سعيد محمد سعيد

مكافحة… مناهضة… محاربة: ماذا بعد؟

 

كان المشهد فعلًا مفرحاً ومؤنساً ورائعاً بالنسبة للكثير من البحرينيين الكرماء الذين ترتبط جذورهم بهذه الأرض الطيبة! وفي الوقت ذاته، كان بالفعل، مؤذياً كريهاً موجعاً ومثيراً للحنق والأحقاد بالنسبة لأصحاب القلوب والنفوس التي تشرَّبت بالطائفية البغيضة والجراثيم العنصرية الفتاكة… لكن، أي مشهد ينتظر القارئ الكريم معرفته؟

قبل أمد قصير من الزمن، وجدت فرصةً سانحة لحضور مهرجان الخيل العربية الأصيلة الذي رعاه محافظ الشمالية علي العصفور بالتعاون مع اسطبلات المها في قرية الشاخورة، وبالطبع، بمشاركة مجموعة من اسطبلات الخيل في البحرين… لك أن تتخيل، أن تجد بحرينيين من الطائفتين الكريمتين… من كل مناطق البحرين إن لم أكن مبالغاً حسبما التقيتهم من أصدقاء ومعارف… بل، وبمشاركة مقيمين من جنسيات مختلفة.. كلهم التقوا في مهرجان للخيل العربية، وفي قلب قرية الشاخورة.

تلك العروض التراثية التاريخية الوطنية العربية الأصيلة، يمكن أن تختصر كل الإسقاطات المتهاوية أصلًا ونحن نشاهد هذه الجماهير المحتشدة وهي تتابع العروض وتشجع وتصفق للفرسان والخيالة والمشاركين… ليس عصيّاً معرفة المشاركين من أسماء وألقاب عوائلهم لكي يقف ذلك المعاند المملوء بالغيظ والحنق ليظهر ما في قلبه من ألم ووجع حين يرى جمهوراً من الطائفتين الكريمتين… فرساناً من الطائفتين.. ومنظمين من الطائفتين… وهو الذي – كان ولايزال – يريد سوءاً بالبلد الكريم وبالطائفتين، ويسعى لأن يشعل النار باستحضار الخلافات التاريخية من قبيل منظمة (الشتم واللعن)، أومن قبيل المفردات المستحدثة للأذناب والخونة… عموماً، لم يكن مكانه هناك بين الطيبين حقاً… فمكانه الطبيعي هو في الغرف المظلمة المعفنة بأنفاس الحقد والطائفية ليبثها في وسائل إعلام قذرة وشبكات مأجورة ويخلص إلى نتيجة: هو حامي الحمى والمدافع عن الأوطان والإنسان؟ أليس هذه هي اسطوانة المتاجرين بالوطنية عشاق الطائفية؟

على أية حال، ذلك المشهد جال في بالي وأنا أترقب ما إذا كانت لجنة مناهضة الكراهية والطائفية ستضع في اعتبارها أولًا بأول، أن الانشطار أو الانشقاق أو الانفطار أو التشظي الطائفي القائم في البلد، يقوم عليه من يقوم شاهراً ظاهراً بلا مبالاة لا بقوانين ولا بقيم دينية ولا إنسانية ولا أخلاقية لطالما سيجد من يحميه ويسنده ويدافع عنه ويأويه؟ فهل ستنجح في دورها؟ وهل في مقدورها، ولو بما تيسر من القوانين، أن تحاكمني كمواطن لأنني أسأت لمكون أو طائفة عبر أي وسيلة وبأي شكل من الأشكال؟ أو ستجعلني حرّاً طليقاً أفعل ما أشاء مادام أنني مسنود الظهر ومن الـ «هوامير»؟

لاشك أن المسئولية على هذه اللجنة جسيمة وثقيلة ومعقدة لكنها ممكنة التطبيق بلا ريب… من حسن الحظ أن هذه اللجنة لن تكون وحدها، بل – إن أرادت – لها أن تستعين بالشخصيات البحرينية الكريمة التي قدمت المبادرات تلو المبادرات: وطن يجمعنا، بحرينيون ضد الطائفية، لا سني لا شيعي بس بحريني، فهذه الأصوات الصادقة هي من يجب أن تستفيد منها اللجنة إن أرادت أن تضع لنفسها تصوراً حقيقياً يتصدى للطائفية وللطائفيين ولمن يدعمهم ويحميهم.

سأعود أيها الأعزاء إلى يوم «الثلثاء 28 فبراير/ شباط 2006 الذي وافق التاسع والعشرين من شهر محرم للعام 1427» حينما طرحت في هذه الزاوية مقالًا بعنوان :»هيئة وطنية لمكافحة الطائفية»، وصفت فيها الأماني الكبيرة، والطموحات الخالصة، أن تتشكل لدينا في البلاد – وعلى المستويين الشعبي والحكومي – هيئة وطنية تمتلك القوة للتصدي لكل أشكال الطائفية وممارساتها في البلاد.

كانت تلك الفكرة، وغيرها الكثير من الأفكار التي راودت محدثكم على مدى سنوات، لكن مجرد طرح الفكرة على بعض الناس كان يقود إلى حال من الترهيب اللامحدود: «أنت بذلك تريد أن تقول إن البلد غارق في الطائفية أليس كذلك؟ قف عند حدك؟» أو من قائل: «الكل في بلادنا يحارب الطائفية… الكل جند مجندة ضد الطائفية، فلم هذه الهيئة وما أدراك ما الهيئات؟ ثم مجرد الفكرة تعني أنك… طائفي».

يومها قلت إنه لا يمكننا أن ننكر حقائق نعايشها بشكل يومي… الطائفية التي لا تريد الحكومة أن تضربها (بيد من حديد)، ولا يريد المواطنون مواجهتها بمواقف حقيقية نابعة من المسئولية الوطنية، ولا يريد أحد كائناً من يكون، أن يعترف بها لكي يتخذ منها موقفاً يرضاه ضميره… بل على العكس من ذلك، هناك من يتبنى النفَس الطائفي البغيض وبصورة تخلو من الإحساس بالمسئولية.

ليس مهماً أن يكون كاتباً أو كاتبة صحافية معروفة ومرموقة لكي يتفق الناس على أنهما عبقريَّا زمانهما، وأنهما يقولان القول الفصل حين يتحدثان عن قضية لها صبغة طائفية بحتة! وليس صحيحاً أن يخرج علينا نائب أطلق المجال للحيته، ولأنه تعلم بعض أصول تجويد قراءة القرآن الكريم، وصلى بالناس جماعة أو جمعة وخطب فيهم خطبتين، فإنه بذلك ولي الله الصالح الذي تنزَّه عن الأخطاء وعصم نفسه عن الوقوع في الزلل! وأنه حقيقة، ذلك الإنسان الذي يمتلك صكوكاً خاصة ليُدخل هذا الجنة ويرمي بالآخر على وجهه في النار وبئس المصير!

مشكلتنا في بلادنا أن الكل (يتفلسف) في المكافحة والمحاربة والمناهضة… نعم، بمن فيهم محدثكم نفسه؟! ولماذا ننكر ذلك؟

فليتفلسف من يشاء، ولكن، لننظر إلى ما ستؤول إليه أوضاع الأجيال القادمة إن بقي أصحاب الجراثيم الطائفية يدمرون بيت الأسرة الواحدة بطائفتيه الكريمتين… لن ينفع الندم… صدقوني، «الله لا يجيب ذاك اليوم»… أسمع البعض وكأنه يقول (لقد أتى يا رجل!).. عساه بعيداً.

