سعيد محمد سعيد

حين يصبح السؤال أخرسَ!

 

هو سؤال نمطي لا يتجدد أبدا في بلادنا، ولربما راود الآلاف من الناس قبلي، ولكنه لم يفارقني طوال عطلة نهاية الأسبوع الماضي! ولا أدري صراحة لماذا اشتريت “وجع الدماغ” هكذا بلا مقدمات ولا هدف! ولكني خاطبت نفسي قائلا: “يا رجل، هذا دليل على أنه لا يزال لديك إحساس. احمد ربك”!

ولكن ما السؤال؟ سأطرحه على نفسي وعلى الملأ، في نهاية هذه الأسطر، ولكن قبل ذلك أود لو تمكنت من أن أمهد له بمقامات تجدونها هنا:

– حدثنا الراوي ابن أبي البحرين الأصلي… فقال: ما الذي يجري بين صحبي وأهلي؟ وما الذي ألمّ بالحكومة والمعارضة في الترحال والحل… بين شد وجذب في ملفات وقضايا بعضها بسيط وبعضها يستعصي على الحل؟ وكيف تمضي السنون والوقعة مستمرة في وادٍ وسهل… حتى شاب لها رأس الشاب وانتظر بسببها موته الكهل؟ وما كان من الراوي إلا أن صمت عن الكلام المباح؛ لأنه طلب العافية فاستراح.

– حدثنا الراوي أبوالاعتصام السلمي، فقال: سأجمع صحبي ورفاقي وأبناء عمي وسنطرق كل أبواب العدالة بحثا عن أنصار في وجه الظلم. وسنرفع كل الرايات حين يشتد الحر ويحل البرد وتهب السرايات، ونتلو من أجل النصر الأذكار والآيات. وما مات من طالب بحقه حتى لو صبره مات!

– حدثتنا حديقة السلمانية عن أيام جميلة مضت دونما رجعة بين فلانه وفلتانيه، إذ كان الناس في مودة ورخاء بلا طائفية ولا تمييز ولا مهاترات برلمانية، حتى ألمت بها الحسرة، وزاد من عذابها بعدُ الأمل في الصلاح بعد خراب البصرة، وقالت: يا ويلتي على أبناء الديرة قد سقطوا في حفرة، فيا ليتها ترجع أيام الناس في البلد قبل النفط والطفرة. فبكت وبكت حتى طاحت صفرة!

– حدثتنا أمينة بنت الصريح، عمّا كانت تظن أنه الطريق الصحيح… بعد أن وجدت بين السنة والشيعة من يقول إنه الذابح ومن يقول إنه الذبيح، فأوصت جارتها صابرة، بأن النتيجة الى بلاء صائرة، فالكل يدعي أنه على الوطن حريص، وصار الناس بين وطني رائد وصاحب ولاء رخيص، وبين من يملك الفن في حب الوطن، وبين من يثير الأحقاد والضلال والكفر والفتن، فما كان من أمينة بنت الصريح إلا أن كتبت وصيتها وتمنت أن يبنى لها بعد موتها ضريح، حتى يصبح مزارا للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، وتباع فيه الولاءات بالتذاكر.

– حدثنا وحدثنا وحدثنا… صاحب بيانات صحافية هنا، وناشر كرامات هناك، ولبيب يفهم بالإشارة، أن ما يحدث لن يجر إلا الخسارة، وليس أمامي الا أن اطرح سؤالي الذي اخبرتكم عنه منذ البداية يا كرام: ترى، متى ستنتهي معاناتنا اليومية، من السياسة الى القضايا الاجتماعية؟ ومتى يصبح الوطن للكل والكل للوطن؟

ترى صدقوني بنروح ملح!

سعيد محمد سعيد

المعلمون والمعلمات… المنقذون والمنقذات (4)

 

إذا كانت رغبة الحكومة صادقة ومخلصة في أن ترسم مستقبلا مزدهرا للبلاد، قائما على الالتزام والانضباطية والاحترام والمواطنة الصالحة، فعليها أولا أن تفكر مليا في إصلاح قطاع التعليم، والبدء بالمعلمين والمعلمات…

وأستدرك هنا لأقول: قد يتطلب هذا الإصلاح، إزالة كل معلم ومعلمة، وكل إداري وموظف أو موظفة لا يصلح/ يصلحون للعمل في هذا القطاع، وخصوصا أولئك الذين يجيدون إثارة النعرات الطائفية في المدارس خصوصا، سواء كانوا مديرين أم معلمين أم موظفين أم حتى مراسلين!

إذا أرادت الدولة أن تغلق ملف التسيب المخيف والمقلق في كل شبر من حياتنا اليومية، فلتختار طريق المدارس، وحتى تقوم المدرسة بالدور الذي تحطم في كثير من البيوت، وهذا أمر صعب، فعلى الدولة أن تطبق تسمية الوزارة بحرفيتها… تربية وتعليم.

