سعيد محمد سعيد

وزارة الداخلية التي نريد

 

سنون طويلة من العداء والتنافر كانت قائمة بيننا المواطنين ووزارة الداخلية، لاتزال بعض آثارها قائمة، غير أنها لن تمكث طويلا إذا ما استمرت الوزارة في صنع النقلات على مستوى الإدارة والأداء، والتعامل مع الجمهور بحجم حساسية وأهمية هذا القطاع…

في هذا الإطار، كانت تدور معظم الردود والتعقيبات التي وردت على موضوع يوم الخميس الذي كان عنوانه: «حين نتحدث عن السجون»… فالكثير من القراء يرون أن مسار إنهاء حال العداء بين الطرفين يسير في اتجاه إيجابي أفضل من السابق، على رغم بروز هفوات في مواقف وحوادث تشهدها البلاد بين فينة وأخرى، وخصوصا بالنسبة إلى الصدامات العنيفة، وهذا يعني – كما قلنا – أن الفرص متاحة، وإذا كان الكثير من المواطنين يرجعون الفضل في هذا التحول إلى جهود الوزير الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، والمسئولين الذين يدفعهم الإحساس العالي بالمسئولية الوطنية، فإن هناك طرفا مهم آخر ساهم في هذا التحول، وهم مؤسسات المجتمع المدني والناشطون والأفراد الذين استطاعوا بناء علاقة قادرة هي الأخرى على التجدد في هذا المسار، بالإضافة إلى طرف مهم آخر، وهم أصحاب الفضيلة العلماء الذين أوجدوا قناة مباشرة للوصول إلى الوزير في حال تطلبت الظروف ذلك.

وعموما، لو تساءلنا عن حال العداء السابقة، سنجدها نابعة من حال انعدام الثقة بين الوزارة والمواطن فيما يتعلق بالدور الأمني والتنموي والاجتماعي والديمقراطي، ووقوع أخطاء كبيرة كان للعهد الجديد للوزارة الدور الأبرز في تنحيتها من خلال تكريس مفهوم حقوق الإنسان والتعامل المرن مع الأطراف الأخرى المهمة، في مجتمع مدني يشهد حراكا سياسيا واجتماعيا نشطا… وإذا كانت التجاوزات غير القانونية التي كانت توصم الوزارة في السابق، انخفضت بدرجة كبيرة، وطالما فتحت الوزارة أبوابها لتوظيف البحرينيين من الكوادر الشابة وخصوصا في تجربة شرطة خدمة المجتمع، والصدق في محاسبة من يتجاوز صلاحياته من المسئولين وجد الطريق، فإن مسار بناء الثقة يمكن أن يحقق مستقبلا نتائج أفضل طبقا للتحول المرحلي في عمل الوزارة على أسس الجودة.

وربما أمكنني توضيح مناسبة هذا الموضوع، وهو الحدث المهم الذي شهدته الوزارة في الأسبوع الماضي بتكريم قطاعات من الوزارة بمناسبة الحصول على شهادة «نظام إدارة الجودة الشاملة»، وهي المناسبة التي وصفها الوزير بأنها نقطة انطلاق لتكثيف المزيد من الجهود في سبيل التطور والتقدم الذي يخدم أمن الوطن وأمان المواطنين والمقيمين ويعزز الاستقرار، الشيء الذي يؤدي بالتالي إلى خدمة الاقتصاد وازدهار التنمية في البلاد. ولاشك في أن خدمة أمن الوطن والمواطنين والمقيمين في بلادنا يعني أن المسئولية مشتركة يجب أن تحملها الدولة والمواطنون كذلك، لأن البلد في أمس الحاجة إلى تكريس أسس العمل المشترك الذي يحفظ حقوق الجميع، ويقود نحو استقرار شامل لا تتحقق التنمية إلا به.

إن اهتمام الوزارة بتنفيذ البرامج والخطط التي تجعلها في تجدد دائم، سيسهم من دون شك في إحداث المزيد من التقارب والثقة العالية، بينها وبين جمهورها الأوسع، وهم المواطنون، الذين سيقتربون منها كلما اقتربت منهم في شراكة مجتمعية تضع مصلحة الجميع على أعلى القائمة.

سعيد محمد سعيد

حين نتحدث عن السجون

 

ربما يصلح الحديث عن الماضي، لا العيش فيه واستحضاره واقعا يحدث إسقاطا على الحياة اليومية… فالتجدد والتطور والتفكير في الحاضر والمستقبل… ثم التغير للأفضل هو سنة الحياة، لكن لا بأس أبدا من النظر إلى الماضي من ناحية إعادة القراءة والتحليل لتجاوز الأخطاء… فالأخطاء حين يتم تشخيصها صورة علمية متأنية، تمنحنا الفرصة لأن لا نقع فيها مجددا.

وإلا، هل كان في الإمكان الحديث عن أوضاع السجون قبل 8 سنوات؟ أبدا، وهنا لابد من الاعتراف بأن هذه المؤسسة الإصلاحية، تلزم الاهتمام والرعاية لأنها تضم بشرا… مواطنين أخطأوا ويتلقون جزاء ما جنوا لكنهم يبقون بشرا لهم حقوق… وإذا كانت هذه الحقوق مصانة من جانب الدولة، فإن إمكان تأهيل وإصلاح أولئك الناس ليعودوا مجددا ويندمجوا في مجتمعهم ويعيشوا حياتهم، تصبح مسئولية مشتركة بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.

