سعيد محمد سعيد

العيد في معناه «الإنساني»

 

فيما مضى من السنين، كان لنا جار «ألماني»، يعيش في منزل فخم في قريتنا، فهو مسئول كبير في إحدى الشركات الكبرى، ولم تكن تربطه بجيرانه أية علاقة، فكنا نراه وهو يخرج سيارته من مرآبها أو يدخلها فقط، لكن في ليلة أحد الأعياد، كان يمارس رياضة المشي عندما التقيته وسلمت عليه وقلت له مازحا: «عيدك مبارك»… فكررها تلقائيا :»إيدوكم موباراك»، لكنه انتهز الفرصة ليقول: «هل احتفالكم هذا يشبه ليلة الكريسماس؟».. فقلت له: «قد تكون هناك صفة مشتركة، فالفرح حق لكل البشر، لكن أعيادنا الإسلامية لها معانيها ودلالاتها المتصلة بتعاليم الدين الإسلامي، وهو دين يجمع كل الإنسانية بلا تقسيم لنوع أو عرق أو لون».

لكنني دعوته لأن أرافقه لبعض مجالس العيد ليتعرف على الناس ويعيش معهم الفرحة بالعيد وكان مسرورا بالدعوة التي لباها بالفعل وزرت معه عددا من المجالس وكان يشعر بالسرور كلما تناول فنجانا من القهوة العربية، وبلغ سروره أوجه عندما وجد كل من يدخل هذا المجلس أو ذاك يسلم عليه بحفاوة ويهنئه وكأنه واحد منهم وفيهم، وهذا ما جعله يعبر عن امتنانه لكرم وطيبة وأخلاق أهل البحرين، وقد وجد في تلك المناسبة فرصة للتعرف على المزيد من الجيران.

العيد في معناه الإنساني، لا يختلف عن معانيه الدينية والاجتماعية، ولكن مما يؤسف له أن الكثير من الناس لا يقدرون العيد حق قدره، ولا يمتثلون لمعانيه ودلالاته والتي على رأسها إشاعة المحبة والمودة والتكافل بين الناس، والحمد لله أن أهل البلد يجتمعون في صلاة العيد، ثم ينتقلون الى مجالسهم ليستقبلوا بعضهم بعضا لتبادل التهاني بهذه المناسبة الإسلامية العظيمة، وتتجدد العلاقات وتقوى الأواصر، ولعل أعظم تعاليم الدين الإسلامي في العيد هي التسامح والصفح، ولعلنا اليوم في حاجة ماسة لأن يكون هذا التسامح والصفح هو المدخل للأضداد، سواء على مستوى المواطن العادي، أو على مستوى الرموز والشخصيات والمسئولين والنواب الذين أصبح بعضهم مثالا لإثارة المشاكل في المجتمع.

حتى على مستوى الأسرة الواحدة، فهناك أخوة من لحم ودم وقعت بينهم القطيعة، وعلى مستوى العمل هناك زملاء يعملون تحت سقف واحد لكن قلب كل واحد منهم يغلي على الآخر، وليست هذه دعوى وعظية بقدر ما هي فرصة للفرح… نعم، لم لا نفرح والفرصة مواتية ولا يوجد ما يمنع من أن نفتح قلوبنا لبعضنا البعض ونتجاوز كل خلاف؟ وإذا كانت الأمور السياسية والخلافات العقائدية والفكرية ماثلة في عقول ونفوس البعض، فإنهم فقط من يفرض على نفسه قيود الجفاء والتعب والشقاء.

الفرح في العيد نعمة من الله سبحانه وتعالى، وكلما فرحنا بنعم ربنا، كلما زاد جمال الحياة في عيوننا… فهيا لنفرح ولنشارك الأطفال فرحتهم وعياديهم، ولننسى كل الهموم في أيام سعيدة مباركة.

كل عام والجميع بخير

سعيد محمد سعيد

إنه العيد يا أحبتي

 

تعانقا طويلا صبيحة يوم العيد… كان العناق يكفي لإزالة ما علق في القلوب من أدران وآلام وجفاء… قال الأول: «هل تذكر كيف كنا نفرح بالعيد ونحن صغارا… نجوب البيوت والأحياء في سعادة غامرة… كبرنا وكبرت معنا ذكرياتنا… أخذتنا الحياة ذات اليمين وذات الشمال… تفرقنا… لسنين طويلة، لم يبادر أي منا ليلقي على الآخر تهنئة العيد… ها أنذا أبدأ بالمبادرة، ولنطوي صفحة الماضي… لننسى سنين القطيعة يا صديقي العزيز».

أجابه الثاني: «ما كان لنهار هذا العيد أن ينتصف إلا وأنا أضع يدي في يدك وأعانقك مهنئا ومعتذرا على ما بدر منك وما بدر مني… نعم، أتذكر طفولتنا وشبابنا، وأتذكر أيضا كيف لعب في رأسنا الشيطان حتى أنسانا (عيشا وملحا) بيننا… أنت لست صديق طفولتي، أنت أخي الذي افتقدته لسنوات… عيدك مبارك يا عزيزي».

***

هنيئا لمن يزرع البسمة في نفوس أطفال يتامى… ويراقبهم وهم ينطلقون مع أترابهم يتراقصون بفرحة العيد وبهجته وجديد ثيابه… كانت تلك الفتاة الشابة، كعادتها في ليالي العيد، تجوب بيوت القرية لتزور الأيتام، وتهديهم من جميل الهدايا ما يجعلهم ينتظرونها ليلة كل عيد… البارحة، وربما الليلة، وربما غدا… ستكون معهم… تزور بيوتهم كما كانت عادتها… توزع عليهم العيدية والهدايا وأكياس من الثياب والأحذية… وتدمع عيناها وهي تشاهد تراسيم الفرح على وجوههم…

ليت كل واحد منا، أو ممن حولهم يتيما أو يتيمة… من الأهل أو من الجيران… يحتضن أولئك اليتامى ولو للحظات، ويشعرهم بأن الدنيا بخير… وأن اليتم المؤلم ليس وجعا أبديا، بين أناس تمتلئ قلوبهم بالعطف والرحمة والإيمان.

