سعيد محمد سعيد

فقأنا… عين «الخفاش»!

 

يقع في الكثير من الأحيان اللوم على صحيفة «الوسط» من قبل بعض المسئولين والمتنفذين في أنها «تقسو» على الباطل! وهل القسوة على «الباطل» توجب اللوم أم الإشادة والثناء؟ ذلك لأن هذا الصوت الإعلامي البحريني الحر، سار منذ صدور الصحيفة في منهج واضح للعيان، وليس بدعة أن يكون ذلك المنهج هو إيصال صوت المواطن والمقيم وصوت (من لا صوت له) إلى المسئولين في مختلف المواقع.

لذلك، يصبح الأمر قاسيا حين يتعرى البعض من المسئولين وتنكشف نواقصهم وعيوبهم! وحري بهم، في هذه الحال، أن يفرحوا لأن الصحيفة أهدت اليهم عيوبهم… ليصححوا الأخطاء لا ليغضبوا، وعلى رغم الحملة تلو الأخرى، والطعنة تلو أختها، إلا أن الشرف الكبير العظيم لنا في صحيفة «الوسط» أن تكون قيادتنا الرشيدة واثقة من أدائنا ومن رسالتنا ومن حبنا لوطننا وخدمة قيادتنا وشعبنا.

لهذا، فليس هناك وسام أعلى من شهادة جلالة العاهل، في لقائه مع أهالي المحافظة الشمالية يوم أمس الأول (الثلثاء) في قصر الصافرية، حينما وصف جلالته هذه الصحيفة بأنها وسيلة من وسائل إيصال قضايا الناس إلى المسئولين، ويكفينا هذا الاعتراف فخرا، بأننا نسير في المنهج السليم الذي كانت عليه العبارة التي تزين لافتات الإعلان عن قرب صدور الصحيفة في سبتمبر/ أيلول من العام 2002، ولا تزال تلك العبارة باقية بكل قوتها ورونقها وبهائها: «كلمة طيبة في أرض طيبة»، لهذا، كان القراء قبل أسرة «الوسط» يتابعون تساقط «الطفيليين» الذين نصبوا لها العداء هكذا (من الباب للطاق ولغايات في نفس يعقوب) يتساقطون الواحد تلو الآخر.

في لقاء أهالي قرى المحافظة الشمالية ما عكس الكثير، وما يمكن أن يتمخض عنه الكثير، وخصوصا أن جلالة العاهل كان يستمع إلى الناس بسعة صدر، وكنا نسمع من بعض المسئولين والوجهاء الذين حضروا اللقاء: «عليكم أن تنقلوا ما دار للناس، فالكل يثق في صوتكم»، ولا ريب في أن مثل هذا الكلام، حينما يصدر عن كبار المسئولين، ومن شخصيات ووجهاء لهم مكانتهم الكبيرة في المجتمع، فإنهم لا يتحدثون عن صحيفة صفراء، أو جريدة نكراء، أو بيان يصدر من هنا أو هناك بغباء، ولكن يتحدثون عن صحيفة استطاعت أن تثبت قدمها بقوة لتكون جزءا من نبض البحرين اليومي، وهو أمر يستحق كل الفخر.

وبالمناسبة، ولعلني أذكر البعض، بهذه الفقرة، وهي أن شكر المسئولين بوزارة الداخلية، لا يعني أن الكاتب يخشاهم، فهم حين يجيدون العمل، نتوجه لهم بالشكر وهذا حقهم لأنهم يحملون مسئولية وطنية وأمانة، وحين يقصرون لا نتأخر عن لومهم وهذا المنهج مقبول حتى لدى معالي وزير الداخلية الذي نعرفه جيدا بأنه لا يمانع من الإشارة إلى الخطأ بالخطأ والصواب بالصواب… ومن الصواب، أن نشكر الداخلية على اعتذارها «للوسط» عن عدم إرسال خبر صادر منها بخصوص الاعتداء على آسيوي على دراجة في الديه، والذي قالت فيه بأن مجهولين من مثيري الشغب والتخريب في منطقة الديه اعتدوا بالضرب على سائق دراجة نارية آسيوي وحرقوا دراجته بالكامل»، حتى لا يتقول المتقولون على الوسط بما تمليه عليه «تطفلاتهم السيئة»، ويصدرون البيانات التي تخلو من المسئولية والمبادرة للنقاش مع الصحيفة على طاولة البحث والحوار بدلا من إصدار البيانات في السر، ثم إطلاقها في العلن.

شخصيا، كما أبلغت الكثير من الشباب الذين اتصلوا خلال الأيام الماضية بشأن موضوع (التطرف)أنني ضد أعمال العنف أيا كان سببها والمبتدئ بها، وضد استخدام العنف والقوة المفرطة ضد الأهالي، وفي الوقت ذاته ضد خفافيش الظلام الذين يحرقون ويدمرون، ويعتدون على المقيمين أو حتى على رجال الشرطة… ولا نعلم من هم؟! لكن الذي نعرفه، أنهم سواء كانوا من شباب القرى، أو من المندسين من خارجها، إنما هم بالفعل خفافيش يحبون الوضع المزري من الظلام المقيم في بعض القرى في هذه الليالي.

