سعيد محمد سعيد

«أبو لهيب» وجده «أبو لهب»!

 

يتلاقى «أبو لهيب» مع جده «أبو لهب» في عداوتهما الكبيرة للدين الإسلامي، غير أن الفرق بينهما هو أن «أبو لهيب» يزعم نصرته للإسلام ويزعم رفع رايته في دولة إسلامية فيقتل من يشاء باسم الدين، فيما كان جده «أبو لهب» يظهر عداوته للإسلام ويستأجر غيره للقتل كما استأجر يوم بدر العاص بن هشام بن المغيرة مقابل 4 آلاف درهم.

مهلاً، جدة «أبو لهيب»، ألا وهي «أم جميل»، كانت تعين جده في إيذاء نبي الأمة محمد (ص)، وكانت تجلب الأشواك وتضعها في طريق المصطفى لتدمي قدميه الشريفتين، أما حفيدها أبو لهيب، فابتكر منهجاً مستوحىً من جده وجدته، ولكنه منهج يهدف إلى نصرة الإسلام من خلال قتل الناس! خصوصاً من غير المسلمين… بل حتى وإن كانوا مسلمين، لكنهم لا يصلون ولا يعرفون الأذان والإقامة، أو من أولئك الذين لا يعرفون مثلاً.. تلاوة القرآن على طريقة المقرئ العملاق عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله. المهم، أنهم في هذه الحالة، يستحقون القتل! أي والله… لم لا؟ وهؤلاء سواق شاحنات لا يعرفون عدد ركعات صلاة الفجر ولا يحفظون الأذان!

بالطبع، كان مشهد قتل سواق الشاحنات السوريين الثلاثة على يد النسخة الجديدة من زعيم تنظيم القاعدة أبو مصعب الزرقاوي، المدعو (شاكر وهيب الفهداوي الملقب بأبي وهيب)، مفرحاً. نعم، مفرحاً بالنسبة للكثيرين خصوصاً أولئك الذين احتفلوا بمشهد القتل الرهيب بتلك الصورة المسيئة لعظمة الدين الإسلامي حتى أنهم تبادلوا التهاني عبر وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي، فيما عبّر بعضهم عن الابتهاج والتحذير في الوقت ذاته، فقد قال قائلهم على سبيل المثال: «صلاة الميت 9 ركعات… عليكم أن تذاكروا أيها الكفرة قبل أن تقعوا في يد أبو لهيب، فهو لا يرحم». بالمقابل، لم تجد لا من هيئة كبار العلماء ولا من اتحاد علماء المسلمين ولا من الأزهر الشريف ولا من أي عالم من كبار علماء الأمة من اعترض أو أصدر بياناً أو أرضى ضميره بكلمة حق من جوهر الدين، تدين مثل هذه الأفعال الوحشية الهمجية لتيار «قتل الحياة». ما شأنك أنت وديانة الناس؟ ومن قال لك أن الأحكام على غير المسلمين تصدر هكذا كما فعلت أنت تماماً، وكما فعل جدك أبو لهب؟.

وفي الحقيقة، لست أجد تلك الجريمة التي شاهدها الملايين على موقع اليوتيوب بتاريخ 25 أغسطس/ آب 2013، وتضمنت مشاهد إعدام ثلاثة من سائقي الشاحنات السوريين في صحراء الأنبار في العراق، لا أجدها غريبةً على أهل القتل والدمار والوحشية وسفك الدماء! لكن الغريب المذهل، هو أنه ومنذ سنوات، لم نجد مواقف واضحة من هيئة كبار العلماء ولا من الأزهر الشريف ولا من منظمة التضامن الإسلامي ولا من اتحاد علماء المسلمين، ردة فعل حقيقية وقوية تدين هؤلاء القتلة وتدين مشايخ الطين من المحرضين وأصحاب دعوات القتل والدموية بشريعة الجاهلية. هذا الصمت الرهيب ينبئ بأن ضمائر بعض كبار العلماء ماتت بالفعل، وأن هذه الجرائم ستستمر ما لم تنطلق مواقف مشتركة على مستوى الأمة الإسلامية للتنديد ومواجهة هذه الأفعال. وإلا، فالمزيد من الإرهابيين الصغار سيكبرون ويكبرون وهم يقتلون باسم الإسلام، دون فهمٍ للدين ولا لمقاصد الشريعة ولا لأحكام الشرع. سيكونون رهناً لأحكام الأهواء والمزاج والقتل على الهوية، وهو أمرٌ خطير سيتحمله كل علماء المسلمين وأولهم هيئة كبار العلماء وعلماء الأزهر الشريف.

كان أولئك السواق الثلاثة يتوسلون! في ظني، فإنهم وغيرهم من العرب، غير المسلمين، أصبحوا في مرمى ثقافة دموية تضع القتل مقابل لقمة العيش. ولنتساءل: «ما حال أهلهم وأطفالهم وهم يشاهدون ذلك المقطع؟ ثلاثة رجال خرجوا يطلبون لقمة العيش، وسواءً كانوا مسلمين، كفاراً، مسلمين غير ملتزمين، نصيريين، شيعة، علويين، مسيحيين، هل يتوجب عليهم أن يخضعوا لمحاكمة في الصحراء على هيئة محاكم التفتيش الهمجية، ثم تصدر الأحكام بقتلهم على يد مجموعةٍ من أعداء الإسلام المدعين نصرة الإسلام؟ طبعاً كان أبو لهيب، شاكر وهيب الفهداوي، هو المحقق وهو القاضي وهو الجلاد. لكن الحقيقة الواضحة من ذلك الفعل، هو أن القوات الأميركية نجحت إلى حد كبير في تخريج مجموعات من المجرمين من سجن «بودكا» في البصرة، لأنهم يدربون من يعتقدون أنفسهم مسلمين، ليصبحوا من أشرس فئات التشدد الديني. أي أنهم تربوا على «الإسلام الأميركي الذي يرفع التكبير عقب القتل والتفجير».

في حديثه عن علاقة الإسلام بالإرهاب، يضع المفكر والباحث محمد الحنفي مدخلاً يسيراً مفهوماً وهو أن حقيقة الإسلام تقتضي أن يسود السلام بين المسلمين، وبينهم وبين غيرهم من معتنقي الديانات السماوية الأخرى، وسيادة السلام تقتضي إجراء الحوار الهادئ بين المسلمين حول القضايا الخلافية والاختلافية وصولاً إلى خلاصات تتحقق معها وحدة المسلمين على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وتباعد أقطارهم، وتدفع بهم إلى البحث عن سبل تجنب ممارسة الإقصاء على غير المسلمين بالسعي إلى تجنب الخوض في أمور دينهم، وتوفير شروط ممارستهم لحريتهم العقائدية.

فالإسلام كدين انتشر على أساس الحوار والإقناع والاقتناع، امتثالاً لقول الله عز وجل: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» (النحل: 125)، وهو لا يسعى أبداً إلى محاربة العقائد الأخرى، بل يتحاور معها ويحترمها ويشاركها أهدافها ما دامت توحد عبادة الله، وهو مصداق الآية الكريمة «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله» (آل عمران: 64)، وإذا كان هذا هو سلوك المسلمين الذين تلقوا تربيةً روحيةً سليمةً انطلاقاً من الدين الإسلامي الحنيف تجاه غير المسلمين من أهل الكتاب، وتجاه الذين لا دين لهم، فإن احترام المسلمين يكون أولى كيفما كان الاختلاف معهم، وكيفما كانت تأويلاتهم للنصوص الثابتة من الكتاب والسنة، ومهما كان المذهب الذي يقتنعون به، وهو ما يجيز لنا أن نقول بأن الدين الإسلامي هو دين السلام، والسلام يعني تجنب إلحاق الضرر بالغير مع سبق الإصرار والترصد، سواء كان الضرر مادياً أو معنوياً، وهو ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية التي تنهى عن ذلك. فقد ورد في القرآن الكريم «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً» (المائدة: 32). فالسلام إذن هو منهج إسلامي سام، في إطاره يمكن الحفاظ على سلامة الإنسان مادياً ومعنوياً، والسلام نقيض الإرهاب الذي يتفق الجميع على مناهضته مهما كان مصدره .(انتهى الاقتباس).

