سعيد محمد سعيد

النوايا صادقة… فليكن العزم صادقاً!

 

لا شك في أن الزملاء الأفاضل من الكتاب الصحافيين والإعلاميين الذين كتبوا المقالات أو تحدثوا في المنابر الإعلامية أو المجالس محذرين من مخاطر تشطير المجتمع في مرحلة من أكثر مراحل بلادنا حساسية…لا شك في أنهم صادقون فيما يقولون، وخصوصاً أن ارتفاع أصوات الانتقام الناشزة وتلك التي تدعو الى التخوين واشعال البغضاء بين أبناء المجتمع، تستوجب من جميع المخلصين أن يقفوا وقفة أمانة للوطن وللمواطنين، فهذه الوقفة، التي تعكس نفسية الخير والصلاح والإصلاح وحماية النسيج الاجتماعي، هي التي تعكس صدق الولاء للقيادة وللوطن ولأبناء الوطن.

هناك نوايا صادقة، وهذا هو المحور الذي أود أن أتناوله اليوم للتحذير من سلاح الطائفية الذي لا يمكن أن يكون مدمراً لوطن دون آخر، أو طائفة دون أخرى، فمتى ما أشهر هذا السلاح واستخدمت طلقاته المميتة، فإن التدمير يكون شاملاً لعيناً بغيضاً، ولهذا، فإنني من الناس الذين حرصوا على التواجد في مختلف المحافل واللقاءات التي تجمع مختلف فئات المجتمع وشرائحه… تواجدت في الدوار، وحضرت لقاءات تجمع الوحدة الوطنية بل وتوليت مسئولية تغطية بعضها وتواصلت مع أعضائه، وحضرت اللقاءات الأهلية، وشاركت في بعض الاجتماعات التي هدفت الى رأب الصدع بين أبناء المجتمع، وبالفعل، وجدت أن هناك خلافات في الأفكار والتوجهات والمطالب سياسياً، لكن على المستوى الوطني الاجتماعي، فإن الوطنية والإنسانية والأصالة البحرينية هي التي تشرك الجميع في اتجاه واحد… يختلف تماماً عن التشعبات والاختلافات في المواقف السياسية والمطالب والشعارات والفعاليات.

لكن مع شديد الأسف، وليسمح لي الاخوة، دون ذكر أسماء، ممن استضافوا اللقاءات الأولى لانطلاق هذا الجهد الكريم الهادف الى التصدي لأخطر ما يهدد السلم والاستقرار في مجالسهم، والأهالي يثقون في صدق نواياهم، لم يثبتوا أن العزم قوي في هذا الاتجاه وليس هناك ما يمنع وخصوصاً أن الأهداف أهلية إنسانية وطنية صادقة ولا علاقة لها بالسياسة… وليسمح لي القارئ الكريم أن ألفت نظره إلى نقطة مهمة… وهي أن تلك المجالس استضافت شخصيات من الطائفتين الكريمتين، وعلى رغم أن هناك خلافات في المواقف السياسية بينهم تجاه قضايا وملفات مختلفة، لكنهم تجاوزوا ذلك ونحوه جانباً وركزوا على (سلامة البيت البحريني)، لأنهم يعلمون جيداً أن الحراك السياسي قد يثمر يوماً ما على توافق بين الدولة ومختلف المكونات من موالاة ومعارضة ومنظمات مجتمع مدني ولابد من تجاوز كل الخلافات والأزمات، ويعلمون، في الوقت ذاته، أن الشق والخلاف والتناحر بين أبناء الوطن، إن زادت هوته، وتحول الى سلوك وممارسة وقناعات ومواقف متشددة، فإن البلوى لا تماثلها بلوى، ولن تنفع الحلول كيفما كانت في جمع الأهل تحت سقف واحد والقلوب ملأى بما فيها مما لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى، والتي لا نتمنى مكانها الا الخير والمحبة.

ما لا يمكن أن نتغافل عنه أبداً، وفي شدة الشدة التي تمر بها بلادنا والتي نسأل الله جل وعلا أن تزول قريباً ليحل محلها النور والضياء والمواطنة والتلاقي بين القيادة والشعب بكل مكوناته… ما لا يمكن أن نتغافل عنه هو أن القلوب البحرينية الصادقة في حمل مسئوليتها الشرعية والوطنية في الدفاع عن النسيج الاجتماعي، لم تلقِ هذه المسئولية أو تتجاهلها، بل هي التي حملتها أمس وتحملها اليوم وستحملها غداً…لأنها تدرك بأن تفتيت المجتمع البحريني هو الطامة الكبرى

سعيد محمد سعيد

فواز الشروقي… هل افتقدت القرية؟

 

ذات يوم ليس ببعيد… كان بحارة الحد يجأرون بالشكوى مما فوجئوا به من تدمير لساحلهم ومرفئهم وتعرض أرزاقهم وأرزاق عيالهم جراء ما حل بساحل الحد العريق من مصيبة بسبب ذلك التدمير الناتج عن المشروعات القائمة هناك.

لم يكن البحارة يتمنون أكثر من أن تخصص لهم الجهات المعنية مرفأً مناسباً يطلون به على البحر، وقد حاولوا مراراً وتكراراً عرض شكواهم في الصحافة لكنهم لم يجدوا آذاناً صاغية! في تلك الفترة، كان الزميل الكاتب والأديب والشاعر المبدع فواز الشروقي قد ترك العمل في الصحافة، لكنه مع ذلك، أخذ على عاتقه أن يوصل صوتهم الى المسئولين، ووجدته يتصل بي لإجراء تحقيق صحافي لمعاناة بحارة الحد، وقبل أن أشرع في إعداد الموضوع، وجدت الزميل الشروقي وقد أجرى كل اللقاءات مع البحارة وأرسلها جاهزة للنشر… كل ذلك لأنه كان صادقاً في ايصال معاناة البحارة ولم يألُ في ذلك جهداً.

قبل أيام، كان النص الرائع للشروقي يتحدث عن جاره (أبي محمد) الذي غاب عن الوعي، وفي غمرة المشاعر الحزينة مما تشهده بلادنا من آلام، كان الشروقي يرمز الى النفس الطائفي البغيض الذي ألم بالبعض ممن يسهل اصابته بالفيروسات الطائفية بلا رادع ديني أو وطني أو انساني، وتمنى ألا يفيق (أبا محمد)، وهو البحريني ذو النفس الطيبة المحبة لكل أبناء البلد، حتى لا يصيبه الوجع القاتل لما حل بالبلاد الطيبة، بل وكان الشروقي يخاطب جاره الغائب عن الوعي بما معناه أنه اذا كان سيفيق من غيبوبته، فليكن هو مكانه… أبعد الله عنك وعن أبي محمد وعن كل أهل البحرين كل سوء ومكروه يا بو ريم.

