سعيد محمد سعيد

الحورة والقضيبية من جديد…

 

تطرقت يوم التاسع من شهر أغسطس آب الجاري في هذه الزاوية، وتحت عنوان: «ملفات القرى والأحياء في عهدة الكعبي»، إلى ملف الحورة والقضيبية الخدماتية، حاله حال سائر القرى والمناطق والأحياء التي لم أخف اهتمام وزير شئون البلديات والزراعة جمعة الكعبي بها من خلال الزيارات الميدانية التي ننتظر منها كمواطنين أن تثمر عن الكثير من الخدمات، لكن جوهر الموضوع، كان ينصب على خطاب النائب الفاضل عادل العسومي وتصريحاته بشأن ما هو مطلوب لمنطقتي الحورة والقضيبية…

وددت أن يكون الخطاب بعيدا عن بعض المفردات والتوصيفات، وقريبا من التواصل بين النائب والوزير، فالأول يمثل سلطة تشريعية له مقامه واحترامه وجهوده، والثاني يمثل سلطة تنفيذية وله مكانته واحترامه وجهوده.. ذلك أنني من الناس الذين يرون أن احتدام الخلاف بين نائب أو عضو بلدي مع وزير أو مسئول، لن ينفعنا كثيرا.

لكن، كيف كانت ردود أفعال أهالي الحورة والقضيببة بعد نشر الموضوع السابق؟ لن أقول أن هناك العشرات من أهالي الحورة والقضيبية أثنوا على كل الأصوات والجهود التي تلفت الأنظار الى تلكما المنطقتين، لكنني سأقول أن ثلاثة من الأهالي، أدلوا بدلوهم، وما يثلج الصدر هو أن هذه النماذج الثلاثة من الأهالي هي التي تستحق التقدير وهي التي في امكانها العمل مع النواب ومع المسئولين لنفع مناطقهم، فأولئك الأخوة أعادوا التأكيد على أن نائبهم الذي يثقون فيه، يعمل بصورة نالت رضا الكثير من الأهالي خصوصا بالنسبة لمتابعة ما ورد في العريضة الشعبية التي شملت 1725 توقيعا من قبل أهالي المنطقة، وضمنوها مطالبهم واحتياجاتهم، وانتظروا، وهم لا يزالون ينتظرون أن تتحقق خطوات عملية، وفي ذات الوقت، فإن الأهالي ذاتهم، وجدوا في زيارة الوزير الكعبي، بارقة أمل، يتوجب أن تتبعها هي الأخرى، مبادرات من مجلس بلدي العاصمة للعمل بآلية ميدانية لتحقيق المطالب وهي مطالب قابلة للتحقيق.

الأخ النائب عادل العسومي، الذي كان في الخارج وقت نشر المقال، إتصل ليطرح وجهة نظره ويؤكد على أن ملف الحورة والقضيبية هو من الملفات التي تحتل مساحة كبيرة من اهتمامه، خصوصا في ظل استمرار غياب أي برامج عمل أو خطة للتطوير الحضري مخصصة لهاتين المنطقتين، ولم يتأخر في التأكيد على أنه تساءل مرارا عما تم تخصيصه للحورة والقضيبية من مشروعات خدمية منظورة، فلم يجد، فكان لزاما أن يكون التحرك حثيثا مهما كانت الظروف… ونحن نقدر له هذا الموقف.

وعلى أي حال، أريد التذكير باللقاء الذي عقد بين الوزير الكعبي والنائب العسومي يوم 5 أبريل نيسان الماضي، وهو اللقاء الذي تم خلاله التباحث في عدد من الأمور التي تدخل ضمن اختصاصات الوزارة وتخص منطقتي الحورة والقضيبية فيما يتعلق بالخدمات المختلفة، واستعداد الجانبين – التنفيذي والتشريعي – للتعاون وهو الأساس الذي نأمل الا تخرج الجهود عن محوره.

ملف الحورة والقضيبية لا نريده أن يكون ملفا مهملا أو مصدر خلاف، ولهذا، فإن زيارة الوزير الكعبي للمنطقة يوم الإثنين الثالث من أغسطس آب الجاري، تعزز الموقف قبال خطة شاملة لتحقيق مطالب واحتياجات الأهالي ومنها إعادة بناء البيوت الآيلة للسقوط وترميم المنازل ضمن مشروع تنمية المدن والقرى، وتنفيذ مشاريع التشجير والتجميل وإنشاء الحدائق والمساحات المفتوحة بالإضافة إلى تطوير بعض أراضي البلدية لإنشاء الأسواق.

ولتكن هذه الزيارة الكريمة، نقطة الإنطلاق، والشكر للوزير الكعبي وللنائب العسومي، مني بالنيابة عن الأهالي إن جاز لي ذلك

سعيد محمد سعيد

نقل الهموم إلى «الشيوخ»… معصية!

 

ليس مستغربا من بعض مشايخ (وحدة ونص)، تحذيرهم المواطنين من مغبة نقل همومهم أو مطالبهم إلى «الشيوخ» وقتما يقومون بزيارة لمجلس هنا أو منطقة هناك! فلدى بعض أولئك المغفلين، وغيرهم أيضا ممن عد نفسه وجيها أو شخصية مهمة، أن (تضييق) جلالة الملك أو سمو رئيس الوزراء أو سمو ولي العهد، أو حتى الوزراء والمسئولين الذين يقومون بزيارات… هو من قبيل المعصية التي توجب طلب المغفرة من الله سبحانه!

وليس ذلك فحسب، بل إن بعضهم يشتركون في منع بعض الشخصيات والوجهاء من حضور مجلس تزوره القيادة، ويوقفون عددا من (الأفندية) هنا وهناك، لمنع أي مواطن، وجد بارقة أمل، ليمنعوه من أن يقدم رسالته أو يطرح حاجته.

