سعيد محمد سعيد

ليس أمام السلطة والمعارضة إلا الحوار

 

لا يمكن إطلاقاً التسليم بأن الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط 2011 وقبله بسنوات، ستكون قيد الحل بالعصا السحرية أو بالعصا الشديدة أو بالقبضة الحديدية!

ومخطئ من يصدق الترهات التي تنتشر مثل النار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الحسابات والمواقع الإلكترونية التي تتراقص فرحاً بمحاكمة الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان، أو بسجن رئيس شورى الوفاق السيدجميل كاظم، والحكم بالسجن 6 أشهر على الحقوقي نبيل رجب لتضاف إلى القائمة.

ولا أظن أبداً أنه ليس من بين شخصيات ورجالات البحرين من طرح ما يمكن أن يمثل حلولاً لتبريد الأجواء والعمل بروح وطنية مخلصة – حتى بين الأطراف المتنافرة – لإبعاد الوطن وشعبه من فصول الآلام. ودون شك، لا أحد أيضاً يدعي أنه لا يشعر بالقلق من جراء التحولات الخطيرة التي يشهدها أكثر من قطر عربي، مع توقعات الأشد والأسوأ، في حين أن أزمة البحرين، مهما اختلفت تقييماتها، إلا أن بالإمكان إحداث تفاهم ومد الجسور بين السلطة والمعارضة.

أشرت في مقال سابق إلى محور «العدالة والمساواة بين البحرينيين دون تمييز»، الذي تحدث عنه الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان لصحيفة «القبس» الكويتية يوم الأحد (23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014)، ومن بين ما تناوله الحديث الصحافي أن «أبواب المعارضة دائماً مفتوحة لإيجاد حل توافقي مع الحكومة ينقلها من حالة الاستفراد التي تعيشها في الوقت الحالي من خلال تحكم طرف واحد في إدارة شئون البلد وتهميش بقية الشعب»، وأن القوى المعارضة ستبقى منفتحة على أية محاولات حقيقية لإيجاد توافق سياسي مع الحكومة.

آنذاك، وفي اليوم ذاته وفي الصحيفة ذاتها، تحدثت وزيرة شئون الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة (السابقة) سميرة رجب في حديث قصير أيضاً، عن أن «أبواب الحوار مستمرة مع المعارضة ومازالت مفتوحة، وأن الجهود كانت متواصلة على مدى أربع سنوات، بهدف الوصول إلى تصالحات مع المعارضة. وإذا كان هناك حوار، فليكن توافقياً، وأن نتفق ونتوافق على مطالبنا معاً». وبين التصريحين والموقفين والظرفين المختلفين زمنياً بوقت قصير، تغلق الأبواب كلها وتوصد بأقفال لا يعلم مدى شدتها وقوتها ونتائجها إلا الله سبحانه وتعالى.

في العادة، يتداول المهتمون بالشأن السياسي، في كل مكان في العالم، وفي كل دولة تواجه أزمةً واضطراباً سياسياً… يتداولون ويتباحثون في أسس نجاح حوار ينهي تلك الأزمة ويعيد الأمور إلى نصابها باتفاق بين سلطة ومعارضة، لكي تتعافى الدولة وتبدأ مرحلة جديدة من العمل السياسي. لكن أن يكون التداول والتباحث في محور التعقيد والتأزيم، فهذا ما يمكن أن يوصف بأنه مؤشرات مسبقة لبقاء الأمور على ما هي عليه، بل ولربما تعقدت الأزمة وتشعبت وتضاعفت تبعاتها الخطيرة، وتلك حالة توجب على السلطة أولاً، وعلى الموالاة والمعارضة وعلى المجتمع المدني وعلى الشخصيات الفاعلة، أن يكون لها مسار جديد يضع مصلحة الوطن أولاً. فلا الشحن الطائفي ينفع، ولا كيل الاتهامات والتشكيك في الولاء والانتماء ينفع، ولا إشعال الصدام المجتمعي ينفع، وسيكون الكل خاسراً لا محالة.

والمتابع للفريقين، قد يؤمن بأن ما هو متاح من حرية للتعبير وإبداء وجهات النظر وحق كل مواطن في أن يطرح مرئيات فردية أو جماعية تجاه القضايا المهمة في الساحة فتح المجال لهذا الطرح، لكنه – شئنا أم أبينا – لا يمكن أن يخرج عن إطاره الطائفي، بقصد أو من دون قصد، في جعل العمل السياسي والخطاب الديني، ينحرف إلى اتجاه تعبير كلا الفريقين عن القلق والخوف وربما الترقب، ما قد يكون لأحدهما من شأن ومكاسب وغلبة على الفريق الآخر، وهذا كله لا يمكن أن يخدم المصلحة الوطنية بأي حال من الأحوال، بل هو على رغم محدودية مريديه ومثيريه، يظهر وكأنه حال من الصدام العنيف في المجتمع بين مجموعات تنتمي إلى الطائفتين… تتقاسم ذات الشعور بأن طائفتها مهددة ولابد من العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

حتى اللحظة، لا يمكن لأي طرف أن يقدم قراءة واضحة لما ستكون عليه أوضاع بلادنا على المدى القريب على الأقل، لكن الكل في حالة ترقب وقلق! لكن بالتأكيد، لن نتمكن جميعاً من الوصول إلى بر الأمن لإنهاء الأزمة السياسية، في الوقت الذي يرى فيه بعض «المتفائلين دائماً» أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد انفراجاً مفاجئاً، فيما يرى «المتشائمون دائماً» أن الأزمة طويلة العمر، أما بين المنزلتين، فهناك رأي يصر على أن السلطة والمعارضة يجب أن تتوصلا إلى صيغة قادرة على إنهاء الأزمة.

وسأعيد تكرار ما طرحته دائماً: ليس أمام السلطة والمعارضة إلا منهج الحوار على أن يكون حقيقياً ليكون قادراً على إخراج البلد من أزمتها، فلسنا في مرحلة تحتاج إلى خطاب الفتنة والطائفية والتشفي… ولا نحتاج إطلاقاً لاستمرار تهريج المتاجرين بالوطن.

سعيد محمد سعيد

مقامات «ميسي» البحراني

 

حدثنا دنجلة بن صرناي الطمبحلة، بينما كنا نتجول معه متنقلين بين روابي المحرق والرفاع وبني جمرة والسهلة، عن أروع أيام حياته التي قضاها يدون أحوال البلاد والعباد والظروف، وكيف كان واحداً ممن حموا البلد حاملاً الرماح والسيوف، بل كان أعلاهم وأشدهم قوةً وبأساً وشجاعةً، حين كان يشق الصفوف، لا يهاب المنايا ولا يخشى الحتوف.

قال وقد عادت به الذكريات وفي مقلتيه ترقرقت الدموع: إننا كنا إذا ألم بالديرة خطب فإننا لا نخشى الجموع، ونصبح كلنا جسداً واحداً من أفضل وأقوى وأمتن الدروع. وكان صاحبي ميسي البحراني، يصول ويجول ومعه سلوم المحرقي، وكاظم الستراوي وعباس الكراني.. وهي حقيقة ربما حسبتنا نفتك بالأعداء فتكاً لا تجده في الصاروخ الأمريكي ولا في السلاح الألماني.

