سعيد محمد سعيد

بين نظرة وزير الداخلية… ونظرة المخربين!

 

مازلت أقول، إنه يصعب على فئة من البشر ألا تشتعل غضبا بمجرد سماع كلمة «المخربين»! فالمخرب بالنسبة إليها أنموذج واحد فقط لا غير، هو ذلك «المجاهد، المقاوم، المظلوم، الذي يطالب بحقوقه»، وهذه «اشتعالة» سيئة للغاية تعكس سطحية صاحبها، وتفضح عجلته التي هي من الشيطان قطعا!

وأعيد مرارا، أنه على رغم كوني واحدا من الذين لا يقبلون بالعنف من أية جهة كانت، سواء كانت من جانب المتظاهرين أم من جانب قوات مكافحة الشغب وغيرهم ممن أصبحنا نراهم ولا نعرف من يكونون، لكنني في الوقت ذاته، أريد أن أعيد أيضا أنه من غير اللائق والمقبول، أن يصبح كل صاحب مطلب هو «مخرب» مع الاعتبار للحركات الصبيانية هنا وهناك التي لا هم لها سوى إشعال الإطارات وحاويات القمامة من دون مناسبة في كثير من الأحيان… فقط من أجل تسجيل بطولة ورقية والعتب على أولياء أمورهم طبعا!

شئنا أن أبينا، فإن مثل هذه التصرفات يجب أن تتوقف وألا تعطى المبرر، لأن الكثير من الصبية الصغار أصبحوا يهملون دراستهم ويتصادمون مع أهاليهم فقط من أجل أن يشاركوا في عمل لا يفقهونه أصلا، وأقول إنها يجب أن تتوقف لأنها تضر بالحركات المطلبية العادلة والمشروعة، وخصوصا في الوقت الذي تتكالب فيه أطراف الطائفية ضد القرى تحديدا، وهنا، وددت الربط بين كلام مهم قاله وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، وبين أفعال «المخربين» – ولا نقصد هنا الأطفال والشباب – بل نقصد الكبار الذين يثيرون الدولة ضد «الوفاق» و «حق» وكل صوت يراد له أن يصل إلى «ولي الأمر»، فوزير الداخلية حذر من مظاهر الطائفية التي نشهدها اليوم ولم نعرفها من قبل، ونعيش أجواء من الشد والتوتر وتصدع الثقة بين أطياف المجتمع، ليثار السؤال: «ما نهاية هذا المنحنى الطائفي؟».

نعم، ونحن مع معالي الوزير في أن النهاية المحتومة لهذا الأمر لا تفضي إلى الصالح العام إذا تركنا الأمر إلى الظروف، لكون الطائفية تفاعلت وازدادت خطورتها بسبب الظروف المحيطة التي شهدتها المنطقة، لكن وددنا لو أن أطرافا مهمة في الدولة تستمع إلى كلام الوزير وطرحه المهم، فبدلا من التصريح دائما وأبدا بأن القرى وشباب القرى هم الشوكة في خاصرة البلد وهم السلاح المدسوس لتحطيم البلد، لابد أن ينظر أولئك الشخوص إلى أن الإثارات الطائفية البغيضة التي لم تتوقف يوما ما هي إلا جزء من «التخريب» المتعمد الذي يفوق قسوة وخطرا حرق إطار هنا أو حاوية هناك، ويدمر نفسية المئات من شباب القرى.

يحتاج كلام وزير الداخلية إلى أن تستفيد منه كل الأطراف، وخصوصا تلك الأطراف التي جعلت من كل حركة مطلبية في القرى، حتى وإن كانت قانونية ومرخصة، فرصة للتنفيس والقمع والمواجهة، ليظهر أمام أعيننا تخريب شديد لأنه لن يضر أهل القرى بدخان الإطارات والحاويات، بل ينخر في أساسات البلد ليضر الجميع.

ونحن مع الوزير أيضا في أن: «أخطر ما نواجهه اليوم هو تلك الرواسب الطائفية التي تسهل الأمر على من يريد أن يصطاد في الماء العكر، أن يجد ضالته في التخريب والتفريق بين أبناء الوطن الواحد».

والآن، هل من الصعب التفريق بين «المخربين» الذين قصدهم الوزير؟ أم سيقفل البعض عقله على «القرى وشباب القرى وأطفال القرى ومطالب القرى وحقوق القرى، وحسب»؟!…

الأحد المقبل سيكون لنا تفصيل أكثر.

سعيد محمد سعيد

ارموها على العلماء… واسلموا على أرواحكم!

 

كل شيء في البلد، يتحمله علماء الدين؟!

كل الأخطاء، وكل الإخفاقات، وكل الأوضاع السيئة، بل وكل أزمة تلم بالبلد سببها العلماء… من الطائفتين طبعا!

هكذا هي الحقيقة الواضحة اليوم، في عقول الكثير من أبناء البلد… أساسها أن علماء الدين هم أساس المشكل، وهم سبب الأزمات الطاحنة وهم الراقدون في سلام في بيوتهم!

لن تجد نقاشا بشأن أوضاع البلد إلا وينبري البعض ليرمي كل التهمة على علماء الدين:

– استمرار الأزمة والاحتقان في البلد سببه علماء الدين.

– سوء الأوضاع المعيشية سببه سكوت علماء الدين.

– عدم وجود رؤية توافقية بين مؤسسة الحكم وبين الشعب يعود إلى «لامبالاة» علماء الدين.

– الحريق الطائفي المستعر، تسبب فيه علماء الدين.

– التردي الأخلاقي والتفكك الاجتماعي أيضا سببه علماء الدين.

– أزمة الاختناق المروري، ومنها أيضا مأساة سواق الشاحنات على جسر الملك فهد تعود إلى ضيق أفق علماء الدين.

– استمرار أشكال الفساد في البلد هو بسبب «طبطبة» علماء الدين على المفسدين.

– سوء الخدمات في بعض الأجهزة، ووجود الآلاف من العاطلين وتضخم قوائم الأسر المحتاجة هي مسئولية علماء الدين.

