سعيد محمد سعيد

من سوء الحظ!

 

الحكومة لن تقصر… الحكومة تدرك وتسعى دائما إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين… الحكومة تدرس الكثير من البرامج… هناك تصورات لدى الحكومة لزيادة الرواتب… والحكومة… والحكومة والحكومة… وستبقى الحكومة هي الهدف الذي يجب أن يشفي غليلنا، وهي التي يجب عليها أن تسمعنا المزيد والمزيد مما نحب ونرضى.

ما نحبه ونرضاه هو أن نعيش كما يعيش بعض الأشقاء في دول مجلس التعاون… هناك، تنقل الصحف ووسائل الإعلام وكذلك المواقع الإلكترونية قرارات الزيادات بستين وسبعين وثمانين وتسعين ومئة في المئة، فتفوح من رؤوسنا «دخاخين» لا مثيل لها… لا في زيادة الـ 15 في المئة، ولا في غيرها التي لم تصل إلى مستوى الطموح وهي قليلة عموما.

من سوء الحظ أن التحولات المشابهة حولنا في منطقة الخليج متسارعة بصورة أكبر، وإذا ما تجاوزنا جانب اختلاف الإمكانات والموارد المالية وما إلى ذلك، فإننا لا نستطيع تجاوز موجة الغلاء التي تطحن أولنا وآخرنا في دوران لا يتوقف! وإذا كنا لا ننظر إلى موضوع زيادة الأجور على أنه مطلب لمواجهة غول الغلاء وارتفاع الأسعار وصعوبة تحقيق الحلم في الحصول على مسكن مناسب، فما الذي سينظر إليه المواطن؟

ولكن، هل الحكومة مقصرة بعد كل ذلك؟

من وجهة نظري المتواضعة، فإن الحكومة مقصرة، والمؤسسة التشريعية الممثلة في المجلس النيابي مقصرة أيضا، لأنه لا يوجد هناك توافق على ما يبدو للتعامل مع مسألة تحسين الأجور على أنها مسألة مرتبطة بالحياة اليومية ولقمة العيش وليست مرتبطة بالرفاهية… وإذا كانت الصحف تمتلئ بالمقالات والأعمدة والكتابات من الصحافيين والقراء العاديين، فإن ذلك لا يمكن أن يعطي انطباعا عن صعوبة الوضع… بل صعوبته وحقيقة شدته تظهر من خلال تغطية التزامات آخر الشهر المالية التي تجعل رب الأسرة بعد أن ينهي «الحسبة» معرضا لأشد أنواع الهجمات المرضية فتكا.

ومن سوء الحظ أننا لا ننفك ننظر إلى قرارات الزيادة التي صدرت في الإمارات والكويت وقطر، ونجد أنفسنا «نلطم» ألما وحسرة، ويجد البعض منا فرصته السانحة للبكاء الحار، ولكننا في كل الحالات سنبقى متطلعين إلى ما يمكن أن يبعث في قلوبنا السرور… فشهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، هو الشهر الوحيد الذي يشعر فيه الناس بحقيقة الاعتزاز والانتماء الوطني! وأقول ذلك بكل صراحة، لأنه الشهر الذي يلتقون فيه مع خطاب سامٍ يوم السادس عشر من ديسمبر، فينتظرونه بكل شوق ولهفة لأن فيه الخير الكثير، وفي هذا الشهر، يا صاحب الجلالة، سينتظر الناس منكم ما يشيع الفرح والسعادة كما عودتموهم دائما… لينعم الوطن بالاستقرار والرفاه والعافية.

سعيد محمد سعيد

38 قرية… وضواحيها!

 

تتصدر قرى المحافظة الشمالية قائمة المناطق ذات الاحتياج الأكبر إلى الخدمات من مختلف النواحي، فهذه المحافظة التي يصل عدد قراها إلى 38 قرية ويزيد، ويتراوح عدد سكانها ما بين 160 و 180 ألف نسمة، عكست الصورة الطبيعية الاعتيادية لمفهوم التوزيع المدني، فللمدينة ضواح، لكن أن تصبح للقرية ضواح فهذا يعني أن الصورة معكوسة فعلا!