الزميل فواز الشروقي، لم يتغير أبداً منذ أن عرفته صحافياً خريجاً متدرباً في أواخر التسعينيات، وحتى يومنا هذا، فإنني ألقي بثقل الأوجاع والآلام والهموم عليه كلما نزلت بنا نازلة، وهو كذلك يفعل، فهو وأنا نعتز بأخوتنا التي لم تتأثر برياح الطائفية التي تصر جماعات وأفراد وإعلام على بثها في المجتمع البحريني، وفي قناعتي، فإن هذا هو حال كل البحرينيين الشرفاء من الطائفتين الكريمتين الذين لا يرضون لكائن من يكون أن يدمر علاقاتهم الطيبة أياً ما كانت الأزمات والظروف، وفواز، واحد من الكتاب والأدباء الذين لا يرتضون للدعوات المذهبية التفتيتية أن ترتفع وتنال من السلم الاجتماعي.

فواز الشروقي… هل افتقدت القرية؟ لا أعتقد ذلك أبداً، فالقرية البحرينية كما هو يصرح، وهو ابن قرية بحرينية عريقة هي قرية «قلالي»، كيان أصيل يجمع أهل البلد بالحب والكرم والأخوة، حتى أنني لجأت له ذات مرة عندما كنت أحرر صفحة (القرية) استعداداً لكتابة ريبورتاج خاص عن قرية «قلالي» فتحدثت معه وأسعدني كثيراً حينما طلب مني الاتصال بوالده الكريم الذي ملأ مسامعي كلاماً طيباً عن تاريخ قريته الجميلة، وعن علاقات أهالي القرى وتحابهم، وذلك الكلام الطيب ينم عن خلق ديني وبحريني أصيل لا يخلط الحابل بالنابل، ولا يستغل الظروف ليثير النعرات الطائفية بين الناس.

كنت من الناس الذين يحرصون على حضور لقاء في منزل الحاج ميرزا المحاري، والد الزميل جميل ميرزا، في قرية القدم ثاني أيام كل عيد سعيد، وكان فواز معي ومعنا غيرنا من أبناء الطائفتين الكريمتين… فهذه اللقاءات في حقيقتها هي الحصن القوي والصرح الشامخ في وجه كل الأفكار الطائفية أياً كان مصدرها… وعلى أي حال، فإن الكثير من المجتمعات العربية اليوم ستشهد حركات وانتفاضات ولن يسلم منها أي بلد، لكن الخطر كل الخطر، أن يخضع الناس لطائفية الدول ودول الطائفية لينالوا من بعضهم البعض.

فواز… أتذكر أنك قلت لي قبل أيام، أن ما يحدث في البحرين لا يجب أن يدمر المشاعر الأخوية والأسرة الطيبة بين أبناء الطائفتين الكريمتين، وأننا في حاجة إلى أن نضمد الجراح، ونحن قادرون على ذلك، وأصدقك القول يا (بوريم)… أنا معك، ولاشك أن الآلاف من البحرينيين معنا.

وسيبقى شعارنا الحقيقي: «إخوان سنة وشيعة… هذا الوطن ما نبيعه»

سعيد محمد سعيد

بشاعة الجريمة… حين يصبح علم بلادنا تهمة!

 

ليس من اللازم أن نصف التشكيك في انتماء المواطن لبلده وولائه بأنهم شراذم! وأنهم، سواء كانوا جماعات أم أفراداً، إنما هم مجرمون يرتكبون أبشع الجرائم وأفظعها حين يشعلون فتيل الفتنة، ويرفعون شعارات دموية للنيل من انتماء طائفة كبيرة ويدعون عليها بالويل والثبور والإبادة… والحال ذاته، ينطبق على الطرف الآخر، الذي ينال من أبناء الطائفة الأخرى، والنتيجة… أيّاً كان الطرف المصر على ممارسة سلوك تفتيت أبناء المجتمع فهو يرتكب جريمة في حق الوطن والمواطنين حتى وإن استهان بها وشجعه عليها آخرون.

شعار كاذب فاحذروه!

هناك مفارقة عجيبة لدى أنصار همجية التشكيك! فهم كانوا يهاجمون كل تجمع أو مسيرة أو اعتصام أو تظاهرة لا تحمل علم البحرين! وكانوا يرفعون أصواتهم في خطبهم وتصريحاتهم الصحافية المقولبة، وفي مقالاتهم وأعمدتهم الراقصة على «الوحدة ونص» بالاستنكار لعدم وجود علم البحرين فيما هناك أعلام أخرى من هنا وهناك!

حسناً، الحق معهم، لكن، لا يمكن أن يكون الحق مع أي من يتقولب هو الآخر على ظهره وبطنه وفق هواه وطائفيته ونفسه غير الطيبة على طول الخط فالنوايا الخبيثة تنكشف! وإلا، هل من المعقول أن يكون شغلهم الشاغل وغضبهم الظاهر هو «استنكار» حمل المشاركين في الاعتصامات والتظاهرات والفعاليات الوطنية لعلم البحرين بمكانته الكبيرة السامية في قلوب المواطنين، والادعاء بأنها لعبة وعمل غير صالح؟ والأمر ذاته انطبق على شعار: «إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه»، فقد امتلأت رؤوس الكثير من الناس الذين لديهم قابلية سريعة للإصابة بفيروس الطائفية بأن هذا الشعار ما هو إلا شعار مخادع كاذب فاحذروه!

على أي حال، لا يمكن قبول المشاهد المؤسفة المفجعة التي شاهدناها على مدى الأيام الماضية، وربما، وهذا ما لا يتمناه أي بحريني بل ولا أي مقيم شريف يحب البحرين وأهلها… أن يتعرض للضرب المبرح والإهانات والبصق والركل والطعن أي مواطن لأنه يحمل علم بلاده، أو تنفتح لدى البعض «محاكم التفتيش» المخزية ليحاكم ضمائر الناس وما في قلوبهم، بل ويصدر حكماً على هذا الشاب لأنه يحمل العلم صادقاً مصدقاً وله كل الاحترام، ويصدر حكماً على آخر التعذيب حتى إسالة الدماء لأنه غير صادق وغير مصدق في حمله لعلم البحرين.

