أصدق وأنبل وأعظم وأجمل صور رعاية الإنسان العربي وحقوقه كـ «إنسان»، يمكن اكتشافها في السجون العربية! هذه إحدى المقدمات التي دار النقاش حولها في أمسية مليئة بالتنفيس مع زملاء من الصحافيين والإعلاميين العرب في إحدى العواصم العربية.
قال زميل اشتهر بفنه الكبير في «تشبيك الأفكار»: «بسيطة… طالب بحقوقك فستصبح إرهابياً، خائناً، متآمراً، مندساً من الخارج، وستجلب على نفسك وأهلك الويل والدمار، وستجد دولاً مثل أميركا وبريطانيا تصدر البيانات المؤيدة للحكومة التي – بارك الله فيها – تمكنت من القبض عليك وتتضامن معها ضدك! ثم ستتباكى عليك منظمات دولية وهم يرونك في فولان ومكسالة وبساط الريح!».
ولعل القارئ الكريم، حاله حالنا، سيتساءل قطعاً: «ماذا تعني تلك المفردات؟ فولان ومكسالة وبساط الريح؟». يجيبنا محدثنا بالقول: «لقد اندهشت حينما رصد صديقي الصحافي العربي المتميز سعود سالم فنون التعذيب في السجون العربية. هو يقول إن سجون وأقبية التعذيب في الشرق الأوسط هي عبارة عن صناديق شيطانية مطرزة بالنرجسية والسادية والظلم ونهب المال العام والطائفية والاستبداد والدهس على المواطن العربي، وأنا أقول لا… لا… لا… هي عبارة عن بسالة وقوة وجدارة وبطولات يحققها المعذّبون على أناس ضعفاء. ثم استدرك ليقول… المناسبة… ألم تستغربوا وأنتم تشاهدون الجنود الصهاينة وهم يضربون بوحشية الشباب الفلسطيني في بداية انتفاضته في العام 1987؟ صرنا نشاهد أسوأ منها في بلداننا العربية. كم هي فضيحة أن يجتمع 6 أو 7 أو 10 عسكريين في مختلف الدول العربية بأسلحتهم وشنباتهم وعضلاتهم ليضربوا فتى أو فتاة… يا عيب الشوم».
لن يطول المقام حتى نصل إلى معنى اللغز الثلاثي: «فولان ومكسالة وبساط الريح»… لكن لا بأس من أن نتركها إلى السطور الأخيرة من المقال، فقبلها تقرير رائع للصحافي الألماني جان كورد نشر في موقع صحيفة «الشرق العربي» بعنوان: «وماذا عن التعذيب في السجون العربية؟»، فبعد مقارنة بين «غوانتنامو الأميركي» و «أبوغريب الأميركي أيضاً»، يقول كورد متسائلاً إن ما يحدث في تلك السجون، منذ سنين طويلة، هو ذاته ما يحدث في السجون والمعتقلات العربية في طول العالم العربي وعرضه، وهي مليئة بالذين أهدرت كرامتهم وعذبوا تعذيباً رهيباً مصحوباً بكل أنواع الانتهاك لكرامة الإنسان، فلماذا لم تتحدث الصحافة العربية عن ذلك بهذا الشكل الذي فضحت فيه أميركا على خلفية سجن غوانتنامو وأبوغريب؟ ويتساءل أيضاً: لماذا لا يقف رئيس نظام عربي أمام شاشة التلفزيون كما وقف الرئيس الأميركي ليعلن عن اعتذاره لشعبه عما ألحقه به نظامه من إهانة وما مارسه زبانيته ضد المواطنين من ممارسات دنيئة وقذرة ومهينة؟ لماذا لا يبدي حكام العرب أسفهم عمّا يدور في معتقلاتهم السرّية ولا يقومون بتقليد الإدارة الأميركية التي ستجري المحاكمات لضباط الجيش والمدنيين المسئولين عن تلطيخ سمعتها في العالم؟ لماذا هذا الهجوم الكبير على دونالد رامسفيلد وغض النظر عما يحدث في دول عربية بوليسية عتيدة من رؤساء فروع المخابرات ووزراء الداخلية ومسئولي القوات الخاصة الذين لم يتركوا جريمة ضد الإنسانية إلا وارتكبوها؟ ولعل الكاتب كورد، لو تسنى له دخول سجن من سجون الأنظمة العربية الساقطة أو التي هي في طريقها للسقوط، لتساءل أيضاً عن فولان ومكسالة وبساط الريح؟ إن هذه التسميات الغريبة، واحدة من إرث إجرامي قديم في السجون العربية.
الفولان هي عبارة عن كرسي ألماني، أضيف له شفرة معدنية على الأرجل الأمامية ليشد قدمي الضحية مسبباً نزفاً دموياً حاداً في رسغ القدم وكاحله. أما المكسالة، فهي الاضطجاع على الظهر في مواجهة شفرة تتقدم نحو الضحية قبل أن تمس العنق مباشرة، وأخيراً… بساط الريح. شد وثاق السجين إلى قطعة خشب لها شكل الجسم البشري، ومن ثم ضرب السجين أو السجينة أو توجيه صدمة كهربية إلى كل أجزاء الجسم. ولا غرابة أن توجه المعذب بعد ذلك بخشوع للصلاة جماعة وتلاوة كتاب الله!
طبعاً أعزائي مقابل هذه المفردات، لدينا ولله الحمد مفردات كثيرة: حقوق الإنسان، الرفاهية، التنمية الشاملة، مستقبل المواطن العربي وعياله وعيال عياله، وربما… العيش في المدن الفاضلة.
كل ما يريده المواطن العربي، وهو ما تختصره منظمات المجتمع المدني العربية الحقوقية هو: العدالة، العدالة ولا شيء غيرها. في مسرحية الفنان عادل إمام «شاهد ماشافش حاجة»، عرفنا بالفعل معنى عبارة: «العدل أساس الملك»، المكتوبة على «لافتة») أعلى «خشبة» المسرح… متعودة… دايماً!