سعيد محمد سعيد

من يلوم وزير الداخلية؟

 

في مطلع العام 2006، عقد وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، في أمسية كان لها وقع خاص، لقاء مع المواطنين من مختلف مناطق البلاد… في تلك الليلة، التي التقى فيها الوزير المواطنين في قاعة نادي الضباط بالقضيبية، دار حوار صريح حول الكيفية التي يجب أن تكون عليها الشراكة المجتمعية في التعامل مع حال الاضطراب التي شهدتها بعض المناطق، وكان الهدف هو تأكيد دور المواطنين من فعاليات دينية واجتماعية وناشطين ووجهاء في أن يكون لهم الدور الأول في تهدئة الشباب وخصوصا أن هناك إجماعا على رفض أية أعمال خارجة على القانون.

ولله الحمد، ها نحن نشهد استقرارا يعود الفضل فيه إلى الله سبحانه وتعالى وإلى جميع المواطنين الشرفاء الذين كانوا ولايزالون على قناعة تامة بأن الوطن للجميع، وإن كانت هناك ثمة قضايا وملفات ومطالب لاتزال قائمة، فإن القنوات مفتوحة والمواقف المبنية على النوايا الصادقة لصالح الوطن والمواطنين هي التي ستمكث في الأرض، أما الزبد فيذهب جفاء.

لم يستخدم الوزير وقتذاك كلمة مخربين أو مدسوسين أو عديمي الولاء، بل كرر مرارا كلمة (أبنائنا)! ثم توالت الحوادث، وصدرت توجيهات جلالة الملك إلى المحافظات لتوجيه أولياء الأمور برعاية الشباب وتوجيههم، وكانت الكلمة المؤثرة «هؤلاء أبناؤنا»..

من يلوم الوزير على نظرته المنطلقة من قناعة وإيمان بالدور الوطني في الحفاظ على استقرار المجتمع؟ لا أحد، قطعا لا أحد! لذلك، حينما عقد الوزير لقاءه «المهم» قبل يومين مع عدد من المشايخ وخطباء المساجد بحضور وزير العدل والشئون الاسلامية الشيخ خالد بن علي آل خليفة بشأن القضية الأمنية الأخيرة التي ترتب عليها القبض على عدد من الأشخاص، ويتم التحقيق معهم من قبل النيابة العامة حاليا، قال إنه سئل قبل عقد هذا الاجتماع مع أية طائفة سيجتمع؟ وأنه رد على السائل بأنه سيجتمع مع طائفة واحدة، فبادر السائل: ما هذه الطائفة ؟ فكان الرد أنها الطائفة البحرينية.

ولعلني أسأل نفسي وأسأل كل الأعزاء: هل في مقدورنا جميعا أن نستوعب أبعاد مصطلح «الطائفة البحرينية» في الوقت الذي نعاني فيه من الرياح السيئة القادمة من العراق ولبنان وأفغانستان والشيشان؟ وأن نكون في مأمن مما لا تحمد عقباه في كنف هذه الطائفة؟… ليس من السهل ذلك، لأن الأمر يقوم على مفهوم أكبر وأشمل وأهم، وهو مفهوم «المواطنة الخالصة»، التي تطير بجناحي الحقوق والواجبات! لكن على أية حال، ستبقى مطالبنا قائمة نرفع صوتنا بها بالطرق المشروعة، وستكون مسئولية الحفاظ على «الطائفة البحرينية» هي مسئولية الدولة بالدرجة الأولى، لقطع دابر من يريد بهذا الوطن وأهله شرا، ثم لن يكون لنا – كوننا مواطنين نحب بلادنا – إلا أن نكون (بحرينيين فقط).

سعيد محمد سعيد

الضفدع «كامل»!

 

هل تتذكرون الضفدع «كامل»؟

من هم في مثل سني، أو لنقل من هم في الفئة العمرية من 30 سنة فأكبر، يتذكرون جيدا أكبر وأفضل عمل أنتجته مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربية في الثمانينات من العقد الماضي، وهو برنامج «افتح يا سمسم» الرائع الذي ما أنتجت المؤسسة مثله، ولن تنتج بعده! ويتذكرون قطعا شخصية «الضفدع كامل».. ذلك الضفدع المذيع «خفيف الطينة»، الذي يظهر بين الفينة والأخرى على الشاشة ليقدم للأطفال والكبار، لقاءات سريعة مع شخصيات (الدمى المتحركة) في البرنامج، وأحيانا يجري التغطيات الإخبارية من مواقع الحدث.

هو مذيع «ثرثار»، لكنه في الواقع، موضوعي ومحايد وأمين في نقل المعلومات والوقائع… لكن مشكلته الوحيدة أنه «صفدع»!