لكن كيف يمكن تقويم هذه الصورة، المعكوسة كما أقول؟! ليس لذلك من سبيل إلا تقديم الدعم الحكومي بصورة أكبر لهذه المحافظة دون غيرها من المحافظات! استنادا إلى التعداد السكاني والنقص الكبير في مرافق خدماتية متعددة بدءا بالإنارة وانتهاء بالمشروعات الإسكانية. وإذا كان السبيل هو ضخ المزيد من الدعم الحكومي ماليا واداريا، فإن للمحافظة الشمالية وللمجلس البلدي للمنطقة الشمالية ولكل تفريعات الوزارات الحكومية خصوصية من هذه الناحية، نأمل من مجلس الوزراء أن يوليها دراسة خاصة لتغطية احتياجات المواطنين في هذه البقعة المهمة، ولسنا هنا نغفل دور وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، ولا دور وزير شئون البلديات والزراعة منصور بن رجب في هذا الاتجاه، لكننا في انتظار تسريع الخطوات التي أمرت بها القيادة على صعيد المشروعات الإسكانية والاجتماعية والتربوية والترفيهية أيضا.

وعلى رغم الاتصالات والتنسيق والعمل الدؤوب من جانب المواطنين في المحافظة مع مختلف الجهات… وعلى رغم النتائج السلبية غير المنجزة، فإنه لا أحد يلوم أهالي قرية القلعة أو المقشع أو الجسرة أو كرانة وسائر القرى لتقاعسهم في التحرك، وكذلك الحال بالنسبة إلى المسئولين، فلدينا اليوم في المحافظة الشمالية دور جديد يحمله المحافظ الجديد جعفر بن رجب، وهذا الدور له تبعاته الكبيرة ومساره الذي حمله سلفه أحمد بن سلوم بكل أمانة، وبذل ما في وسعه من جهد لتحقيق ما أمكن تحقيقه على رغم صعوبة الظروف ومغالق المسارات.

على أية حال، يعلق المواطنون في المحافظة الشمالية على محافظهم الجديد بن رجب الآمال الكبار، ولذلك، نأمل أيضا أن يكون للحكومة وجودها في تحقيق ما يتمناه المحافظ بن رجب والمواطنون في قرى الشمالية من أقصاها إلى أدناها، والثقة كبيرة في أن الجميع لن يقصروا أبدا

سعيد محمد سعيد

مجهولون يختطفون الأطفال

 

منذ حادثة اختفاء الطفل بدر، في قرية سماهيج ظهيرة يوم الثلثاء العاشر من يونيو/ حزيران الماضي، تضاعف الاهتمام بمراقبة الأطفال من جانب الكثير من الأسر… وخصوصا تلك التي لا تولي هذا الأمر أهمية! ولا تدري أين يذهب أطفالها حين يخرجون من المنزل، ومع من يلعبون، بل وأين يلعبون، ولربما خرج الأطفال من دون علم ذويهم!

لكن منذ فترة، وأنا شخصيا أسمع أحيانا، وأتلقى اتصالات في أحيان أخرى، بشأن وقوع محاولة هنا أو هناك لاختطاف أطفال تبوء بالفشل… فأحد الآباء يقول إن طفلته البالغة من العمر 12 عاما كانت في طريقها إلى البقالة مع شقيقها الصغير البالغ من العمر 4 سنوات، عندما اقتربت منها سيارة شحن صغيرة وفيها اثنان من الآسيويين طلبا من الطفلة أن تركب هي وشقيقها السيارة (زرقاء اللون)، فهربت وهي تصرخ، ما جعل سائق السيارة يولي هاربا أيضا!

وفي قصة أخرى، يقول أحد المواطنين أن طفله البالغ من العمر 10 سنوات تعرض لمحاولة اختطاف من جانب شخص «بحريني» دعاه إلى ركوب السيارة، لكنه رفض وصرخ حتى سمع بعض المارة صراخه وركضوا نحوه ليولي المجهول هاربا، ولم يتمكن أحد من التعرف على شكله أو تدوين رقم سيارته… أما القصة الثالثة فكانت قصة طفل عائد من المدرسة عندما لاحقته سيارة فيها آسيوي حاول الإمساك بالطفل، لكن الأخير تمكن من الهرب ليبلغ أهله بما حصل ويصف لهم السيارة وشكل الآسيوي.

الغريب في القصص التي وردتني، أنها كانت مشتركة في الإجابة على سؤال واحد: «هل أبلغتم الشرطة بما حدث؟»، فيكون الجواب: «لا»؟!

