سعيد محمد سعيد

يبيعون الدين ويشترون الفتن الطائفية!

 

لو تتبعنا البؤر التي انطلقت منها الدعاوى الطائفية للتفريق بين جناحي المجتمع الإسلامي، السنّة والشيعة، في مختلف دول العالم الإسلامي، لما وجدنا أدنى صعوبة في وضع اليد على مجموعة من الأسماء الشهيرة من يطلق عليهم (علماء الأمة) من الرموز المعتبرة لدى الكثير من المسلمين، كانوا، ولا يزالون ولربما… سيستمرون، في نفخ نار الطائفية ومضاعفة البلاء المقيم، وهم إنما يفعلون ذلك، أيا كان انتماؤهم المذهبي، كما يقولون ويصرحون هم بأنفسهم، إلا لخدمة الإسلام!

وتبدو الغاية، لا تترابط ولا تبرر للوسيلة العدائية المتبعة، ألا وهي خدمة الإسلام كما يزعمون، ولا يمكن أن تكون هذه (الغاية) مقبولة ومسلما بها، حتى بين عامة أبناء الأمة، الذين أرهقهم الفعل السيئ البغيض الذي يقوم به عدد من أقطاب المنابر الطائفية، ولعلَّ هذه النقطة تحديدا، هي ما جمعتني مع الشيخ سليمان بن فهد العودة، المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم، حين التقيت به في منتدى الإعلام العربي في إمارة دبي يومي 11 و12 مايو/ أيار الجاري، وأبلغته صراحة بأن الكثير من المسلمين اليوم يعلّقون الآمال على الجهود التي يبذلها الشيخ العودة وغيره من العلماء المعتدلين، لإنهاء ممارسات العداء المؤيدة لأعداء الأمة والمدعومة منهم، والمنفذة على أيدي زمرة ممن حملوا لقب (أصحاب الفضيلة العلماء)، سواء كانوا من السنّة أم من الشيعة، وأن هذه المسئولية، جبارة عظيمة، لا يقوى على حملها إلا من يدرك مسئوليته الشرعية والوطنية، لا أولئك الذين يبيعون الدين كل يوم لشراء الفتن الطائفية.

ومن السهل أن نلاحظ، أن علماء الفتنة أولئك ينشطون وفقا للمستجدات التي تشهدها المنطقة، وهم يدركون جيدا أن قائمة من الخلافات التاريخية المحكومة بالنبش في كتب التاريخ، والتصيُّد المبرمج، هو أسلوبهم القديم المتجدد والمفضوح للإضرار بالمجتمع الإسلامي، لكن بيننا الآلاف من الناس تصدقهم وتتلقى شرورهم.

ولعلَّ أكثر ما يثير أولئك المعادين لأمتهم، أن يجدوا مبادرة تلوح في الأفق بين علماء معتدلين لإنهاء الخلافات والتصادم، فيهبوا مدعومين بالملايين من الدولارات، لينفذوا مخططاتهم الخبيثة، ومهمتهم هنا سهلة ميسرة؛ لأن المجتمع الإسلامي اليوم، مرهون بالخلاف والعداء، ولذلك، كان أمين المؤتمر الإسلامي الأوروبي، ورئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي محمد البشاري محقّا حين أعلن أن العلماء الصادقين العاملين هم من تتوجب عليهم قيادة مبادرات إنهاء العداء بين بني الإسلام، وألا يتم استغلال الصراع الطائفي من قبل أي جهة خبيثة النوايا.

أرى أن الحوار مفيد، والعدل لابد أن يكون هو الأساس، وإن رأينا بعض الشطحات في لقاءات الحوار فذلك لا يعني بطلانه، ولكن علينا أن نزيد في موضوع الحوار، ونزيد في التقريب بين المذاهب الإسلامية ونعمل بالفعل في مجمع الفقه الدولي، أو في بعض المجامع الأخرى كمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية أو من خلال المؤسسات الإسلامية كالأزهر على مسألة التقريب.

البشاري واحد ممن ساهموا في وضع استراتيجية للتقريب بين المذاهب الإسلامية في أكثر من لقاء تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الإيسيسكو ومؤسسة الإمام الخوئي، وكان من بين أهم بنود تلك الاستراتيجية العمل على تنقية المناهج الدراسية من العداءات المذهبية والعداوة التاريخية بين السنّة والشيعة.

لكن يبدو أن الدعوة لتأصيل مفهوم الوسطية عند كل المذاهب، لا تروق لعلماء الفتنة، على مستوى الخليج والعالم العربي والإسلامي، حتى وجد بعضهم حمل راية جديدة أسموها مسئولية غزوة أحد أو التحكيم، ذلك لأنهم لا يمكن أن يناموا ليلهم وهناك من يسعى لتوجيه عامة أبناء الأمة والدعاة إلى القضايا المعاصرة

سعيد محمد سعيد

رهائن السحر والشعوذة

 

انقلبت حياة ذلك الشاب رأسا على عقب منذ اليوم الأول الذي توجه فيه إلى أحد ممارسي السحر والشعوذة والدجل تحت عنوان «الرقية الشرعية»، فأصبح في صراع دائم مع نفسه إلى الدرجة التي بلغت من الخطورة ما أثر على استقرار أسرته الصغيرة، فقد ترك عمله الحكومي بسبب ما ألمّ به من تشتت فكري واضطراب نفسي، ليعمل يوما في بيع السمك، ويوما في المعادن والمخلفات من الحديد و «السكراب»، ويوما يطلب رزقه من البيع في الأسواق الشعبية المتنقلة.