إن الالتقاء بالقيادة في الاحتفالات أو الزيارات الميدانية أو استضافات المجالس وكذلك اللقاءات التي تتم في دواوين الشيوخ هي من أكثر الأمور أهمية بالنسبة إلى الكثير من المواطنين، ولا سيما أولئك الذين يعملون في القطاعات التطوعية والاجتماعية والشبابية، لأن تلك اللقاءات تفتح لهم المجال واسعا أيضا لطرح العديد من النقاط المهمة والملاحظات والمطالب التي لم تتحقق منذ سنين.

لكن، من أين يأتي أولئك الكذابون الذين يحرمون البعض من المشاركة في هذه الزيارات واللقاءات بحجة أن التعليمات جاءت هكذا… والأوامر تقضي بذلك… و… و…! مع العلم واليقين بأن القيادة لا تمانع من الالتقاء بأي مواطن ضمن الوفود التي تأتي من القرى والمدن ومن الجمعيات السياسية والدينية والصناديق الخيرية والمراكز الشبابية… بمعنى آخر، أن كل من يأتي للزيارة ضمن الوفد هو مرحب به… فمن أين تأتي اليد التي تشطب هذا الاسم أو توافق عليه؟

أولئك الكذابون، في أماكن عديدة، ومنهم رؤساء جمعيات، يؤثرون أنفسهم وأصحابهم على غيرهم… فيضعون العراقيل للآخرين لكي يكونوا هم في الصدارة، فيكذبون ولا مانع إطلاقا من الكذب، فهم ما تعوّدوا الصدق يوما، لكن حبل الكذب قصير دائما… هكذا يقول المثل، وهكذا تتضح الصورة لولاة الأمر يوما بعد يوم.

طبعا، (الشيوخ) ليسوا في منأى عن المجتمع، بل أكاد أقول إن كل ما يجري في البلد، سواء في أصغر طريق بأصغر قرية، أو في إسكان القرى الأربع، أو في دهاليز الوزارات أو المحاكم أو حتى في معاناة الأسر الفقيرة، يأتيهم العلم به… وبمناسبة إسكان القرى الأربع، وهي مسك الختام… نلتمس من (الشيوخ) أن تكون لهم الكلمة الفصل في هذه القضية التي لم نرَ ولا مسئولا… ولا مسئولا واحدا قال: «أنا أحمل مسئولية وطنية، وجئت لأستمع لكم يا أهالي القرى»… عسى المانع خير… والشيوخ، ما يقصرون.

سعيد محمد سعيد

ملفات القرى والأحياء في عهدة الكعبي

 

لأعضاء المجالس البلدية كل الحق في انتقاد الوزراء، وخصوصا من يمسكون حقائب الوزارات الخدمية، في حال تعثر أو تأخر أو إهمال أي مشروع من المشروعات التي يتنظرها المواطن، والحال ذاته بالنسبة إلى النواب، فملف «احتياجات المناطق والأحياء من الخدمات» هو واحد من الملفات التي لا يسلم النائب أو العضو البلدي من هجوم المواطنين عليه بسببها، إلا أنه من الأفضل ألا يتخصص النواب في حمل الملفات الخدمية بشكل رئيس في عملهم، وأن يتركوها إلى الأعضاء البلديين فهي من مهامهم الأصيلة، وليتفرغ النواب للنظر في قضايا وملفات تشريعية ورقابية، فمن غير اللائق استمرار إطلاق تسمية «نواب الخدمات» على أعضاء السلطة التشريعية في ظل وجود مجالس بلدية يفترض أن تكون أدرى بعملها.

إن ملفات الخدمات البلدية، في الكثير من القرى والأحياء، ثقيلة إلى درجة أنه من الصعب تصنيفها في قائمة واحدة ليلتزم وزير شئون البلديات والزراعة جمعة الكعبي، ومعه المجالس البلدية والأجهزة الحكومية ذات العلاقة، بتنفيذها دفعة واحدة وفي فترة زمنية «قياسية»، وإلا سيكون لكل عضو برلماني وبلدي الحق في إصدار البيانات أو التصريحات الصحافية الهجومية، وتضمينها الكثير من المفردات ذات صيغة الاتهام من قبيل «المعطل الرئيس لمشاريع التنمية»، أو غير ذلك من صياغات كتهرب المسئولين، وخصوصا الذين يبذلون جهدا ميدانيا ملحوظا كالوزير الكعبي، وهو «تلميز» ليس في محله، وكذلك من قبيل: «دعوة الوزير إلى القيام بتنفيذ واجباته الدستورية على أكمل وجه، والابتعاد عن المصالح الحزبية الضيقة التي لا تخدم التوجهات المستقبلية للمملكة ولا تدعم المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى»، فمثل هذه المواقف تثير حالة من التباعد وعدم الثقة بين النواب والوزراء، التي يريد لها (الناخب) أن تكون متمحورة حول تحقيق إنجازات على أرض الواقع من خلال التعاون والنقد البناء وتلبية احتياجات الناس، وليس عبر الاتهامات النارية… وهذا ما بدا واضحا من خلال تصريح صحافي للنائب عادل العسومي بشأن مشاريع التنمية في منطقتي الحورة والقضيبية.

