سعيد محمد سعيد

الصراع مع الداخلية

 

ليس خافيا ذلك المَدّ والجَزْر، بين الجمعيات السياسية المنتمية الى خط «المعارضة» وعدد من النواب، وتحديدا كتلة الوفاق الوطني الإسلامية، وفئة من الناشطين الحقوقيين وثلاث صحف يومية بعينها، وعدد من كتابها، وبين وزارة الداخلية…

ذلك المَد يشتد ويصل ذروته في حال وقوع اضطرابات أمنية ومواجهات، أو في حال الكشف عن تفاصيل مخططات أو أعمال مضرة بالأمن الوطني، فتصدر البيانات والتصريحات الصحافية، وتكتب المقالات والأعمدة الصريحة، وتعقد الندوات واللقاءات والمؤتمرات الصحافية، من الجهتين، أما الجَزر، فهو على شحه، لكنه يظهر من خلال لقاءات بعض النواب وممثلي الصحافة مع معالي وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وكبار المسئولين في الوزارة للتباحث في (الحدث)، أو استقبال أهالي معتقلين ومحاميهم للاعتراض على إجراء ما، ولعل الجانب المهم، والذي يغفل عنه الكثيرون، هو استقبال تظلمات المواطنين في مكتب المفتش العام العميد إبراهيم حبيب الغيث، وهو يدير هذا الجهاز (المهم للغاية) والذي يتبع مكتب وزير الداخلية مباشرة، وفي وسع أيِّ مواطن أو مقيم تعرَّض للظلم أو انتهاك الحقوق أن يتقدم بشكواه، ويصر على متابعتها.

وعلى أي حال، لابد من إعادة التأكيد على أنه ليس مقبولا الإضرار بأمن الوطن والمواطن، وفي الوقت ذاته، لا يمكن القبول بانتهاك حقوق أي مواطن أو تعريضه لأيِّ شكل من أشكال القمع والتعذيب والإهانة والاعتقال التعسفي والحرمان من الحقوق التي كفلها له الدستور، وكما طرحنا مرارا في هذه الزاوية، من أن افتعال الاضطرابات الأمنية وأعمال الحرق والتخريب وتعريض الأرواح والممتلكات والقيام بالأنشطة المنافية للقانون والمخالفة لأسس المطالبة السلمية والتغرير بالشباب ودعوات (الموت) البغيضة التي لا تستقيم مع المطالب السلمية المشروعة هو من الأمور المرفوضة رفضا قطعيا، رفضنا في المقابل، أية إجراءات أو ممارسات تصادر حقوق الناس وتحرمهم حريتهم، وتشكك في انتمائهم الوطني وتضعهم في خانة (الخيانة).

لكن لابد من القول، إن هذا الوضع، أي العلاقة بين وزارة الداخلية ومخالفيها من مؤسسات مجتمع مدني وصحافة وناشطين ونواب، لا يمكن أن تجده في الكثير من الدول وخصوصا العربية والإسلامية منها! فعلى رغم اشتداد المواقف في كثير من الأحيان بين النواب والناشطين السياسيين والكتاب الصحافيين وبين الوزارة، فإن قناة اللقاء والتباحث ليست معدومة… حتى مع معالي الوزير شخصيا… وإذا كانت هناك أخطاء وتجاوزات تخالف الدستور والأنظمة، توجد في المقابل وسائل قانونية لابد للأفراد والمؤسسات المدنية أن تفعلها في تعاملها مع وزارة الداخلية، فليس مجديا رفع الأصوات هنا وهناك عن وقوع تجاوزات وانتهاكات من دون أن يتقدم ذلك المواطن الذي تعرَّض لتلك الانتهاكات بقوة، إلى مكاتب المسئولين بالوزارة، ويطالب باستعادة حقه كاملا، وليس مجديا رفع المثل القائل: «إذا كان خصمك القاضي، فمن تقاضي؟».

على رغم اختلاف وجهات النظر بيننا كصحافيين وبين المسئولين الأمنيين في شأن معالجة الأوضاع في البلاد، لكن لا يمكن إغفال الجوانب الإيجابية التي شهدتها الوزارة منذ تولي الشيخ راشد بن عبدالله مسئوليتها، فليس أمرا هيّنا إدانة 23 شخصا من منتسبي الوزارة في شكاوى مختلفة لتجاوزهم لواجباتهم ومساسهم بحقوق الإنسان، وإن من بعض الأحكام الصادرة الحبس، كما يتم إعلام أصحاب الشأن بكل التفاصيل كما أعلن رئيس دائرة الشئون القانونية بالوزارة العقيد محمد راشد بوحمود.

ختاما، وهو لبُّ الحديث قطعا، أودُّ أن أتقدم بالشكر الجزيل – نيابة عن بعض المواطنين – الى المفتش العام على تعاطيه الإيجابي مع القضايا التي أوصلتها إلى مكتبه وحظيت بالاهتمام، وإلى القائم بأعمال مدير عام مديرية شرطة المحافظة الشمالية على سعة صدره وحرصه على استقبال المواطنين المتضررين شخصيا… فمثل هؤلاء المسئولين الأمنيين يشعروننا بأن القنوات مفتوحة ومجدية، وهنيئا لمعالي وزير الداخلية مثل هؤلاء وغيرهم، فهُو، وهُم، من يتحملنا إن شددنا عليهم حينا، وإن توجهنا إلى مكاتبهم حاملين هموم الناس حينا آخر…

شكرا لكل المخلصين

سعيد محمد سعيد

ضوابط الخطاب الديني

 

ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة التي يسعى فيها وكيل وزارة الشئون الإسلامية فريد المفتاح للنهوض بمشروع إسلامي وسطي من خير العمل على تنقية الخطاب الديني من الأمور ذات النتائج السلبية العكسية، ولاسيما تلك المتشددة التي تثير الضغائن والأحقاد والعداوات والفتن بين أهل البلد.

