سعيد محمد سعيد

مواطنون… 4 – 6 – 8 سلندر!

 

أجمل ما في أهل البحرين الطيبين الأصيلين أنهم لا يعرفون تكتيكات البعض في التمييز والطائفية والتقسيم الاجتماعي وتوزيع الولاءات وتجارة الانتماء والولاء المزيف.

عند فئة «زار التقسيم والفئوية» أن تكون مواطناً من سعة (8 سلندر)، في النفاق والتدليس والجمبزة ودعوات الوطنية الممجوجة، أفضل عندهم بكثير من 4 و6 سلندر. وفي كل الحالات، هذه السعات والقدرات والطاقات، ليست هي صفة أهل البحرين الذين يهم المخلصون منهم أن يعملوا بإخلاص لأجل الوطن وأهله، دون انتظار العطايا والهبات و»دهان السير».

لهذا، تجد أن بعض الشخصيات من البحرينيين، من الجنسين، منهم كتاب ومثقفون وناشطون سياسيون وحقوقيون وإعلاميون، يتحدثون بصدق في طرح القضايا المهمة التي تلامس الوطن والمواطن، فتصبح تهمتهم بالخيانة كبيرة! وكأن (بو 8 سلندر) يتحسس نفسه أولاً حين يستمع للإنتقاد. وكثيراً ما يضع «بعض» المسئولين كتابات الصحافة التي تحدد مواطن الخلل والتقصير والفساد في خانة «إهانة الحكومة»! وأن هذا النوع من الطرح لا طائل من ورائه إلا الانتقاص وإظهار الأداء السيء، وذلك – حسب ظنهم وقولهم – ليس إلا حالة من حالة العداء المقصود والمتراكم لتحقيق مآرب «أخرى».

سيبقى هذا القول، محصوراً في دائرة رأي مفرد، أو جمعي، لكنه في اتجاه واحد! هو ذاته الاتجاه الذي يجب ألا يقبله أي مسئول حكومي شريف يرى أن الصحافة هي المرآة التي تعكس واقع الحال، وأن الصحافة الوطنية شريك رئيسي مع الحكومة في التنبيه إلى مواقع الخلل، بكل مسئولية وأمانة، على ألا يكون ذلك على حساب المصلحة الوطنية بتقديم المصالح الشخصية تارة، والنوايا الخبيثة تارة أخرى، تحت شعار الولاء الحقيقي، الذي يفضح دائماً الولاء المزيف لطائفة أو لقوى سياسية أو لخطاب ديني «صفوي» مرة، وحاقد مرات ومرات!

والغريب أن الحديث عن شعارات براقة رنانة من قبيل «المواطن أولاً»، و«مصلحة الوطن العليا فوق كل شيء»، و»كلنا أسرة واحدة متحابة»، مضافٌ إليها تعابير أخرى من قبيل صيانة النسيج والوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، كل ذلك ميدانياً، لا يرقى إلى ترجمة حقيقية نعايشها على أرض الواقع لتمتين العلاقات بين أبناء البلد وتجاوز كل المحن والأزمات. بل حتى المبادرات المحدودة منها، والتي تحمل نوايا طيبة، سرعان ما تفشل وتتوارى.

ومهما يكن من أمر، فقد تسبب الخطاب المؤجّج لبعض النواب وبعض الخطباء وبعض الناشطين السياسيين في إثارة حالة من الصراع اليومي بدأ يزداد مع ظهور نموذج جديد من «الوطنية» القائمة على لفت نظر الحكومة إلى شخص أو إلى جماعة أو إلى عينة من المسئولين أو الشخصيات على أنهم الرمز الحقيقي والمثال الأكيد المدافع عن مصلحة الوطن، أما ما دونهم من المواطنين فليسوا سوى «قوة» خطرة تعمل في السر والعلن لتقويض المجتمع والعبث بمقدرات الدولة والشعب.

