سعيد محمد سعيد

شباب القرى يخططون لانتحار جماعي!

 

لا أتذكر، ولو على وجه التقريب، عدد المرات التي تلقيت فيها اتصالات أو التقيت فعلياً بنماذج من شباب القرى بعد كل مقال يطرح ظاهرة العنف والتخريب والاضطراب الأمني، غير أنها كثيرة، ومع كثرتها، لكنها بالنسبة لي، تجارب مفيدة خصوصاً بوجود شباب يدفعهم الاستعداد للتحدث والاستماع والنقاش وجهاً لوجه، وليس على شاكلة (اضرب واهرب)، أو (أرسل شتاماً وسباباً وتهديدات عبر البريد الإلكتروني في الخفاء)، أو (نظم حملة ضد هذا الكاتب العميل الخائن) في موقع إلكتروني، وادخل بعشرات الأسماء المستعارة المكررة، وبارك الله شبابنا المناضل.

وعلى أي حال، فإن المتتبع للبرامج الإعلامية المتنوعة إذاعياً وتلفزيونياً، وكذلك ما تنشره الصحافة المحلية في شأن ظاهرة العنف والتخريب والاعتداءات والحرق، والتصريحات التي تصدر من بعض النواب وبعض ممن يطلق على نفسه (ناشط سياسي)، والخطب الدينية ومشاركات المنتديات الإلكترونية، سيجد كماً هائلاً من المواقف التي تدين العنف والتسبب في حوادث الاضطراب الأمني، ولا حاجة لي لتكرار ما طرحته دائماً من أن كل الأفعال المنافية للقانون من حرق وتدمير ومواجهات وتعريض القرى خصوصاً، ومناطق البلاد وشوارعها عموماً، لحوادث العنف، هي مرفوضة شرعاً وعرفاً، لكن في المقابل، قلما نجد مبادرات منطقية تكشف رغبةً للبحث في الأسباب ومعالجة الدوافع، حتى مع إيماننا التام وإجماعنا على رفض أعمال العنف والعنف المضاد.

قبل أيام، وبعد مشاركتي يوم الخميس الماضي في برنامج (مرئي ومقروء) في تلفزيون البحرين، تناولت مع الزميلة وفاء العم مقدمة البرنامج جزئيةً تتعلق باستمرار أعمال العنف وانجراف فئات من الصغار والناشئة والمراهقين والشباب في أعمال منافية للقانون، وقلت حينها إن هناك ثلاث فئات من الشباب، الأولى هي الفئة التي تؤمن بحقوقها الدستورية في المطالبة بأسلوب سلمي، وتشارك في الفعاليات المرخصة ولها منهجها المعتدل في طرح المطالب والمشاركة في الحياة العامة، والثانية هي فئة الشباب الذين ليس لديهم من هدف سوى التخريب والتحريق حتى في عمق ممرات وطرقات القرية، أما الفئة الثالثة، وهي الأخطر، فهي الفئة التي تريد أن تشعل الحرائق تحت مسميات وشعارات أكبر منها بكثير، ولا تدرك أصلاً معناها، وربما يدفعها في ذلك رغبة في الانتقام من المجتمع.

والمفارقة غير المتوقعة، هي أن مجموعة من شباب القرى طلبوا الالتقاء بي وتم ذلك فعلاً عصر يوم الجمعة، فبادرني أحد الشباب قائلاً: «بو محمد، شباب القرى لا يخططون لانتحار جماعي، لكن لدينا مطالب والدولة لا تستجيب»، فأجبته ومن معه من الشباب أنني لم أنتقد يوماً أية حركة مطلبية شبابية سلمية يحترمها الجميع، لكنني، حالي حال الكثير من المواطنين الذين رفضوا العنف لمجرد العنف والتخريب لمجرد التخريب في القرى، وخصوصاً في الأوقات الآمنة وفي إجازة نهاية الأسبوع، لا أقبل بتعريض حياة الناس وممتلكاتهم والممتلكات العامة للتخريب تحت أي شعار، فكان إجماع الشباب هو: «ما هو الحل والملفات العالقة من تمييز وتجنيس وقمع وحرمان من الحقوق وتشكيك في الوطنية والحملات المغرضة مستمرة؟»، ولم يكن لديّ جواب أكثر من أن كل تلك الملفات، لا يتحمل وزرها أهالي القرى ولا شأن لهم في أسلوبكم في التعامل معها، أما ما هو الحل، فلا أعتقد بأنكم لا تستطيعون التعبير عن مواقفكم وآرائكم في مسيرات واعتصامات وندوات وملتقيات سلمية، وهي قائمة كما نلاحظ وآخرها فعالية (رجعوها).

هناك نقطة أخرى نتمنى أن تتحقق وتنجح، وهي حديثي مع مسئول أمني كبير أبدى ارتياحاً من فكرة الاقتراب من الشباب والاستماع لهم والبحث في مشاكلهم والاستعانة بالمتخصصين الاجتماعيين للمشاركة في المعالجة بأسلوب يحفظ حقوق الوطن وحقوق المواطن والمقيم، تزامن ذلك مع برنامج (أمن) ظهر يوم الخميس والذي تحدث فيه كل من محافظ الشمالية جعفر بن رجب، والنقيب أنس الشايجي ضابط من الشئون القانونية إلى جانب قاضي محكمة الاستئناف العليا الشرعية الدائرة الجعفرية الشيخ محسن العصفور، وهو برنامج تناول الظاهرة من مختلف جوانبها بمشاركة المواطنين بكل حرية وجودة واعتدال في الطرح.