ليست المرة الأولى، فالمعروف أن الشيخ المفتاح، كان ولايزال صاحب خطاب ديني، ثقافي، اجتماعي، إنساني، فكري معتدل، حتى قبل أن يتولى مسئولية هذا المنصب الحساس في وزارة حساسة، ولن تكون الأخيرة باعتبار أنه ما من مناسبة سانحة إلا ومضى الشيخ المفتاح ينشر مبادئ مشروع الخطاب الديني المعتدل… في المؤتمرات والملتقيات والاجتماعات بل وحتى في كلمته في الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج والمولد النبوي.

لكن كل ذلك سيذهب سدى؟

مع شديد الأسف… لا مشروع الشيخ المفتاح سينجح، ولا الضوابط ستفيد، ولا مشروع تحت مسمى «الخطاب الديني الوسطي» سينجح، بل الذي سينجح من دون أدنى شك هو الخطاب التحريضي التفتيتي، وهو خطاب يبدو أن أصحابه لهم (دلال) خاص لا ندري من الذي يدللهم ويدلعهم كل هذا الدلع!

لن تنجح مثل هذه الخطوات، وكلامي هذا ليس إثارة للتشاؤم، ولكن لأن البلد في حاجة إلى تطبيق القانون على الجميع… المشكلة ليست في إصدار التشريعات والقوانين، إنما في تطبيقها على كل من يثبت عليه تجاوز القانون.

لننظر خلال السنوات العشر الماضية، سنرى أن هناك من ساهم في تأجيج الوضع في البلاد من خلال خطبه الطائفية، ومع ذلك، وقلتها سابقا، فعل ويفعل وسيفعل، يستمر في الخطابة، وستكون الخطب التفتيتية المقبلة أشد وطأة، ولا يهمنا من ذلك كله إلا أن يتم تطبيق القانون… ليس على طائفة بعينها، ولا على خطباء بعينهم، بل ليكن أولئك الذين يكررون مقولة: «نحن أبناء الدليل، أينما مال نميل»، يستخدمون هذا الدليل في إثبات التهم على من يتهجم على الدولة وعلى الناس… لا بأس في ذلك، إن كان الناس سواسية أمام القانون.

ضوابط الخطاب الديني التي أقرتها وزارة العدل والشئون الإسلامية، مشكورة، ليست سوى صيغة من الصيغ التي اعتدنا عليها في بلادنا، وهي صيغة الكلام أو الحبر على الورق، وكلاهما يذهب أدراج الرياح، ثم لو نظرنا إلى المشكلة من الأساس، لن نجد أن الخطاب الديني المتعصب هو السائد… أبدا، فأهل البحرين، من الطائفتين الكريمتين، لا يرتضون أصلا أن يخطب فيهم من هو ليس أهلا للخطاب ولاحترام عقول الناس، ولكن القلة القليلة الشاذة من الخطباء، ومن يقال عنهم «علماء أفاضل»… قلة قليلة، لكنها تفعل فعلها الكريه المسموم.

ومع ذلك، لو لاحظتم أيها الأعزاء، لوجدتم أن عددهم تناقص نوعا ما! فقد كان هناك، إذا عدنا إلى قبل خمس سنوات مثلا، ثلاثة يصنفون على أنهم من أشد الخطباء إثارة للفتنة، تناقص العدد إلى واحد صامد مدعوم قوي لا يشق لها غبار، لا أعتقد أن الضوابط لوحدها ستفيد… تطبيق الضوابط بقانونيتها هو المفيد.

وإلا أصبح حال ما يسمى «ضوابط الخطاب الديني» حالها حال ما سمعنا عنه قبل سنوات… «ضوابط منع الكتب الطائفية»…

«فلا رضت برجيلها ولا خذت سيدعلي»!

سعيد محمد سعيد

نعم… ولكنكم تكرهون الدولة!

 

لا أرى بأسا من القول إن هناك (عصبة) من الناس، وهي كثيرة العدد، معقدة التشكيل، منظمة العمل، مدعومة ومجهزة بإمكانيات وأموال لا بأس بها، جل عملها هو الاستمرار في تشويه طائفة كاملة من أبناء البلاد، هي الطائفة الجعفرية قطعا، والاستماتة في نشر فكرة انعدام الولاء للبلاد ولقيادتها بين أبناء هذه الطائفة، عن بكرة أبيهم، واستغلال تصرف فرد، أو حركة أو مجموعة أفراد تنتمي إلى هذه الطائفة فيه إساءة للدولة وللقيادة، لكي تفرح بصيدها الوافر السمين، فتسقط ما جاء على لسان هذا أو ذاك على الطائفة بأكملها… ثم يحلو لها الرقص بعد ذلك… لكن هيهات!

وليس هذا خافيا على أحد، فهناك خطباء ونواب، ومجموعات خفيّة، أو حتى ربما أفراد يصدرون بيانات صفراء غاية في الركاكة والضعف الذي يكشف سوء مستوى كاتبه إملائيا ونحويا… وهناك المواقع الإلكترونية وهناك الناشطون وهناك مد كبير لا ينتهي من الناس الذين تصرف لهم مكافآت للمشاركة في المنتديات الإلكترونية نظير مواضيعهم الفتنوية والطائفية، ومع هذا، فليسوا هم الملامين قطعا… الملام هو أجهزة الدولة المعنية التي تنظر وتعلم وتتغاضى عما يجري.

ولابد أن أقول إن بعض الإخوة في (الأجهزة ذات العلاقة)، لم يقصروا، واتصلوا تعقيبا على بعض المقالات، وجمعوا المعلومات اللازمة، وشددوا على أن «مثل هذه التصرفات لا يمكن السكوت عنها» ثم اختفوا بعد ذلك! وهذا لا يهمني شخصيا، ما يهمني هو أن أوصل الكلمة، وأقدم المعلومة كاملة موثقة، لأن سكوت الأجهزة الرسمية عن مثل هذه التصرفات، لا يضيف المزيد من الإساءة للطائفة الجعفرية وتشويه سمعتها، فلطالما أكدت القيادة أن ولاء شيعة البحرين لقيادتها، وإن كانت (تقية)، كما يحلو للبعض أن يصف، فإن الدولة هي التي تكذب على نفسها وهذا محال.