لا بأس، سيتوالى القول من البعض، من أصحاب الطرف المشكك في انتماء المواطنين، وبالتالي المشكك في صدق النوايا، وبالتالي… يعقد محاكم تفتيشه ليقول: «نعم هم كذلك… أنتم كذلك، لستم صادقين؟»… لكن، رغماً عن أنفه وأنف أمثاله، فإن كل مواطن رفع علم البحرين عالياً، أو وضعه على صدره، أو رسمه على منزله أو لصقه على سيارته، فهو إنما يعبر عن حب حقيقي لوطن غال ولتراب غال ولجذور ضاربة في التاريخ، لعراقة شعب لا يمكن تفكيكه بالحملات الطائفية وعصابات التشكيك في الولاء والانتماء، وعصابات الرعب والموت الذين يضع البعض لهم المبررات بناءً على الأخطاء التي وقعت هنا وهناك، وكأن القول بأن هناك أخطاء أو ممارسات مخالفة للقانون، تلزم إرسال شراذم الرعب والخسة.

بعد كل ما تقدم، وهو مؤلم مؤسف دون شك، سيتكرر الحديث بيننا جميعاً حول ما ننعم به من تلاحم ومحبة بين الطائفتين الكريمتين اللتين يظللهما هذا العلم، وليس من حق أي طرف، كائن من يكون ومن أي جهة وبقعة جاء، أن يوزع الولاءات ويصدر صكوك البراءة والإساءة، إنما هو سلوك حيواني سيئ يريد صاحبه أن يصب جام غضبه على عنوان كبير اسمه: «النسيج الاجتماعي»… ولعلني من الناس الذين تأثروا كثيراً بكتاب الأديب البحريني الرائع حمد محمد النعيمي: «مصياف أهل البحرين»، وله الشكر الجزيل لأنه ساهم مساهمة كبيرة في أن يزرع في نفوس أهل البحرين تلك الصور الجميلة لرحلات المقيض بين السنة والشيعة، فكم نحتاج إلى هذه الروعة من الخطاب البحريني الأصيل من المؤرخين والفنانين بل ومن الخطباء والمشايخ والمسئولين بدلاً من التلويح بالسيوف والكراهية!

وكم نحن في حاجة إلى أن يتعافى الإعلام الرسمي من مرضه العضال فينهض ليتخلص من وهنه ومرضه فيبدأ في مخاطبة ضميره وضمير كل مواطن بحريني أصيل شريف يحب بلاده… ليس هنالك من شك في صدق سريرة أهل البحرين الكرام، وصدق السريرة هذه هي التي تكشف «غيرنا» ممن يشعر بالسرور والسعادة وهو يرى بحرينياً يطرح أرضاً لتنال منه الأخشاب والأحذية والضربات الدامية… بتهمة حمل علم البحرين

سعيد محمد سعيد

نعم بالروح وبالدم… نفديكِ يا بحرين!

 

ما كذبتْ هذه النداءات وما كذبتْ هذه الصرخات أبداً… بالروح وبالدم نفديكِ يا بحرين… إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه… لتندرج تحتها كل المشاعر والمواقف والمبادئ البحرينية الخالصة في سبيل الحركة السلمية المشروعة التي يؤمن بها أهل البحرين بأنها جزء لا يتجزأ من الحقوق، وهي أيضاً بوجه آخر، ركن لا ينفصل من الواجبات.

كم هي عصيبة هذه المرحلة التي ألمت بالبحرين الغالية… عروس الخليج… درة الخليج… منارة الخليج… قلب الخليج، وكم تزداد شدةً وألماً ووجعاً، لكنها، ومع ما يعتريها من دماء زكية ودموع جرية ورياح عاصفة، تبقى هي البلد الكريم بشعبه الوفي الذي زادته المحنة تماسكاً وتعاضداً وحباً.

لست هنا أتحدث عن أولئك الذين ما فتئوا يبذلون قصارى جهدهم في إعلام مهزوز ممجوج وخطابات آثمة طائفية بغيضة ومواقع ومنتديات وجماعات لا تتورع عن إثارة الرعب والدمار بكل ما في أيديهم من موت ووحشية ودموية، لكنني أتحدث عن أهل البحرين، بسنتهم وشيعتهم، الشرفاء الكرماء الذين ضربوا أروع الأمثلة قول كلمة الحق، والوقوف إلى مصلحة الوطن العليا، ولأن الحركة المطلبية السلمية الصادقة، بشبابها ورجالها ونسائها بل وحتى أطفالها، لم تكن ترفع علم البحرين على الرؤوس وحسب، بل تقدم الدماء لتذهل العالم بأنها دماء بحرينية خالصة، لا للشرق ولا للغرب… لا للشمال ولا للجنوب… إنها للبحرين، وتقدم العطاء والخير، حتى أن هذا العطاء والخير لم يعجب من لا يريد للبحرين الخير ويرى شعبها الكريم الوفي صادق في تلاحمه وتماسكه، فمازالت قلوبهم البشعة تريد بالبيت البحريني الجميل شراً، لكن ذلك البيت، وكلما توالت عليه المحن والنوازل، يعبق بشذا الدين والوطن والعروبة والإخلاص.

«دمي فداء وطني»… «سلمية سلمية»… ليستا أكذوبة كما ينعق الناعقون بها للتشكيك في ولاء وانتماء وعروبة بل ودين من ينظر إلى مستقبل مشرق للبلد، لكل البلد ولكل المواطنين…

ما هي المشكلة حين يطالب مواطن بحقه في الحياة الكريمة؟

ما هو الجرم يلزم إراقة دماء من ينتمي إلى البحرين لكنه يطالب بحق من حقوقه المشروعة؟

يا أهل البحرين، هي محنة كبيرة، وكما كنت دائماً وماأزال، مؤمن حتى النخاع بأن البيت البحريني الأصيل لا يتزلزل ولا تهزه النوازل ولا يوفق الله من يريد أن يملأ الآفاق بأكذوبة الفتنة والانشطار الطائفي… والله الذي لا إله إلا هو، فإنه، وعلى سبيل المثال، تترقرق العيون بالدموع وهي تقرأ الرسائل النصية التي يتبادلها أهل البلد من المحرق وسترة والرفاع وكرزكان وسائر بقاع البلد الكريم، يطمئنون على بعضهم البعض ويشدون أزرهم ويرصون الصفوف لأن يبقى البيت البحريني قوياً أبياً بجذوره الضاربة في عمق التاريخ.