ومع ذلك، فإن ذلك الضفدع، الذي تذكرته لغاية في نفس يعقوب، أفضل بكثير من عشرات المذيعين والمذيعات في القنوات الفضائية العربية الذين لم يتمكنوا من أن يقدموا فنا متميزا كما يقدمه الضفدع كامل… على الأقل، يحرص صديقنا الضفدع على أن يكون صادقا ولطيفا ومحبوبا، في حين أن النماذج البشرية التي نراها اليوم في بعض الفضائيات والتلفزيونات لا تعدو كونها «محاولات فاشلة» للقيام بدور الضفدع كامل، صديقنا وصديق الأطفال، ما يجعلني مسرورا بتقديم نصيحة ثمينة لهم بأن يحاولوا – اذا ما أرادوا أن يصبحوا إعلاميين بارزين ومشهورين كالضفدع كامل – أن يحذوا حذوه، بدلا من تقديم مادة رثة تعكس ضحالة المستوى الثقافي والفكري لهم، وتجعلهم يسألون أسئلة مضحكة، ويقاطعون ضيوفهم من المتحدثين بمداخلات أقل ما يقال عنها «أنها» سخيفة وذات تأثير سيئ على المشاهدين.

في فضائية عربية، طل المذيع ببذلته الفاخرة وشعره اللامع بفعل «الجل» ليجري لقاء مع أحد الكتاب المعروفين، وفي الوقت الذي كان المشاهدون ينتظرون حوارا مثمرا يستخرج الدرر من عقل ذلك الكاتب، وجدوا أن المذيع يتعمد استعراض ساعته الثمينة وهو يلوح بيده ليسأل: «هل من الممكن أن نتعرف على بدايات مشوارك في الكتابة؟»… واذا اعتبرنا هذا السؤال من الأسئلة التقليدية المقررة، فإن توجيه سؤال من قبيل: «ما أفضل وجبة تحبها؟» إلى شخصية فكرية، يعد من قبيل الإسفاف قطعا.

وليس ذلك المذيع هو الوحيد من نوعه، وإذا كنا نتابع بعض المذيعين ومقدمي البرامج من المتميزين وهم قلة، أصبحنا نعاني الويل من أساليب الكثير من الإعلاميين الذين يستخفون بعقل المشاهد وذوقه، وتصبح لقاءاتهم وحواراتهم اضافة موجعة إلى رصيد التجهيل المتعمد… فسلام الله عليك يا «ضفدع كامل»

سعيد محمد سعيد

مشايخ الطائفتين

 

أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة وحدث وموقف ومحنة وبلوى… حاولت البحث عن سؤال «يقرقع» في الصدر كثيرا ويدفع العقل إلى أن يستيقظ ويحلل ويستنتج، فما وجدت إلا إجابة واحدة، سيكون من شديد الأسف أن أطرحها. ولكن، قبل طرحها، يجب ذكر السؤال وهو: «كيف هي العلاقة بين مشايخ وعلماء الدين من الطائفتين في البلد؟»، فلم أر من مجيب، ولم يبشرني أحد بما يسر!

ليست هي حال من التشاؤم، ولكنها ضرب من خيبة الأمل!

ما الذي يدفعني ويدفع غيري أصلا إلى التفكير في مثل هذه الأسئلة؟ والجواب هو واقع الحال الذي نعيشه من اضطراب مغلف بالنزاع والتشكيك والتحدي وربما الكيد، وهي أمور لم ولن تتفق إطلاقا مع تعاليم ديننا العظيم، فهنا، في بلادنا، قلما نجد ذلك التلاقي بين علماء الطائفتين، أو أحد اختلافهم الذي فيه رحمة! فالاختلاف القائم هو امتداد لخلاف عقائدي وفكري وسياسي، ويتسع أكثر ليلامس خلافا أكبر وأخطر، نابعا من امتداد الاختلاف القائم سلبا، فيلقي ظلاله المقلقة على العلاقات في المجتمع بين جناحيه، فلا يطير إلا موجوعا… ذلك أن كلام العلماء والمشايخ، وخطابهم وتوجيههم وآراءهم ووعظهم وإرشادهم، هو المؤثر الأكبر والمحرك الأهم للناس الذين يصدقون أكثر ما يصدقون، ويمتثلون أكثر ما يمتثلون لكلام علماء الدين، وللأسف الشديد، يبقى ذلك الامتثال والاتباع حتى في القضايا والأمور التي تشعل وضعا أو تؤجج موقفا.