المبادرات الصادقة يمكن أن تنجح بعيداً عن مظاهر الحرق والتخريب والعنف والقمع وتشديد الإجراءات في القرى واستخدام الشوزن والمولوتوف والاعتداءات على المدارس والممتلكات وتجاوز أعراف حقوق الإنسان، وهي تتطلب مواقف متناغمة من جانب الرموز السياسية وقادة الرأي، إضافةً إلى شراكة مجتمعية فاعلة من جانب الدولة بمختلف مؤسساتها، ولاشك في أننا حين ندين كل الممارسات الخارجة عن القانون، ونرفض أعمال العنف والتخريب، نأمل في خطوات حقيقية للاقتراب من واقع المواطنين المعيشي، ونأمل أن تنظر الدولة إلى قطاع الشباب واحتياجاته وهمومه بصورة حقيقية أيضاً لا تنحصر فقط في التصريحات والخطط المقروءة على صفحات الجرائد فقط. لن يخطط شباب القرى لانتحار جماعي أبداً، طالما سيكون صدر الوطن متسعاً لهم ولغيرهم.

سعيد محمد سعيد

إنما الأمم الأخلاق… شعائر و«مشاعر» ومسجات!

 

قد يكون من البديهي القول إن حالة «النكتة» وتبادل الطرفة واللطائف السياسية بين شعوب العالم، وخصوصاً الشعوب العربية والإسلامية، هي حالة طبيعية تدخل تحت عنوان :»التنفيس»، لكن هناك نكتة سياسية محبوكة حبكة فكاهية لطيفة ذات معنى كبير وصائب، وقد يضحك بسببها حتى رئيس الدولة (المنكوت عليه) بينه وبين نفسه في السر!

وهناك أيضاً قائمة طويلة لا تنتهي من النكات السياسية والاجتماعية القذرة من ناحية استخدام المفردات والمعاني وقلة الذوق وسخافة الأسلوب، لكن المتلقي قد يموت من الضحك وهو يقرأها في موقع الكتروني أو عندما تصله عبر هاتفه النقال أو بريده الإلكتروني الخاص او حين يسمعها في جلسة أناسة مع الأصدقاء والأحبة، وتبقى مجرد نكتة حتى لو كانت تتجاوز حدود الأدب والأخلاق والعرف والذوق السليم.

والمجتمع البحريني، حاله حال الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، يستقبل الناس فيه الطرائف والنكات ويرسلونها، سواء كانت توافق الذوق السليم أم لا توافقه، فالأمر سيان بالنسبة لدى البعض الذي لا يرى فيها ما يسيء إلى شخصه الكريم، ولا يرى فيها إساءة إلى الشخص المرسل إليه، وسواء كان المرسل أو المتلقي رجلاً أم إمرأة… مراهقاً أم رجلاً ناضجاً، تسقط حدود الأخلاق طالما هي نكتة سياسية، فلا ضير من أن يضحك الناس! لا بأس، بيد أن هناك تطوراً لافتاً في استخدام الوسائط الحديثة والرسائل الإلكترونية بأنواعها وتصاميم الجرافيك التي يعصر فيها (المبدع) رأسه وفنه لينتج عملاً مثيراً للضحك يرسله إلى آلاف الناس، ويقوم الآلاف بإرسالها إلى آلاف أخرى وهكذا تكبر خانة ألوف الألوف، لكن قلة هم أولئك الذين تتوقف لديهم الرسالة النكتة فيحذفونها لأسباب يجدونها لا تناسب ذوقهم ولا أخلاقهم ولا وازعهم الديني، حتى وإن كان السياسي أو الرئيس أو الحاكم غير محبوب بالنسبة إليهم، لكن هناك رادع أخلاقي يمنعهم من نشر مثل تلك النكات والمسجات والتصاميم السمجة.

ولأن الطرائف والنكات، محمودة أم مذمومة، لطيفة أم سخيفة، أصبحت اليوم تطير بسرعة عبر شبكة الإنترنت ومواقعه الإلكترونية، وعبر الهواتف النقالة والوسائط المتعددة، فإن منها ما يسيء إلى شعائر دينية مقدسة لدى فئة من المسلمين، ومنها ما يسيء إلى مشاعر مكونات ومجموعات بشرية، ومنها ما هو طائفي بغيض كريه، ومنها ما يأتي بردود فعل غير متوقعة بسبب سخافتها واستهزائها بشخصيات ورموز وشعائر دينية يمارسها المسلمون على اختلاف مذاهبهم والأدهى من ذلك، أن تتصدر صفحات جرائد محترمة يفترض أنها تتمتع بمهنية وموضوعية، ومع شديد الأسف، تتيح عروض الاتصالات المجانية فرصة ذهبية لأن تتكاثر الألوف تلو الألوف من المرسلين والمستقبلين الذين يشاركون في نشر (الوقح من الأعمال) فقط تحت عنوان: «ما فيها شي… خلنا نضحك»، وليس لإيقاف ذلك من سبيل إلا (الذوق السليم)، وخصوصاً أن الغالبية العظمى من (ناشري النكتة) هم من المراهقين والشباب وإن لف لفهم من هو ناضج عمراً وفكراً.