ترى، أين بقية فئات المجتمع؟ أليس للمسئولين الحكوميين من وزراء ورؤوس كبيرة ذات نفوذ وكلمة دور في قول كلمة حق؟ ألا يجب أن يكون للمثقفين والكتّاب والصحافيين مشاركة حقيقية في تفعيل دورهم الخلاّق في المجتمع؟

لماذا علماء الدين وحدهم هم المسئولون؟

صحيح أننا لا ننكر أن للعلماء مكانة كبيرة في أي مجتمع إسلامي، وأن تحركهم وخطبهم وبياناتهم وعلاقاتهم مع القيادة يمكن أن تثمر عن الكثير لو قدر لهذا التحرك أن يبنى على حمل الأمانة وقول كلمة الحق، لكن حصر المسئولية كلها في فئة العلماء، ونسيان الفئات الأخرى، لن يغيِّر في مجرى الحوادث شيئا.

هناك الكثير من الشخصيات البحرينية والوجهاء والتجار يتمتعون بمكانة محترمة لدى القيادة السياسية، ويمكنهم الالتقاء بالشيوخ لإيصال صورة حقيقية عن أوضاع المواطنين، لكن قلة منهم يقوم بهذا الدور، ولعل ذلك نادرا ما يكون؟ فيما يترك الحبل على الغارب لبضعة أشخاص من المنافقين والمتكسبين والباحثين عن تحقيق المصالح الشخصية والأعطيات والهبات ليقوموا بالدور الذي لا يتعدى حدود تحقيق مصلحة له ولأهل بيته وجماعته، فيما لن تجد مكانا لهموم المواطنين وأوضاعهم في قلب ذلك الشخص.

هل هذا الكلام ينطبق على الكل؟ لا قطعا… فهناك من العلماء ومن الرموز الاجتماعية والدينية، وإن كانوا قلة، لكنهم لا يذخرون جهدا في إيصال قضايا الناس إلى القيادة، لكن هذا الأمر يتطلب الاستمرارية والمشاركة الأقوى، فليس مجلس الشيوخ مكانا للتباهي بالبشوت والغتر الفاخرة والعطور الثمينة، أو بالسيارات الفارهة الفخمة المتوقفة في الخارج… هو مكان يظهر فيه أصحاب الكلمة الصادقة والحاملون لهموم الناس لكي ينقلوا هذه الهموم إلى القيادة، كما هو مكان أيضا لأهل النفاق والرياء الذين يرتدون وطنية فذة شعارها: «املأ ركابي فضة أو ذهبا»… وللأسف، هم كثر.

شخصيا، أعلم جيدا أن مقولة «الأبواب المفتوحة» بين القيادة والشعب لا يمكن أن تترجم إلى خطوات عملية، إلا من خلال حركة أمينة من جانب جميع فئات المجتمع ذات المكانة لدى القيادة للتباحث في شئون البلد، وليست هي مسئولية العلماء فقط حتى يتلقون الاتهامات، وإن كان بعضهم مقصرا، وليتنا نشهد في القريب، من يحمل هموم البلد إلى القيادة، كلما سنحت له الفرصة لذلك.

سعيد محمد سعيد

الهاربون من الحياة… أيضا!

 

نقلت قبل مدة، صورة لوضع الشباب والناشئة في كثير من مناطق البلاد، وخصوصا في قرى المحافظة الشمالية، إذ يعز على الكثيرين أن يجدوا مرفقا شبابيا ثقافيا أو رياضيا أو اجتماعيا يلم شتاتهم ويستقطبهم ليمنحهم ما ينفعهم…

هؤلاء، الذين يحتاجون إلى رعاية الدولة، ليسوا سوى أناس لهم كل الحق في أن تكون لهم مرافقهم كونهم شبابا وناشئة وأطفالا أيضا، وفي المقابل، نقلت صورة أولئك الشباب الضائع، وأسميتهم «الهاربون من الحياة»، وكنت قد وعدت بمواصلة الموضوع، وهذا هو لقاؤنا الثاني المتعلق بقضية الشباب في القرى، وتعالوا وانظروا معي إلى هذه الصورة: في غاية الانسجام كان ذلك الشاب الذي جلس القرفصاء على كرسي طويل في إحدى الحدائق الصغيرة الحديثة الجميلة بإحدى القرى… متأملا إلى أبعد درجات ومعاني التأمل… هادئا لا يتحرك من شدة هدوئه… كأنه يتذوق تلك اللحظات بكل ما فيها من سعادة ورونق وألق ومذاق لا مثيل له… من حسن الحظ لم يكن هناك إلا قلة من الأطفال الذين راح بعضهم يلعب في حوض الرمل، فيما كان الآخر يتمايل مسرورا على الأرجوحة… أما هو فقد كان في تأمله الذي لم يتوقف… مضى الوقت، ولم تنتهِ لحظات التأمل… لكن أتدرون لماذا كل هذا؟

لأن الأخ، قد انتهى للتو من أخذ حقنة من المخدرات! أو ربما ابتلع قرصا من الأقراص التي تنتشر بين الشباب هذه الأيام، وأكمل وقته جالسا كالصنم، اللهم إلا من بعض أنفاس تروح وتجيء!

كيف بالله عليكم تكونت هذه الجرأة واللامبالاة لدى هؤلاء لكي يتعاطوا المخدرات في الحدائق ويشكلوا خطرا حتى على الأطفال؟ لابد من أن يكون هؤلاء تحت أعين المراقبة والصرامة من جانب الجيران، لأنهم يمثلون خطرا على الجميع… وإذا كان بعض الناس في بعض القرى قد عملوا منذ سنين على رفض دخول الدوريات الأمنية مناطقهم (وهذا حصل بالتأكيد في بعض المناطق)، فعليهم الآن أن يتعاملوا مع مروجي ومدمني المخدرات الذين يسرحون ويمرحون بكل حرية وطمأنينة.

هنا، تجد سيارة متوقفة خلف بيتك وفيها مجموعة من ثلاثة إلى أربعة من الشباب، وكل واحد منهم يحقن الآخر… هناك، بالقرب من منطقة الزرايع، وكر للحشاشة… وفي زاوية من المقبرة، وكر آخر!