***

أبدا، لا تكفي تلك البرامج والهدايا والأهازيج الجميلة التي تقام في دور العجزة لإشاعة الفرحة في نفس أب أو أمٍّ بقيا لسنين طويلة في تلك الدار، لا يرون فلذات أكبادهم إلا فيما ندر… بادرة طيبة وكريمة تلك التي يقوم بها المسئولون في دور العجزة لمؤانسة الآباء والأجداد الذين يقضون ما بقي من أيام حياتهم هناك… قد نشاهد أحدهم يصفق مبتسما وهو يشارك من حوله في أهزوجة من أهازيج العيد… أو يتبادلون التهاني والعناق بأجسادهم الضعيفة الهزيلة… لكن لا يعادل فرحتهم برؤية عيالهم وعيال عيالهم فرحة أخرى… الدور قريبة، والأعزاء هناك… لا أكثر من ساعة زمن نقبل رؤوسهم ونهنئهم بالعيد السعيد، وإن كان في المنزل متسع، فعودوا بهم ليقضوا الباقي من أيام العمر… وسط دفء العائلة، وليكون عيد الأضحى المقبل، من أجمل الأعياد في حياة تلك الشموع.

***

أبي:

كيوم العيد أنت وصوتك الحاني

جميل أعذب من كل ألحاني

يهز عميق وجداني ويسعدني

كترتيل على شفتيك روحاني

***

أمي:

امسحي راسي يا يمه

واهدي قلبي قبلتين..

قبلة ترويني بحنانك..

قبلة تبقى بعمري دين.

عيدكم مبارك، وعساكم من العايدين والسعيدين

سعيد محمد سعيد

يا بلادي العزيزة… القانون ولا شيء غيره!

 

مقلقة هي حادثة اعتداء «عقيد» عسكري على عضو بلدي… ربما لا تكفي كلمة «مقلقة» لكي تشعرنا بأن المجتمع البحريني الآمن والمسالم والمتنعم بنعمة الأمن، في أمس الحاجة اليوم للدفاع عن هذه النعمة، بدءا بالدولة التي يتوجب عليها تشديد القوانين وعدم التهاون في تنفيذها، كائن من يكون الطرف المخالف، إنتهاء عندي وعندك وعند كل مواطن ومقيم حيث يتوجب أن يكون الجميع حماة للمجتمع طالما يعيش الكل في كنفه.

بالنسبة لي شخصيا، أيقنت تمام اليقين بأن المجتمع البحريني مهدد بالفعل في أمنه بسبب ممارسات متعددة من قبل فئة تهوى الإضرار بالمجتمع من المواطنين أنفسهم تحت شعار المطالبة بالحقوق، وهذه كما قلت في مقالات سابقة، ظاهرة انحسرت ولله الحمد وفي طريقها الى الزوال مع وجود القناعات بضرورة المطالبة بالطرق السلمية المشروعة التي لا تخالف القانون… لكن، ماذا عسانا نفعل مع خليط مخيف من غير البحرينيين؟

دعونا نستعرض ثلاث قضايا فقط نظرتها المحاكم في أسبوع واحد، أولها تورط فيها بحريني وبحرينية، ونظرتها المحكمة الجنائية الكبرى التي قضت ببراءتهما من تهمة بيع المواد المخدرة وأمرت بحبسهم لمدة سنة وتغريمهم مبلغ 500 دينار عن تهمة التعاطي، فهذه عينة من البحرينيين الذين يتجاوزون قوانين وأنظمة البلد دون خوف ولا رادع.

أما القضية الأخرى التي حجزتها محكمة الإستئناف العليا، فهي قضية متهم روماني بالاعتداء على عرض شقيقة زوجته بعد أن تم القبض على المتهم الذي كان فارا من يد العدالة وذلك بعد حضوره لجلسة الاستئناف، وقضت بحبس المتهم لمدة 5 سنوات وإبعاده عن البلاد بعد تنفيذ الحكم الصادر بحقه في قضية اغتصاب شقيقة زوجته.

أما القضية الثالثة التي أرجأتها محكمة الاستئناف العليا الجنائية لندب محام للمتهمة، فهي قضية قضية إثيوبية شرعت بقتل ابن مخدومها، بعد أن قضت بحبس المتهمة لمدة 3 سنوات وإبعادها عن البلاد نهائيا.

وتفاصيل القضية تشير الى أن الخادمة شرعت في قتل ابن مخدومها بأنْ باغتته من الخلف حال وجوده في المطبخ، وانهالت على رأسه ضربا بمطرقة حديد، قاصدة من ذلك قتله، غير أنّها لم تتمكن من ذلك، ولله الحمد والمنة.

السؤال المحير، سواء كان الجناة بحرينيون من أبناء هذا المجتمع الطيب المسالم المحافظ، أم من الوافدين القادمين من مجتمعات اعتادت على الإجرام أو مسالمة لا فرق… أليس هناك ما يقلق بشأن استخفاف أولئك المجرمون بقوانين البلد؟ ولماذا يستخفون بها ويتجاوزونها؟ ولماذا تتكرر جرائمهم وتتضاعف عاما بعد عام.