لذلك، جاءت الزيارة التي قام بها مجموعة من الصحافيين يوم الاثنين الماضي لإدارة التأهيل والإصلاح بسجن جو المركزي لتمنحنا المزيد من الطمأنينة بأن مسلوبي الحرية أولئك، إنما هم تحت رعاية الدولة، وفي أيد أمينة تجعل ذويهم في راحة بال، وهذا ما يجب أن تشعر به كل أسرة لديها مسجون أو موقوف… والمهم من ذلك، أن هذا الانفتاح من جانب المسئولين بوزارة الداخلية يمنحنا فرصة لفتح قنوات بين مؤسسات المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين لاستمرار متابعة أوضاع هذه المؤسسة الإصلاحية… فهي على قدر كبير من الحساسية لا يمكن الاستهانة به إطلاقا.

في تلك الزيارة، تحدث المفتش العام بوزارة الداخلية العميد إبراهيم حبيب عن محور مهم وهو الشراكة الحقيقية بغرض القضاء على المخدرات، وذكر أن إدارة الإصلاح والتأهيل تستعين بـ 5 وعاظ دينيين، فضلا عن توفير رجال من الكنيسة من أجل تقديم النصح للسجناء، وليس هناك من شك في أن الوزارة، وعلى رأسها الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، الذي أطلق مشروع الشراكة المجتمعية، قادرة على أن تفرد هذا المفهوم، ليس في مجال التصدي لمشكلة المخدرات داخل المؤسسة الإصلاحية، بل لترسيخ مبادئ حقوق الإنسان التي يضمن تنفيذها بقناعة المزيد من تحسين الأوضاع للسجناء والموقوفين. ولعل في تأكيد العميد حبيب أن الوزارة وضعت خطة جديدة تقوم على إشراك أفراد شرطة خدمة المجتمع في الرعاية التي تلي الإفراج عن السجين، من خلال القيام بزيارته في منزله والتواصل معه، قناة جديدة للتواصل الحقيقي مع المؤسسات والجمعيات التي تعمل على صيانة حقوق السجناء.

لسنا في حاجة إلى “حواجز” تثير حال من عدم الاطمئنان، سواء على الموقوفين في الحوادث الأخيرة أو السجناء عموما، ولطالما أن هناك بين أيدينا قنوات لرصد أية مخالفات أو شكاوى من السجناء، فإن فرص الحل – هي الأخرى – تصبح قابلة للتنفيذ، ويستحق عضو كتلة الأصالة الإسلامية النائب إبراهيم بوصندل الشكر في الحقيقة على مبادرته التي استجابت لها وزارة الداخلية تجاوبا مع مناشدة الأهالي بإزالة الحاجز الزجاجي الذي كان يفصل بين السجناء الرجال وأهاليهم أثناء الزيارة، لأننا في حاجة حقيقية إلى التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في تلمس المسئولين لاحتياجات الأهالي والتخفيف من معاناتهم، وكلنا أمل في أن هناك المزيد من المبادرات والمزيد من التجاوب من جانب الطرفين، إلى أن يكمل كل من أخطأ عقوبته، ويعود إلى مجتمعه ويواصل مشوار حياته

سعيد محمد سعيد

من الذي «يشتم» الحكومة؟

 

من باب الحرص على سلامة القلوب والنفوس والعقول، ومن باب صد الفتنة والخروج على ولاة الأمر، ومن باب أيضا حرص الراعي على الرعية والتفاف الرعية حول الراعي، فإننا لو سألنا هذا السؤال: «هل تريد أن تشتم الحكومة؟»، ووجهناه إلى كل شعوب الدول العربية والإسلامية تحديدا على أن يظهر المجيب صوته وصورته (نقل حي مباشر يعني)… ترى، كم هي نسبة الذين سيقفون بكل رباطة جأش وقوة وإصرار لينتقدوا حكومتهم ويشتموها؟

في نظري، لن تزيد نسبة من يريد شتم حكومته هكذا شاهرا ظاهرا على نسبة 10 في المئة…

لكن، لو سألنا السؤال بصيغة أخرى، وعبر استمارة لا وجه لها ولا يد… يعني، من دون اسم ومن دون أية معلومات بشأن المشاركين في العينة… هل تستحق حكومتك الاحترام؟ ووضعنا موقعا إلكترونيا ليصوت فيه الناس من كل شعوب العالم العربي، من الخليج إلى المحيط، فيبدو أن النسبة ستكون، في ظني، 99.9 في المئة: «لا تستحق الاحترام!».