من الضرورة بمكان أن يسعى كل مسئول وكل جهاز حكومي وفق مسئوليته أن يفهم ويطبق ويدافع عن حقوق كل مواطن مهما كان دينه أو طائفته أو انتماؤه السياسي أو الفكري، وفق الدستور الذي اعتبر المواطنين سواسية! وبالطبع، نعلم أن هناك فئة من المسئولين، يعتبرون وزاراتهم أو إداراتهم ملكاً لهم ولأبنائهم ومن يحيط بهم. فيمارسون ما يشاءون ولا يخشون في «التجاوز» لومة لائم، إلا أن ذلك الأمر لا ينتهي إلا بتقديمهم للمساءلة القانونية الحقيقية حين يخطئون ويتجاوزون. يا جماعة، لماذا لا نرى محاسبة لأي مسئول ممن تجاوزوا وأخطأوا وعبثوا بالمال العام؟

سعيد محمد سعيد

أبطال الفضائيات… عباقرة العصر

 

هل يمكن لكل واحد منا أن يستذكر شيئاً من كلام سمعه وهو يشاهد أحد عباقرة العصر من أبطال الفضائيات متحدثاً ومحللاً ومكتشفاً ومهدّداً ومحذّراً من الأوضاع في الأمة؟ ولماذا يستبدل أولئك العباقرة كلامهم وفق الأحداث الجارية، فإن كانت حكوماتهم أو فضائياتهم التي تستضيفهم دائماً ضد وضع ما، فهم ضده، وإن كانوا معه فهم أيضاً معه.

لقد أصبحت بعض الأسماء لإعلاميين وكتاب وصحافيين ومشايخ وسياسيين وناشطين وكل من هب ودب أحياناً جزءًا من المشهد السيء في العالم العربي والإسلامي بسبب احترافهم دور «الحرباء» في تضليل الشعوب وتخدير العقول وتزييف الوقائع والأحداث. ومع شديد الأسف، ورغم اكتشاف العديد منهم كـ «هواتف عملة» في الوطن العربي والإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، إلا أن شريحة كبيرة من الجماهير تصدقهم وتنقل تصريحاتهم وتغريداتهم ومقالاتهم ومقاطع مقابلاتهم وأكاذيبهم! بل زد على ذلك، أن هناك من أصبح مهتماً بتصيد تناقضاتهم – ومن ألسنتهم – ليبثها على قناة اليوتيوب وينشر روابطها، ثم من شديد الأسف أيضاً، أن يضحك المشاهد/ الضحية على هؤلاء وعلى نفسه لأنه صدقهم.

هل تعلمون بأن بعض أولئك العباقرة لا يظهرون على شاشة هذه الفضائية أو تلك إلا بعد أن يتسلموا «المقسوم»؟ وكلما كان ذلك المقسوم ثقيلاً يملأ الكروش، كلما كانت ألسنتهم طلقة في قول ما يريده من يدفع حتى أن بعض المقاطع المسربة من بعض الفضائيات المضللة ظهر فيه أحدهم (وقت الفاصل) وهو يقول: «لا. أعجبك. أبيّض وجه القناة»! سوّد الله وجهاً هكذا.

مع شديد الأسف، جسد الحجم الأكبر من جسم الإعلام – سaواء العربي أم الإسلامي أم الخليجي المدفوع طبعاً – سياسة «فرّق تسد» بمنهج وقح للغاية، فتم الاعتماد على فضائيات وصحف وإعلاميين ومثقفين ومشايخ ووسائل إعلام جديد هائلة وبنسبٍ كبيرةٍ مذهلة لإسقاط منهج الاعتدال من جهة، وليتسيد منهج التطرف من جهة أخرى في مجتمعاتنا.

وبالطبع، لن يتغير منهج تلك الأبواق وفقاً لمن يدفع أكثر، أما المسئولية الدينية والوطنية والإنسانية فلا مكان لها في جيوبهم، ولهذا، لا سبيل إلا بتنمية الوعي – على مستوى الفرد والجماعة – لمواجهة مد الإعلام المضلل والمؤجج المدمر للمجتمعات، خصوصاً على صعيد الخطاب الطائفي الذي امتهنه المئات من أبطال الفضائيات، بل وأصبحوا يتنافسون في من يقدّم الأسلوب الأرذل لإشعال نيران الصدام والفتنة والتناحر المذهبي والعرقي والسياسي.