النتيجة المهمة هي أن «الوسط» فقأت عيون الخفاش؟

سعيد محمد سعيد

تحذير من تطرف الشباب (2)

 

جاءت خاتمة هذه الزاوية يوم الخميس الماضي بتساؤل هو: «هل يمكن السيطرة على تطرف الشباب مستقبلا؟ والإجابة كانت (لا)! ولكن لماذا الجزم بعدم إمكان السيطرة على حالات التطرف بين قطاع الشباب؟ ذلك ببساطة، لأنه لا توجد على مستوى الساحة الشبابية البحرينية، ما يشير إلى أن هناك اهتماما بهذه الفئة إلا من خلال التصريحات الصحافية، والتي تبدو للاستهلاك الإعلامي فقط، فيما لا يظهر على أرض الواقع إلا الشيء اليسير ما يمكن اعتباره «عملا» أو «خدمة» تدخل تحت مظلة رعاية الشباب وتنمية طاقاتهم وقدراتهم وتوظيفها التوظيف السليم.

وهذه النمطية من الاستهلاكية الإعلامية مضرة للغاية، فهي مع تكدسها على مر السنين، تلحق بقطاع الشباب خيبة أمل كبيرة، ومع أن موجة التطرف المقبلة التي ستنال الكثير من المجتمعات العربية كما يرى المهتمون بهذا القطاع، لا يمكن حصرها فقط في حدود الخدمات المقدمة لهذه الفئة، وإذا طبقنا الأمر على القطاع الشبابي في البحرين، فيمكن القول إنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام من ناحية التشدد، فهناك الشباب المنتمون إلى تيارات دينية متشددة، وهي فئة كبيرة وإن لم توجد بيانات إحصائية تدل على ذلك لنقص الدراسات المحلية في هذا المجال، وهناك فئة من الناشئة والشباب عدوانيي الميول بدأت تظهر ملامح وجودهم بشكل كبير في الحياة اليومية، وهناك فئة ثالثة وهي الشباب الذي ينتمي إلى التيار الديني المعتدل أو الخط المؤمن بالوسطية واحترام الحريات العامة ووجهات النظر المختلفة وهي فئة قليلة مع الأسف.

ولعل الصورة الأكثر وضوحا في المجتمع البحريني، هي تلك الحال التخريبية بين أعداد من الأطفال والناشئة والشباب الذين انخرطوا دونما بوصلة في أعمال العنف والتخريب والتحريق وفي ظنهم إنما هم بذلك يسيرون في مسار المطالبة بالحقوق، وليس من المقبول إهمال هذه الفئة، بل هي الفئة التي تستحق الاهتمام من قبل الدولة وأجهزتها، لكن ذلك لا يعني أبدا التساهل مع الممارسات العنيفة التي لا تستمد حركتها وتطبيقاتها من التحرك السلمي لطرح المطالب، بل والأصعب من ذلك، أنها تضر أكثر مما تنفع، وتثير المشكلات في الأحياء السكنية وفي حدودها وتوقع الضرر بخدمات المواطنين الذين هم منهم، ولا تتعدى مظاهرها حرق الإطارات وحاويات القمامة وتعريض الممتلكات العامة والخاصة للعبث سواء عند مداخل القرى أو داخلها، ذلك كله لا يمكن قبوله فقط من باب حصول هذا الناشئ أو ذلك على تسميات بطولية، وإغداقه بكلمات الفخر والاعتزاز بهذا العمل الصبياني لا أكثر.

لكن، هل هذه الفئة هي الفئة الوحيدة التي تمارس فعلا تطرفا خطيرا؟ أبدا، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة أشكال من الممارسات المتطرفة في شكل توزيع منشورات طائفية في بعض المناطق، واستمرار صدور بيانات وخطب على منابر الجمعة وفي بعض المجالس والمحاضرات، تشحن الفئة المستمعة من الشباب ضد الفئة الأخرى، وتدفع الفئة الأخرى لاستمرار النهج العنيف، وتنشط بعض المنتديات ذات الأسماء المستعارة المتخفية وراء مقولات الدفاع عن الدين والوطن، وتنفخ في النار، وكلنا نعلم أن أكثر أعضائها هم من الشباب والناشئة صغار السن، الذين، من كلا الفئتين، يخرجون إلى المجتمع محملين بالشحن البغيض المدمر.

إذن، أين دور الدولة؟ أين دور علماء الدين من الطائفتين… سواء من يتوجب عليهم تحذير الشباب المتطرف… من المخربين ومشعلي الحرائق والاعتداءات المقلقة، أو أولئك المتطرفون من موزعي المنشورات وأشرطة الكاسيت والناشطين في الخفاء في بث نار الفتنة والعداوة بين أبناء الوطن؟

لا يمكن القول إنه لا يوجد دور للدولة أو لعلماء الدين أو للناشطين السياسيين أو للمعلمين والمعلمات، لكن ذلك الدور أقل من الطموح بكثير، ولا يتعدي مجرد لقلقة لسان إن صح التعبير… نحتاج إلى حلول بلا ريب، وربما أسعفنا المجال لطرحها قريبا

سعيد محمد سعيد

تحذير من «تطرف الشباب»