وكلما مر يوم جديد، تضاعفت معاناته ومعاناة أسرته وأقربائه وأصدقائه والسبب في ذلك، تلك الأفكار والخزعبلات التي ملأ بها ذلك المشعوذ رأسه ووجدانه، فأصبح كل إخفاق أو عدم توفيق في حياته مردّه للجن، وكل خطوة يخطوها فلا تنجح يربطها بالسحر، وكلما وقعت مشكلة في حياته، أرجعها الى أن هناك مَن عمل له «عملا» ليؤذيه ويؤذي أسرته… أما التفكير العقلاني، فلم يعد له مكان في حياته.

هذا الشاب، في ظني، ليس وحده! فهناك الكثير من الناس، من فقدوا الثقة في الله سبحانه وتعالى، ورهنوا أنفسهم للأفكار الشيطانية ومس الجن وتأثير الحسد، حتى تحولت حياة بعضهم الى جحيم… ففي كل ليلة، يحاصرهم الخوف والقلق من تأثير الجن والعفاريت، وأصبحت قيود السحر والحسد تلازمهم أينما كانوا، على رغم الأموال التي صرفت لتذهب إلى جيب مشعوذ هنا، أو دجال هناك، وتصبح الحال أشد صعوبة، حينما يكون العلاج في الحصول على رأس أفعى، أو ناب ثعلب لتكتمل الرقية، ويصبح الحجاب الذي يحمي ذلك الإنسان من أذى الجن والعفاريت، مكتملا مع توفير ما طلبه الدجال، وهي في الغالب مطالب تعجيزية.

في مجتمعنا، لا يزال الكثير من الناس يتوجهون إلى ضاربي الودع وخبراء فك السحر وإزالة الحسد، ومن بينهم فئات متعلمة، لكن ما يجمعهم هو أمر واحد، لا يفرق بين متعلم وأمي، ألا وهو اليأس وسيطرة النظرة السوداوية للحياة على عقولهم وقلوبهم، حتى أن قنوات فضائية خصصت كل عملها لاستضافة أولئك الذين يقرأون الطالع ويفكون السحر ويكشفون سر البلاء على الهواء مباشرة، ولا ضير في أن ينصح أولئك (الدجالون)رجلا أو امرأة بقراءة سورة البقرة 117 مرة لمدة ثلاثة أيام في غرفة لا يحجبها سقف!

والأغرب من ذلك، أنك ربما تسمع من أحد معارفك أنه حاول الاتصال عشرات المرات، لكنه لم يظفر بالفرصة الذهبية للتحدث مع الدجال أو الدجالة طالبا منهم العون فيما ألمّ به من بلاء مقيم لشدة انشغال الخطوط الهاتفية.

هي في الحقيقة تجارة رابحة، تدر على أصحابها أهل الدجل الكثير من المال، لكن المعضلة تكمن في بعض الناس من يدركون حرمة التوجه إلى أولئك المشعوذين شرعا، ومع ذلك، يتركون أهل العلم، ويتجاهلون تعاليم الدين الحنيف في تكوين شخصية الإنسان المسلم المؤمن بالقضاء والقدر، والذي يضع ثقته كاملة في الله سبحانه وتعالى، ثم يدمرون أنفسهم بأنواع من الطلاسم والأحجبة والخزعبلات، بعضها يربط حول الذراع، وبعضها الآخر يربط على الفخذ، وبهذا، فإنهم يتسلحون بالأحجبة ويسلمون أمر حمايتهم لها، متناسين أن من يتوكل على الله فهو حسبه.

الكثير من الأسر تعيش اضطرابا مؤسفا بسبب هذه الممارسات، ولعلنا نعبر عن أملنا في ألا يهمل علماء الدين في نشاطهم الوعظي والإرشادي توجيه الناس وتكثيف تحذيرهم من هذه الأمور، ثم من الأهمية بمكان أن يكون للمعلمين والمعلمات دور في إزالة هذه الأفكار من عقول الكثير من الطلبة، وفي ظني، أنه من المهم التركيز إعلاميا على مثل هذه القضايا، وهي وإن كانت مجهولة لكنها منتشرة بين الكثيرين من دمر الدجالون حياتهم

سعيد محمد سعيد

وزير الإسكان… بين مهمة صعبة وأبواب مغلقة!

 

من غير الإنصاف، إنكار الجهود التي يبذلها وزير الإسكان الشيخ إبراهيم بن خليفة آل خليفة وهو يحمل ملفا ثقيلا يؤرقه كما يؤرق قرابة 45 ألف مواطن بحريني وربما أكثر… من الذين ينامون ويصحون ويعملون ويذهبون ويجيئون وهم يحملون هموما كثيرة على رأسها مشكلة السكن.

أمام معالي الوزير ووزارته، بل وأمام الحكومة ملف كبير ومعقد ومكلف، وهو ملف توفير السكن اللائق لآلاف الأسر البحرينية التي تعيش ظروفا غاية في الصعوبة لا يمكن وصفها بمجرد الاستماع إلى شكاوى الناس في الإذاعة، ولا يمكن حصرها في الشكاوى التي تنشرها الصحف، ولا من خلال المراجعات اليومية المرهقة للوزارة ولبنك الإسكان من قبل المراجعين، إنما من السهل النظر إليها من زاوية الانتظار الطويل لسنوات وسنوات من أجل الظفر بخدمة إسكانية، تنهي جزءا كبيرا من معاناة الناس.

