سعيد محمد سعيد

ابتسامة «عبدالله»

 

الكثير من القراء الكرام، قرأوا قصة الطفل «عبدالله» التي نشرتها صحيفة «الوسط» يوم أمس الأول (الثلثاء)، وقد تأثر بها الكثير من القراء من المواطنين والمقيمين وهم يشاهدون وجه الطفل ورقبته وصدره وقد أصابه التشوه نتيجة احتراقه – حينما كان في سن الثالثة من عمره – بمادة الحمض القلوي الشديد المعروف باسم (التيزاب).

أولاً، أود أن أتقدم بالشكر الى القراء الكرام الذين وقفوا إلى جانب والدة الطفل بالمواساة، ولكنني، وعلى أنني لا أريد أن أسبب خيبة أمل ولوعة لأسرة الطفل أو للقراء الكرام، إلا أنني سأقول بصريح العبارة: «لم يتصل بنا أحد من المسئولين إطلاقاً… إطلاقاً حتى كتابة هذه السطور؟ ولا من أي جهة!»، ونحن لا نقول ذلك من باب أننا كنا ننتظر بفارغ الصبر اتصال طرف مسئول لكي يرسم البسمة والسرور على وجه «عبدالله ووالدته»! لكن من باب الشعور بالمسئولية، وخصوصاً في حالة كون المصاب طفلاً صغيراً يتأثر بمثل حالته حتى أصحاب القلوب الصخرية.

على العموم، كنا نقول دائماً ونكرر، إن أي مسئول يحترم مسئوليته وموقعه ويقدم خدماته للمواطنين فإننا سنشكره ونثني عليه ونحن على علم بأن الدولة إنما وضعته في هذا المكان أساساً لخدمة الناس، أما في حال التقصير، فلا يهم أن أصبح الكاتب (مجانفاً للحقيقة… لم يتحرَ الدقة.. .لم يتصل بنا… ينوي إثارة المشاكل… يؤلب المواقف ضد المسئولين)، فتلك من نوعية العبارات الفجة الكريهة التي مل الناس من قراءتها في الردود التي تتصدر معظم بيانات ومراسلات بعض الوزارات الخدمية.

على أي حال، فإن الفرج آتٍ للطفل وغيره من المرضى آتٍ دون شك، ونعم بالله وحمداً له على نعمه التي لا تعد ولا تحصى فهو الرب الكريم الذي لا ينسى عباده أبداً، ولهذا، ومن ألطاف الله سبحانه، أن هذا الطفل الصغير الذي يبلغ حالياً العاشرة من العمر، يعرف كيف يبتسم بصبر واحتساب وأمل في الحياة… في المستقبل، في القادم من الأيام… صحيح، أن مشاعرنا جميعاً تنصب في التضامن مع هذه النوعية من الأطفال، ونحاول أن نشعرهم بالحب ونأخذ بخاطرهم، إلا أنهم أنفسهم حين يبتسمون في وجه ما ألم بهم من بلاء، فإنهم يقدمون لنا درساً لا يعرفه الكثيرون منا.

عبدالله… ابقَ مبتسماً و(عَين من الله خيراً)، حتى تبقى والدتك سعيدة، والناس من حولك سعداء… لأنك تعلمنا معنى شكر النعمة.

سعيد محمد سعيد

إنها… بيوت الله يا جماعة!

 

لعل المسئولين بإدارتي الأوقاف السنية والجعفرية، على علم ومتابعة لأوضاع المساجد في مختلف مناطق البلاد، ولاشك في أنهم يدركون أهمية متابعة الملاحظات التي ترد من المواطنين والمقيمين بخصوص توافر كافة المرافق والتجهيزات لبيوت الله، ولهذا، فإنه من الأهمية بمكان محاسبة القيمين على المساجد من أولئك الذين يهملون العناية بها.

في بلادنا، اعتادت فئات مختلفة على المشاركة في حملات تنظيف ورعاية المساجد، وهي من الصور الرائعة في غرس قيم تعمير بيوت الله لأنها من تقوى القلوب وينال فاعلها عظيم الثواب، وللأمانة أيضاً، يبذل الكثير من القيمين على المساجد قصارى جهدهم للحفاظ على نظافة وتجهيزات ومرافق المسجد في أحسن حالة، لكن هناك فئة منهم بلغ الإهمال لديهم درجة لا يمكن أن تحتمل، ما يدعو لضرورة قيام المعنيين بإدارتي الأوقاف السنية والجعفرية للتأكد من أوضاع بعض المساجد المهملة من خلال حملات تفتيش دورية.