في البحرين، وطبقا لما يقوله العارفون، فإن الفئة العمرية بين 15 و30 سنة هي الأكثر عرضة للإدمان ولديها استعداد عال للوقوع في الإدمان، ولهذا، يصبح دور الأسرة والمدرسة والمجتمع أيضا مهما في الاكتشاف المبكر حتى لا نخسر المزيد… ففي النصف الأول من العام 2007 توفى 12 شخصا، وفي العام الذي سبقه، أي في العام 2006، فإن عدد المتوفين بلغ 35 شخصا من بينهم 19 امرأة، بسبب جرعة مخدرات زائدة.

وسواء كانت الجرعة زائدة أم قاصرة، المشكلة ليست هنا! المشكلة تكمن في أن ظاهرة تعاطي المخدرات، تحصل على «الدلع» من هنا وهناك، بأنها لا تشكل ظاهرة، ولا تقلق المجتمع ولا… ولا… وهي تزداد يوما بعد يوم لتستقطب الهاربين من الحياة…

متى نحذر؟… الله أعلم!

سعيد محمد سعيد

القرى ليست «نهبا»

 

وددت لو أن بعض المشايخ الأفاضل وبعض الشخصيات المثقفة والفاعلة ذات الأسماء الثقيلة في المجتمع، حين تتصل بنا لمناقشة فكرة أو البحث في موضوع أو معالجة قضية تتعلق بالأوضاع المقلقة في القرى بسبب أعمال التخريب، التي لا أشك شخصيا في أن مندسين نشطوا في الآونة الأخيرة في افتعالها لإلحاق الأضرار بالمواطنين… أقول وددت لو أن تلك الشخصيات المهمة، تقبل بأن ننشر ما يدور بيننا وبينها من نقاش هو في الحقيقة يحوي مواقف وطنية مشرفة، هي بمثابة رسالة واضحة للحكومة، وفي الوقت ذاته رسالة معتدلة لكل الأطراف، وخصوصا الطرف النشط الذي يمارس دوره في إحياء المطالب عبر المسيرات والاعتصامات المنظمة والفاعلة التي تتيح للناس التعبير عما يجول في أنفسهم بكل حرية وأمان.

وفي الحقيقة، لابد من أن نلتمس العذر لكل من بدأ يشعر بأن الوضع في القرى أصبح أشد خطرا من ذي قبل، ومن حقه أن يأمن على نفسه، لكن الكلمة مسئولية، ليس في قبال حركة المطالب المشروعة التي لن تنتهي طالما يعطي الدستور المواطن الحق في التعبير عن رأيه وإعلان مطالبه باعتدال وبسلمية لا تعرض حرية وحياة وحقوق الآخرين للانتهاك.

كثير من القراء يعبرون في اتصالاتهم ورسائلهم لنا عن اختلافهم معنا في بعض الموضوعات التي نتناولها وتتعلق بأعمال العنف والتخريب التي تشهدها القرى بين الحين والآخر، وفي المقابل، هناك فريق يؤيد ما نطرح وخصوصا إذا ما تطابقت المعلومات والنقاط التي نطرحها مع معلومات ونقاط هو يدركها ويعلم حقيقتها… وكما يعلم الكثير من القراء المتتبعين لهذه الزاوية، فإن مناسبات كثيرة كررت فيها رفض أعمال العنف والتخريب والحرق التي تشهدها القرى، سواء من جانب بعض الشباب من أبناء تلك القرى، أو من القادمين إليها، أو من جانب الفئة الخطرة التي تندس في القرى لتفعل فعلها المشين من أجل تقويض الاستقرار وإلحاق أبشع صور الضرر بالأهالي، لكن لايزال هناك الكثير من الناس لا يفرقون بين ملثم وآخر! وهذه مسألة صعبة في الواقع، لكن ليضعوا في اعتبارهم، أن من يريد الإضرار بالقرى وبأهالي القرى وبالحركات المطلبية المشروعة، ليسوا كلهم أنموذجا واحدا… وليسوا كلهم على حق… وأن من بينهم عصابات تتعمد إثارة القلاقل في القرى. وقد أشرت في السابق إلى أن بيانا لجمعية “الوفاق الوطني الإسلامية” قد لفت النظر إليها إثر حادث إحراق مزرعة كرزكان، أكدت مجموعات ملثمة تحمل السلاح وتهدد أمن البلد بكامله.

القرى يا جماعة ليست “نهبا” وليست مسرحا ميدانيا للتنكيل بأهلها عبر تعريضهم للعقاب الجماعي وإفساح المجال للطائفيين من أجل صب جام غضبهم على أهالي القرى ورموزها الدينية وناشطيها، عبر التصريحات الصحافية والمواقف البرلمانية والمنتديات التي ما استطاعت أن تغطي عورتها فانكشف هدفها الرامي إلى إخراج أهالي القرى من ملة الدين ومن حقوق المواطنة ومن انتمائهم للبلد.

هناك محاولات واضحة للعيان من جانب بعض الأطراف البرلمانية والصحافية، وكذلك من منابر دينية لا شغل لها سوى تأليب الدولة على القرى! هذه المحاولات مسنودة بأعمال عنف وتخريب لاأزال أجزم بأن لا أحد يستطيع تحديد من يكون أولئك الذين ينشطون في بعض القرى لإشعال النيران! وهذا ما حذرنا منه مرارا وتكرارا… فإذا كنا نرفض العقاب الجماعي، ونعلن للمسئولين الرفض لاتهام كل شباب القرى والأهالي بالإرهاب ووضع الجميع في خانة واحدة، فإن من الواجب أيضا تكرار تأكيد أهمية أن تكون الأنشطة المطلبية معتدلة وهادئة تقطع الطريق أمام المندسين الذين يرقصون فرحا كلما اشتدت المواجهات العنيفة بين الشباب وقوات الأمن.