شخصياً، ضحكتُ كثيراً وأنا أقرأ طرفة وردت عبر بريدي الإلكتروني تقول: «يحكى أن حاكماً عربياً كان في رحلة صيد مع نفر من حاشيته، وبينما هم يبحثون عن الطرائد، رأى الحاكم أرنباً يركض فأخذ بندقيته ورماه لكنه أخطأ الهدف! فقال أحد أفراد الحاشية من المنافقين: «سبحان الله! أول مرة أشوف أرنب يركض وهو ميت»، أيضاً، شعرت بالأسى وأنا استقبل تصاميم ومسجات تسيء إلى بلادنا وإلى عوائلها وإلى رموزها وإلى مشاعرها الدينية، تخلو من الذوق والاحترام والأدب، وتقترب من صفة المنافقين الذين يرتدون لباس أولياء الله الصالحين.

سعيد محمد سعيد

خوش شوارع… مرة أخرى

 

سأعود بالقراء الكرام، وخصوصاً مستخدمي شارع الجنبية بشكل يومي، إلى هذه الزاوية يوم الأحد 19 يوليو/ تموز من العام 2009 عندما كتبت عموداً عنوانه: «مشكورين… خوش شوارع»، في إشارة إلى نموذج من مشاريع إنشاء الطرق التي تستغرق وقتاً طويلاً من العمل، وهو شارع الجنبية.

يومها كتبت نصاً: «حسناً، تعالوا نمشي على شارع الجنبية… فهذا الشارع الجديد المجدد اليوم، يعد واحداً من أهم الشوارع ذات الحركة الدؤوبة المستمرة، ولنقطعه ذهاباً وإياباً في الجزء الذي تم الانتهاء منه، وحتى مع علمنا بأن مرحلة أخرى قادمة لتصحيح الأخطاء، هل يصح الوضع القائم؟ مرتفعات ومنخفضات ومطبات، بل وأخطاء هندسية يراها حتى المهندس المتدرب حين تجد جزءاً من الرصيف يبدو كالنتوء يخرج قليلاً عن الشارع، أي يظهر جزء منه وإن كان السائق غافلاً أو ضعيف نظر… (راحت عليه)».

ولم يقصر الأخوة في العلاقات العامة بوزارة الأشغال إذ أرسلوا رداً نشر في صفحة «كشكول» يقول مضمونه إن الأعمال في الشارع لم تنتهِ بعد، وهذا يعني أنني ربما تسرعت في الملاحظات قبل أن أعطي المقاول المسئول فرصة إتمام مشروعه.

وماذا عن الوضع اليوم؟ اليوم هو يوم الأحد 23 مايو/ أيار 2010… وهناك مسافة عشرة أشهر بين الملاحظة الأولى في يوليو 2009، ولا أدري هل بالإمكان لفت نظر المسئولين إلى الملاحظة الرئيسية على شارع الجنبية، أم أن المشروع لم يكتمل بعد؟

لا بأس، سواء انتهى العمل بشكل نهائي أم لاتزال هناك بعض المبررات، يمكنني القول إن الكثير من السواق كادوا يقعون في حوادث مرورية مؤسفة بسبب وجود جزء هابط من الإسفلت على المسار الأيمن للشارع بالنسبة للقادمين من الشمال إلى الجنوب، أي من دوار البديع في اتجاه الهملة، وهذا الجزء الهابط لا يمكن الاستهانة به، فالكثير من المركبات، حتى وإن كانت تسير بسرعة 80 كيلو متر في الساعة، فإنها تتعرض لانحراف مفاجئ بسبب هذه (الحفرة)… حتى وإن التزم السائق بالمسار الأيسر، فإن تلك الحفرة تتسبب في عدم اتزان المركبة.

وبالنسبة للسواق الذين تعودوا على الموقع، فإنهم يأخذون حذرهم قبل الوصول إليها، لكن الأمر يختلف بالنسبة للسائق الذي يتفاجأ بوجودها، ولله الحمد، فإنه لم تقع حوادث كبيرة حتى اللحظة بسبب تلك الحفرة، لكن حدث عشرات المرات بالنسبة للكثير من السواق انحراف مفاجئ يتسبب في فقدان توازن المركبة، ما رأيكم لو كلف أحد المعنيين نفسه فأرافقه إلى موقع الحفرة؟ حتى وإن كان العمل لم ينتهِ بعد

سعيد محمد سعيد

اكتب لي «تقريراً مثيراً» أعطيك «خيراً» كثيراً!

 

يبدو أن تجارة كتابة «التقارير المثيرة» ستشهد رواجاً كبيراً، لاسيما في البلدان العربية والإسلامية، بل وتحديداً في الدول والمجتمعات التي تتداخل فيها صور التآمر بالتخابر بالتجسس بالطائفية بالعرقية بالتصفيات، وأضف من الـ (باءات) ما شئت حتى تصل إلى آخر (باء) منها وهي باء (بيع) الأوطان.

تلك التقارير المثيرة أصبحت بالفعل تجارة رابحة، ولا نقصد هنا التقارير السرية والمخابراتية والاستخباراتية التي تجريها جماعات متصلة بجماعات مرتبطة بكيانات، بل تلك التقارير تشمل أيضاً التقارير الصحافية المقروءة والمرئية التي تصرف عليها الفضائيات مئات الآلاف من الدولارات من أجل قلب الحقائق والكذب على المتلقي العربي والاستخفاف بعقله والترويج لسياسات معينة، وتشمل أيضاً (سرقة) التقارير من كشوف شركات عملاقة أو مؤسسات أو أحزاب، وهكذا، ينال من يؤلف أو يسرق أو يتخيل أو يتآمر أو يتخابر أو يتجسس أو يكذب في تقاريره، خيراً كثيراً كثيراً سرعان ما يتحول إلى حبال تلف على العنق، أو عملية من وراء الستار تطيح برأسه.