ولاشك في أن النائب العسومي يدرك جيدا أن وضعية الخدمات في دائرته، وخصوصا على صعيد الحورة والقضيبية واحتياجاتهما، تستلزم عملا مضنيا، ولعله لم يكن مصيبا حين اتهم الوزير الكعبي بأنه المعطل الرئيس لمشروعات التنمية الحضرية في المنطقتين المذكورتين، لكن من حقه قطعا – كما أورد في التصريح- منع حدوث أي ضرر على الأهالي جراء الإهمال الحاصل من وزارة البلديات والزراعة، بيد أنه من الصعب قبول «أمر» لمنح الوزير الضوء الأخضر لبدء مشاريع التنمية الحضرية التي يخطط إليها للمنطقة، ولو فعل خمسة أو عشرة أقل أو أكثر من النواب العمل ذاته، وأصدروا التصريحات ذاتها، لبدا للناس وكأن وزارة شئون البلديات والزراعة، هي «الطامة الكبرى» والمسبب الرئيس في تعطيل الخدمات في البلد كله، والحال أن الأمر يستوجب سعة صدر، وخصوصا أن الوزير الكعبي – كما يشهد له الكثير من المواطنين، بل وتشهد له الحكومة – لم يقصر في القيام بواجبه منذ تولى الوزارة، لكن المسئولية كبيرة والمطالب أكبر، ولا تتحمل مواقف التحدي والنزاع.

حتى فيما يتعلق بالتصريحات التي يصدرها بعض النواب، التي تعكس حالة من الخلاف بينهم وبين عضو أو أكثر من أعضاء المجالس البلدية، ويطالبون فيها بعدم التدخل في شئون السلطتين التشريعية والتنفيذية، يقابلها رد آخر بأن على النواب ألا يتدخلوا في اختصاص المجالس البلدية!

إن ما ينتظره أهالي الحورة والقضيبية من مشروعات… لا يختلف عليها اثنان، وإن سعي النائب العسومي في هذا الصدد ملحوظ ومقدر، لكننا لسنا في حاجة إلى صوغ الاتهامات التي لا تغني ولا تسمن من جوع… ولو نظرنا إلى الزيارات الميدانية التي قام بها الوزير التي شملت في الفترة الأخيرة قرى قلالي، القدم، أم الحصم، وادي البحير، المالكية، سوق جدحفص، المحافظة الجنوبية… وغير ذلك من زيارات، سيظهر جليا أن المطلوب هو التنسيق والتعاون بين المجالس البلدية والنواب مع الوزير ودعمه للقيام بمسئولياته، وليس الانتقاص منها أو تغليفها بغلاف الخلاف والتصادم

سعيد محمد سعيد

ضربات حديدية على رؤوس الفساد

 

استدعاه ليصفعه بصرخة مدوية هزت أركانه: «ألا تستحي على وجهك يا أسود الوجه؟ تريد أن تفضحني على رؤوس الأشهاد وتتهمني بالفساد وعدم نظافة اليد؟».

خارت قوى ذلك الموظف المسكين، وكاد يبكي من شدة خوفه وخنوعه فقال: «مو أنا… صدقني مو أنا»، وأراد أن يحلف بصلاته لكنه لم يتمكن لأنه لا يصلي فوجد سبيلا: «في صلاة أمي وأبوي مو أنا»، وأراد أن يضيف أدلة على خفوت صوته فقال: «صوتي لا يسمعه أحد إطلاقا… عمري ما رفعت صوتي… عمري… ولا مرة رفعت صوتي حتى وأنا أشجع المنتخب».

كل تلك المحاولات باءت بالفشل… فالكلام كثير، والجيوب التي تمتليء بالمال و…(الظنون) والشكوك تصبح هي الأخرى، من مصائب الحياة الدنيا… لكن، هل يمكن أن تشتعل نار الفضيحة على يد هذا الموظف البسيط، الذي لا تتعدى مهام وظيفته تسجيل الصادر والوارد من البريد!!.

تقول: «في صلاة أمك وأبيك أنك لست من تحدث عن (…) في إدارتي!!» هكذا رمقه بنظرة (خاطفة) وجد فيها المسكين لين جانب ففرح قائلا: «لا يمكن أن أبوح بالأسرار!! أنت تآمر أمر وأنا وكل من في هذه الإدارة تحت أمرك»… وما هي إلا أسابيع حتى ترقى ذلك الموظف «الكتوم» لينال جزاءه بالترقيات والعطاءات والكرامات نظير إخلاصه في العمل!.

هذه القصة «العسيرة» ليست سوى أفكار متخيلة، لكننا إن فتحنا العيون والعقول والقلوب، سنضع اليد على ممارسات ليست مقبولة إطلاقا من قبيل التغطية على ما يخالف شرع الله أولا ويتنافى مع القوانين، ثم تقوم القيامة بعد ذلك على ما يرد في تقارير الرقابة المالية والإدارية وتتشكل اللجان، وتصدر البيانات التوضيحية وتتحرك الإدارات وتراقب وتحلل و… و…

ولا تنقشع الغبرة إلا عن المزيد من الحقائق والأدلة التي تضبطها النيابة العامة وتقدمها للقضاء، لكن هذه المهمة تبقى مهمة سلطة القضاء، وفي هذا الشأن، كان بيان النيابة العامة بخصوص التعامل التحقيقات التي لم تنته بعد منطقيا، فـ»ليس من حق أحد أيا كان موقعه وأيا كان قدره أن ينتزع من القضاء سلطته أو يجلس في مقعده أو يفتت على كلمته أو يصدر حكما بالإدانة أو البراءة وفق ما شاء له الهوى، فساحة القضاء ليست ميدانا حرا ومفتوحا لتزاحم الآراء وتسابقها وإنما للقضاء نظمه الخاصة التي تساندها تقاليد تاريخية عريقة وقيم مستقرة راسخة.

لكن الذي يهم المواطنين الذين ينظرون إلى المصلحة العليا، وهم ونحن على ثقة في القضاء الذي لا نرضى أن يكون (إلا نزيها)، هو تقديم كل مسئول تثبت عليه تهم الفساد للمساءلة القانونية، وإيقاع العقوبات المقررة في القانون عليه، وألا يكون لأي طرف تدخل للحماية أو إلقاء طوق النجاة على المفسد… فالفساد هو سبب الكثير من المآسي في البلد، وآن له أن يحظى بضربات حديدية متتالية.