وبمناسبة ذكر التقية، فإن أولئك القوم الذين تحدثت عنهم أعلاه، لا يتعدون حدودهم لنسف الطائفة من البلاد، بل لا يترددون في التشكيك في النوايا والمواقف، خذوا مثالا بسيطا… فيوم أمس الأول، صرح النائب السيدجميل السيدكاظم بما اقتبسنا منه نصا: «إن رؤية الوفاق بشأن حكم آل خليفة من المسلمات إذ إن الوفاق تحتكم إلى الدستور الذي ينص على أن الحكم في البحرين وراثي… الوفاق واضحة بالنسبة لنظام الحكم في البحرين ووراثية الحكم في عائلة آل خليفة، وهي من المسلمات بالنسبة إلينا»

فما أرينا المنتديات الإلكترونية إياها إلا وقد شنت هجوما عنيفا على التصريح وصاحبه والطائفة التي يتبعها، وكذبة التقية التي يقف وراءها وعداوة الطائفة للدولة وللعائلة الحاكمة، هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فلم يسلم السيدجميل من بعض أبناء طائفته الذين جلدوه بما يكفي في ملتقاهم لأنه قال تلك العبارة، وفي كلتا الحالتين، ليس هؤلاء وأولئك، إلا أشباح وخفافيش ظلامية يظهرون بطولاتهم الهلامية خلف الأسماء المستعارة، لكن أن يصدق المسئولون مثل هذه الممارسات ويعتمدون عليها في قراءة واقع البلاد، فهذا خلل فظيع يجب أن يخضع للتصحيح.

ولكن سيبقى التصيد والربط المعنوي والتاريخي والمصلحي قائما لضرب انتماء الطائفة -شئنا أم أبينا- حتى أن بعض الإخوة ممن استجابوا لما طرحته من مراقبة منابر عاشوراء وتقديم من يتعدى على الدولة وعلى الصحابة وأمهات المؤمنين للمساءلة القانونية وإنني شخصيا سأدعم هذا التوجه، أصر -وهم ثلاثة من الإخوة- على تحمل مسئولية المراقبة والمتابعة، ثم اختفوا… فصرت أنا الذي ألاحقهم، فلم يتمكنوا إلا من ضبط شخص واحد تعرفه البحرين كلها اليوم بأنه قال مقولته التي صفق لها نفر صغير، ورفضها السواد الأعظم من أبناء البلاد…

أين البقية ممن شتم الصحابة وأمهات المؤمنين ودعا إلى كراهية إخواننا السنة؟ فكان جوابهم مشتركا وكأنهم متفقون (مع اختلاف الصياغة): «نعم ولكنكم تكرهون آل خليفة… وتكرهون الدولة»، وكما نقول بالعامية: «يا الله قوم فجج عاد»

سعيد محمد سعيد

شارع «بني أمية»!

 

أعلم أن في هذا الموضوع تشعيب غريب، وقد تذهب بعض أفكاره غربا وتذهب الأخرى شرقا، لكن في نهاية المطاف، سنقف عند نتيجة واحدة هي (خلاصة) هذا التشعيب، وسيكون -قطعا- لكل منا رأيه.

سأبدأ بقصة، تحوي مشهدين، فقد كنت ذات مرة ضمن وفد من الإعلاميين العرب والأجانب في رحلة عمل بإحدى الدول العربية… وبينما كنا نقطع طريقا صحراويا طويلا في الحافلة، كان بالقرب مني اثنين من الزملاء المسيحيين، أحدهم كاثوليكي والآخر أرثوذكسي، وبحسب فهمي المتواضع، فقد كانا يناقشان قضية الخلاف في الكنيسة، وأي طائفة أفضل… نقاشهما كان هادئا للغاية، وكانا يكرران عبارة: «لنا رب واحد… إيمان واحد… معمودية واحدة».

في ختام النقاش قال أحدهما: «أنت كالشجرة المثمرة، تهدي الطعام للضيوف»، وقال الآخر: «كن كالنهر، أينما يجري تنبض الحياة»… هكذا كانت العبارات كما أتذكر.

في استراحة بالطريق، كان الشرر يتطاير من أعين اثنين من المسلمين كانا ضمن الوفد وكنت أجلس على الطاولة ذاتها التي يجلسان عليها، أحدهما سني متشدد والآخر شيعي متشدد أيضا… غرق الاثنان في كتب التاريخ، وفي تبادل عبارت التكفير والرفض والنصب… انتهى النقاش بلعنات نارية أيضا: «لعنة الله عليك يا رافضي يا كافر… لعنة الله عليك أنت يا وهابي يا ناصبي».

في البحرين، لدينا صورتان إحداهما مزيفة والأخرى حقيقية… المزيفة هي تلك التي يدعي أصحابها أنهم يعيشون في بيت واحد على رغم الخلافات المذهبية، لكنهما يكذبان! ففي الظهر يطعن كل منهما في الآخر، وأمام بعضهما بعضا يمثلان المحبة! لكن الصورة الحقيقية، هي تلك التي لا تقوم على الإدعاءات والافتراءات، بين سني وشيعي، بل ولا تجد لها مكانا في حياتهم اليومية، لكن مع شديد الأسف، فإن الصورة المزيفة الأولى هي التي يحاول المزيفون إظهارها للعلن.

وبودي هنا أن أنتقد أولئك الذي يفاخرون بمشاركة أبناء الطائفة السنية في ذكرى عاشوراء الحسين (ع)، لكن لا يتوانى الجهلة منهم عن إطلاق اسم «شارع بني أمية» على الطريق الذي اعتاد أبناء الطائفة السنية الكريمة الجلوس فيه على مسار العزاء في المنامة… لا أقول إن كل أبناء الطائفة الجعفرية يستخدمون هذه التسمية، ولكن هناك الكثير من الجهلة والمغفلين من لايزال يطلق تلك التسمية… بالله عليكم، كيف تصفونهم بهذا الوصف لتضعوهم في دائرة اللعن وهم يشاركون معكم في إحياء هذه الذكرى العظيمة؟ ولماذا التشكيك في نواياهم أصلا؟.

آن لمثل هذه التسميات السيئة، وغيرها الكثير ممن يستخدمه المتشددون من الطائفتين أن تلغى من لغة (البيت البحريني) لأنها ببساطة لا تعكس الخلق الإسلامي القويم.