مما يؤسف له أن بعض دور العبادة تتعرض لإهمال سيئ، فدورات المياه مهملة إلى درجة كبيرة، كما أن نظافة ردهات وقاعة الصلاة ليست بالمستوى الذي يليق ببيوت الله، وهنا نتساءل: «هل هناك مساجد بلا قيم؟ وفي هذه الحالة من المسئول عن متابعتها وتوفير احتياجاتها؟»… إن نظافة المسجد ليست محلاً للنقاش أبداً، بل إن النقاش في قضية كهذه لا تليق، لكن مع شديد الأسف يبدو أن بعض القيمين اعتادوا على الإهمال إلى أن وصل الحال في بعض المساجد لانتشار الروائح الكريهة في قاعات الصلاة، وانتشار الحشرات، وسوء الحالة الصحية لدورات المياه. في أحد المساجد، بقي أحد الشباب إلى قرابة الساعة العاشرة ليلاً وهو يكنس ويلمع ويغسل بلاط دورة المياه، ثم يعود مرة أخرى إلى المسجد ليشعل البخور وينظف المكيفات، فما الذي جعله يبذل كل هذا الجهد والعمل المتقن غير إدراكه للمسئولية الدينية الملقاة على عاتقه؟ وفي مسجد آخر، تقصد دورة المياه لتجد الحنفيات في حالة يرثى لها بسبب تسرب الماء، وتدخل إلى المسجد لتتضايق من الرائحة السيئة، وتقوم من السجود لتجد كفيك وقد علق بها بعض التراب أو الحشرات… فأين القيم على هذا المسجد؟ وهل وظيفته هي رفع الأذان وحسب؟

في دولة الإمارات العربية، نجحت ندوة نظمتها وزارة الداخلية الإماراتية حول أهمية نظافة ورعاية المساجد، وذلك في إطار حملة «مساجدنا من مظاهر حضارتنا»، وكان الهدف منها هو إبراز حرمة المساجد وإشعار المصلين بالمسئولية تجاه بيوت الله وأهمية المساجد وعظمتها ومدى اهتمام الأنبياء والمرسلين بعمارتها وموقف المؤمنين تجاهها. تلك الحملة غطت خمسة آلاف مسجد في الإمارات ونجحت بالفعل في تعويد الناس على الاهتمام بالمساجد بل وتقديم الملاحظات والشكاوى حول المساجد المهملة، ولعلنا نحتاج ونحن نعيش شهر الله المعظم إلى حملات مشابهة من الجهات المعنية، أو استمرار الحملات الأهلية التي يقوم بها المتطوعون من الشباب، لكن لابد من تنظيم حملات تفتيش من جانب إدارتي الأوقاف للتأكد من أوضاع بيوت الله… فهي أقدس الأماكن عندنا

سعيد محمد سعيد

الإفراج عن المعتقلين

 

كم هي عظيمة بركات شهر الله الأعظم وهي تحل على الجميع في هذه البلاد الطيبة، على رغم الكثير من المآسي والآلام والأوجاع، لكن الجميع على استعداد للمضي قدماً، دون حاجة للعودة إلى المربع الأول… مبارك عليكم الشهر جميعاً، ونبارك ونشارك أيضاً فرحة الإفراج عن المعتقلين، آملين بذلك أن تفتح صفحة جديدة بين كل الأطراف.

منذ نحو عشرة أيام مضت، والناس تتابع وتتساءل عن مدى دقة المعلومات التي انتشرت بين الناس فيما يتعلق بالإفراج عن معتقلي كرزكان والمعامير، وهذا أمر ليس بغريب على ملك القلوب، جلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ولعلنا ونحن نعيش أعظم الشهور وأفضلها عند الله، نتمنى أن يكون هناك توافق بين الدولة وكافة الشرائح لإنهاء الملفات العالقة التي طال أمد وصفها بأنها (ملفات عالقة)، لكي لا تعود الأيام واللحظات والمواجهات والممارسات التي تنغص عيش العباد والبلاد. في شهر أبريل/ نيسان من العام الماضي 2009، أجريت لقاءات متعددة مع مختلف مكونات المجتمع، وخصوصاً الشباب منهم والناشئة، بعد المبادرة الملكية بالعفو عن الموقوفين والمعتقلين، فكانت الآراء تصب على محور واحد، وهو أنه في إمكان الدولة القضاء على كل المشاكل وعدم السماح لكائن من يكون أن يؤثر على الاستقرار الأمني، وذلك من خلالها إصرارها على تجديد المشروع الإصلاحي ترجمةً ميدانيةً وعدم السماح للعابثين، سواء من كتبة التقارير السرية أو المخربين أو الذين يريدون بالبلاد شراً، عدم السماح لهم أبداً بأن يتنفسوا في مجتمع يرفضهم.

هناك الكثير الكثير ما يمكن التباحث في شأنه فيما يتعلق بترسيخ الاستقرار والاتفاق على خطوط التوافق بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني، ولعلني في سلسلة من 4 حلقات تحت عنوان :»نزولاً إلى الشباب… صعوداً إلى الدولة»، قدمت الكثير من النقاط والمحاور التي يمكن من خلالها تجسير العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني لأنه بدون شراكة مجتمعية حقيقية لن يكون سهلاً تحقيق مؤشرات متقدمة من الأمن والتنمية. على أي حال، سيكون المقام لتكرار الحديث حول المأمول من الدولة والمجتمع المدني كبيراً ومتاحاً مستقبلاً، فتقبلوا مني جميعاً التهنئة بهذا الشهر الفضيل، وكذلك تهنئة خاصة بمناسبة الإفراج عن المعتقلين، وجعل الله أيام هذه البلاد، قيادةً وحكومةً وشعباً كلها خيراً وأماناً وصلاحاً.

