سعيد محمد سعيد

شتيمة «الشيعة»… الشنيعة المنيعة!

 

هل يمكن أن يصدم الدوّار (راوندبوت يعني) سيارةً بسائقها؟ هكذا رد السائق اللطيف الظريف الذي استقرت سيارته وسط دوار صغير في منطقة الجفير عندما سأله رجل المرور: «ألهذه الدرجة أنت لا تستطيع رؤية الطريق؟»، فأجاب بالقول: «إي. إمبله. أنا أشوف بس الدوار طلع لي؟».

ذلك السائق خانه التعبير، وشرطي المرور تفهم موقفه والتقط معنى عبارته. كان يريد أن يقول بأنه لم يكن منتبهاً في سياقته فتفاجأ بالدوار أمامه! على ذات الوتيرة، تأتي الإدانات الطائفية القسرية على الكثير من الحوادث في المجتمع الخليجي، ما ينبئ عن أن ذات السائق وذات الدوار يظهران لنا بشكل متعدد الأوجه. في حادثة الاحساء الأليمة ، سمعنا مثل هكذا كلام بعد مجزرة الدالوة، ففي الوقت الذي توافد فيه الناس، سنة وشيعة، من المملكة العربية السعودية ومن سائر دول مجلس التعاون الخليجي للقيام بواجب العزاء، ظهرت بعض الأصوات القبيحة التي (عن زعم) تجرح وتداوي!

ألم نسمع مثلاً خطيباً أو إعلامياً أو ناشطاً أو.. آلاف المغردين يسيرون في ذات النهج الأعوج: «نعم.. حادثة الاحساء لا نرضاها ولا نرضى على أهلنا (الشيعة)، لكن الفضائيات الشيعية هي السبب»! فهل يعقل أن يتعرض مواطن شيعي للموت بإطلاق ناري وهو يسير في طريقه ليقول القاتل: «إنهم يشتمون الصحابة في الفضائيات؟»، وهل يعقل أن يتم الهجوم على حسينية بأسلحة نارية أو يحاول أحدهم اقتحام حسينية بسيارته ثم يقول: «لأن الشيعة يدعمون بشار الأسد.. ويقتلون أهل السنة.. ما هم بأمة أحمد لا والذي خلق السماء»!

والأشد من ذلك، تجد أن هناك صمتاً مطبقاً من الأجهزة الحكومية الخليجية المعنية بالإعلام والشئون الإسلامية والأوقاف، ولدينا مثال واضح، ألا وهو المرشح الحالي والنائب السابق جاسم السعيدي.

السعيدي لم يتعدّ مرةً أو مرتين أو ثلاثاً، بل هو في الواقع لا يستطيع أن يقول في اتهامه مفردة (الشيعة) مباشرة، لذلك يستعيض عنها بكلمات ومفردات وأوصاف من قبيل: «أهل الدوار، المجوس، الرافضة، الخونة»، بل واستخدم ذات مرة كلمة لو قالها نائب في أي دولة تحترم شعبها لتم تقديمه إلى المحاكمة. فكلمة «نغول» لا يمكن أن يقولها إنسان محترم ليتهم مكوناً رئيساً في أي مجتمع، إلا أن يكون ذلك الشخص مريضاً نفسياً، ومتشبعاً بالطائفية، ويمتلك نزعة بهيمية لا علاقة لها بالإنسانية ولا بالإسلام. فالدين الإسلامي، ليس دين تلويح بالسيوف في حفلة زار سيئة باسم الدين.

هل تعرض للمساءلة والمحاسبة؟ أبداً. هل شعر أولئك الذين يملأون الصحف والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي بروابط تصريحاتهم الرنانة عن الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي وحقوق المواطن وواجباته والبيت الواحد… هل شعر واحد منهم بأن هذه القائمة من الشتائم هي شكل من أشكال تدمير المجتمع؟ أبداً. يقولون هذا الكلام دراً للرماد في العيون وفي حدود ضيقة، لكن كإجراء، بالعكس، يلقى الشكر والثناء والتقدير والمكافأة على جهده.

ومع الخلاف الدائر في المجتمع البحريني في مسارين: مسار يمثل المعارضة وآخر يمثل الموالاة. في الأول تأتي مظلة المواطن الشيعي وفي الثاني تأتي مظلة المواطن السني، ومع بروز أشكال من الهجوم والتأجيج والإعلام الطائفي خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن كل المبادرات التي تبرز في ظروف قاسية وبإمكانيات محدودة، توأد في مهدها وكأن هناك من يريد للطائفية أن تبقى وتستمر وتحصل على الدعم والتغطية والمكافأة، وأن القانون لا يطبق علينا وعليكم، وهذه أمور في غاية الخطورة يجب أن تضعها السلطة في اعتبارها. يجب أن تستمع للصادقين والمخلصين والأمينين من أبناء البحرين وليس للشتامين والمنافقين والطائفيين والمؤجّجين للفتن.

ماذا عن القانون؟ تطبيق القانون في مواجهة الشتيمة الشنيعة للشيعة يمثل هو الآخر مزاجية تعطي حصناً منيعاً للمتجاوزين. ومن تجربة شخصية، قبل ثلاث سنوات، تقدّمنا بشكوى ضد أحد الطائفيين المشهورين لتجاوزاته وتأجيجه، حتى الآن لم يتم فتح ملف الشكوى، فهل هذا الأمر يسند اللحمة الوطنية وإعادة ترتيب البيت البحريني وتثبيت ميزان الحقوق والواجبات؟

قانون العقوبات في مادته رقم (172) يقول: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تجاوز مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين من حرّض بطريق من طرق العلانية على بغض طائفة من الناس أو على الازدراء بها، إذا كان من شأن هذا التحريض اضطراب السلم العام»، والمادة (309) تنص على: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مئة دينار من تعدى بإحدى طرق العلانية على إحدى الملل المعترف بها أو حقّر من شعائرها».

ولا أدري كيف يرضى البعض أن يقبل بالتبريرات المقابلة السخيفة، لأن عصائب في العراق أو لبنان أو أحزاباً في هذه البقعة أو تلك أو هذه الفضائية أو ذلك الخطيب يشتم ويحرّض على أهل السنة فيتوجب قتل الشيعة في أي مكان؟ الحق، إن كان لديكم قوة ورجولة، واجهوا من يفعل. حين تقتل عصائب مسلحة كما تدّعون أهل السنة في مكان ما في العالم، إذهبوا بشنباتكم ورجولتكم إليهم وقاتلوهم؟ وإذا قلتم بأن الخطيب الفلاني أو الفضائية الفلانية تشتم، دونكم القانون. ارفعوا عليها الدعاوى القانونية حتى تغلقوها. أما نظرية «أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامة» فهذه من صنيعة وضعكم البائس.

على فكرة، أنت مواطن صالح طيب مؤمن مخلص لوطنك حين تتعرض للانتهاك والهجوم على معتقدك و(تنطم وتسكت)! وتكون خائناً، خطيراً، متآمراً مع الخارج، طائفياً، (ولد متعة)، كافراً.. إن دافعت عن كيانك ووجودك ومعتقداتك وحتى حقوقك الأساسية التي يتمتع بها بقية البشر!

سعيد محمد سعيد

الوضع «المفجع الحقير»!

 

حقاً هو «وضع حقير مفجع» في الخليج والعالم العربي… سببه التناحر الطائفي!

حادثة الإحساء الإرهابية يمكن أن تقدم صورة شديدة الخطورة لذلك «الوضع الحقير المفجع»، وهي عبارة قالها المفكر البحريني علي محمد فخرو في ندوة أقيمت بمجلس يعقوب سيادي يوم 2 يوليو/ تموز 2013، من المفيد استحضارها اليوم في وقت تنبئ فيه الأحداث والوقائع بأن وقت «تهاون حكومات الخليج والعالم العربي والإسلامي» مع المتشددين والتكفيريين والإرهابيين لابد أن يتوقف.