وبغض النظر عن صحة تلك القصص من عدمها، تحدثت إلى مسئول أمني بشأن ما إذا كانت هناك بلاغات وردت إلى الأجهزة الأمنية بشأن وقوع محاولات لاختفاء أطفال، فكان الجواب بالنفي أيضا! وهذا ما حصل مع النائب الشيخ حمزة الديري الذي أبلغه الأهالي قبل فترة عن محاولة اختطاف طفل في قرية الدير لكن من دون وجود معلومات كافية بشأن الحادث، لكنه تحدث في الصحافة محذرا من إهمال الأطفال وعدم مراقبتهم في الوقت الذي تنشط فيه بعض العصابات في بعض الدول لتتاجر في الأطفال.

ويبدو أنه من الأهمية بمكان أخذ الحيطة والحذر، سواء صحت تلك القصص أم لم تصح، فمنذ اختفاء الطفلة فاطمة في العام 2002 واختفاء الطفل بدر في العام الجاري، لايزال هناك أطفال صغار يتسكعون في الشوارع ويتجولون في المزارع ويتجهون إلى السواحل في غفلة من الأهل، ولعل الخطوة الأولى لمنع تكرار حوادث اختفاء الأطفال، هي زيادة اهتمام الأسر بأطفالها الذين يذهبون إلى كل مكان وفي أي وقت! وكذلك تحمل المسئولية المجتمعية من جانب الأفراد قبل رجال الأمن في حال رؤية طفل في مكان يجب ألا يكون فيه! ومتى ما كان الناس متيقظين، فلن يكون للمجهولين وجود، والعيون ترقب تحركاتهم.

سعيد محمد سعيد

الآسيويون يغزون القرى أيضا!

 

كان للملف المهم الذي فتحته «الوسط» قبل فترة وجيزة بعنوان: «هندوة المنامة» وقع كبير في أوساط المجتمع البحريني… ذلك أن الملف لفت النظر إلى مشكلة قائمة ومعلوم عنها، لكنها مغيبة من ناحية الاهتمام من جانبيه: الحكومي والأهلي! وهي الحفاظ على أصالة ومكانة المنامة كونها عاصمة للمملكة، وكونها اسما يلمع يوما بعد يوم في كل أصقاع الدنيا.

ما بدا واضحا هو أن هناك الكثير من المسئولين والكثير الكثير من المواطنين، تجاوبوا بشكل كبير مع الملف مؤكدين سلامة وموضوعية أسلوب المعالجة… فلم يتعرض الملف إلى توجيه الإهانات إلى العمالة الوافدة، ولم يعرض إنسانيتها وأرزاقها للتهكم، ولذلك، فإن الأوان قد حان لإعادة النظر في وضع العاصمة… عاصمتنا التي فقدت الكثير من أوصافها البشرية والتراثية.

لكن، لنكن أكثر صراحة: من الذي تسبب في كل ذلك؟! سيكون المتهم الأول هو المواطن نفسه! نعم، المواطن الذي يقبل، بل ويعرض تأجير عقاره على الوافدين، حتى وإن كانه جيرانه غير موافقين، ليتتابع الجيران بعد ذلك واحدا تلو الآخر، وتصبح الصورة أكثر سوءا في أحياء ليس بها إلا الأجانب.

بالمناسبة، هل جرب أحدكم التجوال في قرية من قرى شارع البديع في الصباح الباكر؟ أو في حي من أحياء مدينة عيسى أو المحرق؟

من جرب، سيعلم أن الصورة الأكثر شدا للانتباه هي كثرة حركة الآسيويين هنا وهناك، تقابلهم تنقلات العجائز من كبار السن في القرية! فمن المسئول عن سكن العمال الأجانب بين العوائل؟!

هذا السؤال، يدفعه بقوة مجلس طلبة العلوم الدينية في قرية البلاد القديم… وهو لا يعني لافتة قماشية معلقة على أحد الجدران، بل يخبئ وراءه تحركا لتوعية الأهالي والمقيمين من العوائل بخطر السماح بازدياد أعداد العزّاب من الأجانب في أنحاء القرية، وهم يطالبون أيضا بإيجاد قنوات مع الجهات ذات العلاقة لبحث هذه الظاهرة، وأولها المجلس البلدي.