وعندما سأله أحد الحضور عن تلك الحروب، وأين وكيف كانت تدور ومن أي صوب؟ ومن هو العدو وكيف جاء ومن أي الدروب؟ غضب وقال هاتفاً: تظنني كذوب… بلى بلى قلها ولا تخشى أذىً… تظنني كذوب؟

وبعد لحظة مضت، عاد له الهدوء، لكن من يسأله عاد إلى السؤال من جديد، وكأنه أحب أن يكرّر الأمر ويراوغ ويعيد ويزيد. فما كان من بن صرناي، إلا وأخرج حزمةً من الأوراق والدفاتر، وقال هذه هي الحقائق، دوّنت المخاطر وسجّلت عجائب الأمور، وصولة الناس على أجانب العساكر. ألا ترى أن الذي بين يديك جملةً من البطولات العجيبة.. تظنني أتلو على المسامع.. حكاية غريبة؟ لا والله، لكنني سأعترف بأن صاحبي وذخري لزماني، «ميسي» البحراني، يعيش في عزلته بلا أمل ولا هدف يطوف بالأماني، لكنني أعلم أنه رجل من أشرف الرجال، ولن يطول يأسه فيأسه محال. سوف يعود شامخاً يدكدك الجبال. لكن ما الأمر معه؟ جوابك سأسمعه. قال له السائل والدمع يغطي مدمعه: عندي لك المفاجأة. ميسي أتى قم واتبعه… كي تسمعه.

لكن ميسى عانق الصديق دنجلة بلا حرارة، وقد بدت في نطقه مرارة، ودنجلة يعلم في قراره، بأنه قد أخطأ في حقه مرارا. قال له يا صاحبي جعلتني، من بعد كل ذلك العيش والملح والخبز والتونة، من أذيال فارس ومن الخونة. ولم تبق شتيمة في قاموس الخسة، إلا وألبستني بها لبسة. آآآآآه.. الآن عدت لتتذكر المحموص والصالونة والكبسة. فأين كنت حينما تركتني في وابل العناء والشقاء والشتيمة. كأنني لا أنتمى لهذه البلاد الغالية الكريمة. وهب رأيت أنني من أكبر الجواسيس. أو أنني أقود في بلادي كتيبة الأباليس. وأسفك الدم بلا أدنى فزع. وأنشر الذعر على أعلى وجع. من أين يا صاحبي يا عزيزي قد جئت بالدليل؟ والمستند الأصيل؟ حتى وإن بدا لكم مصدره قليل؟ وكم رأيت قومك الذين كنت حولهم مسرورا. يوزعون الكعك والسكاكر وتارةً خمورا. في حفلة الزار التي تقام في عقولكم فتنفذ التذاكر.. وفقًا إلى الأوامر.

كفى كفى يا ميسي قد آلمتني وزدتني حسرة. وهمومي لا أول لها ولا آخر كأنها المسافة بين مسقط والبصرة. مع أنني أحب كل الناس من الحد وقلالي إلى كرزكان وعالي والعكر وبني جمرة. هكذا قال دنجلة بعد أن أقر واعترف بأنه نعق مع الناعقين. وعبث مع العابثين. واندس بفرحٍ بين الموتورين والحمقى والعدوانيين والطائفيين.

لكن ميسي البحراني هب واقفاً وقال، وأسمع الرجال، وأفرد المجال، مختصر المقال. أنا يا دنجلة ابن البلد. فاشتم كما تريد. أزبد كما تريد. أرقص كما تريد. فأنت تعرف الفروق بين سيد حر أمين صادق. وبين ذلك الذي يموت في النفاق والبطحة مثل بطحة العبيد. فأي مسلك تريد؟ أما أنا فأعشق الديرة ملأ قلبي وروحي. حتى ولو في حبها تروح روحي. فقط أريد منك خدمة.. لا تنتشي وترقص.. حين ترى جروحي.

سعيد محمد سعيد

مقامات «أبو البوق» الحرامي!

 

حدثنا «أبو البوق» الحرامي، في حديث ذي شجون، عن ديوان الرقابة المالية بما فيه من تفاصيل وشئون، مدعياً أنه لم يجد في مثل هذا التقرير ما يدعو للخوف من المستقبل، ما دام اللص والحرامي والسارق والمرتشي يعتبر المواطنين (أهبل في أهبل). حتى بلغ الحديث مبلغ تعريف الفساد، وسرقة مال البلاد والعباد، من أجل الخير والتوفيق، والصلاح والسداد.

كاد «أبو البوق» الحرامي يصيح، من شدة حديثه الصريح، فقال وهو يتصفح التقرير ذي الثمانمئة ونيف صفحة، بعد أحد عشر عاماً من التجاوزات والتراكمات الجسيمة التي تلفح في أموال البلد لفحة تلو لفحة، قال: «إن هدر ملايين الدنانير هكذا دون محاسبة ولا يحزنون، يعني أن الخير كثير يلطشه الهوامير بلا قانون، فلا أحد سيحاسبهم يوماً ما وهم يفرحون. وإذا شعر المواطن بالإحباط أو أصابه الجنون، فعليه أن يرتمي في حضن اللص الحنون، حتى تزول عنه الظنون»!

استمع أحد الرجال إلى ما قاله «أبو البوق» مستنكراً كلامه.. فوبّخه قائلاً: «استفق فأنت تتحدث وأنت تعرف أن هناك 50 دولة على قائمة الفساد، ليس من بينها المنامة، لكن على أية حال، لا يجب أن تضع رأسك في التراب مثل النعامة، وقل الحق إن كنت ذا دين وعقل وقيم وكرامة. فتقرير الرقابة، حل بنا مصابه، وضاعف الكآبة. يقول أن سبع عشرة وزارة وجهة حكومية، صرفت أقل من 50 بالميّة من مخصصاتها للمشاريع والتنمية! وحرمت المواطن من الخير و«صرقعته» ميّة بالميّة.. فما أنت قائل في 58 ألف دينار كمصاريف لأبناء الموظفين؟ هل على رأسهم ريشة أم أنه (لله يا محسنين)؟ وشركة طيران (الضعضعة) صرفت لتأثيثها 29 مليار دولار وربما تذاكر مرجعة! وأداؤها في الأصل سبب زوبعة؟ وخذ مثالاً آخر: 74 ألف دينار لحفل في المنامة، تكفي لمئات الأسر المعوزة تنفعهم في شهر رمضان أو موسم المدارس أو تكفل للجائع طعامه.

وقبل أن يكمل الكلام، اشتاط غيظاً أبو البوق الحرامي مجلجلاً بصوته حرام في حرام، متهماً الرجل بأنه يحرض على الاستقرار والنظام. وأنه يكذب في التفاصيل والأرقام! فكل ما جرى ليس به حقيقة، وإنما يريد أن يضاعف الحريقة! فليس بيننا لص واحد، وليس بيننا أحد (منشاره) يأكل في أموالنا سواء كان نازلا أم صاعدا. ما ضيركم إن حصل الموظف الفقير ويح قلبي ويلي ويلاه؟ على ثلاثة آلاف دينار كبدل عمل إضافي نظير شقائه وتعبه وبلواه؟ وشحوال أنت شحوال. لو أخذ (المدير) في آخر العام مكافأةً من المال؟ له 500 دينار وللربع 300 بلا مكرمة ولا جواب ولا سؤال؟ وشحوال أنت شحوال!