وحتى لا يأتي أحد فيملأ التعقيبات على المقال بكلمة: «ماذا عن قتل أهل السنة؟ وماذا عن قتل الشيعة؟ وماذا عن قتل المسيحيين؟ لماذا لم تشر إليهم»، فأقول: «كل ما سبق ينطبق على كل همجي وحشي جاهلي يحمل السلاح ويقتل بالهوية أياً كان مذهبه… اتسندوا».

سعيد محمد سعيد

أسود «الإسلام والعروبة»… الحمقى!

 

ثمة صورة وضيعة، مسيئة للدين الإسلامي وللعروبة، تلك التي وجدت في البث الفضائي العارم وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد فرصتها في البروز والتعريف والاقتداء! لتظهر شخصيات من النكرات وغير النكرات، على مستوى الخليج والعالم العربي، في مكانة «أسد الإسلام» و«سيف العروبة» و«حامي الأمة»، وما إلى ذلك من أوصاف تنضج في المطبخ العقلي للصبية والمراهقين، ثم تنتشر لتصل إلى أكابر القوم.

تأملوا أحبتي، قبل عامين، اكتسب أحدهم لقب «أسد السنة»! ولحقه آخر بحصوله على اللقب ذاته، ثم ما لبث أن تنازع الاثنان واختلفا، فأصبح أسدا الإسلام يتعاركان في حسابات التواصل الاجتماعي وكل منهما يهاجم الآخر بل ويصدر عنه مقاطع الفيديو التي يتم ترفيعها وتحتها العبارات المعلبة: «فضيحة فلان الفلاني»! «عاجل… فضيحة مزلزلة لعلانة العلانية»، وكلها في الأساس لا علاقة لها بأخلاق الدين الإسلامي فضلاً عن أن يكون لها علاقة بالأسود والسباع والضباع… بل وحتى الحمير أعزكم الله.

برز آخر وحصل على اللقب ذاته (أسد السنة)، وكان ما كان من أمره جلاداً مشهوراً وله من التاريخ (الهباب) ما يملأ الخافقين، ثم تحوّل إلى واعظ وعالم دين! لم لا، أليس هو أسدٌ من أسود السنة الشريفة؟ وتلقى من التصفيق والإعجاب والتقدير والترفيع ما يستحقه حتى عدا على أحد أئمة المساجد فبدأ عنده التحول من أسد إلى (فار). والحال كذلك، يتساقط (أسد) رابع، كان له مكانة في عرينه فيما مضى كونه مشهوداً له مهاجمة من يختلفون معه/ معهم في المذهب، لكن مع شديد الأسف، انحرف ليهاجم «الإخونجية»، فأصبح في عداد الأسود، لكن الورقية المزيفة هذه المرة.

المحور المهم بالنسبة لي هنا، هو أن استغلال تلك الوسائل الفائقة السرعة والوصول والتأثير تقنياً واجتماعياً وثقافياً من وسائل الإعلام الحديث، ومن فئات عمرية مختلفة غالبها من الناشئة والمراهقين والشباب الذين يتقنون استخدام تلك الوسائط من جهة، ويجهلون ما يتوجب أن تحتويه من مواد من جهة أخرى… أقول أن استغلال تلك الوسائل للترويج لشخصيات ساقطة، منافقة، وضيعة من المجتمع، وإبرازها في مكانة الأسود والقيادات والرموز التي يتوجب أن تحيطها حالة العروبة والإسلام والقيم السامية، ذلك كله أجده من الظواهر المسيئة للعروبة والإسلام، لا سيما حين تجد من يدافع عن القيم السامقة للدين الإسلامي وللعروبة، هو في مساره يستخدم الشتائم والسباب والفجور وانتهاك الأعراض والتلذذ بسفك الدماء والطائفية والتناحر.

هنا، تكمن المعضلة الأساسية في تقديم أولئك الحمقى على أنهم أسود وسباع وقيادات ورموز، وأنهم يمثلون نماذج من السمات والخصال العظيمة، فتأتي إلى ما يفعلون فلا تجد إلا صور الخسة والنذالة والوضاعة والوقاحة والفجور. إذن، ما معنى ذلك؟ وما هي أسباب بروزه؟ ولماذا ينخدع حتى من له درجةٌ من الثقافة والوعي بمثل هذا الترويج المسيء للعروبة والإسلام عبر وسائل التواصل اللا منتهية من ناحية أعداد المرسلين والمستقبلين؟

كل ذلك يعود من وجهة نظري إلى التأسيس الديني الخاطئ لدى الكثير من الشباب، والتعريف المعوق لمعاني الوطنية والانتماء، ثم بفعل تأثير أكثر خطورة، فتلك الممارسات الترويجية لشخصيات يراد لها أن تبرز في المجتمع لغاية ما، لهدف ما وضمن خطة ما، ليس بالمجان؟ هي مدفوعة الثمن! فيتهافت بعض صغار النفوس وأصحاب الضمائر الميتة ليستخدموا موارد هائلة من التجهيزات والتقنيات ليبدأوا في عمل خبيث بترويج أشخاص على أنهم من رموز الدين والإسلام والأوطان والعروبة، بأسلوبٍ مسيء لكل قيم الدين والإسلام والأوطان العروبة كما أسلفت.

يا أخي، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصبح فرد من الجنس الثالث، أو جلاد دموي، أسداً من أسود الدين والعروبة! لا يمكن أن يكون من يتلذذ بالتناحر الطائفي ويبث في خطبه الدعوات الفتنوية والفكر الضال… لا يمكن أن يكون رمزاً من رموز الوطن. وكلما انتشرت هذه الظاهرة، كلما تتابعت اللكمات على المجتمع وكلما ازداد سواد الوجه. المسألة بيدي وبيدك، نعلم أنفسنا وعيالنا ومن حولنا ليأخذوا الحذر من الترويج المسيء للدين وللعروبة. هكذا هي البداية.

يمكنني أحبتي أن أستعين برأي طرحه الكاتب توفيق شومر من بين كتاباته الكثيرة حول الإسلام والعروبة: «لقد نزل الإسلام في جزيرة العرب، فخاطب أهل الجزيرة بما يعرفونه من عادات وتقاليد ورفع الحسن منها ورفض السيئ بها، وطور الكثير منها لتتناسب مع الدين والدعوة. وعندما نحلل هذه الحقيقة ندرك أن الخطاب الإسلامي تبنى البعد الثقافي العربي كخلفية ضرورية لخطاب أهل الجزيرة، ولذلك فقد رأينا وبشواهد كثيرة خلال فترة انتشار الإسلام السهولة التي انتشر بها خلال المنطقة الناطقة بالعربية بالمقارنة مع الصعوبة التي واجهته في المناطق غير العربية. هذا البعد الحضاري الثقافي للعلاقة بين الإسلام والعروبة يبرز بشكل كبير في كيفية تعامل أصحاب الديانات الأخرى في المنطقة العربية مع الدين الإسلامي. ففي حالات كثيرة انضوى هؤلاء تحت راية الإسلام في الحرب ضد غير العرب. ولذلك فمن الطبيعي أن نجد أن المسيحي العربي مثلاً، كان تاريخياً ينسجم في العادات والتقاليد مع العربي المسلم أكثر من انسجام المسلم غير العربي مع المسلم العربي». انتهى الإقتباس.

لعل من يتشدقون متنطعين بالعروبة، أن يدركوا بأنه لا يمكن التفاخر بالعروبة لأي شخص يمارس الرذائل والشتائم وانتهاك الأعراض، أو الدعوة للقتل وعدم إغاثة البريء والملهوف، ونقص العهود وإعانة الظالم على المظلوم، أو الفرح بمصائب الناس، والتسبب في الأذى لخلق الله على الهوية والطائفة. قائمة طويلة لا يعرفها الأسود التي تتحول بسرعة إلى فئران.

سعيد محمد سعيد

«البهائم المفخخة»… تدخل الجنة!

 

ربما أصبحت مشاهد النحر والقتل وسفك الدماء في بعض البؤر بالوطن العربي والإسلامي من المشاهد المحببة لدى مشايخ البترودولار وعلماء الفتنة ومن يتبعهم ويوافقهم ويطبق فتاواهم الشيطانية التي يجب أن تُرجم! لكن مصاصي الدماء «دراكولات» الاقتتال الطائفي، وأسماء بعضهم كبيرة شهيرة، لم يعملوا هكذا من تلقاء أنفسهم… فخلفهم دول تدعمهم وتمدهم بالمال… خلفهم رؤوس كبيرة تستمتع بلعق الدم.

