينا كثيراً تلك (الصرعات) الخبرية حينما نكتب خبراً عن مصرع شاب تناول جرعة مخدرات زائدة… (سواء كانت زائدة أم ناقصة هي جرعة قاتلة)… او نتابع حادثة القاء شاب في أحد البساتين بعد موته، أو قصة تلك الجثة الملقاة على عتبة منزل البيت والتي يتفاجأ بها الأهل حينما يرون ابنهم ملقىً وقد فارق الحياة. لكن اليوم اختلف الوضع… هذه القصص لديها قراءها حتماً، لكن المؤسف أنها أصبحت من القصص المألوفة؛ ولأن هذه القصص اصبحت مألوفة، فهذا يعني رفع معدل الإنذار وقرع الأجراس… هل أصبح موت الشباب بسبب المخدرات أمراً عادياً؟

سؤال أخير: هل يمكن ان (ننبش) في غرف أبنائنا الشباب وفي أدراجهم ونراقب من يرافقون؟

سعيد محمد سعيد

«التمييز» في البحرين

 

اذا قدر لنا أن نولي اهتماماً باليوم العالمي لمكافحة التمييز الذي يصادف يوم 21 مارس/ آذار، فإن مجموعة من القيم الحقوقية تأخذ بعدها في هذه المناسبة، فالحديث عن مكافحة التمييز، يعني بالنسبة إلينا في البحرين، توجهاً نحو تعرية مثل هذه الممارسات المحظورة قانوناً، على المستوى الوطني والدولي طبعاً، نتيجة اجماع المهتمين في هذا الشأن على ضرورة تحدي الممارسات التمييزية المخالفة للقانون.

إن محاربة التمييز تعني صوغ وتفعيل القوانين التي ترسخ مبدأ المساواة، وبالتالي استخدام الوسائل القانونية لتوثيق حالات التمييز وإثباتها والحصول على تعويضات قانونية ضدها. وبالاستناد إلى ذلك الكم المتنامي من المعايير المقارنة والدولية، فإن المهتمين بهذا الجانب المهم يسعون لضمان التطبيق الفعال لمبادئ المساواة في جميع نواحي الحياة العامة.

وهذه الجزئية، لها اتصال بالجهود الرامية الى مكافحة التمييز في البحرين، فقد طرح نواب موضوع إيجاد قانون صريح ضد التمييز ناقشته لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بشأن اقتراح إضافة مادة في قانون العقوبات لتجريم التمييز إذ إن البحرين طرف في الاتفاق الدولي لمناهضة التمييز بجميع أنواعه وصوره وأن الجميع يحرص على تطبيق عدم التمييز في المجتمع لكن عدم وجود مادة قانونية حاليا تجرم فعل التمييز يضعف من عملية تطبيق العقوبات على من يمارس التمييز وإن وجود مثل هذه المادة يساهم في ردع من يحاول ممارسة ذلك الفعل.

لجنة الشئون التشريعية والقانونية بحثت هي الأخرى الموضوع من الناحية القانونية والدستورية ووافقت عليه بعد التحقق من سلامته قانونيا ودستوريا. لقد صدقت البحرين على اتفاق تجريم أنواع التمييز كافة وهو اتفاق دولي وبذلك تكون البحرين ملزمة بما جاء فيه ولذلك من المهم العمل على تكييف القوانين الوطنية وفقا لذلك الاتفاق.

نقطة أخيرة، مهمة هي الأخرى، وهي أن هناك اتجاهاً في دول عدة لسن التشريعات والقوانين لتعزيز الانتماء والمواطنة بين المواطنين على اختلاف اتجاهاتهم، والتمييز، واحد من أكبر المعضلات التي تحول دون ذلك في أي مجتمع.

سعيد محمد سعيد

دعوات لمِّ الشمل

 

الأخبار والتقارير والتصاريح الصحافية التي تحمل دعوات للمِّ الشمل بين المسلمين الشيعة والسنة سواء في العراق أو في منطقة «الشرق الأوسط» عموماً والخليج خصوصاً لم تتصدر الصفحات الأولى في الصحف يوماً ما كما تتصدرها اليوم.

إن قرأنا تلك الأخبار الواردة من العراق، سنجد العشرات من الدعوات المماثلة، وإن عرجنا على الوضع محلياً سنجد مثلها الكثير، وإن تجولنا في الصحافة الخليجية والعربية، فلن نعجز في قراءة هذه التصريحات التي تمثل في واقعها حالاً مرتبطة بمتغيرات سياسية واجتماعية، محلية واقليمية.