ليس لدي شخصيا إلا إجابة واحدة، ألا وهي عدم احترام قوانين وأنظمة البلد، والاستخفاف بها الى حد ارتكاب جرائم مروعة، ولكن، هل الدولة مسئولة؟ نعم مسئولة عن تشديد القوانين، وليست وحدها المسئولة، فكل مواطن وكل صاحب عمل وكل مستثمر يستقدم العمالة الوافدة، عليه مسئولية تحذير من يستقدم من عمالة من أن للبلد قوانين صارمة، يتوجب عليهم جميعا احترامها والالتزام بها، فليس صحيحا أيها السادة استقدام الوحوش وتركهم يسرحون ويمرحون في مجتمعنا دون رقابة.

سعيد محمد سعيد

اهملوا مجتمعكم… وتفرغوا للفتنة!

 

ردود فعل كثيرة، وإتصالات عديدة وردت من الأخوة والأخوات القراء تعقيبا على عمود يوم الخميس الماضي المعنون بـ»مجتمع العصابات والأمن المفقود»، الذي تناولت فيه التحذير من النتائج السلبية المترتبة على تصوير المجتمع البحريني الذي ينعم وسيبقى كذلك متنعما بالأمن والمنعة، بأنه مجتمع محاط بالقلق والخوف وانعدام الأمن…

مع الاعتراف بأن هناك نمطا من الممارسات العدائية التي بدأت تنتشر في المجتمع البحريني، إلا أن ذلك لا يعني أن يعلق الناس كل الخطأ على الدولة وأجهزتها، إذا ما أدرك كل مواطن دوره في الحفاظ على أمن واستقرار وسلامة هذا المجتمع الذي نعيش فيه مهما كانت الظروف، ومع الإعتبار أيضا لوجهات النظر السليمة التي تشدد على أن التهاون وعدم تطبيق القانون على الجميع، هو من دواعي الأمن من العقوبة، وبالتالي إساءة الأدب.

الأمثلة في ذلك كثيرة… فكما يقول أحد المواطنين مستغربا: «لا أدري كيف استطاع اللصوص سرقة منزلي وأنا مسافر مع عائلتي؟ جيراني الأعزاء موجودين، وهم يعلمون بسفري والغريب أن منزلي سرق كما أفاد أحد الشهود في وضح النهار عندما أوقف اللصوص شاحنتهم الصغيرة بكل ثقة، وراحوا ينقلون محتويات منزلي دون أن يتوقف أحد ولو لأخذ رقم الشاحنة والتعرف على الأشخاص، وهم أجانب، لتسهيل عملية البحث والتقصي»، فيما يقول مواطن آخر: «تعرضت زوجتي للسحب من السيارة والضرب بقسوة وقلة حياء وأدب من قبل أحد الشباب، فيما كان الإستغراب يملؤها وهي ترى (رجاجيل مشوربة) واقفة للتفرج فقط ولم تأخذهم الحمية للتدخل لإبعاد ذلك المعتدي عنها أو الإدلاء بشهادتهم لدى الشرطة على الأقل»، فيما تقول مواطنة: «اعترض سيارتي أحدهم وقام بحركات مخدشة للحياء أمام الناس، وراح يصرخ ويشتم فقط لأنني لم أتمكن من منحه فرصة العبور أمامي في وضع مزدحم… وخرج من باصه الصغير ليلقي المزيد من الكلمات القذرة هو ومن معه في الباص وكنت أدير النظر يمنة ويسرى لعلني أرى (رجلا واحدا) يدافع عني أو يلجم ذلك الوقح».

ربما نصدق تلك القصص، وربما نكذبها ونقول أنها من نسج الخيال، لكن أليس غيرها الكثير مما نقرأه في الصحف، ومما يراه الكثيرون منا أمامهم رأي العين ويكتفي الكثيرون منا بالفرجة؟ بل لا يقتصر الأمر على الشارع، حتى في أماكن العمل، أصبحت النزاعات والخلافات والشجار بين بعض الموظفين والموظفات وكأنها جزء من التقاليد الوظيفية، فهذه موظفة تعرضت كثيرا للتحرش من جانب مرؤوسها ولم يرتدع رغم تهديدها له مرة وأكثر، حتى تدخل الزوج الغاضب، وهذا حقه، ليطالب الجهة المعنية بمساءلة هذا المسئول قانونيا وهذا ما فعل، وأخذ القانون حقها.

في الوقت الذي يشهد فيه المجتمع ذلك الإنحراف المقلق، ينبري بعض (المواطنين الصالحين ذوي الولاء المنقطع النظير للوطن والقيادة) مدعومين ببعض الكتاب في الصحافة وفي المنتديات الإلكترونية الفتنوية، لإثارة المزيد من نيران الفتنة الطائفية، والتشكيك في ولاء الناس لبلادهم، ومطالبة الدولة بتوقيع أقسى العقوبات على فئة من الشعب البحريني، ومن ناحية أخرى يلمعون في الدفاع عن أوجه الفساد والتبرير لها، واعتبار كل الممارسات الخاطئة من قبل بعض المسئولين بأنها (واجب وطني)، ولم نسمع أو نقرأ لهم تصريحا أو بيانات أو نشاطا يحذر مما يحيط بالمجتمع من ظواهر تعرض الإستقرار والسلم الإجتماعي للخطر، ويتسترون على بعض الأفعال السيئة فقط بدوافع مذهبية…

الشراكة المجتمعية التي يرفضها البعض، ليست في حقيقتها (عيون مباحث ومخابرات وقمع لمن يطالب بحقه بطريقة سلمية مشروعة)، وليست فكرة منطلقة من ضرب المجتمع ببعضه البعض، الفكرة يا سادتي الكرام نحتاجها في مجتمع لابد أن يستمر في أمنه واستقراره، ليكون كل مواطن (شرطيا) لحفظ نفسه وأهله وأهل مجتمعه من اللصوص ومن المجرمين ومن مثيري العداوات في البلد… وهي مسئولية دينية شرعية ووطنية، قبل أن تكون (خطة حكومية) يفهمها البعض وفقا لهواه… واعيدوا النظر فيما يحدث في مجتمعنا يا سادة