ولتسمح لي الوزارة أن أدعوها إلى مراجعة رابط الأعمدة السابقة لتطلع على ردود المعلمين وأولياء الأمور، ولا بأس بأن أطيل اليوم قليلا لاستعراض أهم تلك الردود، ومنها ما طرحه (معلم محبط) بقوله: «الامتيازات التي تقدم إلى المعلمين في البحرين لا تمثل عشر ما يقدم إلى الأخوة في دول مجلس التعاون… هذا أولا. أعداد الطلاب تزيد على 35 طالبا في الفصل الواحد… هذا ثانيا. صفوف خشبية وصنادق يسمونها فصولا دراسية… هذا ثالثا. سياسات فاشلة من قبل وزارة التربية والتعليم يجب أن تطبق في المدارس (بالغصب)… هذا رابعا. تمييز وطائفية حتى في أدنى الوظائف (مثال معلم فاشل ولا يصلح للتدريس ينقل للعمل في الوزارة بصفته اختصاصيا)…هذا خامسا. أي فشل في تنفيذ أي مشروع تربوي يكون الملام الأول والأوحد هو المعلم وليس المسئولين في الوزارة (أصحاب الشهادات العليا).

أما (أم أمينة) فتتمنى أن يفهم (معلمو) هذا الزمان أن «عليهم رسالة يجب توصيلها أو أداؤها للطالب والمجتمع… عليهم إرشاد وتوجيه وتوعية، وليس تدريس المواد الاكاديمية فقط! فالمجتمع البحريني مليء بالمشكلات الاجتماعية والطائفية والسياسية التي تنعكس على سلوك الطالب في المدرسة، وعلى المدرس مساعدة الطالب على التكيف مع ظروف المجتمع.

ولكي نضمن أن المدرس سيقوم بأداء هذه الرسالة على أكمل وجه، فإن على الوزارة إعداد المعلم إعدادا جيدا قبل إقحامه في العملية التعليمية والتربوية، من دون دورات إعداد وتهيئة تشرف عليها الوزارة، ونرجو من صحافتنا مساعدتنا في القضاء على الكثير من المشكلات التي يعاني منها طلابنا في المدارس من طائفية وظواهر سلوكية وتأخر دراسي وفصول من دون مدرسات، وغير، وغير، والله يعين أبناءنا على الأجواء الدراسية التي يتعلمون فيها (ما دري شلون يدرسون وبأي نفس في هالمدارس)».

أما رد المعلمة المتخرجة حديثا، فهي تدعو من قلب معلمة إلى أبنائها… يقضي المدرس وقتا طويلا في تنفيذ كل ما تمليه عليه المدرسة من واجبات ترهقه، إلى جانب العطاء بإخلاص لطلبته من تربية وتعليم، بينما يخرج الطالب من المدرسة متوجها إلى أسرته مدار تحركاته وتربيته بالدرجة الأولى، فيرى واقعا وعطاء غير مكمل للمدرسة التربوية التي يذهب إليها… فكل تعاليم التربية المطبقة من المدرس ملغية… وإذا كلم المدرس طالبا ناويا تغييره ورفع مستواه، جاء ولي أمره رافضا القول إن ابنه مخطئ! بل المعلم هو الذي اعتدى على حقه وكرامته… وتقوم إدارة المدرسة بلوم المدرس! بل أحيانا، يتم إيقاف بعض صلاحياته التي يجب أن يمارسها لتتمة دوره… وتأتي المديرة الفاضلة لتهدد المعلمة: «لا تجرحي الطالبات وراعي نفسياتهن»، لدرجة أن الطالبة تقول مع كل كلمة للمعلمة: «سأشتكي عليك»! فصارت الكلمة كأنها لعبة يستخدمها الصغار!

أتمنى أن تكون هناك موازنة عادلة بين المعلمين والمعلمات وإدارة المدرسة وأولياء الأمور، أما مسألة المعلمين الذين دخلوا سلك التدريس ولم يتخصصوا في التربية، فيجب على الوزارة تقديم دورة خاصة مكثفة لهم حتى يعوا مبادئ ومفاهيم التربية ليقوموا بالمسئولية! فهذا حل يساعد على تدارك هذه المشكلة، كما أنني ألتمس من كل معلم نقاطا مهمة تسهم في نجاحه وهي الإخلاص و العمل الجاد وقبول آراء الأطراف الأخرى كإدارة المدرسة وأولياء الأمور، للنهوض بالطالب وفهم مشكلاته وحلها، بغض النظر عن المادة.

