سعيد محمد سعيد

البحرين عزيزة… دماء أهلها عزيزة أيضاً!

 

يبدو أنه يتوجب على بعض زملائنا الإعلاميين الأفاضل، وخصوصاً في تلفزيون البحرين، التريث ووزن ما يقولون وما ينقلون من كلام يسيء أكثر ما يطيب، ويفرق أكثر مما يجمع واللبيب بالإشارة يفهم… ففي الوقت الذي يسمع فيه شعب البحرين أجمل كلمات التواضع والقرب من الناس من جلالة الملك حفظه الله، ويجدون فيه موقفاً مواكباً للحوادث للتحقيق في أسباب وفاة شابين واعتذار (شجاع) من قبل وزير الداخلية، وتصريح مهم لنائب رئيس مجلس الوزراء رئيس اللجنة الخاصة للتحقيق، نجد بعض الزملاء وضيوفهم وقد خلطوا الحابل بالنابل والأسود بالأبيض… وليسمح لي القارئ الكريم أن انتقل معه الى عدة مشاهد بعد هذه المقدمة:

* المشهد الأول: يوم الأحد الثالث عشر من شهر فبراير/ شباط الجاري، كانت المشاعر والآراء من قبل عدد من المسئولين والمواطنين من القراء الذين تفاعلوا مع ما كتبته هنا تحت عنوان: «أحضان البحرين المفتوحة بالخير»، فالكل كان متفقاً على أننا قادرون على تجاوز الأزمات والمحن، وإزالة الاحتقان الذي تشهده البلاد بالعودة الى أجواء الميثاق في العام 2001 وفتح قنوات الحوار ومنح الرموز الدينية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني دورهم في صياغة الحلول للخروج من هذا الاحتقان.

*المشهد الثاني: مساء يوم الإثنين كان مساءً حزيناً ومقلقاً ومخيباً للآمال في آن واحد! صبيحة ذلك اليوم، وهي الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني، كانت هادئة أما فترة العصر فقد شهدت الكثير من المسيرات السلمية (وإن كانت غير مرخصة) للمطالبة بإصلاحات سياسية كفلها الدستور شهدت مصادمات عنيفة في عدد من مناطق البلاد، والمحذور الأخطر في ذلك اليوم هو سقوط أحد أبناء البلاد الشاب علي عبدالهادي المشيمع وإصابة الكثيرين في مسيرات سلمية كانت ترفع علم البحرين… في ليل ذلك اليوم عم هدوء غريب مريب… لندخل بذلك مرحلة خطيرة جداً لا يعلم عواقبها إلا الله سبحانه وتعالى، وفي يوم تشييع الشاب مشيمع (صباح الثلثاء 15 فبراير 2011)، قدم شاب آخر من أبنائنا هو الشاب فاضل متروك دمه لبلده… ليفتح الطريق أمام تشييع حاشد وتجمهر كبير اتجه ليستقر في دوار اللؤلؤة.

*المشهد الثالث: البحرين عزيزة، ودماء أهلها عزيزة أيضاً! ولطالما الكل متفق على أنه لا مكان للعنف والتخريب والإضرار بالبلد وبأبناء البلد والحفاظ على الأمن والاستقرار والتلاحم الوطني، فإن الكل متفق أيضاً على شرعية المسيرات والاعتصامات السلمية وحق جميع فئات البلد ومن بينهم الشباب بالطبع في طرح مطالبهم وتطلعاتهم التي يودون ايصالها الى قيادة البلد، دون حاجة الى استخدام للقوة المفرطة والتعامل العنيف مع المواطنين، والاعتماد على المسئولين الأمنيين الوطنيين من الضباط الشرفاء القادرين على التعامل مع هذه الظروف بحكمة ومسئولية، وليس أولئك الذين لا يدركون مخاطر قراراتهم في التعامل مع مظاهر التعبير السلمي، فبدلاً من اعطاء صورة حضارية لتعامل الدولة الديمقراطية مع الاحتجاجات السلمية، يتجهون نحو الوحشية والقمع وسفك الدماء وتشويه صورة الدولة في الداخل والخارج.

المطالبة بالإصلاح السياسي في البلد ليست جريمة، فدستور البلاد منح الجميع حق التعبير عن الرأي، لكن الجريمة هي تلك التي تحرم المواطنين من إبداء الرأي والتعبير في الاحتجاجات السلمية ولصق الاتهامات لهم بالعمالة والخيانة، وتقصد تحويل أي مظهر سلمي الى مواجهة عنف، وتشغيل (مكينة) جاهزة من الأصوات النشاز لشب فتيل الفتنة اعلامياً.

الحكومة اليوم أمام مسئولية وطنية في التحقيق ومساءلة المتورطين في استخدام الرصاص والعنف والقمع والتعاون مع القوى السياسية لإزالة جميع أشكال الاحتقان والتأزيم، وربما بدأت هذه الخطوة بتشكيل لجنة التحقيق الخاصة برئاسة الأستاذ جواد بن سالم العريض وبما أعلنه وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة بالتحفظ على المتسببين في مقتل الشابين، لكن الكل كان يتمنى أن تكون الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني منطلقاً لتجديد مسيرة الإصلاح التي دعمتها كل شرائح المجتمع ومنظماته المدنية، لا أن تكون عودة مقلقة الى حقبة من القمع والوحشية وسفك الدماء… دماء شباب البلد عزيزة لأن عزها من عز البحرين، وهي القربان الذي يقدم من أجل رفعة الوطن.