في الأمة، لا يمكن أن تترك المؤسسات الدينية الكبرى، أيّاً يكن انتماؤها ومنطلقات تأسيسها… لا يمكن أن يترك مطلقو فتاوى التحريض والقتل والنحر الطائفي دون محاسبة ومساءلة! ويجب إيقاف بعضهم لما أثاروه في السنوات الماضية في فتاوى… مطلقين «دراكولا» الموعود بالجنة، وعلى موائد الغداء والعشاء الفاخرة في الحضرة المقدسة، لكي يستبيح الدماء بالقتل على الهوية، وتحت مسميات ودوافع لا علاقة لها بأحكام القرآن الكريم ولا بالشريعة الإسلامية.

كل زمرة مصاصي دماء متنوعة التشكيل والجنسيات والأهواء والشيكات، تتناسل مجاميع من مصاصي الدماء في المجتمع الإسلامي تحمل عقيدة واحدة… قتل المخالف في الدين أو المذهب أو حتى في الأفكار، هو بمثابة تمهيد مؤكد لدخول جنة عرضها السماوات والأرض، أما الفتاوى التي تتعالى من تلك الأفواه العفنة، فهي تجارة خسيسة لكنها مربحة دون شك… يجب علينا أن نتذكر حديث الرسول «ص»: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار».

ولعلني أنقل القارئ الكريم معي إلى ما طرحه الباحث بمركز الدراسات والبحوث اليمني عبده البحش بتشديده على أن «أكبر بلوى ابتلي بها العالم العربي والإسلامي هم علماء الدولار… علماء الدنيا… علماء السياسة… علماء التجارة… علماء البورصات والبنوك والأسواق المالية…علماء الاستثمارات والعقارات والأمور الدنيوية»، كل أولئك الذين ربطوا مصالحهم بمصالح أعداء الإسلام فجعلوا من أنفسهم أدوات ومعاول هدم لوحدة المجتمعات الإسلامية، فكانت الفتاوى التي صدرت منهم وحيّرت الكثير من أصحاب العقول السليمة… إذ كيف يمكن لعالم أن يفتي بوجوب الاقتتال بين المسلمين؟، وكيف لعالم أن يدعو إلى تحريض فئة من المسلمين ضد أخرى؟، وكيف لعالم أن يسعى إلى تهييج الناس وإيقاظ الفتنة بين المسلمين؟.

وبلا شك، فإن تلك الفتاوى البعيدة عن المسئولية الشرعية والإنسانية هي أفعال إجرامية تصل إلى مستوى الاتفاق الجنائي على ارتكاب الجنايات باسم الدين وتحت ستار الشريعة، وتحت وهْم ضمان وصول الجاني (المجرم والفاعل الأصلي) إلى الجنة، حتى أصبحت جنان الخلد يمكن أن تصلها البهائم المفخخة والانتحاريون بالجملة مادامت الفتاوى تسهل لهم الطريق، وتمنحهم بطاقات الدخول بأقصر الطرق، غير أن العقوبة الجنائية التي شرعتها القوانين تعاقب مطلقي تلك الفتاوى أيّاً يكن موقعهم ومنصبهم، وبأي شكل من الأشكال… وسواء كان يرتدي زي رجال الدين أو لم يكن منهم، وفي أي مذهب من المذاهب، فإن بإمكان المجتمع الدولي والشعوب التي يلحقها الضرر الأكيد من جراء تلك الفتاوى التحريضية أن يضعوهم تحت طائلة القانون، وأن بالإمكان إصدار القرارات القضائية لملاحقتهم والقبض عليهم. (انظر: فتاوى التحريض- زهير كاظم- الحوار المتمدن 1822).

باحثون ومفكرون وأكاديميون من أبناء الأمة العربية والإسلامية، اتفقوا مع مخاطر (فتاوى التحريض) انطلاقاً من أخطر نتائج الأزمة السورية الدامية، فاتفقوا على أن من أخطر نتائجها على المدى الاستراتيجي ليس الأسلحة الكيماوية ومخاطرها، وليس موت الديمقراطية أو غيابها، وليس النزوح واللجوء والتشرد على أهمية وخطورة تلك الملفات وضرورة معالجتها بالقدر الممكن والمستطاع وبوقت قياسي، لكن الخطر الحقيقي الناجم عن الأزمة السورية هو هدم الدولة السورية وتقسيم الوطن السوري… والخطر الثاني، وهو بيت قصيدنا، هو تحويل سورية وما يجري فيها من تطورات إلى الحلقة الأخيرة والحاسمة في أخذ العالم العربي والإسلامي نحو مواجهة طائفية دموية بين المذهب السني والشيعي، فبعد أن كان المشروع قد بدأ في منتصف السبعينات من القرن الماضي في لبنان على أساس مسلم – مسيحي وتمت السيطرة عليه بفعل عوامل خارجية كثيرة وبحكم أن حرباً من هذا النوع لن تبقى مشتعلة؛ لأن المكون المسيحي في لبنان لا يشكل أغلبية وكذلك في العالم العربي، جرى التفكير في البديل المناسب، فكان الحرب الطائفية داخل الدين الإسلامي بين المذهبين الأساسيين السني والشيعي.

إذن، على الدول والحكومات والرؤوس التي تدعم وتمول دراكولا الفتاوى الدموية أن تدرك أن هؤلاء لن يخيفوا الناس، لكنهم قد يعودون إلى من رباهم وسمَّنهم فيذوقون منهم الويل. إنما يجب على نفر قليل… نعم نفر قليل هو البقية الباقية من علماء الأمة الإسلامية المحترمين، أن يتحركوا، ومن خلال الأزهر الشريف، للتصدي لمصاصي الدماء بكل قوة وحزم، فالمجتمعات الإسلامية تحتاج إلى مثل هذه الحملات لتدمير حاضنة دراكولا في كل بقاع الأمة.

سعيد محمد سعيد

مشاهد «الرحمة» الرائعة

 

هي بضع مشاهد، نعيش مثلها جميعاً، وتبقى في ذاكرتنا، ولربما، كانت سبباً في تغيير سلوك سيئ أو نظرة خاطئة، إلا أن أهم ما في المشاهد الطيبة هي أنها تشعرنا بالاعتزاز بنموذج من البشر يستحقون الاحترام. لدي بضع مشاهد هنا:

* المشهد الأول: جزاهم الله خير الجزاء أولئك المواطنين والمقيمين الأخيار الذين يسارعون لنشر الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تدعو الناس للتوجه إلى بنك الدم المركزي بمجمع السلمانية الطبي للتبرع لأحد المرضى، فمثل هذه الرسائل تنتشر بشكل كبير متضمنةً اسم المريض ورقمه السكاني وفصيلة الدم المطلوبة، لكن الأجمل أن يسارع المواطنون من الجنسين، وخصوصاً فئة الشباب، للقيام بهذا الواجب الإنساني والديني المقدس. لا أحد في قاعة الانتظار ببنك الدم يسأل عن دين المرضى أو مذهبهم، إنّما هذه النوعية من البشر الكرماء، هم من يملأون حياتنا بهجةً وأملاً وتفاؤلاً، بلا طائفية ولا أضغان ولا أحقاد ولا سموم تبثها الأفاعي الممسوخة بالتناحر والعداء.

* المشهد الثاني: حتى الفترة التي سبقت حلول شهر رمضان المبارك، أعاده الله علينا جميعاً بالخير واليمن والبركات، وخلاله وفي لياليه الأخيرة، كانت الجمعيات المعنية برعاية الأيتام ولجانها تعمل بطيب خاطر لتوفير احتياجات الأرامل والأيتام والأسر المعوزة، ولعل الكثير من القراء الكرام لا يعلمون بأن هناك من المواطنين والمقيمين، من فئة ذوي الدخل المحدود، جزاهم الله خيراً، يخصصون في منازلهم حصالات يشارك فيها أفراد الأسرة بما تيسر من مصروفهم، ثم يقدّمونها للأيتام من الجيران أو الأسر التي ترعى أيتاماً فتبعث البهجة في نفوسهم. وبالمناسبة، نشرت في انستغرامي الصورة الشهيرة للطفل اليتيم الذي يبكي على قبر أمه أو والدته وعلى ظهره حقيبته المدرسية، وكتبت عبارة: «يا وجوه الخير أطلبكم طلب فيه النعيم. وحق هالشهر الكريم، يلله نمسح يالربع دمعة يتيم»، فوجدت الكثير من المعارف والأصدقاء والمتابعين وغيرهم يتفاعلون وبعضهم أخبرني شاكراً، بأن تلك العبارة أثرت في نفسه معترفاً بأنه من الناس الذي لم يلتفتوا للمساهمة في البرامج والمساعدات والأنشطة الموجهة للأيتام، وأفاض عليه الشهر الكريم شعوراً بالمساهمة بما تجود به يده الكريمة، فحيا الله تلك المشاعر الطيبة.