سعيد محمد سعيد

المعلمون والمعلمات… المنقذون والمنقذات (3)

 

والآن، نحن نتحدث عن المعلمين والمعلمات في حلقتنا الثالثة من هذه السلسلة، التي بدأنا في حلقتها الأولى بالإشارة إلى قطاع التعليم باعتباره قطاعا رئيسيا لإنجاح مشروعات الإصلاح القائمة أو المستقبلية. ثم تحدثنا في حلقتنا الثانية عن محاور ترتبط ارتباطا وثيقا بأوضاع المعلمين والمعلمات من ناحية الأداء ثم الأجور، وكذلك التفاوت في فهم الدور الحقيقي للرسالة المقدسة.

وسيكون لزاما الاستمرار في التعاطي مع ملف المعلمين، لا من جانب الصحافة فقط، بل من جانب الدولة بالدرجة الأولى. وإذا كنت أؤمن بأن وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي، بدأ مشواره الثقيل في هذه الوزارة بحماس ورغبة وتطلع إلى أن يكون مع الطلبة في مدارسهم، والمعلمين في مكاتبهم، ومع الإداريين في خططهم، فإن المشكلة تبدو في قبضة قوية تحكم السيطرة على عقليات كثيرة في الوزارة… وهو أمر لا علاقة للوزير به!

أي بمعنى أن الوزير ليس مسئولا عن تلك العقول المتخلفة التي «تترس» رؤوس البعض، سواء كان ذلك البعض من كبار المسئولين أم من صغار الموظفين.

غير أن المسئولية الحقيقية التي يجب على الوزير حملها في هذا الشأن، هي تقييم الأداء، ومن ثم النظر في الملاحظات والشكاوى التي ترد من الناس حيال هذا المسئول أو ذاك… والأهم من ذلك، النظر في الملاحظات التي ترد من الموظفين أنفسهم بشأن أداء بعض المسئولين من مختلف الدرجات والمستويات.

هذه جزئية عابرة أردت الإشارة إليها لأنتقل إلى سؤال كان ولايزال يلازمني: «هل هناك من يحاول عرقلة سير الوزارة من داخلها ومن خارجها؟»، وإذا كان غيري قد تساءل فعلا كما أتساءل، فلربما يصبح في التوارد والاتفاق على فكرة معينة سبيل لفك لغز الكثير من الطلاسم، منها أن التعليم في أي بلد لا يمكن أن ينتعش ويتطور وينطلق ليمد البلاد بالطاقات العقلية من أبنائها، إلا في حال التجديد المستمر للمشروعات التعليمية، وقبلها يجب أن تكون هناك فلسفة تعليم تنطلق من أساسات وتصل إلى أهداف، ويجب ألا تكون تلك الفلسفة وتلك الأهداف حالها حال ما هو حاصل في كثير من المرافق: مجرد صياغات منمقة في كتيبات أنيقة، أو أيقونات تتصدر المواقع الإلكترونية، وواقعها كذب في كذب!

إذا، هل ينطبق هذا الكلام على البحرين؟! في ظني نعم، فهناك فلسفة تعليمية، بل قل فلسفة رائدة على مستوى الخليج والوطن العربي، وهناك خطط وبرامج وأفكار قوية جدا، وهناك كوادر بحرينية وعربية لديها من الطاقة الشيء الكثير، لكن المصيبة أن لدينا، ولدى الوزير، وأمامنا وأمام الوزير والوزارة، تقف عقليات في الإدارات والمدارس والأقسام، وكأنها تريد تقديم أنموذج «طالباني» في التعليم وقراءة المستقبل.

سنكمل بعون الله

سعيد محمد سعيد

المعلمون والمعلمات… المنقذون والمنقذات (2)

 

تحدثت يوم الأحد الماضي عن أهمية دور المعلمين والمعلمات في إنجاح ما تطمح الدولة إلى تنفيذه مستقبلا من مشروعات، كإصلاح سوق العمل، وإصلاح التعليم، وتحقيق معدلات تنمية متقدمة. وأزيد اليوم محورا مهما، وهو أن تنشئة جيل يتمتع بشخصية بحرينية تعي جيدا معاني المواطنة والحقوق والواجبات، لا يكتمل إلا بدور المعلمين والمعلمات.