سأعود الآن الى مأتم بن زبر، يوم التاسع من المحرم، ولا أخفي القول إن الخطيب الشيخ عبدالمحسن الجمري، استطاع أن يكسب الكثير من أبناء الطائفة السنية الكريمة لحضور محاضراته بخطابه المعتدل العميق الغني، وهناك جلس بعضهم ممن أعرفهم شخصيا ليستمع إلى خطابه الإسلامي الجميل، رافضا كل الممارسات التفتيتية والطائفية، ومحذرا من تساهل الدولة مع مثيري الفتنة، والشيخ عبدالمحسن، الذي شاهده وسمعه الكثير في تلفزيون البحرين ضمن الاحتفالات بالعيد الوطني المجيد وذكرى جلوس جلالة الملك وهو ينطق بالمعاني الوطنية المتأصلة في نفوس البحرينيين لوطنهم، لم يجد مانعا من إعادة التأكيد، في خطبته يوم التاسع من المحرم، على انتماء البحرينيين لهذا الوطن، لكنه طالب الدولة بإزالة آثار «التقرير المثير» من قلوب الكثير من المواطنين لأنه سبب لهم ألما موجعا.

سألني بعضهم: «لماذا كررت في مقالاتك الأخيرة عبارة: «شرعية العائلة الحاكمة»؟ هل لحاجة في نفس يعقوب؟»، وأنا أجيبهم بالقول مكررا على شرعية الحكم الخليفي، وأنني لا أريد شيئا ولله الحمد والمنة، لكنني سأبقى مطالبا ومناديا مع الأصوات الشريفة التي تطالب بالحقوق التي كفلها الدستور وكفلها المشروع الإصلاحي لجلالة العاهل بالطرق السلمية لأنني (بحريني)… لا بالدعوات الهوجاء العنترية التي يستغلها أول ما يستغلها أولئك الذين يسعون لضرب الحركة المطلبية المشروعة.

وأخيرا، شارع «بني أمية» ليس موجودا على خريطة البحرين… شارع «الإمام الحسين (ع)»… هو الذي يسر الناظرين… دينيا ووطنيا وأخلاقيا و… رسميا.

سعيد محمد سعيد

امتثالا لعاشوراء… فلتفتح أبواب العدالة!

 

ليس عصيّا أن يفهم البشر، كل البشر، أهداف نهضة الإمام الحسين(ع)… بعيدا عن صيحات الشرك وعبادة القبور وإثارة الفتنة وشتم الصحابة والتحريض ضد الدولة وضد الطائفة السنية الكريمة وجملة من الادعاءات المعلبة القديمة القديمة المجددة في (معلبات).

تصك آذان التاريخ وتأبى إلا أن تتجدد تلك المقولة العظيمة التي هي أساس نهضة الإمام الحسين (ع): «وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي… أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

تلك هي الغرسة اليانعة الخالدة للنهضة الحسينية، نمَت وتفرعت الى قائمة خالدة أيضا من المبادئ: التوحيد، المساواة، العدالة، مكافحة الفساد والظلم، حقوق الإنسان، وغيرها مما نعجز عن حصره في معركة لم تدم أكثر من 3 ساعات عسكريّا، واستمرت وستستمر الى أبد الآبدين إسلاميّا وإنسانيّا.. لتتساقط حولها مقولات صغيرة سخيفة من قبيل انعدام «فائدة» الأمة من هذه النهضة، أو من قبيل الصراع الطائفي البغيض الغائر في عقول ظلامية من قبيل أن من يحيي ذكرى استشهاد الحسين (ع) هم من قتله، فشيعته هم ممن دعوه ثم انقلبوا عليه وخانوه وأسلموه للسيوف والرماح، هو وأصحابه وأهل بيته، ثم هم يبكون ويلطمون عليه اليوم تكفيرا لفعلة أجدادهم الشنيعة، واذا كان هناك من يريد أن يريح قلبه، نقول له إن قتلة الإمام الحسين هم ألوف من المرتزقة، سواء كانوا سنة أم شيعة، حتى لو كان من بينهم جدي السادس والستين وثلاثمئة وألف، فلعنة الله على جدي!

كل ذلك لا يهم أيها الأعزاء، ما يهم هو أن نمتثل لمبادئ عاشوراء ونفتح أبواب العدالة على مصراعيها، في عصرنا هذا وفي زماننا الحاضر وفي بلادنا، ولتفتح المحاكم أبوابها وليأخذ القانون مجراه تجاه ما يأتي:

– إذا كان هناك من استغل ذكرى عاشوراء لتفريق المسلمين وللتعدي على معتقدات الناس واستخدم المنبر لشتم الصحابة وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين، فليبادر أصحاب النخوة والحمية الغيارى على دينهم ومعتقداتهم في تقديم أولئك (المتجاوزون) الى المساءلة القانونية، كل ما عليهم هو أن يجمعوا الأدلة، والقرائن، ويعرضوها على القضاء، فليس صعبا الحصول على الأشرطة المسجلة والمتلفزة لخطباء الفتنة، من قبل من يدعي حرصه على الدين وعلى تراث الأمة، وليثبت أنه صادق فيما يقول ويتجه مباشرة الى المحاكم… أما إذا عجز أو أعدم الحيلة، فليخرس.

– عاشوراء الحسين (ع) ليست لتأليب المواطنين ضد بلادهم وضد قيادتهم، وليست لإشاعة روح العداء ضد الدولة أو ضد أية طائفة من الطوائف… إذا، سنكون مساندين لكل من يثبت بالدليل أن هناك من الخطباء من تمادى كثيرا وشحن الناس ضد بلادهم وقيادتهم، وبادر بتقديم دعاوى ضدهم، فهذه مسئولية، ومن ينكر كرم الدولة والقيادة في هذه الذكرى، وحرصها على تقديم التسهيلات، فلا يستحق أن يكون طرفا في إحياء الذكرى، فالوطن هو الذي احتضن هذا الإحياء.

وإن لم يكن لديه سوى الهرطقات والشحن المقصود، فليخرس أيضا.

