سعيد محمد سعيد

«طبائع الاستبداد العربي المزمن»… كأكبر خطر لانعدام الاستقرار!

 

في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي 2010، أثار مركز الدراسات العربي الأوروبي، ومقره في العاصمة الفرنسية باريس، حواراً مفتوحاً حول كيفية تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، وطرحت آراء متنوعة مهمة، لكن تصدرتها الآراء التي أشارت الى الوجه القبيح لطبائع الاستبداد في الدول العربية كأكبر خطر لانعدام الاستقرار.

ويبدو أن الهم مشترك بالنسبة للمواطن العربي من المحيط الى الخليج! فهذا المواطن يرى أنه لا أمن ولا استقرار من دون ديمقراطية حقيقية وتعددية سياسية واحترام لحرية الرأي والتعبير بما لا يتنافى مع المصلحة العامة، ولهذا طرح عدد من الباحثين العرب مداخلات مهمة بالإشارة الى أن هناك حاجة لعمل جاد من أجل تطوير النظم السياسية بما يتناسب مع كل دولة على حدة، وبما يواكب تطلعات الشعوب وبما يسهم عملياً في توسيع دائرة المشاركة السياسية ويحقق مبدأ المواطنة المتساوية وتعزيز عمل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان.

وهناك مسارات أخرى يتوجب وضعها في الاعتبار، فهي على رغم أهميتها، تعتبر مهملة وغير ذات بال بالنسبة للكثير من الأنظمة العربية، وعلى رأسها تطوير اقتصاديات هذه البلدان بما يجعلها تتحول إلى مرحلة الانتاج الحقيقي وبما يضمن تشكيل البدائل الموضوعية للثروة النفطية، وكذلك تجفيف منابع الإرهاب بالنظر إلى أصوله وجذوره والتي منها الفساد والفقر والبطالة وموائل التطرف الديني وتعزيز ثقافة الانفتاح والاعتدال والوسطية ونبذ ثقافة الكراهية والقضاء على كل مايؤدي إلى تعزيزها وتناميها في الأوساط الاجتماعية.

وقد أثار النقاش حالاً من الاتفاق بين المشاركين على أهمية تطوير النظم القضائية بما يحقق العدالة والاحتكام للقانون المنصف ليكون مظلة للناس بدلاً من تراجعهم للنظم القبلية والأسرية والفئوية التي تكرس الانقسام في المجتمع، وتهدد التعايش والسلم الأهلي، ثم تطوير النظم الأمنية وتصحيح مسارها بما يكفل أن تكون حارسة للأوطان والشعوب لا مصدر إقلاق وترويع، وخصوصاً في الدول التي تحولت الى المنهج البوليسي المطلق في التعاطي مع مشاكلها.

أما الخطر المقلق الذي بدأت مؤشراته تظهر في العديد من الدول العربية، وينذر بعواقب وخيمة، فهو تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور من جهة، وانتشار البطالة بين الشباب من جهة أخرى، ولهذا، فلا مناص من أن تدرك كل الأنظمة بأن تحقيق الأمن والاستقرار لا يتأتى إلا في ظل إرساء الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية… لكن ما يثير القلق بدرجة أكبر، هو أن غالبية المشاركين الخليجيين والعرب أجمعوا على أن النتيجة الحتمية هي ظهور المزيد من الاضطرابات والصدامات والتوترات خلال السنوات القادمة، لأن الأنظمة العربية لن ولن تسمح بأن تغير طبائع الاستبداد.

سعيد محمد سعيد

سلامة المواطن…من الجلطة؟!

 

ضمن ردود الفعل على عمود يوم الخميس الماضي :»لبيك يا مواطن»، تواردت أفكار أكثر من قارئ كريم في استخدام ذات العبارة في وصف الحالة التي أصابتهم بعد الاطلاع على ما نشرته الصحافة المحلية من تفاصيل التجاوزات المالية المخيفة التي وردت في تقرير الرقابة المالية 2009، وهي عبارة: «تلك المعلومات رفعت ضغطنا وحرقت دماءنا والله ستر أننا لم نُصبْ بجلطة»، وفي هذا تعبير تلقائي عن مدى هول المفاجأة… وإن لم تكن مفاجأة.

والسبب في أن المعلومات التي وردت في التقرير الأخير لم تكن مفاجأة يعود إلى أنه في السنوات التي سبقته، صدمنا بالمعلومات ونتائج التدقيق التي قام بها ديوان الرقابة، والتي كشفت الكثير الكثير من التجاوزات في أكثر من جهاز حكومي، وتلاه تقرير السنة التي أعقبتها، والسنة التي أعقبت سابقتها وتوالت التقارير، لكن الصدمة بدأت تتوارى وتنخفض، فما الفائدة من أن ننصدم ثم ننصدم ثم ننصدم، ولا نجد ما يفيقنا من صدمتنا من خطوات تكشف للعلن، تقديم المتجاوزين ومن ثبت عليه عبثه بالمال العام إلى المساءلة القانونية! إنما تغير نوع الصدمة، ليتحول إلى الصدمة الشديدة من جراء (جرأة) المتجاوزين ومن خان الأمانة الوطنية في تجاوزاته واستمرارها… هذه هي الصدمة الحقيقية.