حسنا… تلك الأدوار المهمة، هل يقوم بها معلمونا ومعلماتنا فعلا؟

تجاوزا، سيكون الجواب نعم، مع أن هناك من المعلمين والمعلمات من لا يجب أن يكون في هذه الوظيفة إطلاقا… فبعضهم مبتلٍ بالطائفية السوداء، وبعض آخر مصاب بنقمة على المجتمع، بل وعلى البلد بأسرها، ولا يفرق بين الانفعالات العاطفية، والأمانة، وهناك من لا يهمه إن تعلم الطلبة أم لم يتعلموا…

حري بنا أن نذكر المعلمين والمعلمات الذين يقومون بدورهم كما يمليه عليهم واجبهم الديني أمام الله، والوطني أمام المجتمع، ولا نقول إلا: «الله يكثر من أمثالهم»، لكن وسط ذلك كله، لا يمكن أن يبقى ملف التعليم والمعلمين عرضة للأهواء تارة، والمطالبات تارة أخرى، والمشاغبات حينا، والتصادم مع أجهزة الوزارة حينا آخر… فهذا القطاع يا سادة، هو الذي عليه المعتمد، صدقوني… سيكون المستقبل أكثر ظلاما إن بقيت الأوضاع في مدارسنا على ما هي عليه: آلاف من الطلاب والطالبات يذهبون ليتلقوا تحصيلهم الدراسي، فيعود طلبة الابتدائية محملين بالغنائم من الواجبات التي تقصم الظهر، ويعود طلبة الإعدادية وقد تسلحوا جيدا للتعبير عن الفرح بانتهاء اليوم الدراسي، ويخرج طلبة الثانوية وهم يتبادلون السجائر والأقراص المدمجة التي لا تسأل عما تحتوي!

أما المعلمون والمعلمات، فكأن خروجهم من هذا المبنى المسمى بالمدرسة، خروج من سجن البيروقراطية وخيبة الأمل، والإحباط والهموم والشقاء…

لا أريد إطلاقا أن أسوق مقارنة، أيا كانت تلك المقارنة، مع أية دولة خليجية أخرى من ناحية الامتيازات! نعم، الامتيازات المقدمة إلى حملة رسالة الأنبياء، وهم المعلمون والمعلمات، الذين إن أغفلت الدولة (من يكونون؟) فسنكون أمام كارثة حقيقية، لها بوادرها في الوقت الراهن، مختصرة في عبارة: (مجتمع المعلمين والمعلمات المحبط بشدة)! وسيكون أيضا، لها عواقبها الوخيمة في المستقبل… وسنواصل الحديث.

سعيد محمد سعيد

المعلمون والمعلمات… المنقذون والمنقذات

 

كلامنا هنا سيطول ويطول! ولن تكفيه مئة حلقة… ذلك لأن الحديث عن دور المعلمين والمعلمات، في المجتمعات التي تريد فعلا أن تصنع مستقبلا مغايرا من ناحية التقدم مفهوما وممارسة، هو حديث في حقيقته عن أخطر الأدوار وأكثرها حساسية…

المعلمون والمعلمات، يمكنهم قطعا أن يكونوا «المنقذين والمنقذات»من الخطر الذي يمكن أن يقع مستقبلا بسبب سوء التعليم… هذا إن كانوا على جودة وتمكن وجدارة، وإن كانوا غير ذلك فالوضع خطير!

كل ذلك سنضعه في الحسبان… لكن لنبدأ أولا بالكلام عن الجو العام الذي نعيشه في البلاد… أقصد جو قطاع المعلمين والمعلمات لنقف أولا على نقاط الرصد الآتية:

– حال من التذمر والرفض سادت القطاع بسبب عدم بلوغ زيادة 30 في المئة المرجوة، فيما لايزال الحديث عن خيبة الأمل وكأنها «مقرر دراسي في التربية الوطنية الخاطئة»!

– استمرار المطالبة بالعمل على إيجاد حل للثغرات والهفوات في الهيكل الوظيفي للمعلمين، وإعادة النظر في بنود متعددة، قلت أم كثرت، وهي في واقعها تتعلق بالدرجات والترقيات.

– في ظل الأوضاع التي يعيشها المعلمون والمعلمات، المعيشية منها تحديدا، فإن الكثير من أولياء الأمور يعتقدون أن التسيب الحاصل في المدارس من ضعف التعليم، وعدم اهتمام المعلم والمعلمة بالتربية الأخلاقية وتشكيل شخصية الطالب/ الطالبة بمعنويات ومثل وقيم عالية، يعود إلى أن الكثير منهم لم يعودوا مكترثين إلا بانتهاء الدوام والعودة إلى المنزل، ولربما الاستعداد للعمل الإضافي فترة ما بعد الظهر.

– ارتباطا بالنقطة السابقة، انتشرت مقولة إن «الكثير من المعلمين والمعلمات ليسوا أهلا للمهنة»، لذلك، فإن مستوى التعليم (دراسيا) ومستوى التوجيه (أخلاقيا) هما من أسوأ المستويات في هذه الحقبة، وخصوصا أن الكثير من الطلاب والطالبات، من الجيل المنتكس من ناحية الرغبة في التعلم أو حتى الشعور بالالتزام الأخلاقي.

– تعم الفوضى الكثير من إدارات المدارس، فيما الهيئتان التعليمية والإدارية، تعيشان حالا من العداء بين بعضهما بعضا، وبينهما وبين الوزارة.

