سعيد محمد سعيد

موضة «البيانات الصفراء»!

 

يتوجب علينا، بل ربما أراد البعض أن يلزمنا إلزاماً، أن نكون أكثر تفاؤلاً ونحن نتلقى ونرسل ونستمع ونُسمع تلك المفردة التي لم أجد لها في حياتي منافساً لمعنى «المهزلة» سواها! ألا وهي كلمة «الحوار»! ومع أن صميم معنى الكلمة عظيم دون شك، وهو أعلى مراتب التفاهم الإيجابي في الأزمات والملمات والنوائب، لكن صداها في مجتمعنا مذهل حقاً!

بالنسبة لنا في البحرين، أو بالنسبة لي على الأقل مع من يوافقني الرأي، فإن كلمة «حوار» ليست سوى مفردة أصبحنا نستخدمها في ظل الظروف السياسية القاسية والمربكة صعوداً ونزولاً، وكأنها حقنة تخدير في جسد مليء بالعلل، تريحه إلى حينٍ من الزمن ثم يعاود مجابهة الآلام والأوجاع بدرجة أعلى من السابق، لكن… علينا أن نتفاءل! نعم يتوجب علينا أن نتفاءل حتى ولو كان ذلك على حساب حقنا في التفكير العميق، مع وجود طرف لايزال في حفلة زاره، ولايزال يعتبر «الحوار/ المهزلة» محرماً بشدة مع الخونة والإرهابيين! وقد آن أوان البيانات الصفراء في موضتها الجديدة باستخدام وسائل التوصل الاجتماعي لتنشط منذ أن سمع الناس بأن هناك مساراً جديداً للحوار.

لم يعد مستغرباً أن يكون الحوار مضيعة وقت لإطالة أمد أزمة، ولم يعد خافياً حتى على المواطن غير المتابع، أننا أمام أزمة (لابد وأن تطول وتطول)، مادام هناك من انفجر غيظاً وهو يصدر البيانات الخفية، ويكتب التغريدات السوداء منذ أن سمع بأن الحكومة ستتحاور مع الإرهابيين الخونة!

على أي حال، ليقل ما يشاء وليقل غيره ما يشاء أيضاً، لكن لابد من أن يدرك هؤلاء أن المعارضة الوطنية تلقت الاتهامات طيلة سنوات. ولم يقتصر ذلك على السنوات الثلاث الماضية فحسب، بل أقدم منها، وبقيت، أي المعارضة الوطنية، تستقبل تلك الاتهامات وقائمة طويلة من الافتراءات السمجة والمسرحيات المرتبكة، بهدوءٍ وتمحيص، واستمرت في طرح مشروعها، والغريب، أن مناوئيها، حتى مع وجود إشارات جديدة لحوار «ذي مغزى» بقوا على حالهم: «إرهاب مع الخونة… إرهاب مع الإرهابيين… إرهاب مع من لا يستحقون أن يعيشوا أصلاً في البحرين فهم ليسوا منها»! عبارات وأوصاف واتهامات لا يمكن السكوت عليها في الدول التي تحترم مواطنيها وتطبق القانون على الجميع، وليس على من لا تحبهم من مواطنيها فقط.

واحدة من أغبى تلك البيانات الصفراء التي انتشرت بسرعة البرق في نصوص الـ «واتس أب»، هي تلك التي بعثت رسالة إلى طائفة من المواطنين مفادها أن «مرحلة الذل والهوان قادمة وعلينا ألا نرضخ للمجوس»! ومع افتراض أن تلك العبارات والنصوص المليئة بالمرض الطائفي والعلل والغايات المغرضة الدنيئة هي بقايا حفلة زار ملعونة، إلا أن البعض وجد فيها فرصة لتأليب يتماشى مع ما أراده هو، وكأنه يريد القول أن أي انفتاح أو انفراجة مهما كان حجمها أو أي إصلاح يعني أنه هو نفسه في خطر، فهو لا يستطيع العيش والمتاجرة في وضع مستقر.

وأعيد ما قلته ذات يوم: «لم تخرج المواجهة بين الناس في بلادنا وبين ما يتلون تحت ألوان كثيرة، ويتسمى تحت مسميات جديدة في شكل «تحرك ضد مواجهة الطائفية في البحرين» من حدود «المواجهة الكلامية»، وإن صدقت النوايا وتجذّرت المواقف وخلصت لحماية البلاد من هذه الحرب الجرثومية الخطيرة… أقصد وباء الطائفية طبعاً.

خلال السنوات الثلاث الماضية، وقبلها أيضاً، سجّل المجتمع بعض التحركات، منها ما ظهر بين الوجهاء والشخصيات الدينية والاجتماعية، ومنها ما ظهر بين جمعيات سياسية ودينية، لكننا لم نر حتى الآن ثماراً لذلك العمل الموجّه ضد الطائفية. وفي ظني المتواضع، فإن الثمار لن تظهر إلا إذا كان للحكومة دور أكبر في التصدي للطائفية. فإعلام الكراهية مستمر، وموجات التأجيج في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن شخصيات طائفية بعينها مستمرة. واليوم، همها الأول وشغلها الشاغل، التخويف من الحوار، وكأنهم صدقوا بأن هناك حواراً قادماً يقض مضاجعهم.

شخصياً، لست متفائلاً من أي حوار ذي مغزى أو غيره، لكن حالي حال الكثير من المواطنين، وضعوا الثقة في شخصيات صادقة ومعارضة وطنية شريفة تريد أن تخرج البلد من أزمتها، وفي ذات الوقت، نبصر مجموعة من الأصوات التي ترتفع حدتها لتقول: «لا حوار مع الخونة»… سؤالي، من يستطيع إسكاتها؟

سعيد محمد سعيد

«لحى» الشر الكريهة!

 

على مستوى العالم الإسلامي، وتحديداً في دول الخليج العربي، بدا واضحاً أن الخطاب الديني المتشدد والمتهور والمدعوم من دول وأقطاب ورؤوس كبيرة وهوامير، هو الخطاب الذي تتفتح أمامه الآفاق، لاسيما في مجال الإعلام الفضائي والإلكتروني، لتصل الأمور في المجتمعات الإسلامية إلى ما وصلت إليه اليوم من تناحر وتصادم وتأجيج للطائفية والخلافات المذهبية، والأهم، إعانة الظالم على المظلوم.

ثمة أفعال شنيعة لا يمكن إغفالها أو التغافل عنها، لكن مع شديد الأسف، تمكن أصحاب الخطاب الديني «الوضيع» من أن يؤثر على شريحة كبيرة من المجتمع، وحينما نصفه بأنه «وضيع»، فذلك يعني بالضرورة، أن لا علاقة له بالدين الإسلامي. وسيتطلب الأمر وقتاً طويلاً حتى يستفيق الملايين من أبناء الأمة الإسلامية من موجة التغفيل والتخدير المقصودة على يد «مشايخ الطين»، ليكتشفوا أن أولئك أصحاب اللحي والعيون الحمراء والأصوات الغاضبة ما هم إلا تجار… تجار تنتعش بضاعتهم في الحروب والأزمات، وتمتليء حساباتهم بالملايين، فيما من يصدقهم ويصدق ملائكتهم المحاربة وأحلام يقظتهم ونومهم ما هم إلا قطيع من المضحوك عليهم والمستَغْفَلين.