لكن السؤال الرئيسي لم يتغير: من الذي سمح بسكن العمال الأجانب، أليس المواطنون أنفسهم؟

عموما، لا يمكن إخلاء المباني من العمال الذين يسكنون فيها، لكن يمكن النظر في ما بعد انتهاء العقد، ثم، العمل على عدم السماح بتأجير المساكن والعمارات على العزّاب من الأجانب وسط الأهالي، ولا ندري كيف سيتم تنظيم آلية تتعلق بمواصفات سكن العمال الأجانب؟

سعيد محمد سعيد

الدماء الرخيصة في «منتدى الأمن»

 

كان منتدى الأمن العالمي والداخلي: الشرق الأوسط، الذي شهدته البحرين خلال الفترة من 19 إلى 21 من الشهر الجاري، بمثابة تحد حقيقي كبير للبلد! فمؤسسة «كرانس مونتانا» كانت تدرك أن هناك مجتمعا دوليا لم يعد آمنا، في الوقت الذي لاتزال فيه التهديدات الإرهابية تشكل هاجسا مقلقا لهذا المجتمع… بل يمكنني القول إن هناك قصورا في فهم الدور التضامني بين كثير من الحكومات والشعوب في موضوع التعاون والتعاضد في المعركة ضد «الإرهاب»!

هذا الموضوع قد نتحدث عنه في وقت آخر… لكن فكرته اختصارا هي غياب الوعي الوطني بمسئولية كل مواطن راشد في حماية نفسه وحماية الآخرين والتصدي أولا للفكر المنحرف، قبل الفعل المنحرف!

بالمناسبة، حدث أن اتصلت إحدى المذيعات التابعات لإذاعة عالمية مرموقة بأحد الإعلاميين البحرينيين في المركز الإعلامي التابع لمنتدى الأمن لتسأل: «لماذا كل هذا التكثيف والتشديد الأمني بشأن الفندق والمناطق القريبة منه، في حين أننا راجعنا القائمة فلم نجد هناك شخصيات تستدعي كل هذا التكثيف الأمني لحمايتها؟»، فأجابها بسؤال، إن أجابت عليه هي سيكون لديه جوابه المباشر على سؤالها، وهو: «هل تعتقدين أن دم العامل البسيط الذي يعمل في الفندق…رخيص؟ هل تعتقدين أن دم ما يزيد على 500 مشارك (من خلق الله) ماء؟… إن حدث مكروه فهم إلى الجحيم؟»، فقالت: «لا، لا، طبعا طبعا… المعذرة عموما على سؤالي… أعتقد أنه سؤال غبي ووقح ولم أفكر فيه؟ شكرا مع السلامة».

عموما، كان ذلك المنتدى بمثابة حدث كبير جذب عيون العالم كلها، والفخر، أن يعلن وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، أن منتدى العام المقبل سيعقد في البحرين أيضا، ليعطي بذلك دلالة ضمنية على أن مؤسسة «كرانس مونتانا» وكذلك هيئة الأمم المتحدة قبلها، أدركتا أن منتدى الأمن في البحرين فعل ما لم تشهده المنتديات السابقة من مستوى احترافي في التنظيم والأبحاث وقوة الحضور والمناقشات.

في ليلة ختام المنتدى، وقفت شخصيا استمع إلى رئيس اللجنة المنظمة للمنتدى، ورئيس الأمن العام اللواء عبداللطيف الزياني، مخاطبا من شارك في التنظيم من رجال أمن وموظفين لم ينم بعضهم طيلة أسبوع كامل… أي قبل انعقاد المنتدى، فقال كلمة بسيطة لكنها معبرة: «لقد قدمتم إلى العالم صورة مشرفة ليس للشرطي البحريني فحسب، بل للإنسان البحريني المتطلع إلى النجاح والتميز، لذلك، كانت الثمرة كبيرة، فمنتدى العام المقبل هو التحدي الجديد لنا جميعا».

سعيد محمد سعيد

محركات «الفتن الطائفية»

 

لو قدر لنا أن نرصد التصريحات الصحافية الصادرة عن القيادة، وتوجيهاتها بشأن الحفاظ على الوحدة الوطنية والتصدي للممارسات الطائفية، لوجدناها تملأ الكثير من السجلات والملفات! ولو قدر لنا أن نجمع ونحفظ المقالات والأبحاث والدراسات والإصدارات التي تحذر من الخطر الطائفي، وتشدد تأكيد «التحصين» باعتباره مانعا قويا ضد أي انفجار يدمر المجتمع… لوجدناها أكثر من أن تحصى.