سعيد محمد سعيد

«مخرخشهم»!

 

تأخذ جماعة «مخرخشهم» العريقة في التاريخ، شكلاً من أشد أشكال القباحة واللؤم والوقاحة والسفالة! وهي إلى يومنا الحاضر، تمثل صيغة إعلام منحط وافر القذارة. إن هذا الصنف يعتاش على الانحطاط وإثارة الفتن والعداوات والتغابن والاتهامات الباطلة والافتراءات اللئيمة التي لا علاقة لها بالإنسانية ولا بالدين ولا بالأخلاق ولا بالوطنية.

هذه الجماعة من الكذابين المحترفين، يجدون في ممارسة الأكاذيب والأباطيل فائدتين: الأولى، مادية دون شك، فهم لا يعملون هكذا من أنفسهم لأنفسهم! فلا ريب أن هناك من يدعمهم؛ أما الفائدة الثانية فهي التعبير بضراوة عمّا يجيش في دواخلهم من طائفية وحقد وأمراض نفسية متراكمة، ولهذا فإن لفيفاً من أفراد الجماعة بمن فيهم «بطيخهم»، «جحشهم»، «طمبورهم»، «حنطورهم»، «مطبلهم»… وغيرهم كثيرون ممن يطلبون لهم كالإعلاميين والكتاب والمذيعين والمراسلين ذوي النفس «الرزيلة»، ليسوا سوى أدوات هي في الأساس مهيأة تربوياً ونفسياً وتجارياً واستثمارياً، لأن تقوم بدور جدهم مسيلمة الكذاب. المهم بالنسبة لهم هي أن يبقوا على صورتهم الذهنية التي انخدع بها المغفلون من أنهم أناس – أي جماعة «مخرخشهم» – يخدمون الدين والوطن والإنسان والحيوان… وهذا الأخير أيضاً له صلة قرابة بهم.

وليس مستغرباً أبداً أن يتبع أولئك المخروشون البطيخيون المطبّلون آلاف من الناس.. الجاهل والمغفل والميال لطقوسهم الخبيثة والمصفق لجنونهم؛ وصنف آخر من عشاق الطائفية والرقص على جراح الناس. ولهذا، فإن للباحث والمترجم المنشاوي الورداني سلسلة أبحاث ومقالات رائعة تحت عنوان: «كذب آلة الإعلام»، حيث يشير إلى أن المتأمل في مسيرة الكذب الإعلامي في قصص الأولين يجد ارتباطها الوثيق بتوجه معين يريده الطغاة، حيث يعزّز هذا التوجه بكل ما أوتي من قوة للحيلولة دون وجود المنافس الذي قد ينزله عن عرش الهيمنة والقهر، فالآلة الإعلامية ليست وليدة العصر الحديث فحسب، بل سبق وأن بسطت رداءها في العصور الأولى ولكن بأشكال تختلف عن وسائل عصرنا الراهن الذي يتمتع بالوسائل الإعلامية الحديثة كالإنترنت والصحافة والإذاعة والتلفزيون.

لقد اشتركت جميع الوسائل الإعلامية – قديمها وحديثها- في الكلمة الكاذبة لتوجيه الجمهور نحو توجه معين يريده من يملك الكلمة. والكلمة هنا هي الخطاب الإعلامي والذي كان في القدم ما يصدر عن اللسان، وفي العصر الراهن أيضاً ما يصدر عن اللسان، ولكن في صور مطبوعة ومرئية ومسموعة. وتأمل موقف القرآن من الشعراء حيث كان ما تلوكه ألسنة الشعراء هو النموذج الإعلامي القديم في ديوان العرب، ومن الجميل أن الباحث ساق شكلاً من أشكال «التوجيه» وهي المساجلات بين جرير والفرزدق من أجل مناصرة الحكام بسلطان الشعر. وما كان يحدث في فجر الاسلام من جانب شعراء الجاهلية بهدف ضرب الدعوة في مهدها، لذلك ذم القرآن ذلك النوع من التوجه الإعلامي الذي يهيم فيه الشعراء: «والشُّعراء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون. أَلَمْ تَرَ أَنَّهم في كُلِّ وادٍ يهيمون. وأَنَّهُم يقولون ما لا يفعلون. إِلا الذين آمنوا وعملوا الصالحاتِ وذكروا اللهَ كثيرًا وانتصروا من بعدِ ما ظُلِموا وَسَيَعْلَمُ الذين ظلموا أَيَّ مُنقَلَبٍ ينقلبون» (الشعراء، 224-227). (انتهي الاقتباس).

ونحن في المجتمع الإسلامي والعربي والخليجي عموماً.. والبحريني خصوصاً، لابد أن نعترف بأن «خطاب الكراهية» لم ينتشر هكذا دون وجود قوة داعمة رافعة له لينتشر! حتى لو تمت المقارنة بين خطاب وإعلام الحكومات ونظيرتها «المعارضة»، في كل مكان في العالم، فإن الخط الفاصل هنا هو قدرة ذلك الخطاب على استخدام «الكذب» ليبقى صامداً، وإلا فإن نازية «غوبلز» المتمثلة في: «اكذب اكذب اكذب حتى يصدقك الناس»، هي ركن ظاهر لدى كل وسيلة إعلام أو خطابة أو ما ارتبط بأسلوب وتفكير وانحطاط جماعة «مخرخشهم»، وسواء كانت المعارضة صادقة أم الحكومة كاذبة، وسواء كانت المعارضة محترفة في أعلى مستوى كذب، والحكومات صادقة إلى أبعد درجات الصدق، فإن المجتمعات العربية والإسلامية في حاجة ماسة إلى حمل أمانة الكلمة والحق والدفاع عنها، ومواجهة الباطل وأهله وفق الآية القرآنية الكريمة: «ولا تلبِسوا الحقَّ بالباطِلِ وتكتموا الحقَّ وأَنتم تعلمون» (البقرة، 42).

على أية حال، فإن جماعة «مخرخشهم» هي أيضاً تدخل في نطاق وصف الباحث خالد كبير علال مؤلف كتاب «مدرسة الكذابين في رواية التاريخ الإسلامي وتدوينه»، على اعتبار أن مسيلمة الكذاب هو الجد الأكبر لتلك القبيلة، فالمؤلف يرى أن أولئك الكذابين شكلوا خلال القرون الثلاثة الهجرية الأولى تياراً فكرياً اجتماعياً طائفياً جارفاً تخصّص في اختلاق الأكاذيب، ولهذه المدرسة رجالها ومنهاجها وموضوعها وخصائصها وآثارها، لكن المهم هو فضحها ومقاومتها والتحذير منها وتطهير المجتمع من قذارتها.

سعيد محمد سعيد

وإن «تتركه»… يلهث!

 

يبدو أن هناك نماذج من الكتاب والإعلاميين والصحافيين والنواب والناشطين والخطباء وجوقة طويلة عريضة من الفاشلين في المجتمع، يُصابون بـ «اللهاث»، إن حملت عليهم أو تركتهم.

هؤلاء أصبحوا من حسن الحظ في غاية الانكشاف بالنسبة لأبناء المجتمع البحريني الذين لم تعمهم موجة الرمد الطائفي.

