سعيد محمد سعيد

صوت «الحسين»… المزلزل

 

كثيرة هي الحوارات التي تدور بيني وبين العديد من الاخوة الأعزاء سنوياً، لاسيما في موسم عاشوراء، ولا سيما أكثر، مع من اعتنق فكرة قديمة تليدة! وهي أن موسم عاشوراء هو موسم للتناحر والبغضاء ونشر العداء والتطاحن والطائفية بين المسلمين، والنيل من رموز دينية تاريخية لها مكانتها، وتأليب الطوائف ضد بعضها البعض وقائمة طويلة من المشاهد والصور والأفكار السوداء، فيما تغيب عن عقول أولئك وعيونهم أي صورة إسلامية اجتماعية إنسانية رائعة هي الأكثر بروزاً في موسم عاشوراء.

ولعلني أتساءل: «لماذا حقاً، يتم تغييب صور الإحياء العاشورائي بدلالاتها الدينية والعقائدية والفكرية والإنسانية، وتتصدر، عمداً، أنشطة التصيد المقصود للإساءة إلى هذه الذكرى الإسلامية العظيمة؟ ومن يقوم بهذا الفعل؟». ولابد أولاً من الاتفاق مع الآراء التي تقول بأن هناك ممارسات يقوم بها البعض في عاشوراء كل عام، فيها من الإساءة والتشويه للمذهب وللذكرى، وهذه الممارسات التي عادةً ما تكون محدودة ويتصدى لها العلماء والخطباء والرواديد ويحذرون منها، إلا أنه من غير الإنصاف أن يبقى البعض على مسلكه في التصيد السيئ الهادف إلى تأجيج الفتنة، ويتناسى، عامداً أيضاً، كل الممارسات ذات الطابع الإسلامي والاجتماعي والإنساني والثقافي الرفيع؟

إن بضع ممارسات متكررة تصدر من فئة محدودة من خطباء المنبر الحسيني غير المؤهلين ممن يثيرون مواضيع الصدام المذهبي التاريخي أو ممن يبتعدون عن البحث العلمي والفقهي الأصيل، ويعتمدون في خطبهم على الماورائيات والخزعبلات والخرافات، أو بضع ممارسات من جانب فئة من المشاركين في مواكب العزاء أو المتفرجين بما فيها عروض الأزياء والمعاكسات التي تصدر من بعض الشباب من الجنسين، لا يمكن أن تكون هي الصورة الرئيسية لهذه الذكرى الإسلامية العظيمة بكل مبادئها وأبعادها، إلا بالنسبة لمن سخر نفسه في الفضائيات والمواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي والمنشورات والكتب والمحاضرات التكفيرية الطائفية الخبيثة. فهو بالطبع، يتعمد عن قصد، تصيد تلك الممارسات المرفوضة، خصوصاً في موسم يشارك فيه الملايين حول العالم، وليس من صالحه قطعاً أن يكون منصفاً.

وعندما أقول أن (ليس من صالحه أن يكون منصفاً)، وأقصد جوقة العداء المذهبي في الفضائيات والإعلام الإلكتروني وبعض الصحف، فإنه، على سبيل المثال لا الحصر، حين يصوّر المعزين على أنهم دمويون يفعلون ما لا علاقة له بالإسلام، يغمض العين عن حملات التبرع بالدم سنوياً، ذات الارتباط الوثيق بالإسلام. وحين يقتطع مشاهد لبعض الخطباء ويتفنن في القطع واللصق لنيل الإساءة في صورة قبلها ذوي العقول الطائفية المريضة، يتعمد الابتعاد تماماً عن العلماء والخطباء والمثقفين الذين يقدمون محاضرات وكتابات قمة في الرقي من ناحية تناولها لمعاني وأهداف النهضة الحسينية العظيمة التي لا يمكن أن تموت أبداً، كونها تمثل مبادئ الإسلام ذاته. وحينما يتعمد ملاحقة المظاهر الدخيلة على إحياء موسم عاشوراء في بعض الدول وخصوصاً الآسيوية كالطقوس الغريبة التي لا علاقة لها بالمذهب الشيعي، لا من قريب ولا من بعيد، تجده يهرب بعيداً عن الندوات والمؤتمرات التي تجمع علماء الطائفتين الكريمتين، ويشارك فيها رجال دين ومفكرون من مختلف الأديان، وتبرز ذلك «الصوت الحسيني المزلزل» الذي يدعو إلى الإصلاح والسلام والمحبة والمساواة والفداء والتضحية ورفع راية الإسلام، ويحارب الجور والطغيان والفساد والاستبداد والظلم. ليس في صالحه أبداً إلا أن يكون جرثومةً تعيش حيث يمكن أن تكون أفكاره الخبيثة حاضرةً نشطة.

ولأن أولئك (الجرثوميين) يستمدون أيضاً بقاءهم من ممارسات التناحر الآثمة التي يتبعهم فيها من رضي باعتناق الأفكار المنحرفة، فإن نتاج ذلك الشحن لا يظهر فقط في صور البيانات الإجرامية الجبانة التي تدعو إلى الدموية والقتل والانتقام من «الكفار» وحسب، بل يتبعها إعلان استعداد «فصيل من الجرثوميين» لأن يلبسوا الأحزمة الناسفة ويفخّخوا السيارات ويفجرونها في المآتم والحسينيات ومواكب العزاء كما هو الحال في العراق وباكستان، لكي يضمنوا دخول الجنة مع من أوصاهم بهذا الفعل.

«فلا عجب، بعد مرور 1374 عاماً على نهضة الإمام الحسين عليه السلام في محرم من العام 61 للهجرة، أن يجد أحرار الدنيا اليوم هويتهم في الحسين (ع)، ويبحث الأراذل عن صلة قرابة بيزيد، فالصوت الحسيني المزلزل هو صوت جده المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولأنه صوت جده النبي الأكرم، فإنه صوت الحق الإسلامي، ومهما فعل التكفيريون والمفجّرون والمفخخون للبطون والكروش والعقول الشيطانية، فلن يتمكنوا أبداً من محو ذلك الصوت المزلزل: وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً… إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر». لقد سبقتهم في ذلك دول وسلاطين وأساطين وأباليس ذهبوا إلى مزابل التاريخ، وبقيت مبادئ الحسين (ع)، تتألق باسم الدين الإسلامي، لا عاماً بعد عام، بل يوماً بعد يوم.

سعيد محمد سعيد

مذكرات مواطن محترم (7)

 

«والله أنكم أغبى الأغبياء. المتعلم منكم والجاهل على حد سواء. من يحمل أعلى الشهادات الجامعية، ومن لم يكمل حتى المرحلة الابتدائية. كلكم أغبياء فاستحوا على وجوهكم. أليس لديكم كرامة؟ أليس لديكم ضمير؟ ثم تعالوا هنا يا من تدعون أنكم أهل إسلام وتوحيد ودين وعروبة.. وتتفاخرون بشيم العرب، هل من شيم العرب أن يجتمع عشرات العساكر من الرجال بشنباتهم العظيمة وعضلاتهم المفتولة لينهالوا بالضرب على امرأة كما شاهدنا في مصر؟ سحلوا لمره سحال.. هل من العروبة والإسلام وقيم الرجولة أن يجتمع حشد من الجنود وكلمن نافخ صدره علشان يكسرون عظام «ياهل» ما وصل خمستعش سنة… شفيكم، ما عندكم مبدأ في حياتكم. مستانسين علشان مشهد في قناة فضائية تافهة يستعرض أسلحة فتاكة وأن الحرب قادمة وتكبرون بعد؟ لا.. وكلمن يفتي من صوب.. أقول، بو يوسف.. قابلني بس خلني أشدخك جم شوط كيرم».