في العراق، تنطلق الدعوات من مختلف التيارات والقوى السياسية لمواجهة وضع دموي خطير، لعله يبدو في أبشع صوره الإرهابية التدميرية هناك، وفي البحرين، تلمع تلك التصريحات في الصحف وفي المقالات وفي اللقاءات والمنتديات والحوارات، وفي السعودية، وضع الحوار الوطني هناك بنداً رئيسياً للتلاقي بين مكونات المجتمع، لكن المتتبع لتلك التصريحات، سيصدم بحال من اللاصدقية في تحقق المنشود على أرض الواقع! لماذا يا ترى؟

هل النوايا المبطنة حيناً والشعارات غير المعلنة حيناً آخر هي السبب في اضفاء صفة «اللاصدقية» على هذه الدعوات؟ وإن كنا نفترض حسن النية وسلامة الشعار، واتفاق أبناء الأمة على العنوان العريض، الرمزي والديني والاجتماعي للوحدة، فلماذا تصطدم التحركات بأسفين خطير وصلب يخرجها عن إطارها الصحيح، فتستمر الدعوات… مجرد دعوات وشعارات، وتبقى الممارسات على أرض الواقع تنسف كل جهد حقيقي لتجعل المجتمع يسير على صفيح ملتهب؟

ولا يمكننا فهم عبارة «لمِّ الشمل» على أنها تعبير مطلق لحال من التفرق والخلاف التي يجب أن تتغير بناء على متطلبات المصلحة الوطنية، ولكن يمكن أن نفهم على أنها جزئية مؤثرة بشكل عميق في طبيعة واستقرار العلاقات داخل المجتمع.

ما حقيقة الوضع في البحرين؟ هل بلغنا مبلغاً من الورطة في التعاطي مع ملف الخلافات الطائفية حتى أصبحنا ننام ونصحو على صورة سلبية تتفاقم أبعادها يومياً لتصيبنا بالإحباط وخيبة الأمل؟

دائماً ما تلقى الكرة في ملعب علماء الدين من الطائفتين، وهذا أمر متفق عليه، فلأصحاب الفضيلة العلماء الدور الأكبر في التأثير على المجتمع، ثم يأتي بعد ذلك، أو قبله، دور الدولة في الحفاظ على العلاقات داخل المجتمع بالقانون، ولهذا، سنجد الآراء متفاوتة تجاه الضجة التي أثيرت بسبب لافتة رفعتها جمعية التوعية الإسلامية، سخّنت حولها المراجل وتصادمت الأصوات لتصل الى كل مسمع، وسنعتبرها تجاوزاً، صورة للافتة طائفية يجب أن تزال، وقد أزيلت فعلاً! لكن ماذا عن الكتيب الشهير الذي هو الآخر أضاف قنبلة طائفية، ولايزال يدور، فيما تدور – في الوقت ذاته – الإجراءات المتخذة حيال المتورط في توزيعه، داخل دهاليز غير مرئية.

وأد الطائفية بإزالة لافتة، يتطلب من باب العدل والإنصاف تقديم من كتب كتيب الطائفية ووزعه على المدارس للمساءلة القانونية… فهل تم ذلك من دون علم ال

سعيد محمد سعيد

فليحيا.. ساتيشوه!!

 

اذا قدر لنا أن ندخل الى أماكن العمل ومنشآته المختلفة، فسنشعر في بعضها أننا نعيش حالاً من التصادم الغريب الذي عرفه سوق العمل ولم يعرفه.. ألفه أرباب العمل والعمال ولم يألفوه… يمكن التعايش معه أو لا يمكن.. تلك حال التصادم بين المسئولين الأجانب وبين الموظفين والعمال البحرينيين.

في ملفات قسم العلاقات العمالية وكذلك في اضابير بعض النقابات وأدراج المسئولين عن شئون الموظفين في قطاعات مختلفة قضايا ملونة بألوان الطيف في هذا المجال.. ولعل البحرينيين، والحق يقال، هم أكثر من يقع عليهم الظلم في قطاعات العمل التي يسيطر على مناصبها الإدارية العليا الأجانب!!

ومع ذلك، فإن هناك من يصبر ويجاهد في عمله حفاظاً على لقمة عيشه وفي ذات الوقت، يصر على المطالبة بحقه بكل الصور المشروعة التي تجلب له هي الأخرى مزيداً من العذاب والألم.. أما الفئة الأخرى، فهم أولئك الذين يمسكون (زمارة) المسئول ويطعمونه وجبة شهية هي بمثابة (الفطور الأخير أو الغداء الأخير) مع ذلك المسئول.. فدون شك، سيخرج العامل أو الموظف من باب المؤسسة بلا رجعة، حتى وإن التقى الإثنان في مكتب ضابط الشرطة لاحقاً!!