لكن لو قدر لنا أن نتحدث عن مفعول كل ذلك في نفوس البعض، لوجدناه لا يتجاوز الصفر!

في البحرين، هناك محركات للفتن الطائفية لا تستند إلى قيم دينية أو أخلاقية أو وطنية، وإنما تستند إلى متطلبات «أجندة» سرية هنا، وتخطيط سري هناك، والأخطر من ذلك، أن هناك من أصبح يعبث بفتيل الطائفية على مستوى الطائفتين الكريمتين في البلاد! لكن المشكلة الأكبر، والخطر الأكبر، والكارثة الكبرى هي استمرار الممارسات المغلفة بالدين!

القصص في المجتمع البحريني كثيرة، وهي ليست بعيدة عن المدارس! ولهذا، كان تأكيدنا أن البيئة المدرسية، بكل مضامينها ومجاميعها البشرية من هيئات إدارية وتعليمية وطلبة، يجب أن تكون في منأى عن هذا النوع من الممارسات، حتى لا يتأثر كل المجتمع. لايزال في المدارس معلمون ومعلمون يشعلون فتيل الفتنة من خلال إصرارهم على إعادة الخلافات التاريخية بين الطائفتين… لايزال هناك من الطلاب والطالبات من يؤدي دوره المدفوع من جانب بعض «المدسوسين» ليبث السموم في المدارس بين زملائه… لايزال من يستخدم المدارس ذاتها منابر للتحريض بمساريه: مسار التحريض ضد الدولة، ومسار التحريض ضد الطائفة!

وهناك من يعلم أن ما يقوم به من عمل يعرضه للمساءلة القانونية لكنه «يفعل» لأنه مطمئن تمام الاطمئنان من أن (لا أحد يستطيع إسكاته).

وعلى أية حال، مازلنا نسمع ونرى ونشاهد أفعال «محركات الفتنة» في المجتمع، لكن من وجهة نظري المتواضعة، فإنني أرى أن الوقت ملائم جدا لأن يكون للقانون دوره في ردع كل من بدأ وواصل مسيره في شحن المجتمع ضد بعضه بعضا، ونقصد بالقانون، تلك النصوص التي تنظم العلاقات بين الناس… والناس هم أهل المجتمع الذين يجب أن يستعينوا بالقانون لردع أصحاب الفتنة، فهؤلاء لا يصلح معهم التهادن أو الكلام اللين، ولا تصلح معهم لا مسيرات ولا يحزنون

سعيد محمد سعيد

يحدث في المدارس

 

طبقا لتجربة شخصية، في عضوية مجالس الآباء بالمدارس، أدركت أن هناك مشكلة في التواصل بين إدارات المدارس وبين الكثير من أولياء الأمور! والأكثر إثارة للقلق في هذا الأمر، هو افتراض سوء النية من جانب شريحة من أولياء الأمور في نوايا المعلمين والمعلمات، حين يتعلق الأمر بتطبيق لوائح الانضباط على الطلبة ومتابعة تحصيلهم الدراسي واستدعاء أولياء الأمور في حالات يجب فيها وجود الطرفين: المعلم وولي الأمر وجها لوجه لمناقشة موضوع مهم يتعلق بالطالب أو الطالبة.

ويبدو أن هذه المشكلة ليست خافية على الكثيرين… فبين فترة وأخرى، يكون السبب في الشجار بين إدارة المدرسة وولي أمر، إصرار الأخير على أن الإجراء المتخذ ضد ابنه أو ابنته هو إجراء «كيدي» لا علاقة له بالخوف على مصلحة الطلبة! واذا ما تشعب هذا الاعتقاد وترسخ وتعقد، يصبح من الصعب شرح أهم رابط بين المدرسة والبيت، وهو التواصل من أجل التشاور والتباحث بخصوص مسيرة الطلبة في التحصيل.

وإذا سلمنا بأن هناك أولياء أمور يدركون صدقية واخلاص إدارة المدرسة في الهدف من التواصل مع ولي الأمر من أجل مصلحة الطلبة، فإن هناك شريحة، ومع شديد الأسف، ترفض هذا التواصل باعتباره لا ينبع من دافع الحرص على تحصيل الطلبة، بل يعود إلى دوافع انتقامية مخفية في نفس المعلم أو المعلمة تجاه الطالب أو الطالبة، ومن أمثلة ذلك الكثير، ففي بعض الحالات، يتحول الاجتماع بين ولي الأمر والمعلم إلى صراخ وشجار واتهامات من طرف ضد الآخر… فولي الأمر يشدد على عدم اكتراث المدرس بوظيفته، والمعلم يلقي باللائمة على ولي الأمر في أنه مهمل ولا يهمه أبدا متابعة مستوى ابنه أو ابنته في الدراسة.