سعيد محمد سعيد

الحملة الوطنية لـ«حرق الإطارات»

 

في ظني، لو تمكنت الدولة ومنظمات المجتمع المدني، من تنفيذ المقترح الذي سأقدمه الآن، فسنكون أمام بداية قوية للقضاء على الكثير من الصور السلبية السيئة التي تؤثر على العلاقات بين الدولة والمجتمع من جهة، وبين مكونات المجتمع وبعضهم البعض من جهة أخرى…

صحيح أن الفكرة تأخذ صبغة (الفانتازيا) أو ربما تكون من قبيل الأحلام الوردية، لكن لا أعتقد أبداً من أن هناك ما يمنع من أن ننفس عن أنفسنا قليلاً في ظل ما نعانيه في بلادنا من منغصات كثيرة، لا يختلف اثنان على أنها لو ولّت الى غير رجعة، فإن واقعنا سيتغير كثيراً! ولا بأس لو أطلقنا على الحملة شعار: «الحملة الوطنية لحرق الإطارات»، ذلك أن الإطارات التي يجب أن (تحرق) ليست من شاكلة ما نواجهه بين فترة وأخرى في شوارعنا لأنها لا تؤدي الى نتيجة إيجابية أبداً، ومضارها أكثر بكثير من نفعها.

هناك الكثير من «الإطارات» (الأطر) التي يجب أن تحرق، وليس الحرق هنا بمعنى إشعال النيران، إنما بمعنى التوافق بين كل مكونات المجتمع والتحاور المبني على احترام حق الدولة وحق المجتمع في أن تتحقق خطوات نحو الأمام لإنهاء الكثير من المشاكل التي تسببها تلك (الأطر) ومنها:

– إطار الدعوات الطائفية والممارسات التي يحاول منفذوها إبقاء المجتمع في صراع بغيض يؤثر على السلم الاجتماعي.

– إطار الفساد وتجاوز القوانين واستخدام النفوذ للقفز على الأنظمة دون احترام لقوانين البلد وأنظمته.

– إطار العبث بالمال العام وأراضي الدولة وخيانة الأمانة الوطنية.

– إطار التشكيك في انتماء أبناء الوطن وكيل الاتهامات الخطيرة التي لا طائل من ورائها سوى إشعال فتيل الفتنة.

– إطار الكتابات والإصدارات الخفية والتقارير والمقالات وفرق العمل الإنترنتية التي تروج لنوعية من الكتابات التي تعبث بتاريخ البلد على أيدي (نكرات) وأسماء ما عرفنا لها مكاناً في المكتبة البحرينية التي نتشرف بأنها تحمل أسماء مفكرين ومثقفين ومؤرخين وأدباء وباحثين بحرينيين لهم مكانة علمية محترمة في المجتمع.

– إطار استغلال الخطب الدينية واللقاءات والمناسبات لتحريض المواطنين ضد بعضهم البعض، وضد الدولة وتكثيف المقالات الصحافية التي تفوح منها رائحة الخبث والعداوة للنفخ في النار.

– إطار حرمان الفئات المستحقة في المجتمع من حقوقهم كالأسر المعوزة والعاطلين، وخصوصاً الجامعيين منهم، لأن هذه الممارسات تتطلب مساءلة من يقوم بها لإيقافه عند حده.

وقطعاً، هناك الكثير من «الأطر» المرتبطة بمطالب تعزيز المسيرة الديمقراطية وتوفير المناخ الانتخابي العادل والكثير الكثير من الملفات التي نتمنى أن تكون يد الدولة ومنظمات المجتمع المدني متكاتفة متعاضدة لتحطيمها وإراحة المواطنين من شرها.

سعيد محمد سعيد

خريجة طب وكوثر والكثير من الجامعيين

 

خلال الأسبوع الماضي، تناولت الصحف عدداً من الأخبار التي تتعلق بالعاطلين الجامعيين وتحركاتهم التي أرادوا من خلالها إيصال أصواتهم إلى المسئولين في الدولة، وبناءً على ذلك، اختلفت المواقف وردود الأفعال… فمن قال إن هذا حقهم في التعبير عن رأيهم، ومن وصفهم بأنهم أصحاب مشاكل ومن وصف أسلوب كوثر بأنه (ابتزاز) وأنها ممثلة تريد الإساءة إلى الدولة، ومن قائل إن أولئك العاطلين إنما يريدون إثارة المشاكل فقط.

على أي حال، لطالما أن الأسلوب الذي اتبعه أولئك الجامعيون لإيصال صوتهم هو أسلوب سلمي هادئ، فهذا حقهم، وليس من اللائق أن نلقي الأوصاف والتهم عليهم فهم أنفسهم أدرى بظروفهم وبمعاناتهم أكثر من غيرهم، وإذا كنا نرفض الأساليب العنيفة والتخريبية والفوضوية في المطالب وندعو إلى تعزيز الحق المشروع في التعبير عن المطالب سلمياً، فلاشك أننا أيضاً يجب أن نضم صوتنا مع كل (مواطن أو مواطنة) صاحب (مطلب) اختار أسلوباً سلمياً، ونترك للمسئولين أسلوب التعاطي مع قضية كل واحد منهم وعدم إهمالها، ثم من حق المسئول التحقيق في ملف كل واحد منهم والوقوف على التفاصيل.