فحين يطرح فخرو ومن مثله من المفكرين والمثقفين والشخصيات الخليجية والعربية والإسلامية تشخيصاً دقيقاً يكشف خطر «المحنة الكبرى»، فإن ثمة تساؤلات تُثار على صعيد غياب أو تغييب المواطنة المتساوية والديمقراطية والعدالة في مجتمعاتنا، ولعل التساؤل الأهم: إذا كانت دول الخليج والعالم العربي والإسلامي تمر بمحنة شديدة الخطورة، أوليس الأولى الاستفادة من مرئيات وقراءة هذه النخبة؟ أم أن الاكتفاء بما يطرحه من يثقون بهم من المستشارين وراسمي السياسات المفرغة من أية معطيات حقيقية – سواءً كانوا عربًا أم غيرهم – هم السند فيغدقون عليهم الأموال والامتيازات بلا طائل ولا فائدة ترجى؟

لقد شخص فخرو آنذاك، وهو طرح في غاية الأهمية، أن الأوضاع المسببة للإنقسام الطائفي (المسكوت عنه خليجياً وعربياً وإسلامياً منذ ردح من الزمن وبات يشكل لهم هاجساً مخيفاً اليوم)، يشكل جزءًا منها العيش في التاريخ بفهم خاطئ وبصورة مسيئة نراها في المساجد والمآتم والقنوات الفضائية، حيث المذهبية والطائفية تستخدم يومياً من أجل أهداف سياسية ومالية ودنيوية، ما يجعل الحل للمشكل الطائفي صعباً، ونبني بذلك إنساناً عربياً مسلماً لديه قابلية ممتازة للطائفية يلزم حتى نواجهها أن نتخلص من جوانب مرتبطة بالطائفية كالتاريخ والثقافة والكلمات والأوصاف.

والغريب في الأمر، مع ما أشار إليه فخرو، أنك تجد مسئولين ومشايخ وشخصيات وإعلاميين يلعلعون ليل نهار محذّرين من الطائفية والإنقسام الطائفي والدعوة إلى التعايش السلمي… كل ذلك في الإعلام! لكنهم في حقيقة الأمر، جزء مقلق وخطير في ممارسة كل المساوئ الطائفية.

دعونا أيها الأحبة نركز قليلاً في تساؤل لفخرو قال فيه نصاً: «أي نظام تعليمي في الأرض العربية أو الإسلامية يدرس الدين الإسلامي بموضوعية وبإنصاف للطلبة بحيث ينقل ما تقوله المذاهب الإسلامية الأخرى؟ نحن في البحرين، وبصراحة تامة، أليس المفروض أن دراسة الدين الإسلامي تكون دراسة معمقة للمذهبين السني والشيعي والمذاهب الأخرى؟ وعندما لا نفعل ذلك، هل ننتظر من الأولاد القادمين من بيوتهم المبنية ثقافتهم على الإنقسام الطائفي والفهم الخاطيء… هل ننتظر منهم أن يعدلوا من أنفسهم؟».

الربط بالتاريخ، في حال الرغبة في تشخيص أكثر دقة للوضع المفجع الحقير، هو أمر مهم أيضاً، ذلك أن التاريخ هو الخلفية الثقافية القائمة على الاستبداد والصراع الداخلي، فالخلافات الثقافية التي ظهرت فيما بعد العهد الراشدي (شيء لا يتصوره العقل) كما يشدد فخرو! فكم من المسلمين يعرفون أن المذهب ليس قضية دينية بل هو مدرسة اجتهادية بشرية في قراءة التاريخ؟ ولو حاولت أن تناقش أحداً فيما جاءت به المذاهب الفكرية، قد يتهمك بأنك سببت الدين بل وخرجت من الدين! وقليلون يفهمون بأن الفقه الإسلامي هو نتاج بشري، فعندما تأتي الوهابية وتقول عن الإباضية أنهم خارجون عن الدين، طيب الوهابية مذهب، والإباضية مذهب، السنة والشيعة كلها مذاهب، وكلها نتاج بشري، لكن إذا لم نتمكن من إزالة هذه الأفكار الثقافية الخاطئة فالوضع صعب».

واقعاً، من حقنا أن نتساءل: «ما شهدته الأمة في عقود طويلة، وعلى الأخص في السنوات الأربع الماضية وتدهور الأوضاع في أكثر من بلد عربي وإسلامي وبروز إعلام الذبح والتكبير الزائف الذي تمثله «داعش» كصورة هدامة للإسلام كدين سماوي صالح لكل البشرية بتسامحه وأخلاقه ودستوره القرآن العظيم، ألم يسهم فيه الإعلام العربي والإسلامي؟ فواجهته الكبرى تظهر اليوم من خلال آلة التدمير في الفضائيات الطائفية ووسائل الإعلام الجديد، وهي تعمل باجتهادٍ من أجل إشعال الصراع المذهبي إلى أعلى درجاته، وتطبق سياسات كيان العدو ضد العرب والمسلمين لتمزيقهم، وتبدو الكثير من الحكومات العربية متآمرة مع هذا الاتجاه، لكن ربما يعيد الصهاينة حساباتهم مع العدوان الوحشي المستمر على المسجد الأقصى وتكرار مجازر غزة وفق قراءة المشهد الإقليمي العام، ومع ذلك، لن يعيد الطائفيون وأسيادهم حساباتهم إلا في حالة كونها تصب لصالح أسيادهم الصهاينة.

إن «الوضع الحقير المفجع» ليست مجرد عبارة قالها مفكر بحريني عربي مسلم، بل هي تشخيص عميق الصراحة، يحمل معه رؤى تبريد الأوضاع – خصوصاً في منطقة الخليج – من خلال تكريس المواطنة الحقيقية والعدالة الاجتماعية والشراكة في صنع القرار السياسي وإخراس أصوات وإعلام التكفير والتشدّد والتطرف الذي كان حلواً يوماً ما، لكنه اليوم، أشد خطورة من زحف الأفاعي الفتاكة.

سعيد محمد سعيد

الرجل… «العاهرة»!

 

«إنَّ الذينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشةُ في الذينَ آمنُوا لَهُمْ عذابٌ أَليمٌ في الدُّنيا والآخرةِ واللَّهُ يعلَمُ وأَنتم لا تعلمون» (النور، 19).

من بين العديد من الرسائل الإلكترونية التي استلمتها تعقيباً على مقال الأسبوع الماضي «قصة جلاد»، وردت رسالة مدهشة في الحقيقة! فغالبية الردود كانت تتحدث عن الثقة بعدالة رب العالمين في إيقاع العذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة على من يظلم الناس ويسلب حقوقهم ويفتري عليهم وينتهك أعراضهم فينال جزاءه العادل، غير أن الرسالة المذكورة فيها صحوة ضمير مذهلة، بل والأكثر من ذلك، أنها يمكن أن تكون بمثابة اعتراف من إنسان أخطأ وأذنب وتجاوز حدوده، ثم انتابته حالة صحوة ضمير. وهكذا وصف المرسل حاله، راغباً في أن يستفيد الناس من رسالته لا سيما الشباب من الجنسين.

يتحدث المرسل الذي فضل تسمية نفسه «التائب النادم» في رسالته عما كان يمارسه من سقوط أخلاقي كبير، فكان ينشط في المواقع الإلكترونية المحرمة التي تنشر الفساد والسقوط والصور والأفلام، حتى أنه يشير إلى امتلاكه عشرة حسابات موزعة على حسابي التغريد «تويتر» والصور «الانستغرام»، ووسائل إعلامية الكترونية أخرى منها تسجيله في العديد من المواقع العربية والعالمية المخصصة لنشر الفساد الأخلاقي، فكان عضواً نشطاً في كل تلك المواقع ولكن كلها بأسماء امرأة خليجية ساقطة تعشق الحرام.

ويقدّم المرسل عناوين لقصص شهيرة انتشرت على تلك المواقع حسب قوله، وكان يمثل دور المرأة الساقطة ويدعي أنها قصص حقيقية وقعت بينه/ بينها وبين عشاق من مختلف الفئات والمناصب، ناهيك عن آلاف الصور والتغريدات والمشاركات، وكان يستمتع كثيراً بالعرب والخليجيين الذين كانوا ينشطون في مواقع الدردشة (التشات) في أوج انتشارها ونشاطها قبل سنوات، أي قبل أن تتراجع ويتقدم عليها «الفيس بوك» و»تويتر» و»الانستغرام»، حيث كان أولئك المدردشون في قمة تصديقهم أن من تتحدث معهم امرأة، وكثيراً ما نجح في خداعهم لشحن هواتفه النقالة على حسابهم!