في ذلك المجلس، حتى مع لعب الكيرم والورق والدومينو، كان النقاش يحتدم بين بعض الحضور في شأن الأوضاع التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، ولم يكن كلام المواطن المحترم هو الأكثر هجوماً وشراسةً، بل تحدث أحد الحضور صارخاً ومستنكراً ما يفعله بعض (مشايخ الدين) المسكوت عنهم وما ينفثونه من سموم الصدام والخلاف والفرقة والتناحر الطائفي.

هنا، ترك المواطن المحترم حصانه على رقعة الشطرنج واستدار للمتحدث وخاطبه ضاحكاً: «يا بوالشباب.. إنت علبالك شيوخ الفتنة يتكلمون منهم ومن نفسهم بس.. حبيبي، هناك ريموت كونترول وفلوس تندفع… ونحن وإياكم والكثيرون غيرنا نرى ونشاهد ونسمع لكن القليل منا من يدفعه التفكير لأن يتساءل لماذا يفعل هؤلاء كل هذا؟

وعلى أية حال يا صاحبي، تأكد أنه كلما بقيت الفتنة والتناحر المذهبي في المجتمعات قائمة، كان ذلك أفضل بالنسبة لمن يعشق رؤية مجتمع المسلمين وأبناءه في تناحر مستمر ليسهل عليه تنفيذ مؤامراته، ولا تقل لي أنه لا توجد حكومات عربية وإسلامية هي من يؤجج ويستخدم شيوخ الطين والإعلام والصحافة وكل ما تصل إليه يدهم لتأجيج النار… لا حبيبي، يدفعون ونص، وليس للمغفلين من الناس إلا أن يعتقدوا ويصدقوا أن أولئك همهم حماية الدين والأوطان! حبيبي، ما يهمهم إلا جيوبهم».

«اسمعوا اسمعوا ياجماعة».. كان أحد الحاضرين يقرأ نصاً من إحدى الصحف… «يقول لكم فلان العلاني في تصريحه الصحفي الخطير، أنه يتوجب على العلماء والوجهاء والنخب المثقفة والناشطين في العمل الخيري والاجتماعي أن يتصدوا لكل ما يثير الفتنة والانقسام، وأن يحافظوا على النسيج الاجتماعي ويقدموا مصلحة الوطن العامة، مؤكداً فلان الفلاني ضرورة تجنيب السلم الأهلي من كل ما من شأنه إلحاق الضرر بالمسلمين من كل الطوائف»… ها، ما رأيكم في هذا الكلام الجميل؟

ولم يطل الوقت لتلقي الإجابة من المواطن المحترم الذي قال أن هذا الفلان الفلاني كذاب أشر! نعم، ولا تصدّقوا ما يقوله في الصحف ونحن نعلم أنه من أكثر الناس الذين يشعرون بالسعادة وهم يرون المجتمع الإسلامي في تناحر وقد تابعنا الكثير من خطبه وتصريحاته… خله يولي يبه هذا إلا واحد تفلنزي.

أما الرجل الذي كان يلعب الشطرنج مع المواطن المحترم، فقد شعر بنشوة الفوز وهو يهزم المواطن المحترم في آخر تحريكة له على الرقعة.. ومع استسلام الموطن المحترم، إلا أن ذلك الرجل خاطب الناس في المجلس قائلاً: «شوفوا ياجماعة رقعة الشطرنج… هكذا يعبث بنا الغرب والشرق والشمال والجنوب نحن أبناء الأمة الإسلامية.. هكذا انظروا.. حرك الجندي.. ارفع الفيل.. اهجم بالقلعة.. دع الوزير يفعل ما يشاء.. ثم، لتكن خطتك محكمة حتى تنعم بالنصر».

«إي والله كلامك جميل يا خوي».. تحدّث المواطن المحترم وهو يبدي إعجابه بالمثال الذي ضربه ذلك الرجل على رقعة الشطرنج، حتى أنه زاد عليه بحركة إضافية، وهي الضحك على القطع التي وقعت خارج الرقعة.. راحت عليها.. مرمية رمية الجثث».. فضحك الجميع وعم الفرح والسرور وانطلقت حفلة الزار.

سعيد محمد سعيد

مذكرات مواطن محترم (6)

 

تخيّل المواطن المحترم نفسه طفلاً في مرحلة الروضة أو الابتدائية، ربما عندما استدعاه أحدهم إلى مجلسه ليأخذ بيده إلى طريق الصلاح والفلاح والمواطنة الصالحة، وليعلمه ما الفرق بين حب الحكومة وكره الحكومة! وما الفرق بين أن تكون مخلصاً أم خائناً، حتى إذا طال به المقام مع ذلك الشخص، هبّ المواطن المحترم واقفاً قائلاً لذلك الرجل: «يا هذا، أتعبتني وأتعبت نفسك… أنت أولاً إذهب وتعلّم ما هو الفرق بين حب الأوطان، وهو الأساس لكل الشعوب، وبين حبّ الحكومات، التي تذهب في ستين داهية، فكل الشعوب تحب أوطانها وليس بالضرورة أن تحب حكوماتها. شفيك إنت… ميهل».

ومع ذلك، فالمواطن المحترم بدا مستغرباً مما يصر البعض على تبيانه للآخرين، وكأنهم أوصياء على الناس يعلمونهم ما يتوجب عليهم أن يقوموا به. ذلك المواطن المحترم يحتقر أولئك الذين يتاجرون بحب الوطن والولاء والانتماء بفكر مجوف ودوافع مصلحة شخصية، حتى أن الكثيرين من المغفلين يضعون أولئك التجار في المقدمة حين يتابعون أكاذيبهم ونفاقهم وتلونهم، ويعرضون بضاعتهم الخسيسة على حساب الوطن والمواطنين، وللأسف، يجدون من يشتريها!

تذكر تلك الشخصية التي وضعها الناس على رؤوسها نظير ما تعمل وتجتهد وتدافع عن الوطن وعن ولاة الأمر، وأنها تبذل الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن الوطن وأهله، وعندما تسرّب ما تسرّب، وعلموا أن تلك الشخصية كهاتف العملة، لم ولن تتحدث إلا بالدفع المسبق، وعندما علموا بأن الهبات والأعطيات وآلاف الدنانير دخلت في جيبها، بصقوا عليها أعزكم الله واستصغروها، ومع ذلك بقيت جوقة المغفلين ذوي العقول الصفيحية يقولون: «شعاد… تستاهل! أهم شيء أنها تدافع عن الوطن! خل تاخذ فلوس نظير عملها»! فيتحوّل الموضوع لديهم إلى متاجرة باسم الوطن، وهي متاجرة مقبولة ومباركة ومثاب عليها صاحبها، وكأن الدفاع عن الأوطان، وفق تلك العقلية السخيفة، يلزم بلا بأس ولا مانع، أن يكون مدفوع الثمن.

ذات يوم، أحب المواطن المحترم أن يتحدّث مع واحدٍ من أولئك المتاجرين. توجّه إليه بصفته كاتباً صحافياً كبيراً ذائع الصيت والشهرة، فطلب منه أن ينقل معاناته بسبب ما يواجهه من ضيق في حياته المعيشية، فما كان من ذلك الكاتب العظيم حتى استقبله بالأحضان ووعده خيراً. انتظر المواطن المحترم وانتظر أن يرى من ذلك الكاتب ولو سطراً واحداً ينقل فيه معاناته لكنه لم يجد! تهرّب واختفى وصدّ إلى أن كلّمه هاتفياً متسائلاً عن عدم نشر موضوعه، وإذا بذلك الكاتب يصدمه بالجواب: «هناك قضايا تزعج طويلين العمر… شفيك إنت.. ميهل».