قبل فترة وجيزة، تساءل الكاتب جلال أمين في صحيفة «الشروق» المصرية عن أسباب التدهور الذي أصاب الخطاب الديني خلال المئة عام الماضية؟ وكان مقتدراً في الإجابة على التساؤل بالقول أن النمو المذهل في أعداد أنصاف المتعلمين هو من أهم الأسباب، فقد كان المجتمع ينقسم إلى أقلية صغيرة جداً من المتعلمين «ولكنهم متعلمون تعليماً راقياً»، وغالبية عظمى من الأميين «ولكنهم أميون يعرفون قدر أنفسهم»، لا مطامح لهم وليس لديهم أية إدعاءات بغير الحقيقة، والباقون صامتون لا يحدثون ضجيجاً ولا يشوشون. الآن لدينا ملايين من أنصاف الذين يمارسون إرهاباً ضد المثقفين والأميين على السواء، وهم يسيطرون الآن على الخطاب الديني ويطبعونه بطابعهم. (انتهى الإقتباس).

ومن المؤسف جداً، أن نجد العلماء الأفاضل من الخطباء والدعاة والباحثين من كل الطوائف الإسلامية، وأقصد أولئك الذين يمتلكون الروح الإسلامية والفكر الديني النقي، وانتشار صيتهم في العالم الإسلامي باعتبارهم أهل «خطاب إسلامي حضاري معتدل». تلك الكوكبة الرائعة من العلماء لا نجد لهم مساحةً لينتشروا فينتشر خطابهم. ومع توافر وسائل التواصل الإعلامي التقني اليوم، لم يجد الممانعون الذي عملوا لسنوات على إبعاد العلماء المعتدلين مجالاً للمزيد من الحجر عليهم حتى لعبت التقنيات الإعلامية ووسائل التواصل دوراً في تعريف أبناء الأمة الإسلامية من الخليج إلى المحيط، وفي كل أصقاع الدنيا، بهؤلاء العلماء، لكن تلك القوى التي تريد أن تجعل المجتمع الإسلامي في تصادم دائم، لايزالون يقدمون الدعم والأموال لكل خطاب (لا ديني ساقط). وذلك يوجب على أبناء الأمة أن يعرفوا أصحاب الخطاب الخبيث الذين يتاجرون من ورائهم ويتكسبون باستخدام أرذل أنواع الخداع والرياء والتمظهر بالصلاح وخدمة الدين والدفاع عن الأمة.

وهناك مقطع آخر يطرحه الكاتب جلال أمين حين يقول: «المسألة بالطبع لا تتعلق بالخطاب الديني وأنصاف المتعلمين الذين سيطروا عليه وإنما يتعلق بالخطاب السياسي والثقافي والاجتماعي الذي تراجع وأصبح (الأنصاف) هؤلاء يتحكمون بها ويحركونها في أي إتجاه يريدون… كيف حدث ذلك؟ أعتقد أن وراء هذا التدهور فهم مغلوط لوظيفة كلٍّ من الدين والثقافة والسياسة. فنحن مثلاً، نختزل «تديننا» في المظاهر والشعائر، ونعبد الله ونتقرب إليه بأجسادنا لا بقلوبنا، ولا نربط بين علاقتنا به تعالى وعلاقتنا مع عباده، وبالتالي يبدو إيماننا معزولاً عن أفعالنا، وما تلهج به ألسنتنا مفصولاً عمّا تمارسه جوارحنا. ونحن أيضاً في ميادين الثقافة والسياسة نمارس الأنماط ذاتها، فالسياسة لدى بعض فقهائها نقيضة للأخلاق، والثقافة هروب من الواقع، والفاعلون فيهما قادهم الإعجاب إلى الزواج وتركوا جمهورهم غارقاً في مستنقع الجدل ومكبلاً بحبل الشد والجذب بين وهم الخيارات وكذبة الاضطرارات». (انتهى الاقتباس).

الحل ليس هيناً، وهو في الوقت ذاته ليس صعباً! متى ما استطعنا تخليص عقولنا وتربية الأطفال والناشئة على فهم الخطاب المعتدل والقيم الإسلامية الرفيعة بما يناسب مراحلهم العمرية، تمكنا مستقبلاً من صد لحى الشر التي تبكي على شاشات الفضائيات وهي تجمع التبرعات، ويغمى عليها وهي تتحدّث عن النار وبئس المصير، ثم تندفع بقوةٍ في بث السموم في جسد الأمة، فالقنوات الدينية الأكثر تشدداً تحصد نصيب الأسد من ناحية تأثيرها على المجتمع الإسلامي، وهي ذات خبرة واسعة وإتقان ومهارة في مجال نشر التطرف الديني والتدهور المجتمعي، وتتمكن أيضاً من الضحك على أنصاف المتعلمين بسهولة ويسر.

اليوم، يدعو بعض المثقفين والباحثين والسياسيين والناشطين إلى أن يتم الكشف عن أسرار المؤامرات، لا تلك التي يحيكها الغرب ضد الإسلام، بل التي يحيكها محسوبون على الإسلام من «مشايخ الدين» و»علماء الناتو» ضد المجتمع الإسلامي، وفي الغالب، هم يخدمون أنظمة معينة وحكومات معينة تغدق عليهم من المال «المذبوح حلالاً».

سعيد محمد سعيد

تفكيك الجيوش العربية

 

على نطاق ضيق، انتشر على شبكة اليوتيوب خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فيديو محاضرة مدير مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية، دايفيد وينبرج، وهو يتحدث بتاريخ 2 يونيو/ حزيران 2013 في النرويج عن تفكيك الجيوش العربية.

وعلى الرغم من أن ذلك الفيديو لم يحظ حتى مساء يوم الأربعاء (1 يناير/ كانون الثاني 2014) سوى بعدد مشاهدات بلغت 535 مرة، تحدّث الرجل عن تدهور جيوش العراق وسورية ومصر، معلناً أن التهديد العسكري العربي لـ «إسرائيل» قد تبخّر! وخاطب الحضور وهو يرتدي الكوفية اليهودية بعبارة مترجمة نصها: «المجتمعات العربية كما تعلمون جميعاً، من ليبيا إلى تونس عبر مصر إلى سورية، ولم تصل بعد للأسف إلى الأردن، تزلزلهم صراعات داخلية، وخلال عقدين إلى أربعة عقود قادمة، ستعصف بهم صراعات داخلية وتفاوت اقتصادي واحتياجات، وستعجز معها إمكانياتهم عن شن هجوم منسق ضد «إسرائيل» بالأسلوب العسكري التقليدي تماماً.. ستنتهي..ستنتهي.». انتهى الاقتباس. ولمن يرغب يمكنه البحث في شبكة اليوتيوب عن عنوان: «ديفيد وينبرج يتحدث عن تفكيك الجيوش العربية».

حتى عهد قريب، وقبل انطلاق موجة المطالبة بالحقوق والديمقراطية في الوطن العربي العام 2011، كانت ذهنية المواطن العربي تجاه جيش بلاده أو جيوش العالم العربي والإسلامي لصيقة بفكرة أن هذه الجيوش لحماية الأوطان، لكن ليس ذلك فحسب، بل هي أيضاً مجهزة ومسلحة وتستنزف الموازنات الضخمة لاستخدامها ضد الشعوب! فلن يجرؤ أي جيش منهم على شن حرب لتحرير فلسطين إطلاقاً!