 

إن لم تبادر الدولة، بمسئولية وحرص وإدراك وحزم، لتحسين الواقع الشبابي في بلادنا، سواء على مستوى التربية والتعليم والعمل والشباب والرياضة، فإننا سنكون، حسب ظني المتواضع، أمام عقدين من الزمان قادمين، نواجه فيهما جيلا متطرفا بشدة، في الكثير من الأفكار والسلوكيات…

حينها، لن تنفع الحلول الاجتماعية ولا الحلول الاستراتيجية ولا الأمنية ولا هم يحزنون… بل لن تتمكن، لا الدولة ولا حتى القيادات والرموز، دينية كانت أم سياسية أم شبابية، من تطويق حركة تشبه التمرد على واقع الشباب…

ومن المهم الاستدراك هنا للإشارة، إلى أنني لا أقصد أن يتطرف الشباب لمجرد القول أنهم محرومون من حقوقهم، وبذلك، نستسيغ التصرفات الطائشة التي تبدأ بترك مقاعد الدراسة في مختلف مراحلها ثم التسبب بمشاكل لأنفسهم ولذويهم ثم لمجتمعهم، ثم يتجه بعضهم إلى العنف والتحريق والتخريب والتهديد والترهيب اللامقبول مدعيا المطالبة بالحقوق، فيما يتجه طرف آخر إلى التقتيل والتفجير وسفك الدماء مدعيا الجهاد ودحر الكفار الذين يختلفون معه مذهبيا وفكريا… هذه كلها مرفوضة تحت أي عنوان، لكن المقصود، هو أن هناك حاجة لرعاية الشباب وحمايتهم من التطرف، بمن فيهم من وقع في التطرف أصلا.

صحيح أن الكثير من الشباب في مجتمعنا يعانون من مشكلات تحول دون تحقيق طموحاتهم، وبعضهم يحمل الهموم الوطنية، السياسية، الاجتماعية، الديمقراطية، لكن هذا لا يعني أن كلهم بلا استثناء يملكون الإدراك والقدرة للتعاطي مع قضايا المجتمع.

وليسمح لي القارئ الكريم، أن أشير إلى أن هذا الموضوع كبير ومتشعب، لذلك، سأتناوله على امتداد المسموح من الإمكانات، لأهميته وضرورة طرحه من باب (إرضاء الضمير)، والباقي… متروك على الدولة وأجهزتها، وسأبدأ بمحور التطرف.

فمنذ مدة، وقعت على نتائج دراسة خليجية قيمة، لابد للمسئولين الحكوميين في البحرين – بلا استثناء – الاستفادة منها، فقد كشفت الدراسة الأولى من نوعها، أن غياب الوعي الديني لدى الشباب يمثل المرتبة الأولى في أسباب ظاهرة التطرف بنسبة 72.7 في المئة، مقابل 4.8 في المئة من العينة عارضت ذلك.

ووافقت 42.5 فى المئة من إجمالي عينة الدراسة موافقة تامة على أن بعض وسائل الإعلام شجعت لأفكار وأطروحات التطرف والمتطرفين بالإضافة إلى 36.7 فى المئة وافقوا على ذلك ولكن في خانة (إلى حد ما).

وبشأن الاعتداءات الظالمة على بعض الشعوب الإسلامية من خلال بعض وسائل الإعلام، بلغت نسبة المؤكدين على أن تلك الإعتداءات تعد سببا من أسباب بروز ظاهرة التطرف وبلغت نسبتهم 59.9 في المئة، وعارض الفكرة 8.3 في المئة، والنسبة المتبقية وهي 31.7 وافقت إلى حد ما…

والسؤال الأهم هو: هل يمكن السيطرة بسهولة على تطرف الشباب مستقبلا؟ الإجابة (لا)! لكن للحديث بقية.

سعيد محمد سعيد

منتدى البحرين الدولي

 

سيكون أمام مملكة البحرين في العام المقبل، وبعد أن انتهت أعمال «منتدى ومعرض الأمن» الذي عقد يومي 23 و24 فبراير/ شباط المنقضي، تحديات كبيرة تندرج تحت إطار دور هذه البلاد الصغيرة في بحث القضايا الأمنية الكبيرة التي تهم منطقة الشرق الأوسط والعالم، وخصوصا بعد موافقة معالي وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بالاقتراح الذي قدمه ممثل المملكة العربية السعودية لتغيير اسم المنتدى إلى «منتدى البحرين الدولي».

أن تكون البحرين مشارك رئيسي في صياغة الأمن العالمي؛ فهذا أمر نفتخر به من دون شك، وخصوصا في حقبة تواجه فيها كل دول العالم مخاوف متزايدة من تأثير المد الإرهابي على استقرار البشرية، في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، ولعلنا هنا نشير إلى ما طرحه رئيس الأمن العام اللواء عبداللطيف الزياني فيما يتعلق بتقييم البحرين للمخاطر والتهديدات الأمنية التي يمكن أن تواجه المملكة، وقد تم ترتيب هذه المخاطر ضمن أولويات لوضع الحلول المناسبة لها ضمن القدرات الذاتية، وإنه لمن المؤكد أيضا أن هذه المخاطر تواجه جميع الدول، وسيكون التأثير عليها بمقدار حجم وإمكانات تلك الدول، ونحن في البحرين نعمل بكل طاقاتنا وإمكاناتنا لدرء هذه المخاطر ضمن استراتيجية أمنية تعمل على كل المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.