وبعد، الدولة وحدها، لن تتمكن من الإيفاء بوعودها أو التزاماتها بتغطية كل الطلبات وتلبيتها، ولعل الخبر المحزن هو ما تمخض عن اجتماع لجنة المرافق العامة لمجلس النواب في لقائها مع معالي الوزير والذي كشف أن المشروعات الإسكانية المقرر البدء في تنفيذها لعامي 2009 – 2010 والتي تبلغ 26 مشروعا سكنيا في مختلف مناطق البحرين، لن يتم العمل فيها لعدم وجود موازنة كافية!وهذا يعني أن معاناة الآلاف المسجلة على قوائم الانتظار من المواطنين المستحقين ستطول وتطول أيضا، وستنعكس آثارها على الواقع المعيشي لشريحة كبيرة من المواطنين، وليس من المفرح أبدا العلم بأن موازنة المشروعات البالغة 500 مليون دينار (ليست متوافرة في الموازنة). تبعا لذلك، وحسب تقديرات الوزارة، فإن المتوقع زيادة عدد الطلبات خلال العام الجاري 2009 إلى 5 آلاف طلب، وسيضاف إليها 3 آلاف طلب في العام المقبل 2010 ليرتفع عدد الطلبات إلى 8 آلاف طلب، وبناء على هذه الزيادة، فإن المتوقع هو ارتفاع عدد الطلبات إلى 58 ألف طلب إسكاني بعد عامين، وهذا يعني ببساطة زيادة تعقد المشكلة الإسكانية وتبعاتها.

المعلومات المتوافرة تشير إلى أن الموازنة المخصصة للإسكان في موازنة العامين 2009 – 2010 تبلغ 170 مليون دينار، بواقع 80 مليون دينار للعام 2009 الجاري، و90 مليون دينار للعام 2010، سيصرف منها 28 مليون دينار لعلاوة السكن في العام الأول، و35 مليون دينار للعام 2010، وما يتبقى من الموازنة سيخصص للقروض الإسكانية… إذا، لا تبدو الحلول مواتية وممكنة في ظل الوضع الراهن للموازنة المطلوبة، لكن، ماذا عن دور القطاع الخاص؟ أليست الدولة ترحب بمشاركة القطاع الخاص في تحمل جزء من أعباء الدولة لتوفير الخدمة للمواطنين؟ ولماذا لم نرَ حتى الآن إسهاما حقيقيا للقطاع الخاص في المشروعات الإسكانية؟

(الأبواب موصدة)… هذه العبارة قالها أحد كبار المستثمرين البحرينيين الذي تقدم عدة مرات بتصورات مجموعته الاستثمارية لمشاركة الدولة في تنفيذ المشاريع الإسكانية، من خلال تطبيق نظام عالمي للمباني والمساكن، يقلل مدة الانتظار والكلفة ويضمن الجودة العالية، ومن المؤسف أن يكون هذا النظام الحائز على حقوق ملكية بحرينية مطلوبا في عدد من دول العالم، ولا يحظى بالاهتمام من جانب الحكومة!

وحسب المستثمر، فإنه لا يزال ينتظر ترتيب لقاء مع معالي الوزير بعد أن تقدم بطلب ترتيب موعد، لكن حتى الآن لم يتحرك ساكن، وهنا نتساءل «مع وجود القناعة والتقدير لمشاركة القطاع الخاص، لماذا توصد الأبواب أمام المبادرين؟» لعل الإجابة متوافرة لدى المسئولين بوزارة الإسكان، لكي يبادروا على الأقل بالتعرف على ما يمكن أن يقدمه المستثمر البحريني من أفكار تسهم في إيجاد حلول للمشكلة الإسكانية ودعم الدولة في هذا الاتجاه.

سعيد محمد سعيد

من العنف إلى «اللاعنف»… إنهم الشباب يا سادة ؟!

 

في الحراك السياسي النشط الذي تدور في فلكه بلادنا، مثلت فئة الشباب ولاتزال، شريحة حيوية للغاية، بل لا أبالغ حينما أقول إن المئات من الشباب، وجدوا أن لهم الحق في ممارسة دورهم في المطالبة بالحقوق المشروعة وفقا للأساليب السلمية، وكان لهم ما أرادوا، لكن الأساليب وكذلك النتائج كانت مختلفة ولم تكن تمثل منهجا واحدا أو أسلوبا واحدا. وفقا لذلك، شهدنا خلال السنوات الماضية حضورا لافتا للشباب في الحراك السياسي، وفي المشاركة في المسيرات والاعتصامات، وتنوعت ميول الشباب فيما يتعلق باتباع مسارات سياسية وقيادات ورموز دينية وسياسية… بدت واضحة في القرى أكثر منها في المدن، وكان من ضمن المشهد، وقوع اضطرابات وحوادث عنف راح ضحيتها أبرياء، واعتقال الكثير من الشباب والناشئة، وانحراف أعداد من الشباب عن المسار السلمي للمطالبة بالحقوق إلى المسار العنيف من حرق للإطارات وحاويات القمامة والمرافق الخدمية كأسلوب ضغط على الدولة وفق نظرتهم الخاصة بالمطالبة بالحقوق والتي سببت الكثير من العناء والعذاب لهم ولذويهم ولسائر المواطنين وللدولة، وكان من ضمن المشهد أيضا تبادل اتهامات بين الأجهزة الأمنية وبين بعض الناشطين والرموز الدينية والسياسية والحقوقية بشأن دوافع العنف والطرف البادئ به، وبرزت دعوات وقف العنف واحترام حقوق الإنسان وإيقاف القمع والعنف والاعتقال التعسفي والغازات المسيلة للدموع، مقابل دعوات للتصدي للممارسات العنيفة والأعمال المنافية للقانون التي يقوم بها بعض الشباب، المشهد بكله كان مرهقا للوطن وللمواطنين.