ثم توالت أحداث الموجة في الوطن العربي لتتغير الفكرة لدى بعض الشعوب فأطلقوا شعار: «الجيش والشعب يد واحدة»، وبقيت فكرة معاداة الجيوش التي تفتقد عقيدة الدفاع عن الشعوب تتفاوت من بلد إلى بلد، لكن الحقيقة التي لم تتغير هي أن هذه الجيوش لن تكون يوماً في مواجهة ضد الصهاينة. والمواطن العربي معذور في ذلك، وسيكون معذوراً بدرجة أكبر لو استمع بالتفصيل لكلام دايفيد وينبرج ولعنه لعناً ثم قال معلقاً: «كلامك صحيح أيها العدو».

في جولة القراءة والمطالعة تحت عنوان: «تفكيك الجيوش العربية» بمناسبة مشاهدة تلك المحاضرة، فإن رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات سمير غطاس علق على محاضرة دايفيد وينبرج بقوله أن «إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية عكفتا منذ فترة طويلة على دراسة ما يحقق أقصى قدر ممكن لأمن إسرائيل وبسط سيطرتها على المنطقة، وأن الشرق الأوسط أسير الآن لثلاثة محاور أساسية في تغييب العرب ومصر تحديداً، وهي المحور الإسرائيلي، والمحور التركي والمحور الإيراني، بل أن أميركا كانت تعتمد في السابق على اتفاقات السلام التي عقدت في مصر لتحقيق الأمن لإسرائيل، ولكن تحقيق هذا الهدف بشكل استراتيجي أكبر كان من وجهة نظر أميركا عن طريق تفكيك الجيوش العربية».

الكاتب الصحافي مصطفى قطبي كان أكثر جرأةً حينما رصد الإصرار المريب، كما أسماه، لدوائر الإمبريالية الصهيونية على تحطيم الجيوش العربية وإخراجها من المعادلات السياسية والأمنية، وتوجيه حقد العصابات الإرهابية على تلك الجيوش، مع رسم معادلة جديدة تصبح فيها عملية القتل والذبح للجنود هي المقدمة الأولى للعمل الوطني، وهو جواز السفر الذي يوصل المرتكبين إلى الجنة، خصوصاً أن الفتاوى التكفيرية جاهزة عبر محطات الفتنة الطائفية والمذهبية.

الخلاصة، وهي ما أشار إليه مصطفى قطبي أيضاً، هو صدق الأب المعاصر للصهيونية هنري كيسنجر يوم قال بعد حرب أكتوبر التحريرية 1973 بأنه سيجعل المنطقة تغرق في حروب عربية ـ عربية لا يُعرف فيها القاتل من المقتول، حيث يتم في هذه الحروب العربية المدعومة من حثالات الشعوب وأبالستها وثعابينها من تحقيق الهدف الاستراتيجي الصهيو/ أميركي، وهو استئصال خلايا الأمل من دماغ المواطن العربي وضميره، وذلك عبر القضاء على ثلاثة جيوش عربية هي الهاجس الأكبر لدى أميركا و»إسرائيل»، وهم الجيش السوري والعراقي والمصري، وعندها تنام «إسرائيل» ملء جفونها، ويتحوّل جنرالاتها إلى صيادي سمك أو منقبين عن آثار سليمان في المنطقة.

من وجهة نظري، لن تتمكن الشعوب العربية والإسلامية من التأمل بدقة في الطرح السابق إذا فضلت البقاء رهينة الصراع المذهبي الطائفي، ولن تتغير المعادلة إذا بقيت الفكرة الغبية في جعل طائفة من المسلمين أخطر من اليهود، ولطالما بقيت فئة مشايخ الناتو وعلماء الطين يملأون رؤوس أبناء الأمة بالشحن الذي يبتغيه الصهاينة، ويتاجرون بمصير الأمة بثروة من الأموال المغموسة في الخيانة.

سعيد محمد سعيد

كبار… «الهوامير»!

 

على فكرة، وقبل أن أدخل في الموضوع، أودّ لفت النظر إلى أن 99.9 في المئة من شعب البحرين لم يعد يثق في أي خطوة أو إجراء أو تلويح بعقوبات ضد من يتجاوز القوانين ويتلاعب بالمال العام ويختلس ويستمر في فساده ليرهق البلاد والعباد ويتسمن هو، خصوصاً إذا كان في الأمر «كبار الهوامير».

و»كبار الهوامير» أصلاً، لم يعودوا يخشون مثل هذه التلويحات، فقد أمن الكثير منهم العقوبة، فازداد في فساده سنين وسنين، وهل أدل على ذلك من تراكم التجاوزات في تقرير ديوان الرقابة المالية؟ لكن، من الممكن جداً أن يصاب «كبار الهوامير» بالخوف والهلع لأن الأوان قد آن ليحاسبوا ويقدموا للعدالة وينالوا جزاءهم نظير أفعالهم وخيانتهم لأمانة الوطن والمواطن، فيرتدع أيضاً «صغار الهوامير» الذين هم قيد التدريب، حين يتم تطبيق القانون بحذافيره على الجميع.

ومع أن الغالبية العظمى من شعب البحرين يتمنون أن ينال كل المفسدين عقابهم الذي يستحقونه، ويتطلعون لأن تنتهي المعادلة السخيفة: «يوجد فساد لكن لا يوجد فاسدون مفسدون»، ومع أنهم فقدوا الأمل لسنين في حصول ذلك، لكن البعض منهم شعر بشيء من التفاؤل الحذر مع صدور توجيهات ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بشأن تحويل الملفات التي تحتوي على عددٍ من التجاوزات المالية والإدارية الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية إلى النيابة العامة بالتعاون مع جهاز الجرائم الاقتصادية بوزارة الداخلية.

بالنسبة لي، وفي نظري المتواضع، توقفت أمام صياغة عبارة (تحويل الملفات التي تحتوي على عددٍ من التجاوزات المالية والإدارية)، وكمواطن، كنت سأكون أكثر ارتياحاً لو كانت الصياغة كالتالي: «تحويل (كل الملفات) التي تحتوى (كل) التجاوزات المالية والإدارية»، أي ألا ينجو مسئول واحد من «كبار الهوامير» أو صغارها من فعلته الفاسدة التي وقعت طوال العشر سنوات الماضية.

بالتأكيد، من المهم (التعامل مع المخالفات والملاحظات الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية مع استلام ردود الوزارات على ما ورد في التقرير ضمن مسارين الأول قانوني والآخر إجرائي، وضرورة تنفيذ جوانب إجرائية حول المخالفات والملاحظات الواردة في التقرير غير ذات الشبهة الجنائية وتحديد فترة ستة أشهر كحد أقصى للجهات الحكومية لمراجعة واعتماد السياسات المتعلقة بالرقابة والتدقيق وتطبيق إجراءات جديدة لتفادي تكرار الملاحظات التي ترد بتقارير ديوان الرقابة)، على ألا يتم الاكتفاء بما فعلته بعض الوزارات والأجهزة حين وعدت بتصحيح أوضاعها! بتصححون صحّحوا غصباً عنكم، لكن رؤوس الفساد لا يمكن تصحيحها بردود بروتوكولية هزلية، بل بتوقيع العقوبات التي حدّدها القانون على من يخون الأمانة ويعبث بالمال العام.