يحكى أن مجموعة من الشباب البحرينيين، قرروا الوقوف في وجه (ساتيشوه)، وهو مسئولهم المباشر، وكان من بين الأمور التي لا يرتاحون لها هي القوانين والقرارات الوظيفية والإدارية التي يطبقها من جيبه!! فما معنى أن يعمل الموظف يوم اجازته على أن يقيس هو (ساتيشوه) حجم العمل ويقدر ما اذا كان يستحق العامل أو الموظف صرف عمل إضافي أم لا؟!

المهم، اجتمع الشباب في مكتب (ساتيشوه)، وأبلغوه أنهم في غاية السوء وأنهم سيرفعون الأمر الى وزارة العمل، وكانوا يعتقدون أنه سيكابر، لكنه قال: انتم ابناء البلد وانا ضيف ولكم ما تشاءون!! وبعد ذلك اعطاهم ما ارادوا فرفعوا شعاراً جديداً يختلف عن الشعارات السابقة: فليحيا ساتيشوه!!

ولو أن كل مسئول – بحرينياً كان أم أجنبياً – طيب خاطر العمال والموظفين باللين والكلام الجميل والتعامل القانوني.. لأصبح الجميع ساتيشوه!

سعيد محمد سعيد

ما لكم والمدارس؟!

 

بعض الناشطين، أو من يعتقدون أنفسهم ناشطين سياسيين، يشاركون في المحاضرات ويتقدمون المسيرات وينتدون ويتحدثون ويقدمون أوراق عمل في هذه الجمعية وفي ذلك الملتقى وأمام هذا المنتدى، هم في الحقيقة، وليسمحوا لي بهذه الكلمة، يورطون أنفسهم ويورطون المجتمع ببعض الأفكار التي يطرحونها!

وفي الواقع، لسنا نجد بداً من تكرار القول إن للجميع في هذه البلاد حق ابداء الرأي والمشاركة وطرح وجهات النظر المختلفة وتقديم الأبحاث والدراسات وأوراق العمل، على أن تكون ذات فائدة، وتحقق القصد بدلاً من أن تترك آثاراً سلبية لا يمكنهم ادراك مخاطرها.

الكثير من الناس، ومنهم شباب متعلمون ومثقفون، يجلسون في تلك الملتقيات صم بكم عمي! فمن النادر أن تجد صوتاً شاباً مثقفاً معترضاً على (الهرج الذي يطرحه ذلك المتحدث الجهبد)، وفي أحيان قليلة جداً تستمتع الى مداخلة علمية واقعية في الرد على (الأفكار العبطية التي ملأ فلان رأس الناس بها)، وربما من غير الملاحظ أن تجد نقاشاً حراً بين المحاضر والحضور عن نقاط هي لا تتناسب اطلاقاً مع المقام… فالموضوع في جهة، والمعلومات والقرائن والحجج واسلوب العرض الذي يقدمه أخونا في جهة أخرى!!

لم كل هذا العناء والشقاء؟ ما الذي يجبر البعض على الدخول في هذه المساحة طالما هم ليسوا أهلاً لها؟

رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، فإذا كنت أنا أعرف قدراتي وامكاناتي وحدودها فيفضل التعامل مع النفس أولاً على هذا الأساس!

وهذا النوع من الناس (الجهابذة) قليل، لكن لأن المجتمع صغير، ولأن الحراك الثقافي أحياناً نشط في مساحة جغرافية محدودة، نجدهم بكثرة.

هناك أسماء، لكن ما لنا والدخول في مناطق حساسة، لكن سأقدم مثالاً لأحد الناشطين (إياهم) يدعو الناس لمنع الطلاب والطالبات من الذهاب الى المدارس كطريقة احتجاجية… واشراك الطلبة – باعتبارهم شريحة حيوية ومهمة – في المطالب والأنشطة الاحتجاجية! هذا الكلام أثار حفيظة الكثير من المعلمين والمعلمات الذين استاءوا جداً من سطحية القول وسفاهة الفكرة لا سيما وأنه لم يبق على العام الدراسي الا القليل القليل… وإن ارباك العام الدراسي بمثل هذه الأفكار، هو إرباك لنشاط أهم من النشاط الذي يعتقده هو: استقرار أبنائنا الطلبة واستمرار تحصيلهم العلمي بهدوء أفضل من الرصاص الذي لا يصيب… لكنه، مع الأسف، يدوش، كما يقول اخواننا المصريون.