أين يلتقي علماء الطائفتين، وكيف ولماذا؟ يمكننا أن نرى صورا ميدانية لذلك الالتقاء في بعض المناسبات واللقاءات الرسمية، وتبدو الصورة واضحة للالتقاء في الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، وربما في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي لا نقرأ عن اجتماعاته ولقاءاته وبياناته إلا القليل، فيما وفرت لنا بعض الصحف فرصة لأن نجد صورة متكررة كل يوم سبت لنقرأ «لقاءات» عبر خطب الجمعة تنشر في صفحة واحدة لخطباء من الطائفتين. ولكن، أن يكون هناك لقاء جوهري ودوري يجمعهم لمناقشة قضايا الوطن وأمور البلاد والعباد، فذلك مما يقع في القلب موقع الأمنيات والأحلام السعيدة، فإذا كان علماء البلد في نأي عن بعضهم بعضا، لن يكون من اليسير أن تتغير الأفكار الطائفية والمواقف العدائية والشحن الكريه الذي يجعل من البيانات الصحافية والمحاضرات المسجلة على الأشرطة والحوارات الصحافية ساحة قتال بين فئة يجب أن تكون أعلى احتراما والتزاما بالقيم، وبالمسئولية الدينية والوطنية والاجتماعية.

الإجابة على السؤال الوارد في المقدمة، التي قلت إنني سأطرحها بشديد الأسف، هي أن العلاقة بين مشايخ وعلماء الدين من الطائفتين، هي علاقة ورثة الأنبياء الذين ما فهموا قط، رسالة الأنبياء؟

سعيد محمد سعيد

انحناءة… جميلة!

 

قال المواطن المسكين للمسئول الكبير وهو يدلف إلى مكتبه الفاخر: «طال عمرك، الحياة صعبة، صعبة للغاية! ما عدت قادرا على الاستمرار فيها… بل أنا وعيالي أيضا، لذلك، أرجو منك أن تسمح لنا، أو تمنحنا أو تهبنا قطعة أرض نموت عليها فتصبح لنا قبرا… أي والله يا طويل العمر… طلبتك!؟»

نظر المسئول الكبير إلى المواطن البسيط بعينين حمراوتين تزدادان إحمرارا كلما شد قبضة يده على الطاولة وصرخ: أنت إلى الآن على قيد الحياة؟ ألم تمت في ستين داهية؟ لم أعد أحتمل وجودك هنا، ولا أريد أن أراك في مكان آخر… لا في مجمع تجاري ولا في مجلس من المجالس، بل ولا أريد أن أراك حتى تقف في طابور الخباز إن جاز لي أن أذهب لشراء الخبز و»الباجلة»، مستذكرا تلك الأيام الجميلة التي كنت فيها فقيرا معدما لا أسوى فلسا واحدا… ثم، لماذا أنت واقف أمامي، هيا، انحني ودعني أرى انحناءة جميلة تعيد إلى نفسي البهجة والسرور، فما قادتك رجلاك إلى مقامي هذا إلا من أجل أن «أشوف فيك يوم يا «زالم..؟!».

لم تكن الدموع تترقرق في عين المواطن المسكين، بل كانت تنهمر بسلاسة وهدوء، حتى أنه أخرج من جيبه شهادة وفاة تثبت أنه «ميت»… فلا بيت يعيش فيه، ولا عمل يجد رزقه ورزق عياله منه، ولا أمان في حاضره ومستقبله، وقال يحاول أن يشد طوله: «تريدني أن أنحني لترى انحناءة جميلة… قبح الله عملك… ها أنذا منحني الظهر مذ ولدتني أمي، ألم تلاحظ ذلك؟ هل تراني إنسانا يقف كالبشر الأسوياء المحترمين ذوي الثمن الغالي… منتصب القامة؟ أنا منحني لأنك خنت أمانتك الوطنية، فجعلتني وجعلت آلاف البشر مثلي في بلادنا نسير في انحناء ورؤوسنا إلى الأسفل… لا بسبب حب المذلة والخنوع والخضوع، بل بسبب ما لقيناه منك من ضربات ولكمات وخبايا وخفايا، أنهكت أبداننا وأسقطتنا في هوة الفقر والجوع والضياع… خنت الأمانة التي حملك إياها ولي الأمر، فبدلا من أن تكون صادقا مخلصا، معينا للناس، عملت في الخفاء سنين، وأنت منهمك في إعداد خلطة السم الزعاف… لكن اسمع، ستذوق منه لا محالة، إن لم يكن اليوم فغدا…».