هل تعلمون بأن غالبية التقارير السرية التي تجرى على مستوى الدول العربية والإسلامية، تركز في مساحتها الكبرى على مراقبة أنفاس المواطن العربي، وأكل المواطن العربي، وكيفية زيادة آلام المواطن العربي، وما هي الإجراءات الاحترازية في حال استفاقة المواطن العربي من نومه، لكن هناك بالمقابل تقارير أخرى سرية ومثيرة للغاية لا تمنعها بعض الدول المحترمة عن مؤسساتها التشريعية، وخصوصاً تلك المتعلقة بمصلحة البلاد والعباد، وبوجود الثقة طبعاً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

الآن هناك نمط جديد أو قل لون جديد من ألوان التقارير السرية، لا تحتاج إلى مجموعات أو فرق عمل أو أهداف كبيرة كانت أم صغيرة… وتحديداً للدقة، هو لون ليس جديداً لكنه متجدد، فبإمكان مسئول هنا أو هناك الاستعانة بموظف أو موظفة أو أكثر لجمع معلومات بشأن (موظف أو مسئول مستهدف)، وتحويل بعض الموظفين والموظفات إلى آذان وعيون (استخباراتية) في مكان العمل، وتتوقف الترقيات والأعطيات على مدى قوة تلك العين وتلك الأذن على العمل.

عموماً هي تجارة فيها ربح كبير، وفيها خسارة أكبر، فالحلال بين والحرام بين… ومهما كانت نوعية التقارير التي يدر من ورائها أصحابها أرباحهم، فلا شيء أفضل من التعامل الصريح والحوار الجاد في كل القضايا، كبرت أم صغرت، في مجتمع كمجتمعنا، لم يعرف عنه يوماً أنه (منغلق).

وحتى لا تبقى الأوجاع والشكوك وتبادل الاتهامات قائمة، فإن أي (تقرير مثير) أياً كان لونه، لا يجب أن يكون (في طي الكتمان)، وخصوصاً أن الناس في البحرين، علماء ونواباً وناشطين ومؤسسات، لديها من القنوات من يوصلها إلى القيادة، وإلى المسئولين في الأجهزة الحكومية على اختلافها… لقطع دابر النوايا السيئة.

سعيد محمد سعيد

أخلاق شباب… قمة في الروعة

 

يخشى محدثي الذي كان يعبر عن شعوره بالألم وهو يتكلم عن تجربة مع مجموعة من الشباب، ضمَّته معهم حافلة واحدة في عمرة عيد العمال، أن يتحول التديُّن لدى بعض الشباب إلى مجرد (شكل) ظاهري لا عمق له في نفوسهم، فتصبح علامات الالتزام الديني زيف مبطن، وهو أمر خطير للغاية.

ولعل محدثي الرجل الخمسيني على صواب فيما يقول، فهو يتحدث عن ممارسات شاهدها بأم عينه في رحلة (عمرة)، وليست رحلة إلى منتجع سياحي أو حتى إلى (بلاج الجزاير)، وإن كانت رحلات الترفيه إلى أي مكان كان لابد وأن تكون بعيدة عن مظاهر سوء الخلق والفوضى والهمجية، فما بالك برحلة إيمانية إلى البقاع المقدسة الطاهرة.

هي جلسة حديث عابر مع ذلك الإنسان، لكن في ملاحظاته ما يستحق أن نقدمها للقراء الكرام، فمن المواقف التي ذكرها عن رحلة (العمرة)، وجود عدد من الشباب الذين كانوا طوال الطريق يقرأون الأدعية والأذكار، وتنوعت الكتيبات الخاصة بأعمال العمرة في أيدي بعضهم، وكان سعيداً بهذا الجو في رحلة برية امتدت لساعات، لكن الوضع اختلف حينما بلغوا الديار المقدسة ليسجل بعض المشاهد التي رآها وكانت من السوء بحيث يجزم بأن أولئك الشباب يقرأون الأدعية والأذكار لمجرد القراءة لا الفهم والامتثال، ولمجرد التباهي ربما بحلاوة الصوت.مجموعة من الشباب، وإن كانوا يرتدون الأزياء التي لا تناسب زيارة البقاع المقدسة، من بنطلونات مزركشة بعضها من النوع (الطايح)، وبعضها الآخر من الذي تتدلى منه حلقات الحديد أو ما شابه، والأقمصة ذات الشخبطات الغربية، اختلفوا مع مقاول الحملة، فما كان منهم إلا أن صبّوا جام غضبهم على الحافلة، ففتحوا غطاء المحرك في غفلة من المقاول والسائق، وأتلفوا بعمد وتقصد المحرك بوضع كمية من الملح فيه، ليقف ذلك المقاول يضرب راحاً براح. في المضيف، لم يكن هناك احترام للنعمة، فكان البعض يعبث ويلعب بالأطعمة، وكأن أولئك الشباب جاءوا ليقضوا وقتاً في تصوير برنامج هزلي كتلك البرامج التي نشاهدها في التلفاز حيث التراشق بالطماطم أو الشطائر ونعم الله التي يجب أن تحترم وتشكر لتدوم.