سعيد محمد سعيد

مجتمع «العصابات» والأمن المفقود

 

إذا كان هناك من يسعى لتصوير المجتمع البحريني على أنه مجتمع «عصابات» مليء بالإجرام والقلق الى درجة فقدان الأمن والسكينة، ويضاعف مؤشر التخويف والقلق ليرفع مستوى القلق من مخاطر الوباء وتدهور الوضع الصحي، فعليه أن يعيد النظر في خطابه ذاك لأنه يعتبر في هذه الحالة مصدرا لتدمير المجتمع بالتضخيم لا المعالجة، وبالتشويش لا الإفادة، ويضرب بالنعم.. وأهمها النعمتان المجهولتان: الصحة والأمان.

لكن، لا يجب أن ننكر بأن هناك بالفعل مخاوف متزايدة من بروز ممارسات عدائية عنيفة على أكثر من هيئة، وكذلك، والحال مشهود واضح بالنسبة للقلق المتزايد من انتشار وباء انفلونزا الخنازير، وهذا يلزم أن تكون استراتيجية عمل الدولة واضحة وصارمة في التعامل مع مختلف الأوضاع، والحفاظ على نعمة الأمن التي ينعم بها مجتمعنا، وكذلك العمل على استقرار الوضع الصحي بعيدا عن المزايدات والتخويف، بالإضافة الى ذلك، لا يجب اطلاقا اغفال دور المواطن والمقيم في الحفاظ على الأمن والتكافل في سائر القضايا، الصحية والإجتماعية والإنسانية، وإلا، فلن يكون مقبولا أن تكون مسئولية الحفاظ على الأمن هي مسئولية وزارة الداخلية فقط، والحفاظ على استقرار الوضع الصحي هي مسئولية وزارة الصحة فقط، مع الإعتبار لدور تلكما الوزارتين الرئيسي في استقرار المجتمع.

ولا يبدو أن لمؤسسات المجتمع المدني حضورا كبيرا في نشر ثقافة المواطنة في ظل هذه الظروف، ويتحول دور بعض خطباء الفتنة الى تأجيج الوضع ليس إلا، وتنشط مجموعات متعددة الأعراق والإنتماءات المذهبية في المنتديات الإلكترونية خلف الأسماء المستعارة، لنقل صور الخوف والقلق بمبالغات مضرة باستقرار المجتمع، ويتم تناقل حوادث التخريب والحرق والعنف التي انحسرت الى درجة كبيرة بل وانعدمت في معظم القرى ولله الحمد، ويتم تضخيمها وايهام الناس بأنها مستمرة من خلال نقل كتابات صحفية غير موفقة توقيتا ومضمونا هدفها فقط تأجيج نيران الفتنة وزرع العداوة بين الناس، وتنشط مجموعات أخرى لنقل أخبار الإعتداءات والعصابات الدخيلة، ويزداد الوضع ضراوة بنقل الأخبار الكاذبة عن هجوم هنا، وترصد هناك، ويظهر العباقرة الذين يكتشفون مؤامرات سرية ضد الدولة بالتآمر مع الخارج، ثم يستمر الوضع من أجل الوصول الى نتيجة واحدة وهي أن المجتمع البحريني لم يعد مجتمعا آمنا صالحا للعيش وفي هذا مبالغة كبيرة لا طائل من ورائها إلا تأزيم البلاد والعباد.

لا بد من القول أننا نفتقد لسياسة إعلامية وطنية تتعامل مع الأزمات بصورة مدروسة، على مستوى الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، ولابد من القول أن هناك تهاونا في تطبيق القانون في الكثير من الجهات، بل ولا ضير من الإشارة الى أن المواطن البحريني، والمقيم كذلك، في حاجة الى جهة تقدم المعلومات الصحيحة والواضحة دون تزييف في شئون مختلفة، ويؤكد هذا الكلام الإفتقار للإجراءات الحاسمة ضد الصحف التي تنشر مقالات ومعلومات مثيرة للفتنة ومربكة للإستقرار، ومراقبة المنتديات الإلكترونية النشطة التي تثير المشاكل وتنشر الأكاذيب فهي تستحق الإغلاق دون هوادة تماما كما هو الحال بغلق المواقع الإباحية المحرمة.. فكلاهما حرام.

لا يتحمل المجتمع البحريني كل ذلك السيل من القلق والتخويف والترهيب، حتى بات الكثير من المواطنين والمقيمين في حيرة مما يصل اليهم من معلومات مرعبة، واستفزازات كريهة وتحريض على الكراهية، ولعلني هنا أقدم اقتراحا بإنشاء لجنة وطنية تكون مهمتها الرئيسية التصدي للهجوم المستمر والسيء في الخفاء على المجتمع البحريني، وعلى أمنه واستقراره وثوابته ووحدة شعبه..

صحيح أن مجتمعنا اليوم يعاني من خطر داهم بسبب خلل ديموغرافي في تركيبته السكانية، ونشوء مزيج مختلط من الثقافات والأعراق والثقافات التي اعتاد بعضها على العنف والإجرام وغالبها لا يمت الى المجتمع البحريني بصلة، لكن هذا لا يعني الإستسلام للأمر، والسماح لمن يريد العبث بنعمة أمن البحرين، وكرم البحرين وطيبة شعب البحرين.. فالمجتمع البحريني سيبقى نموذجا للمجتمعات المتحضرة الكريمة المطمئنة، ولا مكان لمن يريد تحويله الى مجتمع جريمة كرها في هذه البلاد الغالية.