– ينطبق الكلام على أولئك الذين تجاوزوا حدودهم كثيرا كثيرا كثيرا، مع أبناء الطائفة الجعفرية، فمن وصفهم بالكفار والروافض المجوس وبني صهيون، كما فعل ويفعل وسيفعل النائب الشيخ العالم العامل المتفاني لوطنه ولولاة الأمر جاسم السعيدي، أو كما فعل ويفعل وسيفعل من استضافته جهة رسمية – مع شديد الأسف – من دعاة وخطباء، لم يكن لديهم ما يوحدون الأمة به، ولو على الأقل بخطاب صادق عما يجري في قطاع غزة وفي سائر بلاد المسلمين، وصبوا جام غضبهم على طائفة واحدة وأوغروا صدور من حضر محاضراتهم بكلام لا نعتقد أن الدولة ترضى به، وإن رضيت، فما أشدها من كارثة!

من باب الاعتراف بالجميل والتقدير، لم تقصر الدولة إطلاقا في تسخير امكانيات وخدمات وتسهيلات لا يجحدها إلا ناقص عقل سواء لموسم هذا العام أم المواسم السابقة، والفضل لله ولقيادة البلاد، لكن أن يتم التغاضي عن الأفاعي التي تبث سموم الفرقة والطائفية والصراع المدمر للوطن، فالدولة وحدها تعرف كيف توقفهم عند حدهم.

سعيد محمد سعيد

صناعة الفتنة… حيث المقام مناسبا!

 

لم تكن الصورة تكاملت لدي شخصيا، وربما الحالة ذاتها مع الكثير من أهل البلد، حينما تساءلت بيني وبين نفسي: «لماذا يتضاعف نشاط مثيري الفتنة في بلادنا كلما مر بنا ظرف؟ هل انعكست الصورة التي كنا نخزنها في ذاكرتنا منقولة عن الآباء والأجداد الذين كانوا يتصدون بقلب واحد وصف واحد للفتنة حال بروز رأسها؟ أم أن الموروث ذاته كان مكذوبا ومزيفا؟ وإذا كان المنقول سليما صادقا، وهذا هو المؤكد قطعا، هل كان الآباء والأجداد أكثر وعيا وعلما وإدراكا وأخلاقا ووطنية وامتثالا لتعليمات الدين الإسلامي العظيمة، أكثر من أبناء اليوم؟».

لكن، ربما يتساءل طرف، ما الذي دفع بتلك التساؤلات لعقلك أصلا؟

وهو سؤال يستحق الإجابة، ولا بأس من القول أن ما نشهده، منذ انطلاق المشروع الإصلاحي لجلالة العاهل، من ممارسات فتنوية وطائفية وكيدية، لا يتوافق أبدا مع منطلقات المشروع الإصلاحي الذي تأسس على هدف واحد: مصلحة البحرين وأهل البحرين، حاضرا ومستقبلا… وتحت هذا الهدف، تندرج العشرات من الأهداف الفرعية التي -إن لم أكن مخطئا أو حالما- ليس من ضمنها تفتيت المجتمع وتحقيق غلبة فريق أو طائفة أو عيّنة، على فريق أو طائفة أو عينة أخرى من المواطنين!

وحتى أكمل موضوع الدعوات الفتنوية لتدمير طائفة بعينها الذي طرحته في هذه الزاوية يوم الخميس الماضي تحت عنوان :»الويل لنا»، أسوق استدراكا مهما، وهو أن خلاف طائفة مع الدولة، وفقا لمطالب كفلها الدستور، ومنحها المشروع الإصلاحي فرصة الانطلاق بمساحة أرحب، والمناداة بتلك المطالب، ما هو إلا حراك ديمقراطي طبيعي، مع إعادة التأكيد على رفض الأساليب العنيفة واستخدام الوسائل التخريبية والتأليب ضد الدولة ودعوات (الموت) والويل والشتائم والتحريض ضد أبناء الشعب… أقول إن ذلك الخلاف، يأخذ صفة الاستيعاب في حدود الدولة ومؤسساتها التشريعية والمدنية من خلال فتح قنوات الحوار، وإلا ستبقى أصوات الفتنة الدافعة في اتجاه نسف الولاء وربطه بإيران والمطامع الصفوية التاريخية من جهة، والأنشطة اللاسلمية المهددة للاستقرار والأمن الاجتماعي ماضية في مسارها الخاطئ، تغذيها تصريحات ومقالات وخطب ومنشورات ومواقف يعتقد أصحابها، كل أصحابها، أنهم على الحق ومن هم دونهم على باطل وضلال.

إلا أنني، حصرت نفسي في تلك التساؤلات السابقة الذكر، تماما كما حصر غيري بها، مع أنها مغلوطة كاذبة، ولا تثبت ولاء الموالين، ولا خيانة المعارضين، لأنها هي الأخرى محصورة في أشخاص بعينهم، وخطباء بعينهم، وناشطين بعينهم، وصحف بعينها، وكتّاب مقالات محدودين، ومنتديات إلكترونية مشهود لها بالنوايا السيئة مسبقا… لكن مع شديد الأسف، تصبح تلك الأطراف وكأنها الطرف الأوحد، لأنه لا توجد في الطرف الآخر، مبادرات من شخصيات وقيادات تحمل مشروعا وطنيا حقيقيا للخروج من الأزمة والأزمات المتتالية التي تمر بها بلادنا، ولا توجد، مع شديد الأسف أيضا، مبادرات من الدولة لتشجيع هذا المسار باعتباره المسار القادر على إخراجنا مما نحن فيه بالتحاور.

التحاور هنا يصبح معدوما لأن صناع الفتنة، أيا كان تصنيفهم وفقا للأطراف (بعينها) المذكورة أعلاه، عملت على ألا يكون (للحوار) مكان، ومع ذلك، هل يجب أن تعيش الدولة (عقدة) أولئك؟ فإنها إن رغبت في ذلك، فلن تنتهي تلك الملفات أبدا وربما تعقدت مستقبلا إلى درجة لا يرتضيها أحد، وإن رغبت -أي الدولة- في الحوار فإنها الطرف الأقوى والأجدر، على أن يكون لديها حسن ظن في أن أبناءها لا يوالون غيرها، ولا يرتضون بديلا لها في حكم أو في شرعية، ومن جهة أخرى، تبدي كل الأطراف، وعلى الأخص المعارضة والناشطين، أنهم يعملون لصالح البحرين فقط… دون هذا وذاك، فيا ليل… ما أطولك

سعيد محمد سعيد

الويل لنا!