لم تكن عينا الرجل في حاجة إلى إحمرار أكثر، لكن الشرر تطاير منها هذا المرة وهو يستمع إلى ذلك المواطن «المدسوس، الخائن، الجاسوس، «ناكر النعمة» فصرخ محتدا: «شهادة وفاتك هذه أصدرتها بيدي، فإن لم تكن قد مت فعلا… خذ هذه الطلقة في رأسك لتموت في الحال»… وانطلقت الطلقة مدوية، لكنها قتلت وطنا!

سعيد محمد سعيد

أكثر من مقتل لـ «الطائفية»!

 

لم تخرج المواجهة بين الناس في بلادنا وبين ما يتلون تحت ألوان كثيرة، ويتسمى تحت مسميات جديدة في شكل «تحرك ضد مواجهة الطائفية في البحرين» من حدود «المواجهة الكلامية»، وإن صدقت النوايا وتجذرت المواقف وخلصت لحماية البلاد من هذه الحرب الجرثومية الخطيرة… وباء الطائفية طبعا.

خلال السنوات السبع الماضية، سجل المجتمع الكثير من التحركات، منها ما ظهر بين الوجهاء والشخصيات الدينية والاجتماعية، ومنها ما ظهر بين النواب والشوريين والبلديين، ومنها ما ظهر بين جمعيات سياسية ودينية، لكننا لم نر حتى الآن ثمارا لذلك العمل الموجه ضد الطائفية، وفي ظني المتواضع، فإن الثمار لن تظهر إلا اذا كان للحكومة دور أكبر في التصدي للطائفية، ولعل المسئولية ملقاة على الاخوة في وزارة العدل والشئون الإسلامية بالدرجة الأولى، كون معظم القنابل التي تنفجر هنا وهناك مخلفة مواجهات طائفية مختلفة الدرجة والحدة، هي تصدر ممن هم منتمون إلى التيار الإسلامي مع شديد الأسف… ومن الطائفتين، ويأتي بعد ذلك تأثير الصحافة والإعلام.

أكثر من مقتل للطائفية… وأكثر من حربة موجهة إلى جهود مكافحتها، وكأن هناك من يريد لها أن تنمو!

وإذا كان ثمة تحرك حكومي وأهلي للتصدي لتداعيات الطائفية مع عدد من الشخصيات والوجهاء والرموز الدينية من الطائفتين الكريمتين بصورة شبه سرية، نجد أن الوقت ملائم لمساءلة النواب والخطباء والكتاب والإعلاميين والناشطين الذين يتجاوزون حدودهم في إثارة المجتمع على نفسه، لأن للجانب الحكومي هنا أثرا كبيرا، إذ يؤكد صحة التوجه لعلاج الممارسات الطائفية من خلال قوة موقف الحكومة ضد تلك الممارسات، وعدم القبول بها عمليا وليس شعارا فقط.

ثلاث كتل كانت مبادرتها بارزة في هذا المضمار: «الكتلة الإسلامية» و«كتلة المنبر» و«كتلة المستقلين»، إذ وجدت أن من مسئوليتها العمل مع جميع الكتل من أجل صوغ موقف محدد أمام المظاهر الطائفية التي بدأت تتشكل في البلاد وتنذر بالخطر، لكن لا الكتل الثلاث صاحبة المبادرة، ولا غيرها، استطاعت أن تغير مسار «الهجوم».

إن الحديث عن تأثير تداعيات الوضع الإقليمي في العراق وإيران ولبنان وانعكاساته على استقرار التلاحم الوطني يعني أمرا واحدا فقط، وهو أننا كنا نكذب على بعضنا بعضا طوال السنين الماضية بأننا «أسرة واحدة».

سعيد محمد سعيد

إذا، من هم أعداء الحكومة؟

 

كان للموضوع الذي طرحته يوم الخميس الماضي تحت عنوان: «عدو الحكومة» هدف واحد لا غير، وهو أن الناس في هذه البلاد الطيبة يعرفون جيدا من هم أولئك الذين يعادون الحكومة قولا وفعلا عبر نفاقهم وكذبهم وسعيهم الدؤوب لتأجيج الأوضاع في البلاد من خلال تصنيف الناس وفقا لهواهم، لكن المهم – بعد معرفتهم – هو تعريتهم أمام الحكومة وخلق الله وكشفهم!