* المشهد الثالث: ونحن نعيش أيام عيد الفطر المبارك، أود التعبير عن اعتزازي بكل مواطن ومقيم قدّم للعمال الوافدين هدايا طيبة، فالبعض قدم لهم ملابس جديدة والبعض الآخر كان يحرص على دعوة الجيران أو من يعملون بالقرب من منزله أو من العمال الذين يعملون لديه لتناول طعام الإفطار، وهذه المشاهد نجدها في كل جوامع ومساجد ومآتم ومجالس البحرين. وقد لفت نظري أثناء أداء صلاة المغرب في أحد مساجد العاصمة، مواطن بحريني يجيد لغة الأوردو وهو يتنقل من عامل إلى آخر ويذكرهم بأن الإفطار في الليلة القابلة لديهم في المسجد، وهذه السجايا هي من طبائع أهل البحرين الكريمة، قلوبهم رحيمة ملأى بالخير، وهذه الصورة نراها كثيراً في القرى بدرجة أعلى، فهم يعتبرون أولئك الناس جزءاً من المجتمع، ليس في شهر رمضان المبارك فحسب، بل طيلة العام.

* المشهد الرابع: كل الشكر والتقدير لأهالي قرية المعامير، وللشباب القائمين على القرية التراثية، وأخص بالذكر الزميل الإعلامي والصديق الكريم عمار المختار. فقد كانت أمسية رمضانية جميلة تلك التي دعا فيها عدداً من الزملاء المصورين، من المحترفين والهواة، الذين زاروا القرية التراثية وتعرفوا على مرافقها، وعلى الرغم من محدودية الإمكانيات، إلا أن فكرة القرية تستحق الإشادة بحق، وكم هو جميل أن يلتقي الزملاء على مائدة إفطار في منزل عائلة المختار، والمشاعر الطيبة تملأ قلوب الجميع… عساكم من العايدين.

* المشهد الخامس: هل صادفتم مواطناً أو مقيماً تعطلت سيارته في أشد أوقات الظهيرة حرارةً ورطوبةً طيلة أيام الشهر الفضيل؟ بلا شك، سنشاهد حول ذلك المنظر من يستخدم مزمار السيارة بغضب، وآخر يلعلع بصراخه متذمراً من تعطل حركة السير، وثالث يحاول القفز على رصيف هنا ومخرج فرعي هناك ليصل سريعاً إلى وسادته أو مسجده أو عبادته. لكن، هناك رابع وخامس وسادس وعاشر من الطيبين الذين ينتهزون كل فرصة لنيل الثواب في شهر الله بمساعدة الناس، وكما نقول بالعامية: «كم تسوى كلمة رحم الله والديك؟». لكل وجوه الخير، رحم الله والديكم وعساكم من العايدين والسعيدين… وكل عام والجميع بخير.

سعيد محمد سعيد

احقن نفسك… لا تخف!

 

«لكي تتمكن من التغلب على تعاطي المخدرات… إحقن نفسك، لا تخف… دع الجرعة تتسرب إلى كل شرايينك حتى تنجو وتعود من موتك إلى الحياة من جديد»… هذه العبارة، كتبتها قبل عدة سنوات لكتيب صغير متواضع بالتعاون مع مجموعة من الشباب البحرينيين والخليجيين ضمن حملة لتوعية الأطفال والناشئة والشباب من مخاطر تعاطي المخدرات.

ومناسبة هذا الحديث، في ختام الشهر الفضيل، أعاده الله علينا وعليكم ونحن في أحسن حال، هو تجديد فكرة العمل للتوعية ضد أخطار المخدرات التي انحسرت إلى درجة كبيرة في السنوات القليلة الماضية! لكن، إلامَ ترمي تلك العبارة؟، وكيف يحقن المدمن نفسه لكي ينجو؟ الفكرة أيها الأحبة، هي أن نركز على التأهيل النفسي وتقوية الإرادة والإصرار في نفوس المدمنين؛ ليتخلصوا من أسر تلك العادة المدمرة… أن يحقن المدمِن نفسه بتعاليم الدين والأخلاق… أن يأخذ جرعة من الحب والأخوة والسلام في كل وقت… أن يشعر بأننا معه وسنأخذ بيده فيعود من موته المحقق إلى الحياة من جديد وقد تعافى من ذلك السم المهلك.

وكم كان العرض المسرحي الذي رعاه محافظ الشمالية علي الشيخ عبدالحسين العصفور تحت عنوان: «أنا الجاني»، والتي قدمتها فرقة المسرح بمركز شباب الشاخورة أواخر شهر يونيو/ حزيران الماضي مشجعاً في هذا الاتجاه، ولاسيما أن المركز استطاع أن يستقطب فئات المجتمع العمرية المختلفة للحضور والتفاعل، ولعل الجانب المهم على هامش تلك الفعالية، هو رغبة الكثير من الشباب من الجنسين في القيام بأعمال وأنشطة وبرامج توعية تتعاون فيها مختلف القطاعات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني في كل مناطق البلاد، وألا تقتصر على مناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات بل تتواصل طيلة العام.

ظاهرة تعاطي المخدرات لاتزال تمثل خطراً كبيراً جدّاً! ولهذا، أنا شخصيّاً من الناس الذين يركزون على استهداف أولياء الأمور من آباء وأمهات واستهداف التوعية الأسرية قبل كل شيء، ذلك أن هناك الكثير من الأسر، ومع شديد الأسف، تهمل مراقبة أبنائها ولا تمتلك القدرة على متابعة أوضاعهم واكتشاف أية متغيرات تشير إلى سيرهم في طريق التعاطي المهلك، وأتذكر بضع تجارب مهمة ليتها تستمر، كتجربة (المدمن المجهول)، والمبادرات الفردية التي يقوم بها بعض الشباب والناشطين الاجتماعيين، وكذلك تجارب مميزة كتجربتي قرية باربار وبوري، وهما تجربتان انطلقتا من أساس مجتمعي بمشاركة كل الجهات في التصدي لهذه الظاهرة، لكن، لانزال في حاجة إلى جهود اجتماعية أكبر.

الكثير من وسائل الإعلام والباحثين مع شديد الأسف، لا يبذلون الجهد في مواجهة هذه الآفة، التي كلما أهملناها تضاعفت مخاطرها… وقد أذهلني أحد الشباب الذين أخذوا مبادرة ذاتية للعمل مع المدمنين، سواء الراغبين منهم في التخلص من الإدمان، أم أولئك الذين يحتاجون إلى من يشجعهم ويأخذ بيدهم… «باسم»، شاب بحريني استطاع أن ينجح إلى حد كبير في أن يحظى بدعم مجموعة من الشباب ليعملوا معاً من أجل توجيه قبضة في وجه إدمان المخدرات، وخصص منزلاً صغيراً كان بمثابة الحضن الدافئ الذي يأخذ بيد الشباب الذين تعافوا من الإدمان أوممن يملكون قراراً نابضاً بالحياة للتوقف عن الإدمان وتخليص أنفسهم من ذلك الأسر، ويبدأ العمل بإحداث تغييرات إيجابية في شخصية المدمن وإعادة بنائه وتأهيله من الجانب القيمي لديه، وتقديم البرامج التأهيلية والتثقيفية والنفسية لإكساب المدمنين القدرات التي تمكنهم من أن يكونوا عناصر صالحة في المجتمع.