لكن، ما هي الخطوات العملية المطلوبة لإيقاف مدّ الفساد المستمر منذ سنين؟ الإجابة ستعيدني معكم إلى يوم الاثنين (28 يناير/ كانون الثاني 2013) في حلقة نقاشية نظمتها الجمعية البحرينية للشفافية حول تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية. في تلك الحلقة خلص المشاركون إلى «ضرورة قيام الحكومة والسلطة التشريعية ومنظمات المجتمع المدني والصحافة بتشديد القبضة على الفساد والمفسدين وفق ما ورد في التقارير التسعة من تجاوزات ومخالفات، مجمعين على (الخطورة الكارثية) لتجاهل حجم الفساد وتجميد التقرير في الأدراج، مع استمرار العبث بالمال العام وحماية المتورطين».

في التقارير، تكرّرت ذات الوقائع من إهدارٍ للمال العام وإساءة استخدام بعض المسئولين لمواقعهم من أجل مصالح غير مشروعة، وما يضاعف سخط المواطنين هو احتواء التقرير على توصيف قضايا فساد واضحة على أنها مخالفات، وهو ما أطلق عليه وجود «فساد بدون فاسدين»، مع تكرار اسطوانة: «جرى تصحيح الممارسات الخاطئة أو بصدد معالجتها»!

حسناً، يمكن التمعن في مقدمة هذا الخبر: «دعت فعاليات إلى محاسبة المتورطين في ديوان الرقابة المالية وتحويل الديوان إلى ديوان محاسبة تكون من صلاحياته الضبط، فيما رأت بأن مكافحة الفساد تحتاج لإرادة سياسية، كما دعت إلى أن يتبع ديوان الرقابة مجلس النواب، وأن يتم إعادة ممتلكات وأراضي الدولة فضلاً عن إمكانية مناقشة التقرير الحساب الختامي للحكومة وإن انقضت دورة الانعقاد». («الوسط»، العدد 4126، الثلثاء 24 ديسمبر 2013).

يا سادة، كبار «الهوامير» ركنوا إلى السلامة والاطمئنان فلا أحد يستطيع محاسبتهم! ومع الدور المهم لديوان الرقابة المالية والإدارية في الرقابة على مؤسسات الدولة، لكن الاكتفاء بالإحتفال بصدور التقرير والتقاط الصور ثم ركن التقرير في الأرشيف، لن ينفع في علاج داء «الفساد»، ولو قُدّر لي بأن أصف شعور المواطن البحريني مستقبلاً حين يتم تطبيق توجيهات سمو ولي العهد، ويتم تقديم الفاسدين إلى العدالة، لقلت أن كل مواطن سيمشي مسروراً ويردّد «البحرين..أمانة»، وهو يحمل لافتة كتب عليها: «صادووووه»… والسلام ختام.

سعيد محمد سعيد

إحذر… أمامك «مواطن»!

 

يتفنن الكثير من المسئولين في التصريحات الصحافية التي يمكن اعتبارها فعلاً، حبراً على ورق. ولا يُلام المواطن حين يفقد أعصابه ويصرخ من قمة رأسه على أحد المسئولين حين يشاهده في التلفاز أو يقرأ له (بضع خرابيط) في صحيفة هنا أو هناك، قائلاً: «كلامك… فوحه واشرب مايه»!

المشاهد الفكاهية كثيرة، فالعمل الصحافي الميداني يضعك أمام مواقف في غاية الطرافة، وتزداد تلك الطرافة إذا رأيت مسئولاً يحاول التهرب من مواطن/ مواطنة، وقف/ وقفت له (كالعظم في البلعوم) أثناء جولة تفقدية أو حفلٍ أو زيارةٍ أو حتى وهو يدخل باب وزارته. أما نوعية المواطنين من طراز (كلامه يشق القحفية)، فهؤلاء، والله أعلم، لو يزداد عددهم في البحرين، لوجدت حالات الإصابة بالإغماء والغيبوبة والسكتة القلبية والدماغية بل وربما… شلل الأطفال، تنتشر بشكل كبير بين بعض المسئولين.

(إحذر..أمامك «مواطن») لعلها اللافتة التي يتوجب على بعض المسئولين ذوي التصريحات واللعلعة والكلام الزائد عن حده اتباعها جيداً والالتزام بها كما يلتزمون بإشارات المرور والقوانين واللوائح… هذا إن كانوا يلتزمون بها أصلاً! وعلى أي حال، فذلك النوع من المواطنين يمثل خطورة بالغة على «السلم الاجتماعي» وعلى «الاستقرار» وعلى «نفخة المسئولين»، خصوصاً حينما يكون سليط اللسان (ووجهه بليته) لا تنفع معه عين حمراء ولا سوط مشهر ولا تهديد هذا المرافق أو ذاك (السكورتي).

المواطن أيها السادة، لا يمكن أن يكون مخرباً ومعادياً للحكومة وللوطن وللناس حين يعترض، وإن بقسوة، على أمور يختلط فيها الفساد بالتلاعب بالمال العام، بتجاوز القوانين والمحسوبية، وبالواسطات وبستين داهية. بل من حقه الدستوري أن يعبر عما يجيش في صدره بكل راحة. الغريب في بعض الزيارات التي يقوم بها بعض المسئولين إلى مناطق أو مجالس، يتم تخصيص «جندرمان» أو «قبضايات» أو «فداوية» أو «طرزانات» عملهم الرئيس هو الانقضاض على أي مواطن يحمل في يده خطراً مدمراً أشد فتكاً من الأسلحة الخطرة كأن يحمل معه مثلاً رسالة كتب فيه معاناته وهمومه، أو يخبّيء في جيبه، مثلاً مثلاً، تقريراً طبياً يؤكّد حاجته أو حاجة أحد أفراد عائلته للعلاج العاجل. أو، خذ مثلاً أيها القاريء الكريم، أن يحمل مواطن أو مواطنة شيئاً مخيفاً بالنسبة للكثير من المسئولين… أوراق طلب توظيف واحد من عيالهم.

بعض، أقول بعض المسئولين، نعم، يستقبل المواطن سواءً في مكتبه أو حين يلتقيه في زيارة أو جولة، يصبغ «المواطن» ويملأ جيوبه بالكلام الجميل الرائع والوعود البراقة، أما صنف آخر، فهو يفضل الهروب، بل ولا يتردد في أن يظهر للناس أن الشرر يتطاير من عينه غضباً (يا زعم قوي)! وهناك نوع آخر (يرفع الضغط)، وهو ذلك المسئول الذي يتفلسف على الناس ويحتقرهم ويتحدث معهم من طرف (خشمه).

قبل سنوات، وفي إحدى الزيارات الميدانية لأحد الوزراء، تقدّم أحد المواطنين برسالة محاولاً إيصالها إلى المسئول نفسه وليس في يد أحد من مرافقيه كسكرتيره أو مدير مكتبه أو كائن من يكون. ذلك الوزير، قابل المواطن بابتسامة عريضة واستلم منه الرسالة، مع أن ذلك المواطن، بولسان طويل، وهو يتمشى على طرف والوزير في طريقه إلى سيارته قال: «طال عمرك عاد هالله هالله في رسالتي لا تنقط في الزبالة على فاضي بلاش»، أما (سالفة) أن بعض المسئولين، وخوفاً من الالتقاء بالمواطنين، فيهربون من باب خلفي مرفق بمكاتبهم، فهذه والله ما رأيتها بأم عيني، لكن والعهدة على الراوي، الذي هو أنا… فإنني، كما قلت، لم أرى لكنني شخصياً «ضبطت» أحدهم ذات يوم وهو يحاول الهروب من معاملات الناس، ومن بينهم معاملة لي أنا الفقير لله.