وليس بغريب بعد ذلك، أن يشاهد هو وغيره، نماذج من أولئك الشباب من الجنسين، شبان وشابات، وكأنهم في متنزه مفتوح للمعاكسات والترقيم، فهذا يقوم بحركات ليجذب انتباه الفتيات، وهذا يقوم بحركات فكاهية سخيفة، وتلك ترفع عباءتها ليرى الناس – ربما – ماركة بنطلون الجينز أو الحذاء الذي تلبسه أعزكم الله، وأخريات لم يجدن بأساً في إظهار بضع خصلات من شعرهن تتدلى على جباههن، أما الألوان الغريبة العجيبة على الوجه فحدث ولا حرج. بين أولئك وهؤلاء، شباب وشابات في قمة الأخلاق، يدركون أنهم إنما يقومون برحلة إيمانية يرجون منها الثواب من الله سبحانه وتعالى، أما زمرة المظاهر، فلم تكن تنفع معهم كلمات المرشدين الدينيين، ولا كلام أولياء أمورهم، ولعل في مقدور علماء الدين و المعلمين، أن يلفتوا نظر الشباب إلى أن التوجه إلى العتبات المقدسة، يتطلب استعداداً نفسياً إيمانياً قويماً طيباً، وليس لتصرفات هوجاء لا تصدر إلا من المغفلين والأغبياء

سعيد محمد سعيد

سياسة «اللوح الخشبي»

 

ربما كان الشعور بالألم بالنسبة لخمسة أطفال يشاهدون والديهما يتشاجران وقت تناول الطعام أشد وأوجع من ألم اللوح الخشبي الذي ضرب به الزوج زوجته وشقيقها وفق ما قرأنا في الصحافة أمس.

وليست هذا القضايا هينة كما يرى البعض، أو أن على الصحافة ألا تتناولها وتبتعد عنها تحت عبارة «نشر غسيل الناس»، فهذا كلام فارغ مجوف لا يعي صاحبه ما يقول، فالمجتمع البحريني، ويجب إعلانها بقوة، يعاني من ممارسات خفية خطرة للغاية، لكنها تظهر إلى سطح الحياة العامة في شكل بشر يعانون من الأمراض النفسية والتوتر والخوف والقلق، وأن قيام الصحافة والإعلام بشكل عام بطرح مثل هذه القضايا إنما لتنبيه الناس، فلو لم تنشر «الوسط» يوم أمس خبر ضرب الزوجة وشقيقها باللوح الخشبي لما استطاع القراء، وهم شريحة من المجتمع، أن يتداولوا الآراء فيما بينهم عبر التعقيبات.

فالخبر أعلمنا بقيام النيابة العامة التابعة للمحافظة الوسطى بحبس متهم بحريني (زوج) ضرب زوجته وشقيقها، لمدة 7 أيام على ذمة التحقيق، وتشير تفاصيل القضية إلى أن الزوج والزوجة اللذين أمضيا 17 عاماً من الحياة الزوجية ولديهما 5 أبناء حصل بينهما خلاف وقت الغداء فقامت الزوجة بسكب الأرز و»المرق»، فقام الزوج بسكب «المرق» على ظهر زوجته، وفي اليوم الثاني حدث خلاف على وجبة الغداء ثانية، فقام الزوج بضرب زوجته، فطلبت الزوجة من أحد أبنائها إبلاغ شقيقها للحضور، فما كان من الزوج إلا أن ضرب زوجته وشقيقها بلوح خشبي.

سياسة اللوح الخشبي، هي واحدة من الممارسات الخفية، ففي البحرين، ووفق دراسة محلية، هناك 30 ألف امرأة بحرينية تتعرض للعنف سنوياً، ولا يمكن حصرها في ضحية واحدة هي الزوجة، فهناك من يعيش في صراع نفسي داخلي ينمو ويتعاظم خطره وهم الأطفال الذين كثيراً ما تقع أعينهم وأفئدتهم على مشاهد تجعلهم يصابون بصدع خطير من الداخل، حينما يعيشون لحظات من الألم والخوف والهلع بسبب الخلافات بين الأب والأم، وما يتبعها من اضطراب في حياة الأسرة التي ستفقد فيما بعد استقرارها وأمانها.

لست مع الرأي القائل بأن الصحافة تنشر غسيل الناس! إنما هي تقوم بنقل وقائع وأحكام شهدتها جلسات المحاكم، وتبلغ الناس بها… فلا أسماء ظاهرة ولا أوصاف لأصحاب القضايا، إنما شرح موجز للواقعة والحكم التالي لها.

نعيش اليوم في وضع صعب للغاية وانظروا حولكم، فعلاوة على (التجنيس العشوائي المرفوض) الذي يرجعه البعض كسبب محوري في كل مشكلة وفي كل قضية وفي كل مصيبة يعاني منها المجتمع البحريني، لا يجب أن ننسى بأن هناك مشاكل اجتماعية يكون السبب فيها المواطنون، لنلقي نظرة على طبيعة العلاقات والمعاملات في الشارع، العمل، المستشفى، الخباز بل وحتى في المسجد، سنجد أن احمرار العين والاستعداد للهجوم والتنازع، هو السمة السائدة على الكثير من الناس، وهذه أخطر من كل القضايا والملفات العالقة، لأنها تدمر اللبنة الأساسية للمجتمع وهي الأسرة.