ولعل التجاوب من قبل القراء الكرام يشير الى أن هناك حالا من الرفض القوي للكثير من الممارسات التي أصبحت بمثابة لباس لأولئك المنافقين الذين لا يعرفون إلا «الفتن» ولا يبغون إلا «الوهن» للمجتمع، ولا يفرحون إلا في «المحن» التي يعيشها الناس لكي يظهروا أبطالا فاتحين، لهم العزة والكرامة دون غيرهم من أهل البلد، لذلك، نتمنى من الحكومة ومن كبار المسئولين أن ينظروا بعين فاحصة إلى ممارسات أولئك الذين لا بأس في أن يكونوا قريبين في المجالس مع الناس، ولا ضير من وجودهم في مكاتب المسئولين، لكن أكبر الضير وأشد البأس، أن يصبحوا هم المواطنون الصالحون، ومن دونهم من الناس ليسوا سوى أعداء للوطن والحكومة، وللتراب الوطني، وللوحدة الوطنية، ولكل ما يمت للوطن بصلة.

البلاد هادئة مستقرة ولله الحمد، وهكذا ستمضي، لذلك، تجدهم يشتعلون نارا وكأنهم لا يريدون للبلاد أن تهدأ فيبدأوا بالاستفزاز من خلال كتاباتهم وتصريحاتهم وبياناتهم وتصيدهم المقيت… البلاد هادئة، فبعد أن عمل علماء الدين الأفاضل والناشطون المعتدلون والوجهاء والمحافظون، وخصوصا في المحافظة الشمالية، إذ الوضع الأصعب والأكثر تعقيدا، وبعد أن سارت توجيهات جلالة الملك للاهتمام بالشباب في مكانها الصحيح، وبعد كل هذا التجاوب المثمر من خلال التعاون بين وزارة الداخلية والمؤسسات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني، فجأة، يظهر أولئك الأبطال الفرسان الفاتحون، ليبحثوا عن قنبلة يلقونها في قلوب كل الناس، فقط ليثيروا النعرات ويؤججوا المواقف، لكنهم ولله الحمد، لم ولن ينجحوا.

لكن، من هم أعداء الحكومة؟

كل الرسائل والاتصالات التي وردتني تعقيبا على عمود الخميس الماضي «عدو الحكومة»، تؤكد أن كل أولئك الذين يكذبون على الحكومة وينافقونها ويخبئون الحقائق والمعلومات الدقيقة عن القيادة، ولا يوصلون التقارير الصحيحة التي تصب في مصلحة البلاد وأهل البلاد… أولئك هم أعداء الحكومة! فعلى رغم مشكلات كثيرة يعيشها المواطنون يوميا بسبب غلاء المعيشة وضعف الأجور وأمور سياسية واجتماعية أخرى، لكن كل ذلك لا يمنع من أن يكون للحكومة الموقرة احترامها حتى في الشارع المعارض.

هذه هي الصفة الحقيقية بين مؤسسة الحكم ومؤسسات المجتمع المدني، أما الصفة الحقيقية للمنافقين من يؤلبون الحكومة ضد الشخصيات والعلماء والخطباء والمثقفين فهم فعلا «أعداء الحكومة».

سعيد محمد سعيد

عدو الحكومة!

 

كبيرة هي المسافة الفاصلة بين رؤية قيادة البلاد لترسيخ أسس الديمقراطية وبناء المجتمع المدني، وبين أولئك «الخبراء الجدد» الذين تمرسوا في التأجيج، أو لنقل محاولة تأجيج المواقف، بين مؤسسة الحكم وبين أي ناشط سياسي أو كاتب أو خطيب يبدي الرأي تجاه موضوع معين، ليجعلوه في مرمى الصواريخ الموجهة إليه باعتباره «عدو الحكومة»!

ففي الوقت الذي يجب ألا ننكر فيه مكتسبات لا بأس بها تحققت منذ انطلاق المشروع الإصلاحي في البلاد، وفي صدارتها حرية التعبير والرأي بعيدا عن قضبان «أمن الدولة»، لابد من التحذير من ممارسات الخبراء الجدد الذين لا هدف لهم سوى صنع مجد هلامي لمصلحة شخصية، حينما يتحدثون بخطاب القمع، ويتحركون تحت لواء التخوين، ويتنفسون هواء التآمر الفاسد.