تعال وانظر إلى ذلك المسئول الذي (درعم) مواطن أو مواطنة طريقه وقد فقدا الأمل من طول انتظار التوظيف. بالمناسبة، الشباب الذكور، في الغالب، وخصوصاً الجامعيون منهم، ممن ذاقوا مرارة التعطل لسنين منذ تخرجهم، تراهم وعلى وجوههم التذمر الشديد. وكذلك الحال بالنسبة للإناث، لكن في الغالب، ترى الواحدة منهن وهي تتحدث والدموع في عينيها، لا سيما حين تتحدث عن مصاعب المعيشة وضيق ذات اليد، ويتفطر قلب كل إنسان يحمل في قلبه ذرة إنسانية، وهو يراها، ويرى غيرها من أبناء البلد. ويرى المواطن، ويرى جاره وزميله وقريبه، وهو يقص عليه حكايات من العذاب والمرارة بسبب.. المسئول أبو عيون حمراء وقلب صخر.

عزيزي المسئول… أياً ما تكون… إحذر، أمامك مواطن.

سعيد محمد سعيد

مصرع رجل في الرابعة والثلاثين من العمر

 

الحادث مؤلم فجيع مزلزل حقاً، إلا أن البعض يقول بأن الرجل البالغ من العمر 34 عاماً لقي مصرعه، فيما يقول بعض آخر بأن فيه رمقاً من حياة. فهو لا يزال ينازع بين الحياة والموت، لكن طرفاً ثالثاً يؤكد بأن هناك الكثير من الأمل لإنقاذه من الموت وإعادته إلى الحياة، فيما ذووه لا يلوون على شيء، ولا يدرون عن حقيقة حالته إلا القليل القليل وسط تلك الأنباء المتضاربة.

على أية حال، عاش ذلك الرجل منذ ولادته طموحاً في كنف أعمامه الستة، وكان أولئك الأعمام وذووهم قاطبةً، يحيطونه بالرعاية والاهتمام والمحبة، إلا أن فترة سنيه الأولى كانت صعبة. في تلك الحقبة، كان يعيش في منطقة مهمة للغاية هي محط أنظار كل الطامعين، وفجأة، نشب نزاع وخلاف كبيران بين اثنين من معارفه المقربين، الأول إيراني والآخر عراقي، وتحول ذلك الخلاف إلى حرب طاحنة ألقت بمخاطرها وتبعاتها على الجميع، وكان الأعمام الستة في غاية القلق، حتى أن الرجل أصبح وكأنه (حمال الأسى) بين الجميع، وطوال ثمانية أعوام مريرة قاسية، كان هو بمثابة حائط الصد الذي يتلقى كل الضربات، حتى وجد نفسه مضطراً لأن يلقي كل اللائمة والخطأ على جاره الإيراني، وبذل كل ما يملك من مال وجهد ومواقف ليساند جاره العراقي، لكنه لم يتوقع يوماً أن ذلك الجار العزيز الغالي الذي يحمي جنبه الشرقي، سيطعنه طعنة موجعة كادت تودي بحياته.

تألم كثيراً، تندم، غضب، هدّد، حاول.. تكلّم باللين تارةً وبالشدة تارةً أخرى، لكن ذلك الجار أراد اقتطاع مساحة من كيانه فلم يقبل، فلجأ إلى الأغراب الذين كانوا يتحينون الفرصة أصلاً لنهب خيرات وفيرة كان ذلك الرجل يمتلكها ويأمل كل أهله وأقاربه أن تكون لهم تلك الثروات والخيرات أملاً بمستقبل عامر زاهر بالتطور والخير والنماء، لكن هذا ما حدث، وخسر هو وأعمامه وأهله وأرضه الكثير مما أصابه بالوهن الشديد، لكنه بقي يعيش على الأمل، لطالما أن الأعمام باقون ويساندونه، فما عليه سوى أن يتسلح بالصبر والمثابرة والعمل لعل وعسى.

كبر ذلك الرجل، وفي كل عام جديد، يصيغ أحلام وطموحات أهله وذويه ويبث الأمل تارة، ويخفي مرارة الألم وغصة الخلاف والنزاع المستتر بين قومه تارة أخرى. أراد دائماً أن يتقدّم المشهد. لا ينقصه شيء، فها هو قد بلغ سن الرشد ويمتلك من الخبرات والمعارف والمال والأهم.. يحيط به أقارب متعلمون قادرون على تحقيق تلك الطموحات. المشكلة، أن جيرانه، كلما مر به وبهم العمر، يشتعلون خلافاً ونزاعاً وتصادماً يغذيه الأغراب الذين استعان بهم يوماً ليحموه، لا من جار واحد طعنه غدراً. بل منه ومن جار آخر تحول إلى عدو لدود يثير قلقه دائماً على الرغم من أنه حرص على أن يتبادل مع ذلك الجار العدو، في كل ظرف ومناسبة وأزمة، الكلام الشديد تارة، والكلام الجميل عن الجيرة والمحبة والدين تارات أخرى. وبقيت تلك العلاقة حتى يومنا هذا، لا تعرف فيها الصادق من الكاذب.

مر الزمن، وامتلك الرجل علاقات مع القاصي والداني، وكان بإمكانه أن يتجاوز كل المعوقات ليصبح أقوى وأقوى، لكنه وجد نفسه محصوراً في طموحات قومه التي لا يمكن أن تعيش إلا إذا رضي الأغراب! وإن لم يرضوا، فإن تلك الطموحات تتحطم على صخرة جاثمة تعيق حركته ولا يستطيع إزاحتها من طريقه.

جلس مراراً مع أعمامه وقومه لسنوات وسنوات، حيناً في السر وحيناً في العلن. أراد متمنياً ألا يمثل النفاق والطبطبة ويتحدث معهم بصراحة ليتجاوزوا كل سحابات الصيف، إلا أن تلك السحابات بدت هي الأخرى جاثمة! تنزاح يوماً وتعود يوماً آخر… ما العمل؟ كان ذلك هو السؤال الذي يضيق عليه الخناق. فمن جهة، هو يرغب صادقاً في ألا يتدمر قومه في محيط لا يقبل إلا الأقوياء، ومن جهة أخرى، تضيق عليه الحيرة في عدم رغبة قومه في أن يكونوا أقوياء فعليين وألا يكتفوا برضا وحماية وزعل وغضب الأغراب. ينجح مرة، على مضض، ويخفق مرات أخرى.

حالته اليوم في غاية الحرج، فلا أهله وأحبته يعلمون بكل تفاصيل ما جرى له، ولا هو بقادر على أن ينهض ليخبرهم! كل ما بلغهم من علم هو أنه لقي مصرعه من باب.. ومن باب آخر، علموا بأنه ينازع محتضراً بين الموت والحياة، لكن من الباب الثالث، قيل لهم أنه في غيبوبة، ومن الممكن إنقاذ حياته فيستعيد أنفاسه وينطلق من جديد.

لا يزال في عنفوانه، فهو في الرابعة والثلاثين من العمر. نتمنى أن ينهض بالسلامة وتقر أعين أهله به. ذلك الرجل اسمه «مجلس التعاون لدول الخليج العربي».

سعيد محمد سعيد

هاتف «العملة» لا يزال يعمل!