ردود القراء كانت غاضبة قطعاً… وهل ما تم كشفه من تجاوزات أصلاً يبعث على الفرح والسرور! اللهم إلا في حالة واحدة، وهي تشديد الرقابة وكشف المتلاعبين بالمال العام وتقديمهم إلى القضاء بلا رحمة، وهل يستحق من لم يحترم مسئوليته الوطنية ولم يحمل أمانته في حفظ أموال الدولة أي احترام أو رحمة؟

وعلى أي حال، فصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، أعلنها صريحة في أنه لن يتم السماح بأي تجاوز أو عبث بالأموال العامة، وأن التجاوزات لن تمر دون تحقيق ومساءلة إدارية وقانونية، وهذا ما طالب به سموه اللجنة الوزارية للشئون المالية والاقتصادية بعد دراسة كل الملاحظات والمخالفات التي أوردها ديوان الرقابة المالية والإدارية في تقريره عن الوزارات والأجهزة الحكومية الخاضعة لرقابته، وأن تقدم إلى مجلس الوزراء مرئياتها وتوصياتها بشأنها تمهيداً لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ودستورية.

ولدى المواطنين كل الحق في أن يعبروا عن حنقهم الشديد ورفع الصوت بالمطالبة بمحاسبة المتجاوزين، ففي الوقت الذي تجري المقارنات بكل سهولة ويسر على ألسنة المواطنين في شأن تعثر المشاريع الإسكانية وبطء التوجه لتحسين مستوى الأجور بل و(مرمطة) الناس على 50 ديناراً علاوة لم تعد تصلح لأن تسمى (علاوة معيشة الغلاء)، وتأخر الكثير من المشاريع الخدمية بسبب عدم توافر الموازنات المالية اللازمة، يصدر التقرير ليكشف هول الهدر والاستنزاف والعبث بالأموال العامة.

إن المتورطين، أياً كان موقعهم، لابد وأن يحصلوا على الجزاء الذي يستحقونه… فهذا الملف، ملف التجاوزات والفساد، واحد من أشد الملفات خطورة على الأوضاع في البلد… كل الأمل معقود في اللجنة المكلفة لتطبيق توجيهات سمو رئيس الوزراء على أرض الواقع، ونتمنى منها ألا تخذل (البحرين، قيادةً وحكومةً وشعباً)

سعيد محمد سعيد

لبيك يا مواطن!لبيك لبيك لبيك…

 

ربما يتذكر القارئ الكريم، أنني طرحت مقترحاً هاهنا ذات يوم، دعوت فيه من يرغب من المسئولين للمشاركة في مسيرة (لبيك يا مواطن)… كان ذلك في شهر أبريل/ نيسان من العام 2007، والآن، وبعد مرور 3 سنوات على المقترح، ربما أجدده اليوم داعياً الى المشاركة في تلك الفعالية (الوهمية)، لكن على الأقل، ولو من باب المصارحة مع الضمير.

الكثير من القضايا اليوم تجعل المواطن البحريني يخرج عن عقاله! وهو إن فعل، أو تحدث بكلمة تعكس ما يحمل من هموم وويلات… ربما اتهمه البعض بأنه يعادي الدولة ويحرض ضد ولاة الأمر ولربما قال عنه البعض أنه مدسوس وأنه مغرض دخيل… ذلك لأنه ربما… ربما عبر عن شيء بسيط من معاناته المعيشية.

في مقترحي الماضي، والذي أجدده اليوم للظروف المحيطة، وخصوصاً بعدما جعلنا تقرير الرقابة المالية (نتدحن قهراً) إلى حد الوجع، تمنيت أن ننظم مسيرة سلمية عظيمة مترامية الأطراف شعارها «لبيك يا مواطن»، بحيث يشارك فيها كبار المسئولين وموظفي الدولة فقط دون غيرهم، ويرددون شعارات تطالب المواطن البحريني بالصفح عن تقصيرهم، وترتفع هتافاتهم المناهضة لكل صور الفساد المالي والإداري والترهل في الأداء وسوء العاقبة بالنسبة لأولئك الذين لم يحترموا مسئوليتهم الوطنية في خدمة هذا المواطن المسكين.

(لبيك يا مواطن)… ربما يكون الشعار الأفضل… لأقوى فعالية سلمية مرخصة… وكما أشرت سابقاً، فلطالما أصبحنا نوصف بأننا شعب المسيرات، فلا ضير من أن تكون هناك مسيرات واعتصامات مضادة، لكن فيها فائدة على الأقل وفيها صراحة واعتراف بالتقصير وإعلان توبة! فالمواطن البحريني لا يريد أن يصبح مليونيراً حسب اعتقادي (بل حتى أن الغالبية العظمى من البحرينيين حين يدعون ربهم طلباً للمال يقولون بطرافة:يا الله بخمسين ألف دينار؟!)ولا أدري لماذا هذا المبلغ على وجه التحديد؟!فلا هو ينفع لشراء بيت ولا قطعة أرض، وليس في مقدوره أن يؤمن مستقبل وإن ضمن تغطية بعض المصاريف!أليس في هذا دليل على أن المواطن البحريني ليس طماعاً! أتمنى أن تدخل بعض التعديلات على هذه الدعوة بحيث تكون (على سبيل المثال):يا الله بخمسمئة ألف دينار أو نصف مليون اختصاراً! فلربما كانت الدعوة مستجابة، وحصل المراد وسعد الفؤاد… على أن تأتي من طريق الحلال فقط… وأما من يحاول أن يلف بذيله هنا أو هناك، فديوان الرقابة له بالمرصاد… لكن ماذا بعد (المرصاد)…هنا السؤال؟

سعيد محمد سعيد

استقبال العام الجديد بوجع لم يكن مفاجئاً!