سعيد محمد سعيد

الدول… الطائفية

 

استطاع مؤسس ومدير معهد بوسطن الإسلامي الإمام طلال عيد الإستحواذ على اهتمام حضور ندوته التي عقدت مساء أمس الأول الثلثاء بقاعة المحاضرات في مركز عيسى الثقافي تحت عنوان: «التسامح واعتدال الخطاب الديني» بحضور سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وذلك بفضل عمق خطابه وبساطته وصراحته ودعوته الصادقة خصوصا فيما يتعلق بتشخيص حالة الصداع بين الشيعة والسنة في المجتمعات الإسلامية، بيد أنني واحد من الذين تمنوا أن يخصص الإمام عيد جزءا من ندوته للتحذير من (الدول الطائفية) بعد أن أجزم على أن الحل الأنجح لمعالجة الخلافات السنية الشيعية هو ترشيد الخطاب الديني.

لذلك، تساءلت في جلسة جانبية مع عدد من الأخوة والأخوات الحضور عن كيفية ترشيد تعامل بعض الدول العربية والإسلامية التي هي ذاتها كحكومات وكسلطة تتبنى الطرح الطائفي؟ فهل يا ترى، في الإمكان ترشيد الخطاب الديني بين الطائفتين الكريمتين وغيرهما من الطوائف والديانات في ظل دولة غارقة في الطائفية حتى النخاع؟ فهذه دولة عربية تتبنى حملة ضد مواطنيها الأقباط، وأخرى تشعل نار الفتيل بين السنة والشيعة، ودولة إسلامية ثالثة تبنت (طائفة جديدة) من وعاظ السلاطين لتنكل بالسنة والشيعة على حد سواء.

وكانت الآراء متفاوتة، اتفاقا واختلافا، لكن من دون شك، فإن تبني حكومات عربية وإسلامية للتفتيت الطائفي بات واضحا، ولهذا، فمن الضرورة بمكان أن يكثف العلماء المعتدلين انتقاد تلك الحكومات التي تدرك خطورة نهجها الطائفي لكنها مستمرة فيه، حتى باتت الكثير من المجتمعات الإسلامية تنام وتصحو على أزمات طائفية، ولهذا أيضا، كان الكاتب اليمني فيصل جلول مصيبا حينما ركز في اطروحاته حول الطائفية والمذهبية في الدول العربية علىرفض التسامح اطلاقا مع كل حديث طائفي او مذهبي، واعتبار المتحدث مجرما وتقديمه للقضاء بهذه الصفة طالما ان الدساتير والقوانين العربية لا تعرَّف المواطنين بالقياس الى مذاهبهم وطوائفهم وانما بالقياس الى انتمائهم الوطني او العربي.

الإمام طلال عيد وصف العقود الماضية بأنها مثلت تاريخا مليئا بالحزن بين الشيعة والسنة نظرا لحساسية الموضوع، وأن هذه الحساسية تتنامى في كل بلد يعيش فيه السنة والشيعة، وأن لا طريقة أفضل من ترشيد الخطاب الديني بحيث يكون متوافقا مع خطاب القرآن الكريم المليء بالأسس التي تساعدنا في أن ننجح في ذلك، لكنه ساق مقارنة مفيدة، مشيرا الى الولايات المتحدة الأميركية التي أسست مجالس للحوار بدأت بأتباع الديانتين المسيحية واليهودية رغم الخلافات العميقة بينهم، واستطاعوا القفز على خلافاتهم بالحوار الذي شجعته اميركا بل وتشجع المؤسسات التي تؤمن بالحوار من خلال دعمها بالمنح المالية.

وأيضا، كان المحاضر صريحا حينما اعترف بأنه في بداية مشواره في خطب الجمعة، كان يستخدم الخطاب العنيف وباستخدام مفردات الأمر والنهي، لكنه غير خطابه بعد أن عاد الى القرآن الكريم والى خطب نبي الأمة محمد (ص) ولم يجب فيها اطلاقا ما يشابه ما هو منتشر من خطب جمعة عنيفة شديدة، فكانت الثمار يانعة، حيث أصبحت خطبه أكثر فاعلية من سابقتها.

إن علماء الأمة المعتدلين اليوم مطالبين برفض كل اشكال التعاطف والتضامن مع المذهبيين والطائفيين تحت اية حجة من الحجج، فلا الظلم يبرر انبثاق الطائفية ولا الديموقراطية تجيز الطائفية ولا حقوق الانسان تفرض تشريع الانقسام المذهبي لأن كل الحجج والذرائع التي يستخدمها الطائفيون والمذهبيون حجج وذرائع باطلة والغاية منها تفتيت الأوطان… لكن تصبح المشكلة أكبر حين تتبنى دول وحكومات هذه الذرائع.

سعيد محمد سعيد

رسائل مهمة جدا من سمو ولي العهد

 

ها هو الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك انقضى، سائلين المولي العلي القدير أن ينعم علينا جميعا بفيض بركات شهره الأعظم ويعيده علينا وبلادنا البحرين الغالية، وسائر بلاد المسلمين في خير ورفعة وسلام وأمان.