يصابون باللهاث والهلع والفزع إن وجدوا الأزمة في البلاد مشتعلة وفي أوار ولهيب متصاعد، فيظهرون وكأنهم حماة الوطن الذائدين عن حياضه! أيضاً، يُصابون باللهاث والهلع والفزع بدرجة أشد من الأولى إن تبادر إلى مسامعهم، ولو من باب الشائعات والتحليلات السياسية المجوفة، بأن هناك مساراً للحل! إن تحمل عليهم أو تتركهم فهم في حالة لهاث دائم.

قد يكون من البديهي القول أن حالة «التحليل العبقري» وطرح الآراء وتبادل المعلومات واللطائف السياسية بين الناس في ظل الأزمات، وخصوصاً الشعوب العربية والإسلامية، هي حالة طبيعية تدخل تحت عنوان «التنفيس»، لكن هناك نكتة سياسية محبوكة حبكة فكاهية لطيفة ذات معنى كبير وصائب، وقد يضحك بسببها حتى زعماء الدول والجمهوريات الذين يتعرضون للنقد بينهم وبين أنفسهم في السر. وهناك نكات وطرائف وخزعبلات وممارسات من نوع «السيلان اللاإرادي»، تكشف أن من كان يعتاش على الأزمات مدعياً حب الوطن، لا يمكن أن يعيش فكرة إيجاد حل لتلك الأزمات.

ومن السيء للغاية، أن يبقى المجتمع البحريني مصاباً بلوثات وهوس ذلك النوع من الكتاب والإعلاميين والصحافيين والنواب والناشطين والخطباء والجوقة العرجاء المضحكة، فتارةً تجعل الأتباع يصفقون مع الجوقة، وتارةً يبكون معها، وتارات يهددون ويتوعدون معها، مع أن الجوقة وأتباعها يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم مجرد (صفر) على الشمال، حتى ولو أقنعوا أنفسهم بأنهم رقم صعب في معادلة سياسية صعبة.

والمجتمع البحريني، حاله حال الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، يستقبل الناس فيه التحليلات والمعلومات والأخبار، سواءً كانت حقيقة أم لا، وسواء وافقت الذوق السليم أم لم توافقه، فالأمر سيان بالنسبة لدى البعض الذي لا يرى فيها ما يسيء إلى شخصه الكريم، ولا يرى فيها إساءة إلى الشخص المرسل إليه، وسواءً كان المرسل أو المتلقي رجلاً أم إمرأة، مراهقاً أم رجلاً ناضجاً، تسقط حدود الأخلاق طالما هي: كذبة سياسية، هجمة طائفية، نكتة سياسية، فلا ضير من أن يضحك الناس!

لا بأس، بيد أن هناك تطوراً لافتاً في استخدام الوسائط الحديثة والرسائل الإلكترونية بأنواعها وتصاميم الجرافيك التي يعصر فيها (المبدع) رأسه وفنه لينتج عملاً مثيراً للضحك يرسله إلى آلاف الناس، ويقوم الآلاف بإرسالها إلى آلاف آخرين، وهكذا تكبر خانة ألوف الألوف، لكن قلة هم أولئك الذين تتوقف لديهم الرسالة فيتأملون فيها بالقراءة المتأنية أو الاستشارة المفيدة في معرفة ما ينفع.

بالنسبة للمصابين بالهلع والفزع الظاهري المصطنع في الأزمات بمواقفهم المزيفة، وهم ذاتهم المصابون بالفزع الحقيقي حين يستشعرون بصيص أمل لحل (ما)، هم ذاتهم كما حدث مع الحاشية في هذه القصة: يحكى أن حاكماً كان في رحلة صيد مع نفر من حاشيته، وبينما هم يبحثون عن الطرائد، رأى الحاكم أرنباً يركض فأخذ بندقيته ورماه لكنه أخطأ الهدف! فقال أحد أفراد الحاشية من المنافقين: «سبحان الله! لأول مرة أرى أرنباً يركض وهو ميت».

سعيد محمد سعيد

لعبة «ساتاتونق» الحقيرة

 

من الصعب أن تجد أحداً يعرف معنى كلمة «ساتاتونق»! حتى قائلها لا يعرف معناها! فهو أطلقها بحرقة تلازم خفة دم إخواننا المصريين وهو يصف الإعلام العربي المتهاوي إلى أسفل سافلين.

ذلك الزميل الإعلامي المصري خفيف الظل، كان يعقب في مداخلة له ضمن ندوة إعلامية حضرتها في إحدى الدول العربية، خصص الزملاء جزءًا منها لتقييم أداء الإعلام العربي والإسلامي منذ انطلاق حركة المطالبة بالحقوق على مدى السنوات الثلاث الماضية، أو ما يفضل البعض تسميتها بـ «الربيع العربي».

على أية حال، لا تهمنا تلك الكلمة الفكاهية بقدر ما يلزم كل مواطن عربي أن يعرفه وهو يتابع اللعب الخطير للكثير من المؤسسات الإعلامية، صحافة، فضائيات، مواقع إلكترونية، حسابات تواصل اجتماعي وكل ما يدخل تحت عنوان «الإعلام الإلكتروني الجديد».

دعونا نتأمل بضع نماذج من سموم ذلك الإعلام الذي استطاع، مع شديد الأسف، أن يلقي بضاعته الرخيصة في عقول الكثير من الناس فاقدي الوعي، أو ذوي القابلية لتصديق كل شيء بدوافع طائفية، سياسية، تآمرية، عنصرية. سمها ما شئت، فمن بين ما كشفه أحد الزملاء، هو أن فضائية عربية شهيرة جداً جداً، أشعلت على شاشتها حرباً طائفيةً ضروساً انعكست نيرانها، كما هو مخطط لها، على شريحة كبيرة جداً جداً من الناس الـ «ساتاتونق»، عندما كثفت نشر الرسائل النصية التناحرية على شاشتها. فهذه الطائفة تكفر تلك الطائفة، والأخرى تتوعد بقطع الرؤوس وأخرى تهدد باستخدام السلاح في تصفية النصارى والروافض والكفار، وآخر يدعو أهل طائفة في تلك البلاد لاستهداف الكنائس، وواحد يوظف الآيات القرآنية الكريمة لمآرب شيطانية محشداً الأتباع والأنصار للدفاع عن أفكارهم بقتل المخالفين.

ذلك الزميل الذي كان يعمل في تلك الفضائية، كشف أن وراء تلك الحرب المخيفة والمدمرة للمجتمعات العربية والإسلامية كان وراءها شخص واحد… واحد فقط! موظف (كونترول الـ sms) المؤهل الخطير والمحترف بلا نظير يكسب رزقه من خداع الناس والضحك على ذقونهم وتأجيج ذوي العقول الصغيرة التي تتمتع بقابلية كبيرة لتصديق كل ما يرميه ذلك الإعلام من زبالات أعز الله السامع.

خطاب الكراهية… البطولة للثور الهائج: في أغلب الأحيان، يُمنح دور البطولة في اللقاءات الحوارية الطائفية، عبر الهاتف في أغلب الأحيان، للثور الهائج الذي يكون في العادة نكرة. يمثل انتسابه لهذه الطائفة ليضرب ويهاجم ويشتم الطائفة الأخرى والعكس. وفي بعض الأحيان، يكون ذلك الثور الهائج (شاهد عيان) تم تفصيل النص الذي سيتحدث فيه تفصيلاً لا يخلو من الهفوات والأكاذيب المفضوحة، ليهرج على خلق الله مؤججاً تارةً ومستغيثاً تارةً، وباكياً تارةً أخرى، ولربما بكى معه العشرات من خلف الشاشة وهم يتمايلون جزعاً ولوعةً وغضباً دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تشغيل «عقولهم» ليركزوا في بطولة الثور الهائج.