سعيد محمد سعيد

أحضان البحرين المفتوحة بالخير

 

لا شيء يصبو إليه المواطن البحريني أكثر من أن يرى بلاده تعلو وتنهض وتتطور، ويعيش فيها معززاً مكرماً مطمئناً على رزقه ورزق عياله، ومطمئناً على حقوقه تماماً كما اطمئنانه على واجباته تجاه بلده… لذلك، فإن أحضان البحرين مفتوحة دائماً بالخير، لأن شعبها شعب خير وسلام وود قلّ نظيره.

تلك الأحضان الملأى بالخير، لا تقبل – بأي حال من الأحوال – التشكيك في نوايا أي فرد من أفراد الأسرة البحرينية، حتى وإن كانت هناك من الأصوات النشاز ومن النفوس المليئة بالشر تنفث سمومها بين حين وآخر، لكن أهل البحرين كانوا ولايزالون، على قدر كبير من المسئولية الوطنية في الحفاظ على تماسكهم ونسيجهم الوطني.

ولعلنا ونحن نعيش الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني، قادرون على أن نبرهن بأننا شعب لا يفرّط في وطنه بأي شكل من الأشكال، وإن كان من حقنا أن

نوصل إلى قيادتنا الرشيدة مطالبنا وتطلعاتنا بالصيغة التي تقدم مصلحة الوطن والمواطنين على أي مصالح فتنوية أو فئوية من قبيل المتاجرة بالولاءات الكاذبة

والدعوات المزيفة والممارسات الطائفية والتمييزية التي تلحق الضرر بالوطن أكثر من أن تنفع البلاد والعباد.

كل السبل متاحة أمام الدولة ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني والرموز الدينية والسياسية اليوم لمواصلة العمل المشترك والاستمرار في طريق الإصلاح.

وفتح قنوات الحوار المخلص، وهذه الرغبة لا يوجد ما يمنع من ترجمتها على أرض الواقع، فأجواء العام 2001 الجميلة… أجواء الميثاق الانفراجية التاريخية، قابلة للتحقق من جديد، من خلال إنهاء مسببات الاحتقان تماماً كما كان مسارها في ذلك العام… فغالبية شعب البحرين يتطلعون إلى كرم وعفو وشيم القيادة الرشيدة في منح الجميع فرصة المشاركة في بناء البلد، واحترام وجهات النظر المختلفة ودعم حرية التعبير ووضع المطالب المشروعة على

بساط البحث بإخلاص ونوايا صادقة، والتوافق على تطوير التجربة الديمقراطية ومكافحة الفساد والطائفية والتمييز وإنهاء الملفات التي ترهق الوطن، ووضع توجهات جديدة لتحسين المستوى المعيشي ورفع الأجور وتنمية الاقتصاد الوطني.

ستبقى أحضان البحرين مفتوحة بالخير للجميع… ولا شك أبداً في أن كل أهل البحرين، وخصوصاً فئة الشباب منهم، يتطلعون لأن يكون لهم دور محوري نشط في خدمة بلادهم، ولله الحمد، فإن الالتفاف الوطني بين القيادة الرشيدة وشعب البحرين الكريم، ودور الرموز الدينية والسياسية التي تحمل هم الوطن،

تمنحنا دائماً القدرة على تجاوز الأزمات… وهذا ما يأمله الجميع

سعيد محمد سعيد

القرى… أكثر صدقاً من بعض المسئولين!

 

لا يمكن بأي حال من الأحوال، إغماض العين عن واقع القرى، وخصوصاً قرى المحافظة الشمالية، من ناحية توافر الخدمات وتكاملها وآلية تنفيذ المشاريع من جهة، ومن ناحية تقديم الدعم المالي والثقافي والفني للأنشطة والفعاليات والبرامج الموجهة الى فئات الأطفال والشباب والناشئة بل وحتى الرجال والنساء وكبار السن.

ومن غير المعقول أن ندعي بأن شيئاً لم يسجل لبعض المسئولين من ناحية متابعتهم لاحتياجات أهالي القرى بالتنسيق مع المجالس البلدية والمحافظات وكذلك المؤسسات الأهلية فيها، ولكنها على أي حال، لا تكاد تذكر لمحدوديتها وقلة فاعليتها! أضف الى ذلك، أنه على رغم التوجيهات التي لم تتوقف من قبل القيادة الرشيدة الى المسئولين للاهتمام بالقرى ومشاريعها واحتياجات أهلها وشبابها، إلا أن تصريحات وتوجيهات (الشيوخ) في وادٍ، وآذان ومسامع بعض المسئولين في وادٍ آخر… ولم لا؟ وما هي الغرابة في الأمر، إذا كان بعض النواب وبعض أعضاء المجالس البلدية أنفسهم يجدون أنفسهم مكتوفي الأيدي غير قادرين على الوصول الى مكتب سعادة الوزير الفلاني أو طويل العمر المدير الفلاني فكيف يصل ممثلو الصناديق الخيرية أو اللجان الأهلية والجمعيات؟!