سؤال آخر افتراضي، يمكن توجيهه إلى العينة المشاركة، اختياريا أيضا، وهو: كم نسبة المواطنين العرب الذين يشتمون حكوماتهم في ضمائرهم… (سرا يعني)، وفي دورات المياه أعزكم الله، وفي الأماكن المهجورة، وأثناء النوم… وكذلك في السيارات، وهم يتلفتون يمينا ويسارا؟… وكم في نظركم ستبلغ نسبة المواطنين العرب، من المحيط إلى الخليج هذه المرة، من يجلسون في بيوتهم أو في المقاهي أو في أماكن العمل وهم يشاهدون خطابا رئاسيا… العيون «مفققة» في شاشة التلفزيون، لكن، كم منهم «يشتم» في هذه اللحظة؟

يمكن 100 بالمئة؟

والآن سؤال آخر: ألا تدرك الحكومة/ الحكومات، أن هناك من يشتمها من مواطنيها؟… بلى، تدرك ذلك، بل وتدرك أيضا لماذا يشتمونها، وتبارك الله في المستشارين الذين حبا الله بهم الدول العربية والإسلامية وكل الدول النامية… خبراء وعلى مستويات رفيعة من التأهيل الأكاديمي والخبرة، لكنهم دائما سباقون لتشويه العلاقات بين الموطن العربي وحكومته، وفوق المستشارين، هناك المطبلون والمنافقون ووعاظ السلاطين والمصيبة الكبرى، أن هناك من الحكومات، من يصدق كلام أولئك المتمصلحين، الذين لن يصدق الكثير منهم القول: إنهم يريدون مصلحة البلد…

أما بالنسبة إلينا في البحرين، فلا أعتقد أن الحكومة ستصدق أن هناك من يكرهها، أو تستجيب لكلام المطبلين والمنافقين ووعاظ السلاطين إن قالوا: الكثير من الشعب لا يحبك يا حكومة؟ لأن الجواب هو: «98.4 في المئة»، هي نسبة التصويت على ميثاق العمل الوطني، في شهر فبراير/ شباط من العام 2001… هل يمكن أن تصدق الحكومة أن الغالبية لا تحبها؟

واذا كان هناك من «لا يحب» و»لا يوالي» و»لا يتأدب» ويشتم الحكومة، فيبدو أن هناك الكثير من السعة لنسأل: «لماذا يشتم أولا، ولماذا يفعل ما يفعل؟»… ثم، يكون القانون هو الفيصل…

كتبت ذات مرة، ليس عدلا أن يقال دائما ذلك الشعب لا يحب حكومته، فمن الإنصاف أن نسأل أيضا: «هل تحب الحكومة شعبها؟»…

عموما، كل عام والبحرين، قيادة وحكومة وشعبا في أمن وسلام…

وكل عام وأنتم بخير… لأنكم جميعا تحبون البحرين؟

سعيد محمد سعيد

مكبرات صوت… وآذان مصابة بالصمم؟

 

في ظني، أنه في البحرين وليس في غيرها من الدول العربية والإسلامية، أصبح الناس يخافون من خطب صلاة الجمعة! فهذا اليوم المبارك، هو يوم عيد للمسلمين، وله قدسيته، لكن السنوات القليلة الماضية أثبتت أن هناك من ينتهز هذا اليوم من خطباء الفتنة ليتقرب إلى الله سبحانه وتعالى من خلال تكفير وتسفيه وإخراج مذهب أو مذهبين أو كل المذاهب – ماعدا مذهبه – من ملة الإسلام، فيصبح الجميع «كفارا»…عداه هو ومن لف لفه!

ما يثير الدهشة والاستغراب، هو أن كل الإسقاطات الطائفية والتأثيرات السلبية والمخاوف المتزايدة من انتشار التناحر الطائفي في منطقة الخليج، يرجعها البعض إلى الأوضاع في العراق، لكن، بقليل من المتابعة لخطب يوم الجمعة في مساجد وجوامع العراق من الطائفتين مما يمكن متابعته عبر القنوات الفضائية العراقية، نجد أن ذلك الخطاب لا يخرج أبدا عن المسئولية الدينية والوطنية والاجتماعية في الحفاظ على سلامة المجتمع الإسلامي، بل تحول بشكل مكثف خلال الأشهر القليلة الماضية إلى خط واحد في مواجهة الاحتلال وتوابعه، والتصدي للمتآمرين على الشعب العراقي، والتشديد على مواجهة الفتنة والعمل على مكافحة المد التكفيري والقتل على الهوية…

هذه حال خطب الجمعة في العراق، أما خطب الجمعة في البحرين، والحمد لله أن قلة من خطباء الجمعة هم من يدغدغ عواطف المصلين بالدعوات المتكررة للدفاع عن صحابة رسول الله (ص)، وفضح أعداء الأمة من الصفويين، فإنها تثير الأحقاد والعداوات والبغضاء، يصل بعضها، وهذا حصل، إلى لقاءات الغداء والمآدب التي يشارك فيها مواطنون من الطائفتين في مجلس أو في بيت أحد الزملاء في العمل…

لكن السؤال الموجه إلى وزارة العدل والشئون الإسلامية هو أن مكبرات الصوت ترتفع بما يخالف القانون ويثير الطائفية، فلماذا آذان الوزارة مصابة بالصمم؟!