ذهب إلى آخر يسرح ويمرح ويصول ويجول في الإدعاء بأنه رهن إشارة المواطن، فما صار نائباً إلا لخدمة الوطن والمواطنين. هو يحب أن يظهر أمام الملأ وكأنه الوحيد الموالي والمحبّ لولاة الأمر، وهو الوحيد الذي يحمل لواء الدفاع عن الوطن والذود عن مصالح المواطنين (جميعاً دون استثناء كما يكرّر دائماً باعتباره نائباً لشعب وليس لطائفة)، لكن كيف أجزم بأنه الوحيد في هذه الفضائل والمناقب؟ فهو الفريد من نوعه، ولا يوجد «نائب» يمتلك من الشجاعة والجرأة والنبل والدفاع عن الحق مثله! يعمل ليل نهار على خدمة الوطن في «مطبخ مليء بالوجبات الدسمة» التي تجعل أهل البلاد كلهم يتناولونها، بل تخرج عن مائدة الوطن لتصبح مائدة إقليمية… وكل طبخة، أفضل من سابقتها قطعاً. استقبله بالأحضان ووعده خيراً! لكنه كغيره، من المتاجرين بحب الأوطان، لا يعمل إلا لنفسه ولأهله ولقومه فقط، أما نشيدة خدمة المواطنين، فهي من أفضل وأكثر أنواع الأهازيج الكريهة المنتشرة بين المغفلين.

المواطن المحترم ضجّ وملّ من كل هذه الصور القبيحة السيئة، وملّ أكثر ممن يروّج لهم ويقبل بأن يكون لهم مداساً ومطيةًً ليصعدوا على ظهورهم، لكنه مع ذلك خاطب نفسه قائلاً: «أهم شيء الأخلاق… والسلام ختام».

سعيد محمد سعيد

مذكرات مواطن محترم (5)

 

لم يتمكن المواطن المحترم من إخفاء غيظه وغضبه من ذلك الخطيب الذي كان يلعلع بأعلى صوته مادحاً ومثنياً وذاكراً مناقب فلان وعلان، حتى أنه بعد انتهاء الصلاة لحقه إلى سيارته وقال له: «جزاك الله خير الجزاء يا شيخنا الفاضل، والله أنك من أهل الحق ومن المدافعين عن الحق وممن يخافون الله ويقولون الحق ولا يخشون في الله لومة لائم».

ويبدو أن ذلك الخطيب لم يصدق كلام المواطن المحترم، وشعر بأنه يسخر منه! فالخطيب، يعرف نفسه أنه ما قال الحق يوماً! ويدرك أكثر وأكثر إنما هو لا يقول إلا ما يملأ جيوبه بالفضة والذهب… صمت برهة ثم نظر إلى المواطن المحترم نظرة استغراب وأردف «ماذا تقصد؟ ماذا وراءك؟ ما الذي تريده؟»… في تلك اللحظات، تجمهر بعض الناس حولهما فإذا بالمواطن المحترم يقول: «ألا تمل من الشيكات يا هذا؟ هل تشعر بالفرح والسعادة والفخر وأنت تملأ عقول هؤلاء، ومعظمهم من الآسيويين الذين لا يفقهون أصلاً ماذا تقول، ومعهم قلة من المواطنين والعرب الذين هم أيضاً لا يستطيعون أن يردوا كلامك المليء بالنفاق والباطل والتحريض والتهريج؟ تمدح فلان وعلان وتجعل من المواطن المسكين وكأنه بهيمة الأنعام؟ ألا تستحي على وجهك؟ أليس لديك الجرأة لأن تتحدث عن حال المواطن الذي يعاني الويلات في حياته؟ هل هذه مسئوليتك أمام الله والناس؟ ثم تعال… متى ستكبر ويكبر المخ الذي يقع داخل هذا الرأس الكبير؟ ما عندك إلا فتنة وتأليب وشتائم، وإذا وصلت إلى خط هذا المسئول أو ذاك صرت كالنعجة؟.

حوقل الخطيب واستغفر وركب سيارته والمواطن المحترم يلاحقه بكلماته: «أي نعم حوقل واستغفر وقص علينه… تعال لا تروح ما خلصت كلامي… تعال اطلع فيك وفي أشكالك الحرة… يللي ما تستحون… أي دين تعرفون؟ شاطرين في الضحك على عقول الناس، والقهر أن بعض الناس يصدق كلامكم الغبي… تعال».

غادر ذلك الخطيب مسرعاً بسيارته فيما كان بعض الحاضرين يحاول تهدئة المواطن المحترم: «صلِ على النبي يا خوي… تعوذ من الشيطان… هدئ أعصابك واكسر الشر»، فيما آخرين كانوا من جوقة الخطيب تصدوا له واسمعوه كلاماً قاسياً: «ترى الشيخ تاج راسك… من أنت حتى تقف أمام هذا الأسد… نعم هو أسد الحق على أهل الباطل»… وبالطبع كان المواطن المحترم يستمع لهم ويضحك بصوت عالٍ لأنه يدرك أنهم من مجموعته الذين يحصلون على فتات موائده ويدهن سيرهم وهم دائماً على أهبة الاستعداد لأن يدافعوا عنهم مهما كان نوع دهان السير، لكن المواطن المحترم لم يسكت لهم وأسمعهم هو الآخر كلاماً لم يعجبهم: «أنت لستم سوى دمى… تصدقون نعيق هؤلاء الذين وجدوا فيكم مجموعة من الأغبياء الذين يصفقون لكل شيء… مطالب معيشية يصدحون بها وتذهب أدراج الرياح وأنتم تصفقون… عرايض ومواقف وتهديد ووعيد وأنتم تصدقون… سيطردون السفير الفلاني والعلاني وسيقفون أمام بيته كالأسود ثم يصبحون كالخرفان وأنتم تصفقون… دائماً تصفقون لأن التصفيق لديكم مدفوع الثمن… اغربوا عن وجهي».

انتهى المشهد ولايزال المواطن المحترم في حنقه وغيظه… كان يستذكر العديد من المشاهد التي أصبحت موضة لدى بعض الخطباء والنواب والمتسلقين والمصفقين والمطبلين كلهم يلهثون وراء الهبات والأعطيات ويرجون من الممدوحين ما لا يرجو غيرهم، وعندما وصل إلى بيته وجد ثلاثة أشخاص ينتظرونه وعلى وجوههم ملامح المتوحشين… لم ينظر لهم ولم يسلم عليهم وعندها هم بدخول منزله وقف أحدهم أمامه نافخاً صدره وقال: «هذه أول وآخر مرة تخاطب فيها فضيلة الشيخ بهذه الطريقة… هل سمعت؟ وإلا سترى ما لا يسرك… يجب أن تعلم أن فضيلة الشيخ رجل لا يقول إلا الحق وهو يواجه أهل الباطل والمنكر ويقارع الخونة والمتآمرين ويحذر البلاد والعباد منهم»… بالطبع، لم يمتلك المواطن المحترم الشجاعة لأن يواجه ثلاثة أشخاص مدفوعي الأجر، إلا أنه حاول أن يتمالك نفسه ويظهر في مظهر الشجاع فقال: «هل جئتم لتضربونني مثلاً؟ إن ذلك الرجل الذي تجعلونه في مقام الأنبياء إنما هو يضحك عليكم ويخدعكم وأنت تعلمون ذلك، وتعلمون أيضاً أن أمثال هؤلاء لا تهمهم قضايا الناس ومصلحة الناس ومعيشة الناس، إنما يهمهم جيبهم فقط… لكن على أية حال، أعدكم بأنني لن أكررها… وعد… أي والله وعد… وما راح أطب أصلاً المسجد الذي يصلي فيه أسدكم، فأنا أفضل الصلاة مع بني البشر».