وأتمنى أن يطلب مني أحد المسئولين المعنيين ولو نموذجاً لتأكيد صدق ما أدعيه من إهمال بعض المسئولين لمشاريع وأفكار ومقترحات قادمة من القرى، فيها الجانب الوطني والثقافي والاجتماعي والإنساني… وفيها الجانب الخدماتي وما يرتبط باحتياجات الناس… وفيها الجانب الشبابي الذي يمثل القطاع الأكبر والأهم… شباب القرى كما ذكرت مراراً وتكراراً، ليسوا فقط شماعة لتعليق عباءة (العنف والتحريق والتخريب عليهم)، فلله الحمد، تعيش البلد في حالة هدوء وطمأنينة ستكللها الكثير من الخدمات الانفراجية بعون الله، واذا كنا نتفق على

إبعاد الشباب عن العنف والتخريب وننصحهم للتوجه الى الممارسة الديمقراطية والسياسية السلمية، فإن ذلك يعني أن هناك حاجة مستمرة للالتقاء بالشباب ميدانياً… وكم هي كثيرة المشاريع والمقترحات والأفكار التي قدمت للمسئولين في هذا المجال… فلم تحظَ الا بالإهمال والفشل… نعم، يطيب للبعض أن يستمع كيل الاتهامات الموجهة الى الشباب، لكن لا يطيب له أن يستمع الى مطالبهم والى مقترحات من يمثلهم وخصوصاً في شأن وضع التصورات لبرامج وفعاليات موجهة الى شباب القرى تكشف مواهبهم وابداعاتهم كما هو حال مهرجان كرزكان الثقافي على سبيل المثال.

المهم، أن التجربة أثبتت أن القرى في حراكها ونشاطها الوطني الصادق، أكثر صدقاً من بعض المسئولين الذين يملأون الجيوب كلاماً فارغاً فقط، فإذا كان هؤلاء صادقوين، ومنهم من تسلم رسائل وخطابات ومذكرات كثيرة من قطاعات قروية مختلفة بشأن احتياجات القرى، فليثبتوا أنهم على قدر المسئولية… والا فليقل لي أحدهم… اذا كان جهاز حكومي كبير لم يتمكن من دفع 4 آلاف دينار كلفة إصدار كتاب ثقافي وطني للأطفال، هل يعجز جهاز حكومي آخر عن تقديم مبلغ 300 دينار لمهرجان شعبي؟!… ذلك مثال بسيط للغاية، والأمثلة ستأتي في أحاديث قادمة.

سعيد محمد سعيد

حكاية الكلب مع الحمامة… تعزِّي حكاية الحصان والناقة؟

 

ذات ليلة، جلس الحصان المغلوب على أمره مع جارته الناقة المكسورة الخاطر يبكيان بكاءً شديداً على ما حلَّ بهما رغماً عنهما! ففي يوم كئيب كالح السواد عليهما وعلى بعض معارفهما من الخيول والنياق والجمال، تم إجبارها جميعاً من قبل عصابة شريرة مجرمة من (البلطجية)، لأن يخرجوا من إسطبلاتها ومضاربها من أجل أن تمارس (القمع)!

كان ذلك اليوم، هو اليوم الأول في حياة الحصان والناقة الذي عرفا فيه معنى (القمع) والهمجية والشر المستطير الذي لم يعرفاه طيلة حياتهما – وإن كانا يعلمان أن من أجدادهما وسلالاتهما في العهود الغابرة، من شارك في حروب وغزوات ونهب وسلب – لكنهما يعلمان أيضاً أن تلك العهود ولَّت إلى غير رجعة! وعلى الرغم من أن كلاً من الحصان والناقة كانا يعلمان جيداً أن هناك بشراً أقل منهما مستوىً، كونهما (بهيمتان) ينشدان الأمان والسلام والعيش بطمأنينة ويكتفيان ببعض العشب والعلف وإسطبل متواضع، في حين أن أولئك البشر (البلطجية) يعيشون وفق شريعة الغاب، ويتوقون لشرب الدماء وترويع الأبرياء.

قال الحصان بزفرة حارة مخاطباً جارته الناقة: «قاتلهم الله… أرأيتِ يا جارتي العزيزة ما الذي حلَّ بنا اليوم على أيدي أولئك المجرمين السفلة؟ كنا في حالنا فإذا بهم يخرجوننا من منازلنا على حين غفلة… كنت أظن أن الأمر طبيعي كما اعتدنا، لكنني فوجئت بأننا وسط ألوف مؤلفة من البشر… بعضهم يصرخ وآخر يهتف وثالث يرمي الحجارة ورابع دمه يسيل… هي المرة الأولى يا جارتي العزيزة التي شعرت فيها بأنني (حيوان حقير)! لكنها المرة الأولى التي أكتشف فيها أن من كان يجلس على ظهري (حيوان) أيضاً».

تنهّدت الناقة بحسرة لكنها وبّخت جارها الحصان بقولها: «يا جاري العزيز… لا تقل عمّن كان يجلس على ظهرك إنه (حيوان)! فالكثير من الحيوانات أكرم منه… ألست تذكر حكاية الكلب مع الحمامة… تشهد للجنسين بالكرامة… وأنا مثلك تماماً يا جاري العزيز… وجدت نفسي أركض وسط ميدان لأقمع الناس كما كان البلطجية يقمعون… أدوس كما كانوا يدوسون… ثم أهرب كما كانوا يهربون… لكن الفرق بيني وبينهم… أن بعض الناس انهالوا عليهم بالضرب لكنهم لم يضربوني… بصقوا في وجوههم لكنهم لم يبصقوا في وجهي… وصفوهم بالعار وبالخيانة وبالغدر وبالإجرام… لكنهم لم يصفوني بذلك».