وفي الإشارة إلى المستوى الوطني، فإن كل الدول التي شاركت وستشارك في المنتدى، قادرة على طرح مرئيات جديدة وفاعلة في محور العدالة الاجتماعية، ولا شك في أن اللجنة المنظمة للمنتدى جديرة بأن تضيف هذا المحور إلى جلسات المنتدى في عامه المقبل، وأجد النقطة التي طرحها رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري من أن الأمن الداخلي لكل بلد يتعزز بصورة مباشرة من خلال تحقيق شعار الأمم المتحدة (مجتمع للجميع)، وتحقيق مثل هذا الشعار، يتطلب التزام الحكومات بإنشاء إطار للعمل من أجل تعزيز العدالة الاجتماعية على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي (الوسط – 25 فبراير).

إن هذه المشاركة الكبيرة والناجحة لممثلين من مختلف دول العالم، تسجل كنقطة تميز للجنة المنظمة ورئيسها العقيد رياض عيد في إعداد وإدارة منتدى بهذا الحجم من الأهمية، فتوجيهات وزير الداخلية لتسجيل ووتوثيق كل ما طرح من أفكار وآراء داخل المنتدى في مطبوعات وأقراص كمبيوتر، لحفظها وتوزيعها على المشاركين، وإقامة ورش عمل حولها، يؤكد الحرص على توحيد الرؤى الأمنية وتأكيد ضرورة مواجهة أخطر التحديات التي تواجه دول العالم، من خلال أساليب العمل الجماعي الدولي أو الإقليمي، وحين تكون البحرين ركنا رئيسيا في صياغة استراتيجية أمنية عالمية، فإن تحديات المنتدى في العام المقبل ستكون أكبر، لكننا على ثقة بأن اللجنة المنظمة قادرة على تجديد قراءة المشهد الأمني العالمي وتقديم قراءة مرجعيتها (منتدى البحرين الدولي)

سعيد محمد سعيد

في شأن «مساءلة» حملات الحج

 

يبدو اجتماع اللجنة العليا لشئون الحج والعمرة برئاسة وزير العدل والشئون الإسلامية الشيخ خالد بن علي آل خليفة يوم الأحد الماضي، غريبا ومباغتا! وفي ذات الوقت، منصفا إلى حد كبير… بل سار الاجتماع على ما يبدو في المسار المعتدل الذي لا يستطيع أحد أن يعترض عليه لمجرد الاعتراض… فالمقصر أخذ جزاءه، والمتميز حصل شهادة تميز نظير ما سعى إليه من «سمعة» قبل كل شيء.

وحسب علمي، فهذه السنة الأولى التي تحصل فيها 29 حملة على تقدير (امتياز)، و12 حملة على تقدير جيد جدا، ونالت حملتان تقدير (جيد)، ولو لم تحصل الحملتان اللتان تم شطبهما على حقوقهما القانونية في توضيح موقفيهما وتقديم خطابات مكتوبة للجنة، لقلنا أن اللجنة لم تنصفهما ولم تعطهما الفرصة للدفاع… لكن هذا حدث بالفعل وهو أمر تستحق عليه اللجنة الإشادة والتقدير، فالركن المهم في عمل اللجنة هم حجاج البحرين، وكذلك حملات الحج، وكلا الطرفين لهما حقوقهما على الدولة في توفير التسهيلات والإمكانات الميسرة لأداء فريضة الحج براحة وأمان ويسر، فلا أحد يرضى بما تعرض له الكثير من الحجاج من تعب ومشقة بسبب سوء مستوى هذه الحملة أو تلك، ولا يمكن ترك الأمور هكذا بلا محاسبة ولا مراقبة ولا إجراء يردع المخالفين.

في السنوات الأخيرة، ولنحصرها في حدود خمس سنوات مضت، كانت الشكاوى ترد إلى الصحافة من الحجيج – ليس بعد انتهاء موسم الحج فحسب – بل أثناء الموسم، فكانت الاتصالات ترد إلى الصحافة من حجاج واجهوا ما لم يكن في الحسبان من ظروف وعناء وترك في العراء وهروب لمسئول حملة ومواقف كثيرة شديدة الوقع، حتى أن الكثير من الحجاج كانوا إلى وقت قريب ينتظرون ما سيتخذ من إجراءات ضد الحملات المخالفة.

أضف إلى ذلك، أن مسئولي بعثة البحرين للحج كانوا يتلقون الشكاوى والملاحظات ويعدون بمتابعتها واتخاذ الإجراءات بعد عرض التقارير على اللجنة العليا لشئون الحج والعمرة، وليس في الأمر كيدا لأحد، فالمصاعب التي واجهت الكثير من الحجاج خلال الموسم الماضي ومواسم أخرى سبقت كانت كفيلة بتطبيق المادة الثامنة من المرسوم بقانون رقم (36)لعام 1976 بتنظيم شئون الحج والعمرة والتي تقضي بالتحقيق في كل ما يقع مع مقاولي الحج من مخالفات، وتحدد الجزاءات المترتبة على هذه المخالفات.