لا أعتقد أن هناك من المواطنين، من السنة أو الشيعة، يرفض أن يقدم من يشعل فتيل الفتنة في خطبة جمعة إلى المساءلة القانونية… حتى لو رفض الناس، فالقانون يجب أن يأخذ مجراه بدلا من إصدار التصريحات الصحافية والكلمات في المناسبات التي تتحدث عن وحدة النسيج الاجتماعي ولقاء أبناء الأمة تحت مظلة الشهادتين… و… و…

والغريب، أن المصلين في البحرين لا يجرؤون في الغالب على رفض الخطيب «النووي»؟

هل يمكن أن ننظر إلى الأوضاع في غزة، لنربطها بخطب الجمعة؟ سأنقل إليكم صورة بسيطة وهي أن المصلين هناك، وفي هذه الظروف الصعبة، توجهوا لأداء صلاة الجمعة بمسجد السلام في دير البلح وسط قطاع غزة، لكنهم انسحبوا من المسجد احتجاجا على خطبة ألقاها أحد القياديين المعروفين دعا فيها إلى الفتنة وتعميق الاقتتال…

المصلون خرجوا من المسجد مفضلين أداء الصلاة في منازلهم أو البحث عن مساجد أخرى، حتى أن بعضهم قال «إننا كنا نتمنى أن نسمع كلاما طيبا في هذه الخطبة يدعو إلى الوحدة والتسامح، ولكن ما حدث العكس، إذ دعا الخطيب إلى المزيد من الفتنة والتحريض على القتل في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى لملمة جروحنا وتوحيد صفوفنا».

سعيد محمد سعيد

هل انتهى شهر محرم؟

 

بانتهاء شهر محرم الحرام، تبرز صورة قوية جدا ومؤثرة أثبتت أن المجتمع البحريني، لايزال يحافظ على صمام الأمان بين أبناء الطائفتين… فتلك الصورة، هي أن مراسم إحياء عاشوراء، مرت هذا العام، كما مرت في الأعوام السابقة، على خير وسلام… بغض النظر عن حوادث محدودة وقعت في تلك القرية أو تلك وعلى رأسها مسألة الخلاف على «التطبير»…

عموما، يكشف موسم عاشوراء في كل عام جوانب خطيرة ومخيفة، أولها نشاط الجماعات المأجورة والمجهولة في إشعال فتيل الفتنة الطائفية، ويبدو ذلك من خلال بضعة منتديات تحمل اسم المملكة لكنها لا تشرفها! وعبر بضع خطب ومحاضرات محدودة للغاية، ما أثرت في ضعاف النفوس وذوي العقول الصغيرة، ناهيك عن ممارسات تصدر عن أبناء الطائفتين ضد بعضهم بعضا… أي من مواطن ضد أبناء طائفته والعكس… وفي هذا الموسم أيضا، ينبري السياسيون والناشطون ومن هم يعتبرون أنفسهم (قيادات) هنا وهناك… ونشاهد أيضا مثقفين وكتّاب… الكل يدلي بدلوه في هذا الموسم حتى تشعر – إن كنت متابعا نشطا – أن الدنيا ستنقلب رأسا على عقب…

مر الموسم على خير، فلم ينفع أصحاب المنشورات الطائفية الصفراء المجهولة المصدر ما خطته أيديهم، ولم يستفد من حاول الإضرار بالأمن والاستقرار ما فعله أو حاول إثارته، ولم يؤثر أصحاب الخطب النارية السلبية في أفكار الناس اللهم إلا القليل المعذور على جهله… مر الموسم، لكنه سيأتي – إن شاء الله – في العام المقبل، وسيأتي أولئك الناس مع الموسم، وسنأتي معهم… المشكلة الرئيسية هي أن كل واحد منا يجب أن يكون طرفا في الحفاظ على قدسية هذه الذكرى، وليست إطلاقا مع من يرمي باللائمة كلها في ضبط كل صغيرة وكبيرة على رجال الأمن وعلى وزارة الداخلية… أنا لست معهم إطلاقا وخصوصا أن هذه الوزارة – اتفقنا أو اختلفنا مع قياداتها ومسئوليها – تبذل في موسم عاشوراء من كل عام جهدا تستحق عليه الشكر… وأعتقد أن عناصر شرطة المجتمع من الجنسين، يستحقون كلمات التقدير والشكر، بدلا من تكرار مقولة الصغار: «ويش يسوون شرطة المجتمع في المنامة… بس يدورون»! أما فكرة الحفاظ على الأمن بعناصر مقبولة لديكم، فهذه لم تطرِ على البال!

انتهى الموسم، وسيأتي في العام المقبل إن شاء الله بصورة أفضل مما كان عليه هذا العام… لقد كانت ذكرى عاشوراء وستبقى حالا من التجدد السرمدي، لن يوقف مسيرها الناهض كل يوم في عقول ونفوس البشر… لزاما علينا أن نحافظ عليها وألا نحولها إلى صورة من الإساءة للمذهب والبلد والناس.

هكذا كانت تقول المنتديات العدوانية التي لا تريد للبلد استقرارا… حتى أن بعضها لم يتوقف حتى الآن عن إرسال صور التحريض إلى الحكومة ضد مراسم عاشوراء، تارة بعنوان «لافتات الشيعة» وتارة بعنوان «أحقاد الشيعة ضد الحكومة»، وتارة بعنوان «الصفويون يدمرون البلد»… وتارات بعناوين ما أنزل الله بها من سلطان… وكلهم – أولئك المحرضون – ذوو أسماء مستعارة، من تحدثت عنهم في الأسبوع الماضي.

في المنتديات الطائفية تشتعل الحرب في محرم، لكن ولله الحمد، على أرض الواقع، البحرينيون إخوة تحت ظلال الحسين (ع).

سعيد محمد سعيد

يقولون: حقوق إنسان!