ليس لأهالي القرى ذنب في أن يعانوا من الحرائق والغازات والسطوة المسلطة على رقاب أهلها… وإذا كان الكثير من الشباب الذين تواصلوا يؤكدون أنهم لا يبدأون بالعنف في أنشطتهم المطلبية، وأن الأمور تسير بشكل طبيعي إذا لم يواجه نشاطهم بالتنكيل والقمع، فإننا نضم صوتنا إلى صوتهم في استمرار الفعاليات المطلبية بعيدا عن العنف، ونتمنى أن تصل الرسالة أيضا إلى أصحاب القرار، لإيقاف أي طرف كان، يسعى للنيل من استقرار البلد ومن حقوق الناس، والإضرار المبرمج والمقصود، لكن، نعيد ونكرر، أن أي ممارسات غير مسئولة هي الأخرى تفتح الباب على مصراعيه لاستمرار اندساس المندسين، الذين لا يرتاحون إلا إذا رأوا القرى تشتعل، ورأوا أهلها في خلاف وصراع يزرع العداوة والبغضاء. وللحديث صلة

سعيد محمد سعيد

ملثمون… مسلحون!

 

إن كان قدرنا، وقدر بلادنا أن نعيش وتعيش في دوامة التلثيم والملثمين، فذلك قدر لا راد له إلا الله سبحانه وتعالى، ثم، بعد الله، يأتي الدور على الجميع… نحن جميعا، الحكومة أولا والشعب أولا والقيادات أولا، ثم نقاط الاختلاف والائتلاف ثانيا، وثالثا ورابعا وخامسا وعاشرا وربما إلى المليون… تتوالى النقاط الأخرى واحدة تلو الأخرى، بدءا بالمطالب الشعبية المشروعة، مرورا بالحال السياسية العامة في البلاد ومشروعية الحكم والنظام والعلاقة بين الحاكم والمحكوم من جهة، والعلاقة بين سلطة الحكم ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى… فلا بأس إن كثرة النقاط المتتالية، لطالما في البلاد قنوات، ومؤسسة تشريعية ونظام حكم وقيادات معارضة، قادرة على تنظيم الإيقاع الإيجابي من العمل في هذا البلد الكريم.

إن كان قدرنا أن نعيش في صورة التلثيم والملثمين، سنفقد هويتنا التي بدأت رويدا رويدا تصاب بالهوان والضعف! شئنا أم أبينا؟ فالمجتمع البحريني، الذي صار خليطا (خطير) الأبعاد، يغلي على مرجل… الآن، المرجل الأكثر اشتعالا وقلقا، تلك الصورة من الأسلحة، في يد أشخاص ملثمين أيضا… وإذا كان المسئولون بوزارة الداخلية قد نفوا أكثر من مرة وجود مجموعات تابعة للوزارة، من المسلحين الملثمين، فمن يكون أولئك؟

المعادلة التي سأسوقها هناك ليست منطقية إطلاقا، لكنها تبدو السائدة، وهي قائمة على سؤال رئيس: “هل ستكون المقايضة هكذا: وزارة الداخلية ومسئولوها يطالبون الأهالي في القرى والمناطق التي تشهد اضطرابات بإيقاف أولئك الملثمين أيا كانت مطالبهم، وردعهم ومنعهم عن الحرق والتخريب والتدمير (المرفوض قطعا وأنا شخصيا ضد هذه الأعمال) + الأهالي يطالبون وزارة الداخلية بإيقاف أولئك الملثمين المسلحين الذين يظهرون في بعض الأحيان في القرى والمناطق التي تشهد اضطرابات، أيا كانت الجهة التي ينتمون إليها وتدعمهم، فيجب ردعهم ومنعهم لأنهم أشد خطرا من العزل؟”… إن وصلنا إلى هذه المعادلة: قل على أمننا السلام؟ ذلك الأمن الذي تحسدنا عليه دول كثيرة، أصبح اليوم يواجه التحدي الأصعب.

تلك السيدة البحرينية، التي كتبت في إحدى المنتديات قصتها مع صديقتها الخليجية التي كانت تتجول معها بالقرب من أحد المجمعات الشهيرة حينما شاهدت مجموعة من الملثمين الذين يحملون الأسلحة ويطلقون النار في كل اتجاه لتصاب ويصاب الناس، كل الناس بالرعب والخوف، وجدت من يعقب على قصتها بكوميديا ساخرة، لا يمكن أن تتلاقى مع الدراما والتراجيديا… فمن معقب عليها بالقول: “هذا فيلم هندي”، وآخر وصفه بأنه فيلم “أكشن” أميركي، وآخر أرادها أن تصحو من نومها وتقول “خير اللهم اجعله خير” حتى تطرد الكابوس… ومن أطلق كلمته بالصوت والكلمة (بووووووووم) كأن ما قالته قذيفة مدوية… لكن هل كذبت؟

لا، لم تكذب تلك السيدة ولم نكذب، فلا نريد أن نكذب على الحكومة ولا نريد أن نكذب على وزارة الداخلية ولا نريد أن نكذب على بعضنا بعضا، ولا نريد حكومتنا أن تكذب علينا أيضا!… أنا باعتباري مواطنا، سأواصل مطالبة حكومتي بكل ما هو مشروع من حقوق وبكل ما هو مشروع من وسائل، لكني لن أتلثم وأحرق!

وفي الوقت ذاته، لن أسمح – كوني مواطنا أيضا – لملثم مسلح، أيا كان انتماؤه وأيا كانت أهدافه، لأن يعيث في بلدي فسادا… فالخروج على القانون لا يقابله إرهاب ملثم… وحرق إطار في شارع، لا يقابله حرق “أمن” بلد بكامله…

إذا كانت وزارة الداخلية ملامة، فقبلها الدولة ملامة، واللوم أيضا على الأبواق التي تصفق لأصحاب النوايا السيئة، والشخصيات الباحثة عن النفوذ والقفز على أكتاف المواطنين… والشارع أيضا ملام، لأن بعض قياداته لا تفرق بين ما ينفع الناس وما يضرهم!

جاء أولئك الملثمون، لا نعلم من أين، لكن، قطعا هناك من يعلم؟ وقد علم، بأن البحرين، لا تقبل الإرهاب أيا كان نوعه.

سعيد محمد سعيد

«التخريب»… المسمار حين ينغرس في العين!

 

كان صيف العام 1994 صيفا خطيرا! بل كان من أشد القيظ تأثيرا في التحولات التي ستشهدها البلاد فيما بعد، مع الدعوة التي قادها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عبدالأمير الجمري لتوقيع العريضة الشعبية التي كانت امتدادا للعريضة النخبوية في العام 1992، وما تلاها من حوادث شديدة وموجعة تسمى الآن بـ «حوادث منتصف التسعينيات».