سعيد محمد سعيد

من كرزكان… هكذا هم الشباب

 

دون شك، فإن أهالي قرية كرزكان والكثير من القرى في المنطقة الغربية، وفي عموم المحافظة الشمالية، كانوا ولايزالون في مرمى الاتهامات بالتقصير تجاه توجيه الشباب والناشئة فيما يتعلق بالأعمال المنافية للقانون من حرق وتخريب وتدمير للممتلكات العامة والخاصة، وهو اتهام فيه الكثير من الافتراء!

لكن، إذا عدنا إلى مهرجان كرزكان الثقافي الثالث الذي اختتم أعماله يوم السبت الأول من مايو/ أيار الشهر الجاري تحت رعاية محافظ المحافظة الشمالية جعفر بن رجب، فإن هناك حقيقة ثابتة، وهي أن فئة الشباب من الجنسين، كلما حصلوا على الاهتمام والرعاية والتقدير، كلما أبدعوا وقدموا نماذج متميزة في مجالات الثقافة والأدب والشعر والفنون والسينما والرياضة، وقد نجح مركز كرزكان الثقافي والرياضي في أن يثبت وجوده على مدى سنوات المهرجان الثلاث.

كرزكان ليست صورة سوداء أو منطقة مخيفة كما يتخيل البعض ويروج، ولكن إذا كنا ننتقد الشباب والمراهقين والصبية الذين يتجاوزون الحدود ويعبثون بالأمن والسلم الاجتماعي، فإنه من المهم التذكير باحتياجات الشباب من مراكز رياضية وترفيهية وأنشطة تمنحهم الفرصة لتقديم إبداعاتهم، وتبعدهم من الوقوع في الأعمال التي قد تتسبب في ضياع مستقبلهم.

والأهم من ذلك كله، أن مهرجان كرزكان الثقافي الثالث، لم يقتصر على مشاركين من القرية ذاتها، بل كان هناك حضور ومشاركة من جانب أهالي قرى مختلفة، وقد أبدع الشباب كثيراً، بارك الله فيهم، وقدموا ببراعة أعمالاً غاية في الجمال والتميز سواء في مجال الكتابة الأدبية أو في مجال الإلقاء الشعري أو التصوير الضوئي وفن الطفل والسينما.

بقي أن نؤكد على أن مثل هذه الفعاليات لا يمكن أن تستمر دون دعم مالي سخي من جانب الدولة، سواء كان ذلك للجهة المنظمة أم للجهة الداعمة، فضعف التمويل كان ولايزال هو السبب في ضعف البرامج المخصصة للشباب في القرى.

سعيد محمد سعيد

الدفاع المدني… مرة أخرى

 

لم يكن المواطن (ع . أبو ادريس)، وهو شاب بحريني يعمل في الدفاع المدني، راغباً في استعراض جملة من المطالب أو الاحتياجات أو الشكوى، حينما عقب على العمود المنشور هنا يوم الإثنين 26 أبريل/ نيسان الماضي تحت عنوان: «الدفاع المدني… المتهم بالتقصير دائماً»، بل كان يريد أن يقول، بالأصالة عن نفسه ونيابة عن كل زملائه العاملين في إدارة الدفاع المدني (شكراً)، للمشاعر النبيلة التي حملتها التعقيبات على المقال المنشور من قبل القراء الذين أرسلوا كلمات عرفان وتقدير للعاملين في هذا القطاع.

(أبو ادريس) كان صادقاً حينما قال: «نخرج من بيوتنا في بداية مشوار يوم عمل ولا نعلم ما إذا كنا سنعود أم لا، ونغيب ساعات طويلة عن أسرنا وزوجاتنا وأطفالنا»، ولذلك نسعد كثيراً حينما نرى الابتسامة والطمأنينة تملأ وجوه الناس الذين وضعوا ثقتهم بنا في حال تعرضهم لمكروه، أما بالنسبة للمنتقدين الذين يحق لهم ذلك حيناً، ولا يحق لهم في أحيان كثيرة، فإنهم معذورون لأنهم في الغالب ليسوا على دراية بما يعترض طريقنا وخصوصاً في حال القول بأن رجال الإطفاء وصلوا متأخرين، أو يهزأون من عبارة: «وصلوا في وقت قياسي» التي تتضمنها بعض الأخبار الصحافية.

كثيرة كانت آراء العاملين في الدفاع المدني وذويهم ممن اتصل تعقيباً وتعليقاً وإضافةً على الموضوع، لكن الأهم من وراء ذلك كله، هو أنه من حق الناس الذين يعرضون حياتهم للخطر من أجل مساعدة الآخرين، أن يقدر الناس جهودهم حتى لو كان هناك تقصير في بعض النواحي، فالكلمة الطيبة صدقة، وتبادل الكلام الجميل بين الناس دليل على الإيمان بمقولة: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس».

ولكنني وجدتها فرصة جيدة لأن أسأل بعض الأخوة الذين يعملون في الدفاع المدني عن سبب التأخير في الوصول إلى الموقع المبلغ عنه في بعض الأحيان، ومع أنني كنت على علم بالسبب الرئيسي، ألا وهو وضعية الشوارع العامة والطرقات في بلادنا التي تشهد منذ سنوات أزمة اختناق مرورية تتضاعف يوماً بعد يوم، غير أنني استفدت من ملاحظتين إضافيتين من المهم تقديمهما لجمهور المواطنين والمقيمين.