سعيد محمد سعيد

مذكرات مواطن «محترم» (4)

 

منذ أن خرج المواطن المحترم من بيته في ذلك الصباح وهو يشعر بأن يومه لن يكون طيباً على الإطلاق! مشياً على الأقدام وصل إلى الشارع العمومي منتظراً في محطة النقل العام أية وسيلة تقله إلى مقصده بعد أن عانى الويل من سيارته المقعدة في ورشة التصليح منذ عدة أيام، وفي الوقت ذاته، لا يستطيع شراء قطع الغيار المطلوبة فثمنها يفرض عليه أن ينتظر المعاش.

توقفت سيارة نقل صغيرة «بيك أب» فصعد حاشراً نفسه مع بعض الآسيويين. أعجبه الموضوع الذي كان يسمعه من المذياع فتحدث مع السائق قائلاً: «اللخو، خوش موضوع يناقشونه… أي والله يا الشيخ ترى الناس صارت تهتك أعراض بعضها بعض. بيوت تتهدم بسبب هالشغلة وأسر تضيع. لا والكل والبعض يعطيك مبررات على ما يفعله من فعل محرم. استغفر الله ربي وأتوب إليه. عطه صوت يا الحجي خل نسمع شوي».

كان البرنامج الإذاعي مخصصاً لموقف الدين الإسلامي من انتهاك الأعراض بالقول أو بالفعل، أو بالتآمر وتعمد تشويه سمعة الناس، حتى أن سائق الأجرة تحدث عن الجزء الماضي من البرنامج الذي لم يلحق عليه المواطن المحترم: «تصدق يا خوي… قبل شوي كانوا يتكلمون عن انتهاك الأعراض في الجاهلية. يقول لك، في ذلك الأوان، كان الساقطين من الناس يستعينيون ببعض الشعراء الساقطين، فيقوم الأول بمنح مبلغ من المال للثاني، الشاعر، ليكتب قصيدة يهجو فيها عرض غريمه. والثاني، ألا وهو الشاعر، كان يمشي ويردد تلك القصيدة حتى تنتشر بين الناس في القبائل. لا وأزيدك… شايف شلون بعض المنتديات الإلكترونية وشاكلتها؟ في الجاهلية كان هناك ما يشابهها تماماً! فيجتمع بعض الساقطين المتفقين على خراب بيوت الناس وينالون من الأعراض بكل تفاخر واعتزاز. وكلما استطاع الساقط أن ينال من عرض فلان أو علان أكثر كلما دفع له الساقط الذي استخدمه أكثر وأكثر».

المواطن المحترم بدا متأثراً جداً! حتى أنه وجه كلامه إلى السائق معبراً عن استيائه ممن ينسبون أنفسهم إلى الدين الإسلامي الحنيف، ويخوضون في أعراض الناس ويشهرون بهم ويشوهون سمعتهم، لكنه فجأة غضب بشدة وهو يقول: «يا أخي هناك بشر لا يخافون الله؟ هل تعلم بأن أحدهم ممن اشتهر بانتهاك أعراض الناس والنيل منهم في المنتديات وفي وسائل التواصل التي انتشرت في الآونة الأخيرة من فيس بوك وتويتر وانستغرام وغيرها.. كان يبرر لنفسه ما يفعل من سوء ومن أفكار شيطانية؟ كان يستخدم كلمات من قبيل – أعزكم الله – أولاد المتعة وأبناء الزنا ليصف من يخالفه في المذهب من الناس! بل ويزداد في عناده وإصراره ليصل الأمر به إلى أن يقول (أصلاً هم كفار) وكل ما نقوله عنهم جائز! والأخطر من ذلك يا أخي، أن هناك نفر من الساقطين مما يدعون أنهم أهل دين وخطابة ومنبر، ويدعون بأنهم من الموحدين، يجاهرون بشتمهم للأعراض والفرح والسرور بما يسمعونه من مثل هذا العمل القبيح. لا.. وتعال عاد روح اشتك على خطيب أو إمام جمعة شتم إنسان أو طائفة أو تجاوز حدوده، تقول (مقري عليه هالزفت)، قضيتك ستكون حبيسة الأدراج.. حسبي الله ونعم الوكيل عليهم».

«بس.. بس.. وقف هني ياللخو.. هني بنزل».. وكان نزوله من سيارة الأجرة بداية تحقق شعوره بأن يومه لن يكون طيباً. ثلاثة من الشباب يمشون ببطء في سيارتهم وهم يتحرشون بعاملة منزل آسيوية، لكن ما أغضبه فعلاً، هو أنه في الجوار، وبالقرب من أحد الدكاكين، كان بعض الرجال يجلسون وهم يشاهدون المنظر وكأنهم يستمتعون به. صرخ في الشبان الثلاثة: «شفيكم… ما تستحون على وجوهكم؟ ما عندكم دين؟ ما عندكم أهل تخافون عليهم؟ عيب يبه عيب. ما تعرفون السنع. ما تعرفون الحلال والحرام. ما تعرفون الأخلاق؟ خلوها هالمسكينة تروح في حال سبيلها». وما هي إلا لحظات بعد كلماته تلك حتى نزل إليه اثنان وحاولوا الاعتداء عليه، لكن ما منعهم هو عبور سيارة فيها بعض الرجال الذين توقفوا ليتبينوا ما يحدث: «صلوا على النبي يا جماعة. استهدوا بالله، شصاير؟ قال المواطن المحترم: هؤلاء كانوا يتحرّشون بعاملة منزل آسيوية. مسكينة كانت خايفة وترتجف وهي تمشي. هاذي موب أخلاق أهل البحرين يبه.

وهنا ركب الشباب السيارة ومضوا خوفاً من أن ينالهم من الجماعة ما ينالهم، أما المواطن المحترم فقد توجه للرجال الجالسين بالقرب من الدكان وعاتبهم: «يا جماعة… يا وجوه الخير، تشاهدون هذه المسكينة في هذا الموقف ولا تردعون هؤلاء؟ ما تبغون الثواب؟ ترى هي امرأة، وهي عرض… حتى لو لم تكن مسلمة. لكن لسان الجميع كان معقوداً عدا أحدهم الذي قال: «ما نبغي مشاكل يا اللخو». ردّ عليه: «طيب.. هل ترضاها على أهلك لا سمح الله؟». هذه مسئولية يا أخي العزيز أمام الله ورسوله وأمام الناس… لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

في تلك الليلة، كان المواطن المحترم يحكي القصة لشلته في المقهى، لكن يبدو أن هذا النوع من الحوادث أصبح مكرراً لدرجة التحول إلى الممل! شعر بذلك فقال مخاطباً نفسه: «الحمد لله أن أولاد الحلال كثيرون. حتى وإن سعى أولاد إبليس لتشويه سمعة بنات الناس وانتهكوا أعراضهم أياً ما كان مبررهم الشيطاني الخسيس، فإن أولاد الحلال موجودون. ألا يعلم أولئك أن من يعتدي على أعراض الناس سيأتي اليوم الذي ينال فيه الشياطين ممن هم على شاكلته من عرضه. ألا يخافون الحوبة؟». عاد إلى منزله وهو يسأل الله أن يستر على بناته وعلى بنات خلق الله من أولئك الخبثاء… أهل الجاهلية.