في لحظة من اللحظات، جالت بذهني فكرة استعانة الدولة بالشخصيات البحرينية الشهيرة المسكونة بحب الوطن وأهله لصياغة القادم من الأيام، بدلاً من الاستعانة بمستشارين وخبراء ومخططين لم يكونوا صادقين أبداً في قراءة حاضر ومستقبل الوطن العزيز… لدينا عقول بحرينية فذة: الدكتور محمد جابر الأنصاري، الدكتور علي محمد فخرو، الدكتور منصور الجمري، الدكتور إبراهيم جمال الهاشمي، الدكتور فيصل عبداللطيف الناصر، الدكتورة منيرة فخرو، الدكتورة مريم الملا هرمس، الدكتور أحمد اليوشع، الدكتور عبدالله الصادق، الدكتور حسين المهدي… وقائمة من أساتذة الجمعيات والمشايخ والخبراء نتشرف بها من أبناء البحرين لديهم من الأفكار والتصورات ما ينقلنا إلى بر الأمان…

صدقوني أيها الأحبة، سينقلوننا إلى بر الأمان…

نعم، بالروح وبالدم نفديكِ يا بحرين

سعيد محمد سعيد

المجنسون… القسمة الضيزى!

 

لكي أفسح المجال لنفسي وللقراء الكرام للتأمل بعمق فيما قاله سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في خطبة يوم الجمعة (11 مارس/ آذار 2011) بخصوص التفريق بين التجنيس السياسي، وبين حرمة دم المجنس، وهو طرح إسلامي إنساني بحريني راقي المكانة يعزز معنى التعايش الحقيقي، عدت إلى مقال كتبته يوم الخميس (23 يوليو/ تموز 2009)، ولقرائنا الأعزاء البحث عنه تحت عنوان: «حوار مع مجنسين» – إن رغبوا – لتكتمل لديهم الصورة.

وباختصار، كان المقال المذكور ينطلق من دعوة مجموعة من المجنسين للتباحث في موضوع المواقف الناشئة ضد المجنسين في المجتمع، وكان الداعي حينها كما وصفته نصاً: «رجل من أصول شامية، طيب الخلق، لبق الحديث، هادئ الطباع»، وقتها، لم يمض ِوقت طويل، حتى بدأت الجماعة (وكانوا في حدود 11 شخصاً) بالتحدث واحداً تلو الآخر بشأن ما يعانونه من مواقف سيئة وتمييز، وأنهم لم يأتوا إلى البحرين (غصباً)عن أحد من أهلها، وأن الأمر يزداد صعوبة عليهم وعلى أسرهم بسبب الحملات الإعلامية التي تشنها بعض الصحف وبعض الجمعيات وبعض السياسيين، حتى باتوا لا يشعرون بالأمان.

ولن أطيل في استحضار مضمون المقال السابق الذي أتمنى من قرائنا الأفاضل العودة إليه، لكنني، والأحداث في بلادنا حبلى بالكثير من المخاطر، أحببت أن أزيل التباس القسمة الضيزى… أي الناقصة وغير العادلة فيما يتعلق بالموقف من المجنسين، والذي لم يقصر الوالد الكريم سماحة الشيخ قاسم في توضيحه بعبارة واحدة واضحة جزلة، ذلك أنني شعرت في أحد اللقاءات التي ضمت في مدينة حمد مشايخ وشخصيات من الطائفتين الكريمتين لوأد الفتنة، أن هناك إصراراً على ترويج فكرة خاطئة، وهي أن الطائفة الشيعية تعادي المجنسين لأنهم سنة! وأنهم امتداد لهم! وأن المواطنين السنة لا يرضون أن يمسّهم سوء.

ولعل كلام الطرف الشيعي في اللقاء كان واضحاً وصادقاً ومنطقياً حتى لو شاء له البعض أن يغطيه بأسطوانة (التقية) المشروخة… فهناك إجماع على أن المجنس (إنسان) قبل أن يكون مسلماً أو معتنقاً لأية ديانة أخرى، وله الحق في العيش وكسب الرزق والحياة بطمأنينة، وهم إخوة لنا تربطنا بالكثيرين من الطيبين منهم علاقات كريمة، لكن، لابد من استدراك مهم، وهو الموقف الرافض للتجنيس السياسي العشوائي والذي يمكن أن يطرح على طاولة الحوار الوطني كملف مهم، وكذلك، مخالفة قانون البلد أصلاً في منح الجنسية والحكومة ذاتها أعادت النظر فيه، وبالتالي، رفض تجنيس كل من هبّ ودبّ مع الاعتبار لتجنيس العقول والطاقات التي تنفع البلد، والنقطة الأهم، هي الموقف من المجنسين الذين لا يحترمون أنفسهم، ولا يحترمون قوانين البلد ويظهرون بالسلوك العدواني الشرس العنيف، فهؤلاء لم ولن يكونوا موضع ترحيب.

ثم القول بأن موقف طائفة الشيعة يقوم على أساس (النظرة العدوانية للمجنسين على أنهم سنة فقط)، فالحقائق والوقائع على مدى السنوات العشر الماضية، وفي أكثر من منطقة من مناطق البلاد، وبدون داعٍ لاستحضارها، تكشف بوضوح من هو المكون الاجتماعي الذي تعرض لأكبر ضرر من العدوانيين منهم.

إخواني الأحباء، بحرينيين ومجنسين (قانونيين وغير قانونيين)، أود القول إن المجتمع البحريني ما تخلى يوماً عن أخلاقياته وسماته الطيبة في التعامل مع مختلف أصناف البشر المقيمين على هذه الأرض الطيبة، ومن الخطأ… بل هو من الملاحظات التي يمكن القول عنها بأنها (من أكثر الملاحظات غباءً)، أن يقول البعض: «ولماذا لم تعترضوا على مجنسي الخمسينيات؟»، في إشارة إلى البحرينيين من الأصول الإيرانية والقطيفية والإحسائية، والغباء الفاضح في الأمر، أن من يطرح تلك الملاحظة، يعلم بأن قانون الجنسية يمنح الحق لحصول العربي الذي يقيم إقامة مستمرة مستقرة في البلاد لمدة 15 عاماً، والحال ذاته للأجنبي الذي يقيم 25 عاماً… أليس كذلك؟

سيطول الحديث عن عناوين متشعبة من قبيل الضغط على الموارد والخدمات، والتغيير الديموغرافي والأفكار التآمرية والتمييز وغيرها، لكن، وهذه حقيقة، يمكن القول إن كل أهل البحرين يمتازون بالرحمة والطيبة، لكن هذه الرحمة والطيبة لا يمكن أن تستمر في التعامل مع فئة من المجنسين يشحنها مع شديد الأسف، خطباء الفتنة من البحرينيين، فيفتكون بأهل البلد بأخشابهم وسيوفهم وجماعات الرعب البلطجية، والحال ذاته، بكل صراحة ووضوح، مع أي بحريني يتجاوز القوانين والأنظمة ويعرض حياة الناس للخطر، فالقانون يجب أن يطبق على الجميع… دون أن تحصل فئة على التغطية والحماية الغربية المريبة والتستر والتشجيع المدمر.