لكن بلادنا على وجه التحديد، هي الأرض التي يلزمنا الدعاء لها ولأهلها دائما لأن يجعلها بلدا آمنا ويرزق أهله من الثمرات…

لو قدر لنا أن نرصد المواقف والأزمات والصدامات المؤسفة التي شهدتها بلادنا بين رمضانين، العام الماضي والجاري، لوجدنا أن ما تضيق به الصدور كثيرا مع شديد الأسف… لكن مع حلول الشهر المبارك، برزت السمات الطيبة لشعب البحرين، وليتها -أقول ليتها- تستمر طيلة العام طالما هي متجذرة في شهر رمضان المبارك… فالمجالس في كل مناطق البلاد، من أصغر قراها الى أكبر مدنها، تستقبل المواطنين والمقيمين بالأحضان، ولا أطيب ولا أعذب من اللقاءات الأخوية التي تعكس محبة أهل البلد لبعضهم البعض.؟. اللهم من أولئك الذين لا يزالوا ينشطون في المنتديات الإلكترونية فيحولون خطبة (سواء اتفقنا أو اختلفنا مع مضامينها وأبعادها) الى ميدان قتال، ويصيرون المواقف والأنشطة والفعاليات الى نمط طائفي سقيم، لكنهم على أية حال، يقبعون فقط في أوحالهم… أشباح ليس إلا، والكل منهم يدعي قمة الإيمان والدفاع عن الدين والوطن وولاة الأمر.

الصورة الحقيقية للمجتمع البحريني ليست صورة أكاذيب المنتديات وأهلها المرضى، وليست (المضادات الفاشلة) الإنتهازية للإعلان عن رفع دعاوى في الداخل والخارج دفاعا عن مقام الصحابة الكرام، وليست تلك التخريفات بربط تيار سياسي وديني بالحوثيين في اليمن أو غيرها هي البيرق الخفاق للدفاع عن مقدرات الأمة… إنها ليست سوى فذلكات تهريجية سمجة، لا طائل من ورائها.

وأجزم أيها الأحبة، أننا لم نعد نرى الصورة الحقيقية للطائفية إلا في المنتديات الإلكترونية فاقدة المصداقية، وكذلك في تصريحات نائب هنا أو كاتب صحافي هناك، أو متعلم على سبيل نجاة من الحق الى الباطل! أو إصرار (مسئول ما) على أن تبقى الملفات المعقدة التي توجب حلا شجاعا (صم بكم عمي)… أما بين أهل البلد، فلن نجد الا الخير ولا شيء غير الخير، ولا أدري هل أولئك الذين يكيدون للبلاد والعباد شرا يفعلون فعلهم طلبا للثواب الجزيل من فيض شهر الله المبارك، أم أن لديهم شعارا وعنوانا آخر؟! على أي حال، هناك جملة من الرسائل الدينية والإجتماعية والوطنية المهمة أرسلها ولي العهد، نائب القائد الأعلى، سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، في زياراته لعدد من المجالس الرمضانية برفقة نجله سمو الشيخ محمد، وهي اضاءات حقيقية ورائدة توجب وضعها في الإعتبار لدى كل مسئول وكل سياسي وكل خطيب وكل ناشط، بل وهي مهمة لكل مواطن أيا كان موقعه وهي موجزة في الآتي:على عاتق علماء الدين تقع مسئولية الحفاظ على الوحدة الوطنية في المجتمع البحريني، وأن عليهم الحث على الموعظة الحسنة والدفع بالتي هي احسن، والدعوة الى الإعتدال ونبذ التطرف، التواصل الصادق كفيل بوحدة المجتمعات وتكافلها، المجالس الرمضانية محطة للوقوف على احتياجات المواطنين، التباحث مع المواطنين في المجالس التي زارها سموه في الشأن العام والخاص دون قيود.

نحن كمواطنين، نعلق آمالا كبيرة على توجيهات القيادة الرشيدة لوضع حلول لكل الملفات المعلقة، وإيجاد السبل الكفيلة بإنهائها، ولو تطرقنا الى أزمة إسكان القرى الأربع (النويدرات) والخدمات الإسكانية عموما، والأوضاع المعيشية للمواطنين، ومسألة الأجور في القطاعين العام والخاص، وتطوير الحياة الديمقراطية ودعم حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، وملف الأراضي والسواحل، فإننا سنكون ممتنين لكبار المسئولين في الدولة، لو تكرموا ووضعوا توجيهات القيادة والرسائل السامية التي طرحها سمو ولي العهد في زياراته للمجالس الرمضانية نصب أعينهم، وتواضعوا قليلا والتقوا بالمواطنين والرموز الدينية والسياسية، فستتغير الأمور كثيرا… ليتهم يفعلون

سعيد محمد سعيد

القلق من «انفلونزا الخنازير»…والمدارس على الأبواب

 

يتوجب على وزارتي التربية والتعليم، والصحة أن يعجلا في الإعلان عن تفاصيل (الخطة المفصلة) لمواجهة أي حالات مرضية قد تظهر في المدارس… العام الدراسي الجديد أصبح وشيكا والقلق من هذا الوباء يتضاعف، وكلما فكر الناس فيما سيكون عليه الوضع في المدارس، يتضاعف القلق أكثر فأكثر.

لقد أعلنت وزارة التربية والتعليم بأنه لن يتم تأجيل العام الدراسي، لكن هناك أقاويل تنتشر بين الناس عن احتمال تأجيل الدارسة، وتنتشر بالمقابل أقاويل أخرى بأن العام الدراسي سيبدأ في موعده بعد اجازة عيد الفطر المبارك، لكن كلنا ثقة في أن وزارتي التربية والصحة على علم تام بحالة القلق الكبير الذي ينتاب الناس بسبب تسجيل إصابات بهذا المرض بلغت 199 حالة منها 98 حالة شفيت من المرض، وأن الإجتماع الأخير الذي عقد على مستوى كبار المسئولين بالوزارتين، أعاد مناقشة الآليات الوقائية والعلاجية الضرورية لمواجهة أية احتمالات للإصابة بالمرض، وأي تأثيرات لهذا المرض على الطلبة في المدارس الحكومية والخاصة، وهو الإجتماع الذي تم فيه الاتفاق على وضع خطة واضحة ومفصلة لمواجهة أي حالات مرضية قد تظهر في المدارس.