وفي الوقت الذي نشط فيه بعض الكتاب في إثارة النعرات الطائفية وانبرى بعض النواب لزيادة تأجيج الوضع بتصريحاتهم المعلنة تحت عنوان «حب الوطن والدفاع عنه والولاء للقيادة»، والمبطنة بنوايا الشر والتشكيك في الولاء والدفع للتنكيل بطائفة من أبناء الشعب، برزت أيضا كتابات رفضت العنف من أي طرف كان، ورفضت اسلوب خنق المبادرات والوسائل النافعة في إخراج البلد من احتقانه وأزمته، واحترام كل مواطن مهما كان انتماؤه المذهبي، وأن يكون كل طرف، الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والرموز والنواب والمواطنين بلا استثناء، ذوي مسئولية وطنية يتوجب على الجميع حملها بأمانة.

وكنت واحدا ممن أيدوا وشجعوا على الأساليب السلمية المطالبة بالحقوق بعيدا عن العنف والعنف المضاد، وتقديم مصلحة الوطن وأمنه واستقراره على أية مصلحة فئوية أو طائفية، وانتقدت كل الممارسات التي يقوم بها الشباب والناشئة من حرق وتخريب وتدمير خلاف ما تدعو له القيادات والرموز، وعلى ذات المسار، انتقدت الدعوات المبطنة بخبث للتنكيل بالمطالبين بالحقوق ونسبهم إلى جهات خارجية، وتأجيج المواطنين ضد بعضهم بعضا وانتهاك الحقوق وحرمان الناس من أمنهم في بيوتهم.

الصور المذكورة أعلاه من عموم المشهد ليست خافية على أحد، لكن لا يمكن أن نتجاهل المبادرة الملكية السامية من قبل جلالة عاهل البلاد بالإفراج والعفو والتي جاءت كخطوة تجديدية جوهرية أعادت للبلاد استقرارها وطمأنينتها وأيضا، حفظت للناشطين السياسيين والرموز حقوقهم في ممارسة دورهم في إطار الجهد الوطني الذي سيكون النضال فيه طويلا وشاقا من دون شك، على ألا يخرج عن إطار شرعية الدولة وشرعية مؤسساتها واستقلالها واستقرارها، وأيضا، الحقوق الدستورية لكل مكوناتها وطوائفها؟

بعد كل هذا التقديم، وقد عاد الهدوء والاستقرار للبلاد ولله الحمد، بفضل من الله ونظرة جلالة الملك الأبوية وجهود العلماء الأفاضل والشخصيات والوجهاء من كل التيارات، هل لنا نتساءل عما تم إعداده لعدم عودة صور الاحتقان والاضطراب الى مجتمعنا؟ وهل أعدت الجهات ذات العلاقة تصوراتها بشأن فئة الشباب تحديدا، ورصدت احتياجاتهم، المعيشية والوظيفية والتعليمية والحياتية بشكل عام؟ أم هي مرحلة سبات وإهمال غير مسئول؟

الحديث عن احتضان الشباب ورعايتهم وتوفير متطلباتهم حديث يطول كثيرا، على أن من المهم أن تتوقف الأصوات النشاز، والهدوء يعم البلد، عن النعق بما يثير الناس ويوغر الصدور ويؤجج الوضع إلى الاتجاه السلبي الذي لا يبتغيه أحد.

وللحديث الطويل، بقية

سعيد محمد سعيد

عن أي «أمن اجتماعي في البحرين»…نتحدث؟ (2)

 

أشرت يوم الأحد الماضي، في الحديث عن الأمن الاجتماعي في بلادنا، إلى عدم وجود مبادرات حقيقية وفاعلة ترتبط بتعزيز الأمن الاجتماعي، واختتمت بالقول إن مسئولية الحفاظ على الأمن الاجتماعي لا يمكن أن تكون مسئولية الدولة وحدها، ولا هي مسئولية مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والرموز السياسية وحدها، وقبل أن أجيب على سؤال: «كيف نعالج قضية الأمن الاجتماعي في مجتمعنا؟»، لابد من شيء من التمهيد.

إن الأمن الاجتماعي قيمة عظيمة لا تقل أهمية عن وجود الإنسان في هذه الحياة، وأن الأجهزة الحكومية تتقاسم مع الأفراد المسئولية في تحقيق الأمن الاجتماعي، ويتحمل كل طرف منهما جانبا من تلك المسئولية، وتعتبر مؤسسات الدولة والأجهزة الحكومية عاملا أساسيا في تحقيق الأمن الاجتماعي والتماسك الداخلي والمنعة الخارجية.

ومن وجهة نظري المتواضعة، أرى أنه من الأهمية بمكان أن يكون للأسرة إسهام في بناء الأمن الاجتماعي بتربية الأبناء على الحب والوئام والمواطنة الصالحة، ولا بد من أن تدعم الدولة الأسرة من ناحية علاج الفقر من خلال مؤسسات الرعاية الاجتماعية، ويتوجب على الإعلام الوطني وقف كل الممارسات الإعلامية والكتابات التي تؤجج وتحرض وتثير العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع الواحد.

لهذا، فمن الضرورة بمكان أن يكون لدينا توجه إعلامي وثقافي يجسد الوحدة الوطنية ويضع الأمن الاجتماعي نصب عينيه، فهذا الأمن ينبغي أن يشمل كل من يتعرض لتهديد أو خطر أو إهمال في نفسه أو صحته أو حقه في الحياة الكريمة الآمنة لأي سبب كان، فيشمل الأسر المعوزة والأرامل والمطلقات والمسنين والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة من المعاقين نفسيا أو جسديا أو عقليا، وإعانة المحتاجين وحماية الطفولة والأسرة والأحداث.