بالمناسبة، وحسب ما يقول المرسل والله أعلم، أنه مواطن خليجي في الثلاثين من العمر، وليس نشاطه الشرير الشيطاني ذلك يقتصر على مواقع الفسق والفجور والحرام، بل كان يشارك أيضاً في منتديات تأخذ مسميات إسلامية لكنها بالنسبة له كانت هي الأخرى فسق وفجور وحرام! فكان بين الحين والحين، يتنقل بين المواقع السنية ليمثل دور عضو شيعي فيشتم رموز أهل السنة ويهاجم معتقدات السنة، والحال ذاته يتنقل بين المواقع الإلكترونية الشيعية فيمثل دور عضو سني فيكفّر الشيعة ويشتم مراجعهم وينشر الصور والمقاطع المتلفزة التي تحفز من هم مثله من الطائفيين، من الفريقين، ليشعل الخلاف والشتائم والعداوة.

هناك الكثير من الكلام الذي ورد في الرسالة مما لا يمكنني نشره، ففي بعضه لا يمكن أن يدخل العقل إطلاقاً، وفي بعضه الآخر مجونٌ يصل إلى مستوى القذارة التي لا تليق بالقارئ الكريم، ولعلني بعد أن أرسلت رسالتين محاولاً تبيان حقيقة هذه الرسالة، وللحصول على إجابات على بعض تساؤلاتي، وجدت رداً واحداً يقول: «بتصدقني كيفك… ما بتصدقني كيفك.. ابغي احذر الناس. أنا واحد والله تائب.. وأتمنى الله يغفر لي ويتوب علي وأتمنى تدعون لي ولأمثالي».

ولعل السؤال الأهم الذي كنت أود الحصول على إجابة عليه: «هل هو يفعل ذلك من تلقاء نفسه؟ أليس هناك من يقف وراءه ويوظفه لأهداف الإفساد ويموّله؟ هل هو فرد من منظومة الإعلام المحظور التي تشرف عليها أطراف صهيونية وغربية تهدف إلى إفساد فئة الشباب – من الجنسين – في المجتمعات العربية والإسلامية؟».

إلى حدٍّ ما، لا يمكن إنكار وجود أمثال هذا الإنسان (التائب النادم) الذي نتمنى أن يهدينا الله ويهديه إلى الصلاح والخير والطمأنينة وعذوبة الإيمان، وفي إطار بحثي عن هذه الظاهرة في المجتمع الخليجي والعربي، وجدت كتاباً قيّماً لكنه غير مشهور، مع شديد الأسف، بعنوان: «التربية الإعلامية… كيف نتعامل مع الإعلام؟»، للباحث المؤلف فهد بن عبدالرحمن الشميمري، الذي وضع اليد في الفصل العاشر من الكتاب على آثار ظاهرة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الالكتروني والقنوات الهابطة وخطورتها على الجوانب الأخلاقية والقيمية. وفي الفقرة السابعة من موضوع «نتائج انتشار الثقافة الهابطة والإعلام السلبي»، يؤكّد الشميمري في بحثه على استهداف إثارة الغرائز الجنسية، وتشجيع انتشار الرذيلة، والترويج لشرب الخمور، وتناول المسكرات، وتعاطي المخدرات، ولا يكون ذلك بإعلانات مباشرة، ولكن بالتضمين والإدراج والإيحاء، في سياق المحتوى الإعلامي، الذي يجعل من هذه الانحرافات شيئاً شهياً مغرياً، يحفز الإنسان لتجربته.

ويحذر الكاتب من أن وراء ذلك فعلاً خطيراً وتأثيراً مدمراً في خلخلة فكر المجتمعات وقيمها ونسيجها وترابطها، وإعاقة حركة نهوضها وتقدمها وتنميتها البشرية، وتحويل الشباب العربي إلى مستهلكين شديدي الولاء للجوانب السلبية في الثقافات الأجنبية، فلا يتم تسويق قيم العمل وأخلاقه، ولا البحث العلمي وأدواته، ولا الالتزام المجتمعي ومؤسساته، ولا الحراك الحضاري وآلياته، وإنّما يقوم الإعلام السلبي بتسويق أخلاقيات الشوارع المظلمة، والطبقات السفلى من الثقافات الأجنبية.

لاشك في أن تلك النماذج موجودة وتعمل بفاعلية في فضاء الإعلام الإلكتروني عالمياً وخليجياً وعربياً، ولكنني أرى أن انتشار الممارسات المتطرفة وغياب الاعتدال ومعاني التسامح وتلميع الطائفية وممارسيها في المجتمعات العربية والإسلامية، هي منفذ كبير يتيح لتلك الجراثيم المدمرة أن تعمل. ومع ذلك، يشير الكثير من الباحثين الاجتماعيين إلى أن الانتشار المذهل للإعلام الإلكتروني ووسائله ووسائطه، جعل الكثير من الآباء والأمهات يهملون مراقبة الأبناء، بل ويجد البعض صعوبة في إمكانية المراقبة! إلا أن النتيجة التي يجب أن نعيها جميعاً، هي أن تلك الجراثيم المدمرة، لا يمكن أن تنجح إذا كنا نحصّن أنفسنا وعيالنا ومجتمعاتنا بأخلاق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ونسمات الفضيلة والكرامة وبناء الشخصية المغروسة بالقيم الطيبة.

سعيد محمد سعيد

قصة… «جلاد»!

 

في الحج، من السهل اليسير أن يدفعك الفضول الصحافي، الطبع الذي يغلب التطبع، لأن تستزيد من قصص الناس، تعرفهم أو لا تعرفهم، خصوصاً أولئك الذين بالإمكان – مع قليل من العيش والملح – أن يفضفضوا لك بما يجيش في صدورهم.

في سيارة الأجرة المتجهة إلى شارع عبدالله خياط، أحد أشهر شوارع مكة، حشرت نفسي مع مجموعة من الحجاج المتكدسين في السيارة، فليس من الهين الحصول على شبر في سيارة أجرة تقف ليتهافت عليها الحجاج من كل الجنسيات.

وتستطيع في ذلك الازدحام أن تختبر صبرك وطول بالك في المشوار الذي يطول بسبب طوابير الحافلات و(السيكس ويلات) وتحويلات الطرق التي تزيد من المشكلة، بسبب إغلاق هذا المنعطف أو تحويل السير في ذلك الاتجاه وهكذا.

نعود إلى الفضول الذي دفعني للحديث مع الراكب الأخير الذي بقي معي في سيارة الأجرة، ومدخل الحديث هو الدعاء لأن يتقبل الله من الحجاج سعيهم ويغفر ذنوبهم. ذلك الراكب، من جنسية عربية، كان يحمل في سره الكثير الكثير من المآسي التي لم يجد لها مفتاحاً للراحة النفسية إلا بحج بيت الله الحرام وطلب التوبة. ولكن، أي جرم مهما عظم، سيغلق الله أمام فاعله باب التوبة؟ لا والله، فبابه مفتوح لسائليه، لا سيما العاصين.

فتح لي الرجل قلبه ليتحدث بمرارة: كان يعمل مسئولاً أمنياً في إحدى الدول العربية الأفريقية قبل أن يترك عمله قبل بضع سنين قليلة مضت، ويعمل عملاً حراً في مجال المقاولات. وفي سيرة حياته المهنية الكثير من المصائب التي تجاوز فيها حدوده مع الناس، الأبرياء منهم والمذنبين. هكذا كان يقول: ظلمت الكثير من الناس. عذّبت الكثيرين. لم أرحم طفلاً ولا شاباً ولا حتى امرأة ضعيفة. كنت أشعر أنني في موضع قوة وسلطة ونفوذ. آخذ البريء بجريرة المجرم. رضا الكبار مقدّم على رضا رب العالمين.