يصفق الحرامي للحرامي في سرور – من باب ذكر الفضل لا الجحود – فيا لذلك المواطن المسكين يقتات على الوعود، وكلما اشتكى من العوز ومن هم العيال والقروض والمعيشة الثقيلة ودخله المحدود، تأتي له الإجابة: خلك على الصمود… خلك على الصمود.

وبعد كل ما جرى وصار، أشاد لص آخر بلصه الصديق، في قوله وفعله وصنعه الوثيق. فعنده الحرامي، «أبو البوق» المحامي، عن كل مال الناس والبلد، محلاه ما أحلاه هالولد. لكن غيره بكى من حسرة ولوعة بلا حدود أو عدد. سيختفي اللصوص، ويختفي التقرير، مصيره تنشره الصحافة غداً وبعده وبعده. وبعدها تنمو له أجنحة، وفجأةً يطير. والناس تنظر حولها، تبحث عن أهل الفساد تارة، وتارة تسأل: «ما المصير؟». فهل سيودعون في السجون وفق جرمهم، فجرمهم خطير، أم سوف تقلع المحاكم عيونهم وترجع الأموال من خزائن، أو من مصارف هنا.. هناك. أو دفنت في تربة من أسفل الحصير؟ أم سوف يبقى اللص في أمانه.. يفسفس الحب ويشرب العصير؟

أما أنا نصيحتي لكم، لا تظلموا اللص ولا تحاسبوا الحرامي.. فالمشهد أراه في وضوحه أمامي.. اللص والحرامي.. يقدمان خدمة جليلة.. يلملمان المال كي (يذخروه) للجيل الذي سيأتي.. أوضاعه عليله. للمشهد الظلامي. فربما حلت بنا نائبة أقوى من الرماح والسهام. فحينها، سيصدر التقرير في حلته الجديدة مبدداً أوهامي.. وعليكم تحيتي.. وإليكم سلامي.

سعيد محمد سعيد

سؤال.. في آخر المقال؟

 

أعترف بأنني استخدمت ذلك المصطلح من جيبي… «عار البلد»، في مقال سابق تحدثت فيه بكل صراحة عن أطراف التأزيم في البلد وأتباعهم والمطبلين والمصفقين لهم، فذلك العار، الذي لا يشرف في أي بلد في العالم لا حكومات ولا سلطات ولا يحزنون، يرقص حاملوه دائماً كلما رأوا مرحلة تأزيم جديدة تعصف بالبلاد. ولعل من المهم أن نقول للحكومة ولكل من يعنيهم الأمر ويعون المخاطر: أصحاب تلك النفسية لا يشرفون أحداً ولا حتى الأباليس.

ولنتحدث بصراحة، يعلم ولاة الأمر والمسئولون وأبناء العوائل الحاكمة بل وحتى أبناء الأباطرة والرؤساء، من هو المنافق اللاهث وراء مصالحه الشخصية وجيوبه الذي يتاجر بحب الوطن والولاء للقيادة برياء زائف، ومن هو العنصر الوطني المخلص الذي، ربما يكون صاحب لسان طويل وطبع مشاكس وعنيد، لكنه شديد الإخلاص للوطن ولأهله، مهما توالت التهم والافتراءات وأقيمت حفلات الزار فرحاً باتهامه وتشويه صورته بالعبارات التي لم يعد لها مكان إلا في عقول وعلى ألسنة جماعة «عار البلد».

الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان موقوف على ذمة التحقيق.. خير إن شاء الله! فكل صاحب عقل يدرك أن الشيخ علي سلمان شخصية وطنية معارضة ذات موقع وتأثير في الساحة الداخلية، لكن أن يتشفى جماعة العار والاتهامات والطائفية وأهل الشتائم القبيحة من شخصية وطنية، اختلفت أو اتفقت معها، ليصل الحال إلى تشغيل شبكات الكترونية في الخليج والعالم العربي والإسلامي للنيل حتى من أسرته! أعتقد أن في ذلك دليلٌ على أنه لو اجتمعت فلول «عار البلد» ما كانت لتصل إلى نصف صدقه وإخلاصه للوطن، مهما كان الخلاف العقائدي والسياسي بينه وبين مناوئيه.

وللتذكير، فإن تلك الجماعة (جماعة عار البلد) التي لا تشرف لا البلد ولا الحكومة ولا السلطات، يمكن أيضاً أن نضم معها أولئك الذين انتشروا إلكترونياً عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الحديث، بما فيهم من عور وعمى وقلوب شوهاء، ليستهدفوا أعراض الناس وحرماتهم، وخصوصاً الناشطين من سياسيين وحقوقيين وإعلاميين، مع أنه سبقتهما الكثير من ممارسات العار لاستهداف المخالفين، إلا أن جماعة «عار البلد» لا وطنية صادقة لهم، وهم ينشطون لفقدانهم القيم الدينية، ولإفلاسهم فكرياً وثقافياً واجتماعياً، وسقوطهم أخلاقياً.

هنا، في بلادنا العزيزة الغالية الصغيرة المساحة، والواضحة «التأزيم» سياسياً… خصوصاً مع نشاط مطلبي شديد متجدد – شئناً أم أبينا – لا يمكن من وجهة نظري الوصول إلى حل للأزمة إلا من خلال اتجاهين: الأول، وهو الرئيس المطلق الأصح: أن يكون الحوار بين السلطة والمعارضة «المعارضة ولا أحد غيرها»، والمسار الآخر، هو تصحيح العلاقة مع أي مكون من مكونات الشعب تعرض للظلم عبر تفعيل منهج الإنصاف والمصالحة، وتلك بلا ريب تشمل تطبيق توصيات البروفيسور محمود شريف بسيوني، ليس بمساءلة ومحاسبة وتوقيع العقوبات على من تجاوز القوانين وانتهك الحقوق وأغرق الوطن في الطائفية ومحاكم التفتيش والازدراء وتشجيع الصدام الطائفي ولي يد القانون… بل يشمل كل من أضرّ بالوطن… فليس كافياً أن نقول بأن هذا خائن، وذاك إيراني، وهؤلاء يقتلون الشرطة، وأولئك يصنعون القنابل والدمار… القصاص القصاص… نعم، كل ذلك يجب أن يجرى على فاعل حقيقي، لا على مواطن بريء كتب اعترافه بنجيع دمه تعذيباً!

وربما كان من بين هذا المسار، حوار عام توافقي «للنظر في الأجواء التي سيحققها حوار السلطة والمعارضة» تماماً كما كان ومضى على غرار حوار التوافق الوطني في صيغته التي رأيناها (ملتقى أو منتدى لا أكثر ولا أقل)، على أن تكون الأهداف بالدرجة الأولى لدى السلطة والمعارضة، هي الاحتكام لمبادئ سمو ولي العهد السبعة، باعتبارها الخيار المتاح والأسلم لإنقاذ البلد، تيسيراً للجهد والوقت، وتحقيقاً للفائدة وإصابتها إصابة تامة.