لكن، هل من المعقول أن تكون كل تلك النقاط صحيحة؟

لاشك في أن بعضها صحيح، وبعضها الآخر غير ذلك… غير أن المهم بالدرجة الأولى بالنسبة إلي على الأقل، هو محاولة إعادة تأكيد دور المعلمين والمعلمات، ومنحهم كل ما يرغبون فيه من جانب الدولة، إن أرادت الدولة أن تنجح في مشروعات كبرى بدأتها، ومنها إصلاح التعليم وإصلاح سوق العمل، لأنه من المتوقع أن نتحرك مستقبلا لإصلاح مفاهيم كثيرة ستكون قد انتكست ومنها: المواطنة – قيم العمل – القيم الأخلاقية – مفاهيم الاحترام وتشكيل شخصية الإنسان البحريني.

سعيد محمد سعيد

على رأس الحكومة؟!

 

اللصوص يسرقون، لكن اللوم سيقع على رأس الحكومة لا محالة؟

بعض من يخونون الأمانة، ويستغلون مناصبهم، ويلعبون على كراسيهم، يسرقون، فينكشف المستور، ومن ثم تتلاقف ألسنة الناس أسماءهم حال تقديمهم إلى المساءلة القانونية… لكن اللوم سيقع حتما على رأس الحكومة؟

مسئولون أجانب في شركات كبرى، يأتون الواحد تلو الآخر، ليملأوا كروشهم وجيوبهم وحساباتهم في مصارف الخارج، ويملأوا (بعض) الصحف هرجا ومرجا بإنجازاتهم الكاذبة وجهودهم الجبارة في تحقيق الربحية وإعادة الربحية، وتجاوز الخسائر ودخول مرحلة المستقبل، ثم نسمع، ويا غافل لك الله، عن أن فلان «فر» من البلاد، و«فلتان» شال عليه!

متنفذون و «مسيطرون» يتجاوزون الحدود، فيستولون على أراض وساحات وبحور وبساتين، وهناك من يتخاذل معهم في الخفاء، وتجري الأمور على خير ما يرام، لكن في النهاية، ستتلقى الحكومة ثورة الغضب…

كل ذلك أمر طبيعي، ولهذا، فإن من الطبيعي أيضا، أن ينعكس هذا الأمر على الوضع المعيشي للمواطنين، وبالتالي، فإن الحديث عن مستوى فقر نسبي في البلاد، هو واقع يدفع في اتجاه إزالة المسببات أولا… لذلك، كان ملفتا التصريح الذي نشرته «الوسط» في صدر صفحتها الأولى صباح أمس، على لسان الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والمنسق المقيم لأنشطة الأمم المتحدة سيد آغا، الذي قال فيه إنه وبحسب التعريف العالمي للفقر، فإنه لا يوجد فقر في البحرين، وإنها تقع ضمن قائمة الدول التي تعاني من الفقر النسبي، الناتج عن سوء في توزيع الثروات الوطنية!

هنا بيت القصيد؟! ولكن أين هي الثروات وكيف يجب أن يتم توزيعها؟ ومع هذا، فإن التعريف الذي تعتمده الأمم المتحدة للفقر، الذي ينطبق على الأفراد الذين يقل مدخولهم اليومي عن الدولار الواحد، لا يمكن اعتماده في البحرين، وهي التي يصل أقل مدخول للأفراد فيها إلى 5 دولارات في اليوم الواحد، وكل تلك المعلومات المستقاة من مكاتب الأمم المتحدة العاملة في البحرين تعتمد لتحديد نسبة الفقر، وهي الأخرى معتمدة على مسح أجري العام 2003، وأنه لم يتم عمل أية مسوحات حديثة لتحديد هذه النسبة فيما بعد، وهنا، أريد أن أوجه اللوم إلى بعض المؤسسات والأفراد الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، ووقفنا نحن معهم أيضا: «أين توصلتم في دراساتكم عن الفقر في البحرين؟ وما النتائج؟ وكيف ستوظفونها؟».

تبدو الحاجة فعلية في المجتمع إلى أن نكون صادقين في معالجة مشكلة الفقر، نسبية كانت أم أكثر من ذلك! لكن لابد من أن نحذر المجتمع من أن اللعب على عواطفنا تحت شعار «مكافحة الفقر» أمر مرفوض، وما نطمح إليه، هو أن نجد دراسات علمية قوية… إن رفضتها الحكومة، ستقبلها وتعتمد عليها منظمات عالمية، بدلا من الاعتماد على معلومات «مسح» أجري قبل أربع سنوات!

سعيد محمد سعيد

ومع ذلك… عيدكم مبارك!