 

كم كان بودِّنا كمواطنين ننتظر المفاجآت السارّة، أن نودّع العام 2010 ونستقبل العام الجديد 2011 بالأمنيات السعيدة والأخبار التي تشيع الفرحة والسرور في نفوس كل المواطنين… بل والمقيمين أيضاً في هذه البلاد الطيبة، لكن الألم (ألمَّ) بنا ونحن نطالع تفاصيل تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الأخير، وهو وجع لم يكن مفاجئاً لأن التقارير السنوية التي اعتدنا مطالعتها كشفت على مدى السنوات الماضية هذا الوجع دون علاج ناجع يريح الوطن من فيروسات فساد تنخر في جسده.

من حق كل الجهات التي شمل التقرير تجاوزاتها وفضائحها أن تنشط وتعكف وتشمّر عن سواعدها لنفي ما ورد في التقرير، وتصدح بأنشودة الأمانة الوطنية والحفاظ على المال العام وتقديم سيل من الدفوع والتبريرات و…و…، لكن الشجاع منها، والمخلص في حبه لوطنه، هو من سيعترف بأن أخطاءً جسيمةً وقعت، ولابد من تقديم كل من تجاوز حدوده وعبث بالمال العام إلى المساءلة القانونية والعدالة.

ومع أن الوجع ليس خافياً، لكن لا بأس من أن نستقبل العام الجديد بالدعاء إلى الله عز وجل لأن ينعم على بلادنا، ملكاً وحكومةً وشعباً، بالاستقرار والأمان والخير، وأن يكون عاماً مليئاً بالأخبار السعيدة وخصوصاً تلك المتعلقة بتحسين معيشة المواطنين في ظل توجس وقلق ما سيأتي من تحميل أثقال إضافية على عاتق المواطنين، غير أن هناك ما يتوجب قوله في شأن موقف الدولة من التجاوزات والمخالفات الفضائحية التي ضجّ بها تقرير الرقابة المالية والإدارية، فقد كلف سمو رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة (اللجنة الوزارية للشئون المالية والاقتصادية بدراسة كل الملاحظات والمخالفات التي أوردها التقرير عن الوزارات والأجهزة الحكومية الخاضعة لرقابته، وأن تقدم إلى مجلس الوزراء مرئياتها وتوصياتها بشأنها تمهيداً لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ودستورية تكفل الحفاظ على المال العام وحمايته من أي هدر وتلاعب)، وأن يكونوا على مستوى المسئولية (التاريخية) لترجمة ما قاله سمو رئيس الوزراء بعدم السماح (بأي تجاوز أو عبث بالأموال العامة، وإن التجاوزات لن تمر دون تحقيق ومساءلة إدارية وقانونية)، وننتظر من اللجنة الموقرة أن تضرب بيد من حديد كل من عبث بالمال العام عبثاً لا يتحمله قلب المواطن الذي ذاب فؤاده وهو يترقب الخدمات الإسكانية وعلاوة الغلاء وتحسين الأجور بلا طائل، في حين أن هناك من لعب بالمال العام دون أدنى مسئولية شرعية أو وطنية.

وبالنسبة للسادة النواب، فإن التقرير يمثل اختباراً حقيقياً لهم في مستهلّ دورتهم الجديدة، ولا يكفي أن تؤكد بعض الكتل على أن التقرير يؤكد (التخبط الحكومي في أغلب الوزارات ويؤشر إلى خلل في أغلب الوزارات وتجاوزات كبيرة في معظم الوزارات)، فهذه النتيجة هي النتيجة الأكبر التي توصّل إليها التقرير ولا تحتاج إلى كشف إضافي، بل والتقارير السابقة أيضاً، إلا أن المنتظر منهم أن يثبتوا للمواطنين أنهم لن يكتفوا بتشكيل لجان التحقيق والأسئلة التي تملأ صفحات الصحف، وأن يُحدثوا هزّة قوية تعيد حقوق الوطن والمواطنين إلى نصابها من خلال فضح الرؤوس الكبيرة التي نامت مستريحة وهي تعبث بالمال العام، أياً كان موقعها، من خلال التواصل مع اللجنة المكلفة وجمع المعلومات والتدقيق فيها وإعداد التقارير، وحتى يرتاح المواطن البحريني، ننتظر كشف كل الرؤوس التي تجاوزت حدودها كثيراً كثيراً… فهل سيشهد العام 2011 موجة حقيقية تجرف اللصوص؟

سعيد محمد سعيد

سجينات بحرينيات… أخطأن وينتظرن المكرمة!

 

في تفاصيل الرسالة التي تسلمتها من أهالي عدد من السجينات البحرينيات بمركز التأهيل والإصلاح بمدينة عيسى، تنتظر السجينات مكرمة ملكية سامية بالعفو، مع اعترافهن بأنهن أخطأن في حق أنفسهن وعائلاتهن وأبنائهن، ولكن ننشر الرسالة كما وردت على لسان السجينات.

وقبل ذلك، لابد من الإشادة باللقاء المهم الذي عقد حديثاً بين وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة مع وفد المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بشأن الزيارة التفقدية التي قام بها وفد من المؤسسة الى مركز الإصلاح والتأهيل، فهذا اللقاء يؤكد الرغبة في تحسين أوضاع النزلاء من الجنسين، وخصوصاً أن اللقاء أكد مبدأ الانفتاح والتواصل والحوار مع الجميع من أجل صون الحريات وضمان حقوق الإنسان، وهذا هو المنهج الذي نأمله من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في مختلف القضايا والملفات.