 

وكأن الخطب جاهزة… والتصريحات معلبة مبوبة، والنعيق في المنتديات الإلكترونية الطائفية سيئة الصيت للمناداة بطرد طائفة بأكملها من البلاد ورميها في قاع الشقاء والعناء… أقول، كأنها كانت على أهبة الاستعداد! فما أن تقع واقعة أو يحدث أمر أمني، أو حتى مرور سحابة صيف عابرة، إلا وانبرى (نفر قليل عديم الفائدة والتأثير) لمطالبة الدولة بـ(إعدامهم كلهم)… (تسفيرهم كلهم)… (حرمانهم كلهم)… لأنهم كلهم (خونة) يوالون إيران، وهم ليسوا سوى أحفاد ابن العلقمي، رمز الخيانة الشيعية التاريخية العظمى التي لا يمكن نسفها!

وكأن الدولة ستستمع لهم؟ وتطلق عبارة «شبيك لبيك» لمطالبهم؟

نعم هي لن تستمع لهم، لكن من الخطأ السكوت عنهم؟ وتتركهم يثيرون فتنة تلو الفتنة، في منابر الجمعة وفي التصريحات الصحافية وفيما خفي عنّا وعن أعين أخرى!

ولابد من التأكيد مرة تلو المرة، على أن من تثبت إدانته في أعمال الشغب والتخريب وتعريض أمن البلاد والعباد للخطر أيا كان انتماؤه الطائفي، فيجب أن يلقى أشد عقوبة وفقا للقانون، بعد حصوله على محاكمة عادلة، لكن أن تنشط بعض الأقلام من الزملاء كتّاب (الأنواط) وخصوصا الضيوف على البلاد منهم، أو يتفوه بضع خطباء عُرفوا بالفتنة من أصلهم، أو أن ترتفع الأصوات الخفية في منتديات نتنة لدعوة الدولة الى استئصال أبناء الشيعة وحرمانهم وإعدامهم وقتلهم وتدمير مساجدهم التي لا توحد الله سبحانه وتعالى، وهدم حسينياتهم التي يمارسون فيها الرجس والشرك والضلالات، فإن في ذلك، والخطاب أوجهه إلى قيادتنا الرشيدة، وإلى كبار المسئولين كل في موقعه… في ذلك تأجيج وَقْعُهُ أشد من أصوات المفرقعات واسطوانات الغاز، وأشد من أفكار المغرر بهم، وأقوى ما يحاك في الظلام والخفاء، سواء ضد الحكومة، أو ضد الشعب…

في العمود السابق المعنون: «بين البحرين وإيران»، استعرت عبارة (ويكفي أن نعود إلى جنيف يوم 11 مايو/ أيار من العام 1970 ونطّلع على الوثيقة التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة السير ونسبير بعد الاستفتاء على عروبة البحرين، وهي وثيقة مهمة شاهدة على الولاء الكامل للأرض، وأن الأسرة الخليفية هي القيادة الشرعية لهذه البلاد، ليتم دحض الافتراءات التي يحاول مروجوها النيل من ولاء الكثير من أبناء البلد وإلحاقهم بولاءات مستوردة)… استَرْعَتْ تلك العبارة اهتمام أحدهم ليتصل مرارا وتكرارا ومن قِبَل أكثر من رقم هاتفي ثابت وجوال، ويغيّر صوته، فقط ليشفي غليله بالقول أنـ(كم)خونة، وتسعون لدمار البلاد يا أحفاد ابن العلقمي، وما كلمة الولاء للعائلة الخليفية إلا كذبا وتقية…

دعونا من هذا كله، فما لنا ومجهولي الهوية من الجبناء التي تمتلئ بأسمائهم المستعارة المواقع الإلكترونية والتعقيبات على الأعمدة، ولنذهب مباشرة إلى مجالس أهل البديع والجسرة مثلا كما سنحت الفرصة لي، لنجد كلاما لا يصدر إلا من العقل والقلب البحريني الأصيل، فأولئك الشباب المغرر بهم، سواء أولئك المتهمين في قضية المخطط الإرهابية ثبتت التهمة عليهم أم لم تثبت… وأولئك الذين يحرقون هنا وهناك، وأولئك، في الطرف الآخر، الذين يؤججون الفتنة الطائفية في المناطق السنية ضد الشيعة، هؤلاء كلهم مخطئون لكنهم أبناء البلد، وكثيرا ما أعجبتني مقولة الفنان إبراهيم راشد الدوسري الذي قال واصفا الشباب المغرر بهم: «شباب في هذا العمر، فشباب في هذا العمر من السهل إذا فتحوا آذانهم أن يغرر بهم، لكن في قاع مشاعرهم هم بحرينيون أصيلون».

لا شك في أن المرحلة التي تمر بها البلاد حساسة، بل في غاية الحساسية، وسأعود قليلا الى الاتهام الشهير لنا بأننا أحفاد ابن العلقمي فقد تساءلت كثيرا، ولننظر بتمعُّن في هذا التساؤل: «هل كان هولاكو والمغول، بكل جبروتهم وطغيانهم وقوتهم العاتية، ينتظرون معلومات أو أوامر (أن ادخلوا بغداد أو لا تدخلوها) من ابن العلقمي أو من غيره! ولو افترضنا أنه قال لهم: «لا تدخلوا، فجيش الدولة العباسية سيدمركم تدميرا؟ هل كانوا سيخافون ويرتعدون ويعودون أدراجهم هلعا»…

سقطت بغداد في العام 656 للهجرة، لكن كل اللوم وقع على الحكومة العباسية يا سادة… واقرأوا التاريخ جيدا!