بالطبع، تدعم مجموعات من «الثيران» بطلهم عبر نشر مذهل لروابط الكترونية عبر شبكات التواصل الاجتماعي منها ما هو متصل باليوتيوب ومنها ما هو متصل بمواقع مجهولة وكل شيء بحسابه. أما الفعل الرخيص في أوضح صوره يظهر عندما يتم إعداد الثور للتسلح بعبارات الاستغفار والآيات القرآنية الكريمة وتكرار بعض الأذكار بين حين وآخر، ليضفي حالة «أيديولوجية دينية» أفيونية، بإمكانها اختراق مشاعر من لديه القابلية أصلاً لقبول الفاحش من القول، والوضيع من الافتراءات والاتهامات.

والأرخص من كل ذلك، أن يظهر بعض الداعمين من «مشايخ الطين» أو ممن يطلقون على أنفسهم «باحثون في التاريخ الإسلامي» أو «ناشطون في الدفاع عن قيم الأمة»، ولا بأس إن ظهر بين هؤلاء أيضاً، من الجنسين، الأسود والفرسان والأبطال والقامات! كل أولئك لا يمكن أن يقوموا بذلك العمل الخبيث دون أن يستلموا – مقدماً – الأعطيات القذرة التي تملأ كروشهم.

بالطبع، كان الكثيرون يرفضون تصديق مثل هذه الممارسات العفنة، حتى انكشفت هذه الفضائية في مقطع مسرب قبل أو بين الحلقة بين المقدم الشهير والضيف السياسي الكبير وهما يتحدثان عن إجادة الدور. وانكشفت تلك الصحيفة بفضيحة ردود النفي، وأزيح الستار عن أولئك الشيوخ الذين يدعون أولاد الناس للموت، فيما هم يصيّفون في بعض العواصم الباردة المنعشة.

أمام ذلك الإعلام الحقير في خطابه وأتباعه، هناك مفكرون وإعلاميون وناشطون وكتاب وعلماء دين معتدلون يفضحون تلك الممارسات. لقد أجاد المفكر البحريني علي محمد فخرو لدى مداخلته في منتدى الدوحة الرابع عشر المنعقد في الفترة من 12 حتى 14 مايو/ آيار 2014 تحت شعار: «إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط»، حيث حذّر من فضائيات الطائفية والفتنة والتناحر كسبب من أسباب الأزمات بالتساوي مع الفكر المحارب للديمقراطية والأنظمة المستبدة.

كل الحكومات في استطاعتها لجم وإيقاف خطاب الكراهية المدمر لو أرادت، لكن حتى لو كانت هي ذاتها معجبة بذلك الخطاب، يلزم على المتلقي أن يحترم عقله ويرفض من يعبث به ويضع لنفسه مصفاة (فلتراً)، لكي لا يصبح مكباً للنفايات.

سعيد محمد سعيد

مرة أخرى… «كل شيء تمام»!

 

هي مرة أخرى قطعاً، ولن تكون الأخيرة، فعبارة «كل شيء تمام يافندم»، لن تنقلنا أبداً إلى الحقيقة، ولن تخدم المواطن في شيء، وما عادت أصلاً تلك البهرجة الطويلة العريضة في الصحف وفي وسائل الإعلام تؤثر في الشريحة الأكبر من المواطنين الذين أصبح لديهم «براحة» كبيرة للتنفيس عن أنفسهم في شبكات التواصل الاجتماعي.

إن الحديث عن الملفات المعيشية الثقيلة من غلاء الأسعار إلى تدني مستوى الرواتب إلى الإسكان إلى الخدمات الاجتماعية على اختلافها، يُعتبر لدى البعض من المواضيع الخطيرة جداً جداً، لاسيما خلال السنوات الثلاث الماضية والأزمة السياسية تعصف بالبلد. فأي انتقاد لأي مسار خاطيء يجعلك في خانة الخيانة والتواطؤ والتآمر، حتى أن البعض من شدة وضاعة تفكيره وضحالة إلمامه بالأوضاع وسوء فهمه للوطنية، يجزم على أن أي مواطن لا يجد ما يأمله من أي جهاز حكومي ثم يتذمر أو يشكو، فإن ذلك المواطن لا يستحق أن يعيش في البلد! «خف علينا يا حامي الديار».

سأعيد عليكم قصةً جميلةً طرحتها ذات مرة فأعجبت الكثير من الناس، ولكنها لم ولن تعجب بعض المسئولين الذي يرون في أنفسهم الملاك لوزاراتهم أو إداراتهم، يفعلون فيها ما يشاءون ويوظفون من ذويهم من يشاءون. يرقّون من يشاءون وينكلون بمن يشاءون. ولا أعتقد أصلاً أن مسئولين من هذا القبيل لديهم ذرة ضمير أو إحساس، وهم من الأصل لا يستحقون مناصبهم.

إليكم القصة: يحكى أن أحد السلاطين وهو مسافر في قافلته، سمع أحد خدمه يقول لصديقه: «كيف لهذا السلطان أن يعيّن له وزيراً طاعناً في السن لا يقوى على القتال، ولا يبدو أنه يفقه من أمور السياسة شيئاً وأنا خير منه». فسمع السلطان هذا الكلام وعاد إلى خيمته، ونادى على هذا الخادم فجاءه. قال له السلطان وهو يسمع صوت نباح في جهة بعيدة عن خيمته: «إذهب لترى ما هنالك».

ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: «إني رأيت جراءً حديثة الولادة هي التي تنبح».

– سأله السلطان: كم عددها؟.

– قال الخادم : لا أعلم!.

– قال له السلطان: إذهب لتخبرني بعددها.

ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: «عددها سبعة». قال له السلطان: «ما ألوانها؟»، قال الخادم: لا أعلم! قال له السلطان: «إذهب لتخبرني بألوانها».

ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان: «منها ما يغلب عليه الأسود، ومنها ما يغلب عليه الأبيض»، قال السلطان: «ما عدد التي يغلب عليها اللون الأسود؟» قال الخادم: «لا أعلم!»، قال له السلطان: «إذهب لتخبرني بأعداد السود منها».

ذهب الخادم وعاد وقال للسلطان:»أربع منها سود»، قال له السلطان: «كم عدد البيض منها؟»، أجاب الخادم، بعد أن صمت برهة يفكر: «ثلاثة منها من البيض»، فنادى السلطان على وزيره وقال له: «اذهب لترى ما هنالك (يقصد جهة النباح)، فذهب الوزير وعاد إلى السلطان وقال: «إنها جراء حديثة الولادة عددها سبعة، أربعة منها يغلب عليها السواد والثلاثة الباقيات يغلب عليها البياض، ويبدو أن سبب نباحهم الجوع». فنظر السلطان إلى الخادم وقال: «هل عرفت لماذا اخترته وزيراً لي؟».

انتهت القصة التي لا أعرف حقيقة مصدرها ومدى صدقها ولكن المضمون رائع دون شك. تعالوا إلى المواطن البحريني الذي نجده في تصريحات المسئولين وكأنه «منتهى المنى»، فحينما يتوجه المواطن إلى مكاتب «بعض» الوزراء أو كبار المسئولين، فإنه يقف بين أمرين: فإما هو في ضيافة مضياف كريم يملأ جيوبه بالكلام والوعود وبالقليل من الصدق في الإنجاز، أو هو مقصوف مطرود تحل عليه اللعنات!