في رسالتهن، ناشدت السجينات القيادة الرشيدة بإدخال الفرحة في بيوتهن، بالعفو عنهن، ويقلن في رسالتهن: «لا نخفي اعترافنا بأخطائنا في حق أنفسنا وعائلاتنا وأبنائنا، ونحن الآن نقضي مدداً متفاوتةً من أحكام السجن، لكننا ندرك حرص قيادتنا على استقرار أسرنا وإعادة إدماجنا في المجتمع وعودتنا الى أهلنا وأبنائنا».

وتواصل السجينات: «نحن نعلم جميعاً مدى حرص القيادة الرشيدة على أبناء المملكة من خلال المكرمات التي لا يمكن ان تمحى من ذاكرة كل بحريني، وخصوصاً تلك المكرمات التي مثلت عرساً بحرينياً للبلد وأهلها حين مددتم أياديكم البيضاء بالعفو عن المسجونين، والتي انعكست على وجوه أبناء البحرين من جميع الأعمار وزينت الفرحة شوارع البحرين وأزقتها وبيوت العوائل البحرينية، فحين نتذكر ذلك، نأمل في مكرمة من هذه المكارم للعفو عنا وإنهاء معاناتنا، ومنحنا الفرصة للتكفير عن أخطائنا وبدء حياة جديدة أفضل من السابق لخدمة وطننا وأهلنا».

بناتكم وأخواتكم: سجينات مركز الإصلاح والتأهيل – مدينة عيسى

@@@

في رسالة السجينات كما بدا من مضمونها، اعتراف بأنهن أخطأن، وهن يقضين الآن فترة العقوبة، ويشعرن بالندم على ما فعلنه، لكن الأمل دائماً في الله سبحانه وتعالى وفي القيادة الرشيدة، ومن خلال منهج وزارة الداخلية في الإصلاح والتأهيل لمنح كل من أخطأ الفرصة للعودة الى الحياة الطبيعية والاندماج في المجتمع من جديد.

سعيد محمد سعيد

حتى لا يعيش أصحاب «الفساد» بأمان

 

كلما وجد أولئك الذين تسول لهم أنفسهم بأن يمارسوا «الفساد» دون اكتراث أو مبالاة بقوانين أو بأنظمة أو بشرع في أمان وطمأنينة… كلما زاد نخرهم في مفاصل المجتمع، وكلما شكلوا تهديداً حقيقياً للتنمية… لكن مواجهة الفساد تتطلب حزماً وحسماً في توجيه ضربات قاضية للمفسدين أياً كان موقعهم في الدولة.

المجتمع البحريني اليوم في حاجة ماسة لأن تتكاتف جهود الدولة ومنظمات المجتمع المدني في مواجهة الفساد والمفسدين، وجميل أن تحتفل البحرين في التاسع من شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام باليوم العالمي لمكافحة الفساد، والأجمل أن يكون هذا الاحتفال السنوي منطلقاً متجدداً لمكافحة شديدة البأس لا ترحم أولئك الذين يخونون الأمانة ويعبثون بالمال العام ويحققون المكاسب المحرّمة شرعاً وقانوناً، وجميل أن تأتي الدعوة من وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بأن تتعاون منظمات المجتمع المدني مع الوزارة في مكافحة الفساد بكل أشكاله، وهذا يتطلب من الطرفين: الوزارة ومنظمات المجتمع المدني، أن يعملوا وفق برنامج عمل متفق عليه لمكافحة جميع أشكال الفساد بالوسائل القانونية في الكشف والمتابعة وتقديم المتورطين إلى العدالة.

إن الاتفاق على الخطوط العامة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني في البحرين لتحقيق تقدم في مواجهة الفساد والمفسدين سيثمر دون شك بتوجيه ضربات موجعة لنماذج سيئة للغاية من البشر الجشعين الذين يمارسون الفساد دون مبالاة ولا خوف ذلك لأنهم كلما شعروا بأنهم في مأمن، كلما واصلوا نخرهم في جسد تنمية الوطن، لكن لابد من القول إننا في حاجة إلى مواجهة حقيقية تترجم كل الدعوات المشتركة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني إلى خطوات عملية تحظى بدعم الدولة والقانون، ولطالما أن هناك توافقاً بين الطرفين في تنظيف البلد من الفساد، فإن أي معوقات تواجه المسار يمكن تجاوزها ويمكن العمل على تلافيها.

ولابد من أن يتم تفعيل الخط الوطني الساخن لتلقي الشكاوى والملاحظات المتعلقة بحالات الفساد لمتابعتها والتأكد من حدوثها واتخاذ الإجراءات المناسبة بصددها، وهي نقطة مهمة للغاية أشار إليها معالي وزير الداخلية في تصريحه بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد، لأن هذه الخدمة ستشجع الناس على فضح ممارسات الفساد على ألا يتم إهمالها أو تغافلها، وهنا تبرز المسئولية الوطنية الصادقة في عدم التستر على حالات الفساد في أي جهاز أو مرفق من مرافق الدولة بدافع الخوف أو اللامبالاة، فالمفسدون موجودون في كل المجتمعات ويتكاثرون كلما شعروا بالأمان، ونتمنى أن يكون هذا التوجه المدعوم من قبل وزارة الداخلية مكللاً بالنجاح، وأن تحظى منظمات المجتمع المدني في البحرين بالدعم لإنجاح جهودها الرامية إلى التصدي لممارسة من أكثر الممارسات تأثيراً وقتلاً للتنمية في أي مجتمع

سعيد محمد سعيد

عفواً يا شيخ زمان… خطابك كان قاسياً!