لقد شكلت العريضة النخبوية منطلقا مهما للمطالبة بعودة الحياة البرلمانية، تفرعت منها مطالب أخرى مهمة كترسيخ العدالة الاجتماعية وتحسين الأحوال المعيشية وتوظيف العاطلين والسماح بعودة المبعدين ومكافحة الفساد المالي والإداري وتعزيز الممارسة الديمقراطية واطلاق الحريات العامة وأولها حرية التعبير والرأي… وهذه كلها مطالب مشروعة لم يغفلها المشروع الإصلاحي فيما بعد، فشهدت البلاد مع بداية العهد الإصلاحي لعاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة تأسيسا لقاعدة التحول نحو الشراكة السياسية في صنع القرار، من خلال إعادة الحياة النيابية والبدء في خطوات الإصلاح، نجح بعضها وتعثر بعضها الآخر، لكن بقيت خيارات وقنوات التصحيح مفتوحة، وهي باقية حتى اليوم إن أحسنت مؤسسة الحكم والسلطة التشريعية في تحقيق التوافق فيما بينها.

لكن عودة إلى فترة حوادث منتصف التسعينيات، فإن صورة المواجهات العنيفة هي الصورة التي كانت ولاتزال ماثلة في الأذهان، وتغير الوضع بعد المشروع الإصلاحي، ودفعت بعض الإخفاقات إلى عودة صور متعددة من الاحتقان والشدة، وبعيدا عن تفاصيل كثيرة، تعود اليوم جزئية محدودة من حوادث منتصف التسعينيات في صورة أعمال عنف وتخريب وحرق، محدودة لكنها مؤثرة بشكل واضح في استقرار البلد.

ومهما يكن من أمر، فإن الوضع اليوم يختلف كثيرا عن حقبة «أمن الدولة» المقبورة!

آنذاك، لم تكن إدانة أعمال التخريب المنافية للقانون بقوة إدانة اليوم من مختلف الاتجاهات والأطياف… وكانت القوى السياسية تتحذر كثيرا من الإدانة! أما اليوم، فالإدانة معلنة وواضحة، لكن ثمة نقطة مهمة، أود إثارتها هنا بالنسبة إلى أعمال العنف والتخريب التي تشهدها بعض القرى اليوم، تنطوي تحت هذا السؤال: مَنْ الذي يقوم بأعمال التخريب والحرق والدفع في اتجاه تقويض الأمن والاستقرار الاجتماعي؟

من اللازم التنويه إلى أن استخدام كلمة «إدانة» وتخريب وحرق، تضع قائلها في أحسن الحالات في خانة الخيانة والموالاة للسلطة والوقوف في وجه الشعب ومطالب الشعب والتسبب في إيلام الشعب؟ لكن أعمال الحرق والتخريب اليوم، هي مسمار ينغرس في العين!… كيف؟

بودي أن يجيب أحد على هذا السؤال، لكن بعد النظر في سؤال آخر بتعمن، وهو: هل يستطيع أحد أن يحدد بالضبط، مَنْ هم أولئك الملثمون الذين يقومون بأعمال العنف والتخريب؟ وهل يعلم من يعتقد أنه «يتحرك في هذا الاتجاه العنيف والمرفوض ليواصل المطالب المشروعة»، أنه يقدم فرصة ذهبية لجماعات أخرى مجهولة ترى من مصلحتها تقويض المشروع الإصلاحي واستمرار حال الفوضى والاستفادة من جو العنف لتحقيق مكاسبها هي؟!

لم يكن لقاء وزير الداخلية مع أهالي المحافظة الشمالية هو الأول ولن يكون الأخير، لكنه الأبرز في إدانة العنف والتخريب، والتحذير من التداخل المخيف بين مجموعات العنف المعرفة وغير المعرفة!

إن الممارسين لأعمال العنف والمدافعين عن هذا الخط والداعين إليه، يقعون في خطأ استراتيجي رهيب، لأنهم يفتحون الباب على مصراعيه لتشاركهم بخفاء عناصر ومجموعات مجهولة لا صلة لها بالمطالب المشروعة، فيختلطون مع بعضهم بعضا بلا مقياس للفرز! فيحقق المجهولون جزءا من مآربهم، ويوجه الآخرون ضربة قاسية لدعاة الإصلاح والنشاط المطلبي السلمي، ولعل هذا ما بدا واضحا من خلال بيان الإدانة الذي أصدرته جمعية «الوفاق الوطني الإسلامية» وحذرت فيه من جهات «مشبوهة ومغرضة، وقد تكون من تبعات الخلايا السرية، تريد للمشروع الإصلاحي الفشل وجر الشارع للمواجهات العنيفة على حساب الحوار الوطني والحراك للقوى الوطنية الشريفة داخل وخارج البرلمان»، ولم تستبعد وجود احتمالات ضئيلة أن يكون وراء هذه الحوادث أشخاص باجتهادات مختلفة غير سوية.

السؤال المحير جدا لمن يواصلون أعمال العنف والتخريب تحت عنوان «المطالب»: مع مَنْ أنتم؟ وهنا تصبح الإجابة صعبة والفرز أصعب! لكن الأسهل والأوضح، هو أن استمرار هذه الأعمال المنافية للقانون والمدانة قطعا في القرى المستهدفة، يقدم على طبق من ذهب فرصة لكل مشبوه ومغرض لأن يبارك ويتمنى أن يستمر هذا الوضع المقلق والمدمر للوطن… فهل هناك مجال للتفكير بدقة، وقطع الطريق أمام أعداء الوطن؟

سعيد محمد سعيد

من أم بدر… كلمات تقطع القلب؟!

 

هي لاتزال في انتظار الغائب… مر على اختفاء وليدها نحو 8 أشهر، منذ تلك الظهيرة الحارقة من صيف يوليو/ تموز من العام الماضي 2007… كان يوم الثلثاء العاشر منه، هو يوم حزين كئيب… ليس لأم بدر وحدها، بل لكل أم في البحرين، ولا أبالغ حينما أقول، إنه كان يوما “مفجعا” لكل إنسان سمع بقصة اختفاء الطفل ذي السنوات الثلاث في ظروف غامضة لا يعلم سرها إلا الله سبحانه وتعالى.