سعيد محمد سعيد

مذكرات مواطن «محترم» (3)

 

«بان كي مون… الأمين العام للأمم المتحدة بشحمه ولحمه موجود معنا في المقهى… يا مرحبا يا مرحبا»…

بحركة مسرحية فكاهية، هتف «المواطن المحترم» وهو يعلق على نقاش يدور بين شلة الأصدقاء في المقهى الشعبي الذي اعتاد الالتقاء فيه بأحبائه كحال الكثير من البحرينيين. كانوا بين ضاحك ومستهزئ ومستنكر ومصدق ومكذب وذكي وغبي وعاقل وجاهل وهم يتناقلون (زهايمر صحافي… وليس خبرًا صحفيًا) مفاده أن «بان كي مون» يشبه إلى حد كبير شخصية «معروف الإسكافي» في روايات ألف ليلة وليلة… ذلك المعتوه الذي يمكن خداعه والضحك عليه وقضاء وقت في التسالي معه.

«يا جماعة… فكونه بس… مصدقين وايد مثل هالكلام… يبه، أصلًا إحنه نعيش في مجتمعات ما تحترم عقول الناس وتعتبرهم بهائم… لا… أحيانًا تتعامل مع البهائم بصورة أفضل بكثير من البشر… انظروا إلى بعض الصور في الصفحات الأخيرة للصحف أو في صفحات المنوعات أو ما إلى ذلك… ستشاهدون صورًا لحيوانات مدللة… أما القارئ، فهو موضع استهزاء وسخرية من الكثير من الصحف العربية اليوم، والتي تديرها مجموعة من الدخلاء على الصحافة ممن لا هوية ولا عقل ولا قدرة على حمل مسئولية الكلمة لديهم… فهذه النوعية من الأخبار، تنطبخ في مطابخ الجهل والتعتيم والظلام، لتعرض على الناس، والناس فيهم من هم متعلمون أعلى بكثير ممن يديرون مثل تلك الصحف المصدرة للجهل والغباء والضحك على العقول».

هدأه أحد أصحابه… «طيب يا بوفلان… هد أعصابك… ترى يا خوي موب كل الناس تصدق تخاريف الجرايد وكتابها… لا حبيبي… اي نعم… الناس اوتعت يا خوي، وتفهم، وتتابع… واذا المسألة مسألة جريدة فاشلة أو تلفزيون هابط أو إذاعة دايخة… فالوسائل اليوم كثيرة ومتعددة… زين، خلنه من ها الموضوع، حبيت أسألك… شصار عن موضوع الخطاب المرفوع لطويل العمر… المشروع شكله بروح علينه والأهالي موب مستفيدين».

وكأنه هنا، أراد فرصةً من أي طرف لينفجر… فز واقفًا وصرخ: «يا حبيبي… هل لك أن تخبرني من الذي يقف إلى صف المواطن؟ من هو المسئول الصادق الذي يتابع هموم الناس واحتياجاتهم ويسعى لتنفيذها؟ وإذا كانت المسألة مقتصرة على تصريحات في الإعلام للاستهلاك، فقد شبعنا منذ سنوات طويلة من عناوين براقة من قبيل أننا من الأوائل في كل المجالات… في كل شيء… حتى تشعر بأن المواطن البحريني يعيش في جنة الخلد! فما هي فائدة الخطابات التي تنتقل من يد عضو بلدي إلى نائب، ومن نائب إلى آخر، ومن آخر إلى مكتب وزير ومن مكتب وزير إلى ديوان… ثم في النهاية، لا تدري أنت حقيقتها هل أوصلوها فعلًا أم أن ما يقولونه مجرد (تشليخ بنوع قديم من الصواريخ)».

المواطن المحترم، لم يكن بمزاج طيب ذلك اليوم! حتى بعد موجة الغضب التي انتابته في المقهى انتهت بأن يغادر هو وصاحبه المكان وكل ذهب إلى بيته… في طريقه، خلا بنفسه في سيارته وهو يقول: «كل يوم تصريح… الرفاهية… المشاريع الكبرى… حققنا تقدمًا على مستوى التنمية… تحسين معيشة المواطن من أعلى الأولويات… وكل مسئول يتفنن في كتابة التصريحات التي تخلو من الاحترام لعقول المواطن وهي في أغلبها ضحك على الذقون وأبر مخدرة… طيب، هؤلاء المسئولون ألا يستحون على وجوههم وهم يترسون جيوب الناس بالكلام الفاضي؟ لماذا لا يحاسبهم النواب؟ أههههههه… النواب، أها… تذكرت… النواب… اممممم… أي نواب؟ عيل يصير خير».

منعطفًا في الطريق الذي يؤدي إلى بيته، استوقفت المواطن المحترم لافتة إعلانية كبيرة في طرف أحد الشوارع فانخرط في الضحك حتى دمعت عيناه وهو يكرر: «بس… وهاذي حياتنا قروض في قروض… أقول: طمبورها».

سعيد محمد سعيد

مذكرات «مواطن محترم» (2)

 

لم يخفِ المواطن المحترم إعجابه بشخصية (بوجليع) التلفزيونية الشعبية المحببة للكثيرين… كان يقول دائماً: «بوجليع صديقي… على الأقل ريال ما عنده خيري ميري… يقول الصج ولا يبالي… موب مثل الربع… تعو تعو برو برو»…

ولعله كان شديد الإعجاب بتلك الشخصية كونها تقترب كثيراً من معاناته اليومية كمواطن ومعاناة مئات الآلاف من أمثاله… لكن ذلك الإعجاب لا يعدو كونه حالة من التنفيس عن الهموم! حتى أنه قال ذات مرة: «صحيح هو صديقي… وأعني بوجليع… لكن على أرض الواقع، لن نرى أمثاله يفعلون كما يفعل… بصراحة، أنا اليوم في غاية الضيق والقلق فحتى بوجليع الذي أحبه ويحبني، لم يعد من ذلك الصنف الذي يمكن أن أثق فيه».

على أية حال، لم يتسنَّ للمواطن المحترم، وابنته الكبرى، أن يجلسا أو يرتاحا منذ الثامنة صباحاً حتى الثالثة عصراً… يدور بها من وزارة العمل إلى ديوان الخدمة المدنية… من ديوان الخدمة المدنية إلى «تمكين»… من «تمكين» إلى مكاتب التوظيف في محافظته… من المكتب إلى هذه الشركة، ومن تلك الشركة إلى هذه المؤسسة… طبعاً، كانت البنت تعطف على والدها لما ألمَّ به من معاناة الجري واللهاث والركض من مكتب إلى آخر، والأب كان يحمل في قلبه مرارة وألم وهو يرى ابنته التي ستكمل الآن عامين كاملين منذ تخرجها في تخصص إدارة الأعمال دون بريق أمل في الحصول على وظيفة مناسبة… وما يزيد حسرته، أنه يرى الكثيرين ممن أخذوا مكانها بلا وجه حق!