 

هذه هي الحلقة الأخيرة من سلسلة (في رحاب الحسين «ع»)، ألتمس فيها من القراء الكرام – بدايةً – أن أشير إلى عدة نقاط قبل الدخول في صلب الموضوع الذي أثاره الخطيب الحسيني الشيخ زمان الحسناوي النجفي ليلة التاسع من المحرم بمأتم الدارة في البلاد القديم لما له من أهمية، ولما خلفه من نقاش بين الحضور وخصوصاً المنصفين منهم.

من هذه النقاط، توجيه الشكر الجزيل إلى القيادة الرشيدة على ما قدمته من تسهيلات وخدمات طيلة عشرة الذكرى الأليمة، وخصوصاً فيما يتعلق بتغيير مواعيد احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد وعيد جلوس جلالة الملك التي تزامنت هذا العام مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين «ع»، وإن دل ذلك على شيء، إنما يدل على حقيقة الاحترام الكبير لهذه الذكرى بين أهل البحرين، قيادةً وحكومةً وشعباً، ومهما كانت القضايا الخلافية والملفات المؤرقة التي يعاني منها المجتمع البحريني، إلا أن ما قدمته الدولة من خدمات يستحق الشكر، وإن كانت هناك ثمة تجاوزات أو استفزاز أو ممارسة خاطئة حدثت فعلاً، فمن المهم أن نؤكد على ضرورة أن تزال تلك الصور المرفوضة أياً كان الطرف المتسبب فيها ومساءلته بالقانون.

ومن النقاط التي أود الإشارة إليها، توجيه الشكر والتقدير لكل القراء الكرام الذين تفاعلوا مع السلسلة وأفادوني كثيراً بملاحظات ووجهات نظر تصب في جوهر قضية الحسين «ع» كقضية يستمر إسقاطها المؤثر في الضمير الإنساني انطلاقاً من الدين الإسلامي ورسالته العظيمة في كل زمان ومكان، والشكر موصول إلى كل الخطباء والمشايخ واللجان التي أشرفت على الفعاليات الحضارية الرائعة التي تعكس مكانة الذكرى وإلى كل المعزين.

وعودةً إلى العنوان: «عفواً يا شيخ زمان… خطابك كان قاسياً»، فإنني أود التأكيد على أن القسوة المشار إليها ما هي إلا (قسوةً محمودةً)! كيف؟ إن الموضوع الذي طرحه الشيخ زمان الحسناوي من الجرأة بحيث انتقد بكل صراحة الممارسات المنتشرة بين شريحة كبيرة من الشباب الذين يسلمون عقولهم للتبعية دون إعمال للعقل، ودون سعي للتعلم واستخدام منهج البحث العلمي، بحيث يضعون في رؤوسهم تبعية لأشخاص وتيارات وأفكار ليستخدموها في إثارة العداوة والبغضاء والتناحر المخالف للشرع والأخلاق والفطرة السوية بين بعضهم البعض، ولم يكن الشيخ زمان مخطئاً حين أشار إلى ما فعله أحدهم حين اختلف معه في معلومة معينة فراح ذلك الشاب يرسل الرسائل الهاتفية إلى مجموعة من معارفه يؤلب فيها المواقف ضد الشيخ، وتقوم تلك المجموعة دون تفكر، بإرسالها إلى مجموعة أخرى لتكبر مجموعة «الأغبياء»… وللأسف الشديد، هذا السلوك منتشر بدرجة كبيرة في المجتمع البحريني ولا يمكن تجاهله أو إنكاره.

فليكن خطاب الشيخ زمان قاسياً، وكم نحتاج إلى خطابات تتميز (بالقسوة المحمودة) للتصدي للأفكار المنحرفة وخصوصاً تلك المنتشرة بين الشباب، وحريٌ الإشارة إلى أن من أهم ما لفت إليه الشيخ في خطابه هو أن الأصل مناقشة فكرة الشخص، وليس النيل من الشخص! فمناقشة الفكرة شيء، والهجوم على صاحبها والنيل منه والإساءة إليه شيء آخر.

إن ذكرى عاشوراء الحسين «ع» كما أسلفت في الحلقات الماضية، هي ذكرى لبناء شخصية الإنسان المسلم ضمن منظومة التعاليم والقيم والمبادئ الإسلامية الحنيفة، وليس ميداناً لإثارة الأحقاد والعداوات، واليوم، وبعد ختام الموسم، حريٌ بكل واحد منا أن يجلس بينه وبين نفسه ويجيب على سؤال مهم: «هل أنا ممن يحملون مبادئ النهضة الحسينية فكرةً وتطبيقاً وأخلاقاً وعلماً وعملاً ينبض بالضمير الإسلامي الحي؟ أم من الذين (على قلوبهم) أقفالها؟».