ولا تنفصل مسئولية الأجهزة الحكومية في تحقيق الأمن الاجتماعي عن حلقات الأسرة والإعلام والمؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية، ويتمثل ذلك في تمكين المواطنين من حرية الرأي، وتفعيل المشاركة السياسية، والإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير التعليم والخدمات الصحية لعموم المواطنين، لكن مهما يكن من أمر، فإن إشاعة ثقافة الأمن الاجتماعي بين أفراد المجتمع هو السبيل الأمثل لتحقيقه من خلال المناهج التعليمية ووسائل الإعلام والثقافة المختلفة.

سعيد محمد سعيد

عن أي «أمن اجتماعي في البحرين»… نتحدث؟

 

لو أردنا البحث عن مبادرات حقيقية وفاعلة، أو دراسات ميدانية محلية متعمقة، سواء من جانب علماء الدين أو الناشطين السياسيين أو مؤسسات المجتمع المدني أو من قبل الباحثين، أو حتى من جانب الدولة ذاتها، فيما يتعلق بتعزيز الأمن الاجتماعي في البحرين، فلن نخرج من إطار الشعارات والخطب ومقالات الصحف، وهو أمر من الأمور المؤسفة، التي جعلت الحراك السياسي والاجتماعي في البلاد محصورا في الصدام والتناحر الطائفي بكل أبعاده السيئة، لكنه (متمترس) خلف شعارات الحفاظ على النسيج والسلم الاجتماعي.

عن «أي أمن اجتماعي في البحرين نتحدث؟»… قد يكون من السهل القول إنه الأمن الذي يحفظ كيان الدولة وكيان مواطنيها، فتصبح على الدولة مسئوليتها الكبرى في توفير كل الحقوق لكل مواطن، وتصبح مسئولية المواطن الكبرى هي القيام بواجباته تجاه بلاده، لكننا إن تجردنا من الخيالات وتوغلنا في تحليل الواقع، سنجد، مع شديد الأسف، أن مسئولية الأمن الاجتماعي، لا تحظى بالقدر المطلوب لترسيخها سواء من قبل الدولة أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني والرموز السياسية والوطنية والدينية، إلا فيما ندر بحيث لا يتعدى كونه خطابا هامشيا غير ذي أثر.

لقد أصبح موضوع الأمن الاجتماعي من الموضوعات الجديرة بالدراسة في عالم تتنازعه التيارات الايديولوجية المختلفة، وتهيمن عليه سياسة القطب الواحد التي تحاول فرض قوانينها وثقافتها، ما أفرز اتجاها متطرفا قد يكون إحدى أدوات العولمة أو أداة مناهضة لها لكنها غير قادرة على تلمس طريقها فجاء مسلكها لا إنسانيا، وفشلت تقارير التنمية البشرية التي حاولت تسليط الضوء على حجم المشكلة وأخطارها في التأثير على مجرى السياسات الدولية الخاضعة للغة السوق والمصلحية على حساب أمن الأفراد والشعوب.

في دراستها بعنوان: «الأمن الاجتماعي والعولمة» تطرح الباحثة العربية فائزة الباشا، وهي استاذة جامعية بكلية القانون في جامعة الفاتح بالجماهيرية الليبية، محورا مهما تؤكد فيه أنه، وعلى رغم أهمية الموضوع وارتباطه الوثيق بحياتنا، فإنه لم ينل القدر الكافي من الدراسة بصورة مستقلة فيما عدا الناحية الأمنية المتعلقة بترسيخ أنظمة الحكم أو بواجبات أفراد السلطة العامة في مجال مكافحة الجرائم أو التدخل العسكري، من دون الاهتمام بالناحية الأشمل التي ظلت غير منظورة؛ إلا من قبل بعض الباحثين من نجحوا في التأكيد على أنه لا وجود لمجتمع سليم من دون الفرد السليم، وهو ما عبر عنه تقرير التنمية البشرية للعام 1999 تحت مسمى تهديدات جديدة للأمن البشرى بالقول: «إن انكماش الزمان والمكان يؤدي إلى ظهور تهديدات جديدة للأمن البشري، فالعالم السريع التغيير ينطوي على مخاطر كثيرة لحدوث اختلالات مفاجئة في أنماط الحياة اليومية؛ في فرص العمل وفى سبل الرزق وفي الصحة والسلامة الشخصية وفي تماسك المجتمعات اجتماعيا وثقافيا، فوسائل الاتصال السريعة التي جاءت بها التكنولوجيا المتطورة، تؤدي أيضا إلى سرعة انتقال تهديدات الأمن البشري حول العالم التي منها انهيار الأسواق المالية، وانتشار الأمراض الوبائية، والجريمة العالمية وما إلى ذلك ما يؤثر على استقرار أي مجتمع من المجتمعات». (انتهى الاقتباس).

لو اعتبرنا مسئولية الحفاظ على الأمن الاجتماعي هي مسئولية الدولة لوحدها لما نجح الأمر، ولو اعتبرنا أنه مسئولية مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والرموز السياسية فقط لما نجح الأمر أيضا، لكن هناك حاجة أولا للاعتراف بأن الأمن الاجتماعي مهمل من مختلف الأطراف، وأن تبعاته ومؤثراته السلبية في المجتمع البحريني تظهر في أكثر من صورة وصيغة، وكل ذلك يثير تساؤلا: «كيف نعالج قضية الأمن الاجتماعي في مجتمعنا؟».

للحديث صلة

سعيد محمد سعيد

الضرب بيد من حديد… بين ترديد وتفنيد وتحديد!