من المشاهد المؤسفة، التي يمكن أن نراها بين الحين والآخر، هي تلك التي تتسم بالاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وحدث أن استدعى مربي الفصل ولي أمر طالب يتلفظ بألفاظ سوقية وشتائم وسباب، ويستخدم عبارات غير لائقة مع زملائه، ويقوم ببعض الحركات والسلوكيات المشينة، وبدلا من أن يجلس ولي الأمر ليستوضح الأمر تشاجر مع المعلم متهما إياه بأنه يحاول تشويه صورته كونه ولي أمر لم يحسن تربية ابنه المهذب الذي من المستحيل أن يقول كلمة جارحة أو يتلفظ بلفظ خادش للحياء أو يأتي بحركة فيها من قلة الأدب ما يوجب عقابه!

في المقابل، قد يكون هناك من المعلمين والمعلمات من يتقصد الإساءة إلى طالب أو طالبة، لكني لا أعتقد أبدا أن نسبة هؤلاء كبيرة حتى تؤثر على سلامة العلاقة بين البيت والمدرسة. المهم، هو أن يكون لمجالس الآباء نشاط لا يقتصر على اجتماعات دورية داخل المدرسة ولا نرى لها من أثر في تعزيز تلك العلاقة، فالمطلوب من وجهة نظري المتواضعة، هو تنشيط الفعاليات واللقاءات الصريحة، وبصورة أكبر بين الطرفين، تتعدى أسوار المدرسة لتشمل النادي الرياضي والجمعية والمركز الشبابي والمسجد، في لقاءات وندوات تحذر من مخاطر اضطراب العلاقة، وتقدم حسن النوايا لمصلحة التحصيل الدراسي لأبنائنا.

سعيد محمد سعيد

رأس «الهمبايه»!

 

هذه فسحة للذهاب إلى الوراء، إذ أيام الطفولة ومراتعها وبراءتها وجمالها، سأصطحب معي فيها القراء الأعزاء، علنا نخفف على أنفسنا قليلا من العناء الذي تمثله الصحافة وكتابات الصحافة وأرق الصحافة وبلاويها!

ولا أجد الفرق بين ما كنا نعيشه أنا وأندادي في قرانا الصغيرة، وبين قصة «توم سوير» الشهيرة التي تحولت إلى مسلسل كارتوني بريطاني شهير، إنما الفارق الوحيد بيننا هو أن شعرهم أشقر وبشرتهم بيضاء، بينما شعرنا في الغالب «ليفة» وبشرتنا «جلحة ملحة»!

لماذا أريد العودة إلى ذلك الشريط؟ وسأقولها بصراحة: أريد أن أقنع عقلي بأننا في ذلك الوقت، ما كنا نعيش أو نفهم أو نشعر بالطامة الكبرى التي سقطت على رؤوس أهل البحرين من طائفية وتمييز ورغبة في الاقتتال والاحتراب على أمور دينية ودنيوية… الأمر سيان! ولست هنا أريد العودة إلى سن الثامنة أو العاشرة باستخدام «ساعة الزمن»، ولكنني أريد أن أقول شيئا قد يكون خطيرا بالنسبة إلى كل المواطنين: «لا تتوقعوا للطائفية نهاية في بلادنا، ولا تحلموا بأن تسير الأمور على ما يرام، ولن يحدث ذلك إلا حينما تقرر الحكومة أن تكون قبضتها حديد، لتحطيم كل طائفي، وكل حرامي، وكل مشارك في التقارير والتنظيمات، وكل عميل داخليا كان أم خارجيا، وكل فرد تمتلك عيناه وأذناه ويداه ورجلاه القدرة على توجيه الفعل الموجع للبلد».