يا جماعة، حكومة ومسئولين، معارضة وموالاة، إعلاماً وطنياً وإعلام سيئاً، يا ناس، لا يمكن الإستهانة بالأوضاع والمخاطر الأقليمية ونحول المجتمع البحريني الرائد في مجالات العلم والثقافة والفكر إلى مجتمع يستلذ بالصدام الطائفي والتفاهات. ولا يمكن أن يغيب عن الساحة شخصيات بحرينية من مفكرين ووجهاء ورجال أعمال ورجال فكر ونتركها لجماعة «عار البلد». لذا، أن تمارس حقاً من حقوقك المشروعة في التعبير عن رأيك بالوسائل التي كفلها الدستور، وتطالب بحقوقك متجاوزاً سياج الخيانة والارتباط بالخارج، لا يعد خيانة عظمى إلا في عقول عشاق التدمير والطائفية والتمييز والتأزيم ودولة «اللاقانون»، فيبقون مجرد راقصين على آلام الوطن، وبهذا هم من يسير إلى السقوط.

سؤال في آخر المقال: بكل صراحة: إذا كنتم لا تريدون كلام الحق وصوت الإخلاص للوطن الطيب وللمواطن الكريم، فلماذا تحبون المنافق والمطبل؟ الله أعلم.

سعيد محمد سعيد

سلامة «الجبهة الداخلية»!

 

أمام قائمة «كارثية» طويلة من مهددات الاستقرار والتنمية في المجتمع البحريني، يلوح عنوان «سلامة وتمتين الجبهة الداخلية» وكأنه شعار هلامي بعد أربع سنوات شديدة عاشتها البلاد في إطار الأزمة السياسية، ولاتزال، فهل من سبيل لإغلاق هذا الملف الثقيل ومواجهة مخاطر وتحديات مخيفة قادمة؟

خلال السنوات الأربع الماضية، وبالتأكيد قبلها بعقود، لم تتمحور الروابط على ميزان «الثقة» بين السلطة والمعارضة من ناحية، ووجود قابلية كبيرة مسنودة بالإعلام والمال والخطاب المتشدد ومنه التكفيري قطعاً لتفتيت المجتمع من ناحية أخرى، بيد أن ما يمكن أن نتساءل عنه: «لماذا أجهضت كل المبادرات الوطنية الصادقة لإنقاذ البلد من الأزمة كتلك التي تقدمت بها شخصيات بحرينية لها مكانتها في المجتمع البحريني؟ ولماذا أفسح المجال للمتاجرين بالولاء والانتماء المزيف لكي يزيّنوا ساحة «حفل الزار» بما يشاءون من بهارج النفاق؟ ولماذا أصلاً يتحول الخلاف السياسي بين أي تيار أو مكون مع السلطة، إلى خلاف مذهبي عقائدي؟.

هناك من الأخوة الأعزاء من يحاول دائماً إغلاق أية فكرة تحليلية مجردة من العواطف تقوم على المنطق لتحليل أية ظاهرة أو قضية أو ملف تسبب في إرهاق البلد بقوله: «لا جدوى من الحديث عن الماضي ولننظر إلى المستقبل»، وفي هذا، إبعاد للمنهج السليم في دراسة الأسباب والمسببات ووضع الحلول! لا يمكن قراءة أزمة البلد من المنتصف أو من آخر صفحة في الملف.

إن اجتماع وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة يوم الثلثاء (23 ديسمبر/ كانون الأول 2014) مع عدد من قيادات المجتمع وبعض الوجوه المحسوبة على جمعيات المعارضة، يلزم عقد المزيد من الاجتماعات مع الأطراف الوطنية (المعتدلة فقط)، فلا حاجة للشخوص التي تنهش اليوم نهشاً في أوصال المجتمع، ثم تعود بعد حين لتمثل دور المصلح، ولا شك في أن الاجتماع مهم «التحديات الأمنية التي تواجهها البحرين والآتية من انقسامات الإقليم تتطلب مزيداً من العمل لتعزيز وتمتين الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية، وتأكيد قيم التعايش بين أبناء البحرين»، لكن وجدنا خلال السنوات الأربع الماضية بروزاً مذهلاً مدعوماً بقوة لوأد أية مبادرة وطنية صادقة، حتى أصبح الحديث عن وجود تيار معارض في البلد جريمة كبرى وتآمراً.

ممارسات كثيرة خاطئة توجب على الجميع أن يطرحها على بساط البحث بصراحة، على ألا تقتصر النظرة ضمن مسار الحلول الترقيعية. فالأزمة في البلد تحتاج إلى مرئيات الشخصيات الوطنية المخلصة، ولا شك أن أهل البحرين ملّوا من شخصيات تفتقد القدرة والصدق لخدمة الوطن وتسعى في اتجاه مصالحها الفئوية الخاصة، واشتهر عنها مشاركتها في التأزيم والطائفية وإجهاض المبادرات.

ونظراً لتراكم تجربة الفشل والإقصاء للأصوات المعتدلة، وتغييب مبادرات مميّزة، كان بالإمكان تنفيذها لإنقاذ المجتمع، فإن الكثير من المواطنين بل والشخصيات ذاتها، وصلوا إلى حالة من اليأس وهذا واقع غير مطلوب إطلاقاً! لأن المسئولية الشرعية تجاه الوطن وشعبه تلزم المضي قدماً، خطوة تلو خطوة، حتى وإن كانت معاول الإجهاض مرافقة بكل قوة.

الحديث عن تأثير الأصوات المعتدلة، هو الأساس الذي طالبنا به منذ بداية الأزمة في فبراير 2011، لكن لنتكلم بصراحة مؤلمة، فحتى من انطلق بنوايا صادقة وعمل بإخلاص مع الشخصيات التي كانت تريد خيراً للبلد، أصبح مبعداً ومنبوذاً بل ومتهماً بالخيانة، وكأنه جاء بالإفك، وفتحت الساحة لإعلام مدمر وخطاب ديني يشعل فتيل الفتنة وكتابات تجارية تدّعي حب الوطن، فما الذي جناه الوطن من كل هذا؟ هل نكذب على أنفسنا ونقول إن «كل شيء تمام والأمور في أحسن حال؟».

لا شك في أن شعب البحرين، الموالي منهم والمعارض، مهما سيقت الاتهامات بالعمالة إلى الخارج والتآمر مع إيران أو غيرها، هو شعب يمتلك موروثاً انتمائياً كبيراً للوطن، لا يمكن نزع جذور انتمائه، حتى مع وجود الخلافات السياسية، والتي هي أصلاً حالة طبيعية في أي مجتمع متعدد يؤمن بالديمقراطية، إلا أن التحشيد الطائفي من جهة، وعدم تطبيق القانون على الجميع سواسية دون تمييز أو استهداف مع احترام حق أي متهم في إجراءات تقاضٍ عادلة، أدى إلى تقديم المتشددين وتغييب المعتدلين، ولهذا نسأل: «هل يمكن للفكر المتشدد ذي المآرب الشخصية والفئوية أن يبني وطناً أو مجتمعاً مستقراً؟ إطلاقاً، لا يمكنه ذلك بل ولا يريده أصلاً، فعقلية التشدد والتأزيم تقتات من الأزمات.

هناك الكثير مما يمتلكه أبناء البحرين المخلصين لتحقيق سلامة الجبهة الداخلية، فالنقاط يجب أن توضع على حروفها وفق الحلول السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ستسهم في تحقيق ذلك السياج الذي يحمي بلادنا. ولن يتحقق ذلك مع مزاجية تطبيق القوانين، ولن ينفع ذلك مع إعلام يرقص على عذاب المجتمع، ولن يفلح ذلك مع صحافة وكتاب ومقالات تتشفى ثم تتغنى بحب الوطن ثم تبث سمومها.