الخلاصة، المجنس المحترم المسالم الملتزم بقوانين البلد مرحب به… ماذا عن المجنس البلطجي؟

سعيد محمد سعيد

لاوحوش في دوار اللؤلؤة

 

بعون الله وتوفيقه، سيتجاوز شعب البحرين الطيب الكريم هذه المرحلة الصعبة ذات التعقيد العالي، فقد بان أثر التلاحم الشعبي الحقيقي في وأد خطابات وممارسات وحركات الفتنة وأخشابها وحديدها، حتى لو توالت وتكررت تلك الصور، فإن مآلها الفشل الكبير لأن شعب البحرين لا يقبل بأصوات الحقد الدفين، ولن تتوانى منظمات المجتمع المدني من جمعيات سياسية وكذلك الشخصيات والوجهاء وشباب 14 فبراير في المشاركة الحقيقية عبر الحوار البناء الذي يقوده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد نائب القائد الأعلى، لتجاوز هذه المرحلة.

ليعذرني القارئ الكريم، أياً كان انتماؤه المذهبي والسياسي، أن أحذر من الانجرار الى الفتنة المقصودة! نعم هي فتنة مقصودة عندما نفتح التلفزيون الرسمي أو اذاعته، وهما جهازان بالغا كثيراً في تجاوز المهنية، وكذلك بعض الفضائيات الطائفية، وتستمع لمثل هذه العبارات :«الحقونا… سيقتلوننا!والله ثم والله، سأفجر نفسي فيهم… إلى متى السكوت عن أحقادهم وتآمرهم؟ الغوث الغوث الغوث… لقد انكشف خبثهم فعليكم بهم»، أو تستمع لبعض الخطب أو الأدعية التي توحي بأن البلد نزلت عليهم نازلة مدمرة، وستشعر بأنك تستمع الى نداءات قادمة من مدن صبراته أو الزاوية أو بنغازي في ليبيا فرج الله عن أهلها وعن أهل البحرين، فإذا بك في البحرين التي لم ولن تكون إلا بلداً متعدداً يحترم كل الآراء والحقوق الدستورية في أشد الظروف.

على الإعلام الرسمي أن يخجل مما يفعل، وعلى خطباء الفتنة والمحرضين بالأخشاب والحديد أن يعودوا الى صوابهم… على سبيل المثال، صدمت كما صدم الكثير من المستمعين صباح يوم الثلثاء عندما اتصلت مواطنة في الساعة الثامنة و46 دقيقة بالإذاعة تتحدث عن تربية الأطفال وغرس حب الوطن فيهم وتظاهرت بالبكاء والموت في حب الوطن، ثم بعد ذلك انهت مكالمتها (الوطنية الوحدوية العظيمة) بعبارة: «أنا أم الأسود في الدوار السابع»! وحسناً فعلت المذيعة استقلال أحمد بلفت نظرها الى أن تكون المشاركة ذات مغزى وطني… أي أن لا يتم دس السم في العسل.

حسناً، هناك وحوش في المسيرات وفي دوار اللؤلؤة كما يحلو للكثير من أصحاب الولاء المزيف أن يروجوا ويكثفوا، لكن الحقيقة على الأرض غير ذلك! نعم، هناك حجم لا مسبوق من المسيرات المطلبية، لكن صبغتها بحرينية وطنية سلمية خالصة، وأنا من الناس الذين انتقدوا بشدة وقسوة على الشباب في القرى طوال سنوات مضت لرفض الممارسات المطلبية العنيفة من حرق اطارات وحاويات قمامة والإضرار بالممتلكات، وهذا موقف شريحة كبيرة من الأهالي الذين رفضوا العنف وأيدوا الأنشطة السلمية، لكن، من غير المعقول أن نقبل بالهجوم والتشويه والحملات المغرضة لضرب حركة الشباب السلمية! حتى وإن كانت ضخمة بالشكل الذي لم نعهده، لأنها مرحلة حساسة جداً تتطلب صياغة مستقبل البلاد لمصلحة الدولة ومواطنيها.

أعود فأقول، إذا كانت الصورة التي يروجها البعض هي أن المعتصمين في دوار اللؤلؤة والحشود الضخمة المشاركة في المسيرات هم من الوحوش الضارية العدوانية الحاقدة، فما على تلفزيون البحرين، إلا أن يتقدم مشكوراً بتخصيص نقل مباشر ليلياً ولو لمدة نصف ساعة من الدوار، ويكشف للعالم وحشية الوحوش!ويتقدم بشجاعة لتغطية المسيرات الضخمة بكل تفاصيلها ليشاهد القاصي والداني الأدلة الدامغة على (عدم سلمية الحركة) كما يدعون… فما المانع؟!

أحبائي، لن يكون سهلاً ضبط الشعارات، لكن الجمعيات السياسية والمنظمين أثبتوا قدرتهم الفائقة على اظهار سلمية الحركة وجوهرها الوطني وورودها الجميلة، لكن بودي أن ننتبه جميعاً لمحاولات جر الساحة للصدام، كالتواجد بالقرب من اللقاءات الليلية التي تشمل خطابات طائفية نارية يعقبها رفع سيوف وأخشاب واسياخ الحديد… والحذر من الفعاليات التي تجر الناس الى الصدامات التي يتمناها البعض لحدوث التناحر، وبالتالي التأثير على الحركة المطلبية السلمية وضربها بمقتل من خلال تعطيل الحوار.

وللحديث صلة

سعيد محمد سعيد

بعد الفتنة… فوضى وبلطجية وشباب 14 فبراير

 

تحدثت في عمود يوم الخميس الماضي حول موجة الإصرار المريب على ترويج جماعات وأجهزة إعلامية ووسائط وشخصيات وأشباح وخفافيش وأم الخضر والليف ومن لفّ لفها، لأكذوبة الفتنة والانشطار الطائفي في المجتمع البحريني، واعتبرتها من وجهة نظري المتواضعة، تحركاً طبيعياً (فاشلاً) رداً على حالة التلاحم الوطني المشرف للبحرينيين الشرفاء المخلصين الذين أذهلوا العالم بتحركهم السلمي وإصرارهم على المطالب المشروعة التي لا تخدم سوى حاضر ومستقبل الوطن العزيز.