كان صادقاً وصريحاً ومؤمناً وواثقاً من رزقه ورزق عياله النازل عليهم من عند الله سبحانه وتعالى، وكذلك يؤمن بأن أرزاق الناس أيضاً ستأتيهم… لكنه ما كان مقتنعاً أبداً بأن الوظيفة المعقولة التي يمكن أن يشغلها أبناء البلد، تذهب إلى غيرهم مهما كانت المسوغات… المبررات… الاتهامات… الافتراءات… المسببات… الدواويح الحمراء… كل ذلك بالنسبة له هراء وفعل يتنافى مع كل النظم والقوانين والحقوق والواجبات.

اليوم التالي كان أفضل من ناحية (مؤشرات التفاؤل بالخير)… اتصلت إحدى الشركات الصناعية بابنته فشعّ الفرح وظهرت علامات السرور على وجه البنت وصرخت: «يمه… يبه… اتصلوا لي من الشركة الفلانية عندي بكرة مقابلة… الحمد لله رب العالمين!»… قالت الأم: «سيفرج الله الأمور يا ابنتي وتفاءلي بالخير تجديه»… أما المواطن المحترم فكان رأسه يابساً لحظتها: «بنروح وأمرنا لله… شنسوي بعد… صرف بترول في هالازدحامات… ومداور بهالموتر التعبان… وانتظار ساعات طويلة… والبنية مسكينة تتعب… وآنه تنتفخ ريلي… وتالي روحوا بنتصل… تصدقون عاد ذي الكلمة كنت سامعها من على أيام قراقوش السابع عشر… ههههه.. ضحكي يا بنتي ضحكي… بكرة من الصبح معاج لا تحاتين».

كان الاستقبال جميلًا في تلك الشركة… ما أن وصل المواطن المحترم مع ابنته إلى الشركة حتى استقبلتهم إحدى المسئولات البحرينيات ورحبت بهما وبدأت في الترتيب لعقد المقابلة، لكنها قالت بمشاعر صادقة: «المسئول أشقر يا يبه… وخبرك… يمكن يتفلسف… يمكن يستفز في الأسئلة، فمن الضروري أن تكون البنت واعية ومستعدة لمثل هذه الحالات في المقابلات الشخصية للتوظيف»… رد عليها مبتسماً: «مشكورة يا خويتي… بس شدعوه بنتي بتقدم لوظيفة إدارية لو بتشغلونها مكنسة… شنو أشقر ويتفلسف… إلا أدوس في بطنه قولي له من الحين يحترم روحه… إي والله هاي القاصر».

هدأت الموظفة من روعه وطلبت منه أن يتمالك أعصابه وكل الأمور ستسير على خير… آن وقت دخول البنت للمقابلة الشخصية… وبالفعل، وقع المحظور… كم الراتب الذي تتوقعينه لوظيفة مساعدة اختصاصية شئون مالية؟ من أي منطقة أنت؟ ماذا تمتلكين من خبرات؟ تروحين مني مناك؟ ما هي ميولك السياسية؟ هل تحبين السياسة أصلًا؟ لو تم توظيفك ما هي الأفكار الجديدة التي ستطبقينها لتحسين العمل؟… المفاجأة الجميلة، هي إن من كان يوجه هذه الأسئلة (الكسيفة) ليس الأشقر، لا… مواطن! قفز المواطن المحترم مقتحماً غرفة اللقاء وهو يقول: «سمعت أسئلتك الحلوة والعظيمة والخبيرة يا عبقري زمانك… ما تبي تسألها بعد إذا كانت تقبل بحقيبة وزير بلا وزارة بعد أن تأتي لك بواسطة من فوق؟ أو ما رأيك في أن تبتكر لك نظاماً يجعل أبناء البلد الخريجيين العاطلين عن العمل يكتسبون الخبرة والدراية والمهارات وهم يدورون لسنين بحثاً عن عمل»… أقول يبه، قومي نرجع البيت، وبكرة يحلها ألف حلال… إي والله خبرات وميول سياسية… والله المستعان.

سعيد محمد سعيد

مذكرات مواطن «محترم» (1)

 

بلا سابق إنذار، استدعى المدير الخطير ذلك الموظف (المواطن المحترم) ليبلغه أنه مستاءٌ جداً من سوء أدائه! وأنه – يوماً بعد يوم – يزداد كرهاً له ويتمنى أن تأتي اللحظة التي يتخلص فيها منه لينقله إلى مكان آخر حتى يرتاح من رؤية وجهه! لكنه، ومن باب عطفه وشيمته وقيم دينه وعروبته التي يتشدق بها دائماً… سيمنحه فرصةً أخرى ليثبت فيها أنه (مواطن صالح وموظف مخلص في عمله)، وإن لم تستقم أموره، فلا مناص من نقله إلى المكان الذي يختاره المدير.

«المواطن المحترم»، ومن شدة دهشته واستغرابه، سأل المدير راغباً في معرفة جرمه: «أيها المدير… هل لي أن أعرف بصراحة، ما الذي فعلته أنا حتى تصب جام غضبك عليّ؟ أولست أنت الذي تتحدث عن نفسك دائماً بأنك لا تظلم أحداً وتكره الظلم… تعامل الجميع كأبناء وإخوة، المعيار الوحيد لديك هو الجد والاجتهاد في العمل… بابك مفتوح لأي موظف يلجأ إليك… تكره الطائفية والطائفيين وتحارب هذا الفكر… تحترم الأنظمة والقوانين وتطبقها على نفسك قبل غيرك… تحتقر المسئول الذي يعتبر وزارته أو إدارته وكأنها ملك له ولذويه وأقربائه وأصحابه وجيرانه ومعارفه وقبيلته وعشيرته وقومه… ألست أنت تفاخر بأن كل تلك الشيم والمناقب والسمات كلها متوافرة فيك؟»… لكن الموظف المحترم لم يكمل كلامه حينما رأى الحمم البركانية توشك على الانفجار من عينيه: «اطلع بره».

الصرخة كانت مدوية لدرجة أن الكثير من الموظفين والموظفات تلقوها خارجاً وهم يشاهدون زميلهم (الموظف المحترم) وهو يخرج من مكتب المدير وعلى وجهه – هو الآخر – أمارات الغضب! لكنه قرر أن يُخرج ما في قلبه أمام جمع زملائه: «ما هذا المدير المريض نفسياً؟ بالله عليكم، أليس من يختار هؤلاء المديرين بقادر على أن يختار الأكفأ تأهيلاً وعلماً وإدارةً وشخصيةً بدلاً من هذه الأشكال من المرضى النفسانيين؟ لا أدري لماذا ينصب لي العداء أنا تحديداً… أنا دونكم. وليته يطبق اللوائح والأنظمة ليجعلني أمام حقوق وواجبات… ليته يثبت عليّ خطأً استحق عليه العقاب».

قاطعه أحد زملائه ضاحكاً :»ههههه.. يا صاحبي لا تبتئس… إن أردت الظفر برضا مثل أولئك المديرين، فإنني أنصحك بعدة خطوات ستجعلك في القمة… أي والله… ستكون معززاً مكرماً قريباً إلى قلب السيد المدير… ولك أن تنظر حولك… فمن بين هؤلاء الموظفين والموظفات الواقفين حولك من زملائك… من استمع نصيحتي فنجح، فيما آخرون رفضوها فانتكسوا… تعال إلى مكتبي نشرب الشاي ونأكل ما تبقى من السمبوسة، وبعدها… أقدم لك الخطوات السحرية».