سعيد محمد سعيد

(اتصل… خل نسمع صوتك)

 

قبيل صدور الزميلة «العهد» بمدة قصيرة، وكان ذلك في العام 2003، التقيت بفقيدنا المرحوم حمد بن رجب، رحمه الله وتغمده بواسع رحمته في مجلس والده الوزير منصور بن رجب، نسأل الله لوالده ولذويه ولجميع محبيه الصبر والسلوان على هذا المصاب المحزن الذي لا اعتراض على أمر الله سبحانه وتعالى فيه… أقول، التقيت بالمرحوم في مجلسهم الكائن بمنطقة جدعلي، وكان المرحوم وقتها طالبا بالجامعة، وكان المرحوم يتحدث حول إصرار أحد أساتذته على أن يخضع لفترة تدريب عملي بإحدى الصحف، والحال، أنه على وشك إدارة صحيفة أسبوعية ستصدر بعد حين، وأنه من الممكن أن يسمح له – أي الأستاذ – بأن يقدم تقارير التدريب من صحيفته، لكن الأستاذ كان مصرا على موقفه! وتقبل المرحوم الأمر لكنه أصر على أن يقدم تقارير تدريب حول دوره في تأسيس صحيفة، وفي المقابل، لم يمانع أستاذه من أن يكون له ما أراد.

في تلك الأثناء، لم يتردد أحد الأخوة في أن يدلو بدلوه ليقول إن المرحوم لا يمتلك الخبرة الكافية ولا الدراية ولا القدرة على التعامل مع المهنة كصحافي مبتدئ، فكيف به يدير صحيفة وهي تحتاج إلى الكثير من الخبرة والتمرس وهو أمر لا يقوى عليه إلا من عصرته المهنة عصرا حتى فهم دهاليزها وتمكن من بعض مفاتيحها، بيد أن المرحوم كان يتمتع بميزة فريدة لا يمكن توافرها في الكثير من العاملين في المهنة من الشباب، ألا وهي سعة الصدر، فكان يقابل مثل هذا القول برده: «نعم، ولكنني امتلك القابلية للتعلم واكتساب المزيد من المهارات والمعارف في المهنة… اليوم، أنا أعرف القليل القليل، وغدا، سأبذل قصارى جهدي لأثبت وجودي، وهذا الأمر ليس محالا».

كانت الإنتقادات التي تتوالى على المرحوم كثيرة، حتى في حال حضوره بعض المناسبات التي يدعى إليها كحفلات الزواج أو مجالس التعزية، أو تلك اللقاءات التي تعقد هنا وهناك، فالبعض من القراء، كان يوجه انتقادات لاذعة مشحونة بالمواقف المتشنجة، وكان البعض الآخر يطرح وجهة نظره باحترام وهدوء وفي كلتا الحالتين، كان المرحوم يتقبل الانتقادات، حتى اللاذع منها والمصحوب بالعبارات الاستفزازية، بصدر رحب، حريصا على ألا ينتهي النقاش مع الطرف الآخر إلا بما يحفظ حسن العلاقة بين الطرفين، وتقديم الشكر على الملاحظات والآراء، بل ويطلب من الطرف الآخر ألا يتردد في الاتصال به في حال وجود المزيد من الملاحظات والنقد الموضوعي معترفا بأن هذا الأمر ينفعه أكثر من أن يضره أو أن يجعله مقيدا بخيبة الأمل.

سألني ذات مرة: «ما هو أكثر تحد يمكن أن يواجهنا كصحيفة أسبوعية؟»، فقلت له «إن الصحيفة الأسبوعية لا يمكن أن تنافس زميلاتها اليوميات والأسبوعيات، إلا حين يكون لها القدرة على الانفراد والتميز، وأن تتمكن من استقطاب القراء إليها من خلال تعويدهم على أن هذه الصحيفة الأسبوعية، لديها الكثير مما لا يمكن أن يحصلوا عليه في الصحف المنافسة، وهذا أمر صعب للغاية، ولا سيما في مجتمع صغير من ناحية المساحة الجغرافية، ومن ناحية صعوبة (تخزين) خبر انفرادي أو ملف خاص»، لكن المرحوم كان متفائلا لناحية إمكانية تقديم مادة مميزة، في ظل كل الصعوبات الموضوعة في الاعتبار، ولعله تميز بالفعل في إصدار ملحق متميز في موسم عاشوراء، علاوة على فتح ملف تاريخ مناطق وقرى البحرين، والحوارات السياسية في أعلام ومعالم، مضاف إليها الجهد المهني المتميز في صفحات «المجلس الوطني».

كانت الساعة تشير الى الثالثة و45 دقيقة من عصر يوم الثلثاء 28 يوليو/ حزيران عندما هاتفني محافظ المحافظة الشمالية جعفر بن رجب عم المرحوم، وحوّل المكالمة إلى المرحوم لأتحدث معه مكالمة لم تخلو من المناكفات المهنية الأخوية التي اعتدت عليها مع المرحوم الذي لم يمل من تهنئتي بالفوز بجائزة الصحافة العربية معتبرا إياها بأنها وسام للصحافة البحرينية، وختمها بالقول: «اتصل خل نسمع صوتك»… سبحان الله، لم أكن – قطعا – أدري أن هذه المكالمة ستكون الأخيرة… فما هي إلا سويعات، حتى اتصل بي الزميل ياسر محسن معظما الأجر في وفاة المرحوم (حمد) الذي كنت أتحدث معه على أمل التواصل، لكن أمر الله سبحانه وتعالى، الذي لا اعتراض عليه، وإرادته جل وعلا، فوق كل اعتبار… ولم تنقضِ تلك الليلة الحزينة، حتى توالت المكالمات لتبشر بقدوم مولودة المرحوم (ريم)… فلله الحمد من قبل ومن بعد، ورحم الله أخانا العزيز حمد بن رجب وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان

سعيد محمد سعيد

فتنة مروجي الطائفية

 

يرى الباحث أحمد صدقي الدجاني في كتابة «التطرف في الإسلام» أن من أهم أسباب تغذية التطرف الديني في البلاد العربية، يعود إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في عقدين من السنين، وقد شملت هذه التغيرات الثروات النفطية التي تعرضت لموجات متتالية من المد والجزر، والسياسات الاقتصادية التي انتقلت من سيطرة الدول إلى سيطرة السوق، وسياسات أخرى تعليمية وإعلامية.