ويبدو أن قاموس أعداء الوطن نَشِطٌ متجددٌ في اختيار المفردات تلو الأخرى بهدف إشعال فتيل الفتنة، فبعد فشل عنوان (الفتنة والانشطار الطائفي)، عمدوا لاستخدام مفردة (الفوضى)، حتى قال قائلهم ذات مساء: «نريد أن نعلمهم بأننا حضاريون ومنظمون نحب البحرين، وهم فوضويون لا تهمهم مصلحة الوطن»، وكتب آخر تحت عنوان الفوضى ما أخرجه عن عقاله، ولن تكون مفردات ذلك القاموس العفن إلا شرارات متطايرة لإيقاع صدامات عنيفة دامية في الشارع، وهذا ما يتوجب على الجميع الالتفات له والتحذير منه، ولتكن حادثة شجار مدينة حمد يوم الخميس (3 مارس/ آذار 2011) أيها الشرفاء مدونة بدقة لدينا جميعاً لكشفها وتعريتها ووأدها، بل ووأد الخطاب الخطير الذي أدى إلى تأجيجها، وكل ذلك، من وجهة نظري المتواضعة أيضاً، ليس سوى مخطط لإفشال الحوار الوطني الذي يقوده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد نائب القائد الأعلى، عبر قطع الطريق أمام الحوار بإشعال الشارع بالصدامات الدامية، وكما حذر العلماء الأفاضل والمخلصون من أبناء البحرين، يتوجب على الجميع، أخذ الحيطة والحذر لإفشال هذا المخطط.

إخواني… الصورة واضحة! كل الدول العربية والإسلامية بل ودول العالم الثالث، مهيئة لثورات غضب شعبية مقبلة للمطالبة بالحقوق والإصلاحات نظراً لتراكم الممارسات الديكتاتورية وتعنت الحكومات وظلمها واستبدادها، وستكرر الأنظمة ذات الأساليب في التعامل مع شعوبها وستضعها تحت عدة عناوين مكررة: فوضى وتخريب وفتنة – تآمر من الخارج كإيران تارة، وتل أبيب تارة أخرى تدار من أميركا – مخطط إسرائيلي لتقويض الأمة الإسلامية – القاعدة و «طالبان»، وربما عناوين أخرى لست أفقهها! ثم ستنحو تلك الأنظمة إلى: استخدام أقصى أنواع العنف والقوة ضد مواطنيها وستقتل من تقتل بدم بارد – ستحذر وتهدد وتنذر وتزبد – ستستخدم البلطجية والمرتزقة الذين على ما يبدو أعدتهم تلك الأنظمة منذ زمن في أقفاص خاصة تطعمهم وتسمنهم وتربيهم للنيل من شعوبها – ستتراجع وتدعو للتهدئة والحوار وستتباكى على سلامة الوطن واستقراره وأمنه واقتصاده – ستلفّ وتدور حول الحوار – ستسقط الأنظمة المتعنتة المكابرة – ستنجو الأنظمة التي ستظهر بشجاعة وتعترف بأخطائها وتؤمن بأن مطالب الشعوب مشروعة ودستورية فتصل إلى بر الأمان.

لكن، في فقرة قصيرة ليسمح لي القارئ الكريم أن ألفت نظر الجميع إلى عدة نقاط تتعلق بالمجتمع البحريني باختصار: على الجمعيات السياسية والرموز الدينية وأولياء الأمور أن يسهموا في استقرار سير العملية التعليمية وسلامة المدارس وخصوصاً بعد بيان الجمعيات الداعي إلى استقرار المدارس – التصدي بمسئولية وطنية لمن يحاول نشر صور الاحتقان الطائفي بعد أن عجز ثم عاد وشمّر عن ساعديه ليواصل مسعاه الخبيث – احترام كل طرف للآخر، سواء كان موالياً أم معارضاً، بلا إقصاء أو تحريض أو اصطفاف – على الدولة – والأمل معقود على سمو الأمير سلمان الله يوفقه في مهمته الجسيمة – أن توازن في التعامل الإعلامي وتمنح كل طرف حقه في التغطية الإعلامية المتزنة بعينين لا بعين واحدة، وتتصدى بحزم لكل جهاز إعلامي أو منتدى إلكتروني يصب الزيت على النار ويفتح المجال لنشر الكلام المدمر والاتهامات الفاجرة.

أما بالنسبة لشباب 14 فبراير، فقد أثبتوا للعالم أنهم بحرينيون شرفاء يحملون همّ الوطن وصلاحه، وحين يقولون: «لم يخرجوا أشراً ولا بطراً»، إنما يجسدونها على أرض الواقع بصدورهم العارية وزهورهم ودمائهم لا من أجل جرّ البلاد إلى الصدام بخطاب آثم! ولكل من حمل علم البحرين وهتف من أجل حاضر ومستقبل البحرين بصدق، من الموالاة والمعارضة، بعيداً عن المطابخ السرية والتآمر الفاشل… لهم منا كل الشكر والتقدير… لكن يا جماعة، استعدوا للقادم… استعدوا جيداً لمن لا يمتّ بصلة إلى تراب البحرين، ولا يريد سوى التدمير… احذروهم جيداً واستعدوا لهم واكشفوهم بتلاحمكم وبشعاركم المدوّي: «بالروح بالدم نفديكِ يا بحرين»

سعيد محمد سعيد

لماذا الإصرار على ترويج أكذوبة (الفتنة والانشطار)؟

 

قبل أن أدخل في صلب الموضوع، لعله من المفيد بالنسبة للمصابين بمرض الطائفية البغيضة وأعداء التلاحم الوطني أن يستلهموا ما قالته (أم سلمان)، صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، في لقائها الأخير الذي استضافه المجلس مع ممثلي القطاع النسائي، وهي المرة الأولى بالنسبة لي شخصياً، التي أرى فيها (أم سلمان) في هذه الحالة من الحزن والألم والأسى، وليس الأمر بغريب، فما حدث من مأساة كارثية يوم الخميس الدامي، أدمت قلوب كل البحرينيين الشرفاء، لكنها، ونكايةً في الطائفيين وأصحاب الطبخات السرية، لم تزد المجتمع البحريني إلا تلاحماً.

أم سلمان كانت صادقة، رغم صوتها المتهدج بالحزن الشديد، في دعوتها للجميع بأن يطرحوا الأفكار التضامنية التي تجعل الجميع يخرج من هذه المحنة الكبيرة، ذلك أن ما مرت به البلاد هز كبار أهل البحرين، متضامنة ومتعاطفة مع أهالي الشهداء الأبرار، حتى أن سموها استخدمت مفردة (التضحيات)، وبالطبع، لا تنطبق هذه الكلمة إلا على القضايا العادلة المشروعة والعمل الصادق من أجل الوطن والمواطنين، وهذا ما اثبته شهداء الوطن وشباب 14 فبراير والمخلصون المرابطون في دوار اللؤلؤة فلا شك في أنهم جميعاً وضعوا (البحرين) على رؤوسهم.