بين الحين والحين، يتصيد خبراء الوطنية الصادقة ورموز الولاء الحقيقي على خلق الله ما يمكن تصيده: كلمة تعبر عن رأي أو موقف أو وجهة نظر في مسألة من المسائل الكبيرة والكثيرة التي تحولت إلى ملفات تهم الحكومة والمواطن على حد سواء، ولا نية لأصحابها من الشرفاء إلا أن يقولوا للحكومة والناس: «إننا جزء منكم لكن وراء الأكمة ما وراءها». وحين يصدر النصح أو الموقف أو الخطاب من رموز سياسية وثقافية ودينية واجتماعية، فليس من الإنصاف أن نضعهم خلف قضبان التخوين والتحريض على كراهية نظام الحكم، والسعي لزعزعة الاستقرار… بل على العكس من ذلك، ثبت أن مواقف وممارسات الخبراء الجدد، من يرفعون راية مزيفة في الولاء الوطني ويرددون شعارات مجوفة لا طائل من ورائها إلا التهريج في صحيفة هنا، أو مؤتمر صحافي «معلب وجاهز للتحضير» هناك، أو ندوة وملتقى ليلفتوا الأنظار إلى حقيقة عملهم لمصلحة البلاد والعباد… ثبت أن أولئك لا تهمهم مصلحة البلد ولا تقع في قلوبهم قضاياه ولا ينوون إلا الشر.

قد يسأل سائل :»من هم أولئك؟»، ولسنا في حاجة إلى جهد جهيد لنقرأ بين الفينة والأخرى مقالا صحافيا يرقص رقصة الغانية في حفلة ماجنة، أو تصريحا صحافيا يزكم الأنوف نفاقا وتملقا وزيفا، وقد نجدهم وقد تصنعوا العفة ولبسوا لباس الأولياء الصالحين لينطقوا باطلا بكلمة باطلة لا يحتاج إليها الوطن، ولا تحتاج إليها القيادة.

وفي ظني، مضى عهد تقريب المنافقين واسباغ النعم والهبات والعطاء الدنيوي على وعاظ السلاطين، وجاءت حقبة العمل من أجل هذه البلاد التي يعتز أهلها بقيادتها الشرعية ويصونون حاضرها ومستقبلها كما صانوا ماضيها… ليس فينا نحن أهل البحرين عدو لحكومته… قد يكون بيننا من خانه النطق وخالفه الأسلوب وضاع في هواه، لكنه لابد ثائب إلى رشده، ومستيقظ من غفوة وغفلة، ولربما كان على أولئك الذين لا يستطيعون العيش إلا في بيئة التآمر واستعداء الناس على حكومتهم من جهة، وتقديم قائمة سوداء بأعداء للحكومة يعيشون على هذه الأرض الطيبة، أن يكفوا عن نفاقهم المكشوف المفضوح.

وأخيرا، كلمة لكل خطيب وكاتب وناشط سياسي تدفعه نواياه الحسنة ومسئوليته الوطنية للقول والبوح… أن يقول ويبوح طالما هو معتقد في صدق نواياه وإخلاصه لبلده، وأما الذين لا يعرفون «إلا الفتن»، فسلام سلاما!

نعم، بيننا من يريد أن يوصل إلى قيادتنا صوته، لكن ليس بيننا عدوا لها… فموتوا بغيظكم!

سعيد محمد سعيد

رسائل إلى «وجوه الخير»

 

«لا يشكر الله من لا يشكر الناس»… هكذا يصبح الشكر الجزيل والامتنان والتقدير واجبا علينا تجاه أناس هم فعلا وجوه خير، لكننا حين نذكرهم، فإننا لا نرغب في بهرجة ومديح وإطراء لهم، فهم لا يحتاجون إلى كل ذلك، ولا نبغي من وراء ذلك تزلفا أو تملقا لأنهم أكبر من ذلك… هم، يفعلون ما يفعلون خدمة للناس من أجل نيل الثواب، وواجب الصحافة أن تكرمهم ولو بالكلمة الصادقة:

الأخت الفاضلة «أم الشيخ»… لك الشكر الجزيل على روحك الطيبة، وإنك إن قلت إن «الكرم الخليفي» الذي تنتمين إليه هو كرم كل أهل البحرين، فإن مبادراتك الدائمة لمتابعة أوضاع الأسر المحتاجة والمعوزة من ننشر قضاياهم لتقديم المساعدة لهم هي في ميزان حسناتك أولا وأخيرا، عل أولئك «الآخرين» الذي جعلوا من النفاق وسيلة للتعبير عن حبهم للوطن، يتعلمون! وعلهم يستبدلون صور المؤتمرات الصحافية المفتعلة والبيانات المجوفة بمواقف صادقة لا يغلفها النفاق الذي يجب أن يعرفهم عليه كل المواطنين – سنة وشيعة – ويعرونهم، فهم لا يدركون بأن للفقير والجائع والمعوز والعريان ربا كريما عظيما، يرسل على أيدي عباده الكرام ممن يخافون الله ويتقونه، كل الكرامة… شكرا يا «أم الشيخ».