 

يلزم أن تسعى الحكومة إلى تغيير نظرتها و«فلسفتها» تجاه التعامل مع الأصوات الوطنية الصادقة التي تقول الحق ولا شيء غير الحق! ويلزم هذا التغيير، أن تتعامل الحكومة بجرأة وشجاعة وحسم مع من يكذبون عليها ويصورون لها الأوضاع في البلاد على أنها في أحسن حال، ويجب ألا تسعد وتفرح وينشرح صدرها وهي تقرأ لهم في الصحف أو تتابعهم في الفضائيات وفي الإعلام بكل أنواعه وهم يكيلون لها المديح والألعاب النارية متعددة الألوان.

يتوجب على الحكومة ألا تعتبر من يطالب بالإصلاحات الحقيقية لحاضر ومستقبل البلد وينقل الحقيقة وينتقد الإخفاقات والسلبيات والتقصير على أنه «عدو» لها، تماماً كما يتوجب عليها ألا تعتبر المنافق صاحب مهارة التدليس والكذب والتلميع «صديقاً صدوقاً»، فالأحداث المتسارعة حولنا، وتعقيدات الأزمة السياسية طيلة العقود الماضية وتراكماتها توجب تقريب «الأعداء» الوطنيين المخلصين في رؤاهم ونواياهم وتطلعاتهم لصالح الوطن والمواطنين، وتبعد قسراً، طيباً أم غصباً، «الأصدقاء» من حملة الطبول والطنابير وأبطال النفاق والوطنية الزائفة من ذوي المصالح الشخصية. فهؤلاء ليس إلا سماسرة يعتاشون على الأزمات، ويتمنون لها ألا تنتهي، سواءً كانوا مسئولين أم كتاباً أو نواباً أو مشايخ أم سمّهم ما شئت.

في العام 2007، طرحت ذات الفكرة في مقال هاهنا، وتحديدًا في يوم الخميس 9 أغسطس /آب، ولعل بعض كبار المسئولين في ذلك الوقت، ممن نلتقيهم في المؤتمرات والاجتماعات وما إلى ذلك، كانوا يعبرون بثقة عن حسم كل الملفات المرهقة للوطن والمواطن، بدءاً من الفساد انتهاءً عند حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية لكل بحريني، أياً كان دينه ومذهبه أو طبقته أو وضعه الاجتماعي، وأن جوقة المنافقين، بل حتى «المستشارين» الفاشلين لن يكون لهم مكان في غضون السنوات القليلة القادمة (أصبحت ماضية قطعاً)، وسيكون الأساس هو الاستعانة بأبناء الوطن من المخلصين، مسئولين ومثقفين وكتاباً وناشطين وسياسيين وإعلاميين ومتخصصين في مجالات علمية مختلفة من الجنسين، فقد سمعنا الكثير من الجعجعة..ليس سوى جعجعة، بقي المنافقون يصولون ويجولون ولا نجد مكاناً للمخلصين.

على أية حالة، من المهم، وأكرر ما قلته في ذلك العام لعل الذكرى تنفع، من المهم القول أن الناس في بلادنا يعرفون جيداً من هم أولئك الذين يعادون الوطن قولًا وفعلًا عبرنفاقهم وكذبهم وسعيهم الدؤوب لتأجيج الأوضاع في البلاد من خلال تصنيف الناس وفقاً لهواهم، لكن المهم – بعد معرفتهم – وتعريتهم أمام المواطنين، صحيح أن هناك رفضاً محدوداً وانتقاداً مستحياً للكثيرمن الممارسات التي أصبحت بمثابة لباس لأولئك المنافقين الذين لايعرفون إلا «الفتن» ولايبغون إلا «الوهن» للمجتمع، ولايفرحون إلا في «المحن» التي يعيشها الناس لكي يظهروا أبطالًا فاتحين، لهم العزة والكرامة دون غيرهم من أهل البلد. لذلك، نتمنى أن ينظر الناس، قبل الحكومة، بعينٍ فاحصةٍ إلى ممارسات أولئك الذين لا بأس في أن يكونوا قريبين في المجالس مع الناس، ولا ضير من وجودهم في مكاتب المسئولين، لكن أكبرالضير وأشد البأس، أن يصبحوا هم المواطنين الصالحين، ومن دونهم من الناس ليسوا سوى أعداء للوطن وللتراب الوطني، وللوحدة الوطنية، ولكل ما يمت للوطن بصلة.

من العار أن يبقى مستشارٌ أو مطبلٌ أو كذابٌ مقرباً من المسئولين وهم يعرفون أنه ليس سوى «سمسار نفاق»، فالمواطن البحريني لا يريد من يستفز مشاعره في الكتابات والتصريحات والبيانات والتصيّد المقيت، ولا يريد من يتقلب حسب حجم الأعطيات الممنوحة من تحت الطاولات. لقد أصبح المواطن اليوم على صلة بمشاهد متعددة من ممارسات الكذابين والمنافقين ممن يخبئون الحقائق والمعلومات، ولا يقدّمون التقارير الصحيحة للمسئولين بما يصب في مصلحة الشعب..

ولا تستغرب عزيزي القاريء إن سمعت من واحدٍ من هؤلاء يوماً أنه يمدح إلغاء علاوة الغلاء ويصفق لرفع أسعار البنزين ويبرر تقليص الأجور وحرمان المتقاعدين من حقوقهم وينفي غلاء المعيشة ويستميت في القول أن الخدمات الإسكانية في أعلى درجات المقارنة مع أفضل نماذجها في العالم. لا تستغرب أبداً…فهاتف العملة لا يزال يعمل على رغم كل هذا التطور التقني في العالم.

سعيد محمد سعيد

أجمل ما قالته العرب عن… «اللصوص»!

 

دواوين العرب مليئةٌ بما قيل ويقال وسيقال عن اللصوص والحرامية وأهل الحرام والعياذ بالله، لكن في قصة بني نهشل ما يستحق أن نتأمله اليوم، وبإمكاننا إسقاطه إن شئنا على نوعية «اللصوص».

فورد في الأثر، أن أبا الأغر، وهو شيخ أعرابي من بني نهشل، نزل ضيفاً على ابنة أختٍ له تسكن البصرة، وذلك في شهر رمضان المبارك، فخرج الناس إلى ضياعهم، وخرج النساء يصلِّين في المسجد، ولم يبقى في الدار غير الإماء وأبي الأغرّ. ودخل كلبٌ من الطريق إلى الدار، ثم إلى حجرة فيها، فانصفق باب الحجرة ولم يتمكن من الخروج، وسمع الإماءُ الحركة في الحجرة فَظَنَنَّ لصّاً دخلها، فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته، فأخذ عصا ووقف على باب الحجرة وقال: «يا هذا إنك بي لعارف… أنت من لصوص بني مازن، وشربتَ نبيذاً حامضاً خبيئاً حتى إذا دارت الأقداح في رأسك مَنَّتْكَ نفسُك الأماني، فقلتَ: أَطْرُقُ دُورَ بني عمرو والرجال في ضياعهم والنساء يصلين في المسجد فأسرِقهن… سوْأةً لك! والله ما يفعل هذا رجلٌ حر! وبِئْسَمَا مَنَّتْك نفسُك! فاخرج بالتي هي أحسن وأنا أعفو عنك وأسامحك وإلا دخلتُ بالعقوبة عليك…! وأيم الله لتخرجنّ أو لأهتفن هَتْفَةً فيجيء بنو عمرو بعدد الحصى، وتسأل عليك الرجال من ها هنا، وها هنا ولئن فعلتُ لتكوننَّ أشأم مولود في بني مازن».