بالطبع، لا يجب عليه أن يتذمر أو يغضب أو يصدح بصوته في صحافة أمينة أو إذاعة صادقة، وإلا فالأوصاف جاهزة بقائمتها الطويلة العريضة، أدناها أنه ناكر للنعمة والجميل. أما المنافق والطبّال فهو في الغالب من أفضل المواطنين مكانةً، فالأهم أن (تدهنون سيره بكم دينار).

يا سادة يا مسئولين… هل هذه حالة؟

سعيد محمد سعيد

مقامات «مواطن بن أبي طمبورها»

 

كان من المهم للغاية، لحضرة «مواطن بن أبي طمبورها» وهو يصوغ ما تجود به نفسه من مقامات، أن يتحلى بالشجاعة والمقدرة على تبيان البيان بأبين بينة! لاسيما وهو يعيش في مجتمع تتقاذفه الهموم والنوازل والبلايا… مضافًا إليها الكثير الكثير من الخيبات وسوء المنقلب… في الحل والترحال.

حول ذلك المقال، تحدث المهندس المتفرس الزعيم العظيم… وقال: «في بيتنا حمامة… معروفة بالشهامة… لكنها ماتت على الرصيف… حين رأت صاحبنا المخيف… يسير بالقتل بلا هوادة… ويخلط الإجرام بالعبادة… يرحمها الله حمامة الفريج… يرحمها الله حمامة الفريج».

– حدثنا الراوي إبن أبي البحرين الأصلي… فقال ما الذي يجري بين صحبي وأهلي؟ وما الذي ألمّ بالحكومة والمعارضة في الترحال والحل… بين شد وجذب في ملفات وقضايا بعضها بسيط وبعضها يستعصي على الحل… وكيف تمضي السنون والوقعة مستمرة في واد وفي سهل… حتى شاب لها رأس الشاب وانتظر بسببها موته الكهل؟ وما كان من الراوي إلا أن صمت عن الكلام المباح، لأنه طلب العافية فاستراح.

– حدثنا الراوي أبوالاعتصام السلمي، فقال سأجمع صحبي ورفاقي وأبناء عمي… وسنطرق كل أبواب العدالة بحثاً عن أنصار في وجه الظلم… وسنرفع كل الرايات… حين يشتد الحر ويحل البرد وحين تهب السرايات… ونتلو من أجل النصر الأذكار والآيات… وما مات من طالب بحقه حتى لو صبره مات!

– روى سفيد بن أبي صرخوه الطمبحلي… عن سيد أبوراس الجحلي… أن كل ما يهرج به من أكاذيب لا ينافسه فيها إلا المعفن والمحلي… فزاد في سخافته… لأنها صحافته… تلك التي تلمع من بعيد… لكنها يا سادتي… صديد.

– حدثتنا حديقة السلمانية، عن أيام جميلة مضت دونما رجعة بين فلانة وفلتانية… حيث كان الناس في مودة ورخاء بلا طائفية ولا تمييز ولا مهاترات برلمانية، حتى ألمت بها الحسرة، وزاد من عذابها بعد الأمل في الصلاح بعد خراب البصرة، وقالت يا ويلتى على أبناء الديرة قد سقطوا في حفرة، فيا ليتها ترجع أيام الناس في البلد قبل النفط والطفرة… فبكت وبكت حتى طاحت صفرة!

– حدثتنا أمينة بنت الصريح، عما كانت تظن بأنه الطريق الصحيح… بعد ان وجدت بين السنة والشيعة من يقول انه الذابح ومن يقول انه الذبيح، فأوصت جارتها صابرة، بأن النتيجة الى بلاء صائرة، فالكل يدعي أنه على الوطن حريص، وصار الناس بين وطني رائد وصاحب ولاء رخيص، وبين من يملك الفن في حب الوطن، وبين من يثير الأحقاد والضلال والكفر والفتن، فما كان من أمينة بنت الصريح إلا أن كتبت وصيتها وتمنت أن يبنى لها بعد موتها ضريح، حتى يصبح مزاراً للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، وتباع فيه الولاءات بالتذاكر.

– حدثنا وحدثنا وحدثنا… صاحب بيانات صحافية هنا، وناشر كرامات هناك، ولبيب يفهم بالإشارة، أن ما يحدث لن يجر إلا الخسارة، و… ليس أمامي الا أن اطرح سؤالي يا كرام: «ترى، متى ستنتهي معاناتنا اليومية، من السياسة الى القضايا الاجتماعية، ومتى يصبح الوطن للكل والكل للوطن؟».

– قال نحيس بن أبي النكد… أنا الأسد… أنا الذي صنت البلد… أنا أنا أنا أنا… أنا الذي أموت من أجل بلادي لتعيشوا وأنا الولد… يا بوالفعايل يا ولد… وسلامتكم.

***

تهنئة: إلى كل عامل وعاملة وموظف وموظفة وطالب وطالبة… إلى كل أم وأب… إلى كل معلم ومعلمة… إلى كل مهني أيًا كان موقعه نقول: «ليس المهم هو الأول من مايو/ ايار كعيد للعمال… الأهم، أننا كلما نقرأ صفحات مشرقة من عطائكم للوطن ولأهله… نجد فيكم عيدنا اليومي… خبزنا اليومي… طيبة قلوب أهل البحرين المخلصين… أما دونكم، من رقصوا ويرقصون على أوجاعكم وأوجاعنا… شرايينكم وشراييننا… ليسوا سوى مومياء تعفنت وستتعفن… كل عام وأنتم بخير.

سعيد محمد سعيد

خواطر حول… «أسرار سنغافورة»

 

تساءل الإعلامي البارز أحمد الشقيري في برنامجه «خواطر 9»، في الحلقة التاسعة عشرة التي قدمها تحت عنوان «أسرار سنغافورة»، عمّا إذا كان في مقدور «دولة» أن تتطور بلا موارد؟ لكنه استطاع أن يقدم للمشاهد العربي كيف تطوّرت دولة تطوراً حقيقياً بعد أن خاضت حرباً ضد الفقر والفساد.

تلك الحلقة المذهلة، خاطبت عقل المشاهد العربي وقدّمت شرحاً مفصلاً، ليت الحكومات تستفيد منه، عن نجاح تعايش جنسيات وأعراق مختلفة؛ وعن القوانين الصارمة التي تمنع أي شخص من ارتكاب أية مخالفات حتى وإن كانت بسيطة. وبين دفتي البرنامج، حديث عن دور القيادات السياسية التي حققت نجاحاً بعد انفصالها عن ماليزيا في العام 1960 ونالت استقلالها في العام 1965.

الحلقة كانت موفقة في بث لقطة أرشيفية لأول رئيس وزراء لسنغافورة وهو «لي كوان يو» وهو يبكي! ليتحوّل عزم ذلك الرجل بعد بكائه نحو تحقيق قفزةٍ لبلده كواحدة من دول العالم الثالث إلى بلدٍ متقدمٍ يُشار إليه بالبنان.

في أسواق سنغافورة، تنتشر القمصان والهدايا التذكارية التي طبعت عليها قائمة المخالفات. ترسيخ وتشديد بأسلوب جميل للقانون وأهميته. لا يمكن للمواطن أن يتناول العلكة التي لا تجدها في الكثير من المحال التجارية، فلربما قادته تلك العلكة إلى مخالفة حين يلوكها ويرميها على أحد الأرصفة، عامداً أم ناسياً.