لا يهم أمر التوغل في التاريخ، ولنعش الواقع، والواقع البحريني تحديدا، فثمة مخاوف من كل الأطراف، من أن يزداد تربص المتربصين من الداخل والخارج؛ لكن «خطاب الويل والثبور» الذي يرفعه دعاة نسف طائفة بأكملها في البلاد، لن يكون هو الحل إطلاقا… وأنا شخصيا، أدرك جيدا أن الدولة تدرك الحل، وتعرفه جيدا وهي الثقة بالنسبة لنا، وأعيد العبارة التي أغضبت البعض بصياغة أخرى: «ونوالي الحكومة الشرعية للأسرة الخليفية، كقيادة دستورية»…

للحديث صلة

سعيد محمد سعيد

بين البحرين وإيران

 

كحال الكثيرين، أقضي بعض الوقت، كلما سنحت الفرصة، للتجول في المنتديات الإلكترونية البحرينية والإطلاع على ما يطرح فيها من موضوعات، وقد لفت نظري، كما هو الحال بالنسبة إلى الكثيرين أيضا، أن التحذير من مطامع إيران في البحرين والتخطيط الدائم من قبل الجمهورية الإسلامية (الجارة) للسيطرة على بلادنا، يتصدر اهتمامات (فصيل) محدد من أصحاب الأسماء المستعارة، الذين يسردون الكثير الكثير من المعلومات الاستخباراتية (التي لا تعلم عنها الدولة وأجهزتها)، بل ويكتبون باللون الأحمر (التحذير) للحكومة مرارا وتكرارا كي لا (تنام في العسل) وتقع الفأس في الرأس.

باختصار شديد، فإن مضامين تلك الموضوعات تحمل من الإهانة لبلادنا ذات الاستقلال والسيادة والقيادة الشرعية ما لا يمكن قبوله، كما أن الاستناد إلى وجود جماعات من أبناء البلد ذوي الهوى الإيراني من (يخططون ويتلقون الأوامر ويتولون التخريب والتدمير والقتل وإرهاب البلاد والعباد) كما تزعم تلك الموضوعات وكتّابها، لا يمكن اعتباره أبدا دليل إدانة، ثم ينقلب الأمر بين ليلة وضحاها، فيتم توجيه الكلام البذيء والإهانات إلى كبار المسئولين حين يزورون إيران ويوقعون الاتفاقات الأمنية والاقتصادية والتعاونية المشتركة، فتظهر عبارات أخرى مثيرة للضحك والإشفاق على تلك العقول من قبيل: «لطالما حذرنا من الخطر الإيراني الصفوي المجوسي على بلادنا، فكيف يا حكومة تتعاونين مع من يريد احتلالنا؟».

تلك (الحقائق المذهلة) تعني أمرا واحدا، وهو أن أولئك الخبراء الفطاحل يمتلكون من المعلومات والحقائق والوثائق والمواقف ما لا تملكه الدولة ولا تريد أن تعرفه! فلزاما عليهم تكرار التحذير، ولا بأس في ذلك طالما الأمر لا يعدو كونه (خزعبلات) أسفل أسماء مستعارة عملاقة عتيدة تمثل (الولاء الحقيقي المطلق والأول ولا شيء غيره).

وفي ظني، أن وزير خارجيتنا الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وقع في خطأ جسيم عندما مثّل (مملكة البحرين) في التوقيع على الاتفاقية الأمنية مع (إيران المتربصة)، ولم يأخذ في اعتباره التحذيرات الكثيرة من الخطر الإيراني الذي سيستمر إلى أبد الآبدين كما يبدو، ولم يضع في اعتباره تحذيرات (خبراء الكيبورد) من وجود طابور خامس، وعصابات مدربة، وجماعات (ذات هوى إيراني مجوسي)، فأصبح هذا الرجل السياسي المحنك المقتدر في نظر أولئك الخبراء، مخطئا لأنه ذهب إلى العدو في عقر داره، ليوقع اتفاقية أمنية.

أما بعد، فالبحرين يا (أولئك) لا تحتاج إلى هواجسكم المبطنة بالولاء، وشئنا أم أبينا، ستبقى البحرين عربية، وسيبقى (آل خليفة) حكامها الشرعيين يلتف حولهم كل البحرينيين، ويكفي أن نعود إلى جنيف يوم 11 مايو/ آيار من العام 1970 ونطّلع على الوثيقة التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة السير ونسبير بعد الاستفتاء على عروبة البحرين، وهي وثيقة مهمة شاهدة على الولاء الكامل للأرض، وأن الأسرة الخليفية هي القيادة الشرعية لهذه البلاد، ليتم دحض الافتراءات التي يحاول مروجوها النيل من ولاء الكثير من أبناء البلد وإلحاقهم بولاءات مستوردة لا مكان لها من الصحة إلا في عقول من يحمل العداء للبحرين وحكومتها وشعبها.

وأولئك الخبراء الكيبورديون، ومعهم فصيل آخر من الكتّاب والخطباء ومروجي الفتنة (هم من يحمل العداء أيضا)، أما إذا كان المشروع الإصلاحي لجلالة الملك عاهل البلاد قد منح المواطنين حرية التعبير والتظاهر والمطالبة بالحقوق بالأساليب السلمية، فإن (حكومتنا) وليست (إيران) هي القادرة على حل مشاكلنا وإنهاء صورة الصدام العنيف والانفلات المقلق المؤثر على الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي بالحوار مع الأطراف ذات العلاقة…

وعلى أي حال، أطمئنوا أيها الخبراء… لا خوف على البحرين؛ لأنها (البحرين) ولا وطن غيرها

سعيد محمد سعيد

«التحشيد الفاشل» بسبب «فشل التحشيد»!

 

ليس صحيحا، بل وليس ما يعقله العاقل أن ننكر وجود تحشيد منظم واضح في الساحة المحلية، سياسيا ودينيا واجتماعيا، والمهم من ذلك، والأكثر حساسية… طائفيا! لكن، من الواجب القول إن ذلك التحشيد، ولربما هذا من سوء طالع منظميه ومحركيه، لا يلبث أن يتلاشى ويختفي ويفشل.