وبما أن اللجنة العليا منحت – مشكورة – مهلة للحجاج لتقديم أي شكاوى تتعلق بالخدمات المقدمة من قبل الحملات، فمن حق الحجاج أن يتعرفوا على ما تم اتخاذه من خطوات، فجاء اجتماع اللجنة لا ليحاسب المقصرين فقط، بل لمكافأة الحملات المتميزة التي لها كل الحق في هذه المكافأة، وهذا الأسلوب يمثل ضمانة مهمة لعدم تكرار المخالفات في المستقبل فقد عانى الحجاج من سوء إدارة بعض الحملات حتى أن بعضهم وجد نفسه بالعراء في الصحراء تارة، ومن دون سكن في مكة تارة أخرى، وإن كانت بعض المخالفات ستتكرر، فإن تطبيق الإجراءات المنصوصة في القانون من دون تمييز، سيحد من التجاوزات، مع الاعتبار إلى ضرورة التزام الحجاج أنفسهم بالتعليمات الصادرة من اللجنة قبل كل موسم حج.

سعيد محمد سعيد

هؤلاء البشر… «ملائكة» البحرين

 

تعجب أشد العجب، حينما تستمع إلى قصة من أغرب القصص عن مواطن أو مواطنة أو أسرة بحرينية تعيش وكأنها في مكان ناءٍ معزول عن حياتنا اليومية!على رغم أن بلادنا صغيرة ويعرف الناس بعضهم بعضا، لكنك حين تستمع إلى قصة من تلك القصص، يخيل إليك وكأنما هناك بشر لهم عالمهم الخاص، ومقدرتهم النادرة على تحدي الظروف.

لكن على أية حال، فإن تلك القصص، وعلى رغم ندرتها، إلا أن فيها عِبَر كثيرة، ودروس عظيمة المعاني، من المفيد أن يعرفها الناس، وخصوصا من يمرون في ظروف مشابهة، فلدينا هنا قصة سيدة بحرينية توفي زوجها لتواجهها بعد وفاته ظروفا معيشية صعبة، لكنه الإيمان بالله سبحانه وتعالى والتسلح بالإرادة القوية لتخطي الأوقات العصيبة… فحمل مسئولية الأسرة المكونة من ستة أبناء لم تكن سهلة إطلاقا، فيما كان الموقف الأصعب والأقسي هو اكتشاف إصابة الأم بنوع من أشد أنواع سرطان الثدي، ليبدأ فصل جديد من المعاناة، لكن الأسرة التي آلمها ما حل بالأم الحبيبة، تعلقت برحمة الله سبحانه وتعالى، وكان القرار الأصعب هو إجراء العملية للوالدة لاستئصال الثدي في ظل ظروف مادية صعبة بعد وفاة الوالد وتسديد ما عليه من ديون… اجتمع الأبناء والبنات حول الأم يشدون من أزرها وتشد من أزرهم حتى جاء موعد إجراء العملية التي تمت بنجاح ولله الحمد، وعلى رغم الظروف الصعبة التي عاشتها الأسرة بسبب صعوبة حال الأم الصحية، والمعاناة والألم طيلة علاج الأم بالعلاج الكيماوي لأشهر طويلة، إلا أن رحمة الله شملت الأسرة وحلت المعجزة الإلهية بشفاء الأم من المرض، وكانت الصورة الأجمل هي التفاف الأهل والجيران والمعارف حول الأسرة.

الأمر الملفت، أن تلك المواطنة تسلحت بطاقة من الصبر والتحمل كانت لها العون في تجاوز الكثير من المحن، وعلى رغم أنها مرت ببعض المراحل التي كادت تحطم معنوياتها ومنها تعرضها في شبابها لمرض جلدي نادر غيّر بشرتها، ولم تنفع معه العلاجات المكلفة، إلا أنها رضيت بنصيبها، وكانت قلقة من أن يؤثر المرض على علاقتها بزوجها طيلة وجوده على قيد الحياة، وهو الذي وقف معها وشد أزرها، كما أنها تأثرت بطبيعة الحال لنظرة المجتمع لها نتيجة إصابتها بالمرض، لكن ذلك لم يؤثر على اندماجها بشكل طبيعي في ممارسة حياتها الطبيعية، وكانت تواصل الدور الاجتماعي في المشاركة مع أهل القرية في الأفراح والأتراح على رغم عدم تقبل البعض لها.

هذه المواطنة، تمكنت من تربية أبنائها خير تربية على رغم ما واجهته في حياتها، وعلى رغم ظروفها المعيشية الصعبة، إلا أنها لم تهتز يوما حتى لا تتأثر أسرتها، وهدفها أن تواصل كفاحها من أجل أبنائها.

هذا الصنف من البشر، هم «ملائكة» البحرين الطيبة… يكافحون من أجل أن يقدموا للمجتمع أفرادا يعرفون معنى العطاء، مهما قست عليهم الظروف

سعيد محمد سعيد

بين ولاء حي… وتمثيل حي!