قد يكون كلام الشخصيات الوطنية المخلصة، سواءً كانوا من الموالاة أو المعارضة أم من المستقلين، موجعاً أو مؤلماً لقربه من الحقيقة، لكن… لكي يرتاح الوطن من عذاباته، لابد من إزالة الورم الذي يزيده سقماً، مهما كان حجم الألم. فكل بحريني شريف يحلم بوطنٍ للجميع بلا استثناء، وأبناء البحرين لن يقصروا في الذود عن ترابها المقدس.

سعيد محمد سعيد

مفصولون… فأين حقوقهم؟

 

بين كر وفر، طوال السنوات الأربع الماضية، أخذ ملف المفصولين عن العمل في القطاعين الحكومي والخاص يتنقل بين الاجتماعات والاعتصامات والقرارات واللقاءات المحلية والخارجية. ومع نجاح الاتحاد العام لعمال البحرين ووزارة العمل وديوان الخدمة المدنية في إعادة عددٍ من المفصولين، إلا أنه لايزال هناك عددٌ آخر لم ييأس من المطالبة بحقّه في العودة إلى عمله.

وصولاً إلى توقيع الاتفاق الثلاثي المبرم بين كل من وزارة العمل، وغرفة تجارة وصناعة البحرين، والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين لإعادة المفصولين إلى أعمالهم، فإن بارقة أمل كبيرة ملأت نفوس المفصولين بالعودة إلى أعمالهم، ولربما تجاوز الكثيرون منهم (النزعة الطائفية التي أدت إلى فصلهم)، لكن من المهم إعادة مراجعة الخطوات بدقة، للتأكد من أن معاناة المتبقي من هذا العدد قد انتهت، وأنه لا يوجد بالفعل مفصولون لم يعودوا إلى أعمالهم، ولعل استمرار اعتصامات المفصولين من بعض القطاعات بين حين وحين، تشير إلى أن الملف لم يُغلق بالكامل.

بعد التشكيل الحكومي الجديد، يأمل المفصولون في أن يعيد الوزراء النظر في ملفاتهم، فعلى سبيل المثال، لا يزال عدد من المفصولين من وزارة شئون الإعلام يؤكّدون أنهم لم يعودوا جميعاً إلى أعمالهم، ومع الإعلان عن إعادة 26 موظفاً وموظفة، إلا أن المطلوب من وزير شئون الإعلام الجديد عيسى عبدالرحمن الحمادي أن يراجع الملف بكامله، ويفتح المجال لمن تبقى من الموظفين والموظفات المفصولين لأن يتقدّموا بتظلماتهم حتى يتسنى التأكد التام من أن موظفي الوزارة الذين فصلوا من أعمالهم قد عادوا جميعاً، فهذه الخطوة ستحسب للوزير الجديد دون شك. ثم هي من ناحيةٍ أخرى، عدم تفريط في الكوادر البحرينية المؤهلة، التي يمكن الاستفادة من خبراتها لتطوير الإعلام الوطني الذي يحتاج إلى الكثير الكثير من العمل.

مثال آخر… لايزال عدد من المفصولين من وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني ينتظرون العودة إلى أعمالهم، حتى مع الإعلان عن إعادة الجميع، وخصوصاً في مجلس بلدي الشمالية وتثبيت 16 من الموظفين بالعقود المؤقتة، لكن الأمر يحتاج هو الآخر إلى أن يعيد وزير الأشغال والبلديات والتخطيط العمراني المهندس عصام عبدالله خلف النظر في الملف بدقة، ومن بين المسئولين في البلديات، قضية رئيس العلاقات العامة والإعلام عادل عيسى المرزوق التي قطعت مراحل في أروقة المحاكم، علاوةً على عدة اجتماعات عقدت مع الوزير السابق ومخاطبات بين عدة جهات، منها ديوان الخدمة المدنية لتسوية الملف لكن حتى الآن، لايزال الملف جامداً، وهو يأملُ في أن يعيد الوزير النظر في ملفه بكل تفاصيله.

نأتي إلى القطاع الخاص، ومنه القطاع المصرفي الذي لا يزال عدد من المفصولين منه مصرين على عودتهم إلى وظائفهم، وعلى الرغم من عدم وجود عدد نهائي مؤكد للمفصولين، إلا أن الرقم المتداول هو في حدود 35 مفصولاً من مختلف المصارف والمؤسسات المالية، فيما رفع عدد منهم شكاوى قضائية.

هناك رسائل واضحة لايزال يرسلها المفصولون، أولها أنهم فصلوا فصلاً تعسفياً، ومع ذلك هناك من ينكر وجود مفصولين، لهذا يصرون على أن يستمروا في مطالبتهم المشروعة بإعادتهم إلى وظائفهم، ولا يمكن أن نشكّك في مواقف الكثيرين منهم ممن خدموا الوطن بكل صدق، ومن بينهم أعدادٌ لا بأس بها من الكفاءات والخبرات وحملة الشهادات التخصصية العليا، وهم بمثابة ثروة حقيقية لا يجب التفريط فيها.

ختاماً، إذا عدنا إلى الاتفاقية الثلاثية التكميلية الموقعة من أطراف الإنتاج الثلاثة (وزارة العمل، وغرفة تجارة وصناعة البحرين، والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين) في شهر مارس/ آذار 2014، والتي تضمّنت أسماء 165 مفصولاً، من بينهم 25 مفصولاً من القطاع العام، و50 مفصولاً من الشركات الكبرى، و68 مفصولاً من القطاع الخاص، ناهيك عن 22 مفصولاً بسبب الأحكام القضائية الصادرة بحقهم… إذا عدنا إلى تلك الاتفاقية، هل من الممكن أن يعرف الناس كم عدد المفصولين الذين تمت إعادتهم إلى وظائفهم؟ وكم عدد المتبقي منهم؟ ننتظر الإجابة من الجهات ذات العلاقة.

سعيد محمد سعيد

«بازار» أهل الشتيمة

 

يبدو أن «أهل الشتيمة» في المجتمع البحريني، من مواطنين ومقيمين، vينتشرون في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني، وبدأوا في الاتساع شيئاً فشيئاً، تماماً كما الورم الخبيث المدمّر، ولا غرابة إن وجدت من بين أواسط أراذلهم من يعتلي منبر الخطابة الجاهلية، أو يمثل الشعب زعماً، أو يرى في نفسه أنموذجاً للوقاحة.

لكن، دون شك، لا يمثل هؤلاء أهل البحرين الذين عُرفوا بين الشعوب بالطيبة والأخلاق الحميدة والالتزام الديني، إنما يمكن وصفهم بأنهم «شرذمة» تتاجر بالدين والوطن والولاء المزيف، غير أن أقصى ما تملكه من جهد هو التميز في الدناءة والإساءة والسباب وانتهاك أعراض الناس. ولعلهم في ذلك قد اختاروا الطبل الذي يناسبهم للتطبيل بصوت مسموع جداً عل أعطيات من هنا وهناك تصل إلى جيوبهم، حالهم حال غيرهم ممن نال مكافأته نظير دناءته.

وعلى الرغم من أن حسابات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، سواء في المجتمع البحريني أم غيره، تعج بالكثير من الجراثيم والميكروبات الفتاكة، إلا أن هناك حسابات أخرى، وإن كانت قليلة، لكن فيها الخير الكثير. هؤلاء، من يصيغون الكلام الطيب بقلوب نقية هم أهل البحرين.