مثل هذه المبادرات والبرامج لا يمكن أن تستمر ما لم تحصل على الدعم من الجهات الحكومية والأهلية، ومن منظمات المجتمع المدني، ومن الإعلام الذي يعد ركناً مهمّاً في تعريف الرأي العام بمثل هذه المبادرات المهمة… بودي أن يلتفت أولياء الأمور إلى أبنائهم، وألا يتهاونوا في حال ابلاغهم من جانب أصحاب المبادرات بضرورة التعاون معهم لإنقاذ أبنائهم… وقد وجدتُّ شخصيّاً أن بعض أولياء الأمور لا يقبلون بمثل هذا التنبيه، ويعتبرونه إساءة لهم! والحال، أن الشباب حين يتابعون أوضاع المدمنين ويتواصلون مع ذويهم، فإنهم يريدون إنقاذهم لا الإساءة لهم… فالإدمان على المخدرات والعقاقير هو طريق إلى فقدان شباب في عمر الزهور… فلننتبه.

عزيزي المدمن… احقن نفسك بالإرادة ونحن معك.

سعيد محمد سعيد

تمييز… عنصري!

 

بلا تردد ودون نقاش عقيم طال أم قصر، أجد شخصياً، وهذه قناعتي، أن أي دولة، حكومة، منظمة، مجموعة، تيار، تقول وتكرر بأنها ضد الطائفية وضد العنصرية وضد التمييز، فإن الطائفية والعنصرية والتمييز يغمرها من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها!

مجرد التكرار الكريه الممل المستخدم للاستهلاك الإعلامي، والنفي الممجوج، ما هو إلا وسيلة واضحة لامتثال ما يمكن أن يقع تحت: «اللي على راسه بطحه يتحسسها».

وبطحة «التمييز والطائفية والعنصرية» تلك أيضاً، يتحسّسها كتاب وإعلاميون ومشايخ «طين». بل يتحسسها رؤساء وحكام وسياسيون، ومن لف لفهم من نواب وناشطين وحقوقيين مزيفين ذوي «فزعة»، لكنهم في النهاية، كمن يشاهد وجهه في المرآة ويضحك على نفسه من شدة كذبه. ولعلني أجد ابتسامتهم على خبثهم، تشبه ابتسامة الفنان عبدالناصر درويش، مع فارق أن عبدالناصر يشيع الفكاهة والبهجة والأنس بتلقائية، وهؤلاء ينشرون التفاهة والخبث والحقارة بتلقائية.

قد تكون للحديث مناسبة وقد لا تكون! فالتمييز العنصري يعد شكلاً من أشكال الممارسة المضادة للكرامة الإنسانية، لا سيما في البلدان العربية والإسلامية التي من المفترض أن تكون أبعد ما تكون عن مثل هذه الأفعال الإجرامية الحقيرة، لكن هناك مناسبة! فبعد غدٍ الاثنين، 29 يوليو/ تموز، هو اليوم العالمي للتنوع الثقافي ومحاربة التمييز العنصري، وبالطبع، هناك من وضع ذلك اليوم على الروزنامة كفرصة لإصدار التصريحات الصحافية والبيانات الإعلامية، ولربما وجد بعض عتاة وأكابر العنصرية والتمييز والطائفية في هذا القطر العربي أو ذاك، المجال واسعاً لأن ينظم ملتقىً أو محاضرةً أو حتى يلعلع في أحد الشوارع محتفلاً بهذه المناسبة ومشيداً بمعانيها وأبعادها، وداعياً إلى الاستفادة من مضامينها ومؤكداً خطورتها على المجتمع، ومنوهاً إلى أهمية العمل لمحاربتها، ومدعياً أنه أول وآخر واحد في العالم كله… على استعداد لأن يقدّم نفسه فداءً في سبيل القضاء على العنصرية وهي متأصلة فيه، والطائفية (وهو من أكابرها) والتمييز (وهو الذي يعيش ويتنفس ويترزق عيشه عليه).

اليوم العالمي للتنوع الثقافي (ولهذه المفردة مغزى) ومحاربة التمييز العنصري (وربطه هذه أيضاً له مغزى)، يختلف عن اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري والذي يصادف يوم 21 مارس/ آذار من كل عام، فربط التنوع الثقافي بمحاربة التمييز العنصري يعني أن المجتمعات الإنسانية تنطلق من احترام الثقافات والأفكار والآراء والأديان والطوائف، ولربما هو أشمل من اليوم الدولي للقضاء على التمييز. فتلك مناسبةٌ تعود إلى 21 مارس من العام 1960 عندما أطلقت الشرطة الرصاص على مظاهرة سلمية ضد قوانين المرور المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري في مدينة شاربفيل بجنوب أفريقيا، فقتلت 69 متظاهراً. وقتها دعت الأمم المتحدة إلى مضاعفة جهودها من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وتم إبطال العمل بنظام الفصل العنصري، وألغيت القوانين والممارسات العنصرية، ليس في جنوب أفريقيا فحسب، بل في بلدان عديدة، وتم بناء إطار دولي لمكافحة العنصرية يسترشد بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

الغريب العجيب في الأمر، أن أولئك الناس، الذين تصدوا لمظاهر الفصل العنصري والتمييز والطائفية والإجرام على الهوية لم يتباهوا بالدين أو بالقومية والقيم والرجولة، وهم يواجهون كل تلك الأشكال من الجرائم التي يعشقها ذوو الميول الدموية الوحشية من البشر، فمن صفات التمييز العنصري كما يطرح الباحثون في موقع (فضاء سيرتنا) أنه «يعمل في قنوات خفية في وسط المجتمع الواحد، فتارةً نجده تمييزاً ضد المرأة وتارة ضد القبيلة وتارة ضد الفرق الرياضية وحتى المثقفين أنفسهم يصيبهم هذا الفيروس الاجتماعي الذي لم يترك لا جنوب الكوكب ولا شماله، فيا ترى ما هي الأمصال التي تمكن البشرية من التخلص منه وعدم انتشاره؟ وهل نحن كوطن عربي بإمكاننا أن نتغلب عليه إن أصابنا في يوم ما أو هل هو معشش بيننا ولا ندري؟». لتأتي الإجابة بأن المجتمعات العربية والإسلامية، ومن بينها فئة الشخصيات والقيادات والرموز (فئة) تتباهى بالكرم والرجولة والعروبة والإسلام والقيم المتوارثة، وهي مصابة بهوس كل تلك الجراثيم التي تبثها في المجتمعات وتدعمها حكومات ونفوذ وأموال… التمييز العنصري والطائفي المقيت في المجتمع العربي مدعوم من الحكومات وأقطاب قوى في غالبه، وإلا لكانت القوانين (الحبر على الورق) كفيلة بوأده.

«محاربة العنصرية فعل يومي، وهي تبدأ بالعمل على اللغة لتطهيرها من الألفاظ والمفردات ذات المدلول العنصري»، وتستند قطعاً على ترسيخ مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين، أياً كان دينهم ومذهبهم ولونهم.. هذا جزء من الكلام الملون الذي نسمعه من حكومات وأرباب وأهل الطائفية والتمييز والهوس العنصري. الحقيقة المؤسفة، هي أن الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، لا يخلو من أشكال التمييز العنصري، ومع أن البعض يركز في تقديم الأمثلة على الحرب الأهلية في لبنان وقضية دارفور، لكن هي أشمل من ذلك وأكبر، بحيث لا يمكن أن نستثني قطراً عربياً أو إسلامياً، إلا وتمارس فيه هذه الأمراض. في الحقيقة، لا أزال معجباً بهاش تاق الشرق_الأوسط_للأمراض_العقلية.

سعيد محمد سعيد

مشايخ «الطين» حين يبكون!

 

أشد علامات القبح التي تبدو على وجوه أولئك الذين لا علاقة لهم بالدين الإسلامي، هي تلك التي يحاولون فيها تغيير ملامحهم وهم يتظاهرون بالبكاء حرصاً وقهراً وكمداً وغيرةً على الدين الإسلامي!

عشرات اللحى والعيون الحمراء والوجنات المنتفخة والقبضات تتوالى على رؤوس المشاهدين المساكين، وخصوصاً أولئك الذين يصدقون، طبقاً لعقولهم الصغيرة، كل ما يصدر من ألسنة وعقول وبطون وصدور وآذان وجباه من اعتقدوا فيهم أنها أولياء الله الصالحين… حتى أن بعض المجتمعات الخليجية، شهدت في الآونة الأخيرة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، حملات ضد مجموعة من كبار (مشايخ الطين) الذين يحلف برؤوسهم الملايين بعد أن اكتشفوا سوءات فتاواهم التحريضية والتخريفية والتجارية التي يضحكون بها على أبناء المجتمع الإسلامي.