 

يعتقد بعض إخواننا وأخواتنا في هذا البيت البحريني الأصيل، أن الولاء المطلق لبلادنا وقيادتنا السياسية يمنع (الموالي) من أن ينبس ببنت شفة معبرا عن ضيق أو رفض أو موجها انتقادا مهما بلغت درجة ذلك الانتقاد إلى الحكومة… فبمجرد انتقاد الحكومة، يصبح المنتقد صفويا مواليا للفرس والمجوس.

وعليه، فلابد من أن يكون صك الولاء الرسمي والأكيد، هو إغلاق الفم والعين والقلب، على كل ما هو ناقص وسيء، حتى تصبح عين الرضا عن كل عيب قريرة… وهذا ما لا أعتقد شخصيا أن القيادة السياسية، بل ولا أعتقد أن (شيوخ) البلد يرضون بمثل هذا التعريف المجوف الغبي الأخرق للولاء.

أن تكون بحرينيا، أيا كان انتماؤك المذهبي، فهذا يعني أن لك الحق في أن تدافع عن بلدك… آرائك… حقوقك… مستقبلك ومستقبل عيالك وعيال الديرة، ولا يعني جهرك بالكلام (خيانة)… ولا تعبيرك عن الولاء (تقية)… بل ولا أرى في أن من الفطرة السليمة أو الذوق أن ينتقد خفافيش الظلام في مواقع إلكترونية، يديرها ويدخلها ويجول ويصول فيها الصبية والصبيات ممن لم يبلغوا سن رشد (العقل ونضج والتفكير)… يسيئون إلى أحد النواب في الخفاء فقط لأنه وجه رسالة حقيقية أصيلة صريحة فاقعة لأعين المتربصين، إلى النائب الإيراني داريوش قنبري على (كلاكيت) شريعتمداري المكرر، والإسطوانة المكررة، والتي لا تنطلي إلا على طرفين: طرف غبي في إيران، وطرف آخر غبي في البحرين.

وعلى أي حال، ستتكرر تلك التصريحات، دون أن يكون لها من وجهة نظري أي تأثيرات على أمن البلدين وسياسة البلدين اللذين تربطهما اتفاقات وبروتوكولات لم يتم توقيعها اعتباطا! وستتكرر أيضا محاولات استغلال أي تصريح يأتي من (هناك)ليسقط على طائفة (هنا)…

ستتكرر الكثير من الظواهر الواضحة، والخفايا المتسترة فيما يحاك من أجل تحقيق مزيد من التفتيت في النسيج الداخلي للبلد، والذي نجح مع شديد الأسف إلى حد ما في تكوين صورة انطباعية مخادعة لدى الكثير من المواطنين في أن السلم الاجتماعي في خطر، وفي ظني، أن هناك دعوات و(صواريخ) كلامية تطلق من داخل بلادنا هي أكثر شدة وأقوى أثرا من تصريحات نواب إيرانيين أو كتاب أو إيرانيين أو حتى قادة إيرانيين… فتلك تتصدى لها الدولة، والدولة أيضا، هي التي يجب أن تتصدى بموقف صارم ضد الأصوات التي ما توقفت عن تفتيت أهل البحرين.

بالله عليكم أيهما أخطر: نائب يلقي الكلام على عواهنه ويحلم، أم (مواطن شريف كامل الولاء) يعيث في البلاد ألما وتفتيتا؟

سعيد محمد سعيد

الشعار الجديد… تمزيق المجتمع!

 

ليست قائمة العبارات والمفردات المنتشرة في المجتمع البحريني، من خلال التصريحات الصحافية والخطب والمقالات وربما البيانات الرسمية أيضا، وكذلك محاور الندوات والمؤتمرات، وكذلك «الاتهامات» و»الإثباتات»… ليست القائمة تلك بطويلة، ولكنها تحولت إلى التجذر وخصوصا في بعض وسائل الإعلام، والصحافة تحديدا، وفي الخطابات… الدينية منها تحديدا أيضا.

وبنظرة سريعة إلى المفردات والعبارات المتولدة منذ سنوات من رحم الحراك السياسي والاجتماعي من قبيل: «تدمير المجتمع،تفتيت المجتمع، الإخلال بالسلم الإجتماعي، طأفنة المجتمع، الأفكار الدخيلة على المجتمع، الإضرار بالمجتمع»، وربما غيرها ما لا يخرج عن المعنى والمضمون ذاته، سنقف بسهولة متاحة أمام شخوص واقعة في دائرة الاتهام لتسببها في التدمير والتفتيت والإخلال والطأفنة ونشر الأفكار الدخيلة والإضرار بالمجتمع، بعضهم يصنف ضمن خطباء المنابر، وآخرون من الناشطين السياسيين، وفئة من المتخفين وراء الستار، لكن ليس سهلا أن نجد في المقابل مبادرات على أرض الواقع، سواء من السلطة أم من مؤسسات المجتمع المدني، أم من الرموز/ القيادات المؤثرة في القواعد، لحماية المجتمع البحريني من «التمزيق» تحت ركام ثقل كبير من الملفات الصعبة (القابلة للحل على رغم صعوبتها)، وإن تردد الحديث في همس عن (مبادرات)، فتلك إما خاضعة للسرية، أو ربما تكون ظاهرة لكنها غير مدعومة بقوة.