أود الإشارة هنا إلى أن أحد المواطنين، يريد إيصال قضيته إلى وزير الصحة بخصوص ابنته التي تخرجت حديثاً في الطب من إحدى الجامعات المصرية، ولأن ظروفها المرتبطة بمرض والدتها تمنعها من السفر لقضاء مدة عام التدريب بعد التخرج، فإنها تقدمت بطلب للسماح لها بالتدريب في مجمع السلمانية الطبي، وحصلت على وعد بأن يتم ترتيب ذلك خلال شهر يوليو/ تموز الماضي، ومر الشهر دون أن يتم إجراء ترتيبات التدريب لها في بلادها وفقاً لظروفها، وحتى الآن، فإن الأبواب مغلقة أمامها مع أن طلبها لا يعد من الطلبات المستعصية غير القابلة للتحقق، فهل ستبادر وزارة الصحة لإيجاد حل لها؟

لنعرج إلى قصة الجامعيين الثلاثة الذين بدأوا إضراباً مفتوحاً عن الطعام يوم الأربعاء الماضي أمام مبنى ديوان الخدمة المدنية في منطقة الجفير، وذلك احتجاجاً على السياسة التي يتخذها الديوان بعدم توفير وظائف مناسبة إليهم، حسبما قالوا، ولا أعتقد أن المسئولين بالديوان وعلى رأسهم رئيس الديوان أحمد الزايد، سيعجزون عن الالتقاء بأولئك الخريجين والنظر في شكواهم، فلا يوجد ما يمنع من حصول ذلك إطلاقاً، وخصوصاً أن المضربين الثلاثة أعلنوا أن رجال الأمن حاولوا ترتيب لقاء لهم مع أحد المسئولين، لكن المحاولة باءت بالفشل… لماذا؟ هذا سؤال نوجه للمسئولين بديوان الخدمة المدنية مع كامل احترامنا لهم.

ثم، لنأت إلى موضوع مهم أيضاً يتعلق بالجامعيين البحرينيين الذين دائماً ما نقول عنهم بأنهم (ثروة البلد)، فمصير 23 خريجاً وخريجة من تخصص الجغرافيا التطبيقية أصبح مجهولاً بعد صدور قرار إلغاء مركز البحرين للدراسات والبحوث، وإن أولئك الخريجين الذين يعملون في شركة «جيوماتك» التي تعتبر الذراع التجاري لمركز البحرين للدراسات والبحوث تسريحهم بات (مؤكداً) في ظل عدم شمولهم بقرار التعيين في وزارات ومؤسسات حكومية أخرى كونهم يعملون بعقود مؤقتة منذ ثلاثة أعوام.

ولو نظرنا إلى مطالب الخريجين، فقد أعلنوا أنهم لا يطالبون سوى بمساواتهم مع الموظفين الدائمين في الشركة والمركز من الذين تم توزيعهم على وزارات ومؤسسات الدولة، ولا أعتقد أن القائمين على برنامج توظيف الخريجين الجامعيين سيقفون مكتوفي الأيدي أمام هذه الكوادر الوطنية التي يجب أن تحظى بالتقدير والاهتمام، وما فعلوه، مع تعدد الأساليب واختلافها، يبقى حقاً مشروعاً كفلته الدولة لمواطنيها في إيصال أصواتهم إلى أكبر المسئولين… فلا بأس في ذلك. ونسأل الله عز وجل لهم التوفيق

سعيد محمد سعيد

أب كريم اسمه… عيسى قاسم

 

كنت أشق مع ولداي الطريق للوصول الى جامع الدراز… ولعل هبات باردة جميلة طيبة، بطيبة تراب مملكة البحرين الغالية، كانت تستقطب ولداي (محمد وعلي) وغيرهما الكثير من الصغار والناشئة والشباب، حتى لتجد الطابق العلوي من الجامع يعج بالعشرات، إن لم يكن بالمئات حتماً، من هذه الفئة… إنها الهبات الطيبة التي تنعش عقولهم وأفئدتهم تلك القادمة من أب كريم اسمه الشيخ عيسى بن أحمد قاسم.

من يريد أن يعيش هذه اللحظات على حقيقتها، فليس عصياً عليه أبداً أن يعيشها يوم غد الجمعة.

الشيخ يمثل في الحقيقة حالة بحرينية خالصة صادقة في خدمة الوطن، وأما من يقول غير ذلك، ممن ملأوا الصحف والخطب والمواقع الإلكترونية بالأكاذيب الحاقدة والافتراءات الفاسدة، فهم تماماً كأولئك الذين قالوا إن الخطر قادم قادم… حتى بعد أن يكتشف الناس أكاذيبهم وفساد أفكارهم يصرون على البقاء في موقع القابض على فساده ومرضه، ويلقي بالتهم تارة تلو الأخرى على الخارج، وانتماء الخارج وولاية الخارج، وتصبح لديهم الكلمة الخالصة لمصلحة البلاد وكأنها نذير حرب!

الشيخ قاسم… فقيه عالم عامل… أب عطوف كريم… ومواطن يدرك تماماً مسئوليته في خدمة وطنه وأهل وطنه، وهو يحمل هم الوطن والعمل على رفعة شأنه، ولهذا، حين يلتف حوله الناس، فإنه إنما يذكرهم بالوالد الراحل الشيخ عبدالأمير الجمري، رحمه الله، الذي قبل أن يكون قائداً محباً للوطن، كان أباً محباً لكل أبناء البحرين.