وعلى أي حال، فإن المد الإعلامي التقني الهائل، جعل الناس في تواصل دائم مع كل حركة تمرد ضد الأفكار الرجعية، أو تلك التي يحاول أصحابها المتاجرة وجمع الثروات من خلال إثارة الفتن الطائفية، ولم تعد مهمتهم محصورةً في الخطب والمحاضرات الفتنوية الطائفية، بل أصبحوا يتحدثون عن دعوات الجهاد والخروج على «ولاة أمر» ليسوا هم ولاة أمرهم لأنهم من أمصار أخرى. والعجب العجاب، حين تجد أساتذة جامعيين ومثقفين وشباباً في مستويات متقدمة من التعليم يصدّقون أولئك الجهلة! وحين تصدمهم بالحقائق، فإن أول ردة فعل لهم هي اتهامك بالزندقة! وهم بالطبع يقولون ذلك حين يعجزون عن مقارعة الحجة بالحجة لا سيما في شأن ما يتم كشفه من حسابات بنكية وعلاقات وتجارة وشيكات من تحت الطاولات يتم دفعها لمشايخ الطين من أجل أن يتحدثوا حديثاً قبيحاً سيئاً بالملايين. لا هم لهم سوى إشعال الفتن والطائفية من جهة، وكيل المديح للمستبدين والمستكبرين والظلمة من جهة أخرى كونهم ولاة أمر، حتى نظرية ولي الأمر لديهم، تختلف حسب من يدفع أكثر.

البعض من الزملاء الإعلاميين، كان قبل أشهر عدة، حين ناقشنا مع مجموعة من الإعلاميين الخليجيين والعرب موضوع أسلوب ومنهج وخطاب بعض القنوات الفضائية الدينية، كان بعضهم يرى في ازدياد تلك القنوات فائدة للأمة، بينما لم أرى في غالبها إلا منطلقاً لشن حملات العداء المشحونة بالكراهية. وليس من الضرورة بمكان إجراء استطلاع ميداني لتثبيت الفكرة، فيكفي أن تقرأ لمدة ساعة زمن الشريط الذي يتحرك في أسفل الشاشة لتعلم أن هناك مشاركة فاعلة من قبل مجموعات من المتشددين، من الطائفتين، ولابد من التأكيد على أنهم من الطائفتين، كل يدعي حاكميته على الأمة.

ذلك الخطاب هو الأسوأ على الإطلاق، ولعل الكثير من الناس لا يعلمون أن مثل هذه النزاعات تصبح أجمل وأروع عندما يزداد عدد المشاركين فيها عبر خدمة الرسائل الإلكترونية التي تدر مالاً وفيراً يملأ بطون القائمين على القناة، ممن يدّعون «صدق الدعوة لله والدفاع عن الدين الإسلامي».

كثيرة هي الصور القاسية التي تسود المجتمعات الإسلامية اليوم، في مقدمتها الظلم والتخلف والأمراض السياسية والثقافية والاجتماعية، ونزعات التعصب الطائفي والعرقي المقيتة، وتطغى عليها مشاكل وصراعات متعددة في مختلف ميادينه ومجالاته بما في ذلك ميدان الثقافة والفنون، وتبرز صورها المؤسفة في التضييق على حرية الفكر والنشر ومحاصرة الثقافة ومصادرة الرأي الآخر، وشن الحملات العدائية المشحونة بالكراهية والحقد الطائفي.

لا يمكن أبداً التغاضي عن تهاون الحكومات، وفي أغلب حالات تلك التهاون، يظهر الاتهام واضحاً بلا تبطين في أن بعض الدول تغذّي هذا النوع من الحملات لإشغال الناس، ولذلك، ليس عجيباً أن يتفرغ ذوو النزعات العدائية، سواءً كانوا مشايخ وعلماء أم برلمانيين أم وعاظ سلاطين، ومعهم أولياء نعمهم من المستبدين أرباب الرأي الواحد والنفوذ والمال، ليضيفوا إلى الأمراض الاجتماعية ما يسهم في مضاعفة الداء والمرض في جسد الأمة.

وأخطر ما في الأمر هو استهداف الثقافات الحرة النيرة ومجالات العلوم والفنون الرائدة لضربها بأفكارهم ونزعاتهم ومشاريعهم المشبوهة، منتزعين من تلك الجوانب وأنشطة الإبداع الفني طابعها وعطاءها الإنساني، والأهداف التي يمكن أن تخدم أمم وشعوب المعمورة على اختلاف دياناتها وطوائفها وانتساباتها العرقية.

أعجبتني حملة جميلة أطلقها بعض الشباب الذين قطعوا شوطاً طويلاً في التحاور مع «مشايخ الطين»، فلم يجدوا منهم إلا إسفافاً وسقوطاً في معالجة الكثير من القضايا. ووجدوا منهم فناً وإبداعاً وجهداً عظيماً في المتاجرة بالدين ونشر العداء الطائفي والتحريض العقائدي، فتلك الحملة وقعت تحت مسمى (الشرق_الأوسط_للأمراض_العقلية_) وبالفعل، نجد أن تلك العبارة القصيرة، هي التلخيص الدقيق لما يعاني منه وعاظ السلاطين ومشايخ الطين المتاجرين في القنوات ومن لف لفهم… مستودع أمراض عقلية ونفسية.

سعيد محمد سعيد

الانقسام الطائفي… الفرصة والتهديد!

 

في الحقيقة، وجدت شخصياً أثناء متابعتي ما طرحه المفكر البحريني علي محمد فخرو في محاضرته التي حملت عنوان: «ما وراء الانقسام الطائفي» بمجلس يعقوب سيادي مساء الثلثاء (2 يوليو/ تموز 2013)، وجدت فيها ما يمكن اعتباره (وثيقة عمل للأمة) تنقذها من كابوس الانقسام الطائفي، وليتها تصل إلى مراكز البحث في الأزهر الشريف، وفي حوزتي قم والنجف، وإلى هيئات علماء المسلمين، لتكون حجر الأساس للقضاء على هذه المحنة الكبرى.

فعلى الرغم من أن الأمة العربية الإسلامية تعيش مرحلة من أسوأ مراحل انهيارها شئنا أم أبينا، إلا أنه لا يوجد مشروع متفق عليه بين علماء الأمة ومثقفيها يقرأ الواقع ويستشرف المستقبل بصورة متعمقة، ونستثني هنا الحكومات لكونها اليوم طرفاً رئيساً في تأجيج الانقسام والتناحر، وذلك يبدو واضحاً من خلال تشجيع حكومات عربية واسلامية لزيادة سطوة ذلك التناحر باستخدام علماء البلاط والاعلام الفتنوي الواسع الانتشار، حتى أن المفكر فخرو اختصر ذلك المسار بالقول: «إن العيش في التاريخ بفهم خاطيء وبصورة مسيئة نراها في المساجد والمآتم والقنوات الفضائية حيث المذهبية والطائفية تستخدم يومياً من أجل أهداف سياسية ومالية ودنيوية، ما يجعل الحل للمشكل الطائفي صعباً، ونبني بذلك إنساناً عربياً مسلماً لديه قابلية ممتازة للطائفية، يلزم حتى نواجهها، أن نتخلص من جوانب مرتبطة بالطائفية كالتاريخ والثقافة والكلمات والأوصاف».

في المجتمع الخليجي والعربي والإسلامي، هناك التجاء مؤجّج للطائفية على حساب مصلحة الأوطان، وسبب ذلك الالتجاء هو الحكومات التي تكرس التصنيف الطائفي والقبلي والعرقي بين مواطنيها. وفي شرحه لمسببات الانقسام الطائفي من هذا الباب سياسياً، لفت فخرو إلى أن «المواطن يحتمي بقبيلته وبمذهبه وبعرقه إذا كان يعيش في مجتمع غير ديمقراطي، ذلك أن الولاءات الطائفية التي تعلو على الولاء للوطن لا تأتي إلا في مجتمع تغيب فيه المواطنة المتساوية، وتغيب فيه المساواة بين المواطنين والفرص المتكافئة، فيضطر المواطن للاحتماء بالطائفية بدرجة لا تقل عن الاحتماء بالحزب والقبيلة كما هو حاصل في بعض البلدان العربية»، انتهى الاقتباس.