لكنه منذ سنين، بدأ يفقد طعم النوم. الكوابيس تلاحقه في كل ليلة. حتى علاقته مع أسرته وأهله وأصدقائه تأثّرت فيما تضاعف نظرات الاحتقار والصد من جانب الناس عذابه وآلامه. لا حول ولا قوة إلا بالله. أسأل الله أن يتوب عليّ… ثم توقف عن الكلام.

حالة صمت سادت السيارة الصغيرة، ليتحدث سائق التاكسي العربي الجنسية فيقول: “يا أخي… إن الله سبحانه وتعالى يقبل توبة العاصين والمذنبين. إن شاء الله يصفح رب العالمين عنا وعنك وعن كل هؤلاء الحجاج… اللهم آمين”..

يا للهول. كم هو مفجع تخيل ما تتناوله تقارير التعذيب في السجون بالوطن العربي والإسلامي، وكأن من تمرس في ذلك التعذيب لا عهد لهم بالإنسانية ولا بالأديان السماوية. ومن اللافت الاطلاع على تجربة فريدة من نوعها قام بها الباحث المصري في مجال الاغتيال السياسي وأساليب التعذيب محمد عبدالوهاب الذي أسّس أول متحف من نوعه في مصر والعالم العربي. ذلك المتحف كما ورد في تقرير صحافي كتبته الصحافية في صحيفة “الوفد” المصرية رشا فتحي بتاريخ 10 أغسطس/ آب 2014، يضم ما يزيد على ألف أداة كانت تستخدم في التعذيب ضد الإنسان على مر العصور حتى وقتنا هذا، بهدف توثيق الأعمال الوحشية التي تُمارس ضد آلاف من الضحايا في مختلف العصور. وفكرة إنشاء المتحف استلهمها المؤسس خلال زيارته للعراق، حيث سمع خلالها قصصاً وشاهد صوراً لأعمال تعذيب وحشية مورست ضد الضحايا.

المتحف الذي يقع في أحد المنازل بمنطقة المريوطية في حي الهرم بمحافظة الجيزة، يضم مجموعة من بعض أدوات التعذيب، إضافةً إلى صور لضحايا ومجموعة من وثائق التعذيب موزّعة على خمس حجرات يضمها المتحف، إلا أن المؤسس يقول إن عملية جمع أدوات التعذيب ليست عملاً سهلاً، لكن الهدف الأول كما يقول نصاً في التقرير الصحافي: “الهدف من إنشاء مثل هذا المتحف يرجع إلى تذكير الزوار بوحشية مجموعة غير سوية من البشر تفننت في قدراتها على التعذيب، وليوثق ما ارتكبوه من جرائم في حق البشرية”، وهو يأمل في أن يتحول متحفه إلى موقع جذب سياحي للمهتمين بالتاريخ الإنساني.

من بين قصص التعذيب والمعذبين، التائبين منهم والعاصين، قد تمتليء آلاف الكتب بالقصص في عالمنا العربي والإسلامي، لكن السؤال هو: هل يحتاج الوضع إلى معاهدات واتفاقيات دولية أم إلى “بشر” يحترمون إنسانية الإنسان… حتى المجرم والمذنب، فيطبقون عليه القانون من بوابة العدالة، أم إلى وحوش تنهش في أجساد الناس ثم يندم بعضها ويتوب ويستمر بعض آخر في غيه؟

وقد لا يستغرب البعض من أن تُمارس تلك الوسائل الوحشية في سجون ومعتقلات بلاد ليست إسلامية، بل إن بعض البلدان غير الإسلامية أكثر رحمةً واحتراماً لبني البشر. أما أن يحدث ذلك في بلاد الإسلام، فذلك يعني أن الإنسان الذي كرّمه الله سبحانه وتعالى، تسحقها وحشية الذئاب البشرية، وليس هناك حل أفضل من العدالة… العدالة ولا غيرها.

سعيد محمد سعيد

في غرف «العالم الأسود»

 

بعيداً عن صخب الويلات ووجع الأزمة وآلام البلد وضراوة النار في الإقليم والوضع المقلق كله من كل اتجاهاته، سأكتب اليوم بضع قصص… هذه القصص، قد يتفق معي الكثيرون في أنها (كارثة) مدمرة للكثير من الأسر… فلايزال البعض يؤمن بالودع و(ضرب الفال) والشعوذة… بالطبع، في مجتمع يُفترض فيه الوعي… لنقرأ بعض تلك القصص:

* يعترف الشاب (ج) بأنه ارتكب خطأً شنيعاً في حياته عندما اتجه إلى أحد المشعوذين ليخلصه مما يعاني من بلاء! فهذا الشاب المتزوج والأب لطفل في الخامسة من عمره، يعاني من ظواهر غريبة كما يقول، فالنحس يلاحقه في كل مكان، كما أنه في السنوات الأخيرة بدأ يلاحظ تغيرات مفاجئة في جسده منها ظهور الندوب وانتفاخ البطن الشديد وعدم القدرة على الإبصار في بعض الأحيان، ورغم مراجعة للأطباء، إلا أنه لم يحصل على الفائدة المرجوة، فقرر، بعد أن نصحه أحد معارفه بالذهاب إلى أحد الرقاة الشرعيين، أن يبحث عن الأمل في تخليصه مما هو فيه.

يقول: “ذهبتُ إلى منزل الرجل، وكان في المجلس الرجالي عدد من المرضى من الصغار والشباب وكبار السن، فيما جلست بعض النسوة في المجلس المخصص للنساء، وعندما جاء دوري، أخبرته بما ألمّ بي، وبعد قيامه ببعض الطقوس، أبلغني بأن معاناتي كلها بسبب تلبس الجن بي، ولابد من تخليصي من الجن حتى أعود إلى حياتي الطبيعية”.

وفي شدة يأسي، سلمت نفسي للرجل الذي ملأ رأسي بالكثير من الأمور المخيفة والمقلقة، وكنت في كل مرة أدفع مبلغاً يتراوح بين عشرين إلى أربعين ديناراً، وطلب مني من ضمن ما طلب أن أحصل على رأس أفعى وأضعه في قطعة قماش وأعلقه على كتفي الأيمن، ووجدت صعوبة في البحث عما طلب، لكن النتيجة التي اكتشفتها، هي أنني لم أتسلح بالصبر والتوكل على الله سبحانه وتعالى، وتوجهت إلى طريق خاطئ قلب حياتي جحيماً حيث أصبحت نفسيتي سيئة للغاية، حتى وجدت المساعدة من أحد الإخوة الذي أعاد إليّ ثقتي بنفسي وراجع معي خطواتي وخصوصاً في التوجه إلى الأطباء المتخصصين وعدم اليأس من العلاج، وأنا الآن ولله الحمد في تحسن مستمر بعد أن أيقنت بأن أولئك المشعوذين ليسوا سوى مجموعة من الدجالين الذين يضحكون على خلق الله، بل وتقدمت بشكوى ضده لدى الشرطة، وتبيّن أن هناك بعض الناس من تقدم بشكوى ضده ليتم القبض عليه.

* التخلص من الملابس في البحر: أما قصة الشاب (م) فهي لا تختلف غرابة عن سابقتها، فبعد أن نشبت الخلافات بينه وبين خطيبته، وتضاعفت يوماً بعد يوم، توجه إلى أحد المشعوذين الذين يدعي الرقية الشرعية، وأبلغه بأنه مصاب بالحسد والمس من الجن في آنٍ واحد، ومن ضمن الوصفات الغريبة التي عرضها عليه، أن يتجه إلى البحر فجراً، ويخلع ملابسه هناك ثم يرتدي غيرها ويعود إلى الساحل دون أن ينظر خلفه… أي ألا ينظر إلى الملابس التي تخلص منها، ومع ذلك… فعل الشاب ما أمره الرجل، لكن الأمور لم تتغير! وبقية تلك الخلافات مستمرة حتى مع تدخل الأهل، وبعد أن منَّ الله سبحانه وتعالى عليه بمولوده الأول، تغيرت حياته كثيراً وصار يعيش مع زوجته في أفضل حال.