هذه الأدوار التي يلعبها العلماء الأفذاذ في البلد هي صمام الأمان، وحري بنا الإشارة إلى أن جلالة عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة، حفظه الله ورعاه، يحترم علماء البلد ويضع لهم مرتبة رفيعة المكانة، وحري بنا أيضاً الاقتداء بمنهج جلالته الذي يثمن مكانة العلماء ويقدر دورهم أيما تقدير، ولحظنا ذلك في أكثر من مشهد وموقف، كان من بينها زيارة جلالته للاطمئنان على صحة الشيخ قاسم في مرضه الأخير، ذلك لأن خطاب أولئك العلماء المعتدلين الصادقين المحبين للوطن، إنما هو خطاب بناء وتعمير ومحبة وتكافل… هؤلاء النموذج من العلماء، سنة كانوا أم شيعة، هم من يجدر بنا التمسك بمنهجهم لتحقيق مصلحة الوطن والمواطنين، واستشارتهم والاستماع إلى وجهات نظرهم كلما ألمت بنا ملمة، واخراس أصوات القبح التي ما أن تصمت حتى تعود من جديد لتبث السموم.

الشيخ الدرازي، وكل مخلص من علماء وشخصيات ووجهاء من كل نواحي البحرين، حين يقولون كلمة، فإنها صادقة خالصة للبلد وقيادة البلد وأهل البلد.

سعيد محمد سعيد

نزولاً إلى الشباب… صعوداً إلى الحكومة (4)

 

اختتمت عمود يوم الأحد الماضي بنتائج دراسة حديثة حول أسباب غياب مشاركة منظمات المجتمع المدني في صياغة أمن المجتمع البحريني، وطرحت هذا التساؤل: «هل في مقدور الحكومة والمجتمع المدني إنشاء جسور حقيقية بينهما تسهم في حفظ أمن المجتمع وتستوعب الشباب وتلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم وتفتح المجال للحوار البناء في شأن كل الملفات المهمة؟».

ولعل أبسط إجابة يمكن سوقها هنا هي أن عدم إفساح المجال من جانب الدولة للمجتمع المدني للمشاركة الفاعلة في ترسيخ الأمن والسلم الاجتماعي سيؤدي إلى تفاقم المشاكل مستقبلاً، ويتطلب ذلك إنشاء جسور التعاون بين الطرفين للتعاطي مع الملفات الأمنية المهمة، ومعالجتها وفق ما تتطلبه المعالجة… أمنياً إذا ما كانت المشكلة أمنية، وسياسياً إذا ما كانت المشكلة سياسية، وقس على ذلك سائر الملفات والقضايا طبقاً لمسبباتها وآثارها.

إن عدم وجود دور مؤثر لمنظمات المجتمع المدني على الساحة الأمنية له عواقب في غاية الخطورة، ودعونا نلقي نظرة على نتائج الدراسة التي أشرت إليها أعلاه، ففي الجانب المتعلق بكيفية مشاركة منظمات المجتمع المدني في تعزيز الأمن أشارت نسبة 44.4 في المئة من المبحوثين إلى حرص المجتمع المدني على المشاركة الديمقراطية لإنجاح المشروع الإصلاحي وتنمية الوطن، وقالت نسبة 29.6 في المئة بالتعاون مع الدولة في دراسة الظواهر والقضايا الاجتماعية والأمنية، أما من اختار (الكيفية) بقيام تلك المؤسسات بالأنشطة والفعاليات والتوعية لتحقيق المزيد من المكتسبات للسلم الاجتماعي فبلغت نسبتهم 26.0 في المئة.

أما من الذين رأوا أن المجتمع المدني ليس له أي دور في تعزيز الأمن، أرجع 62.4 في المئة من المبحوثين السبب إلى عدم إتاحة الفرصة لتلك المؤسسات لشراكة مجتمعية حقيقية مع وزارة الداخلية، بينما الذين أرجعوا السبب إلى أنها هي ذاتها لا ترغب في أن يكون لها دور وتكتفي بالعمل السياسي فبلغت نسبتهم 25.8 في المئة.

وأرجعت نسبة 11.8 في المئة السبب لاستمرار وجود ممارسات يمكن إدراجها ضمن ما يسمى بعقلية الحرس القديم.

ولعل من أهم التوصيات التي خرجت بها الدراسة هي تأسيس هيئة وطنية مستقلة تضم في عضويتها ممثلين عن الحكومة من جهة، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني لتطبيق مفهوم «الشراكة المجتمعية»، على أن تتولى هذه الهيئة مسئولية معالجة الظواهر المضرة بالأمن الوطني بكل حرية وموضوعية وتجرد، وبدعم كامل من الحكومة من خلال تشخيص الوضع الأمني وفق أسلوب علمي مدروس، وتصنيف الظواهر والقضايا الأمنية كل واحدة على حدة، والعمل على دراستها والبحث في أسبابها واقتراح سبل معالجتها، كما أن من التوصيات المهمة هي أن تتصدى الدولة للخطاب الديني والإعلامي المثير للعداء والطائفية والاحتراب بين أبناء المجتمع، وتطبيق القوانين على المتورطين وعدم التهاون معهم، ويشمل ذلك التصدي لظاهرة إصدار الكتب والمطبوعات السرية والتقارير ذات الانعكاس المدمر للوحدة الوطنية.