 

لست من الناس الذين يؤيدون استخدام عبارة (الضرب بيد من حديد)… لا في أوقات الشدة ولا في أوقات الرخاء في أي مجتمع كان! وخصوصا في المجتمعات العربية والإسلامية، والتي هي في الغالب، ومن خلال أداء حكوماتها، تتجاوز قوانينها وأعرافها وأخلاقياتها، وتعمد إلى تغييب العدالة الاجتماعية، وتشجع على ممارسات الفساد، ثم تأتي لترفع شعار الضرب بيد من حديد كلما ألمت بها ملمة!

في ثلاث دول عربية (جمهورية النظام)، تصاعدت لهجة الأنظمة الحاكمة باستخدام عبارة (الضرب بيد من حديد) بعد أن تفاقم تجاوز السلطات (ذاتها) للقوانين التي من المفترض أن تكون هي أول من يحترمها، ورأت في رفع ذلك الشعار تهديدا مشروعا توجهه إلى الداعين لتقديم الخيار الديمقراطي ودولة المؤسسات والقانون، من دون اعتراف شجاع منها بأن عدد من أقطابها الكبار، هم أول من يجب أن (يضربوا بيد من حديد بسبب عبثهم باستقرار الجمهورية وعبثهم بقوانينها وعبثهم بحقوق البلاد والعباد)، فكان أن برز عدد من المفكرين والمثقفين والسياسيين في تلك الجمهوريات العربية، بصيغة أو بأخرى، ليطالبوا باستخدام (الضرب بيد القانون ثم القانون ثم القانون)، الذي ينصف المظلوم ويعاقب الظالم.

البديل عن هذه العبارة الشائعة الصيت، بل هو (الأصيل) وليس البديل، إن أردنا الدقة، هو ترسيخ قوة (القانون) وتعزيزه، وتقوية دولة القانون والعدالة الاجتماعية التي يتساوى في محيطها كبار القوم وصغارهم، ولا شك في أننا في البحرين، وعلى رغم كل القضايا والملفات المهمة والمعقدة، وتداعيات بعض الظواهر وأبعادها الخطرة، نحتاج إلى هذا الترسيخ المكفول دستوريا، ففي المادة الثامنة عشرة من دستور مملكة البحرين ما نصه: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة»، فتطبيق هذا النص بروحه وجوهره، من دون شائبة من شوائب التمييز والمحسوبية والقفز على القوانين بمزاجية، سيفضي في نتيجته الحتمية إلى أن يد القانون ستضرب بقوة على كل من تسوّل له نفسه العبث بمكتسبات البلاد ومقدراتها وأمنها واستقرارها ووحدة شعبها.

أمن البلاد وسلمها الاجتماعي ليس خيارا حكوميا فقط، بل هو أيضا خيار شعبي مؤسس على تقديم المصلحة الوطنية العامة من دون غيرها من مصالح فئوية أو شخصية، وهو أيضا نابع من المواطنة الصالحة، بثنائية الحقوق والواجبات، وهنا، حينما تلوح ممارسات تهدد استقرار البلاد، من أي طرف كان، فإن تطبيق القانون على المتورطين، لا يجب أن يخضع للتهاون والمزاج.

التعامل مع القضايا المهددة للأمن الوطني، يجب أن يكون تعاملا عادلا… فحين يتم ضبط عدد من المخربين الذين ينوون زعزعة الأمن والنيل من استقرار البلاد، سواء من خلال افتعال العنف اللامبرر وتعريض الممتلكات وأرواح الأبرياء للخطر، واشعال الحرائق وتدمير المرافق، فتصدر البيانات الشديدة الداعية للضرب بيد من حديد، وتنشط البرامج الإعلامية لكشف المخططات و(الفضائح)، فالأمر ذاته يجب أن ينطبق على كل فرد أو خلية تنوي بالبلاد شرا من خلال مخططاتها القذرة وسلاحها الخطير واتصالاتها المشبوهة، أيا كانت جهة الدعم، وأيا كان الانتماء المذهبي، مع الاعتبار طبعا لسرية التحقيقات والتحريات وترصد المعلومات وجمعها بدقة، واحترام دور الأجهزة الأمنية في عملها، ومع الاعتبار أيضا للحقوق المدنية.

لا مساومة على أمن البحرين، ولا على شرعية الحكم الخليفي فيها، ولا على حقوق الناس في المطالبة وفق ما كفله الدستور وميثاق العمل الوطني، ولا مكان لقمع الحريات وحرمان المواطن من التعبير، والتضييق على الحراك السياسي والنقابي والاجتماعي، لكن الكيل بمكيالين في التعامل مع القضايا المهددة للأمن الوطني أمر مرفوض، ولابد أن ينال من يثبت تورطه وتنكشف نواياه الخبيثة في تدمير بلادنا شر فضيحة وأشد عقوبة.

سعيد محمد سعيد

عمال البحرين يتحدون «الانتهاك»!

 

في الأول من مايو/أيار من العام 2005، جاء الحديث الثاني من سلسلة مقالات «أحاديث في الوعي الوطني» لجلالة العاهل حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، تحت عنوان :»عمالنا…طلائع المجتمع المدني»… جاء موسوما بتقدير دور عمال البحرين كقوة حية وفاعلة من قوى المجتمع المدني، وجاء في نص مقال جلالته: «لذلك ارتأيت أن يكون الأول من مايو عطلة رسمية في البحرين تقديرا لعمالها فهم طلائع التحديث الصناعي والمدني في تاريخنا- ليس في البحرين وحدها – وإنما بمشاركتهم الأشقاء في بلدان الخليج الأخرى، وذلك منذ اكتشاف النفط في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الشقيقة، وإسهامهم في بناء خط التابلاين لتصدير النفط إلي ساحل البحر المتوسط».(انتهى الاقتباس).