* تجرأتُ… وفتحتُ الطلسم: كنت أشعر بآلام شديدة وتيبُّس في ذراعي الأيسر، ورغم العلاجات المتنوعة ومراجعة الأطباء في البحرين وخارجها، لم أتحسن، فتوجهت إلى أحد الرقاة الشرعيين، وبدأ يقرأ عليّ في كل جلسة بعض الآيات القرآنية الكريمة وبعد الأذكار، وبالفعل شعرت بتحسن كبير، لكن ذلك الراقي لم يكن من البحرين بل جاء لفترة محددة وغادر، ووجدت في قرارة نفسي أن مثل هؤلاء الناس لديهم قدرات خاصة، حتى أنني توجهت إلى أحدهم بعد أن صرت أعيش في خلاف دائم مع زوجي وعيالي، وكنت أعتقد أن الناس الذين ينصحون بالتوجه إلى فلان أو فلان، ما قالوا ذلك إلا بعد أن برهنت لهم تجربتهم صحة ما يعتقدون، فتوجهت إلى أحد الرقاة، وكان يعطيني في كل مرة (أحجبة) ملفوفة في قطع من القماش، واحدة في رقبتي وأخرى في ذراعي وثالثة في حقيبة يدي، وكلما مرت الأيام، كانت أحوالي تزداد سوءاً (تستدرك)… ذلك الرجل حذرني من فتح تلك الطلاسم، لكنني تشجعت ذات ليلة رغم الخوف، وفتحت إحداها لأجد رموزاً غريبة ورسومات وخطوط وأحرف وأرقام… فأخبرت شقيقتي بذلك فغضبت مني ووبَّختني لأنني الإنسانة المؤمنة بقضاء الله وقدره، قد سلكت هذا الطريق، في حين أن الحل يتطلب تفاهماً بين أفراد الأسرة بمحبة وود لحل المشاكل، وأحمد الله أنني تجاوزت هذه المرحلة وصرت أنصح الناس بعدم التوجه إلى هؤلاء البشر، وإذا كان الراقي الشرعي معروفاً وموثوقاً فلا بأس في حال شهرته في الرقية الشرعية وعلمه.

انتهت طائفة القصص، لكن، لربما لديّ ولدى القراء الكثير منها… والأخطر من ذلك كله، أن بعض الناس، تتفاوت مستويات تعليمهم، لايزالون يؤمنون بأثر غرف الشعوذة السوداء المظلمة… يا جماعة، الخروج من ذلك العالم الأسود بالتوكل على الله والابتسام للحياة قد ينقذ الكثيرين مما هم فيه… فأهل الشعوذة ليسوا سوى (منجمون كذابون).

سعيد محمد سعيد

دعاة «جهنم»… رمية السل؟

 

في مكة المكرمة: أطهر وأقدس بلاد الدنيا، الحجيج هنا ينهلون من خير التوحيد وتجديد العهد مع الله سبحانه وتعالى.

في هذا الموسم العظيم المبارك، يُفترض ألا يكون هناك موطئ قدم للأشرار ولا سيما دعاة التكفير والطائفية والتناحر، ومنهم المتاجرون بالدين الذين يشعلون نيران الصدام بين أبناء الأمة الواحدة.

ربما يصبح هذا الكلام، من قبيل التكرار الكثير والممل، إلا أن الفرصة السانحة هي تلك الخطب التي قدّمها الدعاة هذا العام على سطح الحرم المكي الشريف، وقد تحدثت مع أحدهم متسائلاً عن نقطة طرحها في موضوعه المهم، وهي التحذير من دعاة جهنم ومشايخ الفتنة والخراب والدمار، وكان سؤالي هو: “من أين أتوا هؤلاء؟ من الذين مكّنهم وموّلهم وفتح لهم مساحة واسعة في الإعلام والفضائيات وأتاح لهم حرية التحرك من بلد إلى بلد لبث سمومهم؟”، فما كان من الداعية إلا ابتسم من باب إيصال إجابة من قبيل: “”في فمي ماء”.

الآن، يصبح التحذير والهجوم على مشايخ الفتنة والدعاة الموصوفين بأنهم على أبواب جهنم أمراً فيه ألعوبة مضحكة؟ ترى، كيف يمكن لجم هؤلاء من دون أن يتم لجم من يساندهم؟ ولماذا تتصدر التصريحات والخطب في العلن التحذير منهم، وفي الباطن الطبطبة على أكتافهم؟

حسناً، لنقف على نص الحديث الشريف الذي رواه البخاري في صحيحه، بسنده إلى حُذَيفَة بن اليمان، أنَّه قال: “كان الناس يسألون رسول الله – صلَّى الله عليه وآله وسلَّم – عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدرِكني، فقلت: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: “نعم، وفيه دَخَنٌ”، قلت: وما دَخَنُه؟ قال: “قومٌ يَهدُون بغير هَديِي، تعرِف منهم وتُنكِر”، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟، قال: “نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها”. قلت: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: “هم من جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسنتنا”، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: “تلزم جماعة المسلمين وإمامهم”، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: “فاعتَزِل تلك الفِرَق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصل شجرة حتى يُدرِكَك الموت، وأنت على ذلك”.

على أية حال، أولئك الثلة ممن ينطبق عليهم المثل العربي: “رمتني بدائها وانسلت”، إلا أن الغريب في الأمر، ولاسيما على صعيد دول الخليج، أن دعاة جهنم المشهورين المشهود لهم بجهودهم الكبيرة العظيمة في إثارة الفتن والقلاقل و”اللعلعة” في الفضائيات بشيكات وهبات مسبقة الدفع، لايزالون يمارسون دورهم التاريخي الجبار في “إلحاق الأذى بالأمة”، بل زد على ذلك، أن هناك من يدافع عنهم بشراسة، ويصف الكلام بالتحذير منهم بأنه حملات شرسة على دعاة “سخروا أنفسهم لخدمة الدين الإسلامي”!

ومع أن كلامه من قبيل الإنشاء والخطب الرنانة الفضفاضة المستخدمة للضحك على بسطاء المسلمين، ولاسيما من الآسيويين الذين تجدهم في الصفوف الأولى بطاقية على الرأس دون اتقان اللغة العربية، ذهب إلى القول ما نصه: “إننا نعلم أن هذه الحملة الشرسة الضارية على الدعاة إلى الله عز وجل لتشويه سمعتهم وتلطيخ صورتهم وتجريح دعوتهم والنيل منها للحيلولة بينهم وبين الأمة بصفة عامة والشباب المقبل على الله بصفة خاصة، لأن أصحاب هذه الحملة يعلمون يقيناً أن هذا الشباب إن عاد مرةً أخرى إلى العقيدة الصحيحة القويمة والتفّ حول قيادة مخلصة أمينة، سيحول مجرى التاريخ مرةً أخرى كما تحول أول مرة بالعقيدة الصحيحة والقيادة المخلصة الأمينة.. ومن ثم لم يدخر أعداء الله – في القديم والحديث – وسعاً في تجريح القيادة دائماً لزعزعة الثقة في القائد، ولبذر بذور الشك والريبة بينه وبين أتباعه وتلاميذه! ولم ينج قائد صادق من هذه الحرب على طول التاريخ قديماً وحديثاً… (انتهى الاقتباس).

فهو يرى أن الحرب الشعواء على أولئك الدعاة الجهنميين، هي في الأساس حملة ضد الأمة، ولا أعلم إن كان ذلك المعتوه يدرك أن من قال عنهم أنهم يعملون “لعودة الشباب مرةً أخرى إلى العقيدة الصحيحة”، إنما هم جعلوا الأمهات يخرجن على شاشات الفضائيات يلعنون من غرّر بأبنائهم في رحلة “العودة إلى عقيدة الخراب والدمار”، بالتكفير والتكبير الزائف وقطع الرقاب وتدمير بيوت الله؛ وأن “القيادة الأمينة المخلصة” كما وصفها، إنما هي أدواتٌ في أيدي دول وأقطاب قوى ومجاميع إرهابية. فمتى تترك الحكومات مجرد التحذير من هؤلاء وتنحو نحو تطبيق القانون عليهم؟

ولعل السؤال الأهم :ما هو سر قوة دعاة جهنم الذين يدمرون كل جميل في مجتمعاتنا، ولا تقدر عليهم دولهم التي يعيشون فيها ومنها يشعلون الحرائق ويرسلون الشباب إلى الموت في حروب خاسرة هي لصالح الصهاينة بالدرجة الأولى؟

إلى كل الحكومات أقول، دعاة جهنم، لن يرتاح لهم بال حتى يقتلعوكم من على كراسيكم إن تمكّنوا من ذلك وهذا حلمهم. هكذا قالوا ويقولون في أدبياتهم وتيوباتهم ووسائل إعلامهم، فاتركوا المواطن الذين يعمل ويتحرك ويطالب بسلميةٍ لينال حقوقه، وأظهروا قوتكم على الإرهابي الحقيقي الذين يريد تدمير بلاد الإسلام.