ومن الضروري، حسب التوصيات، أن تبادر الدولة والمجتمع المدني إلى كشف ممارسات التمييز والتصنيف المذهبي، وتجريم التشكيك في ولاء وانتماء المواطنين البحرينيين لبلادهم وقيادتهم، وإتاحة الفرصة لمنظمات المجتمع المدني والوجهاء وعلماء الدين للتواصل المنجز المدعوم من الدولة لتلبية احتياجات المواطنين، وإنشاء قنوات فاعلة لإنهاء المشاكل الأمنية والاجتماعية، والتصدي لممارسات ذوي النفوذ المتجاوزة لقوانين وأنظمة البلد.

سعيد محمد سعيد

نزولاً إلى الشباب… صعوداً إلى الحكومة (3)

 

سيكون مهماً تذكير القراء الكرام بما طرحه رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري في عموده المعنون بـ «النزول الى الشباب واجب على الجمعيات المؤثرة» يوم الأحد 20 يونيو/ حزيران الماضي حين كتب ما نصه: «ضحايا العنف هم أولاً الشباب الذين ينخرطون فيه، والمجتمع ثانياً، قبل أن تتضرر أجهزة الدولة… والتاريخ يشير إلى أن العنف نتائجه مدمرة لأنه لا يمكن الحفاظ على الحياة أو تسيير الشأن العام من خلال العنف، كما أن العنف لا يفرق في الأهداف عندما يتحرك على الشارع، ويختلط الصديق بالعدو، ولا تعلم فيما إذا تحقق أي هدف مشروع، لأن الحركة من خلال العنف لها منطق مختلف تماماً عن الحركة من خلال العمل السلمي المدني» (انتهى الاقتباس).

ولا أفشي سراً حينما أقول إن لقاءات ونقاشات كثيرة جمعتني مع بعض الشباب والصغار سواءً في مواقع التحريق من خلف لثامهم، أو من خلال اتصالاتهم بالصحيفة أو عرض وجهة نظرهم في لقاءات منزلية، لكن الشيء المؤسف في الأمر برمته أن بعض الصغار والمراهقين الملثمين يحفظون بضع عبارات أكبر منهم بكثير من قبيل التمييز والتجنيس السياسي والدفاع عن المظلومين… ولربما وجد بعضهم فرصته في الحديث عن (الفساد والتقرير المثير والاعتداءات على الطائفة والقمع والتعذيب) وعناوين أخرى كبيرة حفظوها عن ظهر قلب، دون أن يدركوا مخاطر فعالهم تلك بتدمير مناطقهم السكنية والتسبب في خلافات مع الأهالي وهذا ما حدث في كثير من المناطق، بل هذا ما دفع بعضهم لأن يتركوا هذا الأسلوب الذي وجدوا فيها ضرراً يفوق نفعه بكثير وإن دغدغت مشاعرهم ومسامعهم إشادات البطولة والنضال والتصفيق الكاذب.

على أنه في المقابل، يحتاج الكثير من الشباب الذين لا مناصّ من وجودهم في الساحة السياسية، إلى من يستمع لهم، لكن لن يكون ذلك من قبل الحكومة مباشرة… فلا يجب أن نتوقع أن يجلس ممثلون مع الحكومة مع شباب ملثمين للتفاوض مثلاً؟ لكن ما طرحه رئيس التحرير منصور الجمري بالنسبة لإلقاء اللائمة على الشخصيات والجمعيات السياسة ذات الأثر الكبير في الشارع هو لوم مقبول، فهؤلاء الشباب الذين ينشطون في حرق إطارات وأعمال أخرى هم جيل المستقبل، وإذا لم تستطع أن تصل إليهم الجمعيات المؤثرة اليوم فقد لا تستطيع أن تصل إليهم غداً عندما يصبح مثل هذا النشاط أمراً اعتادوا عليه بشكل روتيني وبصورة تمثل خطراً أكبر، بل ولربما تركوا الدراسة وحرموا أنفسهم من أية فرصة تتوافر أمامهم من أجل الانخراط في مثل هذه النشاطات.

ومع تكرار الرفض التام لكل أعمال العنف والعنف المضاد، فإنه ليس في وسعنا حرمان الشباب من التعبير عن آرائهم والمشاركة في الأنشطة المطلبية السلمية، لكن هناك حاجة لأن تنشئ الحكومة جسوراً مع منظمات المجتمع المدني للتباحث ضمن «شراكة مجتمعية حقيقية»، حول كل القضايا التي تترك آثاراً سلبية مدمرة في المجتمع.