إذا، عمال البحرين، كانوا ولا يزالون ركنا مهما ومؤسسا لطلائع التحديث الصناعي والمدني، وهم بذلك، وخصوصا في هذه المرحلة التي تشهد فيها الكثير من قطاعات العمل انتهاكات مستمرة لحقوق العمال والموظفين تصل بعض الممارسات المخالفة للقانون فيها إلى التنكيل بهم وفقا لأمزجة هذا المسئول أو ذاك، وتضع الكثيرين منهم في حال من القلق الدائم على لقمة عيشهم وعيش عيالهم، والأوجب هنا، إعادة الدعوات المتكررة إلى الحكومة لمساندة جهود الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، ودعم العمل النقابي لأنه يهدف أولا وأخيرا إلى تحقيق مصلحة عامة تشترك فيها الدولة وأصحاب الأعمال والعمال.

وكما قال جلالة الملك، فإن عمال البحرين قوة حية وفاعلة من قوى المجتمع، ولأنهم كذلك، نتساءل: «ما هي الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم أوضاع العمال والموظفين السيئة في كثير من القطاعات؟»، والإجابة تنحصر في عبارة واحدة هي: وجود نماذج من كبار المسئولين في قطاعات مختلفة، وخصوصا في القطاع الخاص، لا يريدون أن يفهموا بأن عمال البحرين قوة حية وفاعلة!

في ذات السياق، ونحن نتحدث عن دور عمال البحرين، لفتت اهتمامي صورة من مجموعة صور الباحث والمؤرخ حسين محمد حسين الجمري تعود إلى العام 1956 لمجموعة من العمال البحرينيين الذين شاركوا في أعمال التنقيب مع البعثة الدنماركية في موقع قلعة البحرين في قرية القلعة، ولعل أبرز ما تعنيه الصورة، هو أن للعمال إسهام ثقافي وتراثي وتاريخي لا يمكن أن نغفله.

ولهذا، كان للباحث العمالي عبدالله مطيويع جهدا في توثيق أدوار عمال البحرين في مراحل مختلفة ضمنها في كتابة: «صفحات من تاريخ الحركة العمالية البحرينية»، رصد فيها الصراعات التي خاضها العمال طيلة القرن الماضي، منذ الإضراب العمالي الشهير العام 1938، لتحسين ظروف عملهم، ومن أجل انتزاع حقهم في العمل النقابي، ثم التعريج على تجربة اتحاد العمل البحريني الذي كان لهيئة الاتحاد الوطني الفضل في إنشائه في العام 1954، إذ اعتبر قادتها أن حق العمال في تنظيم أنفسهم يشكل حجر الزاوية في تنظيم قوى المجتمع لتتمكن من توحيد جهودها لتحقيق المطالب السياسية العادلة.

والحال كذلك، لم يكن لعمال البحرين، طيلة العقود الماضية إلا هدف واحد وهو العمل من أجل مصلحة الوطن، وباعتبارهم قوة حية فاعلة، فإنهم يتطلعون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن تكافح معهم الحكومة كل أشكال انتهاك الحقوق الوظيفية من خلال إعادة صوغ تعاون الحكومة مع المظلة التي تظللهم وهي الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.

كل عام وجميع العمال والموظفين البحرينيين، وغير البحرينيين، بخير

سعيد محمد سعيد

حتى لا نفقد المنامة (4)

 

أرسل لي أحد أبناء عائلة (غزوان) قائمة تضم ما يزيد على 100 اسم من أسماء عوائل العاصمة المنامة الشهيرة من كل الطوائف والأعراق، ولكن أجمل ما في أمر تلك القائمة، أن هناك الكثير من أبناء تلك العوائل لا يزالون باقين فيها، وفي الوقت ذاته، وفقا لاتصالات بعضهم، فإنهم متمسكون بالبقاء فيها، على أن يكون لدى الدولة ممثلة في كل من مجلس بلدي العاصمة، ومحافظة العاصمة ووزارة شئون البلديات والزراعة ووزارة الثقافة والإعلام توجه حقيقي للحفاظ على هوية المنامة.

والسبل الى ذلك متاحة… حتى مع بقاء الوافدين في الأحياء التي أصبح فيها البحرينيون أقلية لا تكاد تذكر، فهناك مشروع بدأ به عضو المجلس النيابي النائب خليل المرزوق يصب في هذا الاتجاه، ويدعم مشروع التطوير الحضري للمنامة طبقا للمخططات والتباحث مع الجهات الرسمية والأهلية ذات العلاقة بغرض توفير مختلف الخدمات الأساسية للمواطنين القاطنين بالعاصمة، وعلى صعيد مختلف ضواحيها طبعا، وتوفير الحلول الإسكانية والحفاظ على النسيج الاجتماعي والطابع العمراني الذي تأثر كثيرا هو الآخر على مدى السنوات العشرين الماضية، وهو ذاته المشروع المرتبط بالدراسة التي أعدتها وزارة شئون البلديات والزراعة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDB.