 

لاتزال الجمعيات العاملة في نطاق الدفاع عن حقوق الإنسان بعيدة نوعا ما عن شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين، فهناك عدد من المواطنين، من جرب حظه – وفي قضايا مختلفة – مع النشطاء الحقوقيين، فلم يجد آذانا صاغية! أو لربما كان التحرك محدودا بحيث انتهى بلا نتيجة جادة.

وقد يكون الطرف الآخر أيضا معذورا…

نعم، لا بأس من التماس العذر لجمعيات حقوق الإنسان، فهي جزء من منظومة مؤسسات المجتمع المدني، وليس لها تلك السطوة التي نجدها في بعض الدول التي تحترم أساسا حقوق الإنسان… لذلك، فالعذر ملتمس لكلا الطرفين: جمعيات حقوق الإنسان، والمواطنين الذين لم يجدوا ضالتهم لديها، لكن الجهة التي لا يجب أن نعذرها هي الجهات التي لا تتجاوب ولا تتعاون مع تحرك الناشطين.

وليس لتلك الجهات، ومعظمها وزارات حكومية والقليل من المؤسسات الأهلية، أي أعذار! فإذا كانت وزارة الداخلية ذاتها قد غيرت نهجها في مجال حقوق الإنسان وأضافت الكثير، وإن كان هناك بعض النواقص فهي في طريقها الى التعديل بشهادة ناشطين حقوقيين ومواطنين، بل وبعض الذين أوقفوا في الفترة الأخيرة… وهذا ما نتمناه من وزارة الداخلية، وخصوصا بالنسبة إلى الانتقادات والشكاوى الصادرة عن جمعيات حقوق الإنسان، فما تحقق في السنوات الماضية من ارتفاع في فهم «حقوق الإنسان» في الوزارة، الذي كان الفضل فيه لله سبحانه وتعالى ولوزير الداخلية، إلا أنه حين يشكو موقوف من سوء معاملة، فهذه يجب أن تخضع للمساءلة القانونية، وقد أعلن الوزير مشكورا أن الوزارة رصدت ولاتزال ترصد التجاوزات في مجال حقوق الإنسان.

كل ما نطمح إليه هو تكريس احترام الحريات وحقوق الإنسان في التعامل مع الجميع، في إطار من الاحترام المتبادل بين المواطنين ورجال الأمن العام، وفق القوانين والأنظمة المعمول بها، وإن كسب ثقة المواطنين لا تتم إلا من خلال العمل الجاد واحترام حق المواطنين وحسن التعامل معهم.

نعود مرة أخرى إلى الجمعيات الحقوقية، التي يجب عليها، وهي منشغلة في النشاط السياسي، ألا تغفل عن القضايا الاجتماعية التي هي في الأساس أكثر أهمية من القضايا السياسية من وجهة نظري، فلا يمكن أن يكون الحراك السياسي مؤثرا في مجتمع تغيب فيه العدالة الاجتماعية، وليس من المعقول أن ننام ونصحو على أمنيات وأحلام ومطالبات، وهناك العشرات من الناس الذين يرزحون تحت وطأة انتهاكات لحقوقهم باعتبارهم بشرا من دون أن تكون لها صبغة سياسية… طائفية… حرمان من الأجر… سخرة… تهديد ووعيد… التسلط من جانب بعض المتنفذين… حتى داخل بعض الأسر، هناك من القصص التي تردنا ويشيب لها رأس الرضيع… وكلها انتهاك لحقوق الإنسان.

وفي الحقيقة، أبلغني أحد الكتّاب العرب المعروفين على مستوى العالم العربي بأن حقوق الإنسان في الوطن العربي في حال يرثى لها، وأن الكثير من الدول تكذب وتكذب حتى تصدق نفسها، فليس من حق المواطن العربي أن يكون له رأي مخالف لرأي السلطة. كما أن السلطة تعتبر المواطن أحد رعاياها، لكن الكثير من الأنظمة العربية لا تشرعن نفسها ولا تقوم على مبدأ الشراكة في صنع القرار السياسي.

سعيد محمد سعيد

سيوف ورماح… صناعة بحرينية!

 

فجأة، اكتشف أهل البحرين أن هناك كوكبة من المواطنين الأبطال الذين:

– لا يخشون في الله لومة لائم.

– يقدمون أرواحهم وأولادهم لأجل الوطن.

– لن يسكتوا أبدا عما يفعله المفسدون وسيفتحون صدورهم وجباههم في حربهم معهم.

– لن يهدأ لهم بال وهناك من يسيء إلى أمن الوطن واستقراره.

– ينامون ويصحون على الأمانة والخوف من الله، وسيواصلون جهودهم لنيل الثواب بقول كلمة حق في وجه سلطان جائر.

– لن يسمحوا للطائفيين والتكفيريين بأن يفرقوا بين أبناء الوطن الواحد، وسيذيقوهم سوء العذاب.

– مصلحة البلد وأهل البلد فوق أية مصلحة شخصية، لذلك فهم ينادون بالإصلاح الحقيقي الذي يحافظ على استقرار البلاد.

– لا ينفكون من القسم والحلف: والله سنفعل… والله سنقول… والله لن تغمض لنا عين… والله العظيم، لن نترك شرذمة تعبث بأمن البلد، وسيلاحقون المحرضين في جحورهم جحرا جحرا.