سعيد محمد سعيد

استئصال… «الفئة الضالة»!

 

على مستوى منطقة الخليج العربي خصوصاً، والعالم العربي والإسلامي عموماً، يزداد الحديث عن كيفية استئصال الفئة الضالة. وقد تضاعف الحديث عن مخاطر تلك الفئة مع موجة عالمية ضد ما تفعله الجماعات الإرهابية في العالم، وعلى رأسها بلا شك «داعش». إلا أن هذا الحديث، يشوبه في الغالب نمط تنظيري ينحو نحو تكرار مجموعة من العناصر والتحذيرات والتنظيرات بعيداً عن إمكانية تحديد وسائل قادرة على الحد من مخاطر من يتبع الفكر الضال.

في جلسة حوارية مع مجموعة من الحجاج العرب في المدينة المنورة يوم الخميس الماضي، وهم من فئة المثقفين المعتدلين، كان ذلك الموضوع يلقي بثقله على الحوار. والجميل أن الكل متفق على ضرورة استئصال المؤثرات التي تؤدي إلى بروز وانتشار القوى الإرهابية، والتي هي في الحقيقة جماعات تعتنق الإسلام ولكنها لا تعرف ما هو الإسلام. ولعل هذا ما يتوجب التركيز عليه في خطاب إعلامي عربي إسلامي عالمي لتجريد تلك المجاميع من القتلة من تسمية «المسلمين» أو «الإسلامية»، وغيرها من التسميات التي تنسبهم ظلماً وجوراً إلى الدين الإسلامي الحنيف.

وكان لافتاً حديث بعض الأخوة السعوديين، وهم من التيار الديني المعتدل، بإيمانهم بضرورة التركيز على دور الأسرة في التنشئة، لا سيما في المجتمعات الخليجية التي تتميز بعض البيئات فيها بالتكفير والتشدد وإقصاء الآخر. فمع أن أصحاب ذلك الإتجاه الإجرامي يمتلكون مؤثرات في الإعلام والتكنولوجيا والمؤسسات الدينية المتنوعة، إلا أن هناك حكومات وجهات رسمية ذات نفوذ هي من تسهّل عملهم وتوفّر لهم المساندة، وهي بذلك تسهم أيضاً في بروز ظاهرة التطرف، والأشدّ حين تُخصّص قنوات فضائية وكتاب مأجورون وشبكات إعلامية إلكترونية لنشر التباغض الطائفي والتناحر بين السنة والشيعة.

ويتفق الجميع على أن كل الجماعات «الجهادية» المتطرفة التي مازالت ماضيةً في تشويه الدين وتدمير المجتمعات، تتكوّن من أفراد متناقضي الهوية، ليس لديهم انتماء وطني حقيقي، وليس لديهم تيار فكري فاعل، فبذلك هم لا ينتمون إلى وطن ولا ينتمون إلى الدين وإنما لهم ولاء مطلق لتيارات متشددة لها أغراض تستفيد منها حتى الدول الكبرى. وهذا الولاء نجح في إجراء عمليات غسيل الدماغ وشوّه معتقداتهم الدينية وإقناعهم بالعنف والتطرف والقتل، ورفع عبارة: «بالذبح جيناكم».

هناك متغيّر مهم لابد أن يضعه أصحاب الشأن في منطقة الخليج العربي، وهو الدعم والتمويل والمساندة الكبيرة التي تحصل عليها مؤسسات دينية واجتماعية ظاهرها خدمة الدين وباطنها دعم الجماعات المتطرفة. فالمتغير الذي طرأ على مجتمعات الخليج هو التغير في دور المؤسسات المجتمعية وخصوصاً الدينية، فقد امتد دورها ليغطي مجالات حياتية متعددة رسمت مناهج تفكير وخلقت أنماطاً فكرية معينة تستند على التشدد والكراهية والطائفية، وجعل ذلك من أتباع ذوي ذلك التفكير السلبي ينفذون بكل سهولة ما يملى عليهم من دون تفكير وتبين، حتى أن تلك المؤسسات عملت على كسب شرائح من الأتباع المؤيدين لأفكار التكفير والتشدّد والعنف والحدة التي تصل إلى القتل ضد كل من يخالفها الرأي أو المذهب أو التيار. وهم يشعرون بالأمان لأن في فترة ما، كانت «بعض الحكومات» تسهل أمورهم و»تسمّنهم» كركن أساسي لحكم المجتمع بالنفس الطائفي المدمر.

والحال كذلك، ومع قائمة طويلة من الأضرار على مستوى الدين والوطن والقيم، وكذلك الأضرار النفسية والاقتصادية والأمنية، مما يتطلب مقاومة الفئة الضالة، لكن الأمل في القضاء عليها يعد ضعيفاً بل ميئوسأً منه في بعض الأحيان، اللهم إلا إذا توقفت حكومات وأجهزة استخبارية ورجال أعمال ومشايخ الطائفية في التغطية على تلك الجماعات وفضحها والتصدي لها وتقديم رؤوسها للعدالة، فيما يتوجب التركيز على اتجاهات أخرى في التربية والمجتمع لتكثيف توضيح المفاهيم المغلوطة حول قضايا الغلو والتطرف التي شاعت بين الكثيرين.

إن الميدان الأول لمكافحة التطرف والإرهاب هو ميدان الفكر، ولكون التربية ومؤسساتها المختلفة معنية بصناعة الفكر، وغرس القيم والاتجاهات، فإن ذلك يحتم الاهتمام بتطوير المؤسسات التربوية، لتتحول إلى مصانع للفكر المعتدل والناضج الذي يقود الوطن إلى شرفة التميز والإبداع، ويحتم التأكيد على أهمية قيم التماسك والتوحد في مواجهة تيارات العنف والتطرف.

لكي تواجه دول الخليج خطر «الفئة الضالة»، لابد أن تكون صادقة وصريحة في تعاملها مع كل من يمول ويدعم ويساند تلك الجماعات، وفي مقدورها أن تفعل ذلك… لو أرادت.

سعيد محمد سعيد

اللهم اجعلنا من «العالية أجورهم»!

 

“لو تشقق ثيابك.. مالك إلا هالراتب.. عاجبك اشتغل، موعاجبك.. غيرك بدالك”.

تلك واحدة من أشهر العبارات التي ينطق بها بعض المسئولين، من البحرينيين والأجانب، في حال استلامهم رسالة أو طلب تعديل راتب من أحد البحرينيين المسحوقين ممن أصبحوا يرون الأخوة الأفاضل الكرام الأحبة الأجانب، لاسيما في القطاع الخاص، يصعدون سريعاً على معدل الترقيات والوظائف والأجور، والبحريني (الأجلح الأملح)، محلك سر.

ليست تلك قاعدة مطلقةً، فهناك من المسئولين، من بحرينيين وأجانب أيضاً، يبذلون جهداً لا بأس به ووفق ما يتيسر لهم من صلاحيات، لتحسين أجور الكوادر البحرينية، لكنهم قلة ونادراً ما تنجح مساعيهم. وفي المقال، هناك نموذج آخر، وهي الترقيات القائمة على قاعدة “لأجل عينٍ تكرم ألف عين”، أو من قبيل (اللي يبينه عيت النفس تبغيه)، أو ربما يدخل في ذلك النموذج من الترقيات والزيادات ما يتماشى مع قاعدة (أحبها وما تحبني وش الفايدة)، ولابد من أن هناك من يستخدم أسلوب (أكثر من روحي أحبك)، وأظن أن القارئ الكريم، فهم القصد بسهولة.