لماذا تعثر المشروع؟ أو لنقل: ما الذي أدى إلى تباطؤه؟ قبل سنوات، زار أحد الوزراء المعنيين المنامة، وبعد الزيارة الميدانية للكثير من الأحياء والمواقع، صدر قرار بتشكيل فريق عمل مشترك بين نواب وممثلي المنامة والمكتب الهندسي المشرف على مخططات العاصمة، ووزارة البلديات وبلدية المنامة بالشراكة مع المجلس البلدي والمؤسسات الأهلية لبحث خيارات تطوير وإعمار العاصمة، بل واستعراض مصادر وبدائل التمويل ولا سيما إننا علمنا أن جلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حريص على إنجاح الفكرة؟

يصر البعض، على أن لفت الأنظار إلى العاصمة المنامة والدعوة إلى الحفاظ على هويتها، ما هي إلا كلمة حق يراد بها باطل من أجل التنكيل بالعمال الوافدين من العرب وغير العرب، وهذه فكرة هامشية (مهمشة)أصلا ولا ترقى إلى النقاش، فالحفاظ على هوية بلادنا وتراثنا وتاريخنا أمر لا علاقة له قطع لقمة العيش التي هي من عطايا رب العالمين وليست من عطايا البشر… فما المانع في أن تعيش العوائل العربية والأجنبية في بعض أحياء المنامة أو المحرق أو مدينة عيسى؟ فنحن البحرينيون أهل خير ونعمة لا نحمل روحا عدائية لأي إنسان يطلب الرزق والحياة الكريمة له ولعياله… لكن لا نريد أن تصطبغ مدننا وقرانا بصبغة الكامبونات الأجنبية للعزاب الوافدين، وتقتطع من بلادنا قطعة عزيزة لتحل محلها أحياء هي طبق الأصل لبلدان وثقافات لا صلة لنا بها إلا عبر التواصل الإنساني… تتمشى في أروقة المنامة فتملأ رأسك رائحة الطعام الغريب، الموسيقى الغريبة…ا لكتابات واللافتات الآسيوية… والكثير الكثير من الغرباء المخيفين أحيانا حتى لأشد الرجال بأسا.

إن النظر من جديد إلى «فرجان» المخارقة والحمام والحطب ورأس الرمان والحورة (الحدادة)، التي حظيت بزيارة واحد من كبار المسئولين قبل عام أو أكثر قليلا، تدعونا لنتساءل مجددا: «متى سيتم الالتفات إلى العاصمة؟ وكيف تنظر الجهات المسئولة إلى هوية المنامة وتراث المنامة وتاريخ المنامة وواقع المنامة…العاصمة؟».

سعيد محمد سعيد

لكي لا نفقد المنامة (3)

 

تنعقد الآمال على تحرك مجلس بلدي العاصمة بالتنسيق مع وزارة شئون البلديات والزراعة ومحافظة العاصمة لصوغ خطة تهدف إلى الحفاظ على هوية المنامة، فالفرص لا تزال متاحة، من وجهة نظر الكثير من أهاليها، لإحياء بعض المواقع والبيوت التاريخية تماما كما حدث لمشروع تجديد جامعي المؤمن والفاضل، ومع تنفيذ مشروع تطوير سوق المنامة القديم، فإنه بالإمكان تخصيص بعض المرافق التي تقدم لرواد السوق معلومات بشأن تاريخ العاصمة تكون بمثابة مركز معلومات تتضمن وثائق وصورا.

ومع نجاح جهود إحياء مدينة المحرق من خلال المشروعات الثقافية والتاريخية البارزة، وهي جهود بادرت في ترجمتها على أرض الواقع منذ سنين، وزيرة الثقافة والإعلام الشيخة مي بنت محمد آل خليفة قبل توليها الحقيبة الوزارية، وأعادت تلك المرافق رونق الهوية والأصالة للمحرق، وآن الأوان لكي تنصب الجهود على العاصمة، فمع التزايد المذهل للوافدين وكثافتهم الملحوظة في كل أحيائها وفرجانها، لا يمكن بالطبع إخراج هؤلاء الناس منها، ولكن بالإمكان تشجيع الملاك وتوعيتهم بعدم تأجير البيوت في الأحياء القديمة لغير البحرينيين أو لغير العرب أو لغير العوائل الأجنبية، لكي لا يكون النصيب الأكبر في تأجير المنازل في الفرجان المعروفة في قلب المنامة كسكن للعمال العزاب، وهذه ظاهرة أرهقت المناطق القديمة بالكثير من الممارسات والصور السيئة التي تتنافى حينا مع عادات وتقاليد البلاد، وتتنافى مع القانون في أحيان أخرى كما حدث بالنسبة إلى المنازل التي اكتشفت كأماكن لممارسة الدعارة وبيع الخمور وممارسة الأنشطة التجارية المخالفة وخصوصا تحضير الأطعمة خلاف الاشتراطات الصحية.

وفي المنامة، الكثير من المؤسسات الأهلية التي يمكن أن تساهم في صوغ مشروع الحفاظ على هوية العاصمة، فهناك جمعية العاصمة للثقافة الإسلامية، ومركز المنامة الإعلامي، وجمعية المرسم الحسيني للفنون الإسلامية، وجمعية سيد الشهداء، مضافة إليها المؤسسات الثقافية والخيرية التي تمثل المناطق والضواحي التابعة للمنامة، وفي مقدور الجهات المسئولة وعلى رأسها محافظة العاصمة والمجلس البلدي، وبدعم من المجلس النيابي، العمل معا لترجمة الأفكار إلى أرض الواقع.

وهناك خطوة سابقة نتمنى أن تتبعها خطوات قادمة، وهي تلك المتعلقة بمشروع التطوير الحضري للعاصمة، والذي جاء إثر مسح ميداني ومخططات شملتها دراسة أعدتها وزارة شئون البلديات والزراعة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDB)، وهو مشروع ركز على معالجة مشاكل العاصمة واحتياجاتها من ناحية الأراضي والمشاريع الخدمية، وتوفير الحلول للخدمات الإسكانية بما يتناسب مع خصوصية العاصمة الثقافية والاجتماعية.

وللحديث صلة