بين يدي، دراسة حديثة حول أسباب غياب مشاركة منظمات المجتمع المدني في صياغة أمن المجتمع البحريني، تشير نتائجها الأولية إلى أنه في السؤال عن كيفية ضمان مشاركة حقيقية لمؤسسات المجتمع المدني في الحفاظ على أمن المجتمع، وهل هي من خلال: تطوير آليات التعاون بين تلك المؤسسات مع وزارة الداخلية، الدفاع، الأمن الوطني، أو من خلال تقديم الدعم المالي السخي لتلك المؤسسات، أو من خلال استحداث أنظمة وإجراءات قانونية تحفظ حقوق تلك المؤسسات في المشاركة، أو من خلال تشكيل مؤسسة غير حكومية مستقلة تعنى بالمشاركة في التنمية، أو كل ما ذكر، اختارت نسبة 47.8 في المئة (كل ما ذكر)، فيما اختارت نسبة 26.1 في المئة تطوير آليات التعاون بين تلك المؤسسات مع وزارة الداخلية، الدفاع، الأمن الوطني، أما بالنسبة لتقديم الدعم المالي السخي لتلك المؤسسات فكانت نسبة من اختار هذه الكيفية 14.1 في المئة، واختار 12.0 في المئة استحداث أنظمة وإجراءات قانونية تحفظ حقوق تلك المؤسسات في المشاركة.

والسؤال هو: «هل في مقدور الحكومة والمجتمع المدني إنشاء جسور حقيقية بينهما تسهم في حفظ أمن المجتمع وتستوعب الشباب وتلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم وتفتح المجال للحوار البناء في شأن كل الملفات المهمة؟»… يتبع

سعيد محمد سعيد

نزولاً إلى الشباب… صعوداً إلى الحكومة (2)

 

لست من الذين يضخمون الأمور تجاه الوضع الأمني في البلد، فينظرون إلى ظاهرة حرق الإطارات وحاويات القمامة على أنها (خطر مزلزل يهدد كيان الأمة)! أو يشيرون بذلك إلى أن الأمن في البحرين غير مستقر ومضطرب إلى الدرجة التي يمكن من خلالها التأثير على مختلف جوانب الحياة بشكل سلبي! إلا أنه من الأهمية بمكان أن تتضافر الجهود للتصدي لحوادث العنف التي ينتج عنها مصابون أو قتلى من أي طرف وهي الأخطر، مع الاعتبار لضرورة النظر في الملفات والقضايا المهمة التي تثير الشارع ومعالجتها ضمن إطار مشترك بين الحكومة والأطراف ذات العلاقة، سواء كانت موالاة أم معارضة.

لكن تبقى تلك الظاهرة من الظواهر السلبية المضرة بأمن المجتمع مهما كان حجمها، وإن اعتاد الناس عليها وأصبحت ضمن قائمة «مشاكل الإجازة الأسبوعية»، ثم هي في الواقع، أي الممارسات المحصورة في التعبير عن المطالب من خلال النار والعنف والتخريب، ليست هي السبيل النضالي المسدد لنيل الحقوق ولربما استفادت منها أطراف تريد إلحاق الضرر بأي حركة مطلبية، أو أي مبادرة بين الدولة والمجتمع لتحقيق تقدم.

قضيتان هما (كرزكان والمعامير)، صدرت أحكام ضد المتهمين فيهما بقتل الشرطي ماجد أصغر علي وشيخ رياض أججتا الوضع بشكل واضح، وأياً كانت ردود الفعل تجاههما، فلا يمكن إغفال الدور الذي يلعبه فريق الدفاع في متابعة القضايا، وكذلك دور الوجهاء والشخصيات المؤثرة بالإضافة إلى ما يتاح لذوي المتهمين وكذلك ذوي الضحايا من حقوق يمكن الاتفاق بشأنها مع الدولة تصل إلى حد التماس العفو من جلالة الملك.

وفي الواقع، لا يمكن اختزال مواقف المواطنين تجاه هاتين القضيتين في مسار واحد، فهناك طرف يدافع عن المتهمين ويطالب بتبرئتهم واعتبار الأحكام ذات عوامل سياسية وهذا حقهم، وهناك أيضاً طرف آخر يرى ضرورة تطبيق القانون على المدانين في قضايا القتل وإنصاف الضحايا وذويهم وهذا حقهم أيضاً، لكن لطالما كانت قضيتنا هي الشباب وحراكهم السياسي، فلابد من التفريق بين الحق في المطالبة وفقاً لما كفله القانون، وبين العبث الفوضوي، فهناك استمرارية للأنشطة المطلبية السلمية القوية من خلال المسيرات والاعتصامات التي رفعت مطالب بإيقاف التجنيس العشوائي ووقف الانتهاكات والتعذيب والقمع والمطالبة بحفظ أملاك الدولة وغيرها، وهي على قانونيتها وسلميتها، أقوى تأثيراً وحضوراً من مجرد حرق إطارات وحاويات قمامة، ولا يمكن الاستعاضة بالدخان كوسيلة للمطالب بدلاً عن المواقف المبدئية القوية في الأنشطة المتاحة، وهذا ما بدا في مسيرة يوم الجمعة الماضي المطالبة بوقف التجنيس السياسي وانتهت دون اندلاع مواجهات.

وستبقى فئة الشباب فئة محورية في الحراك السياسي، وأجد ما طرحه رئيس التحرير منصور الجمري في عموده يوم الأحد 20 يونيو/ حزيران الماضي جديراً بالتأمل من جانب الحكومة والمجتمع المدني، حيث أشار إلى الحاجة مرات ومرات إلى أن نعيد إلى الساحة السياسية الحديث عن ضرورة ترشيد الساحة لتوجيه الطاقات نحو العمل السلمي، والابتعاد عن أعمال العنف، التي تبدأ بحرق إطار وتمر عبر زجاجات المولوتوف ولا تتوقف عند حد. علينا أن نصل برسالة واضحة إلى الجميع بأن العنف لا يمكن أن يكون مفيداً لأحد، وأن ما يتحقق بسبب العنف إنما أمده قصير، ولكن عواقبه كبيرة… هذا إضافة إلى آثار العنف على الناس، وعلى الذين يتعودون عليه، وعلى الضحايا الذين ليس لهم علاقة بالحدث السياسي… وللحديث صلة.