قبل أيام قلائل، تعرضت إحدى الشخصيات النسائية البحرينية (المسئولة في الماضي) لموجة تشفي وشتائم وصلت إلى حد النيل من عرضها! وعلى أن الكثيرين لديهم مواقف من تلك الشخصية نشأت أصلاً بسبب مواقف تلك الشخصية، إلا أنهم لم يقبلوا أبداً النيل من أعراض الناس، حتى لو كان «أولئك الناس» ظلموهم ونكّلوا بهم واستهدفوهم يوماً ما.

بالطبع، نتفق جميعاً على أن «بازار أهل الشتيمة» له مريدوه من ذوي الأخلاق الخبيثة والتربية السيئة، لكن مهما تعدّدت وانتشرت صورة ذلك الخبث والقبح في وسائل التواصل الاجتماعي، يبقى ذلك الحيّز المريض هو المستقطب لأشكاله فقط. في البحرين مثلاً، كان من اليسير أن تقرأ مئات المقالات والرسائل الطائفية التفتيتية السقيمة، وتشاهد مئات المقاطع المرئية المليئة بالوباء الشيطاني على مدى سنوات الأزمة الأربع التي تعصف بالبلاد، فكان الأمر بالنسبة للطيبين مذهلاً شديد الوجع!

هب أنك تختلف مع مواطن آخر في المذهب والإتجاه السياسي، من أين أتيت بالمسوّغ الشرعي والقانوني لأن تنتهك عرض من يخالفك وتتمنى موته وتسفيره من بلاده، وتشعر بالفرح العارم حين تقطع رزقه أو تتمتع بإهانة مذهبه والنيل من كيانه كإنسان؟ بالطبع هذا الكلام يشمل كل الجراثيم الطائفية من أي دين أو ملة أو مذهب.

هناك حالة غريبة دخيلة على المجتمع البحريني وجدت بيئةً خصبةً لنموها، حتى أن الكثير من «الأغراب» احتشدوا متسلحين بالتدين السطحي الكاذب وبالأذكار والآيات القرآنية والاستغفار التي يبدأون أو ينهون بها «حفلة زار» الشتم والخسة. لك أن تجد في الكثير من وسائل الإعلام الإلكتروني من يجمع أسوأ وأرذل مفردات الشتم لمن يخالفه مذهبياً وسياسياً، ثم يختم كلامه بآية قرآنية أو تقرأ في توقيعه عبارة «اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك»!.

جوقة «بازار أهل الشتيمة» يعاضدون بعضهم بعضاً على الفحش! حتى أنك تجد من يندفع بنزعة طائفية شيطانية بغيضة ليهاجم أسرةً أو محامياً أو مواطناً عادياً تقدم إلى القضاء شاكياً خطيباً أو صحيفةً أو مغرّداً تجاوز حدوده في الافتراء والشتم والتشهير. لكن كل ذلك مع شديد الأسف، وأقصد السلوك الخبيث، يمكن أن يأمن فاعلوه ما لم يطبق عليهم وعلى غيرهم القانون بعدالة دون تمييز أو محسوبية أو غطاء مهما كان نوعه.

وأخطر من هذا وذاك، أن تشاهد خطبةً أو محاضرةً لأحد المشايخ، سواءً في الخليج أو العالم العربي والإسلامي، يحذّر الناس من ظاهرة الشتم والافتراء باعتبارها ظاهرة اجتماعية سيئة (عمت كثيراً من الخلق) وانتشرت في أوساط المسلمين باستخدام الألفاظ البذيئة المقذعة في الأسواق وأماكن العمل والمدارس وغيرها، وتنتفخ أوداج خطيب آخر وعيونه يتطاير منها الشرر غضباً، وهو محق في ذلك، حين يستعرض نماذج من القول الفاحش البذيء وانتشار سلاح السباب، ثم تُصدم حين تستمع له في آخر خطبته أو محاضرته أو فيما قبل الجزء الأخير منها وهو يتمايل طرباً بالغمر واللمز والتعدّي على من يختلفون معه في المذهب أو في التيار أو حتى في بيئته الاجتماعية.

بازار أهل الشتيمة سوقٌ سيء، ولا يمكن أن نقبل أن يكون المجتمع البحريني مرتعاً لأمثال هؤلاء، ويتوجب على كل جهة معنية، سواء كانت وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف أو وزارة شئون الإعلام أو النيابة العامة أن تتحرّك بحزم لمعاقبة أهل ذلك السوق الذي يبيع بضاعة الكلام البذيء الرخيص، ويقذف أعراض الناس ويشهّر بمن يريد أن يشهر، ويتعدى على من يريد دون رادع… فليس هذا هو المجتمع البحريني إطلاقاً.

سعيد محمد سعيد

بضع رسائل قصيرة

 

الرسالة الأولى: مهما اختلفت وجهات النظر والمواقف من المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها، فقد جرت الانتخابات ومضت، قاطع من قاطع وشارك من شارك. ولأن الركن الأساس في هذه الممارسة باعتبارها حقاً للمواطن، فهذا يعني أن من حقه أن يختار من يراه مناسباً ليمثله، أو ألا يفعل حين لا يسترخص صوته ويرميه ليذهب هباء.

النقطة السوداوية المفجعة الأكبر، هي في سيل من المعلومات عبر إحدى الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي من حرمان المقاطِع من الخدمات، وما انتشر بين الناس من إجبار الكثير من المواطنين على التصويت وإلا… وهذا في حدّ ذاته فعل غير ديمقراطي! فقد ظلّ الناس في حيرةٍ بسبب عدم ظهور مسئول واحد يوضّح حقيقة الأمر حتى مساء يوم إعلان النتائج بتاريخ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، حينما نُقل عن أحد المسئولين بأنه ليس هناك في القانون ما يعاقب المقاطعين.

محامون وناشطون وجمعيات حقوقية أصدرت بياناتها ومواقفها بشأن ما انتشر بين الناس من «عقوبات»، وما دام ليس هناك في القانون ما يعاقب المقاطعين، هل هناك جهة ستحاسب «المتورطين» في تهديد الناس وتخويفهم وإجبارهم؟ وماذا لو حدث فعلاً أن هناك مواطناً وجد نفسه في خانة «المعاقبة» بسبب المقاطعة، من أو ما هي الجهة التي يمكنه أن يشكو لديها؟

وهنا، أقترح أن تبادر اللجنة العليا للانتخابات، أو وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، إلى تشكيل لجنة تكون مهمتها استقبال تظلمات وشكاوى المواطنين الذين يتعرضون للعقوبة بسبب مقاطعتهم… مجرد اقتراح.

*الرسالة الثانية: مجموعة من الخليجيات المتزوجات من بحرينيين ممن يحتفظن بجنسياتهن الأصلية، وجدن أنفسهن أمام مشكلة بسيطة للغاية لكن لا حل لها حتى الآن! فحين تنتهي بطاقاتهن الذكية، لا يمكنهن تجديدها! لنلاحظ أننا هنا نتكلم عن «خليجيات»، أي مواطنات ضمن منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، وهن مازلن ينتظرن جواباً واضحاً من المسئولين في الجهاز المركزي للمعلومات حول كيفية الحل! فلا يعقل أن يطلب منهن استبدال جوازات سفرهن أولاً حتى يتسنى تجديد بطاقاتهن الذكية. ولعل أحد المسئولين في الجهاز المركزي للمعلومات يوضّح لنا ولهن ما هو الإجراء المتبع في هذه الحالة.