نسأل الله أن يعيد علينا هذه الذكرى العظيمة في خير وعافية فنحييها بقلوب ملؤها الالتزام بالدين الإسلامي الحنيف كأهم هدف من أهداف النهضة الحسينية، ويحفظ بلادنا الغالية من كل مكروه، ويعيد أيامنا الوطنية والبحرين في تطور وسلام وأمن وأمان… اللهم آمين

سعيد محمد سعيد

في رحاب الحسين «ع» (4)

 

بين يوم العاشر من العام 61 للهجرة ويوم العاشر من العام 1432 الجاري فارق زمني قدره 1370 عاماً… ترى، كيف يمكن توظيف نهضة الإمام الحسين (ع) ومبادئها الإسلامية والإنسانية الرفيعة لإسقاطها على وقتنا المعاصر؟ وهل من المنطقي القول، كما يحلو للبعض أن يثير، أنه من الخطأ والشرك وفساد العقيدة أن يستمر إحياء ذكرى عاشوراء؟ وهل إحياء عاشوراء هو للطم والبكاء والنحيب فحسب وإثارة العداوات والحزازيات بين أبناء الأمة – كما يؤمن أصحاب النظرة الأحادية ومؤيدي الخط الأموي – أم أنها نهضة متجددة لها بعدها الديني والاجتماعي والوطني والإنساني؟ لعلني أوفق للإجابة على تساؤلات كثيرة من خلال هذه السلسلة.

@@@

عبارة رائعة تلك التي كتبها الأديب المصري الراحل عبدالرحمن الشرقاوي رحمه الله، في مقدمة الإهداء لمسرحيته: «الحسين ثائراً وشهيداً»، والتي قال فيها: «إلى ذكرى أمي التي علمتني منذ طفولتي أن أحب الحسين (عليه السلام)، ذلك الحب الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً للعدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص».

ولعلني أخالف الذين يقولون أنكم تسعدون بمقولة (هندوسي) وترفعونها كشعار، وهم يقصدون بذلك (غاندي) محرر الهند، فما المانع من أن يكون هندوسياً يستمد أفكاره من الإسلام؟ أليس أفضل من مسلم يحمل معاول الهدم والتفرقة وإثارة النزعات الطائفية؟ هو أفضل بكثير من أولئك الذين يدّعون الإسلام ويكفِّرون غيرهم من الطوائف الإسلام، فخسئوا.

غاندي في كتابه (قصة تجاربي مع الحقيقة) لم يدّع ِ كذباً بل قال: «أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلستُ أعرف كثيراً عن الهندوسية، وإني أعتزم أن أقوم بدراسة دقيقة لديانتي نفسها وبدراسة سائر الأديان على قدر طاقتي… لقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني كنت أطمع في أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين…» وبعد دراسة عميقة لسائر الأديان عرف الإسلام من خلال شخصية الإمام الحسين وخاطب الشعب الهندي بالقول المأثور: «على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالإمام الحسين»، وهكذا تأثر محرر الهند بشخصية الإمام الحسين تأثراً حقيقياً وعرف أن الإمام الحسين مدرسة الحياة الكريمة ورمز المسلم القرآني وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق… وقد ركّز غاندي في قوله على مظلومية الإمام الحسين بقوله: «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر».

وواقعاً، كل أبناء الأمة الإسلامية يحتاجون إلى استلهام مبادئ نهضة الإمام الحسين (ع) كونها امتداد لتعاليم الإسلام العظيم الذي جاء به جده المصطفى صلى الله عليه وآله الطاهرين المعصومين وصحبه الكرام المنتجبين، وهذه الحاجة تنطلق من المنابر الدينية المتزنة في إحيائها لسيرة الإمام (ع) ونهضته المباركة، بحيث تجمع هذه المنابر أبناء الوطن وأبناء الأمة في مسار من التجديد الفكري والثقافي والاجتماعي وكذلك السياسي… نعم، الجانب السياسي ركن مهم من أركان نهضة الإمام، ودون شك، كان انطلاق النهضة مؤسس على وضع ديني وسياسي أيضاً في أواخر العام 60 للهجرة، ولهذا، حين يتناول المنبر الحسيني القضايا السياسية المعاصرة، فإن المسئولية تتعاظم هنا لطرح ومعالجة قضايا سياسية تحت عنوان مصلحة الوطن والأمة، وليس من أجل التحريض والإثارة وإشعال الخلافات الطائفية واستحضار النزاعات التاريخية وملء رؤوس الناس بها بحيث يخرجون من مجلسهم وهم في حيرة من أمرهم! فلا الخطاب المحرّض والعدائي والتفتيتي له علاقة بنهضة الإمام بأبي وأمي، ولا الخطاب الطائفي المليء بالاتهامات بالشرك وفساد العقيدة ودعوات القتل وسفك الدماء له علاقة بالدين القويم.

ثم لابد من القول أن (تقزيم النظرة) إلى مبادئ النهضة الحسينية العظيمة وحصرها في (اللطم والبكاء وإسالة الدماء)، واعتماد الخطب والمحاضرات المليئة بالخزعبلات والإضافات المزيفة والكذب والتزوير، ما هو إلا شكل من الأشكال المفزعة لتفريغ إحياء الذكرى من المحتوى الديني الكريم والبناء الفكري والعلمي، فلسنا في حاجة إلى أناس تبكي وتلطم وتسيل الدماء فقط، وهم على مبعدة من الخلق الإسلامي والالتزام العبادي، بل نحتاج إلى من ينتهزون هذه الفرصة السنوية لإعادة تقييم ذواتهم وبناء شخصياتهم من خلال العطاء العلمي والاجتماعي والإنساني، مع الاعتبار للمشاركة من أجل نيل الثواب في المجالس الحسينية ومواكب العزاء، ليصبحوا – انطلاقاً من المبادئ الحسينية ذاتها – قادرين على امتثال التأثير الحقيقي لتعاليم الدين الإسلامي المكونة لنهضة الإمام الحسين (ع)… وللحديث صلة أيضاً.