– لن يهنأ لهم عيش وهم يشاهدون ويسمعون ويرون أهل البدع يحدثون في الدين ما يحدثون بأباطيلهم وضلالاتهم.

– أرواحنا رخيصة في سبيل الوطن، ولن يمر الصفويون إلا على أجسادنا إن استطاعوا.

ولربما صاغوا من البطولات ما عجز عنه عنترة العبسي وسيف بن ذي يزن وأبوفراس الحمداني، بل هم أشد غلظة وقوة من «آرنولد»، واذا شاهدهم «سعدون» يهرب خوفا… لكنهم، مع شديد الأسف، مختبئون! لا أحد يعرفهم…

هؤلاء الأبطال الذين نتشرف بهم لكي يحموا البلاد والعباد ويخلصونا من كل الشرور بنخوتهم العربية الأصيلة وروح الإقدام التي يتمتعون بها يجددون فينا الحياة والأمل… هؤلاء يا إخواني (أبطال الكيبورد) كما يطلقون على بعضهم بعضا… في المنتديات الإلكترونية تجدهم يسطرون الملاحم في الدفاع عن الوطن وعن الإنجازات وعن المكتسبات، ويفاخرون بأن كانت لهم الريادة في التصدي للمخربين والمجرمين والطائفيين والمفسدين، بل هم الأقدر على تقديم الاستشارة الحكيمة للدولة، لكنهم مع شديد الأسف… أقول مع شديد الأسف، لديهم من الكبرياء والغرور ما يحرمنا منهم، ومن طلعتهم البهية.

خسارة والله… كان بودنا أن نعرف أسماءهم – إن لم نتمكن من معرفة شخوصهم وصورهم – لكي ننقشها بحروف من ذهب في حياتنا، فالبلد في أمس الحاجة إلى مثل هؤلاء المواطنين النبلاء الشرفاء لمواصلة مسيرة الديمقراطية والتنمية والنهضة، لكنهم لا يرجون إلا الثواب والفضل من الله سبحانه وتعالى، فهم حين يهاجمون خلق الله بأسمائهم الصريحة وينالون من كرامتهم وشرفهم، إنما هم بذلك يتقربون إلى الله عز وجل، وإن سنحت لهم الفرصة لأن يهاجموا أبناء الشيعة والسنة، فهم بذلك يحاربون الفتن وأهل البدع والضلال، ويعتقدون في قرارة أنفسهم أنهم ما قاموا بواجبهم الديني والاجتماعي على أكمل وجه، لذلك، هم سيواصلون النهج ولن يخشوا في الله لومة لائم كما يقولون.

هؤلاء الأبطال، في عز الشباب… أعمارهم تتراوح بين 18 و30 عاما تقريبا، لكنهم كلهم أصحاب دين وأخلاق ومثل عليا، كلهم، كلهم بلا استثناء، استقوها من الدين الحنيف، ويعملون امتثالا لأوامر الله عز وجل، وينامون ليلهم في طمأنينة إلى أنهم يقدمون الخير، حتى أن يدهم اليسرى لا تعلم ما قدمت يدهم اليمنى…

أيها الأبطال الأشراف… شقوا طريق الدعوة والإرشاد ومحاربة الضلال والفساد والظلم… ودافعوا عن الدين… دافعوا عن الصحابة وأمهات المؤمنين… ولا تتركوا شريرا واحدا في هذه البلاد… واحملوا السيوف والرماح من الصنع المحلي…

لكن لا أدري، هل تستوعب جحوركم المظلمة الصغيرة المجهولة، كل هذا العتاد والسلاح للاستمرار في حربكم ضد الباطل؟!

سعيد محمد سعيد

المعسكران الجديدان: المواطن و«اللا» مواطن!

 

كثيرا ما يضع «بعض» المسئولين كتابات الصحافة التي تحدد مواطن الخلل والتقصير والفساد في خانة «إهانة الحكومة»! وأن هذا النوع من الطرح لا طائل من ورائه إلا الانتقاص من حكومتنا وإظهارها بمظهر الأداء السيئ، وذلك – بحسب ظنهم وقولهم – ليس إلا حالة من حال العداء المقصود والمتراكم لتحقيق مآرب «أخرى».

سيبقى هذا القول، محصورا في دائرة رأي مفرد، أو جمعي، لكنه في اتجاه واحد! هو ذاته الاتجاه الذي لا تريده الحكومة، وأعلنته القيادة في أكثر من مناسبة، أن الصحافة هي المرآة التي تعكس واقع الحال، وأن هذه الصحافة الوطنية هي شريك رئيسي مع الحكومة في التنبيه إلى مواقع الخلل، بكل مسئولية وأمانة، على ألا يكون ذلك على حساب المصلحة الوطنية بتقديم المصالح الشخصية تارة، والنوايا الخبيثة تارة أخرى، تحت شعار الولاء الحقيقي، الذي يفضح دائما الولاء المزيف لطائفة أو لقوى سياسية أو لخطاب ديني «صفوي» مرة، وحاقد مرات مرات!