رجال الدفاع المدني يقولون إن بعض المواطنين والمقيمين، حين يواجهون خطراً ما كحريق لا قدر الله، أو أية مشكلة أخرى في المنزل أو مكان العمل، ومن شدة الارتباك، يقدمون معلومات خاطئة في البلاغ تتعلق بعدم دقة العنوان فيضيع جزء من وقت الوصول هباءً بسبب تكرار الاتصال بالمبلغ لإعادة العنوان بدقة، أما الملاحظة الأخرى، فعلى الرغم من وضعية الشوارع والطرقات المزدحمة في أغلب أوقات اليوم، إلا أن هناك الكثير من المواطنين والمقيمين، لا يفسحون الطريق أمام آليات الدفاع المدني بشكل سريع، ولا يتعاونون مع بعضهم البعض من أجل انسيابية السير لإيجاد معبر.

وأكثر ما يثير الغضب، حينما تجد مواطناً أو مقيماً، غارقاً في الحديث عبر هاتفه النقال فيما تصدح خلفه أصوات الإنذار الصادرة عن آليات المطافئ، أو ترى آخرين يلاحقونها من أجل قطع الإشارة الضوئية، وفي كل الحالات، لا نملك إلا أن نقول مجدداً: «شكراً لرجال الدفاع المدني»

سعيد محمد سعيد

عبدالله بن راشد… حين يكون المسئول «مسئولاً»

 

أن تقف أمام مسئول، كبيراً كان أم صغيراً في الدولة… شاب في ريعان مشواره الوظيفي لخدمة الناس أم (شاب رأسه) وهو على كرسيه، وتستمع منه إلى قائمة من التبريرات والأعذار والمعوقات والمحبطات و(فاقعات المرارة) ورافعات الضغط، تجاه أمر يتوجب عليه أن يتعامل معه وفقاً للأمانة الوطنية الملقاة عليه مهما كان حجم الموقف أو المشكلة، فإنك لا تملك هنا سوى أن تضرب راحاً براح، وتحوقل وتتعوذ من الشيطان، والله يلوم الذي يلومك إن انتقدت أداءه.

أما إذا وجدت في ذلك المسئول الحرص والأمانة والاستعداد لتحمل هموم الناس ومشاكلهم، وينتقل معهم من موقع الى موقع، ويتابع بشكل شخصي ملفات تهم الناس، فإنك ستحترمه حتى وإن جاء الحل بعد حين من الزمن، فيكفي أن تتيقن في قرارة نفسك أنه لم يضع لك الشمس في يد والقمر في يد أخرى وأغدق عليك من الوعود وملأ جيبك بالأمنيات، لكنه سعى وفق المتاح من الإمكانات، وأخذ بخاطرك بما يبعث السرور في نفسك… والله إن المواطن البحريني يكفيه – وهو في شدة معاناته – أن يستمع للكلمة الطيبة واحترام المسئول له، ولا بأس بعد ذلك لو تأخر الحل قليلاً كما هو معتاد في أجهزتنا الخدمية.

لذلك، لم تكن حادثة كحادثة الشجار الذي وقع بمنطقة الرفاع الشرقي بين مجموعتين من شباب سترة والرفاع، أياً كانت دوافعها وحقيقة أسبابها، تافهة كانت أم مهمة… لم تكن هينة بالنسبة للمسئول الحريص على الاستقرار في المجتمع، والذي يدرك بأنه يجب أن يكون طرفاً رئيسياً في إعادة الأمور الى نصابها، وهكذا مثلت الحادثة امتحاناً أمام محافظ المحافظة الجنوبية الشيخ عبدالله بن راشد بن عبدالله آل خليفة في بداية مهامه كمحافظ، لكنه بادر لأن يكون هو نفسه ذلك (الطرف) الذي يطيب النفوس ويتصدى لانفلات الأقوال والتخرصات والتحريضات المريضة ويصلح بين الناس.

ولعل النجاح الأول، هو ذلك الشعور الذي عم الكثير من المواطنين، ولاسيما في سترة والرفاع الشرقي، تجاه (خطوة المصالحة) بجمع الأطراف ذات العلاقة بحضور القائم بأعمال محافظ المحافظة الوسطى وعدد من أعضاء مجلس النواب والمجلس البلدي ووجهاء وممثلي أهالي المحافظتين الجنوبية والوسطى ومدير عام مديرية شرطة المحافظة الجنوبية والقائم بأعمال مدير عام مديرية شرطة المحافظة الوسطى، لتطوى صفحة حادثة نسأل الله ألا تتكرر في أي منطقة من مناطق بلادنا الحبيبة.

إن تأكيد الحرص على تدعيم ركائز الأمن والنظام العام، ورفع مستويات الشعور بالأمان والطمأنينة والهدوء والسكينة والتصدي للظواهر والمشكلات التي تؤثر على الأمن واحتوائها والعمل على منع استمرار وقوعها أو تفاقمها لوقف التداعيات والتأثيرات السلبية على أطرافها وحماية المجتمع من أضرارها ومخاطرها، ليست مجرد شعارات أو كلام منمق للاستهلاك الإعلامي وحسب، وهذا ما ترجمه (عبدالله بن راشد) عملياً، فنال تقدير الأهالي لهذه المبادرة التي جاءت وفق توقيت سليم وخصوصاً أن هناك من يسعى لصب الزيت على النار في خطب هوجاء ومنتديات إلكترونية وضيعة، ورسائل جوال سيئة كسوء مرسليها.