سعيد محمد سعيد

نزولاً إلى الشباب… صعوداً إلى الحكومة (1)

 

كان مساء يوم أمس الأول الجمعة لطيفاً على رغم حرارة الجو وكثافة الرطوبة في قريتي العزيزة… البلاد القديم، حيث عاشت ليلة من الليالي المميزة في أيام المناسبات الدينية والناس في ذهاب وإياب… هنا، بعض الناس من مختلف مناطق البحرين يستفسرون عن الطريق الذي يقودهم إلى مجلس عزاء المرحوم والد الشيخ حمزة الحواج…

هناك… في المسافة الواقعة بين مأتم الجشي ومسجد السدر، مجموعة من الشباب والصغار يتحركون بابتساماتهم ليقدموا الضيافة للمارة في سياراتهم… نخي خباز.. بسكويت ومختلف الحلويات ومنها «اللقيمات» والعصير البارد… الأنوار الملونة الزاهية تضاعف من بهجة الفرحة فيما تصدح المدائح والأهازيج من مكبر الصوت فيتبادل الناس التهنئة بمناسبة ذكرى المبعث النبوي الشريف.

يقطع الناس مسافة لا تزيد على 300 متر، في المنطقة الواقعة بين مدرسة البلاد القديم الابتدائية للبنات ومسجد جمالة ليتفاجأوا بنحو عشرة من الشباب والصغار أيضاً، ولكن بالنار والحجارة وحاويات القمامة المحترقة وقطع الطوب والطابوق والأخشاب والحديد الملقى على الطريق… يضطرب الشارع فتهرب السيارات يميناً وشمالاً، ويقف البعض مكتوف الأيدي يشاهد ما يجري في قلب القرية المحتفلة على يد مجموعة من الشباب الملثمين، والله يلوم من يلوم ذلك الإنسان (لأنه) وقف مكتوف الأيدي ولم يتكلم أو ينصح الشباب… لأنه إن تكلم، فسيقع فيما لا يحمد عقباه، ولربما وجد نفسه مسجّىً في قسم العناية المركزة بضربة شديدة من يد ملثم مجهول، فمن لأسرته وعياله غير الله سبحانه وتعالى؟ وكفى بالله حسيباً.

يعبر الناس منطقة المشهد الملتهب، لتعود الحياة الطبيعية من جديد بالقرب من مأتم أنصار الحسين «ع»، حيث الناس تتبادل التهاني والتبريكات، وتنشط حركة المضيف بتوزيع المأكولات والحلويات على المارة… بضع أمتار بسيطة، وإذا بك تودع شارع «البلاد القديم» من أمام مدرسة الخميس الابتدائية للبنين ببعض حاويات القمامة المحترقة… وقطع الحديد والطابوق، مخفوراً بالسلامة.

ولو شئت أن تعود من جديد على ذات الطريق، وتصل إلى منطقة (المشهد الملتهب)، ستجد أن الحياة عادت إلى طبيعتها عندما قام الأهالي بمساعدة المارة بإبعاد الطابوق وحاويات القمامة والطوب، بعد أن مضى الملثمون إلى حال سبيلهم، فتشارك الأهالي في إزاحة ما خلفوه من (نضال)!

كل ذلك جرى في أقل من ساعة زمن على مسافة لا تزيد على كيلومتر واحد في قلب القرية… والسؤال هو: ما هو الهدف الذي أراد شباب «المشهد الملتهب» في تلك الليلة تحديداً تحقيقه؟ وهل يمكن أن تكون هذه الممارسة شكلاً من أشكال الاعتراض على الملفات العالقة كالقمع والحرمان من الحقوق والتجنيس واستخدام الشوزن والفساد وانتهاك الحقوق وما إلى ذلك من أمور معروفة مكررة لا يختلف اثنان على رفضها – بل وهناك إجماع على ضرورة وضع الحلول لها – كما لا يختلفان أيضاً على رفض العنف والتخريب وتعريض الممتلكات العامة والخاصة للتدمير وزج الشباب في دوامة خطيرة.

ليس هيناً إطلاقاً مناقشة وضع كهذا، لكن يمكن اعتبار ما تقدم بمثابة تمهيد لسلسلة سنتناول فيها الكثير من المشاهد المؤثرة سلباً على السلم الاجتماعي وما يتوجب فعله… يكون محورها الشباب والحكومة… الحكومة معروفة، لكن الطرف المهم – وهم الشباب – ليس محدداً! فهل هم المطالبون بحراك ومشاركة سياسية؟ أم هم الذين يشاركون في فعاليات المجتمع بقوة وحماس وتحرك سلمي؟ أم الذين يخربون ويحرقون لمجرد الحرق والتخريب – مهما كانت شعاراتهم – كشباب المشهد الملتهب وسط أجواء احتفالية دينية كريمة؟

سيكون مقام الحديث طويلاً..