على أية حال، يتوجب على البحرينيين أن يكثروا من الدعاء لله سبحانه وتعالى لأن يكونوا من “المرضي عنهم في عيون مسئوليهم، المحببين لدى مديريهم، القريبين من قلوبهم، العالية أجورهم”!

ولا أعتقد أن هناك من البحرينيين من قام بتقديم مقطع مسرحي تمثيلي لطيف يتمنى فيه أن يكون “وافداً” على أن يكون مواطناً وهو يرى الشركة أو المؤسسة أو المنشأة التي يعمل فيها وقد فضّلت الوافد عليه في الأجور والزيادات والامتيازات… وهز يا وز!

ليس ذلك الكلام من جيبي، فآخر إحصاءات هيئة تنظيم سوق العمل الصادرة خلال النصف الأول من العام 2014، تقول إن “الأجانب استحوذوا على 95 في المئة من الوظائف العالية الأجور التي خلقها القطاع الخاص خلال النصف الأول من 2014 والتي تزيد رواتبها على 1000 دينار” (عدل لو لا؟)، ثم تفصل البيانات لتقول: “بلغ عدد الأجانب 812 في مقابل 41 بحرينياً فقط بنسبة 5 في المئة من مجموع الوظائف العالية الأجور التي بلغت 853 للنصف الأول من العام الجاري” (صح لو لا؟).

ثم تمتليء الصحف ووسائل التواصل والنشرات الصحافية بالكثير من التصريحات عن دعم الكوادر الوطنية أولاً، والارتقاء بمستوى معيشة المواطن وتحسين الأجور، فبالتالي هكذا الكلام ( لا هو عدل ولا هو صح).

لا ننكر أن هناك سعياً لتحسين أجور البحرينيين في القطاعين العام والخاص، لكنه لا يحظى لا بدعم السلطة التشريعية التي هي أصلاً كانت ولا تزال وستبقى مترنحةً في أدائها العقيم؛ ولا السلطة التنفيذية استطاعت فعلياً تحسين مستوى الأجور، ولابد من التركيز على “الخاص” أكثر من العام لوجود شريحة كبيرة من العمالة الوطنية يبلغ عددها 84 ألفاً و367.

نحن كمواطنين، لا نسأل عن زيادة للعاملين في القطاع الحكومي وحسب، بل لابد من إعادة النظر في وضع العاملين في القطاع الخاص، فهو القطاع الذي يمثل الشريحة الأكبر للأيدي العاملة البحرينية، وهذا يعني أن الزيادات ما لم تشمل العاملين في القطاع الخاص، فإن الحال في المجتمع لن تبدو متغيّرةً كثيراً، خصوصاً أن المعاناة مشتركة بين جميع المواطنين، سواءً كانوا في القطاع الخاص أو الحكومي، لأن موجة ارتفاع الأسعار الضارية وارتفاع كلف المعيشة لا تفرق بين القطاعين.

وعلى اعتبار أن مشوار البحث عن الزيادة سيطول، فهذا يعني أن معاناة المواطن ستطول هي الأخرى! فمن ناحية، لاتزال مشروعات الإسكان أقل مما هو مطلوب لتغطية الطلبات، وليس هناك من ذوي الدخل المحدود من يسعفه الحظ لشراء أو بناء منزل! ومن ناحيةٍ أخرى، ارتفع مؤشر أسعار الأغذية والملابس والخدمات وكل ما هو مطلوبٌ للمعيشة، في حين بقيت الرواتب في محلها، هذا إذا وضعنا في الاعتبار أن رواتب القطاع الحكومي تحسّنت بنسب ضئيلة، لكن رواتب العاملين في القطاع الخاص، وخصوصاً في القطاعات المتوسطة والصغيرة، لاتزال منخفضةً وتثير قلق الكثيرين في شأن مستوى الاستقرار الاجتماعي.

قال الشاعر الذي لا أعرفه مع الأسف متفكّهاً مستلطفاً:

كلما جاء المنادي هاتفاً بشراك افرح

فالزيادات قريبة قم صديقي.. قم لتمرح

ثم بعد الفرح مأتم ارتمي فيه وأسرح

أذكر الأقساط ويلي آه ويلي.. آه وح وح

وأجابه شاعر آخر:

خل الكلام العدل واسمع كلامي عدل

مش بوز أم التي شافت ظروفك عدل

وش هالمعاش الذي من يذكرونه انسدح!

سعيد محمد سعيد

قصة المواطن «إبليس»!

 

المواطن «إبليس»، هو واحد من أشد نماذج البشر خطورة على الحكومات والمجتمعات والأوطان والأمم. وأشد ما في خطورته، هو أنه يريد أن «يعيش» حاله حال البشر، متمتعاً بكل حقوقه المشروعة في الحياة الكريمة كما جاءت بها الرسالات السماوية والتي أقرتها الدساتير الوضعية على حد سواء!

ويبدو أن موضة المواطن «إبليس» أصبحت منتشرة، ليس في دول العالم العربي والإسلامي فحسب، بل حتى في دول الخليج العربي التي يوصف المواطن فيها بأنه من أعلى مراتب ومناصب بني البشر رفاهية! لكن الويل ثم الويل له إن شكا أو بكى أو اعترض أو انتقد أو جاهر برفض وضعٍ ما… هنا، سيخرج ملكيون أكثر من الملوك، وسلاطنة أكبر من السلاطين، ورؤساء أكبر حجماً من الرئيس ومعهم جوقة موسيقية طويلة عريضة تحمل مختلف أنواع الطبول والطنابير لتصف ذلك المواطن بأنه «إبليس» فعلي يريد الفتنة وشق عصا الجماعة، وأنه لا يشكر نعم الله عليه وهو يعيش في أحسن وأفضل حال.

هل من الممكن أن نعتبر «المواطن» الذي يعيش حياةً مستقرةً ومرفهة ولا ينقصه شيء، أو المواطن الذي يعيش ظروفاً قاسيةً (أباليس) حين ينتقدون أداء جهاز حكومي أو مسئول حكومي؟ من الواضح جداً أن كتم الأنفاس وقمع الآراء والحجر على أفكار الناس وتطلعاتهم وطموحاتهم لم يعد مجدياً، وموجة الإعلام الإلكتروني المذهلة، ولابد للحكومات أن تعيد النظر في سياساتها تجاه التعامل مع إعلامها الرسمي بحيث يكون متنفساً حقيقياً وفاعلاً للمواطنين بكل مستوياتهم ومذاهبهم وتياراتهم. فاستخدام الجيش الإلكتروني وبضعة أسماء لكتاب وصحافيين وإعلاميين لمهاجمة وتسفيه أفكار وآراء المواطن الذي لا تتفق معهم ليست فكرة جيدة إطلاقاً.

والغريب، أن بعض المسئولين في قطاعات مختلفة، يتضايقون من النقد ومن الآراء التي يطرحها المواطن أو يطرحها ذوو الموضوعية في الصحافة ممن يركزون على قضايا المواطن، مع أنهم يعلمون ويقرأون ويدركون أن هناك توجيهات عليا سامية، تفتح المجال للتواصل مع المواطنين جميعاً، ومع الصحافة الصادقة والإعلام الوطني المخلص، إلا أنه على العكس، يميل أولئك إلى صحافة النفاق وإعلام التطبيل وشعار: «كل شيء تمام طال عمرك ولا ناقصنا الناس شي»!

خذ مثلاً ما يجري في بعض دول الخليج من نقلات تصبّ في مسار تحسين معيشة المواطن، فما نحبه ونرضاه هو أن نعيش كما يعيش بعض الأشقاء في دول مجلس التعاون. هناك تنقل الصحف ووسائل الإعلام، وكذلك المواقع الإلكترونية، قرارات الزيادات بستين وسبعين وثمانين وتسعين ومئة في المئة، فتفوح من رؤوسنا «دخاخين» لا مثيل لها، لا في زيادة الخمسة عشر في المئة، ولا في غيرها التي لم تصل إلى مستوى الطموح وهي قليلة عموماً.