 

إذا كان المقدر والمحتوم علينا أن نعيش في رداء السوداوية والتشاؤم والرضوخ لأفكار أصحاب القضبان العقلية، فهذا يعني أن أولادنا أيضا – ويا حسرة عليهم – لن يكونوا أفضل منا حالا! اللهم إلا إذا استطعنا أن نزرع فيهم روح المبادرة وعدم السكوت على المغلوط من القول والفعل، لكن هيهات لفاقد الشيء أن يعطيه!

صبرا أيها الأحبة، فلايزال في المقدمة شيء ليقال… فليس من المعقول أن نودع شهر رمضان ونستقبل عيد الفطر المبارك ببعض الممارسات التي لابد من أن نلتفت إليها حتى لا يموت معنى الإنسانية في ديننا وموروثنا الإسلامي والإنساني والأخلاقي.

يكفي أن الناس تعيش طيلة شهر رمضان المبارك، وعلى مدى أكثر من خمسة أعوام مضت، في جو من المسلسلات ذات الحكايا والسيناريوهات الفاشلة من ناحية المعالجة الدرامية، والتي تكتفي بمقولة “لم الاعتراض، هذا ما يحدث في المجتمع فعلا”، وكفى!

يكفينا ما اعتاد عليه بعض المشايخ والخطباء، في أقدس البقاع وأطهرها، من دعوات للقتل والتدمير وسفك دماء المخالفين… يكفينا ما نشهده، في كل شهر فضيل، من مآسٍ سببها أبناء الأمة، والأفدح من ذلك وأشده ما يصدر عن “علماء الأمة”، أو ما يمكننا أن نسميهم تجاوزا علماء الأمة، وهم والله أقرب ما يكونون الى “ظلماء” الأمة… واذا كان هناك من يود الاعتراض، فليستعرض أكثر الخطب والمحاضرات والفعاليات التي شهدها شهر رمضان الماضي، أعاده الله على الجميع، ليكتشف كيف أن هناك من أصدر دعاوى صريحة وواضحة، ليس للإقصاء، والتضييق والتهجير فحسب، بل للقتل!

والمشكلة الكبرى، وهنا بيت القصيد، أن المجتمع الذي تزداد فيه العقول المتعلمة عاما بعد عام، لم يتمكن من أن يصنع من حملة تلك العقول طاقات تعمل ما تعلمته لتصبح لها آراؤها ومواقفها المحترمة، أيا كان اتجاه ومشرب ومسلك معتقنها، على ألا تصطدم بأهم عنصر في التعايش وهو الاستقرار الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.

لقد بان الإرهاق والتعب على المسلسل العربي الخليجي الجماهيري الكبير “طاش ما طاش” في سنته الخامسة عشرة، لكنه قدم الكثير، ويمكنه أن يقدم الكثير، ولولا ما هو محاط به من قيود الظلاميين و “الظلماء”، لكانت الفضائح، التي لن يفشل فريق العمل في معالجتها، كبيرة كبيرة، ولكانت ردود الفعل أشد وأقوى، فربما تحركت العقول المتعلمة (المجمدة) منذ مقاعد الدراسة الجامعية إلى مقاعد الوظيفة، ولأصبح لها دور فاعل في انقاذ المجتمع من حال السواد والتشاؤم والدماء والقتل.

وليست تلك أمنية، أو حلم، أو حتى مجرد خاطرة، لأن ذلك يحدث يوميا! وفي اعتقادي، أن الحركة الثقافية التجديدية في الخليج، سيكون لها رد فعل قوي ومؤثر جدا في مجتمعات الخليج قاطبة، وستقوم أمامها سيوف أحباب الله وحماة الدين، ممن يريدون المرأة “سلعة” مكرمة بالشعارات ومذمومة بالمعاشرة، وينظرون إلى الشباب على أنهم “قنابل”، ويضعون المجتمع كله بلا استثناء، تحت قبضتهم.

حتى في العيد، يجعلون الناس تتجه صوب الحزن…

وعلى كل حال… عيدكم مبارك.

سعيد محمد سعيد

العدل… شيعة وسنة!

 

يستحق اللقاء الذي عقده وزير العدل والشئون الإسلامية الشيخ خالد بن علي آل خليفة، مع العلماء والقضاة والمشايخ، أن يسجل في رصيد الوزير، الذي يبدو أنه من الرعيل الجديد من أبناء البلد الذين يريدون ضرب «الطائفية» ضربة قاضية، ونسأل الله أن يوفقه في هذه المهمة «الصعبة للغاية»!

لم يعد الأمر مرهونا بالشعارات فقط، ولا يمكن إطلاقا أن نقبل بعلماء وشخصيات من الطائفتين، يقدمون خطابا محتقنا، ولا تخطر على بالهم قيم التسامح وسعة الصدر، وقبول الآخر، والتحلي بالمرونة والأناة في التعامل، قدر ما يلح على أذهانهم التمايز والتفوق والهيمنة وإرضاء النزوات.