أم سلمان كانت واثقة من قوة التلاحم بين أبناء البلد، مع أن الأيام الماضية شهدت صوتاً ناشزاً يصر اصراراً شديداً على وصف ما يجري في البلد على أنه (فتنة عظيمة)! فقد بدا واضحاً، أن هناك طرفاً يدعمه الإعلام الرسمي، بتلفزيونه ومنتدياته الإلكترونية وكوادره ووسائطه الإعلامية وأكبرها على الإطلاق (رسائله النصية المكثفة الخبيثة والمكذوبة مجهولة المصدر) يصر على ترويج أكذوبة تعرض المجتمع البحريني للفتنة والانشطار الطائفي، لكن أتدرون لماذا كل هذا الحجم من الترويج الكاذب لعنوان الفتنة والانشطار الطائفي والعداء بين أبناء المجتمع من الطائفتين الكريمتين؟ والجواب هو: لأن أولئك ظنوا أن المجتمع البحريني بلغ مبلغاً كبيراً مما يطمحون إليه من مآرب شيطانية، وأن في مقدورهم أن يشعلوا فتيل الفتنة والصراع باعتبار أن الظرف ملائم جداً، فوجدوا خلاف ما كانوا يظنون ويأملون، وهو أن المجتمع البحريني، لم يشهد تلاحماً وتكاتفاً وتعاضداً أكثر مما يشهده في هذه المرحلة الخطيرة والحاسمة في تاريخ البحرين فسقطت أمانيهم سقوطاً مدوياً، ولم يجدوا وسيلة أفضل من أن يثيروا حالة من الغرس الإعلامي الكاذب لزرع الشقاق والفتنة والتخويف والتخوين وتأليب المواقف، وهذا كله أيضاً اصطدم بحائط صد النسيج المتماسك والمتوحد والمتطلع الى مستقبل أفضل للبلاد والعباد.

أولئك أصبحوا يتباكون بدموع التماسيح في لقاءاتهم التلفزيونية ومقالاتهم ومنتدياتهم الإلكترونية وتصريحاتهم الصحافية الى درجة تصل الى حد الشعور بأن هناك (حرباً أهليةً ضروساً في المجتمع البحريني)، حتى أنني سألت أحد أولئك الإعلاميين سؤالاً بسيطاً: «أنت تخيف المجتمع بمقولة الفتنة والانشطار؟ أليس لك أصدقاء مقربون من الطائفتين؟ فقال: بلى بالتأكيد، فسألته: كم يا ترى فقدت من الأصدقاء الأعزاء عليك بسبب الفتنة والانشطار؟ فأجاب بالقول: ولا واحد ولله الحمد لأن علاقتنا أكبر من أن تتأثر؟ قلت: فعلام تستند في ترويجك لهذه الأكاذيب؟ فأجاب: أنا أسمع… أحدهم قال لي… إحداهن أخبرتني… قرأت في أحد المنتديات قصة جعلتني أبكي… قريب لي قال كذا… قريبة لي قالت كذا»، وبهذا، عليه أن يعيش على براهين (سمعت… يقولون)، ويتناسى نفسه وعلاقاته وهي البرهان الأصدق والأهم.

مسيرة (الوحدة الوطنية) عصر يوم الثلثاء التي انطلقت من إشارات السلمانية الى دوار اللؤلؤة أثبتت أن شعب البحرين تواق الى التقدم وتحديث البلاد ورسم مستقبل أجيالها بما أظهروه للعالم أجمع من صلابة نسيجهم وتلاحمهم بكل طوائفهم وتياراتهم، وتقديمهم لمصلحة الوطن العليا، فما عليكم يا هؤلاء إلا أن تستمروا في التباكي الكريه، وتستمروا في الكذب وتستمروا في خداع أنفسكم وتواصلوا تآمركم الخبيث فمآلكم الفشل وبئس المصير.

سعيد محمد سعيد

يا حبيبي… سوف أحكي لك عن ليل «المنامة»

 

«يا حبيبي…سوف أحكي لك عن ليل المحرق… حين يخلو، من جموع تنزوي في كل مفرق… تقطع الوقت بأوهام وأحلام وتطرق كل باب للدعابات وأشجان الحديث… سوف أحكي لك عن ليل المحرق… حينما يخلو من الناي المؤرق… في الليالي المقمرات… يسكب اللحن العراقي الحزين… طارقاً كل الحواري والجهات… ليبكي قلب عذراء سجين… تزرع الآه وأصداء الأنين… في أعالي حصنها الداجي الحصين».

«سوف أحكي لك عن ليل المحرق… حين يغرق… في متاهات الظلام… وطيور الليل حيرى لا تنام… ترصد الساحات قفراً من زحام… من ضجيج… يا أساطير الخليج… لي فيك عبرة عند الختام… عن جزاء الصبر للقلب المحرق».

(ليل المحرق)… قصيدة رائعة للشاعر البحريني الرائع علي عبدالله خليفة ثابتة في جذورها كثبات جذور أهل البحرين في بلادهم، وبصوتها البحريني المليء بالعاطفة والحنين والصدق والحب، صدحت حنجرة الفنانة البحرينية المتألقة هدى عبدالله لتجعل من هذه القصيدة ماثلة في قلوب كل من سمعها أو من يسمعها لأول مرة.

ليتني أمتلك تلك الهالة الشعورية الإبداعية المتوهجة الأخاذة التي أخرجت من صدر (علي عبدالله خليفة)هذا النص الفريد، وأخرجت من حنجرة (هدى عبدالله) هذا الإحساس المتدفق، لتحدثتُ كثيراً عن (ليل المنامة)! ليس لرمزية الليل أو لأنها العاصمة فحسب، بل لأنها قلب البحرين الذي تمتد شرايينه إلى كل شبر من أرض البلاد… يا حبيبي، سوف أحكي لك عن ليل المنامة… ذلك الليل الذي ما عاد فيه القلب نائم… هو ليل الـ (لا ظلام)… هو ليل للكرامة… هكذا ليل عظيم أفرح الأحرار في كل العواصم… بدماء الشهداء… ترتوي البحرين من نهر الشهامة.