ومهما يكن من أمر، فقد تسبب الخطاب المؤجج لبعض النواب وبعض الخطباء وبعض الناشطين السياسيين في إثارة حال من الصراع اليومي بدأ يزداد مع ظهور أنموذج جديد من «الوطنية» القائمة على لفت نظر الحكومة إلى شخص أو إلى جماعة أو إلى عينة من المسئولين أو الشخصيات على أنهم الرمز الحقيقي والمثال الأكيد المدافع عن مصلحة الوطن، أما من دونهم من المواطنين فليسوا سوى «قوة» خطرة تعمل في السر والعلن لتقويض الحكم والعبث بمقدرات الدولة والشعب.

ولعل في خطابات النائب الشيخ جاسم السعيدي ما يمكن اعتباره «دينامو» لتشغيل آلة الصراع الاجتماعي الطائفي بعيدا عن أصول رأب الصدع والالتزام بالأدوار الدينية والاجتماعية والوطنية في معالجة قضية حساسة أو اختلاف في وجهات النظر سواء كان ذلك الاختلاف على المسار الديني أو السياسي! فاتخاذ أسلوب الخطب التأجيجية في صلاة الجمعة وإصدار التصريحات الصحافية النارية هو منهج خاطئ من دون شك، وهذا الأمر ينطبق أيضا على غيره من النواب والخطباء والناشطين السياسيين.

ولعل الخطير الملفت، أن هذا الصراع المقيت، المخفي الظاهر، الضعيف القوي، الطيب الشرير، قد أفرز، أو قل، ضاعف من الإفراز الطائفي في المجتمع ليشكل بالتالي معسكرين جديدين: الأول، هو معسكر المواطن المخلص لبلده، والثاني هو «اللا» مواطن الذي ما فتئ يسعى جاهدا لتدمير المشروع الإصلاحي، وهو معسكر لن يرتاح أبدا إلا إذا رأى بأم عينيه البلد، وهي تسير نحو مفترق طرق، أو لنقل مثلما تطرح بعض الخطابات «الخروج على ولاة الأمر».

لا الحكومة ستجني الثمار من وراء هذا اللغط، ولا المواطنين، أيا كان انتماؤهم المذهبي، فالدلائل الواضحة على أرض الواقع تؤكد أن المجتمع مهدد! وهذا التهديد مرده الى الخطابات التفتيتية من كل الأطراف التي تعي ما تفعل أو لا تعي… إذا، ما الحل؟

الحل في ألا تسمح الحكومة بنجاح أية محاولة لزيادة أعداد المنضمين إلى المعسكرين الجديدين: المواطن و «اللا» مواطن، فالدستور يقول إن المواطنين سواسية، وعدا ذلك، من ممارسات تخالف العرف الاجتماعي وتتعدى القوانين، فإن للدولة الحق في تقديم كل من تجاوز حدوده للمساءلة القانونية… ولوزارة العدل والشئون الإسلامية الحق في محاسبة الخطباء والأئمة إن ثبت عليهم الخطأ، وللسلطة التشريعية الحق في ملاحقة من يثبت عليهم الفساد والإضرار بالبلد… أما إن تركت كل القضايا للخطاب الديني اللامسئول أو للتصريحات الصحافية ذات الأبعاد البطولية، فقل… سلاما سلاما

سعيد محمد سعيد

متى المعاشات؟

 

هذا هو أسبوع السؤال الجميل…

والسائل يجلس على أحر من الجمر، والمجيب أيضا ربما أحب الإجابة وعشقها طالما كانت إيجابية «نزلوه في البنك»، وربما دارت عليه الدوائر واسودت الدنيا في وجهه وهو يقول: «للحين ما في شي… يمكن باجر»! ويا ويله، الزميل أو الزميلة، حين يقدمون معلومة خاطئة عن نزول الرواتب في الحساب، وهي لم تنزل بعد… وخصوصا في بعض المؤسسات والشركات في القطاع الخاص! متى المعاشات؟

سؤال مسموع بين آلاف الناس أواخر كل شهر… لكنه يخفي وراءه الكثير مما يمكن أن يجعلنا نشعر بالفجيعة، ونستذكر المئتي دينار حدا أدنى للأجور، ونحلم بصدور قرار رفع العلاوة الاجتماعية 50 في المئة، وننتظر إضافات يقول البعض عنها 50 والبعض يقول 70 والبعض الثالث يقول «لا تحلمون»، كبدل لمواجهة غلاء المعيشة… وتصغر الأصفار أو تكبر طبقا لحجم الحلم، لكن الله يعلم، أن أهل البحرين ليسوا جشعين وليسوا طماعين ولا يريدون غير الستر!

لا يريد أن يضرب رب الأسرة رأسه «في الطوفة» بعدما يوزع المعاش الذي يقولون عنه في البحرين دائما «ما عاش»… الله يرحمه ويتغمد بواسع فضله! ولا يريد أن يريق ماء وجهه «رايح جاي» مرة إلى بنك الإسكان، ومرة إلى أحد المصارف، ومرة إلى لا أعرف أين، فقط ليجد وسيلة ما تعينه على تغطية النفقات المتزايدة…

وكما حدثنا فيلسوف عصره وزمانه، أبو القروض ميسرة بن مصرف الإفلاسي: «لو كان الجيب ممتلئا، والقلب مطمئنا، والأهل في راحة، لما سمعت سلندرا ينفجر، أو تايرا يحترق، أو برنوصا تتلحف به جيدا فلا يدفئك، وسيمشي الناس باعتزاز وتحيات وافرات، بلا مصايب وبلا مسيرات وبلا مظاهرات»! متى المعاشات؟

ربما سيتسلم بعضنا راتبه اليوم، وربما غدا وربما بعد أسبوع، وربما – ضعوا تحتها خطين – بعد عشرة أو خمسة عشر يوما! وهذا يحدث! تخيلوا كيف تعيش الأسر التي تتأخر رواتب معيليها!