في داخلها، شعور لا يمكن أن تكذبه، فهي تشعر به حيا يرزق… فقلب الأم دليلها! مكامن إحساس الأمومة في روحها تبلغها بأن الصغير الذي غادر حضنها، سيعود إليه يوما ما… عسى ألا يطول الانتظار، وعسى يوم العودة قريبا!

لسان حال الأم يجيب على السؤال التائه الحائر: “هل لاتزالين تعتقدين بأنه على قيد الحياة؟”، لتجيب: “وهل عثروا عليه ميتا حتى أفقد الأمل وأكذب إحساسي؟”.

ثمانية أشهر بلياليها المرهقة المتعبة القاتلة، وأيامها الثقيلة الموحشة الباكية، كفيلة بأن تذيب الصبر، لكن صبرها كونها أما لم يتصدع… وماذا بعد، ألا يتصدع قلب الأم؟ بلى، هذه الأم التي ليست كأم الطفلة المفقودة فاطمة، التي اختفت في شهر فبراير/ شباط من العام 2001… فأم فاطمة ليست موجودة وإلا تكررت مأساة الوالدتين، ولربما التقتا معا لتشد كل منهما أزر الأخرى… أم بدر تصدع قلبها، وكان الله في عونها… فهي الآن، على فراش المرض، ودخلت المستشفى لإجراء عملية في القلب.

منذ اختفاء الطفل، عكس التضامن الأهلي صورة جميلة من أجمل صور المحبة في المجتمع البحريني الذي بدأ يعاني من التشظي المرير والمؤسف!

فهذا الحادث المحزن، جمع المواطنين من الطائفتين الكريمتين في حالة إنسانية رائعة هي الصورة الحقيقية للمجتمع البحريني التي لن تؤثر عليها حالات “التشظي” تلك، وحتى اليوم، لايزال هذا التواصل مستمرا مع والدة الطفل وأسرته، وإن قل كثيرا عما كان عليه في السابق، لكن لايزال من الجيران ومن المواطنين من يتواصل مع الأسرة ليتابع احتياجاتها ويصبر الوالدة ويأخذ بخاطرها.

أم بدر، وهي على فراش المرض، تريد أن يعيش الناس، كل الناس، معها على أمل عودة الغائب… هي تشعر بأن وليدها على قيد الحياة، ولعله يكون عند أحدهم، لذلك هي ترسل رسالتها الحزينة: “نظرة عطف إلى حالي كوني أما فقدت طفلها… من يعرف أين فأرجوه يخبرني… من أخذ طفلي فليعده إليّ… سأسامح من حرمني منه ولكن فليعده إليّ… أعلم أنه حي، ولو تيقنت من أنه غادر هذا الدنيا، سأسلم أمري إلى الله، لكنني أنتظر عودته”.

هذه هي رسالة الطفل الغائب بدر من والدته، نوصلها إلى كل مواطن ومقيم… فعملية البحث مازالت مستمرة من جانب الفريق الأمني الذي تعجز الأسرة عن توجيه الشكر له وللمسئولين في وزارة الداخلية الذين هم في تواصل مستمر كما يقول ابنها محمد، وهو يعجز أيضا عن شكر كل المواطنين والمقيمين الذين بذلوا ما في وسعهم للبحث عن أخيه الصغير، بدءا من أهالي قرية سماهيج وقلالي والدير، وجميع أهالي المحرق، وعموم أهل البحرين، لكن يوصيهم بألا ينسوا والدته التي عانت الكثير حتى أرهقها المرض، وألا يتردد أي شخص عن تقديم أية معلومة مهما كانت لأنها قد تنفع الفريق الأمني المكلف بالبحث، فالأمل موجود لديه بأن أخاه على قيد الحياة، ونسيان القضية أو إهمالها من جانب المواطنين والمقيمين سيلقي بها في طي النسيان.

سعيد محمد سعيد

سنة «الخمسين دينارا»!

 

في الذاكرة الشعبية البحرينية التراثية التاريخية، بضع مناسبات ارتبطت بحوادث شهدها المجتمع البحريني… من بينها حوادث كبيرة لكن تاريخ حدوثها غير محدد بالضبط… كأن يقال «سنة الطبعة»، فتختلف بشأنها التواريخ، ولا أستطيع شخصيا أن أدلي بدلوي في تحديد تاريخ لأنني ببساطة: لا أمتلك المعلومة.

دعونا من «سنة الطبعة»، لنستعرض بعض الحوادث «الميتافيزيقية» التي مرت بالبلد، ففي أواخر السبعينيات انتشرت قصة الفارس الملثم، وفي مطلع الثمانينيات، رحل الفارس الملثم لتنتشر في المجتمع البحريني قصة «أبو قرون»… ففي القصة الأولى، كان الفارس المجهول يثير الرعب في النفوس، وخصوصا بالنسبة إلى الصغار الذين ينتقل إليهم الخوف تلقائيا من «فزع» الكبار أنفسهم من ذلك الفارس الملثم الذي يظهر ليلا، وربما نهارا أيضا في مناطق مختلفة من البلاد ليثير الرعب… لكن أحدا لم يشاهد ذلك الفارس وجها لوجه، ومن ينبري ليعلن للناس أنه رآه وحدثت بينه وبين الفارس الملثم جولة من جولات البطولة، أو ملاحقة مغامراتية مبهرة، فإنه كاذب كاذب كاذب…

أما «أبو قرون» فهو الآخر كان يخيف الناس، بمجرد أن يقول قائل» «جاكم بو قرون! لن تجد في السكيك ولا طفطوف»! وتصبح طرقات الديرة خاوية على عروشها… وربما لن يشعر ذلك الشخص الذي جاء إلى الخباز ووجده بلا طابور طويل… فبدلا من أن يفرح ويشتري ما يريد من الخبز ويمضي… فإنه يهرب تسابق الريح قدماه لأنه يعلم أن المسألة فيها «أبو قرون» و «خل الخبز ينفعك»؟!