إذا، لا شك في أن اقتراب موعد العودة للمدارس يثير قلقا متزايدا بسبب استمرار تسجيل الحالات، ولا ندري، هل ستكون هناك خطوة احترازية مرتقبة بتوفير التمنيع اللازم لحماية طلبة المدارس أم لا؟ وهل سيتم الإكتفاء ببرامج التوعية والرسائل الإعلامية للجمهور فقط أم ستكون هناك خطوات عملية تتجاوز عملية فحص حرارة الطلبة خلال دخولهم المدارس مع بدء العام الدراسي يوميا لمدة أسبوع؟ وهل هذه الإجراءات كفيلة بضمان منع الإصابة؟.

المواطنون والمقيمون قلقون من المرض، بل ويزداد قلقهم مع اقتراب موعد العام الدراسي الجديد…

صحيح أن توفير دليل ارشادي لكيفية التعامل مع المرض في المؤسسات التعليمية خطوة مهمة ومطلوبة، لكن المكافحة لن تنجح فقط بتنفيذ برامج توعية رغم أهميتها.

هل تأجيل الدراسة هو الحل؟ ربما يكون حلا إذا كانت الخطة الموضوعة لا ترقى الى مستوى الطموح، ولا تضمن حماية الطلبة في كل المراحل التعليمية من الإصابة، لأن إصابة واحدة تعني أن أسرا ستتعرض لإحتمال انتقال المرض إليها… لكن، إذا كانت وزارتا التربية والصحة واثقتان تماما من الإجراءات وبنود الخطة ودقتها، وأنها من (القوة) بحيث تمنع أدنى احتمال لانتشار وباء مخيف في المدارس، فهذا سيجعل الجمهور ينعم بالإطمئنان على فلذات أكبادهم، ومع هذا، فإن الإستعداد بتوفير اللقاحات اللازمة مهما بلغت كلفتها يجب أن يكون بندا رئيسيا في خطة المكافحة.

على مستوى دول الخليج، نفت إحدى الدول تأجيل الدراسة، وأكدت دولة أخرى تأجيل الدراسة لمدة أربعة أشهر، فالتي نفت تعول على خطة التوعية فقط،، والتي أجلت كانت تدرك أن تسجيل خمس حالات وفاة كفيلا بتأجيل الدراسة.

أما اذا كان الوضع لدينا في البحرين مطمئنا فلا بأس من انتظام الدراسة، لكن ماذا لو كان غير مطمئن؟ هنا نحتاج الى الكثير من الصراحة وحسب… وضعنا مطمئن أم لا.. هذا هو السؤال؟

سعيد محمد سعيد

بين «الداخلية» و«البحرينية لحقوق الإنسان»

 

إذا قدر للجهود المشتركة بين كل من وزارة الداخلية والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان أن تنجح في مسار تحسين أوضاع السجون والنزلاء بها، فإنه سيكون لزاما على كلا الجهتين، الداخلية والجمعية، أن يتعاونا مستقبلا من أجل تحقيق المزيد من المكتسبات على صعيد ملف حقوق الإنسان، والقضاء على الممارسات التي لا تتوافق اطلاقا مع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ولا تتماشى مع تطلعات مؤسسات المجتمع المدني، وهي تطلعات شدد على أهميتها وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة في أكثر من مناسبة.

لو عدنا الى المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عصر يوم الخميس الماضي، فإننا سنجد بين طياته الكثير من الأمور الإيجابية التي جاءت متناسقة مع تحرك الجمعية من جهة، ومع رغبة وزارة الداخلية في التعاون مع الجمعيات الحقوقية للتباحث حول المشكلات القائمة بموضوعية وبروح وطنية.

لقد احتوى التقرير على العديد من الفقرات الصريحة التي تعكس إيمان الجهتين في وضع اليد عليها وحلها، ففي الجزء المتعلق بالمعاملة أثناء القبض والتوقيف، على سبيل المثال لا الحصر، ذكرت تسع نزيلات أنه تمت معاملتهن بشكل جيد، بينما وصفت ثلاث نزيلات المعاملة أثناء القبض بالسيئة، وذكرت واحدة منهن أنها أخذت بالقوة أثناء القبض، وأفادت نزيلتان بأنهن تعرضن للإهانات المتمثلة في الصراخ والكلمات البذيئة، بينما ذكرت واحدة أنه تم التحقيق معها من العاشرة صباحا إلى السابعة مساء وتعرضت للشتائم ولم يسمح لها بالذهاب إلى الحمام، كما ذكرت نزيلة واحدة أنها تعرضت للضرب بخرطوم المياه وتعاقب على ضربها حسب روايتها ستة رجال ولكنها لم تعرف هوياتهم، وذكرت واحدة أنها تعرضت للتهديد. مثل هذه المعلومات الصريحة، لا يمكن أن تقبل بها أي دولة عربية تدعي الديمقراطية بل ولا يمكن أن تسمح بها أبدا وربما أصرت على اخفائها، لكن بالتعاون بين الداخلية والجمعية، تم التوصل الى مثل هذه الممارسات التي تتنافى مع القانون، وهذه لفتة تحسب للبحرين. الخطوة المقبلة، كما أعلها الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي، هي أن الجمعية عازمة على زيارة سجن (الأحداث)، ولا شك في أن هذا التوجه مهم، ويمكن القول أن وجود قنوات للتواصل بين الجمعية ووزارة الداخلية يعد عملا مهما للقضاء على التجاوزات، ولهذا ثمن الدرازي تجاوب الوزير مع تقرير حقوق الانسان الذي يعتبر التقرير التقرير الثاني للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان لرصد واقع السجون في مملكة البحرين، وهناك تطلع مشترك، حسبما وعد به الوزير، وهو أن تتحقق جميع الملاحظات التي وردت في التقرير قبل الزيارة المقبلة.