سعيد محمد سعيد

في رحاب الحسين «ع» (3)

 

بين يوم العاشر من العام 61 للهجرة ويوم العاشر من العام 1432 الجاري فارق زمني قدره 1370 عاماً…ترى، كيف يمكن توظيف نهضة الإمام الحسين عليه السلام ومبادئها الإسلامية والإنسانية الرفيعة لإسقاطها على وقتنا المعاصر؟ وهل من المنطقي القول، كما يحلو للبعض أن يثير، أنه من الخطأ والشرك وفساد العقيدة أن يستمر إحياء ذكرى عاشوراء؟ وهل إحياء عاشوراء هو للطم والبكاء والنحيب فحسب وإثارة العداوات والحزازيات بين أبناء الأمة – كما يؤمن أصحاب النظرة الأحادية ومؤيدي الخط الأموي – أم أنها نهضة متجددة لها بعدها الديني والاجتماعي والوطني والإنساني؟ لعلني أوفق للإجابة على تساؤلات كثيرة من خلال هذه السلسلة.

@@@

من بين علماء المسلمين الذين حملوا مسئولية شرح أهداف النهضة الحسينية والسر في بقائها واستمرارها حية في قلوب بني الإسلام الأحقاء، هو الشيخ جمال الدين الأفغاني رحمه الله، الذي اختزل في عبارة قصيرة كبيرة (السر الكبير) في الجذوة المشتعلة للمبادئ الحسينية، ذلك لأنها استمدت – على الدوام – روحها من روح الإسلام العظيم حين قال: «الإسلام، محمدي النشأة والأصل… حسيني البقاء والاستمرار»، ولو استعرضنا آراء علماء المسلمين المعتدلين ذوي المسئولية الشرعية النقية في (تقديس) النهضة الحسينية، لتطلب منا ذلك فصولاً طويلة.

إن أولئك العلماء، قبل غيرهم من أتباع الديانات الأخرى طبعاً، كانوا ينظرون إلى جوهر النهضة الحسينية وأبعادها التأثيرية في إعادة الحيوية الإيمانية إلى نفوس المسلمين، وليس إلى ما يحاط بها اليوم من ممارسات وآراء مختلفة بعضها من سخافتها، وصل إلى حد اعتبارها خروجاً على ولاة الأمر، وأن الحسين «ع» خرج عن حدّه ليقتل بسيف جدّه، وربما كان ذلك (البعض) يتمايل ظفراً حين تتنامى إلى مسامعه أصوات التكبير التي نقلها التاريخ… فقتلة الحسين «ع» كانوا يكبرون لأنهم قتلوا حفيد النبي محمد «ص» حتى قال الشاعر خالد بن معدان (وقيل الشاعر الكميت بن زيد):

جاؤُوا بِرَأْسِكَ يا بْنَ بِنْتِ مُحَمّدٍ

مُــتَــزَمِّــلاً بِــدِمــائِـه تـزمـيـلا

ويُـكَـبِّـرونَ بِـأَنْ قُـتِـلْـتَ وإنّـمـا

قَـتَـلـوا بـِـكَ الـتّـكْبيـرَ والتّهْليـلا

أخطر ما يخيف المناوئين للمد التأثيري لمبادئ الإمام الحسين (ع) في حياة الأمة، هي تلك الديناميكية التي تعيد بني الإسلام إلى امتثال التعاليم الإسلامية، ولا أدل على ذلك من أن كل الحملات التشويهية التي كانت ولاتزال تستهدف عاشوراء الحسين «ع» تسقط الواحدة تلو الأخرى، وتتبعها رغم ذلك، حملات أخرى يعلم أصحابها أنهم ساقطون لا محالة وفاشلون! فكيف يستطيع أولئك النفر من حجب أساس النهضة الحسينية التي نكرّرها في عبارته عليه السلام: «وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنما خرجت لطلب (الإصلاح في أمة جدي) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»، لهذا، كان المد الإلهي السماوي هو الحافظ والضامن لبقاء مبادئ الحسين (ع) الذي قال عنه جده المصطفى (ص): «حسين مني وأنا من حسين… أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً».

ليس مهماً أبداً الاستمرار في توجيه الاتهامات المبرمجة للإحياء العاشورائي بأنه: «شرك أكبر بعبادة الحسين (ع) دون الله والتوجه له بالدعاء، ذلك أن الله سبحانه وتعالى بارك هذه النهضة لأنها قدمت الدماء لرفع راية الإسلام ولتعلو في وجه الطواغيت والمفسدين والمارقين! أو أن هناك من يحج إلى كربلاء عوضاً عن الكعبة المشرفة، أو أن هناك من يرفع اللوحات التي تدّعي أنها صوراً للإمام الحسين (ع) أو لأئمة أهل البيت عليهم السلام (أنا شخصياً ضد تلك الصور وضد من يقدسها وضد من يروّج لها وضد من يرفعها في المآتم ومواكب العزاء)»، المهم يا سادتي الكرام، أن يغوص كل مسلم في التبحث العميق في مضامين وأهداف النهضة الحسينية، وليس فيما يقوم به الناس من إحياء… فالممارسات الدخيلة في الشعائر مآلها الفناء، لكن الذكرى باقية إلى أبد الآبدين.