«لايجب أن نقع في الخطأ مرتين»، تلك كانت منهجية كوان يو، الذي كتب في مذكراته ما يستحق أن تتأمل فيه كل حكومات دول العالم الثالث: «دائماً كنا ننظر للفرد أو العنصر الأفضل لأي مهمة أو واجب، مهما كانت انتماءاته أو أصله أو دينه. كنا نهتم بالنتيجة فقط، وكنا نعلم تماماً أن فشلنا يعني حروباً أهلية واندثار حلم».

من ضمن فقرات البرنامج، استعان الشقيري بمواطن سنغافوري ليقدّم للمشاهدين آلية التقدم بطلب للترخيص لمؤسسة تجارية. اختار مؤسسةً في مجال الإعلام، وفي لحظات، يدخل المواطن لموقع الكتروني ويملأ استمارة خاصة تحوي بياناته ونوع النشاط الذي يريد ممارسته، ليتسلم رسالةً تشير إلى استلام الطلب، ولتصله في اليوم التالي، الموافقة على بريده الإلكتروني ودعوة له بالنجاح في عمله. لا طوابير ولا واسطات ولا أوراق وإجراءات معقدة ولا يحزنون.

أدرك كوان يو، أن هناك خطراً كبيراً يهدّد البلد، ألا وهو «الغليان العنصري والديني»، الذي يمكن أن تزداد خطورته مع التهديد الخارجي، وترقب ماليزيا لفشل ذريع حتى تعيد سنغافورة بالقوة إلى «الملايو». ولأنه رجل مسئول، فأمامه نسبة بطالة تقارب 15 في المئة، وبنية تحتية لا يمكن أن توصف إلا بالتخلف. لا وجود لضبط القانون والأمن. لا مدارس ولا جامعات بإمكانها الإسهام في بناء دولة قوية… فما العمل؟

عندما انضمت سنغافورة إلى اتحاد الملايو في العام 1963 في اندماجٍ لم يستمر أكثر من عامين، حدثت صدامات عرقية بين الصينيين والملاويين، وهي الصدامات التي أخرجت سنغافورة من ذلك الإتحاد لتستقل في العام 1965، ووضع رئيسها كوان يو، ما أسماه «الكرامة البشرية» التي شملت خليط المهاجرين من الصين والهند وأقليات آسيوية متنوعة، ولا يحق لأي عرق أو دين أو طائفة أو كائن من يكون، أن يتجاوز حدوده ليشكّك في انتماء أو ولاء أو حق أي مواطن آخر من أية ملة كانت.

لو نظرنا إلى ذلك الخيط اليوم، لوجدنا أنهم جميعاً يحملون شعار: «سنغافورة 1»، فلا مكان للمفسدين العابثين بالمال العام، ولا مكان لخطاب طوائف يدمّر السلم الاجتماعي، ويشعل المجتمع تناحراً وصداماً. وليس هناك مسئول يستطيع أن يلعلع في وسائل الإعلام بالأكاذيب والوعود الفارغة. الكل يعمل بإخلاص، وهو أمر لا نجده في الكثير من دول العالم الثالث التي اتخذت طريق تكرار الخطأ آلاف المرات بدلاً من منهج: «لا نريد أن نكرّر الخطأ مرتين».

سعيد محمد سعيد

«فلان»… خلاص استغنينا عنك؟

 

ربما لم يعد مستغرباً أن تجد مواطناً اشتكى من فصله تعسفياً وبلا مبررات، ليجد نفسه وأسرته أمام محنة صعبة! لكن هل يليق أن يحدث هذا في بلد مثل مملكة البحرين؟ هل من المعقول أن يتعرض مواطنٌ للفصل من خلال مكالمة هاتفية يبلغه المتحدث على الطرف الآخر التحية والإكرام ويقول له: «خلاص لا تداوم.. استغنينا عن خدماتك؟».

وإذا أضفنا الملف الثقيل الفاضح، بفصل المئات من أعمالهم لأسباب سياسية، نتساءل: «هل نقف اليوم أمام كل هذه الصورة السيئة عالمياً التي شوّهت سمعة بلادنا في المحافل الدولية دون أن يتم مساءلة الأشخاص الذين جاءوا بكومة الأفكار الطائفية الغبية البغيضة؟». ألن يتم محاسبة مسئول هنا أو هناك يتمتع بفصل مواطن بحريني فقط من أجل أن يرضي غروره المريض أو طائفيته الخبيثة أو جنونه النفسي؟.

قرأت، حالي حال الكثير من القراء الكرام خبر تأجيل المحكمة العمالية (الغرفة الثانية) يوم الثلثاء (15 أبريل/ نيسان 2014) القضية المرفوعة من قبل أحد الزملاء الصحافيين ضد صحيفة محلية أبلغته بالاستغناء عن خدماته دون الوفاء بمستحقاته المالية وحقوقه الناشئة عن عقد العمل المبرم. ولو افترضنا أنه يجوز للمؤسسة – أية مؤسسة – أن تبلغ المواطن «المفصول» هاتفياً بأنه تمت عملية (شحولته)! لكن على الأقل، يتم استضافته وتكريمه لإنهاء إجراءاته بالطريقة القانونية وعدم الاكتفاء بالمكالمة الهاتفية… شوية كرم عربي زعماً.

طبعاً حسب القانون، فإنه «لا يجوز توقيع عقوبة الفصل من الخدمة مع الحرمان من المكافأة إلا إذا ارتكب العامل عملاً تنطبق عليه المادة 113 من قانون العمل»، لكن ذلك الكم الهائل من قضايا الفصل التعسفي، ونقصد بها تلك التي تتضارب مع القانون وتخالفه، في مجتمع صغير كمجتمع البحرين، يدلّ على أن هناك وحوشاً بلباس بشرٍ حقاً! ولن نستغرب أيضاً حين نتساءل: كيف يستمتع هؤلاء بفصل أبناء بلدهم، حتى وإن اختلفوا معهم في الآراء السياسية والمذهبية والفكرية؟ ثم لو أراد أولئك الاستمتاع، كيف تسمح الأجهزة المعنية بأن تقع مثل قضايا «الاستمتاع الإجرامي» على مرآى ومسمع؟ ومن قال لكم أن تجويع مواطن وأسرته أمر جميل ممتع ستنجون من عواقبه إن عاجلاً في الدنيا أم آجلاً في الآخرة.

ثم ماذا عن أولئك الذين يملأون مكان العمل بقومهم، أخوتهم وعيال خالتهم وأولاد عمتهم وأولاد جدة خالة ابن عمهم؟ بالمناسبة، وردتني رسالة مؤلمة من المواطن (ح. م. الحداد)، وهو شاب جامعي مضى على طلب توظيفه في إحدى الوزارات 18 عاماً، يوم أن تقدم إلى وظيفة بتاريخ 21 يوليو/ تموز 1996، والغريب أنه طوال تلك الفترة، دخل على العديد من الوكلاء والمدراء في تلك الوزارة حتى أنه نشر معاناته في الصحافة المحلية، وعندها تم استدعاؤه إلى الوزارة بتاريخ 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2012 وصدر التوجيه بتوظيفه، لكنه إلى الآن، لم يتلقّ خبراً يفرحه ويفرحه من يعيلهم بالفرج. ولو تحدثنا عن قائمة المسئولين الذين راسلهم وقابلهم لقلنا أنه كان بإمكانه التوجه إلى بان كي مون الذي سيخرج علينا ليقول أنه «يشعر بالقلق».