في هذه العجالة، نود الإشادة بجهود الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان على جهدها المخلص، ونتمنى أن يستمر هذا التواصل مع وزارة الداخلية لمحاسبة أي طرف تثبت عليه التجاوزات، فطاولة الحوار والتباحث، هي أفضل وسيلة للتوصل الى الحلول المشتركة والعملية، بعيدا عن الشعارات والإتهامات، ويبدو أن في الأفق الكثير الإنجاز باستمرار التعاون بين الوزارة والجمعية، وهذا ما يأمله كل مواطن بلا ريب

سعيد محمد سعيد

يطل علينا بعظمته

 

يوم كنا صغارا، كثيرا ما تمنى البعض منا ألا ينقضي شهر رمضان المبارك… بل وكان البعض منا يمني نفسه بأن يطل علينا هذا الشهر الفضيل بعظمته أكثر من مرة في العام.

ففي هذا الشهر، يومذاك… في مطلع السبعينيات، كنا نعيش فصلا من فصول الطفولة ليس له مثيل، ولم تكن غالبيتنا تدرك أن (نفوسنا) لن تكون كما كانت عليه من البراءة حين كنا صغارا… الشهر المبارك بقي هو هو، لكننا كبرنا وفقدنا الكثير مما كنا ننعم به في طفولتنا، ولعل أكبر ميزة فقدناها هي صفاء النفوس.

هو شهر واحد، لكنه شهر الله الأعظم، وهو عند الله من أفضل الشهور. وفي ظني، أن الكثيرين منا، نحن أبناء الأمة الإسلامية، مازلنا نحفظ في قلوبنا ووجداننا قداسة وعظمة وبركة شهر رمضان، ومع ذلك، نعبث كثيرا غير آبهين بفضائله ومناقبه، لكن أخطر ظاهرة «تسمم نفوس المسلمين» في شهر الصوم، من منظوري الخاص، هي الممارسات التي نغلفها بغلاف الدين وهي لا تمت بصلة إليه… حتى أصبحت تلك الممارسات السيئة وكأنها من مظاهر شهر رمضان المبارك!

ليس الحديث هنا يدور حول مظاهر الكسل وإهمال مصالح الناس في الوظائف بحجة الصيام، ولا أتحدث عن ظاهرة المزاج المتعكر والحاد الذي يتلبس البعض منا حتى في الشوارع والطرقات حين يتطاير شرر الغضب بسبب خلل بسيط على أولوية السير، أو بسبب تأخر سائق في التحرك بعد إضاءة الإشارة الخضراء، ولا عن الغضب العارم الذي يعتري البعض بسبب انقطاعه بضع ساعات عن السيجارة… بل أتحدث عن الإثارات المقلقة التي تطلقها بعض القنوات الفضائية حينا، وعن نمط من الخطب الدينية التي تفيض بالعداوات والبغضاء حينا آخر… لتنتقل هي الأخرى إلى أماكن العمل والمجالس.

هل أصبح البعض ينتظر شهر رمضان المبارك ليجدد ولعه بإثارة النعرات الطائفية؟ وهل أصبحت بعض القنوات الفضائية مستعدة ومتأهبة لإشعال فتيل الفتنة بين السنة والشيعة من خلال برامج وأعمال درامية وحوارات، وكأن الشهر الفضيل بالنسبة إليها هو أفضل شهور السنة لتنفيذ محاولات تدمير القيم والمعاني السامية لشهر رمضان المبارك؟ وإذا كانت تلك هي الحقيقة، كيف ينصاع الكثيرون منا لتأثيرات تلك السموم وهو يدرك أنها قاتلة؟ ويدرك في الوقت ذاته، أن شهر الصوم هو شهر لتجديد بناء شخصية المسلم، بناء يرضي الله سبحانه وتعالى لأن أبواب السماء مفتوحة بالرحمة والمغفرة، فلماذا وقعنا في مصائد الفتنة على رغم أن كل واحد منا يدرك أن من أعظم تعاليم ديننا الحنيف في شهر رمضان المبارك، التآخي والألفة وإشاعة المحبة والتسامح بين أبناء المجتمع الإسلامي.

قبل أعوام، فتحت إحدى القنوات الفضائية «حوارها الصريح بعد التراويح» طيلة الشهر الفضيل لنكتشف زيفها وتكشف هي الأخرى زيفنا حين وقع الصدام بين الناس، في رحاب شهر الله الأعظم، بسبب أطروحات متشددة مغلفة هي الأخرى بشعارات التآخي والمصارحة والتوافق بين المسلمين سنة وشيعة، لكنها في حقيقتها فكرة مدمرة استمرت بعد ذلك البرنامج لسنوات، وربما لاتزال قائمة… ثم جاءتنا بوادر أزمة بسبب مسلسل «للخطايا ثمن»، وثارت الزوابع حتى قررت القناة الفضائية المحترمة إيقاف بثه… وهذا العام، وقبل عدة أشهر، ثارت موجة من الخلاف، من المدينة المنورة إلى المغرب، بسبب الإعلان عن بث مسلسل «الأسباط» الذي يحكي سيرة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، وهو من إنتاج إحدى الشركات الخليجية… والله العالم، ما الذي ينتظرنا من أعمال فضائية خلال هذا الشهر الفضيل، وكأننا أمة تسيِّرها القنوات الفضائية وفق هواها!…

على أي حال، مبارك عليكم جميعا شهر رمضان المبارك، وجعلنا الله وإياكم من الفائزين بفيض بركات الرحمة والمغفرة، ونسأل الله أن يجيرنا من أعمال الشياطين، التي يصفدها الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر، لتظهر شياطين أنسية، منا وفينا… تسعى لتحطيم القيم، وتستبدلها بالنقم.