تلك الأطروحات العميقة التي أجاد فيها المفكر فخرو، ربطت ما بينها وبين طرح الباحث العراقي حارث حسن في مقال بعنوان: «الولايات المتحدة والشرق الأوسط الطائفي»، فبعد حضوره ندوة نظمتها إحدى مؤسسات البحث الأميركية المهمة وتناولت موضوع الانقسام السني ـ الشيعي وأبعاده الإقليمية، كان هنالك تركيز واضح في النقاشات على أن هذا الصراع الطائفي أخذ يحتل الأولوية في توجيه سياسات المنطقة ويحل محل الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وطرحت خلال النقاش أسئلة من قبيل: هل سيؤدي الانقسام السني ـ الشيعي إلى تغيير خريطة المنطقة وتفكيك بعض دولها؟ هل سيُدفع العالم العربي (السني) إلى الانفتاح على «إسرائيل»، تبعاً لقاعدة عدو عدوي صديقي؟ أم إنه سيدفع إيران والقوى الشيعية إلى تخفيف عدائها لـ «إسرائيل» لصالح التركيز على الصراع مع القوى السنية؟».

ولكن، كيف نظر المفكر فخرو إلى التقسيم واللعبة الصهيونية؟ وقبل أن أقدم ما طرحه، أود أن يتأمل القاريء الكريم ما قاله فخرو بشأن أن ظاهرة الانقسام الطائفي لا تهدد المجتمعات من الناحية الاجتماعية والسياسية، ولكنه يهدد الإسلام نفسه! فالذين يعتقدون أن الدين الإسلامي يمكن أن يكون في منأى فهو مخطيء! ولذلك قال: «جربوا التركيز على بعض القراءات وكذلك تكلموا مع بعض الشباب الذين ملوا من هذا الدين الذين يخرج من محنة إلى محنة إلى محنة ولا يقف عند محنة معينة، وهو شبيه بما جرى في أوروبا عندما أصبح الناس ينفضون من حول الدين المسيحي – ليس من الناحية السياسية – ولكن من الناحية الروحية، وبقيت الكنائس خالية لسنين طويلة وإلى اليوم في بعض البلدان. لذلك، فإن الجانب الروحي والديني ينتهي عندما لا يعرف رجال الدين والمؤسسات الدينية كيف تتعامل مع مجتمعاتها إلى أن وصلت القضية إلى النحر كما نرى في سورية والعراق واليمن أو حتى ما نراه في مصر التي لم نكن نتصور أن يحدث فيها انقسام طائفي».انتهى الاقتباس.

الآن، عن الدور الصهيوني في إثارة الطائفية، فإن فخرو يرى أنه مخطط منذ سنين لأن يتم تقسيم المنطقة على أساس قبائلي، وإن لم يفلح يتجهون إلى التقسيم الديني، وإن لم يفلح يتجهون إلى تقسيم آخر فالمهم في نهاية الأمر هو التقسيم، والمطلوب هو قراءة التاريخ قراءةً جيدة بحيث نكون صريحين تماماً ولا نغنغن في تاريخ الانقسام في الدين الإسلامي، ونتعامل معه كتاريخ ولا نخاف من أن يمس هذا الشخص أو ذاك ممن أخطأوا… حتى يعرف الناس ما خفي عنهم. لابد من قراءة المسبب التاريخي والثقافي والتربوي واللغوي فعلى المدى الطويل هناك حل، ذلك أن كل العالم عنده تاريخ يدرسه ويستفيد منه إلا نحن! نصر على أن نعيش التاريخ.. أن نرجع إلى الوراء 1400 سنة ونعيش مثل من عاشوا في ذلك الوقت».

بشكل عام، كما يرى الباحث حارث حسن، يبدو أن واشنطن، وصانعي السياسة ومؤسسات البحث فيها، باتت تعطي جدية أكبر لموضوع الانقسام السني ـ الشيعي وآثاره على الجغرافيا السياسية للمنطقة، وهنالك عدة مشاريع بحثية تجري لاقتراح توصيات للسياسة الأميركية حول سبل التعامل مع هذا الانقسام، ويمكن القول إن الجدل ينحصر بين نظريتين، الأولى تعد هذا الانقسامَ تهديداً، والأخرى تراه فرصة، لكن النتيجة التي توصل إليها الباحث هي أن «الشرق الأوسط الطائفي» يعكس حالة من النكوص السياسي، والاجتماعي، والثقافي، التي تعيشها المنطقة عموماً. وبقدر التهديدات المخيفة، التي يصنعها الانقسام الطائفي، مع هيمنة جيل من النخب السياسية، والدينية، والثقافية، والمالية، التي سلّمت عقولَها لأيديوجيات طائفية، أو وجدت فرصة في الانقسامات المذهبية لتوسيع نفوذها السياسي، هنالك، أيضاً، فرصة لتبلور إدراك واسع لخطورة المنزلق الذي نتجه نحوه، بسبب سيطرة هذه النخب، وفرصة لتبلور تيار بديل، يرى أن تفكيك هذا الصراع يتطلب تفكيك الأسس السياسية، والفكرية، والثقافية، والاقتصادية، التي صنعت هيمنة تلك النخب.

سعيد محمد سعيد

الكلب… «طلع براءة»!

 

تسببت القناة الأولى الصهيونية في إثارة الرأي العام، الفلسطيني والإسرائيلي، بعد أن بثّت مقطعاً يظهر جندياً صهيونياً داخل مركبة عسكرية وهو يستخدم العنف لإجبار شاب فلسطيني على إخراج بطاقة هويته! ولم يكن ذلك الجندي هو المتهم الوحيد في الواقعة، فالكلب الذي كان معه أيضاً كان مشتركاً في الجريمة حيث هدد الصهيوني الشاب بتقريب الكلب المتوحش المخيف منه بينما كان الشاب يبكي هلعاً.

شخصياً، وربما كان هناك الكثيرون معي ممن شاهدوا تقريراً بثته بعض القنوات الفضائية بشكل محدود وأهملته الصحافة العربية، شعرت بالكثير من الاحترام للكلب الذي بدا أكثر «إنسانيةً» من الجندي الصهيوني! ولم لا؟ فعلى مدى سنين، وخصوصاً في العامين الماضيين، شاهد ملايين العرب والمسلمين وغير المسلمين مشاهد في غاية الأسى لجنود وعساكر ومباحث ومخابرات وقراريص ومخبرين وبصاصين ومعذبين، ليسوا صهاينة بل عرباً ومسلمين، وهم ينكّلون بالناس أشد التنكيل، في الاعتصامات والمظاهرات والمسيرات والاحتجاجات بل وحتى في حال القبض على المواطنين، وكذلك داخل السجون. بالمناسبة، هل تتذكرون سجن أبوغريب؟ وهل تتذكرون كيف أثارت صور الجنود الأميركيين وهم يعذّبون العراقيين بشتى أنواع التعذيب – بما فيها استخدام الكلاب والحراب والسباب والبنادق والسلاسل والقنابل- موجة من الغضب «الإنساني» لدى البشر ذوي الضمائر في كل العالم؟ تتذكرونها دون شك، ويبدو لي أن موجة الغضب تصاعدت أيضاً حينما شاهدنا، خلاف الأميركيين، عساكر في بلدان عربية وإسلامية وهي تفعل ما فعله الأميركيون في سجون أبوغريب… بل وأكثر من ذلك.

عوداً إلى الشاب الفلسطيني والكلب والجندي الصهيوني، ظهر الشاب وهو يبكي من شدة التنكيل الذي تعرض له، ومع أن مقطع الفيديو كان يظهر الشاب وعلى وجهه غمامة لا تظهر ملامحه، إلا أن الجندي قُدم للمحاكمة العسكرية على فعلته الشنعاء تلك وأدين بجرمه! لكن المذهل أن «الكلب الحقيقي» طلع براءة، فقد تبيّن أن ذلك الكلب اقترب من الشاب رغم (تحقيش) الجندي له، لمدة لا تزيد على 40 ثانية فقط، و(لم يكن في نيته – أي الكلب أعزكم الله – إطلاقاً البتة… أن يعتدي على الشاب ولربما كان أكثر عطفاً عليه من وحشية الجندي)… في ذمتكم، ألا يستحق ذلك الكلب الاحترام؟.