ليل المنامة، من أول شفقه إلى مطلع غسقه وغلسه، هو ليل جديد في كل البحرين، والفضل فيه لله سبحانه وتعالى ولدماء الشهداء الأبرار ولهذا الشعب الكريم الوفي الذي سطر أروع صور التلاحم والقوة في مرحلة من أكثر مراحل البلاد حرجاً وصعوبةً… هذا الليل الذي يجتمع الناس فيه بمساجدهم ومآتمهم… بمجالسهم الشعبية… مقاهيهم… ملتقياتهم… ما تيسر من سواحل… في المزارع والاستراحات… في الأسواق… حول القهوة البحرينية… تتجه فيه الأنظار إلى دوار اللؤلؤة، حيث القلوب التي تمتلئ بالأمل، فتلك القلوب، تحمل همّ كل البحرينيين فلهم منا ومنكم كل التحية والتقدير والإجلال والإكبار.

لقد عبَرت البحرين خلال السنوات العشر الماضية بحالة من الاحتقان والتأزم، حتى أصبح من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل، فجاءت الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني ليقدم أبناء الوطن – في ذكراها – دمهم الطاهر في نهضتهم البحرينية من أجل الإصلاح والصلاح، فظن البعض أن البلد ستدخل نفقاً مظلماً أشد وطأة مما سبق! لكن خلاف ما رُوّج ويروِّج له البعض من عناوين الفتنة والانشطار الطائفي والتآمر والإضرار بالبلد، ظهرت الحقيقة الكبرى التي لا يمكن إنكارها: لقد وحّدت دماء الشهداء أهل البحرين جميعهم فأصبحوا حائط صد ضد المرجفين وصناع الطبخات السرية… لقد فتحت دماء الشهداء الصفحة الجديدة بكل تحدياتها ليشترك السواد الأعظم من المواطنين في الاتفاق على المطالب المشروعة… لقد أنعم الله سبحانه وتعالى، وبفضل تلك الدماء الزكية، أنعم علينا بفتح باب الحوار الذي يقوده ولي العهد نائب القائد الأعلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بتوجيهات، وهو كفؤ كريم ثقة… وأياً كانت الملاحظات والهواجس التي تحيط بالحوار وسقف المطالب والضمانات وآليات التنفيذ، فإن الثقة كبيرة في وعي (شباب التغيير) الذين أذهلوا العالم بسلميّتهم ومنهجهم الحضاري فتحدوا أن يثبت أحدهم أن إطاراً واحداً احترق خلال حركتهم المباركة… وكذلك هي الثقة في العلماء الأفاضل والجمعيات السياسية والوجهاء المخلصين في خدمة البلاد من كل القطاعات، والإعلام البحريني الصادق فقط.

لقد وحّدت هذه المرحلة شمل أهل البحرين جميعهم، ليثبتوا للإعلام الذي يرى بعين واحدة، ويتحدث بلسان واحد، أنهم أكبر وأكبر من الترهات الفاشلة، والأفكار الصغيرة، فتذهب كل محاولات النيل من تماسك الناس وترهيبهم بالفتنة… سدىً!… إنه ليل المنامة… إنه فجر البحرين… إنها شمس البحرين التي تشرق بالآمال، فتكشف زيف الزائفين من جهة، وتتمايل أشعتها الذهبية بسرور على دوار اللؤلؤة

سعيد محمد سعيد

يا بوعيسى… هل نُكافأ بمجزرة؟

 

بوعيسى… ولي العهد نائب القائد الأعلى الأمير سلمان بن حمد آل خليفة… تحدثت مساء الجمعة من قلبك… وبودي أن أتحدث اليك من قلبي… في ظرف خطير مخيف مقلق متأزم لم تشهد له بلادنا الغالية مثيلاً.

يا بوعيسى… شعب البحرين من أطيب وأكرم وأنبل الشعوب في الدنيا…

يا بوعيسى… شعب البحرين من أكثر الشعوب حباً وارتباطاً وانتماءً وعطاءً وتضحيةً للبحرين الغالية.

شعب البحرين… شعب مثقف متحضر توّاق للنمو والتطور وبناء مستقبل زاهر للأجيال القادمة.

شعب البحرين… بطائفتيه الكريمتين أجمع على شرعية الحكم، وكان صادقاً كل الصدق في المشاركة بالمشروع الإصلاحي أملاً في حياة جديدة… قلت يا بوعيسى إنك مواطن بحريني مسلم وطالبت بالعودة للخلق البحريني الأصيل… يا بوعيسى، من المسئول طوال السنوات التي مضت عن التشكيك في انتماء الطائفة الشيعية؟ واعذرني على هذه الكلمة فقد أصبحت فرضاً لا مناص منه… قلت إننا بلد بحرينيين، وكل البحرينيين، يتشرفون ببلادهم ولا يوالون غيرها ولا يحبون غيرها ولا ينتمون إلى غيرها… فمن أين ولماذا ومن سمح بدخول الفيروسات إلى جسد البيت البحريني ليعملوا ليل نهار في إعلامهم وفي منتدياتهم الإلكترونية وفي ندواتهم وأوكارهم لينشروا الاتهامات، ويصفونهم بابشع الصفات، وتصرف لهم الأموال والدعم والغطاء لينشطوا ليل نهار في الإساءة لمواطنين… لماذا يا بوعيسى؟

يا بوعيسى… البحرينيون الشرفاء من السنة والشيعة، كانوا ولازالوا مع بعض على طول المسيرة صادقين في المواقف… شاركنا في الإجماع الوطني ورفضنا دعوات التفتيت والعنف، وشباب البحرين اليوم يسير نحو المشاركة في الحياة العامة بالأسلوب السلمي، ليثبتوا للعالم أنهم أصحاب مطالب سلمية من أجل الوطن، ومن أجل التغيير والإصلاح والتقدم… تلك الصورة السوداء مضت إلى غير رجعة بإيمان الشباب… صورة جيب الشرطة الذي يحترق ولت إلى غير رجعة… وجاءت صورة الجيب الذي ترك في الشارع ليأتي الشباب في حركتهم السلمية ويعلنوا حبهم للوطن بنشر بيرق البحرين على الجيب، فيأتي رجل محسوب على الأمن فيلقيه على الأرض بلا أدنى احترام.

يا بوعيسى… تحدثت مع وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، في المؤتمر الصحافي لوزراء خارجية دول التعاون الخليجي وكنت صادقاً والله في القول بأن الشيعة يؤمنون بشرعية الحكم وكانوا صادقين في دعم المشروع الإصلاحي، وهم صادقون في مطالبهم الإصلاحية، وإن غضبوا واحترقت قلبوهم ورددوا هتافات لأنهم يرون زهور الوطن ذبحوا.

يا بوعيسى شعب البحرين بكال فئاته لايمكن أن يشك أحد في انتماءاته الأصيلة وشعب البحرين كريم نبيل وأنبل ما فيه أنه يقدم دمه من أجل بلاده…

حفظ الله البحرين وأهلها من كل مكروه