لكن الباحث يركز على أن هناك سببا رئيسيا مهما يفعل فعله في تغذية التطرف في البلاد العربية والإسلامية، ويمثل فعلا مؤثرا داخليا…وهو ماتعانيه غالبية أنظمة الحكم في البلاد العربية والإسلامية من افتقار للشورى والديمقراطية على رغم مضي عدة عقود من السنين على إقامة نموذج الدولة الحديثة فيها؛ وتتفاعل في تكوين هذا السبب عوامل داخلية وخارجية، وهو يؤدي إلى إصابة الحكومات والشعوب على السواء بمرض «الحرمان»الذي تحدث عنه محمد كامل حسين في كتابه «الوادي المقدس»، كما يؤدي إلى إصابة الدول التي تعاني منه بمرض «نقص المناعة الأمنية»، فيظهر فيها «العنف المؤسسي»مقترنا بعجز مطبق عن الحوار مع جيل الشباب وعن إفساح المجال له كي يعبر عن نفسه ويخدم بلاده.

وهكذا يقع كثير من الشباب ضحية هذا العنف المؤسسي، فتنمو في أوساطهم ظاهرة التطرف الديني، ومن الملاحظ أن هذا العنف المؤسسي يشتد مع تعثر هذه الأنظمة في تحقيق أهدافها المعلنة في التنمية الاقتصادية والتعددية السياسية، تماما كما يقوى مع وقوعها في أسر التبعية والديون بفعل سياسات دول الهيمنة العالمية.

هناك بضع صور لانتشار ظاهرة التطرف بين الشباب، وخصوصا في منطقة الخليج العربي والدول الإسلامية، مع تنامي ظاهرة تأجيج العداء بين «السنة والشيعة» سببها زمرة من مشايخ «الفتنة»من الطائفتين، وعلى رغم قلتهم، لكنهم يصرون بقوة على تدمير المجتمع تحت شعار الدفاع عن الدين الإسلامي وحمايته، وهم إنما يدركون في قرارة أنفسهم أنهم يلحقون الضرر بالمجتمع الإسلامي أكثر من تحقيق مصلحته، وقد أشرت في أحد الأعمدة الى أن الكاتب الجزائري باهي صالح، حصر الأسباب في تنامي الظاهرة في (فتنة) مروجي الطائفية من بعض من يطلق عليهم (علماء)، وغياب الدور الحقيقي للعلماء العاملين، فباهي صالح يشدد على أن مشايخ الحمق و الهبل يدقّون طبول حرب وشيكة بين الشّيعة و السّنة، يصبّون الزّيت و البنزين على النّار بتصريحاتهم العامّة و من ورائهم يتحرّكون بالرّموت كنترول، مندفعون بلا وعي و لا عقل، إرادتهم توجّهها العاطفة الدّينيّة الجيّاشة، لا همّة لهم إلاّ في القتل و الإفساد و الأذى، عقولهم صادرها علماء دينهم فلم يعد لهم عليها سلطان، وبعزيمة تشحذها وتقوّيها الرّغبة في إحياء فريضة الجهاد و نيل إحدى الحسنيين…إمّا النّصر أو الاستشهاد…يتواجه الفريقان على ساحات الوغى في بلدانهم و أوطانهم.

والآن، لو نظرنا على مدى عقد من الزمان، إلى مبادرات أو إطروحات صدرت من علماء دين ومثقفين عرب ومسلمين للتصدي لظاهرة العنف والتطرف، لن نجدها قادرة على مواجهة سيل كبير من المبادرات المضادة التي تشجع التطرف والتعصب الأعمى، ولعلنا في هذا السياق، نعبر أن أمنيات في أن يتولى العلماء من الطائفتين الكريمتين والخطباء في بلادنا، مسئولية نشر ثقافة الاعتدال والوسطية، وأن تحيي وزارة العدل والشئون الإسلامية أفكارها التي طرحتها في هذا المسار لتصبح ملموسة على أرض الواقع.. فحتى الآن، لا نرى لها ضوءا…ولا ندري ما هو السبب في ذلك؟

سعيد محمد سعيد

شباب ضد العنف

 

كم تمنيت، كما تمنى الكثير من المواطنين، أن تحظى المبادرات الشبابية الأهلية الهادفة إلى استقطاب الشباب وتوعيتهم ورفع مستوى الإدراك لديهم وتأهيلهم للمشاركة في الحياة العامة بفعالية، وخصوصا فيما يتعلق بنبذ العنف واحترام الرأي الآخر والتوجه نحو العمل المطلبي السلمي… أقول كم تمنيت لو تحظى مثل تلك المبادرات بدعم الأجهزة الحكومية على اختلافها، بل وتبادر وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة ومعهد التنمية السياسية والأندية والمراكز الشبابية ومؤسسات المجتمع المدني عموما لاحتضان مثل هذه المبادرات، ومساندتها للقيام بتحقيق أهدافها.