وبصراحة، يحيّرني سؤال منذ سنين: «لماذا لم نسمع ولم نر ولم نقرأ ولو كل عشر سنوات مرةً، عن مسئول تجاوز وعبث بالمال العام وأساء استخدام وظيفته وتم تقديمه للعدالة لينال جزاءه؟ وبالنسبة لأولئك المطبّلين الذين كلما رفع مواطن صوته مطالباً بحقٍّ من حقوقه، جعلوه في خانة العداء والخيانة والتآمر! أليس عيباً عليكم أن تنظروا وتعايشوا هموم الناس وقضاياهم وما يتعرضون له من جانب بعض المسئولين الفاشلين من ظلم وجور وتساهمون أنتم في كتم أنفاسهم؟ هل المسئولون يشعرون بالسرور حين يحيطهم منافقون أمثالكم يكذبون ويداهنون ولا يوصلون هموم الناس إليهم؟ وسؤال أخير: «متى ستستحون على وجوهكم؟». فأنتم من يتوجب على من يهمهم الأمر أن يستغنوا عن خدماتكم السقيمة.

سعيد محمد سعيد

من يراهن؟

 

كمواطن بحريني حالي حال كل مواطن يرفض خبث الطائفيين وفسادهم وعبثهم بالمجتمع، لم أستغرب تصريح وكيل وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الشيخ فريد المفتاح. فمنذ سنين، وأتحدث كإعلامي وكاتب صحافي، عرفت الرجل منذ بدء عملي في الصحافة في العام 1988 وهو يحمل خطاباً مخلصاً تشعر من بين سطوره بأنه يريد أن يجعل المساحة الأكبر في الخطاب الديني هي للاعتدال والوسطية والمعاني الوطنية المخلصة البعيدة عن النفاق. لكن يبدو أن الطرف الآخر أقوى بكثير، وأقصد الطائفيين ومن لف لفهم.

لقد تحدث الشيخ المفتاح في تصريحه عن إجراءات سيقدمونها للحكومة، لوقف الخطب التي وصفها بـ «التكفيرية»، و«أصوات النشاز» التي تحرّض على «بغض طائفة من الناس وتكفيرها وسبّها»، وأن الوزارة، ستعمل مع وزارة الداخلية والنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية حيال الخطباء الذين يردّدون عبارات الطائفية والإرهاب. وفي ظني، فإن مجموعة التكفير والإرهاب والطائفية العفنة تلك، يقرأون التصريح وهم يضحكون! فهم يعلمون أن مثل هذا الاتجاه لا يخيفهم طالما هناك من يدعمهم ويغذيهم ويدسّمهم ويقول لهم افعلوا ما تشاءون فأنتم أعلى من القانون.

نعم، نتفق مع الشيخ المفتاح في المقولة التي نكرّرها دائماً ونعتز بها، ونحن ندرك أنها ماتت واندثرت من قبيل «البحرين عاشت منذ القديم، وأعطت نموذجاً حضارياً في تعايش الجميع على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم، وعاش الجميع مسالمين ومتعاونين، فأعطت نموذجاً حضارياً نحتذي ونفاخر به»، فالبرهان يغلب الوجدان دائماً. فإن يتعرض إنسان في الشارع لموقف من قبيل: «أنت (…) أم كلب؟»، أو من قبيل اتهام الناس بعدم طهارة المولد والافتراء عليهم بالزنى، فإن ذلك يوجب على الدولة أن تسأل نفسها: «من فعل ذلك ولماذا لم يقع تحت المساءلة؟». عودوا إلى تقرير بسيوني وستجدون الكثير إن أردتم.

من يراهن على أن أولئك التكفيريين لا يأبهون لمثل هذه التصريحات؟ من يراهن على أنهم سيواصلون من جهة، وسيطلبون تجديد دعم من يدعمهم من جهة أخرى لمواصلة المشوار؟ يا جماعة لسنا ضد القانون، ولكنا ضد قانون يتم تطبيقه (على ناس وناس). فأنا إرهابي إن دافعت عن نفسي، ومن يهاجمني ويريد قتلي فهو بريء. أنا طائفي إن صددت الهجمات على معتقداتي، ولكن من يهاجمني ويكفّرني ليل نهار تحت مرأى ومسمى الحكومة وفي أجهزتها الإعلامية، فهو بريء ومخلص لله وللوطن! اسمح لي أيها القارئ العزيز أن أنقل لك فقرات سابقة من مقالات كتبتها في الأيام الماضية تدور في ذلك الموضوع:

*«أرزاق مشايخ الطين»: لعل السؤال الذي يطرح نفسه بتلقائية هو: «إذا كان أولياء الأمر من حكام الأمة لا يرتضون إثارة الفتن والعصبيات المذهبية ويشمرون عن سواعدهم بغضب ليحذروا من يقع في ذلك المستنقع من علماء الطين؛ لماذا إذن نجدهم في كل البلدان الإسلامية يسرحون ويمرحون ويقربهم هذا السلطان وذاك الوالي وهذا الرئيس؟ أليس للحكومات هنا دور مشجّع؟.(«الوسط»، العدد 3851، الأحد 24 مارس 2013).

* «يسألونكم عن… الفتنة»: إي والله هي مصيبة، في العالم العربي والإسلامي، هناك «فتنة كبرى»، لكن، لا أحد يعلم من وراء تلك الفتنة! ومن يعلم يتظاهر بأنه لا يعلم، بل حتى رأس الفتنة يدّعي أنه ضد الفتنة! والأشد من ذلك، أن أقطاب أي فتنة وجمهورهم وعبيدهم وجلاوزتهم وشذاذ آفاقهم وعصاباتهم.. أيضاً، يحذّرون من الفتنة التي لعن الله من أيقظها !( السبت 7 سبتمبر 2013).

* «مشايخ «الطين» حين يبكون!»: عشرات اللحى والعيون الحمراء والوجنات المنتفخة والقبضات تتوالى على رؤوس المشاهدين المساكين، وخصوصاً أولئك الذين يصدقون، طبقاً لعقولهم الصغيرة، كل ما يصدر من ألسنة وعقول وبطون وصدور وآذان وجباه من اعتقدوا فيهم أنها أولياء الله الصالحين… حتى أن بعض المجتمعات الخليجية، شهدت في الآونة الأخيرة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، حملات ضد مجموعة من كبار (مشايخ الطين) الذين يحلف برؤوسهم الملايين بعد أن اكتشفوا سوءات فتاواهم التحريضية والتخريفية والتجارية التي يضحكون بها على أبناء المجتمع الإسلامي.(السبت 20 يوليو 2013).

* «الانقسام الطائفي… الفرصة والتهديد!»: ولكن، كيف نظر المفكر فخرو إلى التقسيم واللعبة الصهيونية؟ وقبل أن أقدم ما طرحه، أود أن يتأمل القارئ الكريم ما قاله فخرو بشأن أن ظاهرة الانقسام الطائفي لا تهدّد المجتمعات من الناحية الاجتماعية والسياسية، ولكنه يهدد الإسلام نفسه! فالذين يعتقدون أن الدين الإسلامي يمكن أن يكون في منأى فهو مخطيء! ولذلك قال: «جربوا التركيز على بعض القراءات وكذلك تكلموا مع بعض الشباب الذين ملوا من هذا الدين الذين يخرج من محنة إلى محنة إلى محنة ولا يقف عند محنة معينة، وهو شبيه بما جرى في أوروبا عندما أصبح الناس ينفضون من حول الدين المسيحي – ليس من الناحية السياسية – ولكن من الناحية الروحية، وبقيت الكنائس خالية لسنين طويلة وإلى اليوم في بعض البلدان. لذلك، فإن الجانب الروحي والديني ينتهي عندما لا يعرف رجال الدين والمؤسسات الدينية كيف تتعامل مع مجتمعاتها إلى أن وصلت القضية إلى النحر كما نرى في سورية والعراق واليمن أو حتى ما نراه في مصر التي لم نكن نتصور أن يحدث فيها انقسام طائفي». انتهى الاقتباس.(13 يوليو 2013).