ولن نذهب بعيداً، فقبل أيامٍ طالب أحد المذيعين في إحدى القنوات المصرية بشراء «كلاب بوليسية» من الخارج وإطلاقها على المتظاهرين عند قصر الاتحادية ومكتب الإرشاد في «مليونية 30 يونيو»! بل وطالب المذيع بتوزيع الكلاب بواقع 20 كلباً عند قصر الاتحادية، و20 كلباً آخر عند مكتب الإرشاد لمهاجمة المتظاهرين، وستقوم الكلاب بالدور المطلوب منها، في حين أن الشرطة يمكنها المشاهدة أثناء ذلك، فالكلاب، حسب المذيع الفظيع، مدربة وموجودة لدى جهاز الشرطة في مصر، مطالباً مؤسسة الرئاسة باستيرادها من الخارج إذا لم تكن «الكلاب» كافية، قائلاً: «استوردوهم مش خسارة فيهم الفلوس خالص».

وعلى أية حال، فذلك الكلب، وإن تمت تبرئته، إلا أن هناك آلاف الكلاب تورطوا في جرائم ارتكبها الجنود الصهاينة، ويبدو أنهم كانوا مجبرين! فهم لم يتصرفوا تصرفات شخصية من تلقاء أنفسهم، بل هناك من «أجبرهم»، على إثر ذلك، كان لمنظمة «بوتيسليم» اليهودية المدافعة عن حقوق الإنسان موقف حيث رفعت طلباً إلى المستشار القضائي الصهيوني في الضفة الغربية لمنع استخدام الكلاب للاعتداء على المدنيين! وصدر تقريرها بعد أن اعتدى جنود صهاينة على اثنين من الفلسطينيين حاولا الدخول بحثاً عن لقمة العيش في مناطق الكيان الصهيوني. وجاء في رسالة المدير العام للمنظمة، جيسيكا مونتيل، «أن استخدام كلاب ضارية ضد المدنيين في مثل هذه الظروف هو أمرٌ مرفوضٌ أساساً وغير أخلاقيّ. الحديث يدور عن وسيلة خطيرة لا يمكن السيطرة عليها، وهي تدبّ الذعر بين جمهور واسع، كما أدّت حتى الآن إلى إلحاق أضرار جسيمة بمدنيين».

هناك عامل مشترك بين الجندي الصهيوني، ومذيع قناة «الناس» الذي طالب باستخدام الكلاب في الهجوم على المدنيين، ألا وهو أن الاثنين، الجندي والمذيع، كلبان في هيئة بشر، فيما الكلب الحقيقي الذي رفض إرهاب الشاب، أراد أن يضرب للناس مثلاً وهو أن في العالم العربي والإسلامي «كلاباً» بشرية أشد وحشية من أخطر أنواع الكلاب «الحيوانية» الشرسة. وأشد تلك الكلاب البشرية وحشيةً وهمجيةً وضراوةً وخطورةً هي تلك التي تسفك دماء الناس وفق شريعة الغاب… وتُكبر.

سعيد محمد سعيد

تطرف الشباب… من يغذيه؟

 

بتشاؤم، وربما هم على حق إلى حد كبير، يرى الكثير من الباحثين العرب بأن ظاهرة التطرف بين أوساط الشباب، لاسيما في الوطن العربي، ستأخذ منحى تصاعدياً خطيراً في المستقبل، وليس السبب في ذلك يعود إلى انتشار الخطاب الديني المتطرف شديد الخطورة ذي الشكل الدموي في غالبه، بل يعود أيضاً إلى إصرار الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي على انتهاج سياسات قمعية، حتى في دول الثورات، بالإضافة إلى التأثير الخطير، المدعوم من بعض تلك الحكومات، للإعلام المشجّع لخطاب التحريض والطائفية والكراهية.

الباحث في العلوم السياسية والمتخصّص في قضايا الإرهاب بجامعة محمد الخامس يونس زكور، يرى أن التطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عمّا هو معتاد ومتعارف عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً، دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة؛ أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف، فإنه يتحول إلى إرهاب. فالتطرف دائماً في دائرة الفكر، أما عندما يتحوّل الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحوّل إلى إرهاب. وطبقاً لذلك، يعتقد أن التطرف لا يعاقب عليه القانون ولا يعتبره جريمة، بينما الإرهاب جريمةٌ يعاقب عليها القانون، فالتطرف هو حركة اتجاه القاعدة الاجتماعية والقانونية ومن ثم يصعب تجريمه، فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون باعتبار هذا الأخير لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي المجرم هو حركة عكس القاعدة القانونية ومن ثم يتم تجريمه.

على مستوى الوطن العربي، فإن الحكومات، إن لم تبادر بمسئولية وحرص وإدراك وحزم، لتحسين الواقع الشبابي، سواءً على مستوى التربية والتعليم والعمل والشباب والرياضة، فإننا سنكون، حسب ظني المتواضع، أمام عقدين من الزمان قادمين، نواجه فيهما جيلاً متطرفاً بشدة، في الكثير من الأفكار والسلوكيات.. وحينها، لن تنفع الحلول الاجتماعية ولا الحلول الإستراتيجية ولا الأمنية ولا يحزنون. بل لن تتمكن، لا الدولة ولا حتى قادة الرأي، من رموز دينية كانت أم سياسية أم شبابية، من تطويق حركة تشبه التمرد على واقع الشباب.

ومن المهم الاستدراك هنا للإشارة إلى أنني لا أقصد أن يتطرف الشباب لمجرد القول أنهم محرومون من حقوقهم، وبذلك، نستسيغ التصرفات الطائشة التي تبدأ بترك مقاعد الدراسة في مختلف مراحلها، ثم التسبب بمشاكل لأنفسهم ولذويهم ثم لمجتمعهم. صحيحٌ أن الكثير من الشباب في مجتمعنا يعانون من مشكلات تحول دون تحقيق طموحاتهم، وبعضهم يحمل الهموم الوطنية، السياسية، الاجتماعية، الديمقراطية، لكن هذا لا يعني أن كلهم بلا استثناء يملكون الإدراك والقدرة للتعاطي مع قضايا المجتمع.

واستناداً إلى دراسة خليجية، فإن غياب الوعي الديني لدى الشباب يمثل المرتبة الأول في أسباب ظاهرة التطرف بنسبة 72.7 بالمئة، مقابل 4.8 بالمئة من العينة عارضت ذلك، ووافقت 42.5 في المئة من إجمالي عينة الدراسة موافقة تامة على أن بعض وسائل الإعلام شجعت أفكار وأطروحات التطرف والمتطرفين، بالإضافة إلى 36.7 في المئة وافقت على ذلك و لكن في خانة (إلى حدٍ ما). وحول الاعتداءات الظالمة على بعض الشعوب الإسلامية من خلال بعض وسائل الإعلام، بلغت نسبة المؤكدين على أن تلك الاعتداءات تعد سبباً من أسباب بروز ظاهرة التطرف وبلغت نسبتهم 59.9 في المئة.

حتى المعالجات التي يطرحها المهتمون، تصطدم بواقع أشد سطوة! فدعاة الوسطية في العالم العربي والإسلامي، لا يمتلكون ذات القوة والنفوذ الذي يمتلكه دعاة التطرف! ولعل مؤسس ورئيس المركز العالمي للوسطية في الكويت عادل عبدالله الفلاح، واحد من أبرز الشخصيات التي وضعت خطوطاً عريضةً لمواجهة التطرف والغلو والإرهاب، لكنه كان ولا يزال يشدد على ضرورة أن يساهم العلماء في حماية وتحصين المسلمين من مخاطر الانزلاق إلى مجاهل تلك الأفكار، وتوضيح مبادئ الإسلام لغير المسلمين. وهو يرى أن فكر الوسطية في المفهوم العصري يستند إلى أربعة ركائز أساسية، وهي: الحوار، وقبول الرأي الآخر، واحترام الرأي الآخر في حال عدم قبوله، والتعايش السلمي مع الآخرين، ففي ذلك حماية لوحدة المجتمعات. لكن مع الأسف، من اليسير جداً معرفة دور من يسمون أنفسهم علماء ومشايخ وهم أحرص على… تدمير المجتمعات.