وقد يقول قائل إنه لا توجد أصلا مثل تلك المبادرات، وهذا غير صحيح! قد تكون مبادرة (مركز شباب بلا عنف)، هي واحدة من المبادرات التي يلزم منحها التركيز الإعلامي والدعم من مختلف الجهات، ولعل من اللافت أن هذه المبادرة، وإن كان البعض يختلف معها في التأسيس والتوجهات، تسعى لمعالجة مظاهر العنف بين الشباب بأساليب حضارية مقبولة في أي مجتمع من المجتمعات التي تشهد حراكا سياسيا واجتماعيا وشبابيا كما هو الحال بالنسبة للمجتمع البحريني… إن من بين العبارات الجميلة التي تستخدمها المبادرة كرسالة إعلامية: «الخصم الضعيف هو الذي يستخدم العنف مقابل اللاعنف»، ولا شك في أن هناك صورا متنوعة من العنف المرفوض ذي النتائج السلبية في عمومه يشهدها الشارع البحريني، وقد أحسن مؤسسو المركز في تحديد احتياجات الشريحة الشبابية من خلال تدريب الشباب على مبادئ حقوق الإنسان وطرق وضع استراتيجيات اللاعنف للمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولهذا كان التوجه الأول لدى المركز هو تدريب الشباب على وضع استراتيجيات العمل اللاعنفي.

ومن بين الرسائل التي يسعى المركز إلى نشرها على ما يبدو، هي أن الاعتقاد بأن العنف يؤدي إلى تحقيق أهدافه بسرعة، وأن اللاعنف يأخذ وقتا أطول هو اعتقاد خاطئ!

وفي المقابل، تبدو المهمة صعبة أمام هذا النوع من المبادرات وخصوصا أن مشاهد عنيفة كثيرة تتكرر بين الفينة والأخرى، على رغم أنها انخفضت بدرجة كبيرة خلال الفترة الماضية، ليست معروفة المصدر، وكيف يمكن الوصول إلى شريحة مجهولة تفتعل الممارسات العنيفة؟ وفي حال الوصول إليها، هل ستتجاوب مع توجهات المركز في نشر استراتيجية العمل السلمي اللاعنفي؟ أم أن المشكلة تكمن في اختلاط الحابل بالنابل، وإصرار الأطراف المجهولة ذات اللثام على استمرار تنفيذ بعض الأنشطة العنيفة التي لا طائل من ورائها إلا إحداث الاضطراب في أمن القرى تحديدا، وإضعاف التحركات السلمية المرخصة والمشروعة للمطالبة بالحقوق وإيصال الصوت إلى المسئولين، وسواء استجابت الدولة أم لم تستجب… وصل الصوت أم لم يصل، فإن الطابع الوطني المخلص في المطالبة هو الذي يعكس التوجهات الحقيقية للمطالبين، ولهذا يلزم الإشادة بخطوة المركز في تنفيذ دورات في مجال حقوق الإنسان في خمس قرى شملت شباب القرى المجاورة أيضا.

إن التصفيق والتشجيع والدعم والإشادة يجب أن تتوجه إلى مثل هذا الدور الشبابي، لا إلى إحراق الإطارات في مداخل القرى والشوارع الرئيسية وتقصد بعض المنازل كما يفعل بعض المجهولين للإضرار بخلق الله، ثم انتظار الإشادة في مواقع إلكترونية مختبئة وراء أسماء مستعارة للتصفيق بحرارة من أجل إحراق إطار أو رسم صورة أو كتابة شعار من جهة، وشن هجوم على أهالي القرى في مواقع أخرى مناهضة من جهة أخرى في حرب صورية قوامها الأشباح، في الوقت الذي تغيب فيه الفعاليات السلمية الجماهيرية، عدا بعض الإعتصامات المطالبة ببعض الخدمات.

وبعد، حتى لو اعتبرنا أن هناك فئة من شباب القرى لا تؤمن إلا بالعنف، وقبلنا أيضا برفض الشباب أنفسهم لهذه الاتهامات الموجهة لهم، وأن هناك عناصرا مجهولة هي التي تفتعل هذه الممارسات، أليس الوقت مناسبا لتكثيف التلاقي مع شباب القرى والنظر في احتياجاتهم؟ وخصوصا أن المعسكر الصيفي الذي تنفذه وزارة الداخلية يضم عددا كبيرا من شباب القرى، ويعتبر فرصة مهمة لتقديم مبادرات وبرامج أخرى بمشاركة الجمعيات السياسية والأندية والمراكز الشبابية لتطويق العنف وتشجيع العمل السياسي المطلبي السلمي الذي يلزم أيضا التجاوب من جانب الدولة من دون شك

سعيد محمد سعيد

حوار مع مجنسين

 

وجدت أنه من (الخلق البحريني الأصيل) أن ألبي دعوة مجموعة من المجنسين للتباحث في أمر ما! وحتى من دون أن أعلم ما هو (الأمر الـ «ما»)، فإن تفكيري لم يخرج بعيدا عن حقيقة الموضوع، وهو المواقف الناشئة ضد المجنسين في المجتمع. كان الداعي، وهو رجل من أصول شامية، طيب الخلق، لبق الحديث، هادئ الطباع، ولعل هذه السجايا هي ما شجعتني على قبول الدعوة.

على أية حال، لم يمض طويل من الوقت، حتى بدأت الجماعة (وكانوا في حدود 11 شخصا) بالتحدث واحدا تلو الآخر بشأن ما يعانونه من مواقف سيئة وتمييز، وأنهم لم يأتوا إلى البحرين (غصبا) عن أحد من أهلها، وأن الأمر يزداد صعوبة عليهم وعلى أسرهم بسبب الحملات الإعلامية التي تشنها بعض الصحف وبعض الجمعيات وبعض السياسيين، حتى باتوا لا يشعرون بالأمان.

هل يحتاج الأمر إلى تفصيل أكثر؟… أبدا، فالقضية واضحة، لكن دوري في الكلام بدأ بالإشارة إلى أنه لا الجمعيات السياسية والدينية، ولا المواطن البحريني يرفضون التجنيس القانوني الذي نظمته (الدولة) من خلال قانون الجنسية، إن اللغط الدائر على التجنيس والمجنسين في البلد، هو بسبب تجاوز القوانين، ومنح الجنسية البحرينية (ذات الثمن الغالي جدا) بعشوائية، ثم يا جماعة، إن مجموعة من الحوادث العنيفة، كحوادث مدينة حمد وعسكر والمحرق والرفاع، هي التي شحنت الكثير من المواطنين ضد كل مجنس، سواء كان طيبا أم خبيثا، وهذا أمر ليس من السهل إزالته من نفوس الناس.