ما أردت قوله هو بمثابة دعوة إلى حماية المجتمع الديمقراطي، لأن هذا المجتمع يتطلب حماية، وهذه الحماية يمكن أن تكون عنصرا من عناصر الدعوة إلى مكافحة الطائفية وآفاتها ومخلفاتها المذهبية على كل مستوى من مستويات العمل السياسي. فـ «الديمقراطية الطائفية»، تشكل في حقيقة الأمر، الوجه القبيح للتفتيت، لمن تستهويه لعبة النفخ في العواطف الطائفية على حساب المصلحة الوطنية.

حتى توجهاتنا لتعزيز النسيج الوطني، تتطلب أن يرافق ذلك جو ثقافي وفكري وإعلامي حر متفتح، يبصر بمخاطر الطائفية، وتنقية التعامل مع الآخر من أية نزعة طائفية أو أفكار تنتقص من قيمة أية جماعة دينية أو قومية.

لكن، بعد كل ما تقدم، هل هناك من تصور يمكن أن نحدد من سياقه العام المسار نحو تقويض الأفكار الطائفية المعوقة للاستقرار الاجتماعي؟ بلا شك، ويمكن أن نبدأ بأمر رئيسي، وهو الولاء والمواطنة الصالحة الحقيقية والانتماء إلى البحرين ترابا وحكومة وشعبا وتاريخا وتراثا… مجموعة من القيم لا يمكن لكائن من يكون أن يشكك فيها.

وأريد بذلك أن أقول إن الإيمان بالوطن باعتباره وطنا للجميع لا يخضع للأفكار الدخيلة والمرفوضة، بل هو وطن للكل على تنوعهم الطائفي والقومي والسياسي والثقافي، وهو يقف على مسافة واحدة من الكُل الوطني، ويهبهم الحقوق نفسها ويُطالبهم بالواجبات نفسها.

ويعلم الكثيرون أن عماد الوطن الموحد والدولة المتماسكة ذات السيادة، يتمثل باعتماد مبدأ المواطنة أساسا لبناء الإنسان والمجتمع والدولة، وكذلك الإيمان بسيادة الديمقراطية والقانون الضامن للحقوق والواجبات الإنسانية والوطنية، وشمول الكُل الوطني بقيم المساواة والعدالة والحرية والمشاركة والمساءلة والشفافية والتنمية العادلة، باعتبارها ركائز مُنتجة لدولة المواطنة الصالحة والمتطوّرة.

نحن في حاجة إلى إعادة تأكيد التعايش والتناغم والسلام المجتمعي على قاعدة الاعتراف المتبادل بالآخر، واحترام خصوصيته وحقه الكامل في الوطن والدولة… باعتبارها أسسا لازمة لإدراك التحوّلات الراقية في البناء الإنساني والوطني.

سعيد محمد سعيد

في ستين داهية!

 

طبعا، لست أمتلك بيانات إحصائية أو حتى مجرد أرقام تقريبية عن أعداد المتسربين من التعليم في مختلف المراحل! لكنني على الأقل، أعلم بأن هناك مشكلة نطلق عليها مسمى «المتسربون من التعليم»، تقابلها أيضا إجراءات صارمة لتقليل أعداد المتسربين، وخصوصا من مراحل التعليم الثلاث: الابتدائي، الإعدادي، والثانوي، ومنها عدم الموافقة على فصل أي طالب من المرحلة الإعدادية، وإعادته غلى فصله الدراسي، مهما كان الأمر!

وفي الحقيقة، تصبح المشكلة مخيفة إذا علمنا بأن هناك من يتسكع في البلد بلا حرفة ولا شهادة! وهو يبقى مواطنا يجب على الحكومة إيجاد عمل له! لكن لا أدري شخصيا ما الذي سيفعله صبي في الرابعة عشرة من عمره… ترك مدرسته وتوجه مباشرة نحو النوم بلا توقف! أو أية حرفة يتقنها ذلك الغلام!

لكن اللوم أيضا على وزارة التربية والتعليم وعلى بعض المدارس!

وإليكم هذه القصة: شاءت الظروف أن يتم فصل طالب بسبب إهماله وكثرة تغيبه، وبعد مرور نحو أربعة أشهر من بدء العام الدراسي، طلب منه العودة غلى المدرسة! ففضل هو الحصول على إفادة لكي يلتحق بالتلمذة المهنية في مدرسة الجابرية الصناعية.

على رغم تعاون المشرف الاجتماعي في مدرسته السابقة، فإنالإفادة تأخرت! وبعد أن صدرت، توجه إلى التلمذة المهنية لكي يبلغه الناس بأن يأتي غدا، وإذا عاد غدا فعليه أن يأتي بعد غد… وبعد مرور نحو شهر، أبلغه أحد الإداريين في المدرسة بالقول: «ما في فايدة لا تتعب نفسك»! بالله عليكم، هل يمكن قبول مثل هذا الجواب؟!