أعود إلى أيام الطفولة أحسن…

في قرية «البلاد القديم» كانت هناك عين ماء صافية تسمى عين «أم الرمل»، وكانت هذه العين بمثابة العشق الأسطوري لكل من يعرفها، وليس لأهالي القرية فقط، وكنت من بين مجموعة من الصبية الذين لا تطلع شمس يوم إجازة إلا ونحن في حضن العين، أو متجهين إلى العين بعد العودة من البحر الجميل «سابقا»، خليج توبلي «حاليا»! فالمرور على عين «أم الرمل» يعني البقاء أحياء حافظين للعهد الوثيق مع هذه العين التي تمثل الارتباط بالأرض بالنسبة إلينا… ويا لها من أرض، إذ كنا نحفر على ارتفاع قدم واحد، فنجد تلك الحفرة الصغيرة وقد امتلأت بالماء بعد لحظات قصيرة… الأرض كانت يومئذ زاخرة بالحياة!

فجأة، وجدنا «راس الهمبايه» يباغتنا فجأة! وكنا نشعر أنه يصر على إبعادنا عن عشقنا لهذه الأرض ولهذه العين… عين أم الرمل! «راس الهمبايه» كان شخصا أملس الرأس، ويبدو من هيئته المائلة إلى الحمرة أنه ليس من أهل البحرين إطلاقا، ولم نسمعه قط يتحدث… إنما «يحمر عينيه» ويزمجر بقوة مثل زئير الأسد، فيكفينا هذا لكي نهرب بعيدا كوننا أطفالا وهو شاب ضخم وطويل.

لم نعرف اسمه، إذ كان غريبا، لكنه لم يكن أديبا، لذلك أطلقنا عليه أنا وأصدقائي من أهل القرية «راس الهمبايه» للشبه الكبير بين رأسه وحبة المانجو، وعلى رغم أننا كنا ومازلنا نحب الهمبة، لكن «راس الهمبايه»، سنظل نكرهه إلى الأبد لأنه لايزال يلوث عين «أم الرمل»!

سعيد محمد سعيد

ردود «المعلمين والمعلمات»

 

ليسمح لي الأخوة والأخوات المعلمين والمعلمات وكذلك المسئولين بوزارة التربية والتعليم أن أشير إلى أن السلسلة التي نشرت هنا في الأسابيع الماضية تحت عنوان: «المعلمون والمعلمات… المنقذون والمنقذات»، لم تهدف إطلاقا إلى إثارة «المشكلات» أو تأجيج الوضع! ولو كان الأمر كذلك، فسيكون كل ما تكتبه الصحافة من نقد تحت طائلة التحريض، وهذا ليس صحيحا.

لكن الغاية، هي إيصال وجهة نظر الكاتب مستندة إلى قراءة للمشكلة، ولم نهمل تعقيبات العاملين في قطاع التعليم، باعتبار أنه حال من التواصل، وسأقدم هنا بعض الردود التي وردت أخيرا:

– هذا التعقيب ورد من «ضائعة» قالت فيه: «أشكرك على على هذه اللفتة الكريمة للفئة المنسية وأوافقك فيما جئت به، وتعليقي هنا تحديدا على هذه الجملة: (ارتباطا بالنقطة السابقة، انتشرت مقولة إن «الكثير من المعلمين والمعلمات ليسوا أهلا للمهنة»، لذلك، فإن مستوى التعليم (دراسيا) ومستوى التوجيه (أخلاقيا)، وأريد القول أن من تتحدث عنهم هم العلة اللي اشترتها الوزارة من حر مالها! فهناك شريحة كبيرة من المدرسين أجبروا على العمل مدرسين على رغم عدم امتلاكهم لمؤهل التربية بسبب عقد الابتعاث الذي ألغي قبل بضعة أشهر… الوزارة تبتعث الطلاب في مختلف التخصصات وعندما يتخرجون لا تجد لهم سوى وظيفة مدرس مهما كان اختصاصه… فالوظائف الإدارية في الوزارة شاغرة لفئة معينة… حتى وإن ألغي القرار لا يستطيع هؤلاء المدرسون تقديم استقالاتهم على الفور بعد أن ضاعت منهم فرص عدة، فهل سيجدون وظيفة أخرى بين لحظة وضحاها؟!».

– من معلمة تعاني من التمييز الطائفي كتبت تقول: «لن يكون هناك إصلاح للتعليم إلا بعد مكافحة الفساد في وزارة التربية والتعليم! فهناك مسئولون طائفيون وعنصريون، وأصبحت الوظائف تعطى للأهل والأصدقاء والأحباب».