ويعتبر دور العديد من وسائل الإعلام العربي والإسلامي على صعيد تنمية «الانحراف الاجتماعي» كبيراً وخطيراً، وهذا ما ذهب إليه الباحث العراقي ياس خضير البياني الأستاذ بكلية المعلومات والإعلام والعلاقات العامة بجامعة عجمان في دراسة قيمة بعنوان: «الغزو الإعلامي والانحراف الاجتماعي في دراسة تحليلية لبرامج الفضائيات العربية». ففي مبحث المشكلات الاجتماعية التي تنشأ بسبب برامج سيئة تبثها الفضائيات حذر من أن العديد من برامج الفضائيات العربية تسبب الاضطراب الاجتماعي، وعدم الاستقرار في العلاقات العامة الاجتماعية، وتنمية الفردية والروح الاستهلاكية، والهروب من التصدي لواقع الحياة، والاستسلام له، وتوطين العجز في النفوس، وإضعاف الروابط الأسرية وقيمها، وتعميق المشاعر الأنانية أكثر من الالتزام الجماعي، والانبهار بالموديل الأجنبي، على حساب الهوية الثقافية العربية، وكذلك تراجع الانتماء العربي، وازدياد اليأس والإحباط». (انتهى الاقتباس).

المشكلة الكبرى تكمن في أن المساحة الواسعة للإعلام الفضائي والإلكتروني – بسلبياته وإيجابياته – يقابلها غيابٌ في صياغة سياسات إعلامية وطنية، في كل بلد على حدة، تتصدّى للتوجهات المذهبية والسياسية والفكرية المؤدية إلى تحطيم ثقافة المجتمع وقيمه من جهة، وتجتمع في مسار تقديم إعلام يتميز بالتنوير من جهة أخرى، وتبدو الصعوبة في «المال» الذي يُستثمر في المدى السلبي لنشر ثقافة الصدام والطائفية لأسباب تجارية حيناً، وتفتيتية مقصودة أحياناً أخرى.

إن جانباً مهماً يتوجب على الحكومات العربية والإسلامية الانتباه له جيداً، ألا وهو أن المتغيرات والتحولات الخطيرة من حولنا، توجب صيانة السلم الاجتماعي والجبهة الداخلية للأوطان التي تتعرّض للتهديد بسبب غزو إعلامي مذهل جعل الكثير من المجتمعات تعيش عداءً مع مكوّناتها. وبصراحة فإن المسئولين عن الأجهزة الإعلامية يدركون كل ذلك، إلا أنهم – ومع أن ذلك في مقدروهم – لا يريدون صياغة خطاب إعلامي جامع كفيل بمواجهة كل تلك المخاطر… لكن إلى متى؟

فأبطال الفضائيات العباقرة لا يمكن الاعتماد عليهم لكونهم نماذج معادية لمجتمعاتها وفق مصالحها الشخصية، ولا سبيل إلى صد تلك المخاطر إلا من خلال إدراك أن كل مجتمعاتنا في «أزمة شديدة»، والسبب هو موجة الإعلام المنحط الذي يحظى بكل ذلك الدعم والمساندة والتمويل.

سعيد محمد سعيد

شباب محبطون!

 

في رسالة تحمل مضامين مهمة، وردتني من أحد الآباء المهتمين بالشباب والناشئة، أجد التحذير الذي أورده في الرسالة مهماً للغاية ولابد من أن نتأمله وهو: «في المجتمع البحريني، لا يمكن الاكتفاء بالحديث عن تاء الشباب أو بائها، نحتاج إلى خطط حقيقية وفرق عمل ودراسات علمية ذات جدوى، والأهم من ذلك، أن تكون أبواب المسئولين في كل الجهات الحكومية مفتوحة للشباب، فلديهم الكثير الكثير ليطرحوه أمام المسئولين. لكن للأسف، الكثير من تلك الأبواب مغلقة أمامهم، ومفتوحة على مصراعيها في التصريحات الصحافية وفي لقاءات التلفزيون».

هي حقيقة مؤلمة… لكنها الحقيقة، فالشباب في بلادنا يعيشون وضعاً سيئاً للغاية يقودهم إلى الإحباط! هكذا جاءت الكثير من الردود تعقيباً على المقال السابق «الشباب… قنابل الأمة»، ووجدت أن الطامة الكبرى هي أن فئة الشباب في البحرين يحتاجون مساحة حقيقية يصيغون فيها واقعهم ويرسمون مسار المستقبل، ولابد للجهات المعنية أن تنهض بمسئوليتها في هذا المجال.