من سوء الحظ أن التحولات المشابهة حولنا في منطقة الخليج متسارعة بصورة أكبر، وإذا ما تجاوزنا جانب اختلاف الإمكانيات والموارد المالية وما إلى ذلك، فإننا لا نستطيع تجاوز موجة الغلاء التي تطحن أولنا وآخرنا في دوران لا يتوقف! وإذا كنا لا ننظر إلى موضوع زيادة الأجور على أنه مطلبٌ لمواجهة غول الغلاء وارتفاع الأسعار وصعوبة تحقيق الحلم في الحصول على مسكن مناسب، فما الذي سينظر إليه المواطن؟

هناك تقصير كبير، لأنه لا يوجد توافق على ما يبدو للتعامل مع مسألة تحسين الأجور على أنها مسألة مرتبطة بالحياة اليومية ولقمة العيش وليست مرتبطة بالرفاهية. وإذا كانت الصحف تمتلئ بالمقالات والأعمدة والكتابات من الصحافيين والقراء أيضاً، فإن ذلك لا يمكن أن يعطي انطباعاً حول صعوبة الوضع، بل صعوبته وحقيقة شدته تظهر من خلال تغطية التزامات آخر الشهر المالية، والتي تجعل رب الأسرة بعد أن ينهي «الحسبة» معرضاً لأشد أنواع الهجمات المرضية فتكاً.

على كل حال، فإن المواطن المتهم «إبليس» في الحقيقة، أصدق حباً وعملاً وعطاءً وبذلاً لوطنه وشعبه من مسئولين ونواب وإعلاميين (ملائكة) يمارسون النفاق والدجل واستحصال المصالح الشخصية ولا يهمهم الوطن إلا بالشعارات الكاذبة.

سعيد محمد سعيد

البحريني الذي… «تحدى الهم»

 

لا تملك إلا أن تنحني إجلالاً لهم… ولو سنحت الفرصة لتقبيل جباههم وأيديهم، ففي ذلك أصدق تعبير عن التقدير والثناء والاحترام. هؤلاء الذين أقصدهم هم البحرينيون الذين لم يخضعوا لليأس وقساوة الظروف وضراوة الاستهداف والتضييق على لقمة العيش.

بالتأكيد، هناك قصص ملهمة وحكايات مفعمة بالأمل لهذه النماذج التي ربما نعجز عن رصدها وحصرها، لكن من بين كل تلك القصص المشرفة للبحرينيين الذين تحدّوا «الهمّ»، قصة رجل جاوز الأربعين من العمر، فبعد أن وجد نفسه بلا وظيفة، والالتزامات المالية تلاحقه من كل مكان، توكل على الله سبحانه وتعالى وأصر على أن يتحدى ظروفه القاهرة. فمهما زاد ظلم بني البشر، فإن عدالة الله جل وعلا وإرادته وتوفيقه فوق كل شيء. هل تتذكرون تلك العبارة الرائعة :»لا تقل يا رب عندي (هم) كبير.. قل يا (هم) عندي رب كبير».

تعرفت على ذلك المواطن أول مرة وهو يبيع الملابس الجاهزة في أحد الأسواق الشعبية المتنقلة، وككل البحرينيين الأصيلين الطيبين، تعلو وجهه الابتسامة وتنطلق على لسانه أجمل كلمات الترحيب وحلو الحديث.

بعد أن تعرض للفصل «ظلماً»، شعر بالكثير من الأسى والغبن، لكن كل ذلك لم يمنعه من أن يواصل دربه في الحياة، فأسرته تنتظر من عائلها لقمة العيش الحلال، وذخر المستقبل… عياله، لابد أن يحصلوا على أفضل تعليم مهما كلف الأمر، فهو يشعر بالكثير من الحزن والكمد وهو يرى أبناء بعض الأسر وقد تركوا مقاعد الدراسة في أي مرحلة من المراحل الدراسية.

والجميل في قصة هذا الرجل، وهذه رسالة إلى كل معاول الطائفية، أن ذلك المواطن «الشيعي»، بدأ مشروعه البسيط بدعمٍ مالي من أحد معارفه من الطائفة «السنية» الكريمة… بل وعرفه الأخير بأحد تجار الملابس في المنطقة الشرقية ليبتاع منه البضاعة بأفضل سعر، وكتب الله له التوفيق في تجارته الصغيرة التي عوّضه الله بها عن وظيفته السابقة.

والجميل أيضاً، أن بعض المفصولين ممن اشتغلوا بالبيع في الأسواق الشعبية المتنقلة، يقدمون نموذجاً حقيقياً لأواصر المحبة بين البحرينيين، فهم يساندون بعضهم بعضاً، ويقفون مع المتعثر منهم ليواصل دربه ويكسب قوته وقوت عياله، وكم كان جميلاً التقاء هذه النماذج من البحرينيين، من الطائفتين الكريمتين، في معرض «ارتقاء» التجاري في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2013 في مجمع «الكاونتري مول»، تحت رعاية محافظ الشمالية، أليس أمثال هؤلاء يستحقون أن نكتب قصصهم بحروفٍ من ذهب؟

سؤال: «هل يمكن أن يتفق أفراد أسرة كاملة… الأب والأم والأبناء، على أن يغيّروا وضعهم المعيشي السيء ويعملون جميعاً كل حسب قدرته؟»، هذا ممكنٌ بالنسبة لمن يمتلك الإرادة القوية والصبر، وقبل كل ذلك، صدق التوكّل على الله سبحانه وتعالى. فها هي أسرة بحرينية وزعت مهام كسب الرزق على أفرادها. فالأب المفصول لم يقف مكتوف الأيدي، وساندته في ذلك زوجته وأبناؤه. الإثنان، الأب والأم، يجهزان المأكولات لولائم الزبائن، وأحد الأبناء يتولى ترتيبات التوصيل وهو طالب جامعي، أما البنات الثلاث فهن يعملن في التجميل المنزلي.

وأجمل ما في هذه القصة البحرينية… أن لدى الأسرة زبائن من كل مناطق البحرين. يتعامل معهم زبائن من الرفاع تماماً كما تأتيهم طلبات من سترة. وحقيقة، إذا أردنا أن نفهم عمق العلاقة بين أهل البحرين، سيلزمنا أن ندرك أمراً مهماً… فليس الإعلام الطائفي السيء، وليست جيوش وسائل التواصل الاجتماعي التي تنفخ في النار، وليس أصحاب الوجوه الدينية العاشقة للفتنة هم من يقرّرون. القرار، شاء من سعى لقطع الأرزاق وإثارة الفتنة أم أبى، هو قرارٌ من موزّع الأرزاق… هو الرزاق الكريم، فقد يتمكن مثيرو الفتنة من تأجيج مشاعر البعض بعملهم الشيطاني الخبيث، لكنهم لن ينجحوا في ذلك إلا في حدود من يسير معه في ذات مسار الدناءة.

قبل أيام، تشرّفت بزيارة النبي الأكرم محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، في المدينة المنورة، فكانت صدفةً من أجمل الصدف أن ألتقي بأحد البحرينيين الذي استطاع بأخلاقه الطيبة وأسلوبه النبيل أن يكوّن شبكةً من العلاقات مع إدارات مجموعة من فنادق المدينة ليعمل وسيطاً لحجوزات الفنادق وترتيب الجولات وخدمات الزائرين، حتى أن الكثير من أصحاب الحملات من الطائفتين الكريمتين أصبحوا يعتمدون عليه في ترتيب حجوزاتهم وحل المشاكل التي قد تطرأ أثناء الزيارة، فهذا المواطن البحريني الأصيل لم يخضع لليأس ويكتفي بالبكاء على سوء المنقلب، فتجاوز كل العقبات وواجه الهموم بروحٍ وثّابةٍ ملؤها الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى يكتب التوفيق والسداد لعباده المتوكلين عليه… أليست هذه نماذج تستحق أن ننحني إجلالاً لها ونقبل جباهها وأيديها؟