– من مدرس محايد، كتب يقول: «لا ضير في الاعتراف بأن هناك مشكلات كثيرة تعاني منها وزارة التربية والتعليم، وهي وزارة كبيرة والله يكون في عون وزيرها! لكن من المهم القول إن سلبية بعض إدارات المدارس وعدم رغبتها الجادة في تقديم حلول لتلك المشكلات تضاعف من حجم المشكلات، والقول إن المسئولين لا يتجاوبون مع ما تطرحه الإدارات من تقارير بالنسبة إلى المشكلات القائمة صحيح، إلا أن هذا يجب ألا يكون سببا للتوقف… لابد من مواصلة المشوار لحين الوصول إلى حل».

وبعد، سيكون هناك كلام كثير يطول ويطول بشأن أوضاع المعلمين والمعلمات، لأنهم – كما قلت – المنقذون وهم الذين يستطيعون تشكيل صورة المستقبل للأجيال القادمة، فلا أحد يتمنى استمرار حال الإنتاج المتدني في العمل، والسلبية في الحياة العامة، والتضارب في المفاهيم بدءا من المواطنة، انتهاء عند الحقوق والواجبات.

سعيد محمد سعيد

ولكن… «الوفاق» قالت!

 

لن يتوصل كائنٌ من كان بعد قراءة هذا الموضوع، إلى طرف خيط يكشف له علاقتي بجمعية الوفاق الوطني الإسلامية؛ فلست عضوا فيها؛ ولست من يهتفون باسمها في كل شاردة وواردة؛ ولست ابنا لها أو لغيرها – باستثناء والدي رحمه الله ووالدتي أطال الله عمرها – ولن أكون أبدا صوتا من أصواتها، نشازا أو تناغما!

ولكني – بعد كل ما أسلفت – لا أخفي التشرف أن تكون جزئية واحدة منها تنطبق عليّ… فتجاوزا عن بضع هفوات سواء أكبرت أم صغرت، لا أشك أبدا في صدق وطنية هذه الجمعية، وهذا كلام «الشيوخ» قبل أن يكون كلام محدثكم العبدلله!

ولا يحتاج «الشيوخ» إلى صحافة الولاءات الرخيصة ليصدقوا كلاما مرسلا! هم يحتاجون إلى صحافة الصدق الراقية، ذات المسئولية الوطنية في الحفاظ على السلم الاجتماعي، لا صحافة الأحقاد وإشفاء الغليل!

والآن، ألم تنتهِ مقدمتك يا هذا؟

بلى انتهت، ولكنها بدأت انطلاقا من لقاء بين واحد من «أقطاب» الصحافة في البلاد مع عدد من الصحافيين البريطانيين، ولم يقصر أستاذنا الكبير في تقديم الحقائق وأمهات الحقائق إلى ذلك الوفد الذي لم يصدق ما قاله محدثهم؛ لأنهم كانوا يقولون : «ولكن (الوفاق) تقول غير ذلك؟»!

أسألكم بالله: أنا بصفتي قارئا، ما الذي يدريني ما قالته (الوفاق) لذلك الوفد؟ وما الذي قاله الوفد للصحافي الكبير؟! موضوعيا، ومهنيا أيضا، أفترض أن الصحافي الكبير قد تحرك قيد أنملة ليتصل هاتفيا بالطرف الآخر (الوفاق)، أو يكلف أحد الصحافيين بفتح تحقيق عميق فيما قالته «الوفاق» للوفد البريطاني ويقدم الحقائق كاملة غير منقوصة إلى الناس، وهذا عمل بدهي يتقنه المبتدئون في الصحافة، فكيف بأقطابها!

لتقل «الوفاق» ما تقول، ولتنقل الصحافة ما قالت بصدق!

ثم إن «الوفاق» ليست المحور الذي تدور عليه البلاد بحكومتها وشعبها وأنظمتها؛ «الوفاق» جزء من الحراك السياسي في البلاد وليست «معارضة» من نوع خارق تنتظر ساعة الصفر لتحقيق أغراضها الخفية «كما يروج البعض في صحف ومنتديات ومقالات»، وليست «بيت المظالم» التي يصدقها الصحافيون من كل بقاع العالم ليسيئوا إلى بلادنا!

إن على «الوفاق» البقاء على صدقيتها لمصلحة الوطن طالما أن القيادة تثق بنواياها. ولا بأس في مراجعة نقاط الإخفاق التي وقعت فيها، ولتمضِ، وما في الموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا وجاهد «مغرضا»!