الطامة الكبرى وقعت حينما جاء إلى المجلس (المعقود في إحدى مقاهي مدينة حمد) أحد (المجنسين) متأخرا، ليلتقط طرف حديث أحد أبناء جلدته من دون أن يعلم بوجود (صحافي) بينهم على رغم نظرات العيون والغمز واللمز التي توجهت إليه من أصحابه إذ قال: «لولانا ما ينام البحرينيون ليلهم بسبب أفعال الرافضة وتخريبهم وتحريقهم… احنا جايين ندافع عن هالبلد وولاءنا لقيادتها… مين غيرنا يتعرض للخطر في هالقرى… مين… البحرينيين ما يقدروا».

طيب يا جماعة، إذا أضفنا كلام هذا الأخ، إلى قائمة من المشاكل الاجتماعية التي تسبب فيها المجنسون، التي لا يمكن مواراتها بالكثير من الصمت والسكوت، على اعتبار أن هؤلاء جزء من المجتمع لا محالة، وهو أمر يخضع لوجهات نظر غير متفقة في جميعها.. وأضفنا عليها أيضا بعض المصطلحات الدخيلة على المجتمع البحريني، سنقف في نهاية المطاف عند نتيجة واحدة… «لا للتجنيس العشوائي»!

مصادفة، أبلغني أحد الزملاء بأن هناك موضوعا مثار جدل في أحد المنتديات الشهيرة، تحت عنوان: «أين أخلاقكم يا أهل البحرين؟»… والموضوع، بدأ صريحا بشكوى أحد المجنسين من المعاملة السيئة التي يلقاها في عمله بإحدى شركات الطيران، وبعد قليل من التفاعل الإيجابي تارة، والسلبي تارة مع الموضوع، انطلق الأخ (فارس الظلام) يصول ويجول في إهانة البحرينيين بكلام وعبارات غاية في «الخسة»… ولأنه شخصية مجهولة، واسمه مستعار، فلا يمكن التعويل على ما يكتب… فلربما كان هناك شخص آخر تقمص تلك الشخصية، لكن أن تتكرر بعض الكلمات في ردوده من قبيل: «احتلال الرافضة… احنا حماة البحرين… البحرينيين ما يقدروا…»، وقائمة من الشتائم والسباب والكلام البذيء الذي جعل حتى من تضامن معه ينقلب ضده… كل ذلك يعطي إشارة إلى أن ما يحدث من صدامات في المجتمع بسبب التجنيس… بسيطة تارة، وعنيفة تارات أخرى، ستدخل منعطفات أخطر إن لم تبادر الدولة ومؤسسات المجتمع المدني إلى وضع القضية على طاولة البحث الحقيقي المتجرد من افتراض سوء النوايا…

طبعا، ليس هذا الملف (ملف التجنيس العشوائي) هو وحده الملف المهم… هناك الكثير من الملفات، إلا أن كل ملفاتنا المهمة في جانب، وكلمة (الحوار) في جانب آخر بعيد، لا أدري شخصيا إلى أين ولت وضاعت!

لكن ليس من الصحيح أن يرفع الغالبية شعار مصلحة الوطن، والامتثال لتوجيهات القيادة، وتغليب الوحدة الوطنية، في آن واحد… ثم يهدأ الجميع… وينام الجميع… ويغفل الجميع… في آن واحد!

سعيد محمد سعيد

مشكورين… خوش شوارع!

 

الله وحده العالم، كيف ستكون الشوارع التي يجري عليها منذ ما يقارب العام ونيف، أعمال تحديث وتطوير وتوسعة! فعلاوة على ما تكبده ويتكبده المواطنون والمقيمون من بلاء مقيم يوميا بسبب الازدحامات الخانقة، إلا أن ذلك يهون حين يمني الجميع أنفسهم بشوارع واسعة وانسيابية رائعة، وحركة مرورية وادعة، وتختفي المخالفات الرادعة، وبهذا، يصبح الصبر من شيم الكرام الصابرين على ما يجري في الشوارع، فهو كله لصالح البلاد والعباد إن شاء الله.

لكن، أن تنتهي أعمال الإنشاءات والتوسعة التي استمرت أشهرا طويلة ليعاني المواطن والمقيم مع مشكلة جديدة هي مشكلة سوء ترصيف الشوارع والطرقات المتفرعة منها، فهذه والله مصيبة! والكثير منا يعايشون هذه الوضعية، فقد عانى سكان مدينة عيسى وتوبلي أمدا من الدهر أثناء أعمال مشروع تحديث الشارع، من الحفريات إلى التحويلات إلى الغبار والصداع والفوضى، ثم أعيد افتتاح الشارع بحمد الله، ولكن، ليت المقاول الذي عمل على تنفيذ المشروع، أو من ينوب عنه… وليت المسئولين بإدارة الطرق أو من ينوب عنهم… وليت الممثل البلدي أو من ينوب عنه… يقومون بجولة على ذلك الطريق ليكتشفوا عذاب سياقة المركبة عليه… قفز ثم قفز ثم نط ثم وجع رأس… ولعلي أعلم أن الأخوة كلهم، بما فيه مقاول المشروع، يدرك أن الشارع سيئ للغاية، وأن العذر الذي قد ينطلي على الكثيرين هو: «تمهلوا، هذه المرحلة الأولى فقط… المرحلة الثانية لم تبدأ»! وفي الحديث عن مرحلة ثانية، ما يعيد وجع البطن والرأس من جديد للأهالي.