نريد أن نحيا ونموت بكرامة، لكن «المعاش» يلعب فينا لعب الرحى! بعضنا يعمل من الصباح حتى المساء في أشد الظروف، وبعضنا الآخر يعمل في وظيفتين وليس لديه وقت حتى للجلوس مع أطفاله وممارسة شئون الحياة الاجتماعية، وبعضنا يخرج من عمل مرهق ليمارس عملا شاقا… فيما تعمل بعض الزوجات والأبناء والبنات لتكتمل حفلة آخر الشهر: الأب معاشه 200 –300 دينار – الأم: 250 – البنت: 80 دينارا في صالون حلاقة – الابن: 160 دينارا حارس أمن في إحدى الشركات، ويصبح المجموع قرابة 800 دينار!

حلو، خير وبركة، والآن جاء دور العملية الجراحة الخطيرة التي سيتم من خلالها تركيب مدخول أسرة قدره 800 دينار ليلائم مصروفها الذي يتجاوز 1300 دينار وربما أكثر… والغريب أن هذه العملية لا يستخدم فيها إلا المشرط والمقص… أما خيوط الترقيع ولاصقات «البلاستر» فلا مكان لها هنا…

لكن، تعالوا، متى المعاش؟

سعيد محمد سعيد

الحسين الذي لا يهزم!

 

الحسين (ع)، ليس مصدر إلهام نضال تاريخي للباحثين عن الحرية في هذا الزمان كما اعتقد ويعتقد البعض من المفكرين والخطباء والمشايخ – ومن بينهم مشايخ الفتنة – فقد تجاوزت نهضته هذه الأطر ليصبح وتصبح مبادئه منهجا عصريا متجددا مع كل أمة، تعيش في وجدان أية جماعة من البشر أينما كانوا.

الحسين (ع)… لم يهزم ولن يهزم… وليس الحديث هنا حديث تاريخ! فلست من أولئك الذين يميلون إلى التوغل في غياهب الكتب والكهوف المظلمة فيها ليعيشوا في زمان مضى، لا يثمر إلا عن مزيد من البعد عن العصر ومتطلباته، ولأنه ليس حديث تاريخ، فإن ثمة محاولات عصرية حديثة، على ألسنة أناس أطلقواعلى أنفسهم مشايخ أو باحثين إسلاميين، هم اليوم في الكثير من الدول الإسلامية، لا هم لهم إلا أن يقولوا للأمة : «الحسين خرج على دين جده فقتل بسيف جده»! لكن الأمة لم ولن تصغي لهم.

جاهدوا لنشر الفكرة سنين طويلة، حتى ألف بعضهم «كويتبا وكتيبا» صغير الوزن رخيص المضمون يدافع فيه عمن ظلموا الحسين (ع)، فلم يجد من أبناء الأمة الشرفاء إلا كل الاستنكار والرفض في زمن العلوم والتقنيات التي أصبحت فيه البشرية في حاجة إلى المد المعنوي والمضامين النفسية والأخلاقية والاجتماعية التي يحتضنها في حضن العدالة الاجتماعية المنبثقة عن الدين المحمدي وامتداده الحسيني الرسالي.

الحسين لم يهزم ولن يهزم… في ذلك الزمان، في يوم العاشر من العام 61 للهجرة، حتى قال من قال: «الحسين انهزم عسكريا لكنه انتصر دينيا وأخلاقيا»، لهذا، ذهب العتاد وذهب العسكر وذهبت ريحهم، وبقي عطاء الحسين يتجدد… يضرب كلام وترهات المتخلفين عرض الجدار. تعالوا نقرأ ما قالته الكاتبة الإنجليزية فريا ستارك التي كتبت فصلا صغيرا عن عاشوراء في كتابها المعروف باسم «صور بغدادية» في صفحة (145 – 150) المطبوعة في كيلد يوكس العام 1947:

«على مسافة غير بعيدة من كربلاء جعجع الحسين إلى جهة البادية، وظل يتجول حتى نزل في كربلاء وهناك نصب مخيمه… بينما أحاط به أعداؤه ومنعوا موارد الماء عنه. ولاتزال تفاصيل تلك الوقائع واضحة جلية في أفكار الناس في يومنا هذا كما كانت قبلا، وليس من الممكن لمن يزور هذه المدن المقدسة أن يستفيد كثيرا من زيارته ما لم يقف على شيء من هذه القصة، لأن مأساة الحسين تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس، وهي من القصص القليلة التي لا أستطيع قراءتها قط من دون أن ينتابني البكاء».

انتهى الاقتباس… لكن تلك الكاتبة لم تبك في العام 1947 أو ما قبله أو ما بعده لأنها «جزعة» تلطم الخدود… بل لأن مأساة الحسين «تتغلغل في كل شيء حتى تصل إلى الأسس»… والأسس هذه كلها مجموعة في مبادئ عاشوراء الحسين (ع)، لذلك، لم ولن ينهزم.