*الرسالة الثالثة: ما الذي يمنع كلاً من وزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني، ووزارة الصناعة والتجارة، وهيئة تنظيم سوق العمل، من التسهيل على المواطنين من ذوي الدخل المحدود، أو ممن يندرجون تحت مسمى المهن الحرة أو العاطلين عن العمل، للحصول على تراخيص افتتاح محال تجارية في منازلهم التي لا تقع على شوارع ليست مصنفة كشوارع تجارية؟ صحيح أن القانون واضحٌ في هذا الشأن، إلا أنه لابد من إيجاد تسهيلات للمواطنين – خصوصاً الذين ليس لديهم مصدر دخل ثابت – ويرغبون في تحويل مرآب السيارة مثلاً إلى محلٍ يكسبون من نشاطه رزقهم، والمسئولون بالطبع لديهم الكثير من الحلول.

*الرسالة الرابعة: أيضاً تتعلق بوزارة شئون البلديات والتخطيط العمراني… أصحاب الورش والمحال في المنطقة الصناعية بعراد يشكرون الوزارة على سرعة تجاوبهم مع شكواهم المتعلقة بمطالبتهم بإنهاء عقودهم وترك المواقع المستأجرة بما عليها في شهر يناير/ كانون الثاني 2015، لكنهم حتى الآن، ينتظرون عرضاً مناسباً لرسوم التأجير الجديدة.

*الرسالة الخامسة: مجموعة من المواطنين الذين انتقلوا للعمل في القطاع العام، ممن استلموا مدّخراتهم التأمينية قبل سنوات حينما كانت الإجراءات القانونية والإدارية حينها تسمح لهم بسحب مدخراتهم حال انتقالهم من القطاع الخاص إلى الحكومي، وبعضهم يرغب في ضمّ خدمة السنوات الطويلة في القطاع الخاص، إلا أن الهيئة العامة للتأمين الإجتماعي طالبتهم بسداد فارق كبير يتجاوز ما تم استلامه من مدّخرات تأمينية، وهو ثقلٌ لا يستطيعون حمله، ويناشدون المسئولين لتسهيل ضم خدماتهم السابقة وفق تسوية مناسبة.

*الرسالة السادسة: إلى بعض المسئولين في القطاعين العام والخاص ممن ينكلون بالموظفين بسبب الوشاية و«نقل الكلام»! يجدر بكم أن تشعروا بالعار. فكيف لمسئول «محترم» الاستمتاع بأسلوب زرع الجواسيس في مكان العمل، واستهداف هذه الموظفة أو ذلك المراسل أو هذا المشرف، فقط لأن رسالة الكترونية مجهولة المصدر أو ورقة صفراء كيدية وردت إلى ذهنه المغلق؟

يا جماعة، العديد من الموظفين والموظفات والعمال يتعرضون لمثل هذه الممارسة الفاقدة للضمير وللمسئولية وكأن خلق الله عبيدٌ لديهم.. اي والله عيب عليكم.

سعيد محمد سعيد

المعارضة… «المجرمة»!

 

من باب الطرافة، كنا نرى ونحن صغاراً، الكثير من آبائنا يرتدون الوزار (الإزار) وربما المنشفة (الفوطة) في بعض الأحيان، وقتما يقضون مشواراً بسيطاً كإيصال العيال إلى المدارس أو الذهاب إلى الخباز أو «دكان السمبوسة» القريب. لكن هذه المشاهد بدأت تتلاشى في المجتمع، فلا أحد يرغب في أن يظهر أمام الناس في تلك الصورة غير اللائقة… لكن العمال الوافدين يفعلون.

بلغ الأمر إلى أن أحد الجيران تعرض، بسبب استمرار ارتدائه لذلك الإزار في (الرايحة والياية)، للكثير من الاتهامات والقيل والقال. فمن قائل أنه سكران (وما عنده حواس علشان جديه يطلع بـ «وزاره»)، ومن قائل أنه (أسود وجه لابد من تأديبه وإيقافه عند حده)، ومن زاد وقال: «لو يخاف على عرضه ويستحي على وجهه لما ذهب وأتى بهذا الـ «وزار»! ولا أدري إن كان التلفزيون والإذاعة وبعض الخطباء هاجموه أم لا، لكن كل ما أعرفه أن الرجل يتعرض للإتهامات بلا دليل.

في بلادنا، حالنا حال الكثير من الدول العربية والإسلامية والصديقة والعدوة، والنامية والنائمة، تصبح المعارضة في أكبر خانات الخيانة.

وبالتالي، فهي ترتكب جريمة عظمى! ولابد من ملاحقتها بهذا الوصف –أي الخونة… المعارضة المجرمة- من خلال بعض كتاب الصحف المعدودين، وعبر وسائل الإعلام الإلكتروني التي لا عد لها، ومن خلال خطب بعض الخطباء، لكن أبداً، لا يمكن ملاحقتها قضائياً! فأعجب العجب، أن تتكدس الاتهامات تلو الاتهامات على المعارضة البحرينية بتهم جبارة، ويتغنى كتاب الصحف ومن لف لفهم بتلك الاتهامات، فيترسخ الاتهام بأنها فعلاً مجرمة، لكن لا دليل على إجرامها!

لنكن صريحين، هناك حالة من الصدام السياسي العنيف بين الحكومة والمعارضة ممثلة في جمعية الوفاق وحليفاتها من الجمعيات، وهذا الصدام لم ينشأ بعد 14 فبراير 2011، بل أبعد وأبعد من ذلك، فالمعارضة تعتبر دورها الوطني امتداداً لحركات النضال منذ عشرينيات القرن الماضي، والحكومة تعتبرها عدواً لدوداً يتآمر مع الخارج وينفذ أجندات خارجية. وبين هذا وذاك، أفرزت الانتخابات الأخيرة المزيد من الاحتقان ليدخل ذلك الصدام مرحلة جديدة نتمنى ألا تكون شديدة على الجانبين، وإلا فإن كل المؤشرات والظروف الإقليمية المحيطة تؤكّد على أن الخروج من الأزمة السياسية يتطلب تفهماً حقيقياً لمنشأ وأسباب ودوافع الأزمة وكيفية وضع الحلول لها، وإن كان لابد… فإن كلمة «حوار» المملة المثيرة للإحباط، يلزم أن توضع في نصابها الصحيح.