حسنا، تعالوا نمشي على شارع الجنبية… فهذا الشارع الجديد المجدد اليوم، يعد واحدا من أهم الشوارع ذات الحركة الدؤوبة المستمرة، ولنقطعه ذهابا وإيابا في الجزء الذي تم الانتهاء منه، وحتى مع علمنا بأن مرحلة أخرى قادمة لتصحيح الأخطاء، هل يصح الوضع القائم، مرتفعات ومنخفضات ومطبات، بل وأخطاء هندسية يراها حتى المهندس المتدرب حين تجد جزءا من الرصيف يبدو كالنتوء يخرج قليلا عن الشارع، أي يظهر جزء منه وإن كان السائق غافلا أو ضعيف نظر… «راحت عليه».

ومع ذلك، نقول إن هذه المشاريع مهمة وتحتاج إلى عمل كبير، ونحن لا نلوم المقاولين ولا إدارة الطرق ولا المجالس البلدية بل نلفت النظر إلى أن مشكلة الحفريات وقطع الإسفلت المرتفعة حينا والمنخفضة حينا آخر بطول شارع لا يتجاوز 3 أو 4 كيلومترات أمرا متعبا للغاية، والكثير من المواطنين شكوا ولا يزالون يشكون من هذه الظاهرة، ولا يزال بعض المقاولين المكلفين ببعض مشاريع الطرق، ينهون أعمالهم ليتركوا الطريق وكأنه خضع لعملية تجميل سيئة شوهت وجهه، وليتركوا خلفهم أيضا كميات من المخلفات والأنقاض… بل حدث في بعض القرى، أن هبط جزء من الشارع ليترك حفرة تشكل خطرا على مستخدمي الطريق.

إن ظاهرة الطرق المشوهة بعد انتهاء أعمال التوسعة أو الرصف لا تزال قائمة، وكل ما هو مطلوب، أن تقوم إدارة الطرق والمجالس البلدية بجولات للاطلاع على الشارع أو الطريق الذي أنجز حديثا برفقة المقاول المكلف للتأكد ما إذا كان العمل قد تم وفق المواصفات، أم أن هناك مشكلات تجعل مستخدميه يتقافزون على المقاعد وهم يسيرون عليه، حتى يمكننا حينها أن نقول: «مشكورين… خوش شوارع»

سعيد محمد سعيد

عزيز وغالي أيها «المواطن»!

 

هل من الممكن أن نستلم رسالة نصية عبر الهاتف النقال لنقرأ فيها ما يفرح القلب ويسر الفؤاد من قبيل:

– عزيزي المواطن، نفيدكم بأن وحدتكم السكنية جاهزة، وتفضلوا لاستلامها في أسرع وقت.

– عزيزي المواطن، تسلمنا شكواكم ضد أحد الوزارات، وأخضعناها للبحث والدراسة، وسنتصل بكم لاحقا لنعلمكم بالتفاصيل.

– عزيزي المواطن، شخبارك…إن شاء الله زين… بس حبينا نسلم عليك!

من الصعب كما أظن أن نتسلم رسالة من قبيل تلك الأمثلة، لكنها غير مستحيلة، فعلى سبيل المثال، قدمت بلاغا إلى طوارئ الكهرباء في الساعة السادسة مساء، ولم يقصر الأخوة في قسم البلاغات إذ أخبروني بأن الفريق سيصل في غضون ساعتين، نظرا لضغط البلاغات، وانتظرت حتى العاشرة ولم يحضر أحد، واتصلت للاستفسار فكان السبب هو كثرة البلاغات، ثم أجريت آخر اتصال في الساعة الثانية عشرة (منتصف الليل)، ليبلغني الموظف الطيب أنهم في طريقهم نظرا (لضغط البلاغات)، وفي ذات الوقت تسلمت اتصالا من زوجتي يفيد بعودة الكهرباء، وما هي إلا دقائق حتى تسلمت رسالة نصية من هيئة الكهرباء تفيد بإصلاح الخلل.

وعلى أي حال، تأخروا أم لم يتأخروا فهم لم يقصروا.

وعلى أي حال، وأعتقد أن الكثيرين يشاركونني الرأي، فإن الأفكار المبهجة والأخبار السارة التي تصلنا عبر الهاتف النقال قليلة بل نادرة، ويغلب عليها رسائل الفوز بالسيارات الفخمة والعروض التجارية المغرية، وبعض الرسائل السخيفة الوضيعة التي تأتي من الخارج… أما ما يسر، فهو من الأحلام السعيدة على ما يبدو، ولكن هناك مسجات أخرى تصلنا، وهي ضيف يرد إلينا يوميا من قبيل:

– عزيزي المواطن، نحيطكم علما بأنه تم زيادة الرسوم (…) بعد تعديل المعلومات الخاصة بكم، والزيادة المقررة هي 2 دينار.

– عزيزي الزبون، آن أوان تسديد فاتورتك.

– عزيزي المواطن، معاملتك تحت الدراسة وسنقوم بإعلامك عن استحقاقك للدعم.

– ولا أعتقد أن ما سأقوله يمكن أن يحدث مستقبلا، ولكن ماذا لو تخلينا الرسائل التالية:

– عزيزي المواطن، إن خروجك من منزلك في الوقت (الفلاني) يعني أنك تخالف القانون، فالزم بيتك أحسن لك.

– عزيزي المواطن، تابعنا مكالماتك الخاصة، ونحذرك من كثرة استخدام عبارات الغزل مع زوجتك، و(البربرة) الزائدة حول همومك المعيشية.

– عزيزي المواطن، الحديث في السياسة (ها)… حط بالك (ها)… ترى تروح فيها (ها).

وبعد، عزيز وغالي أيها المواطن… هي ليست سوى بضعة أسطر، نخفف فيها بعض الضغوط… والمعنى في قلب الشاعر كما يقولون.