الأخ الكريم ناصر الجنيد… هكذا تكون ثمار العمل الصادق المخلص… لسنوات، عرفناك هادئا معطاء لا تنتظر جزاء ولا شكورا، وكما هو حال الصادقين مع الله، يرتقون مراتب العلا، ولأنهم صادقون في خدمة الناس والوطن، وينسون تعبهم حينما يرتاح الآخرون، فرضوا احترامهم على الآخرين.

الأخوة والأخوات المنتسبين إلى ناديي سماهيج وقلالي… كانت الليالي مريرة والقلوب محزونة منذ اختفى الطفل «بدر» وأنتم ماضون في العمل بلا كلل ولا ملل… هنا، نود أن نوصل إليكم رسالة من أهل الطفل من خلال «الوسط» تقديرا لجهودكم: «أنتم تضيئون الأمل، فدعوه متوقدا إلى حين عودة الغائب، ولكم من الأسرة جزيل الشكر، وجعله الله في ميزان حسنتاكم».

القارئ «أبو أحمد»… رسائلك وتعقيباتك لا تتوقف أبدا، وهي محل اهتمام وتقدير على تجاوبك وتفاعلك الكريم مع الموضوعات التي نطرحها، وأود تأكيد أن كل قضية تهم الناس في هذه البلاد الطيبة، هي تهمنا لأننا جزء من بلادنا، ولا تنس أن الوجه للوجه أبيض.

كثيرة هي المواقف التي نسجلها في القلوب، وتبقى في الذاكرة، وحين نجد الصدق والإخلاص والمودة شعارات حقيقية ناصعة في مسار النوايا، فإن النتائج تصبح مثمرة، ولا ندري ما الذي يدفع البعض إلى أن يجعل من شعارات النفاق والكذاب والرياء، طريقا للوصول إلى مراتب يعتقدون فيها الكرامة والفضل في حب الوطن، لكن الذي نعرفه جيدا، أن المنافق مكشوف، فهو إن حدث كذب، وإن أؤتمن خان، وإن وعد أخلف، فانظروا إليهم من أية زاوية تريدون.

شكرا لكل صوت بحريني مخلص سمعناه أمس، ونسمعه اليوم، وسنسمعه غدا… بلا نفاق!

سعيد محمد سعيد

يا حكومة… وين الزيادة؟

 

تعلقت آمال الآلاف من العاملين في القطاع الحكومي بالزيادة البالغة 15 في المئة – واحد = 14 في المئة، وهي لاتزال معلقة! وستبقى معلقة، وربما لن يطول أمد بقائها معلقة، فحتى مع تطبيق قانون التأمين ضد التعطل واقتطاع نسبة 1 في المئة من الرواتب، لايزال الأمل متقدا في نفوس موظفي الحكومة لسماع الأخبار السارة عن بدء تطبيق الزيادة، بل ويتمنى الناس أن يصدر عن اجتماع مجلس الوزراء في اجتماعه اليوم ما يبعث في نفوسهم السعادة، وخصوصا مع قرب حلول شهر رمضان المبارك وبدء العام الدراسي الجديد.

يا حكومة، وين الزيادة؟

نحن كوننا مواطنين، لا نسأل عن زيادة للعاملين في القطاع الحكومي وحسب، بل لابد من إعادة النظر في وضع العاملين في القطاع الخاص… فهو القطاع الذي يمثل الشريحة الأكبر للأيدي العاملة البحرينية (نحو 54 ألف مواطن ومواطنة) في حين أن الأيدي الوطنية في القطاع الحكومي تبلغ نحو 32 ألفا، وهذا يعني أن الزيادات المرتقبة ما لم تشمل العاملين في القطاع الخاص، فإن الحال في المجتمع لن تبدو متغيرة كثيرا! إن المعاناة مشتركة بين جميع المواطنين، سواء كانوا يعملون في القطاع الخاص أم القطاع الحكومي، لأن موجة ارتفاع الأسعار الضارية وارتفاع كلف المعيشة لا تفرق بين القطاعين.

وعلى البعض أن يترك الإجراءات على الحكومة، ولا يتدخل لأن هذا ليس من شأنه؟

ما القصد من تلك العبارة الاعتراضية المقحمة؟ القصد يا جماعة الخير، هو أن هناك من يكرر قوله إن الحكومة ستتحمل زيادة القطاع الحكومي، فمن الذي سيتحمل زيادة رواتب القطاع الخاص؟ وهذا القول مردود عليه، لأن هناك وسائل ممكنة يعرفها المسئولون ولا نعرفها نحن؟