وعلى رغم الألم والوجع الذي كان يشعر به الحصان لكنه تبسم قائلاً: «يا جارتي الناقة… أشكرك لأنك تسلّيني وتعزّيني بحكاية صديقنا الكلب وحبيبتنا الحمامة… ياااااااااااه… ما أجملها من قصة أين عنها بني البشر؟ وجزى الله عنا أمير الشعراء أحمد شوقي خيراً.. ابن مصر العظيمة الذي خلد تلك القصة في قصيدته… فعلاً، أظن أنني أخطأت بوصف من كان يجلس على ظهري بأنه حيوان! لكنها اللوعة يا جارتي… اللوعة… لقد شاهدت أمراً جللاً لم أشاهده طيلة حياتي… ما ذنبنا نحن الحيوانات يا جارتي… ما ذنبنا حين نكون أشرف من البلطجية وأعلى مقاماً؟»… ثم أنشدا بضع أبيات:

حكاية الكلب مع الحمامة

تشهد للجنسين بالكرامة

يقال كان الكلب ذات يوم

بين الرياض غارقاً في النوم

فجاء من ورائه الثعبان

منتفخاً كأنه الشيطان

وهمَّ أن يغدر بالأمين

فرقَّت الورقاء للمسكين

إلى أن قالا:

هذا هو المعروف يا أهل الفطن

الناس بالناس ومن يُعِن يُعَن

سعيد محمد سعيد

الخريجون الجامعيون… الثروة المعطلة!

 

من حق الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل أن يطالبوا بحقهم في الحصول على وظائف تناسب تخصصاتهم، ولهم كل الحق أن يواصلوا رفع أصواتهم لتصل الى المسئولين في الدولة سواء من خلال الاعتصام أو من خلال الندوات واللقاءات التي يشرحون فيها معاناتهم القاسية، ومن حقنا أن نتساءل معهم: «لماذا يتوجب على 1912 خريجاً جامعياً أن يعيشوا (بهدلة)؟ ولماذا يتوجب عليهم أن يخضعوا رغماً عنهم لوظائف متدنية وبأجور متدنية والحال أن قطاعات كثيرة لا تزال تستوعب غير البحرينيين وتجزل لهم العطاء؟».

لقد دعمنا بكل قوة توجهات وزارة العمل وديوان الخدمة المدنية في برنامج توظيف العاطلين وإيجاد برامج تدريب وتأهيل لكل العاطلين، من الجامعيين وغيرهم، أملاً في أن تنفرج هذه المعضلة ويبدأ أولئك الآلاف من أبناء الوطن حياتهم المهنية ويكسبوا رزقهم ولقمة عيش ذويهم ويتجاوزوا الكثير من المحن المعيشية التي لا يعلم عنها الكثير من المسئولين.

على سبيل المثال، تابعت شخصياً مع أحد الخريجين الجامعيين، وعلى مدى ثلاث سنوات، أسباب عدم إنهاء اجراءات توظيفه في إحدى الوزارات، على رغم أنه مؤهل للوظيفة بل وقضى فترة تدريب لا بأس بها في الإدارة التي يستعد للعمل فيها، لكن اجراءات توظيفه تأخرت والسبب في ذلك (البصمات)! ومع ذلك، تابعنا معاً قصة البصمات مع وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني، وتبين أن ملفه سليم ولا توجد أي مشكلة تعوق توظيفه! فما هو السبب يا ترى في تجميد توظيف ذلك الخريج؟ ثم عدنا من جديد للمتابعة مع الإدارة التي وعدته بتوظيفه بعد أن تبين عدم وجود مشكلة، ولكن جهد السنوات الثلاث عاد الى المربع الأول بإعادة أوراقه من جديد الى ديوان الخدمة المدنية!

هذه القصة غيض من فيض!فهل يتوجب على أبناء البلد من الخريجين الجامعيين وسائر العاطلين أن يواجهوا هذه البهدلة وظروفهم المعيشية تزداد سوءاً؟ ولماذا لا يحترم بعض المسئولين توجيهات القيادة الرشيدة بإيجاد الوظائف المناسبة للباحثين عن عمل على وجه السرعة؟ لماذا تبقى هذه الثروة معطلة على رغم استعدادهم للعمل في حين يحظى بعض الوافدين بوظائف وأجور مجزية لا يحلم بها البحريني؟ نحن لسنا ضد حق كل من جاء الى بلادنا في أن يكسب رزقه، لكن من غير المعقول أن يكون أولئك هم المقدمون على أبناء البلد.

لقد عاد العاطلون الجامعيون يوم أمس الأول الثلثاء (1 فبراير/ شباط 2011) للاعتصام أمام مجلس النواب… لا من أجل (التسلية) وقضاء وقت الفراغ في (برنامج) يروق لهم، بل لأنهم، وبعد انتظار شهور كثيرة أملاً في تنفيذ الوعود بتوظيفهم، وجدوا أنفسهم صفر اليدين!فلا وظائف جيدة عرضت عليهم، ولا تحرك ملموس يطمئنهم بأن هناك شواغر في القطاعين العام والخاص، وبأجور مجزية، ستكون من نصيبهم.