أليس وضع البلد يتطلب مبادرات مخلصة لإنقاذ المجتمع بدلا من تمزيقه؟

وهل من اللازم أن تبقى تلك المبادرات إما رهينة السرية أو رهينة التكهنات أو معدومة أصلا؟

إن الحديث عن «تمزيق المجتمع» يلقي المسئولية الأولى على عاتق الدولة، لكن هذا لا يعني ألا (تظهر مبادرات) لإنهاء حال الاحتقان المقلق، حتى وإن لفها التشاؤم وسوء النتيجة، ولا يعني أيضا أن الدولة لن تحتضن المبادرات التي تبطن في نواياها مصلحة الوطن والمواطنين، على أن كل ذلك يوجب تعامل السلطة بالقانون، مع أي طرف اشتهر بسعيه الدائم للنيل من السلم الاجتماعي وسلامة النسيج الاجتماعي، أي أن يكون الجميع سواسية أمام القانون، حتى لا تنتشر -على أقل تقدير- فكرة الكيل بمكيالين طائفيين لاستقواء طائفة على أخرى، أو تدليل وتمييز طرف على حساب طرف، أو حفظ حقوق طرف وانتهاك حقوق طرف آخر.

الوضع في البلاد اليوم في حاجة إلى (إعادة ثقة) بين الدولة والشعب من جهة، وبين أبناء الشعب أنفسهم من جهة أخرى، ولا نتمنى أن تذهب الدعوات الصادقة أدراج الرياح ولا توليها الدولة أي اهتمام، فليست القضية قضية خلافات مذهبية وحسب، وليست أمنية فقط، وليست محصورة في الملف السياسي ولا غير! ولعل خطيب جامع الخير بمنطقة قلالي الشيخ صلاح الجودر قدم واحدة من الدعوات التي نحسبها جميعا صادقة ولا ريب، حين دعا إلى الحوار والمصارحة لعلاج القضايا التي تمر بها البحرين، وكانت التفاتة موفقة منه في أن يكون «الميثاق» سببا لإعادة الثقة بين أبناء الوطن الواحد، سنة وشيعة، ومعالجة القضايا من خلال الحوار والمصارحة والمكاشفة، وإيقاف فتاوى التكفير والاصطفاف والتطاول والسخرية.

تحل ذكرى «ميثاق العمل الوطني» بمثابة فرصة ذهبية للسلطة ومكونات المجتمع البحريني بكل أطيافه، لبناء جسور الثقة من جديد، هذا إن صدقت النوايا وتكرست لإعلاء المصلحة الوطنية العليا على ما دونها من أهداف، فبقاء الأوضاع في البلاد على وتيرتها، وأقصد هنا وتيرتها المحتقنة، ليس في مصلحة أحد

سعيد محمد سعيد

الزراعة في البحرين… الملف المهمل!

 

على مدى عشرين سنة الماضية، تعرضت الأراضي الزراعية في البحرين إلى تدهور شديد بسبب تقلص المساحات المزروعة على رغم وجود قانون ينظم العمران فيما يسمى بالحزام الأخضر، أي الأراضي التي يمكن اعتبارها مصدرا للأمن الغذائي، لكن، والقطاع الزراعي لايزال يشهد تدهورا متزايدا، هل تملك الدولة، ممثلة في الشئون الزراعية بوزارة شئون البلديات والزراعة استراتيجية عمل واقعية لتحويل هذا القطاع المتدهور إلى قطاع منتج يمكن أن يسمى حقيقة «ثروة زراعية»؟

لنأخذ تجربة دولة الكويت الشقيقة، التي تمكنت من مواجهة التصحر ومحدودية الأراضي الزراعية المنتجة وفقا لطبيعتها الجغرافية الصحراوية من خلال خطة التنمية الزراعية المستدامة إلى تحويل مساحة تزيد على 12 ألف دونم بمنطقة الوفرة، إلى منطقة إنتاج زراعي تمثل نحو 26,5 في المئة من إجمالي مساحة الأراضي المزروعة بالخضراوات والمحاصيل فى الدولة، وبلغ عدد مزارع الوفرة قبل الغزو 634 دونما بمتوسط مساحة للمزرعة الواحدة تبلغ نحو 98 دونما، كما بلغت الأراضي المزروعة فى منطقة العبدلي نحو 26337 دونما تمثل 55,7 فى المئة من إجمالي مساحة الأراضي المزروعة.

وخلاف دولة الكويت، يمكن القول إن الخيارات المتاحة في بلادنا أكبر، على رغم مشكلات تملح التربة ونقص المياه الجوفية التي أوجدت لها المياه المعالجة بالأوزون حلا عمليا ناجحا، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الإنتاج من دون دعم من الدولة، وبحسب الباحث عبدالحميد عبدالغفار في دراسته: «البدائل المثلى للتشجير في البيئة المحلية»، فإن معدل التحصر العام في البحرين بلغ نحو 40 في المئة في العام 2003، وقد تباينت من منطقة لأخرى، فبينما بلغ في منطقة الحزام الأخضر نحو 60 في المئة، بلغت 98 في المئة في منطقة بوقوة، بينما لم تتعد 20 في المئة في منطقة باربار، لكن الحقيقة المؤسفة هي أن إجمالي المساحة الخضراء لا تتجاوز 6 في المئة من إجمالي مساحة البحرين، أي نحو 3800 هكتار فقط، منها 1483 هكتارا زراعات موسمية، و 1682 هكتارا زراعات دائمة.