هناك الكثير من الطلاب والطالبات، من تركوا الدراسة أو فصلوا لأسباب مختلفة، وهم في سن تسمح لهم بمواصلة الدراسة… هم يرغبون في ذلك، لكن بعض الإجراءات تحول دون عودتهم الى الدراسة، والأمثلة عندي كثيرة أحتفظ بها لنفسي… لكن لابد من لفت نظر المسئولين في الوزارة إلى ضرورة العمل على مراجعة الإجراءات والأنظمة المتعلقة بقرار الفصل، وكيف يتم؟ وما مدة أو فترة الرجوع عن هذا القرار في حال الرغبة في إعادة الطالب إلى مدرسته؟ وكذلك البحث عن إمكان استقطاب العشرات – إن لم يكن المئات – من الطلبة الصغار المفصولين من دراستهم، والتوسع في برامج التلمذة المهنية بحيث لا تقتصر على صباغة السيارات والسباكة والحدادة.

والأفضل من ذلك، بودي أن تطرح الوزارة مشروع توسيع البرنامج المهني للطلبة المفصولين، وتسعى للحصول على دعم القطاع الخاص لافتتاح ورش تعليمية تستقطب أولئك المتسكعين حتى الصباح والنائمين حتى الليل، بدلا من التباكي على كلمة «رجال المستقبل وعماد الوطن».

سعيد محمد سعيد

مئة فلس… روبية!

 

من الشائع والبديهي أن تضرب الأمثال بالمئة فلس (الروبية) في أشياء كثيرة في حياتنا اليومية:

– الذهاب إلى الخباز، عادة وغالبا ما تسمع كلمة «روبية خبز».

– بالنسبة إلى أولئك الذي ينظرون إلى الناس نظرة استحقار، فإنهم لا يترددون في وصف بني آدم، هم على خلاف معه، بالقول: «هذا عندي ما يسوى روبية»!

– أيام العيد، وما أحلى الأعياد، فإن العملة التي كانت ولاتزال تبعث على السعادة في الماضي والحاضر هي المئة فلس، وخصوصا بالنسبة إلينا نحن من عشنا ونعيش في القرى، فإن بيت فلان «يعطي عيدية روبية… روبية يا ناس» فإنه أفضل بيت طيلة ذلك العام حتى يعود العيد على بيت آخر و «ويعطينا روبية ونص أو روبيتين»، حتى يكسر الرقم القياسي السابق.

– شيء مهم في حياتنا، وحياة أطفالنا، وهو «النفيش» يا جماعة… «النفيش»، أيضا يذكرنا بالمئة فلس، وخصوصا «أبو الكيس المتوسط»… أما الآن فهناك أنواع من «النفيش» بالعسل وما إلى ذلك سعرها أكبر من الروبية.

لكن وامصيبتاه حينما نعلم بأن حصة شركة بالملايين يتم التنازل عنها بمئة فلس!

أنا شخصيا، ما إن قرأت الخبر، وحتى ورود تأكيدات وتفاصيل أخرى من طرف شركة «طيران الخليج» لتبيان الأمر بالكامل، تذكرت والدي – رحمه الله – الذي كان موظفا بشركة «طيران الخليج» حتى العام 2000، قبل أن يتوفاه الأجل، الذي كان يقول: «هالشركة يا ولدي كنز، وحبذا لو سميت كنز الخليج، ليكون خيرها – بالحلال – لأهل الخليج وغير أهل الخليج من طالبي الرزق، لكن ما يؤسف له أنها كنز للخواجات، الذي يسرقون منها ولا يشبعون، فكلما سرقوا جاعوا، وكلما جاعوا سرقوا».

والمصيبة أن نماذج الاختلاس والإثراء والاتجار تتكرر سنويا في بلادنا! فإما أن نكون نحن مغفلين وراضين عما يجري ونغض الطرف عنهم وهذه مصيبة من دون شك، وإما أن نكون على علم ورضا وهذه أكبر مصيبة.

على أية حال، وكما يقولون، فإن المال «السايب» يعلم السرقة، لكن الملاحظ اليوم، أنه حتى المال غير السائب أيضا يعلم السرقة… بودي أن أختم بالإشارة إلى أن هناك من الأشياء التي تذكر فيها «الروبية» تحديدا، أن يأتيك إنسان فقير أو متسول بالقرب من الإشارة الضوئية ليقول لك: «يا الله من مال الله» فلن تجد أمامك، – في الغالب أقصد طبعا والله يكثر أهل الخير – أفضل من الروبية لتعطيها لذلك المتسول. أما أن تأخذها أو تعطيها لشركات «المليارات»… فيا الله من مال الله يا ناس!