وسنكمل الحديث معاً أيها الأحبة في رحاب الإمام الحسين (ع).

سعيد محمد سعيد

في رحاب الحسين «ع» (2)

 

بين يوم العاشر من العام 61 للهجرة ويوم العاشر من العام 1432 الحالي فارق زمني قدره 1370 عاماً… ترى، كيف يمكن توظيف نهضة الإمام الحسين (ع) ومبادئها الإسلامية والإنسانية الرفيعة لإسقاطها على وقتنا المعاصر؟ وهل من المنطقي القول، كما يحلو للبعض أن يثير، إنه من الخطأ والشرك وفساد العقيدة أن يستمر إحياء ذكرى عاشوراء؟ وهل إحياء عاشوراء هو للطم والبكاء والنحيب فحسب وإثارة العداوات والحزازيات بين أبناء الأمة – كما يؤمن أصحاب النظرة الأحادية ومؤيدي الخط الأموي – أم أنها نهضة متجددة لها بعدها الديني والاجتماعي والوطني والإنساني؟ لعلني أوفق للإجابة على تساؤلات كثيرة من خلال هذه السلسلة. اختتمت الحلقة الأولى من السلسلة يوم الخميس الماضي بسؤال وهو: «ما مدى حاجة الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر لاستلهام مبادئ النهضة الحسينية كامتداد لتعاليم الإسلام؟».

وقبل أن ندخل معاً في نقاش اليوم، أود تقدير كل القراء الكرام الذين تجاوبوا مع الموضوع الأول، من الطائفتين الكريمتين في الحقيقة، والذين أبدوا جميعاً ثقافة إسلامية عالية في التعاطي مع الحسين (ع) كقضية لها ارتباطها بالدين الإسلامي من كل الجهات ولا يميتها الزمن، لكن بالنسبة للقراء الذين طلبوا أن أتحدث صراحة عما يشوب إحياء ذكرى عاشوراء من شوائب يتوجب التركيز عليها صراحةً ودون مجاملة أو محاباة، فإنني سأذكرها تحت ثلاثة عناوين.

العنوان الأول: من بين أهم الجوانب السلبية الواجب تلافيها من الخطباء أنفسهم، الاستعداد العلمي والبحثي والفقهي والقدرة على اختيار عناوين المحاضرات ذات التأثير الإيجابي، ولله الحمد، هناك الكثير من الخطباء من بدأ ينتهج هذا النهج، أما العنوان الثاني: فهو موجه لأولياء الأمور من آباء وأمهات، وباختصار: ليس من المعقول أن تخرج الفتاة الشابة أو الشاب للمآتم الحسينية ومواكب العزاء وكأنهم سيشاركون في عروض أزياء (سخيفة) وذووهم لا يرونهم أو لا يعلمون بما يلبسون من ملابس وأزياء لا تناسب الذكرى؟!

العنوان الثالث: يختصر الكثير من النقاط، ومنها الحذر من الخلافات والدسائس بين المسئولين في المآتم والقائمين على مواكب العزاء ليثيروا المشاكل دون داع ٍوكذلك الحال بالنسبة للمعزين، ومنها أيضاً حث الناس على احترام الأنظمة والابتعاد عن الفوضى والتعاون المثمر بين الجميع حتى على مستوى النظافة. وقد يصرّ بعض الأخوة على أهمية انتقاد الخطاب الديني الطائفي، وقد تحدثت صراحة مع بعضهم في شأن عنوان: «شتم الصحابة وأمهات المؤمنين وغرس العداء لأهل السنة والجماعة كما يزعمون»، وأود التذكير بأنني في العام الماضي طرحت موضوعاً طلبت فيه من الأخوة التقدم بشكاوى ضد خطباء البحرين الذين يثبت عليهم شتم الصحابة وإثارة العداوات بالأدلة من خلال التسجيل الصوتي أو المرئي، وسأقوم بنشرها، فلم يبادر أي أحد! اللهم من بعض الأخوة الذين أرسلوا تسجيلات لخطباء من خارج البحرين! وكأن على قلوب أقفالها… نتحدث عن المجتمع البحريني فأستلم مقاطع لخطباء من خارج البحرين! والجواب لدى أولئك مشترك: «الشيعة كلهم على ذات المنهج»! فأي عقلية تلك؟

إنه لمن الجميل الإشادة بشعار عاشوراء البحرين لهذا العام: «حسينيون… قرآنيون»، فالمنبر الحسيني الأصيل بعيد كل البعد عن الإثارات السياسية السمجة، وعليه تقع مسئوليات طرح قضايا البلد والأمة بدرجة أكبر بكثير من عناوين شتم الصحابة وإثارة العداوات والتحريض على الكراهية… إن المنبر الحسيني مصدر إشعاع حقيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشيخ محمد علي المحفوظ – المأتم الشرقي بالدراز)، وهو أيضاً محرك للرقي بالقيم الدينية والإنسانية قبال الفساد الانحطاط (الشيخ محمد الشيخ – مأتم الحاج علي خميس في البلاد القديم)، وهو يمثل أيضاً ركناً أساسياً من أركان البحث العلمي (السيد ياسر الساري – مأتم الشيخ حسن زين الدين بجدحفص)، وهو مناسبة لربط نهضة الإمام الحسين «ع» بالقرآن الكريم (الشيخ زمان الحسناوي – مأتم الدارة في البلاد القديم)… سنكمل الحديث بعون الله