رافق «المواطن المحترم» زميله ولاتزال نظرات زملائه تلاحقهما… فيما كانت بضع كلمات لاتزال تخرج من مكتب المدير… بصوت عالٍ تارة، وبصوت متقطع تارةً أخرى: «وقح… كسول… شايف نفسه… ما يعرف قدره… صاحب مشاكل»… يا صاحبي، قال زميله، هذا النوع من المسئولين يصبح كالبركان من الغضب حين يجد من يرادده ويقارعه الحجة بالحجة… وحين يكره هؤلاء المسئولين موظفاً أو موظفةً، حتى لو كانا في قمة التميز، فلا مناص من مسح الأرض بهما! اسمع يا صاحبي… وصفتي السحرية لك هي… نافقه… أحضر له الهدايا… ادهن سيره حين تسافر مرة بهدية كساعة فاخرة ومرة بـ «آي باد» ومرة بـ «برطمان» عسل شهي… الخ… ثم يا حبيبي، كن له عيناً وأذناً… صير «قرووص»! استمع هنا وهناك لما يقوله الموظفون والموظفات… في السياسة… في الرياضة… في الطبخ… في الأنظمة والقوانين… في سير العمل بالإدارة… وانقله له على الفور، ولا بأس إن أضفت إليها من البهارات (اللي بالي بالك)…ها…. تذكر أن تكرر كلمة: «أستغفر الله ربي وأتوب إليه» وأنت تفعل ذلك الفعل العظيم… ولا تنسَ، تعرف أن هذا النوع من المديرين، غالباً ما يكون فاسداً… خبرك يموتون في الرشا والمناقصات المشبوهة والهبشات… إن تمكنت من أن توصل إلى يده مثل ذلك، فما عليك إلا أن تتقدم بكل بسالة…و ستضحك لك الدنيا.

نظر «المواطن المحترم» إلى زميله وقال: «أفا بس أفا… هذا أنت الرجل العاقل المتدين صاحب الخلق… تقرأ كتاب الله كل صباح وسبحتك في يدك تقول هذا الكلام… ماذا تركت لأهل النفاق والحقارة والدناءة؟ أفا بس أفا»… رد زميله الناصح بالقول: «حبيبي… هذا سلك البلد»… غادر المواطن المحترم دوامه وهو يشعر بحسرة…لا … ليس هذا سلك البلد الكريم… هذا سلك أهل الخلق اللئيم… ولن أكون منهم…

هو الآن مطمئن النفس… يكسب رزقه من البيع في الأسواق.ز. بعد أن أصر المدير على أن «يحفر له» بكل خسة لكي يبقى مديراً لئيماً… ويبقيه موظفاً مفصولاً… كريماً.

سعيد محمد سعيد

ذبح… يذبح… ذبحاً!

 

أكبر أجزاء الكارثة، أن شريحةً من أبناء المجتمع أصبحت مقتنعةً تماماً بحتمية الاقتتال بين السنة والشيعة والمسيح وسائر الطوائف في الوطن الواحد، مستندين على فتاوى وخطب وتصريحات وبيانات لأسوأ خلق الله من الوحوش التي قدّمت نفسها من أهل الدين والصلاح.

مدهش ما قاله ذلك الشاب العراقي الذي تم القبض عليه وتحت ثوبه حزام ناسف وهو يستعد لتفجير الناس. شاب في الثامنة عشرة من العمر تقريباً، بكى حال القبض عليه، وأثناء التحقيق، بكى أيضاً وهو يقول: «أعطوني الكثير من المال وقالوا لي أنني ذاهب مباشرةً إلى الجنة وأعلى مراتبها»، لكن، حين سئل: «وما الهدف؟ ولماذا ستفجر الأبرياء وستقتلهم لتترك ثكالى وأيتاماً وبيوتاً يخيّم عليها الحزن»، فكانت أسوأ إجاباته: «قالوا لي لن يكتمل إسلامك حتى تتبع منهج السلف الصالح وتنتقم من أعداء الله ورسوله، وتقضي على الشرك وعبادة القبور».

بئساً لأمة تستمتع وتتفاخر وترفع أصواتها بالتكبير وهي تشاهد مناظر الذبح وسفك الدماء. وبئساً لأولئك الذين يبرّرون للذبح، ممن جعلوا أنفسهم أئمةً على الناس، وعلماء لا علاقة لهم بدين الله، وأصحاب منابر وإمامة صلاة هي إلى رضا الشيطان أقرب. وبئساً لمن يرقص وهو يرى مشهد قتل مسلم «شيعي» ويصفه بالكافر والنصيري، تماماً كمن يتابع قتل مسلم «سني» ويصفه انتصاراً على أهل الباطل.

كارثة عظيمة حلت بالأمة. ولعل انتشار مشاهد الذبح على شبكة اليوتيوب هي واحدة من أكبر فضائح هذه الأمة، ليس لأنها أمة مجرمة تعشق الدماء، ولكن لأن هناك أهل إجرام وعصابات قتل مدفوعة الأجر تتسمى بطوائفها والطوائف منها براء. والأخطر أن تتحوّل العصابات والمرتزقة والمجرمون إلى أهل دين وتقوى وصلاح، لأنهم يقتلون بعضهم البعض تنفيذاً لمؤامرات رؤوس كبيرة تريد أن تُبقي أبناء الأمة في تناحر دائم، وذبح على الهوية، ونزيف دم لا يتوقف.

وأكبر أجزاء الكارثة، أن شريحةً من أبناء المجتمع أصبحت مقتنعةً تماماً بحتمية الاقتتال بين السنة والشيعة والمسيح وسائر الطوائف في الوطن الواحد، مستندين على فتاوى وخطب وتصريحات وبيانات لأسوأ خلق الله من الوحوش التي قدّمت نفسها من أهل الدين والصلاح.

حين يتعرض مسلم شيعي للقتل، يأتي أولئك المسوخ ليقولوا: «هذا انتقام لمن قتل أهل السنة في العراق وسورية ولبنان و..و..و…»، ويحدث العكس حين يُقتل مسلم سني، ينبري البعض ليعلن عن موقفه المؤيد لقتل أحفاد بني أمية! ثم ينصاع الكثيرون لواحد من الطرفين الإجراميين بلا عقل، والنقطة الفاصلة في الموضوع، هي أن أولئك الذين يمارسون القتل على الهوية والمذهب والطائفة والاسم، ليسوا سوى عصابات تتسلم الأموال لتقتل. هم أدوات للقتل، ولا علاقة للمذاهب بمواقفهم وبجرائمهم حتى يُصدق بعض الناس حقيقة أن ذلك القتال ما هو إلا نصر للأمة الإسلام، و»تكبير: الله أكبر».

المفجع، أن فئةً من الشباب ومن الجنسين، أصبحوا يتابعون كل مشاهد القتل الطائفية على اليوتيوب، ويشتركون بكثافة في كتابة التعليقات التي تخرج ما في صدورهم من أمراض وأحقاد، ويصفقون للقتل ويفرحون. نعم، هي فئة قليلة، لكنها تشكل من خلال ما تكتبه من تعليقات هوساً طائفياً للقتل، تأسس على أن المعركة هي معركة يجب أن تنتصر فيها الطائفة، القبيلة، الأتباع، الأنصار، حتى أصبح من الصعب جداً إقناعهم بأن كل تلك الجرائم والمجازر والمذابح لا علاقة لها بالدين الإسلامي ولا بالمذاهب! لأن وراءها أقطاب قوى وأصحاب نفوذ ومال يضعون السلاح والقنابل والمتفجرات في يد ذلك المرتزق الذي لا مانع لديه من أن يفجّر مساجد وأسواقاً ومآتم وسيارات لطالما هو استلم مبلغ جريمته النكراء الوحشية مسبقاً.