وعلى اعتبار أن مشوار البحث عن الزيادة لن يطول، فإن المسئولين في الدولة، وعلى رأسهم سمو رئيس الوزراء، يدركون أن معاناة المواطنين كبيرة ومرهقة! فمن ناحية، لاتزال مشروعات الإسكان أقل مما هو مطلوب لتغطية الطلبات، وليس هناك من ذوي الدخل المحدود من يسعفه الحظ لشراء أو بناء منزل! ومن ناحية أخرى، ارتفع مؤشر الغداء والدواء واللباس وكل ما هو مطلوب للمعيشة، في حين بقيت الرواتب في محلها، هذا إذا وضعنا في الاعتبار أن رواتب القطاع الحكومي تحسنت خلال السنوات الخمس الماضية، لكن رواتب العاملين في القطاع الخاص، وخصوصا في القطاعات المتوسطة والصغيرة، لاتزال منخفضة وتثير قلق الكثيرين في شأن مستوى الاستقرار الاجتماعي.

ليس أمامنا سوى الانتظار، ولربما تحولت تصريحات ومقالات و»فاكسات وايميلات» النواب الأفاضل التي ترسل تباعا الى الصحف، في الدورة المقبلة، الى خطوات عملية من العيار الثقيل، فليس يقتل المواطن البحريني قهرا اليوم أكثر من التصريحات والتصريحات والتصريحات… فصار المواطن يسمع جعجعة ولا يرى طحنا… وهذا الأمر يبعث على القهر فعلا؟

المهم يا حكومة… متى الزيادات؟

سعيد محمد سعيد

خاف ربك يا مولاي!

 

كان أول سؤال طرحه طالب بحريني يجري دراسة بحثية ميدانية في مجال الموارد البشرية ضمن استمارة استبيان عشوائي هو: «هل تطمح إلى أن تكون في يوم من الأيام مديرا لشئون موظفين أو مسئولا عن قطاع الموارد البشرية في مؤسسة مرموقة أو في وزارة حكومية؟ (نعم، لا)، وإذا كان الجواب بـ «لا» يرجى تحديد ثلاثة أسباب.

الغريب في الأمر، أن نسبة 85.7 في المئة من المشاركين أجابوا بـ «لا»، والأغرب أن غالبية تلك النسبة، لم تشر في سرد الأسباب إلى عدم قدرتها على تولي هذه المهمة علميا ومهنيا وخبرات، بل فيها ما هو أخطر من ذلك، وهو عدم القدرة على حمل الأمانة وتحمل المسئولية ومعاملة جميع الموظفين بإنصاف… سواسية من دون تمييز، ثم تلتها الأسباب الأخرى ومنها مزاجية تنفيذ اللوائح والأنظمة، وغياب المعيار الأخلاقي، والأشد بالنسبة إلى قطاع الوظائف في البحرين، هو أن الترقيات والزيادات لا تأتي من خلال إجادة عمل وتقييم دقيق وواقعي لأداء الموظف، بل تأتي لمدى قربه من المسئول/ المدير/ الوزير/ و(ربما سائق الرئيس التنفيذي… هذه من عندي وليست من الاستبيان).

الجانب المشوق في الدراسة، هو تحديد ثلاثة محاور لأسوأ ممارسات مديري أو مسئولي شئون الموظفين في القطاعين العام والخاص (طبقا لمكان عمل المشارك في الاستبيان)، فكانت النسبة الأعلى من المشاركين تشير إلى (كارثة):

– مزاجية التقييم والكيل بمكيالين بين الموظفين (يعني هذا صاحبي وهذا في ستين داهية).

– التصيد على من يريدون التنكيل بهم من الموظفين والموظفات، فيصبح الهدف هو الأسوأ في الحضور والانصراف، وهو الأسوأ في مبادرات العمل، وهو «أزفت» واحد في إجادة المهمة الموكلة إليه.

– تشغيل واستخدام (الجزء الأكبر من الكارثة) موظفين وموظفات لإنجاز أعمال لهم، هذا إذا أراد الموظف أو الموظفة الحصول على ترقية وشيكة بتكرار عبارة: «أمرك يا مولاي»!

لكن، من هو مدير الموارد البشرية أو مسئول شئون الموظفين الناجح؟ وكانت النتيجة الأكبر، التي لا أتذكرها رقميا بالضبط، وربما كانت في حدود 93 في المئة، هي أن يعرف الله حق معرفته، وأن ينظر إلى اللوائح والأنظمة ويطبقها من دون أن يعرف أن الذي طبقها عليه، ولد خالته، أو شقيقه من الرضاع، أو ربما والدة زوجته! وهو الذي تأتي إجراءاته قائمة على تقييم حقيقي لأداء الموظفين… بموضوعية وصدق، لا بتصيد وارتداء أقنعة من الحقارة والسخف، وكأن رقاب خلق الله في يده.