باختصار، وكأن المجتمع البحريني «الأصيل» يريد أن يؤكد للمحشدين، سواء كانوا من المسيسين أو المتسيسين من الطائفتين، أو الطائفيين من المذهبين، أو العابثين في مقدرات البلاد من الفريقين… أقول يريد أن يؤكد للمحشدين، أن ما يفعلونه ما هو إلا شبيه بالألعاب النارية (وخصوصا التي أجريت هذا العام)… سويعة، وينتهي الأمر ولا يبقى له أثر، وأبلغ تشبيه لأنشطة التحشيد في البحرين هو تلك الألعاب النارية التي أجريت في المحافظة الوسطى هذا العام، وجمعت الناس والأجناس من كل حدب وصوب، لتستمر لمدة لم تتجاوز الخمس دقائق فقط، فيما بقي الآلاف في الجهات الأربع، لا يعلمون من الأمر شيئا… وحينما ملّوا الانتظار، رحلوا وعلامات الاستفهام تدور حول رؤوسهم!

وليسمح لي القارئ الكريم أن أكرر ما أقوله دائما، وهو أننا لا نرغب في استخدام مفردات مثل: «الفريقين… الطائفتين… المذهبين»، لكننا -عنوة – ندور في فلك ذلك الشحن الذي لا يكاد يتوقف من طرف حتى يشعله طرف آخر! والكل يتفنن… بعض صغار الكتاب وكبارهم يتفننون… مشايخ وخطباء ما عرفوا الحق من الباطل يتفننون… معلمون ومعلمات يتفننون… ناشطون سياسيون، بل قل جمعيات برمتها تتفنن…والغريب أن الدولة صامتة تجاه أي حركة تحشيد! اللهم باستثناء بعض الخطوات الخجولة تحدث لتطييب النفوس… ثم ما تلبت تلك النفوس أن تشحن من جديد!

صور التحشيد الطائفي التي يشهدها مجتمعنا اليوم خطيرة إلى درجة أنها توغر الصدور وتزرع الحقد بين الناس، والأغرب من ذلك أنك تجد مواطنا متعكر المزاج بسبب معلومة أو قصة أو خطبة (طائفية)أو تصريح صحافي… والمصادر متنوعة ومتعددة: منها بعض النواب ومنها بعض المسئولين ومنها بعض الخطباء، لكن يبدو واضحا أن بعض الصحافيين أولا وبعض الخطباء أو المحسوبين على التيار الديني ثانيا هما سبب تردي الأوضاع!

قلنا أن ذلك التحشيد يفشل كحال الألعاب النارية (أم خمس دقائق)، لكن لماذا يصدقهم الناس… وخصوصا إذا كانت النوايا خبيثة؟ ولماذا يتبارى الخلق ويتنازعون ليفرح مشعلو الفتن؟

سعيد محمد سعيد

الديك الأعرج… ابن الدجاجة العرجاء

 

قبل فترة، أرسل لي زميل تونسي مجموعة من قصص الحكمة الصينية ترجمها الأديب التونسي إبراهيم رغوثي، ووجدت في الكثير من تلك القصص الرائعة ما ينمُّ عن عقلية عبقرية، وخصوصا قصص الكاتب الصيني ليو دي هيو، ما رأيكم لو قرأنا معا اليوم، تلطيفا للنفس من الكثير من العناء، قصة الديك الأعرج ابن الدجاجة العرجاء؟

تقول القصة:

اصطاد ثعبان ديكا أعرجَ واستعدَّ لالتهامه، لكن ثعلبا سرقه منه بحركة سريعة بارعة، ولم يترك له فرصة لاستعادته، فقال الثعبان: أنا من اصطاد هذا الديك البَرِّيَّ فمن حقي أن أتمتع بأكله!

ردَّ عليه الثعلب: سيكون من نصيبي يا ثعبان، فمنذ شهر، أوقفته وعضضته من إحدى قائمتيه… أنظر مليّا، أليس هذا الديك أعرج؟

أمام هذه الحجة الدامغة ترك الثعبان الديك للثعلب، واستعد الثعلب لالتهام الديك لكن ذئبا انقضَّ على الفريسة وخلصها منه، فلم يستسلم الثعلب بسهولة، وصار يحاجج الذئب: إنه ديكي يا ذئب… أنا من اصطاده، فهو ملكي ومن حقي التهامه… فلماذا تسطو على رزق غيرك أيها الظالم الغشوم؟

ردَّ الذئب مبتسما: هذا لن يكون أبدا يا ثعلبي العزيز… ولتعلم أنني اصطدت هذا الديك منذ ستة شهور لكنني لم آكل هذا الطائرَ البَرِّيَّ لأنه كان هزيلا، فربطته في كهف وجعلت أسمنه، ومع حرصي الشديد، غافلني ابن الدجاجة الملعونة وفرَّ بجلده. أنظر مليّا، ألا ترى ذيله المنتوف يا ثعلب؟

كان الثعلب يعرف أن ما قاله الذئب كذب في كذب، وأن مقولته لا أساس لها من الصحة مثلها مثل تأكيداته هو للثعبان، ولكن ما حيلته أمام حجج الذئب الدامغة، فتخلّى له عن الديك.

في تلك اللحظات، وصل نمر بغتة… انقض على الديك وخلصه من بين أنياب الذئب الذي صاح محتجّا: اترك لي ديكي أيها النمر، فأنا من اصطاده… إنه رزقي الحلال.

فردَّ النمر على افتراءات الذئب قائلا: هذا غير صحيح يا حبيبي؛ لأن هذا الديك ملكي الخاص… لقد حجزت هذا الطائر منذ سنة، والله لأقْطعَنَّ اليد التي تمتد نحو ريشة من ريشه.

فارتفع لغط الذئب والثعلب والثعبان، لكن الأخير، أي الثعبان، كان ذكيا فقال للنمر: هذا كذب بائن يا نمر، فعمر هذا الديك أقل من سنة، هات حجة أخرى إن كنت صادقا؟

فقال لهم النمر هادئا مطمئنا: كلامكم سليم يا أحبابي، ولكن لتعلموا أنني اصطدت منذ سنة دجاجة عرجاء وبلا ذيل، فاستعطفتني هذه الدجاجة المسكينة وطلبت مني أن أطلق سراحها، ووعدتني بأن تهبني كل فراخها مقابل عطفي وكرمي… انظروا أيها العميان، أليس هذا الديك أعرج وبلا ذيل؟ إنه بلا شك واحد من ذرية دجاجتي، فمن العدل إذا أن يكون من نصيبي