وفق ذلك، نضم صوتنا الى صوت الخريجين المطالبين بإصلاح آلية التوظيف والتقييم في كل الوزارات، ومحاسبة أي طرف تسبب في تعطيل توظيفهم، فكل طرف تقاعس عن مسئوليته الوطنية تجاه أولئك الخريجين والعاطلين عموماً، لابد وأن يتعرض للمساءلة وخصوصاً من جانب مجلس النواب، فأكبر خطأ هنا هو مخالفة توجيهات قيادة البلاد الرشيدة في توظيف أبناء البلد الباحثين عن عمل.

سعيد محمد سعيد

مجتمع الشائعات… لنتكلم بصراحة!

 

ليس هناك منبر يمكن أن يؤثر في الناس أكثر من المنبر الديني، لكن مع الأسف الشديد، فإن التأثير، ليس بالضرورة أن يكون إيجابياً! بل ربما أصبح التأثير السلبي والتدميري هو الشائع في مجتمعنا، وإن كان يظهر ويختفي بين الفينة والأخرى، لكنه يمتاز في المجتمع الإسلامي عموماً، ومع الأسف الشديد أيضاً، بأن ذوي الخطاب المؤجج والمثير للمشاكل والفتنة هو السائد… لماذا؟

والجواب ببساطة هو: لو تم تطبيق القانون على أولئك الذين يثيرون النعرات الطائفية والتأجيج وتأليب المواقف والاستخفاف بعقول الناس ونشر الشائعات المغرضة، لما تجرأ أمثال هؤلاء لأن يمارسوا عملهم التدميري في الخفاء وفي العلن، ولا أحد يقبل بأن يصبح المجتمع البحريني مجتمع شائعات… لكن ماذا نفعل إذا كانت هناك جهات رسمية لا تقوم بدورها كما ينبغي في التصدي لمثل هذه الظاهرة الخطيرة؟ وماذا نفعل إذا كانت تكيل بمكيالين، فعلى طرف عقابهم شديد، وعلى طرف آخر تغمض العين؟!

وبمناسبة الحديث عن الشائعات، كنت قد تحدثت مع أحد المسئولين في وزارة الثقافة والإعلام سابقاً، بعد مقال انتقدت فيه الوزارة لتغاضيها عما تبثه بعض المواقع الإلكترونية من فيروسات مدمرة، وعدم عدالة الجهاز المسئول عن مراقبة المواقع فيطبق القانون على موقع ويرفع القلم عن موقع آخر، ومع الاتفاق مع ذلك المسئول على أن كل موقع يهاجم الدولة والرموز ويحرض على الكراهية والفتنة يجب أن يغلق، وكذلك الحال بالنسبة لأي موقع يثير الفتن الطائفية ويهاجم طائفة كبيرة ويكفرها ويشتمها ليل نهار يجب أن يغلق أيضاً، إلا أنه بدا واضحاً أن هناك (كيل بمكيالين)!

لقد كان عدد من الخطباء يوم أمس الأول (الجمعة) محقين حينما لفتوا إلى مخاطر الإشاعة والكذب، ونشر الفتنة لزعزعة الأمن، وبث الرعب والخوف في نفوس أبناء المجتمع، بذات القدر من صواب دعواتهم إلى الحكومات العربية بتأمين الاستقرار والأمن والرفاهية لشعوبها ونشر مفاهيم الحوار، وتحكيم العقل والمنطق على الفوضى، لكن هذه الدعوات الطيبة تذهب هباءً إذا تغافلت الأجهزة الرسمية دورها أو إذا طبقت القوانين بمزاجية… فلتطبق القوانين بعدالة على الجميع دون استثناء.

لا يوجد مواطن بحريني مخلص يريد أن يرى مجتمعه يصاب بداء الإشاعات الكاذبة والتحريض والكراهية، وليس جميلاً أن يشارك أناس من مختلف أصقاع الأرض في مواقع إلكترونية بحرينية ليمارسوا عملهم الخبيث في نشر الطائفية والعداوات… وكأن المواقع البحرينية متاحة لجميع الإرهابيين والمرضى النفسانيين وعشاق الفتن! لنتكلم بصراحة… ظاهرة الإشاعات المحظورة ذات الأثر السلبي على المجتمع، لا يمكن أن تعيش وتنتشر إذا ما تصدى لها الناس بعقلانية وبرادع ديني شرعي وأخلاقي، ولا يمكن أن تظهر إذا ما تم تطبيق القوانين والمساءلة على أي خطيب أو كاتب أو موقع إلكتروني أو جهاز إعلامي يمارس عمله السيئ، لكن حين تغمض الأجهزة الرسمية عينها، فهذا يعني أنها راضية مرضية

سعيد محمد سعيد

الخطيب… الجبان!

 

كان الشيخ جلال الشرقي، خطيب جامع كانو بمدينة حمد، واضحاً وصريحاً وجريئاً كعادته في مهاجمة الخطباء الذين لا يواكبون الحوادث ولا يجعلون الناس في تواصل مع ما يدور حولهم في العالم، وهم بذلك إنما يتخاذلون ولا يقومون بواجبهم الشرعي على وجهه الصحيح.

كان الشيخ الشرقي يتحدث في برنامج إذاعي مساء أمس الأول الثلثاء بمشاركة الباحث الإسلامي صلاح سلطان في إذاعة القرآن الكريم حول قضية القدس والتجاهل الكبير والواضح من قبل خطباء الجمعة في عدم التركيز على قضية المسلمين الأولى، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع أصحاب الرأي الذي لا يزال ينظر الى قضية المسلمين الأولى من باب الآمال والأمنيات الوردية، إلا أن الناس في حاجة لأن يستمعوا من خطباء الجمعة الى خطب تجعلهم في تواصل مع ما يجري في العالم الإسلامي بشكل عام، وقضايا حياتهم اليومية ومعاشهم ومصالحهم بشكل خاص.