هناك فئة كبيرة من أبناء المجتمع الإسلامي فقدت عقلها وقيمها ودينها لأنها تستمتع بالذبح، تُكبر بأعلى صوتها للقتل، فأي إسلام هذا وأين الأتقياء من علماء الأمة؟ ولماذا تنشط فضائيات وتظهر وجوه قبيحة لا بارك الله فيها تدعو وتحرّض وتؤجّج وتشعل قلوب الناس لتجعلهم، وبعد جملة من الفبركات والأكاذيب والأفلام الطائفية التأجيجية المؤثرة، مستعدين لأن يقتلوا أبناء الطوائف الأخرى، فقط لأنهم صدقوا الأكاذيب.. بل ويدافعون عنها بكل قوة على أنها حقائق وليست أكاذيب؟ إنه الإعلام المجرم الوقح الساقط، الذي يصفق له المجرمون الساقطون.

ترى، هل يمكن أن نتأمل في نص الحديث النبوي الشريف هذا: «يا معشر المهاجرين، خصال خمس إن ابتليتم بهم ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن. لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ ما في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم»… صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بأسهم بينهم ونقطة آخر السطر.

سعيد محمد سعيد

يسألونكم عن… «الفتنة»!

 

اي والله هي مصيبة… في العالم العربي والإسلامي، هناك «فتنة كبرى»، لكن، لا أحد يعلم من وراء تلك الفتنة! ومن يعلم يتظاهر بأنه لا يعلم، بل حتى رأس الفتنة يدّعي أنه ضد الفتنة! والأشد من ذلك، أن أقطاب أي فتنة وجمهورهم وعبيدهم وجلاوزتهم وشذاذ آفاقهم وعصاباتهم.. أيضاً، يحذّرون من الفتنة التي لعن الله من أيقظها!

إذاً، نحن أمام فتنٍ تملأ كل بقاع الوطن العربي والإسلامي، لكن، ويا للهول، لا أحد قادر، لا حكام ولا محكومين، على معرفة من أولئك الجن والعفاريت والسحرة الذي يحيكون الفتن في الأمة. والمضحك، بل المضحك جداً، أن الناس في كثير من الحالات يصفقون لمن حذّرهم من الفتنة وهم يعلمون أن من صفّقوا له هو قائد الفتنة.

معذرةً أيها الكرام، بحثت عن تحذير من الفتنة بين أوساط الصهاينة، طيلة العامين الماضيين على الأقل، أي مع سطوح صحوة المطالبة بالحقوق العربية، فلم أجد أن الصهاينة حذروا بعضهم من بعض لا من فتنة ولا من تخوين ولا من اتهامات ولا من قتل ولا من سجن ولا من تعذيب ولا من فصل ولا من لجان تقصي حقائق ولا من صدام عنصري وطائفي ولا من إعلام منحط سافل ولا من عبث بالقانون ولا يحزنون. كل تلك الأمور تركوها للفلسطينيين بالمناسبة، حتى وإن فعلها الصهاينة أنفسهم، فإنهم لا يحذرون منها ويتغاضون ويغطّون على بعضهم بعضاً.

بالمقابل، سأقدم للقارئ الكريم بضع نماذج من تصريحات عدد من علماء الدين والسياسيين في بلادنا العربية، من الشام لبغدان، وفي بطنها تكبر كلمة «فتنة»:

* ماذا لو رجعنا إلى خطبة ليوسف القرضاوي يوم الجمعة 14 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2011 وتأملنا هذه العبارة التي نقلتها الأخبار الصحافية: انتقد رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين القرضاوى الرئيسين السورى بشار الأسد واليمني على عبد الله صالح وطلب منهما الرحيل، فيما حذّر من إشعال نار الفتنة فى مصر»… تأملوا جيّداً!

* حذر الشيخ محمد قبانى، مفتى لبنان، السنة والشيعة من «الانجرار إلى الفتنة نتيجة (التفجيرات المروعة والغادرة)»، قائلاً: «نوجه عناية أبنائنا المسلمين سنةً وشيعةً على السواء، ألا ينجروا إلى الفتنة المذهبية التى تعمل (إسرائيل) وأدواتها على إغراقهم وإغراق لبنان فى بحور دمائها».

* دعا الشيخ عبدالرحمن السديس، إمام الحرم المكي الشريف، إلى عدم الإصغاء لدعاة الفتنة وخفافيش الظلام ومثيري الشغب والفوضى ومروّجي الأفكار الضالة، وممن جعلوا أنفسهم أدوات في أيدي أعدائهم، لا سيما عبر شبكات البث المعلوماتي ووسائل التواصل الاجتماعي، وأن «هؤلاء اللئام قد تطايرت أحلامهم وملأ الحقد صدورهم، فصاروا أطيش من القدوح الأقرح وساءهم كل ما يفرح، فانعكس عليهم الحال وساءت بهم الأفعال، الأمر الذي قضّ مضاجعهم وبثّ الأراجيف الكاذبة والشائعات المغرضة».

* حذّر الأزهر الشريف الأمّة الإسلامية من تكفير الخصوم واتّهامهم في دينهم، ودعاها إلى الوفاق بين أبنائها، ووجّهت مشيخة الأزهر الشّريف في بيان وقّعه الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب تحذيراً شديد اللّهجة للأمّة الإسلامية من الوقوع في الفتنة والعنف وتكفير الخصوم واتّهامهم في دينهم. وأكّد البيان أنّ المعارضة السّلمية لوليّ الأمر الشّرعي «جائزة ومباحة شرعاً»، ولا علاقة لها «بالإيمان والكفر».

* حذّر مرشد الجمهورية آية الله السيد علي الخامنئي من وجود محاولات يقوم بها الأعداء لإيجاد الفرقة والبغضاء بين الشيعة والسنة.

* حذر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من فتنة «كارثية ماحقة حارقة» تطل برأسها على العراق، داعياً إلى الحوار ورفض كل ما يؤثر على الوحدة من ارتباطات وعلاقات وانتماءات، وأن انتماءنا هو الإسلام وهويتنا العراق الذي يجمعنا، وعلينا أن نحفظهما، وأن فكرة الطائفية البغيضة هو أخطر ما يهدّد وحدة هذه الأمة، وهى الآن تنتعش في هذه الأيام بعد أن تصوّرنا واعتقدنا أننا قضينا على هذه الفتنة.

* دعا الوزير اللبناني أحمد كرامي الطرابلسيين إلى وأد الفتنة، داعياً الدولة إلى القيام بواجباتها وتحمّل المسئولية، مشيداً بالجيش الذي يقوم بواجباته على أكمل وجه.

* دعا وزير شئون المفاوضات الفلسطيني صائب عريقات كافة الفصائل والحركات الفلسطينية الفاعلة إلى وأد الفتنه ونبذ الخلافات، والعمل على جمع الكلمة تحت راية السلطة لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني بدحر الاحتلال، وقيام الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

متعبة… نعم، عملية رصد (مفردات الفتنة)، شاقة لأنها لا تنتهي! وهي في غالبها مجرد كلام، لكن بالتأكيد، فإن التحذير من «الفتنة» واجب. وما أردت الإشارة إليه هو: «ألم ننتهي بعد من مراحل التحذير من الفتن، طوال عقود من الزمن، إلى التصدّي للفتن ورؤوسها في أمتنا؟». والجميل، أن هناك رأياً يقول أن الحكومات في العالم العربي والإسلامي هي الحصن من الفتن! يا حبيبي، إذا كانت الحكومات العربية والإسلامية هي رأس الفتن، فلا داعي لجمبزة التحذيرات.