لابد من الاقتراب من أوضاع الشباب بصورة واقعية مجردة من سياقات الأحلام الوردية ذات الصبغة الإعلامية البحتة، ولا يبالغ المعنيون بالشباب حين يقولون أن حالة من «الضياع» التي تعيشها نسبة كبيرة من الشباب لربما سترفع مستقبلاً من معدل إصابتهم بالإكتئاب والأمراض النفسية على اختلافها. والأخطر من ذلك، أنها ستخلق فئةً متصادمةً مع المجتمع، ورافضةً للقيم والتقاليد وهاربةً من الحياة.

فئةٌ كبيرةٌ من الشباب في البلد، لم تعد راغبةً في الدراسة ولا في التفكير في المستقبل! وليست صورة عدد كبير منهم وهم يسهرون حتى ساعات متأخرة من الليل في المقاهي رغم أن يوماً دراسياً ينتظرهم في الغد، هي الصورة التي تعطي حقيقة أوضاع الشباب، بل توزعهم في المجمعات التجارية وفي الإسطبلات وفي الأسواق حتى أثناء الدوام المدرسي، يجعل الخوف على مستقبلهم أمراً حتمياً.

وجدت نسبة كبيرة من الشباب، وقد تأثروا كثيراً بالمغيبات.. فما من مصاعب تواجه بعضهم في الدراسة، وخصوصاً في المرحلتين الثانوية أو الجامعية، حتى تجد البعض يعيد سبب المشكلة إلى الحسد أو إلى إصابته بمسّ من الجن، أو يعتقد بأن هناك من عمل له (عملاً) وخبّأه في مكان ما، وذلك العمل، وربما فيه سحر، أثّر على حياته كثيراً! والمشكلة الأصعب، هي أن البعض منهم تجده وقد استسلم تماماً للفكرة التي أصبحت تسيطر على حياته لتقلبها رأساً على عقب.

أود أن أقول للجهات المعنية في البلاد، وأولها وزارتي التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية، والمؤسسة العامة للشباب والرياضة، أن فئة الشباب المثقف الذي ينضم إلى الجمعيات واللجان الشبابية، ليست هي النموذج الحقيقي للغالبية العظمى من شباب البلد! هناك الآلاف من الناشئة والشباب الذين يتوجب إنقاذهم عبر تنفيذ مشاريع وبرامج موجهة للأسرة البحرينية عموماً وفئة الشباب والناشئة خصوصاً. ويتوجب على الدولة تنشيط الأندية والمراكز الشبابية والمرافق التي يمكن أن تستقطب عدداً كبيراً من الشباب المتسكّعين في كل مكان وفي كل زاوية اليوم في البلد.. الآلاف من شباب القرى الذي تتلاقفهم المخاطر هنا وهناك، لم يعد لدى غالبيتهم شعور بأن الدراسة ستنفعهم يوماً، والفكرة الأخطر التي بدأت تترسخ في أدمغتهم هي أن طريق البطالة مفتوحٌ أمامهم بلا نهاية!

وحسناً فعلت بعض المراكز الشبابية والجمعيات واللجان، حين شرعت بتنظيم دورات تدريبية ومحاضرات للشباب في مجال اكتساب المهارات وتكوين الشخصية، وفي التخطيط للمستقبل؛ وتنظيم دورات أخرى في مجال تجاوز الأزمات النفسية وتغيير الأنماط الخاطئة، وخصوصاً في شأن تحسين النظرة إلى الحياة. لكن الكثيرين من هذه الفئة يحلمون بحياة كريمة… درسوا وتعبوا ويأملون في وظيفة محترمة براتبٍ مجزٍ تسند حلمهم في الزواج وتكوين أسرة، بعيداً عن شبح القروض والديون التي يرون أهلهم اليوم وهم يتعرضون لقصف ثقلها المرهق.

الشباب مسئولية. الشباب هم الأمل. الشباب هم أفق الوطن ومستقبله. هذا صحيح، لكن لا يجب أن يكون صحيحاً فقط في سياقه الإعلامي البهرجي، ولا نراه على أرض الواقع.

سعيد محمد سعيد

الشباب… «قنابل» الأمة!