لقد وصف الشيخ جلال الشرقي أولئك الخطباء النائمين الذين هم في وادٍ وقضايا الأمة في وادٍ!والذين يجعلون المصلين يخرجون من المساجد والجوامع وهم لا يعلمون شيئاً لا من معلومات ولا من أحكام شرعية ولا من موقف… وصفهم بأنهم نيام جبناء، وهذا الوصف يكاد يختصر آراء الكثير من عامة المسلمين عن أولئك الخطباء… حتى أن مما قاله الشيخ الشرقي بأن الناس تتابع ما حدث في تونس فيما خطيب الجمعة يتحدث عن (هطول المطر).

فيما يتعلق بقضايا جور بعض الأنظمة والحكومات وظلم الناس، فإن الكثير من الخطباء والمشايخ ووعاظ السلاطين، تناقلوا عبر مراحل متعددة من تاريخ الأمة مقولة تحريم الخروج على ولي الأمر الظالم حتى وإن كان فاسقاً ظالماً شارباً للخمر مستبداً في حكمه، فالصبر عليه وعلى حكمه أولى كما يؤمنون ويدعون، ولكنهم لا يجرأون على انتقاد أي سلطة في شأن أوضاع عامة الناس وما يتعرضون اليه من جوع وظلم واضطهاد وفساد… ذلك من باب طاعة ولي الأمر، وحتى ما يجري في بعض الدول العربية والإسلامية اليوم من حركات انتفاضية، هي في نظرهم حرام شرعاً… لأن المظلومين يجب أن يركعوا لولي الأمر الظالم ليجلد ظهورهم وحسب.

وليس صحيحاً أن يتولى خطباء الجمعة تحريض الناس وتأليب مواقفهم ضد حكامهم… لم يقل أحد بذلك، ولكن من واجبهم انتقاد الحكومات غير العادلة، ونصح ولاة الأمر ولفت نظرهم الى ما يتوجب عليهم الحذر منه.

كل الحكومات العربية اليوم محتاجة الى وقفة تعيد فيها الأنظمة حساباتها وعلاقاتها بشعوبها، وتستند على البطانة المخلصة من أبناء البلد للاستشارة والتباحث المخلص الصادق، وليس على المنافقين والدمويين والمفسدين والجلاوزة الذين سيصعدون ذات يوم، إذا وقعت الواقعة، طائراتهم وسيهربون، حتى وإن بقوا يحومون في الجو، فذلك افضل بالنسبة لهم من الوقوع في قبضة شعوب قهرها الظلم.

سعيد محمد سعيد

مشاهد «الدولة البوليسية»… يخرب بيتك يا بِكباشي!

 

نقل أحد الصحافيين المصريين الظرفاء وهو يتواصل مع مجموعة من الزملاء عبر البريد الإلكتروني، ويتبادلون اللطائف التي تفرج شيئاً من الهموم في ظل الترقب والقلق والاحتقان الذي تشهده عدد من الدول العربية كأكبر أثر من آثار انتفاضة الياسمين التونسية، قصة أحد المخبرين المتجبرين المتسلطين الذي طالما تفاخر أمام الناس بأنه (مخبر ما يخافش من ربنا) في جلسته التي اعتاد عليها في أحد المقاهي الشعبية.

ففي ظل الوضع المقلق وأحاديث المواطن العربي المقهور المنطحن تحت سطوة أنظمة تحكم بالنار والحديد، كان ذلك المخبر جالساً مع مجموعة من رفاقه المخبرين فيما كانت شاشة التلفزيون تعرض فيلم (حسن أبوعلي)، وهو من بطولة الفنانين كريم عبدالعزيز ومنى زكي، ولمن لم يشاهده، فإن الفيلم احتوى على مشاهد كثيرة لمخبرين وضباط متجبرين يتسلطون على (من لا ظهر لهم من المواطنين) وينكلون بهم، فما كان من ذلك المخبر إلا أن تلفت يميناً وشمالاً، على غير العادة، ليقول: «يخرب بيتك يا بكباشي… هو وقته الكلام ده»! فذلك المخبر تيقن بأن مثل هذه المشاهد التلفزيونية التي تصور الدولة البوليسية، ستثير دون شك غضب الناس وحنقهم وخصوصاً أن الظروف مواتية ومهيأة للغضب والانتقام من أولئك المتجبرين الذين لا يمكن لهم – بأي حال من الأحوال – تحمل موجة انفجار غضب من تعرضوا لظلمهم وافتراءاتهم وتنكيلهم.

والغريب، أنه كان لكل زميل من الزملاء الصحافيين الذين تابعوا القصة، حكايات أخرى مماثلة… من مصر وتونس والجزائر وليبيا وفلسطين ولبنان والأردن بل ومن دول الخليج وسائر الدول العربية والإسلامية…نماذج من بشر مفترسة كان من المفترض أن يكونوا أمناء على الأوطان والشعوب، فتحولوا إلى سيف مسلط على رقاب الناس… فما من أحد يستطيع أن يتفوّه بكلمة في وجه (سيادة المخبر)، ولهذا، تصدق مقولة أن المباحث و(القراريص) في دول القانون يحتفظون بالسرية، إلا في الدول العربية التي يخرج فيها المخبر ليقول للناس أنه مخبر!