كلها خرافات في خرافات، لكن الناس كانت تعيش فصول القلق لحظة بلحظة…

في عقد التسعينيات، ولربما كان ذلك فيما بين العامين 1992 و1993 انتشرت قصة أخرى، وهي قصة «شحمة الخير»… هل تذكرونها؟! إذ كان الناس يتناقلون قصة قطعة غريبة من اللحم يتم الاحتفاظ بها في المنزل ورعايتها وإطعامها، وهي تجلب الخير… أعتقد أن الكثيرين يتذكرونها؟

دعونا من ذلك كله، فلدينا اليوم حال مشابهة… ينام الناس ويصحون وهم يتحدثون عنها… إنها قصة «الخمسين دينار بدل الغلاء»… ولا ندري هل سيكون في مقدور الناس أن يصلوا إلى لحظة تحقق الحلم الوردي بصرف بدل الغلاء المقدرة بخمسين دينارا لكل أسرة يقل مدخولها الشهري عن 1500 دينار… وعلى رغم عدم وضوح آلية الصرف وموعده الذي طالب مجلس الوزراء النواب بالإسراع في إقرار موازنته البالغة 40 مليون دينار ليتم صرفها قبل الخامس عشر من الشهر الجاري… أي في الأسبوع المقبل، فإن الآمال معلقة دائما على نواب الشعب في إزالة هذه الغمة عن هذه الأمة، وإشاعة حال من الفرح والسرور تدخل كل بيت وتنهي حال الترقب والقلق والمعاناة والخوف من أن تصبح تلك الأحجية واحدة من أشهر الأحجيات التي ترسخت أو ستترسخ في الذاكرة الشعبية البحرينية.

أينما تذهب ستسمع الناس تتحدث عن اليوم المنتظر لوصول الخمسين دينارا إلى جيوب المواطنين الذين طال انتظارهم، ولن تستغرب إذا سمعت بعضنا يوعد أطفاله بأنهم سيعيشون في القادم من الأيام، سنوات جميلة من الرفاهية ورغد العيش بمجرد تسلم معونة بدل الغلاء!

سنة «البونس» مضت إلى غير رجعة، وسنة الزيادات ستكون ربما متطابقة مع حسابات السنوات الكبيسة، لكن سنة «الخمسين دينارا»، 2008، محملة بالآمال الكبار في مواجهة غول الأسعار الذي لا يرحم… فقد أصبح الناس يتحدثون عن الخمسين دينارا وكأنها آخر العلاج (الكي) الذي سيحرق غول الغلاء حرقا يجعله يرمي نفسه في البحر! ويبدو لي، أن غول الأسعار، هو الرديف الشعبي لـ «أبي قرون» و «الفارس الملثم»… مع فارق بسيط… وهو أن غول الغلاء حقيقي حقيقي… فيما كان «أبو قرون» و «الفارس الملثم» مجرد قصتين خرافيتين عبيطتين.

سعيد محمد سعيد

كيدوا كيدكم… أشباح ليس إلا!

 

ذات مرة، كتبت موضوعا بخصوص “الأبطال الجدد” في المجتمع البحريني، وهم مجموعة من عشاق إثارة الفتنة والمشكلات والحساسيات في المجتمع عبر تواصلهم الدائم واللامنقطع، والمتخفي تحت أسماء مستعارة، في عدد من المنتديات البحرينية… ذلك الموضوع جذب لي طالبا يدرس في تخصص الإعلام بإحدى الجامعات العربية، ليطلب مني التباحث معه بشأن بحث أكاديمي يعتزم إجراءه ليقيس مدى تأثير تلك المنتديات المثيرة للطائفية والروح العدائية بين الشعب البحريني.

ذلك الطالب البحريني، كان قد حدد مسبقا خطة البحث، بحيث يبدأ من جانب أجده “موفقا”، وهو محاولة تتبع نماذج من مساهمات الأعضاء ومضامينها، ودوافعها… وهنا المهم، في إطار قياس نفسي مستخدما بعض المقاييس في علم الاجتماع أو ما شابه ما يستخدمها الباحثون.

وبعيدا عن المقاييس العلمية وأدوات بحثها، يمكنني أن أختصر المسافة… فمن الواضح جدا، بعد أن قضيت وقتا مع الباحث في استعراض نماذج كثيرة ومتنوعة، أن هناك مئات العشرات من المرضى النفسانيين يجلسون ساعات طويلة في تنفيذ مخطط تدميري رهيب في البلد، يقوم على الفتنة الطائفية بالدرجة الأولى، انطلاقا من تأليب أبناء الطائفتين الكريمتين ضد بعضهم بعضا، تحت عناوين عريضة وكبيرة ومتكررة تكرارا لا يمكن أن يخرج عن فلك الفتنة، فالغالبية العظمى من المشاركات تبدأ بالتكفير، ثم تعرج صوب قضية شتم الصحابة والتحذير من وجود طائفة خطيرة للغاية تنوي تدمير البلد، وبعد ذلك يبدأ التكرار الآخر في تأليب المواقف من ناحية الانتماء والمواطنة، فيما تذهب مشاركات أخرى مضادة، إلى الترويج لإسقاطات سياسية مدوية، ولا تخلو هي الأخرى من الطرح الطائفي المضاد، وتصبح الأمور في غاية السوء ليعيش أولئك الأشباح أمدا طويلا في مناقشة خلافات تاريخية، من المفترض أن يكون قد عفا عليها الزمن، ويبدأ سيل من الاتهامات والشتائم والسب الوضيع، يصل إلى انتهاك الأعراض وتقاذف الاتهامات بعدم طهارة المولد، والعداوة للدين والوطن، والأشد من ذلك… الاستعداد لحرب شرسة لا هوادة فيها… من دون أن يعلموا أنهم ذاتهم لا يستطيعون الخروج للمواجهة أبعد من مفاتيح الكمبيوتر.

أعتقد أن الكثير من القراء الكرام، يتجولون في مواقع إلكترونية بحرينية، ولا يحتاجون مني أو من الباحث أدلة كافية على ضراوة الوضع بين أشباح الفتنة هؤلاء، الذين لو تمكن الباحث منهم من إثبات شيء مهم، فهو لن يتعدى حدود إثبات أنهم مجموعة من المجانين، صغار السن والعقل، تأكل في نفوسهم وقلوبهم الأمراض النفسية من أعلى رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم.