فلما رأى أنه لا يجيبه أخذ باللين قائلاً: «اخرج بأبي أنت منصوراً مستوراً… إني والله ما أراك تعرفني، ولئن عرفتني لوثقت بقولي، واطمأننت إليّ… أنا أبو الأغر النهشلي، وأنا خالُ القوم وقُرّة أعينهم، لا يعصون لي رأياً، وأنا كفيلٌ بأن أحميك منهم وأن أدافع عنك. فاخرج وأنت في ذمتي، وعندي فطيرتان أهداهما إليّ ابن أختي البار، فخذ إحداهما حلالاً من الله ورسوله، بل وأعطيك بعض الدراهم تستعين بها على قضاء حوائجك».

وكان الكلبُ إذا سمع الكلام أطرق، فإذا سكت أبو الأغرّ وثب الكلب وتحرّك يريد الخروج. فلما لم يسمع أبو الأغرّ ردّاً قال: «األأم الناس! أراني في وادٍ وأنت في آخر، والله لتخرجن أو لأدخلن عليك!»، فلما طال وقوفه جاءت جاريةٌ وقالت لأبي الأغرّ: أعرابي جبان! والله لأدخلنَّ أنا عليه! ‏ودفعت الباب، فوقع أبو الأغر على الأرض من فرط خوفه، وخرج الكلبُ مبادراً فهرب من الدار، واجتمعت الجواري حول أبي الأغرّ فقُلْن له: «ويحك! فإنه كلب!»، فقام وهو يقول: «الحمد لله الذي مسخه كلباً وكفى العربَ شرَّ القتال!».

ومن نوادر اللصوص، ذهبت ثياب رجل في الحمام، فجعل يقول: «أنا أعلم، أنا أعلم»، واللص يسمعه؛ ففزع وظن أنه قد فطن به؛ فردها. وقال له: «إني سمعتك تقول: أنا أعلم، فما الذي تعلم؟»، قال: «أعلم أنه إن عدمت ثيابي مت من البرد».

ومع التحفظ على التعميم والجمع وعدم التبعيض، لكن دون شك، يدخل كلام الشاعر الكبير أحمد مطر، ضمن دواوين العرب عن أجمل ما قيل في اللص الكبير:

تكتب الشعر لمن، والناس ما بين أصم وضرير؟

تكتب الشعر لمن، والناس مازالوا مطايا للحمير؟

وجياعاً ما لهم أيدٍ، يبوسون يد اللص الكبير؟

سعيد محمد سعيد

اشفط… اشفط… ثم اشفط!

 

«ودي أصدق… بس قوية قوية قوية». هذه العبارة ضمن مشهد مسرحي للفنان الكويتي سعد الفرج، تكررت كثيرًا خلال الأيام القليلة الماضية مع حالة التذمر والغضب الشديدين بين أوساط المواطنين الخليجيين الذين طفح استياؤهم بشكل كبير جدًا إثر الشلل الذي أصاب دول المنطقة نتيجة الأمطار الغزيرة.

ولأن عملية (الشفط) مستمرة، والهوامير (يشفطون) ليل نهار بدرجة فاقت عمليات (شفط) مياه الأمطار بواسطة الآليات والصهاريج والمضخات، فإن انتشار مقاطع الفيديو الغاضبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أخذت شكلًا من أشكال التنفيس الناقد! تجد هنا مسئولًا خليجيًا يتحدث عن صرف الملايين على هذه المدينة لتصبح من أكبر المدن النموذجية في العالم، وتجد هناك مسئولًا آخر يتحدث بفخر عن موازنة هي الأولى من نوعها في تاريخ بلاده لإنشاء شبكات الطرق والمجاري والمرافق والخدمات في عاصمة تباهي العالم بتطورها، ثم يفاجئك المشهد المباغت ليظهر الفنان سعد الفرج وهو يقول: «ودي أصدق… بس قوية»! كتعليق ساخر على (الصواريخ) التي يطلقها بعض المسئولين.

الظروف الجوية التي مرت بها دول المنطقة لم تقتصر على تعليق الدراسة في بعض الدول وغرق مناطق سكنية بالسيول وانهيار بعض الجسور وفشل فرق عمل الطوارئ في اتخاذ ما يلزم، بل سجلت حالات وفاة وعمليات إيواء وخسائر هي الأخرى بالملايين إن لم تكن بالمليارات… ربما ذهب الكثير منها في عمليات (الشفط) على مدى سنوات مضت.

في منطقة تعتبر الأغنى في العالم، تذوب التصريحات الصحافية والمانشيتات العريضة في الصحف والكلام (المدهش) في الفضائيات وأطنان التقارير الإعلامية المبهرجة اللامعة عن مشاريع التطوير والتحديث أمام مشاهد السيول الجارفة وغرق البيوت والسيارات وانهيار مرافق حيوية صرفت عليها الملايين أيضاً… ويصبح كلام المسئولين المليء بالتلميع (مسخرة كبرى) أمام مشاهد أولياء الأمور وهم يحملون أطفالهم ليوصلوهم إلى بوابات المدارس، وأمام مشاهد (الإبحار) وسط طرقات الحي السكني باستخدام قطع الفلين أو الـ(بلاي وود) الكبيرة أو القوارب الصغيرة أو… حتى باستخدام قدور الطهي الكبيرة من حجم إكس إكس لارج! كل ذلك وسط استمرار عمليات (الشفط) بكل أنواعها، من تحت الطاولات وفوقها وحولها.

نعم، لا أحد من المواطنين في الخليج يعترض أو يغضب أو يتذمر من المشاكل التي تحدث بسبب تغير الظروف الجوية الطبيعية مثل تكون المستنقعات أو انقطاع التيار الكهربائي أو تعطل بعض المشاريع أو تضرر بعض المرافق… لكن، لا يمكن قبول ظهور هذه المشاكل الكبيرة جدًا والناتجة عن سوء التخطيط وضعف البنية التحتية للمشاريع التي (شفطت) المليارات! ولا يمكن اعتبار (الشلل) الذي أصاب الكثير من المدن نتيجة سوء أنظمة تصريف الأمطار ومواجهة السيول حتى أن بعض الفضائيات استخدمت في تقاريرها عبارات من قبيل: «السيول أغرقت مدنًا خليجيةً بـ «لتر ماء»، وهو ما دعا الكثير من مواطني الخليج إلى أن يصبّوا جام غضبهم على المسئولين في الحكومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبخاصة على صعيد التغريدات في تويتر».