ولعل التنفيس في الصحافة العربية لم يتوقف في جبر خواطر القراء العرب بقصص تفضح سلوكيات رجال الدول البوليسية في العالم العربي، وإطلاق اليد لهم في التجبر والتسلط على بسطاء الناس والتنكيل بهم، ولعل من أبرز تلك النماذج سلسلة الكاتب الكبير محمود السعدني: «مغامرات الولد الشقي في إسطبل الحمير»، ومقالات الكاتب التونسي إبراهيم درغوثي: «مغامرات السندباد العربي في بلد الثلوج»، وغيرها من الكتابات التي كانت ترفع الرسائل تلو الأخرى إلى الأنظمة المتسلطة المستبدة لإيقاف المتجبرين البوليسيين عند حدهم و(عمك أصمخ)! حتى إذا حانت لحظة الانتفاضة، هرب المتسلط تاركاً ذيوله تداس تحت أقدام من صبروا على الظلم طويلاً.

لا يمكن إنكار أهمية دور الأجهزة الأمنية والعسكرية في تطبيق القانون واستتباب الأمن في كل الدول… العربية منها والغربية، على ألا يكونوا سيوفاً مسلطة على رقاب خلق الله…غير أن ثورة الياسمين التونسية ذاتها، جاءت بمشهد ما كان ليصدقه أحد يوماً ما في العالم العربي… فقد عبر المواطنون التونسيون عن العرفان للجيش الذي رفض إطلاق الرصاص بمسئولية وطنية صادقة على أهل البلد، فحمل أهل البلد الزهور ليضعونها في فوهات البنادق.

زهور في فوهات بنادق… أي مفارقة تلك؟

سعيد محمد سعيد

أبعاد لقاء جلالة الملك برؤساء المآتم

 

لا شك في أن لقاء جلالة العاهل برؤساء وإداريي مآتم قرى البحرين يوم أمس الأول الثلثاء، له أكثر من بعد مهم للغاية، ولعل أبرز هذه الأبعاد هو تعزيز التواصل بين القيادة الرشيدة ومختلف مكونات المجتمع البحريني، وما يترتب على هذا التواصل من مساحات شاسعة للتعبير عن الرأي وتبادل المشورة في جو من الاحترام والثقة والتعاون بين أبناء البحرين كما أكد جلالته حفظه الله.

لقد كان موسم عاشوراء هذا العام متميزاً من جميع النواحي، بل من اللازم الإشارة الى أن مواسم عاشوراء السابقة كانت تشهد تميزاً ملحوظاً عاماً بعد عام، ليس من ناحية توفير ما أمكن من تسهيلات خدمية حكومية لإنجاح الموسم فحسب، بل من ناحية تضافر الجهود الحكومية والأهلية في التنظيم والقيام بالأدوار، وهنا، يشرفنا أن نرفع جزيل الشكر والثناء الى جلالة العاهل حفظه الله ورعاه لإتاحة الفرصة لممثلي المآتم لحضور هذا اللقاء الكريم، ولتقدير جلالته للجهود والتسهيلات التي قدمتها وزارات ومؤسسات الدولة للمشاركين في الموسم الذي شهد تعاوناً كريماً لإحياء هذه المناسبة الدينية المكانة العالية ذاتها في نفوس المواطنين.

ومن الأبعاد المهمة للقاء، والتي يجب استثمارها بصورة تسهم في تغيير الأفكار المغلوطة عن دور المأتم الحسيني، هو احترام الاختلاف في وجهات النظر، وفي الوقت ذاته، إعطاء الفرصة للجميع للتعبير عن رأيهم وإبداء المشورة، وهذه النقطة تحديداً، لفت جلالته إليها بالقول إن المشورة موضع تقدير، وهذا يعني أن يكون المنبر الحسيني منطلقاً لطرح القضايا التي يتوجب إيصالها الى قيادة البلاد، ولكن بالصورة التي يمكن من خلالها تحقيق مصلحة الوطن والمواطنين.

ومن هذا البعد، يمكن أن نفهم بجلاء، أن القضايا والملفات المهمة والمطالب المشروعة حين يتناولها المنبر الحسيني، فإنها تأتي بثمارها إذا كان أسلوب الطرح والمعالجة يرقى الى مستوى تقديم المصلحة العليا من جهة، وتفهم المسئولين المعنيين لحسن نوايا هذا الطرح من جهة أخرى… وكلما انعدمت الثقة، كلما تضاعفت احتمالات النفور والصدام التي ينتج عنها وضعاً مضطرباً.

لقد تميز الكثير من الخطباء هذا العام في تناول قضايا ومواضيع ذات صلة بالحياة اليومية:السياسية والثقافية والاجتماعية والفكرية، بصورة تعكس الرغبة في الخروج من الأزمات وإنهاء المشكلات القائمة، لكن هذا الطرح، يلزم أن يقابل من الجهات المعنية بسعة صدر ونوايا حسنة، وأن يتعامل كبار المسئولين المعنيين في مختلف الأجهزة الحكومية مع هذه الحالة الصحية من باب (القيام بالمسئولية الوطنية لخدمة المجتمع)، وهذا ما طرحه جلالة العاهل بقوله إن البحرين لن تألو جهداً في سبيل تسهيل جميع الإجراءات المتصلة بالمناسبات الدينية والمساعدة في إحيائها بما يحقق أهدافها في ترسيخ قيم التضامن والمحبة والتعاون بين أبناء البحرين جميعاً.