وضع الزراعة المتدهور في البلاد لا يمكن أن يبقى «ملفا مهملا» ونحن نعيش في بلد أحوج ما يكون للأمن الغذائي، ولعل وزير شئون البلديات والزراعة جمعة الكعبي، يدرك ما تمثله أهمية الإنتاج الزراعي وإعادة تأهيل القطاع الزراعي في البلاد من خلال اهتمامه -كما يقول المسئولون في الوزارة والمزارعون أيضا- بفتح ملف هذا القطاع، ولعلها بارقة أمل في أن تتحرك الدولة لإحياء ثروتها الزراعية.

سعيد محمد سعيد

الصندوق الوطني لمكافحة الفقر

 

إذا كان تحرك المجلس النيابي في اتجاه تنفيذ استراتيجية وطنية لمكافحة الفقر في البلاد لايزال يتطلب جلسات تتلوها جلسات، وتأخيرا يتبعه تأخير، وتقاذفا واتهامات متبادلة بين الحكومة والنواب، فمن المستحسن أن تتقدم الحكومة بمشروع وطني تتبناه وزارة التنمية الاجتماعية، فالواقع الذي نعيشه في البحرين، يدعو إلى وجود برامج لمكافحة الفقر، وبقوة.

إن اعتراف أية دولة بمشكلة الفقر ليس عيبا، بل هو أول الخطوات الجادة لمواجهة المشكلة/ الظاهرة، ولعلي أعود إلى العام 2002 عندما قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجولة في أحياء الرياض الفقيرة، وهذه الجولة كانت بمثابة تحرك صادق من الحكومة السعودية لمواجهة المشكلة بشجاعة بعد أن كان البعض يتعامل معها بأنها «عار يتوجب إخفاؤه»!

بعد تلك الجولة، أصدر الملك عبدالله أمرا بتأسيس «الصندوق الخيري لمكافحة الفقر»، على أساس رؤية سعودية تهدف إلى تأهيل الفقراء ليصبحوا أناسا يساهمون في تنمية المجتمع، بدلا من أن يكونوا مجرد مستهلكين لأموال ومساعدات اجتماعية، وبالتالي فإن مكافحة الفقر تصب في التنمية البشرية بمفهومها الشامل، لذلك يعتبر قيام صندوق لمكافحة الفقر خطوة مهمة على طريق العلاج ضمن استراتيجية وطنية.

ليس من الإنصاف إنكار الكثير من القرارات الملكية السامية والمبادرات الرامية إلى مساعدة الأسر المعوزة في البحرين وخدمات الأيتام والأرامل والمعوقين والأسر التي لا عائل لها، لكن هناك حاجة إلى إيجاد صيغ مستدامة للقضاء على الفقر تنطلق من تغيير صورة الأسر المعوزة من متلقية للمساعدات التي لا تكفي إطلاقا، إلى منتجة عبر تأهيل أبناء الأسر المحتاجة وتدريبهم وتوفير الخدمات الاستشارية، ودراسة الجدوى الاقتصادية الأولية للمشروعات الصغيرة الموجهة للشرائح الفقيرة، ومساعدتهم على تحديد المناسب منها وتدريب الأفراد المستهدفين على إدارة المشروعات الصغيرة التي يستطيعون القيام بها.

ومن المهم هنا التذكير بما طرحه النائب عبداللطيف آل الشيخ من أن غياب استراتيجية لمكافحة الفقر يمثل كارثة وطنية، والدليل على ذلك ارتفاع عدد الصناديق الخيرية والرعائية في البلاد، وعلى رغم أن ذلك شيء إيجابي فإنه يعكس واقعا معيشيا متدهورا لا يجب السكوت عنه، كذلك هناك مشروعات تقدمها الدولة غالبيتها تكون ردات فعل مجسدة بالمكرمات والعطايا التي لا تستند إلى الأطر القانونية والمصرفية المتعارف عليها محاسبيا.

لابد أن يكون التحرك يستهدف إيجاد خط وطني للفقر استنادا إلى العوائد النفطية والوفورات من عوائد الاستثمار، مع الأخذ في الاعتبار ارتفاع الأسعار سواء كان في السلع الأساسية أو الاستهلاكية، على أن تتم مراجعة دورية للخط الوطني للفقر كل 5 سنوات على الأكثر، وبالتالي ضمان أن يكون هناك تنظيم قانوني يحدد حجم المساعدات أو المخصصات المالية التي تقدم لفئة الفقراء في البحرين المدرجين ضمن قوائم موجودة لدى وزارة التنمية الاجتماعية.

ليس صعبا على الحكومة أن تؤسس صندوقا وطنيا لمكافحة الفقر، على أن يكون تأسيسا يهدف فعليا إلى ضمان الحياة الكريمة لكل أسرة محتاجة بتأهيلها لتغيير معيشتها إلى الأفضل