سعيد محمد سعيد

«عجلات»… تسحق الزهور!

 

لابد من الاعتراف، بعيداً عن العواطف، أن الحوادث المرورية التي فقدنا فيها أطفالاً كالزهور، تلزمنا بأن نفتح أبواب كل البيوت ونخاطب كل الأسر، من كل الفئات العمرية، ونخاطب أنفسنا أيضاً، بأن أرواح الناس ليست لعبةً في يد أحد. ولابد من الاعتراف بالإهمال، ولابد من الاعتراف مرةً تلو أخرى، بأننا نعاني من حالة تهور ولا مبالاة مقيتة بين الكثير من السواق. وليس السواق الشباب وحدهم متهمين، فالتهور أصبح واضحاً في شوارعنا، مواطنين ومقيمين، رجالاً ونساءً، قانونيين ومخالفين.

يوم الاثنين، السادس من أغسطس/ آب 2012، فارق الطفل حسين علي حاتم الحياة إثر حادث أليم وقع بالقرب من منزله بقرية عالي، أما في يوم الاثنين أيضاً، 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، توفي طفل إثر اصطدام سيارة به في منطقة الشاخورة. وفي الثامن عشر من يناير/ كانون الثاني 2014، لقي طفل آسيوي يبلغ من العمر 4 سنوات حتفه في حادث مروري في المحرق بفريج «بن هندي». ومساء السبت، فجعنا أيضاً بمصرع الطفل محمد عباس جمعة ذي الثلاث سنوات دهساً بقرية المالكية.

تلك النماذج من الحوادث المرورية، وإن كنا مؤمنين بالقضاء والقدر ونسأل الله سبحانه وتعالى السلامة للجميع، ونترحّم على أطفالنا ونسأل الله أن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان، إلا أن من الواضح جداً أن هناك حالة من التراخي والتهاون من جانب الكثيرين. المتابعة والتوعية والحرص من جانب بعض الأسر يعتبر صفراً حتى أنك تشاهد الكثير من الأطفال دون سن الخامسة أحياناً، خارج منازلهم في عز الظهيرة. شريحة كبيرة من السواق اليوم يقودون سياراتهم وهم يرسلون الرسائل النصية ويغرّدون في «تويتر» ويلتقطون صوراً لـ «الإنستغرام»، وأسوأ صورة يمكن أن نشاهدها هي أن تقود أمٌ سيارتها بيد واحدة، وفي اليد الأخرى طفلها في حضنها، وفي ذات الوقت، تعبث بهاتفها النقال.

وهذه الظاهرة ليست مقتصرةً محلياً أو خليجياً حيث تصدمنا أخبار مصرع الأطفال في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فمنظمة الصحة العالمية، وحسب احصاءات العام 2012، تشير إلى أن 1.3 مليون نسمة يقضون (نحبهم) كل عام في حوادث مرورية. وتمثّل الإصابات الناجمة عن حوادث المرور أهم أسباب وفاة الشباب من الفئة العمرية 15-29 سنة، ويحدث أكثر من 90 في المئة من الوفيات العالمية الناجمة عن حوادث الطرق في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، على الرغم من أنّ تلك البلدان لا تمتلك إلاّ أقلّ من نصف المركبات الموجودة في العالم.

وينتمي 46 في المئة ممن يموتون في طرق العالم تقريباً إلى فئة «مستخدمي الطرق المعرّضين للخطر». وهذه الفئة تشمل الراجلين وراكبي الدارجات الهوائية والنارية. والمؤشرات الخطرة والمقلقة أنه من المتوقع أن تودي حوادث المرور بحياة نحو 1.9 مليون نسمة سنوياً بحلول العام 2020 إذا لم تُتخذ أيّة إجراءات للحيلولة دون ذلك.

لا يملك إلاّ 15 في المئة من البلدان قوانين شاملة تتعلّق بخمسة عوامل خطر رئيسية هي: السرعة، والقيادة تحت تأثير الكحول، واستخدام الخوذات الواقية الخاصة بالدراجات النارية، وأحزمة الأمان، وأحزمة ومقاعد الأطفال، مضافاً إليها الوعي الأسري والمجتمعي (وهذه النقطة الأخيرة، رغم أن مجتمعنا يتمتع بقدر كبير من الوعي، لكن لابد من إعادة النظر فيها).

لنتحدث عن البحرين، ولنقرأ معلومات أوردتها الصحافة المحلية عن مدير إدارة الثقافة المرورية بالإدارة العامة للمرور العقيد موسى عيسى الدوسري، أشار فيها إلى أن الأعمار ما بين 5 و9 سنوات تشكل حوادث المشاة فيها نسبة 19.55 في المئة من مجموع حوادث المشاة للأعمار كافة، وذلك بحسب إحصاءات الإدارة العامة للمرور في العام 2012، بينها حالة وفاة واحدة و47 إصابة بليغة و57 إصابة بسيطة، وبما مجموعه 105 حوادث مرورية. كما كشف أن غالبية الحوادث قد تقع بعيداً عن المناطق التعليمية، معتبراً دور إدارة الثقافة المرورية تكاملياً مع الأسرة، بتقديم محاضرات نظرية وعملية للطلاب مع دخولهم الحياة المدرسية في مرحلتها الأولى، وضرورة التعرف على الأماكن المخصصة للعبور السليم والآمن.

لنركّز على هذه الفقرة: «ولفت إلى أهمية الدور الذي تقوم به إدارة الثقافة المرورية في توعية طلاب الصف الأول الابتدائي بأساسيات العبور السليم والآمن للطلاب قرب المدارس التعليمية والاستفادة من النصائح ليمارسوا حياتهم اليومية بعيداً عن المخاطر والإصابات التي قد تنجم من الحوادث المرورية، وتوعية الأطفال بالأخطار التي يتعرضون لها في الطرق، لتعريفهم وإكسابهم المهارات والسلوكيات المرورية الصحيحة لتجنب تعرضهم لحوادث مرورية، كما تسعى إلى غرس المفاهيم والقيم المرورية التي تهدف إلى خلق جيل جديد ذي وعي مروري»، وهذه الأنشطة لا يمكن إنكارها، ونشكر رجال المرور على جهودهم في هذا الشأن، وبارك الله فيهم، لكن لاحظوا أن حوادث المرور التي وقعت في الفترة الأخيرة هي بين أطفال دون سن المدرسة! أليس كذلك؟

يا جماعة الخير، لنركّز على أطفالنا ونحميهم بالوعي والتعليم وإكسابهم المهارات، ولا نقتصر على أطفالنا، بل لنهتم بكل طفل نراه في الشارع. حين يهمل هذا ولا (يبالي) ذاك ويتهاون (فلان)، فإن أرواح الزهور ستبقى في خطر… حفظهم الله وحفظكم جميعاً.