إذاً، الخطاب المنبري المعتدل البعيد عن التحريض والتأليب والكراهية والتصادم، والمخلص في طرح قضايا الناس وإيصالها الى القيادة، هو أصل المنبر الحسيني الذي يشيع المحبة والتلاقي وتجاوز المحن والخلافات، وهذا هو العهد دائماً في الرسالة المنبرية… كل الشكر لجلالة العاهل المفدى، ولكل الجهات التي أسهمت في نجاح الموسم، ونسأل الله أن يعيد الجميع على هذه المناسبة العزيزة، والبحرين، ملكاً وحكومةً وشعباً، في تقدم ورفعة وأمن وسلام.

سعيد محمد سعيد

يا حكام العرب… الاضطرابات قادمة!

 

(الخبز خط أحمر)… ذلك هو الشعار الذي رفعه آلاف الأردنيين يوم أمس الأول الجمعة في عمان ومدن أخرى في موجة احتجاجية على البطالة وغلاء الأسعار، وكانت المحطة الأولى لانطلاق تلك الموجة الاحتجاجية هي فترة ما بعد صلاة الجمعة.

ويوم الجمعة ذاته، الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2011، شهد أولى وأكبر مفاجآت العام الجديد في العالم العربي، بعد أن أطاحت الانتفاضة الشعبية التي شهدتها تونس بالرئيس زين العابدين بن علي، ليتولى رئيس الوزراء محمد الغنوشي السلطة في تونس بشكل مؤقت، وعد فيها بتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أعلن عنها مسبقاً بالتشاور مع قوى المعارضة.

ويبدو أن الكثير من الحكام العرب على موعد مع الاضطرابات الشعبية بعد أن ضجّت الشعوب العربية من مسكنات الألم (المؤقت) لكل الأوجاع التي تعاني منها تلك الشعوب بدءاً من الخبز انتهاءً بحقوقهم الكاملة في الحياة، وقد أوجزت صحيفة «البلاد» الجزائرية في افتتاحيتها القصيرة يوم الجمعة أيضاً التحذير من اتساع نهر الدماء في تونس وتساءلت عن سبب اغتياظ الحكومات العربية من مطالب الشعوب، فتزايد سقوط الضحايا والإفراط في استخدام القوة ضد المتظاهرين مؤشر على أن الأوضاع تتفاقم من يوم لآخر، وطرحت الصحيفة عدة تساؤلات: «لماذا تغتاظ الحكومات في بلادنا العربية من مطالب الشعوب المنادية بالديمقراطية وفتح المجالين السياسي والإعلامي؟ لماذا تنفتح هذه الحكومات اقتصادياً وتنغلق سياسياً؟ ولماذا تزيد الديمقراطية من قوة الأمم والشعوب في الغرب بينما يعتبرها الحكام العرب عاملاً من عوامل تقويض الوحدة والانقسام؟

ولعلني أشرت في عمود يوم الخميس الماضي: «طبائع الاستبداد العربي المزمن… كأكبر خطر لانعدام الاستقرار»، إلى أن لا مناصّ من أن تدرك كل الأنظمة بأن تحقيق الأمن والاستقرار لا يتأتى إلا في ظل إرساء الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية… لكن ما يثير القلق بدرجة أكبر، هو أن غالبية المشاركين الخليجيين والعرب أجمعوا على أن النتيجة الحتمية هي ظهور المزيد من الاضطرابات والصدامات والتوترات خلال السنوات المقبلة، لأن الأنظمة العربية لن ولن تسمح بأن تغيّر طبائع الاستبداد.

التحذير للحكام العرب جاء واضحاً في بيان (البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان) الصادر في مطلع شهر يناير الجاري والذي أعرب فيه عن القلق البالغ لتطورات الأوضاع في عدد من البلدان العربية على خلفية ازدياد حالات الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية لجموع المواطنين العرب والغلاء الفاحش، وجاء في بيان البرنامج: «في ظل انتهاج الحكومات العربية المختلفة لسياسات اقتصادية ظالمة متحيزة لفئات بعينها داخل البلدان ولا تضع في حسبانها الغالبية الساحقة فضلاً عن عجز الموازنات الحكومية العربية بسبب الفساد والرشوة والاختلاس وغيرها من الجرائم، لن يؤدي إلا لمزيد من الاحتقان الموجود أصلاً بسبب الأنظمة السياسية القابعة على قمة الهرم السياسي منذ عقود، فضلاً عن الانتهاك الممنهج واليومي لحقوق الإنسان في العالم العربي، وهو الأمر الذي ينذر بثورة جياع حقيقية لا يستطيع الأمن القبض على زمام الأمور فيها».

والنقطة الأهم في بيان برنامج النشطاء هو النداء الموجه إلى الأنظمة العربية، حيث ناشدها بضرورة المراجعة والإصلاح الحقيقي النابع من القاعدة الشعبية، وفتح حوار جاد مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لإقرار إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي يزيل الاحتقان من جذوره، ويعيد الطمأنينة والثقة للمواطنين على اعتبار أنهم شركاء في أوطانهم