وليس هذا الأمر بجديد على الشيخ عبدالله بالنسبة لمن يعرفه عن قرب، ويعرف اخوته ويعرف والده ويعرف مجلسهم العامر في الرفاع الذي يحتفي بالمواطنين من مختلف مناطق البلاد من الطائفتين الكريمتين بل ومن المقيمين أيضاً، ويصبح في بعض الأحيان بمثابة صدر مفتوح لأصحاب الهموم والمشاكل والمعاناة من المواطنين، لكن الأمر يختلف هنا لأنه يرتبط بمسئولية وأمانة وطنية وثقة وضعتها القيادة في شخص مسئول يجب أن يكون مع الناس أولاً بأول.

نتمنى ألا تصبح حوادث الشجارات الجماعية، كما حدث في الرفاع الشرقي وسبقتها شجارات عراد، ظاهرة في المجتمع البحريني، لكن، الأهم من ذلك، أن يقوم كل مسئول بدوره، وألا يقف موقف المتفرج أو المتلقي للمعلومات من هنا وهناك… ونيابة عن أهالي سترة والرفاع الشرقي، نقول شكراً للشيخ عبدالله بن راشد، وعساك على القوة دائماً.

سعيد محمد سعيد

الدفاع المدني… المتهم بالتقصير دائماً

 

أسرع وصف يمكن قوله عن عمل رجال الدفاع المدني أنهم: «يأتون بعد إخماد الحريق… لا يتقنون التصرف لإنقاذ حياة إنسان معرض للخطر… تنقصهم المهارات والكفاءة»، وربما غيرها الكثير من الأقاويل التي تلوكها الألسن… وأتذكر أنه منذ بداية عملي في الصحافة ابتداءً من العام 1988، وجدت أن الانتقادات – صحت أو لم تصح – أكثر بكثير من التقدير الحقيقي، ولا تقارن بالاستحسان وتقدير دور رجال الدفاع المدني الذين يخاطرون بحياتهم للقيام بواجبهم الإنساني، وفي هذا ظلم كبير لا يقبله منصف.

ظاهرة الانتقاد والنظرة السلبية هي من أكثر الظواهر انتشاراً في المجتمع البحريني، فهناك على ما يبدو فئة كبيرة من المواطنين والمقيمين لا ترى أعينهم إلا الجوانب السلبية والعيوب فقط، وفي شأن دور رجال الدفاع المدني، فإنني استطيع القول انهم من أكثر الأجهزة الأمنية قرباً إلى قلوب الناس تقديراً واحتراماً شئنا أم أبينا… كثرت الاتهامات أم قلت، ويدرك هذه الحقيقة، حفظ الله الجميع، من تعرض لحريق أو أي كارثة من الكوارث ووجد رجال الدفاع المدني يبذلون قصارى جهدهم لمساعدته بدافع إنساني، قبل دافع الوظيفة.

لكن، لا بأس من القول ان هذه النظرة السلبية بدأت تتناقص شيئاً فشيئاً، وخصوصاً مع ارتفاع معدل الحوادث وكثرة البلاغات، وتيقن الكثير من المواطنين والمقيمين أن رجال الدفاع المدني يتمتعون بقدر كبير من الخبرة والدراية والقدرة على إنقاذ حياة الناس، وليس الأمر محصوراً في (فتح سيارة مغلقة على مفاتيحها)، أو التعامل مع البلاغات مهما كانت بسيطة باهتمام كبير، بل يمكننا أن نتصور الدور الذي يقوم بها رجال الدفاع المدني في الاستجابة لكمٍ هائل من البلاغات فاقت في العام الماضي 2009 على سبيل المثال، أكثر من 8 آلاف بلاغ من بينها 2764 بلاغ حريق، ناهيك عن بلاغات الإنقاذ والمساعدة التي بلغت 4369 بلاغاً في العام ذاته.

عصر الخميس الماضي، كانت مجموعة من أهالي قرية عالي تعمل بنشاط لمساعدة رجال الدفاع المدني لمحاصرة الحريق الذي اندلع بعمارة سكنية، وعلى رغم أن المخزن الذي اشتعل فيه الحريق ابتداءً يحوي كميات من الأخشاب والمواد البلاستيكية السريعة الاشتعال، إلا أن الأسلوب الاحترافي لرجال الدفاع المدني، جعلهم يسيطرون على الحريق ويمنعون انتشاره في وقت قياسي… فهل من المعقول أن نغض الطرف عن هذا الجهد، ونقول بأنهم لا يتقنون القيام بعملهم؟

كبر حجم البلاغات والحوادث التي تشهدها الكثير من المرافق والمنازل والمنشآت في البلاد على اختلافها يكشف بأن هناك قلة وعي وإهمال وافتقار لاشتراطات السلامة، وهذه لا يمكن القضاء عليها بإلقاء الاتهامات بالتقصير على رجال الدفاع المدني، وعلى الأقل، من باب الإنصاف، أن نتوجه بالشكر لهؤلاء الرجال الذين يعرضون أنفسهم للخطر لمساعدة المحتاجين، وإن كان هناك تقصير ما، فلا يمكن أن يحجب حقيقة أن جهاز الدفاع المدني ورجاله يعملون بإخلاص لمساعدتنا جميعاً… حفظ الله الجميع من شرور الكوارث.