والغريب، أن تقريرًا للـ (سي إن إن)، حين تشاهده وتتأمل في الأحداث، تشعر بأنك أمام كارثة كبرى حقيقية: «تمر دول الخليج في ظروف جوية تصاحبها الأمطار الغزيرة، بينما انشغلت فرق الإنقاذ بعدة مناطق بالاستجابة لنداءات الاستغاثة، ودعت الشرطة الآباء والأمهات إلى ضرورة مراقبة أبنائهم عند الخروج إلى أماكن جريان الأودية والمنتزهات خشية سقوطهم في البرك والمستنقعات والسدود ومجاري الأودية، مؤكدة أن الأيام الماضية شهدت وقوع عدد من حوادث الغرق نتيجة لعبور الأودية وعدم اتباع النصائح التي تبث في وسائل الإعلام المختلفة»، وأغرقت السيول مناطق عدة بل ما كان لافتاً أن غالبية «السراديب» في المباني الضخمة تحولت إلى برك مياه، ما هدد تلك الأبنية، وحذر خبراء من تساهل الحكومات الخليجية تجاه تلك السيول، مؤكدين أن الدول الخليجية تخسر مئات الملايين يومياً بسبب تلك الفيضانات والشلل الذي يحدث جراء تلك الأمطار، وأوضحوا أن الأمطار كشفت عن «فساد» سواء في عدم الإشراف على المشاريع أو سوء التخطيط أو عدم وجود صيانة مطلقاً، وإن انهيار بعض الأجزاء من مبانٍ وأرصفة وغيرها من المرافق يعود لفساد واضح وغياب الرقابة على الذين ينفذون المشاريع، وتتم الموافقة على مشاريعهم ولا تتم محاسبتهم». (انتهى الاقتباس).

ومع استمرار عمليات (الشفط)، ومع ما تعرضت له دول الخليج الغنية من كارثة بسبب موجة أمطار… آن الأوان لأن يتم البحث عن مصادر وآليات (الشفط) التي تعمل بطاقة (الفساد) وايقافها في الحال ومساءلة المتورطين في تشغيلها فما حدث قد أرجع مدنًا نموذجية إلى ما قبل الحضارة.

سعيد محمد سعيد

خارطة «الحسين» العالمية

 

ما بعد العام 61 للهجرة (680 ميلادية) وحتى اليوم، أي على مدى 1333 سنة منذ استشهاد الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه في معركة (كربلاء صيانة الإسلام)، سعت العديد من الحكومات المتعاقبة لمحاربة أي ذكر لتلك الواقعة التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، ليس حفاظاً على مشاعر المسلمين من وحشية الذبح الأموي، بل لطمس الذكرى ومنع تفاعل الناس معها.

لقد أدرك الأمويون، أن إعادة تفاصيل ما حدث في كربلاء، بعد واقعة الكرامة الإسلامية تلك، تحرّر الناس من سطوة الجور والظلم والاستبداد، بل كانت قبضة الدولة العباسية على إحياء ذكر واقعة الطف أشد من القبضة الأموية ودمويتها لا تقل عنها! انظر ما نقله التاريخ عن حميد بن قحطبة (159 هـ) وكان وزيراً لهارون الرشيد، والذي بأمر الأخير، قتل في يوم واحد 60 علوياً، ورمى بهم في بئر غوير، حتى أنه ما كان يصوم شهر رمضان المبارك، وحينما سأله عبدالله البزاز أعاد عليه ما اقترفته يداه، وأنه، كما هو حال أعوان الطغاة، يائسون من رحمة الله.

لقد بقيت واقعة الطف متأججة حاضرة متألقة في نفوس المسلمين طيلة 1333 سنة، وينبغي لنا أن نتساءل عما أحدثته نهضة الإمام الحسين (ع) من تغيير، ليس في حياة المسلمين فحسب، بل في حياة الإنسانية جمعاء. لقد أصبحت تلك النهضة، خارطة طريق عالمية، وعلى مدى مئات السنين، وحيث لم يكن لدى الناس ما لديهم اليوم من وسائل تواصل إعلامية ومعلوماتية هائلة، فعلت تلك الحكومات فعلها فحاولت عبثاً تغييب الواقعة، ربما نجحت إلى حد ما، باستخدام وعاظها ولاعقي أحذيتها وكلاب أهل الجور في التصدي للذكرى بل ولتشويهها في كتبهم الصفراء الساقطة. وها هي اليوم، تمسح بقوة كل المحاولات لتعود خارطة الحسين كونياً في عالم يستمع فيه الناس لبعضهم البعض لحظةً بلحظة، مهما تباعدت المسافات وتعدّدت الأزمنة.

في هذا السياق، ترى الباحثة فاطمة مطشر في تأريخها للمواكب الحسينية في عهود الطغيان، أنه «في القرن السابع للهجرة أصبح قراءة المقتل عادةً متبعةً للشيعة، وأول من منع القراءة يوم العاشر الخليفة العباسي المستنصر بالله عام 640هـ (1223م) وهو أول منع علني من حاكم عباسي بعد انتشار المجالس حول صحن الإمامين الكاظمين (ع) في بغداد.

ويذكر ابن الجوزي (ج7 ص23) أن اللطم جرى في صحن الإمام الكاظم (ع) يوم العاشر في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وهذا تاريخٌ آخر يوثق المواكب والعزاء، ورغم محاولات الأمويين والعباسيين لمنع زيارة قبر الحسين (ع)، وتشديد الإجراءات الظالمة وقتل وتهجير أصحاب المواكب، إلا إن تلك الزيارات لم تتوقف ولم تنقطع) انتهى الاقتباس.

كذا، من غير الممكن إطلاقاً أن تنجح كل محاولات الطمس والتغييب والتشويه، سواء تلك التي دعمها الأمويون والعباسيون وأحفادهم في الماضي، أو تلك التي تجري في الحاضر، ويمكن إرجاع ذلك الفشل الذريع إلى أن النهضة الحسينية هي حركة تجديد للدين الإسلامي، على أسس القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، كأول حركة صد قوية في وجه محاولات إعادة المسلمين إلى الجاهلية الأولى على يد الحاكم غير الشرعي يزيد بن معاوية. أضف إليها قائمة المبادئ والقيم الإسلامية والإنسانية والفكرية التي تهفو إليها كل شعوب العالم.

خارطة الحسين العالمية، تجاوزت تشويه المشوّهين وإرجاف المرجفين ومؤرخي الذهب الأموي والعباسي، الذين ذهبت أفعالهم الخسيسة سدىً وهباءً منثوراً، حتى ظهر من غير المسلمين من يمتلك أمانةً وضميراً لأن يقول كلمة حق لم يجرؤ على قولها من ملأت الدولتان الأموية والعباسية وحكومات الأحقاد ركابهم فضةً أو ذهباً. ولعل مقولتين في هذا الشأن تختصران وصف خارطة الحسين العالمية:

الأولى: ما ورد في كتابه «رحلة إلى العراق»، حيث قال الباحث الإنجليزي جون آشر: «إن مأساة الحسين بن علي تنطوي على أسمى معاني الاستشهاد في سبيل العدل الاجتماعي». والثانية ما جاء في كتاب «حضارة الإسلام» للمستشرق الأميركي غوستاف غرونيبا، وهو ألماني الأصل، بقوله: «الكتب المؤلفة في مقتل الحسين تعبر عن عواطف وانفعالات طالما خبرتها بنفس العنف أجيال من الناس قبل ذلك بقرون عديدة. إن وقعة كربلاء ذات أهمية كونية، فلقد أثَّرت الصورة المحزنة لمقتل الحسين، الرجل النبيل الشجاع في المسلمين، تأثيراً لم تبلغه أية شخصية مسلمة أخرى» (انتهى الاقتباس). وتوضيحاً، حتى لا تأتي المقارنات المجوفة تحت عنوان «أية شخصية مسلمة أخرى»، فإن الإشارة هنا تركز على الصورة المحزنة للمقتل.

لنتأمل كيف هي تلك الصورة المحزنة اليوم، تتوزّع على الكون بأسره مختصرةً عبارةً الإمام الشهيرة: «وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر». فالسلام عليك يا أبا عبدالله الحسين ما بقيت وبقي الليل والنهار.