لكن لندع ذلك جانبا، ونتجه إلى جانب آخر في البحث سيعتمد هذه المرة على حقيقة تأثير تلك المنتديات الإلكترونية في مزاج أبناء الطائفتين من المواطنين، وهل ستكون تلك المنتديات مسببا واقعيا وحقيقيا لتدهور العلاقة وتأجيج الخلاف الطائفي والمذهبي في البلاد.

حتى ينجز الباحث بحثه، من خلال أدواته العلمية واستطلاعاته الميدانية القائمة على الاستبيان الدقيق، سنقر بأن هناك ظاهرة مقلقة فعلا، لكنها غير مؤثرة على أرض الواقع! وإن كان المتأثرون بها في المجتمع، هم أنفسهم الذين ينقلونها معهم لتعيش معهم في حياتهم اليومية، إلا أنهم أجبن من أن يعبروا عن آرائهم ومواقفهم (السرية) في الحياة العامة، بمعنى أن الصراع مع المرض النفسي المرير، يسير مع أولئك الأشباح، الذين نقول لهم (كيدوا كيدكم)، مجرى الدم في العروق… لأنهم مجموعة أبالسة.

لكن السؤال البسيط جدا هو: “هل تركت وزارة الإعلام الحبل على الغارب لإدارات المنتديات الطائفية؟ أم أن عيون الرقابة، عن كل عيب قريرة؟”.

سعيد محمد سعيد

اتركوا الوزراء… استجوبوا المواطنين!

 

وفقا للائحة الداخلية لمجلس النواب، وطبقا لعنوان الشراكة السياسية والحقوق والواجبات للناس، فإنني أقترح إلغاء استجواب الوزراء المسئولين أمام الله والحكم والقانون والناس، وإغلاق أية محاولات «للدندرة» ووجع القلب والدماغ في الديرة، والتصدي للمفردة الشهيرة التي أصبحت كالأنشودة الحزينة «ستحرقون البلد»… نعم، أقترح إلغاء كل ذلك، والتوجه إلى استجواب المواطنين واحدا تلو الآخر عن كل مصيبة تحدث في البلد!

ماذا سيحدث لو غيرنا اللائحة؟ وبدلا من أن يقف المسئول، الذي يحمل مسئولية ثقيلة على عاتقه، في لحظة تاريخية، على منصة الاستجواب، نضيف نصا إلى اللائحة مع تغيير بسيط في الصوغ باستخدام مفردة جديدة أو مصطلح يمكن تقنينه ليركب في النص (غصب طيب)… نطلق عليه مثلا… «استجواب كبش فداء»!

بمعنى أنه يمكن غض النظر عن أي وزير لا يملك الشجاعة للوقوف على منصة الاستجواب والسماح له باختيار «كبش فداء» من بين (529.446)… (الرقم مطروح منه السادة الوزراء وأعضاء مجلسي الشورى والنواب وكبار المسئولين والوجهاء والشخصيات والسياسيون والمنتمون الى الطبقات الراقية، ومطروح منه أيضا المنافقون والمطبلون والكذابون ووعاظ السلاطين، والذين يعملون على خداع الحكومة، وباعة الولاء المزيف، وتجار الطائفية)… أي أننا في النهاية، سنتفق على أن «كبش الفداء» باختصار يعني: مواطن مسحوق والسلام! وخله يروح فيها!

استجواب «كبش الفداء»، مقترحي الذي أرجو أن أنال عليه حقوق ملكية فكرية… ليس مقترحا لتقدير السخرية، بل هو لسخرية القدر! أستغفر الله العظيم…

في ظني، أن السادة الوزراء، كلهم بلا استثناء، لن يمانعوا الوقوف على منصة الاستجواب، لكن أن تصبح هيئة المكتب بمجلس النواب، متعددة الأهواء والأجواء… تتلاقفها الأمزجة فتارة تقر بدستورية استجواب وتارة تنكر، وتقع في شرك المحاذير التي تشعل الجلسات الحساسة… هنا يصبح القلق أكبر! لأننا كلنا، ربما نصبح «كبش فداء» دفعة واحدة! لا لأمر يستحق، بل لفوضى تكشف عدم استعدادنا الذاتي لممارسة الديمقراطية.

في ظني أن السادة الوزراء، ومنهم وزير شئون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة، شجاع بما يكفي للوقوف أمام الاستجواب القادم من «الوفاق» أو غيرها… ووزير شئون البلديات والزراعة منصور بن رجب، شجاع بما يكفي للوقوف أمام الاستجواب القادم من النائب عبدالله الدوسري والكتل المساندة… وأعتقد أيضا أن كل وزير يعتز بشرف حمل المسئولية والأمانة الوطنية الكبيرة، سيقف باعتزاز أمام أي استجواب لأنه سيكون قادرا على دحر كيد الكائدين.

بيت القصيد، أن السادة الوزراء، وهذا ما نظنه فيهم، يمتلكون الشجاعة لأن يقفوا أمام الاتهامات… ويقفوا بلا خوف أو محاولات هروب لإثبات أن الأمانة التي يحملونها مقدسة… وأنهم أبرياء.

لو كنت وزيرا «الله لا يقول»، وتقدم نواب بطلب لاستجوابي، فإنني سأوافق على الفور حتى وإن كنت مذنبا! وسأصنع لي بطولة تاريخية فريدة من نوعها… إذ سأعلن في أول جلسة استجواب… نعم أول جلسة: «إنني مخطئ… والخطأ راكبني من أعلى رأسي إلى أخمص قدمي… ومع السلامة، أنا مستقيل»!

وأنا متأكد كيف ستكون حياتي بعد ذلك… بطلا من أبطال الأمة، تحلف الأجيال برأسي وربما تصبح صورتي أفضل من صور السيد حسن نصر الله وأسامة بن لادن وتشي جيفارا ورونالدينهو… وكلما أدرجت في محرك بحث «غوغل» اسم البحرين… ستراني في أول صفحات الفهرست