ولعلني أتساءل كما يتساءل الكثير من المواطنين الذين أصابتهم الحيرة بسبب استمرار التأزيم: «هل يمكن التحاور مع المعارضة (الموصوفة مسبقاً بأنها مجرمة)؟ وإذا كانت السلطة تريد الخروج من الأزمة وفق منظور لا يقوم على التمييز والطائفية والاستهداف والاتهامات الممجوجة الفارغة لمكون رئيس في البلد بانتمائه إلى إيران وغير إيران، فهل تملك القدرة التامة لتجاوز مفرزات السنوات الماضية؟ وهل لديها القابلية لإخراس الإعلام المؤجج والكتاب (هواتف العملة) وإنتاج إعلام وطني؟ هل أجهزة الدولة التي لايزال تتصدرها الرؤوس المعروفة بالطائفية والتمييز والتمصلح ستبقى مكانها؟ هل يمكن أن تدخل الممارسة الديمقراطية مساراً حقيقياً يقوم على تمثيل الشعب كمصدر للسلطات؟

حسناً، من محور «العدالة والمساواة بين البحرينيين دون تمييز»، تحدث الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان لصحيفة «القبس» الكويتية يوم الأحد (23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014)، ومن بين ما تناوله الحديث الصحافي أن «أبواب المعارضة دائماً مفتوحة لإيجاد حل توافقي مع الحكومة ينقلها من حالة الاستفراد التي تعيشها في الوقت الحالي من خلال تحكم طرف واحد في إدارة شئون البلد وتهميش بقية الشعب»، وأن القوى المعارضة ستبقى منفتحة على أية محاولات حقيقية لإيجاد توافق سياسي مع الحكومة.

وفي اليوم ذاته، والصحيفة ذاتها، تحدثت وزيرة شئون الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة سميرة رجب في حديث قصير أيضاً، عن أن «أبواب الحوار مستمرة مع المعارضة ومازالت مفتوحة، وأن الجهود كانت متواصلة على مدى أربع سنوات، بهدف الوصول إلى تصالحات مع المعارضة. وإذا كان هناك حوار، فليكن توافقياً، وأن نتفق ونتوافق على مطالبنا معاً». (انتهى الاقتباس).

بالطبع، لا أدري إن كانت مفردة «المعارضة» المذكورة أعلاه تعني (المعارضة البحرينية وهي الوفاق والجمعيات الوطنية الخمس)، وإذا كانت كذلك؟ فما العمل مع الاتهامات التي جعلت من المعارضة الوطنية مجرماً عتيداً متآمراً خائناً على لسان صحف وكتاب ووسائل تواصل ومواقع الكترونية؟ ولماذا التحاور مع طرف مجرم أصلاً؟

ووسط كل ذلك، ليس أمام السلطة والمعارضة إلا منهج الحوار على أن يكون حقيقياً ليكون قادراً على إخراج البلد من أزمتها، وليس لتقطيع الوقت والضحك على الذقون، فلسنا في مرحلة تحتاج إلى الأهازيج والأغاني الوطنية وخطاب الفتنة والطائفية… ولا نحتاج إطلاقاً لاستمرار تهريج المتاجرين بالوطن.

سعيد محمد سعيد

«هنا المواطن»… وكفى!

 

هنا المواطن: العاشق للوطن والمضحي من أجله بالغالي والنفيس وأعلاه الروح والدم. هو المحور وهو مصدر السلطات، ولأنه كذلك، من حقه أن يشارك ويمنح صوته لمن يثق في أمانته ونزاهته وقدرته على خدمة الوطن، وله تماماً، الحق في أن يقاطع ويحتفظ بصوته حين لا يجد لذلك الصوت رجعاً أثيرياً يجعله يطمئن على مستقبل وطنه ومستقبله ومستقبل عياله. هنا المواطن: الذي يعرفه القاصي والداني، بأنه لا يفرّط في شبر من وطنه «البحرين». هو «كيان» ونموذج رائع بين كل شعوب الدنيا في ارتباطه بالأرض والتاريخ والنخيل والبحر، ولهذا، يستحق أن يعيش معززاً مكرماً لا تتلاقفه النوائب والمصائب، ولا يرضيه أن يكون ألعوبة في يد كائن من يكون.

هنا المواطن: الذي قبل أن يهدّده هذا ويرهبه ذاك، عليه أن يدرك بأن «البحريني» يحمل في وجدانه عزة نفس وأنَفَة ورقياً وطيبة وكرماً، ومن حقه أن يعيش في كرامة لا تشوبها منة أو انتقاص. وإذا كان الأمر مرتبطاً برفعة البحرين. فهو أول من يتقدم بإخلاص بكل ما لديه من قدرة وإمكانية ويساهم في البناء رافعاً بيرق بلاده.

هنا المواطن: الذي من العيب أن يتناسى البعض أوجاعه وآلامه وأنينه، ويغلق الأبواب أمامه، في وقت حاجته الشديدة وظروفه القاسية، ثم يأتي في لحظة ما، عارضاً عليه شراء تلك الأوجاع والآلام بوعود لا تغني ولا تسمن من جوع.

هنا المواطن: الذي له الحق في أن يكون له موقف مبدئي من أولئك النواب الذين لم يتمكّنوا طوال 12 عاماً من أن يكونوا صوتاً له وللوطن، فما لقي منهم إلا القهر والصدود.

هنا المواطن: الكريم المتعلم المثقف الذي لا يحتاج للطارئين على معاني «الوطنية» أن يصيغوا له الملاحم والدروس في الولاء والعطاء وحب الوطن، فليست الديمقراطية شعارات يرفعها من يشاء وقتما يشاء، ثم يسقطها تحت قدميه وقتما يشاء.

هنا المواطن: الذي لو جهر بما في قرارة نفسه من عذابات وآلام، لوجد أولئك الذين خيّبوا ظنّه تحت قبة البرلمان بأنه معذور في أن يقف منهم الموقف الرافض لمنحهم صوته، أو حتى لغيرهم حين لا يجد منهم من هو قادر على حمل مسئولية الوطن وشعبه بأمانة.

هنا المواطن: الذي يرفض التخوين والإساءة والشتم والتنكيل والإقصاء لأي مكون، بل لأي مواطن مهما كان انتماؤه الديني والسياسي، ومن أيّ طبقة اجتماعية كان. فهذا الإنسان الرائع لا يعرف العنصرية والطبقية والطائفية، بل يعرف جيداً من هم أهل العنصرية والطبقية والطائفية والمتاجرين بالأوطان.

هنا المواطن: الذي لا يمكن لأي طرف أن يشكّك في استعداده الفطري التام لخدمة وطنه وشعبه، لكنه يريد أن يرى طريقاً واضحاً يتيح له الحيز الأكيد للمشاركة الفاعلة التي يجني ثماره هو وأولاده وأحفاده وكل إنسان يعيش معه في هذا البلد الكريم.

هنا المواطن: الذي ما عاد يريد نائباً يحقق المكاسب الشخصية على صوته وظهره وعذاباته فيترك قضايا المواطن التي تشغل باله وحياته اليومية، ويكتفي بالتصريحات الرنانة والانجازات التي لا تعدو كونها بهرجات إعلامية، والذي ما عاد يثق في مسئول لم يحمل على عاتقه (الأمانة الوطنية بصدق).

يقف المواطن البحريني الأصيل الشريف المخلص لوطنه أمام نائب سابق عاد للترشح مكرّراً ذات الاسطوانة المخادعة التي استخدمها يوماً ما، فيسمع من ذلك المواطن اللوم والعتاب والتقريع، فيبتسم مبرّراً بأن التجربة مستمرة وبدعمه وبصوته تنجح! ثم ما يلبث أن يتضايق حين يسمع القرار: «سأصوت لمن هو أكفأ منك»، أو «لن أصوت لأحد إطلاقاً». هو (وطني) هو (أمانتي) هو(صوتي) وأنا مسئول عنه أمام رب العالمين.

وتبقى الخلاصة دائماً: البحرين الغالية تحتاج إلى المخلصين الصادقين… وكفى.