 

يبدو أن الكثير من المراكز البحثية والباحثين العرب والمسلمين الذين بذلوا جهوداً كبيرةً على مدى سنوات في إجراء الدراسات والأبحاث المتعلقة بواقع الشباب في العالم العربي والإسلامي، مصابون بخيبة أمل كبيرة ومقلقة جداً، والسبب في ذلك هو عدم اكتراث الكثير من الحكومات بنتائج الدراسات رغم أهميتها.

ليس ترفاً القول أن الشباب هم عماد الأوطان وثروة الأمم، ثم تتساقط تلك المقولة الإنشائية، وإن كانت حقيقة في أصلها، بسبب إهمال شئون الشباب في الوطن العربي، حتى وجدنا أن غالبيتهم اليوم في طليعة مسارين بارزين ومسار واحد لا يكاد يُذكر: إما مسار الإحباط وفقدان الأمل في تحقيق الطموحات والأحلام، والثاني هو الالتحاق بالإيديولوجيات الطائفية والتطرف والعصبية القبلية، وأشدها الانضمام إلى المجموعات الإرهابية المسلحة، فيما المسار الذي لا يكاد يُذكر، هو إصرار فئة من الشباب على أن يثبتوا وجودهم على الأصعدة العلمية والأكاديمية، ومجالات الإبداع والإنتاج والتميز.

ربما من البديهي القول، أن المسار الثالث (الضعيف) هو ما يجب أن يكون الأقوى والأولى والأوحد، لكن كيف يكون ذلك وحكومات الكثير من الدول تجد في الشباب فئة يمكن «التشدق بها وبأهميتها وبأدوارها المهمة في وسائل الإعلام» من جهة، ولا تجد الرعاية والاهتمام والدعم الحقيقي من جهة أخرى؟

في كل المجتمعات العربية والإسلامية التي شهدت ثورات وحركات مطلبية منادية بالتغيير والحقوق والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، كان الشباب ولا يزالون في الطليعة، إلا أنهم أيضاً في طليعة المتهمين بالتآمر والتخريب والتدمير والوقوع في طريق الضلال. ومع شديد الأسف، سار الإعلام العربي والإسلامي في اتجاه إظهار شباب الأمة على أنهم «قنابل مدمرة»، بسبب أفعالهم الخطيرة المدمّرة لأوطانهم.

وفي المقابل، أليس من المنطقي التساؤل: «لماذا يغيب الاهتمام بدراسة قضايا الشباب وتحديد الأسباب التي تؤدي إلى ميولهم للالتحاق بالجماعات الإرهابية واعتناق أفكار العنف والتطرف؟ ولماذا في الأصل، يتم إهمال وتجاهل التحذيرات والتوصيات المهمة للدراسات المنجزة فعلاً، والتي قرعت ولا تزال تقرع جرس الإنذار عن خسارة فئة كبيرة من الشباب تتعرض للإهمال والتهميش والحرمان من الحقوق؟

ببلاهة، تتكرّر في وسائل الإعلام العربية والإسلامية وعلى ألسنة المدعين بأنهم ناشطون أو مهتمون بشئون الشباب أو متخصصون في قضايا المجتمع والأسرة، تتكرّر عبارة واحدة فضفاضة: «على أولياء الأمور الاهتمام بتنشئة وتربية أبنائهم التربية الصحيحة؟»، وماذا عن دور الحكومات التي تحرم الشباب من أبسط حقوقهم؟ ومن قال إن تمرد الشباب على واقع سيء هو نتاج تنشئة وتربية سيئة؟

ففي العالم العربي الذي يبلغ تعداد سكانه 400 مليون نسمة تقريباً، يمثل الشباب حوالي 50 مليون نسمة، ونسبة كبيرة جداً من الشباب، يواجهون تحديات جسيمة للغاية تتضاعف مع واقع الأمة العصيب وإشكالياته البالغة التعقيد والصعوبة. وإذا استمر إهمال الشباب، وتغافلت الحكومات عن صياغة استراتيجيات وطنية حقيقية لتنمية قطاع الشباب، فإن السنوات المقبلة، ستوجد شريحة شبابية كبيرة لن يمكن السيطرة على تمردها.

يختصر الباحث والأكاديمي صالح نجيدات في الكثير من كتاباته في شئون الشباب حجم الخطر بقوله: «يحدث اليوم غسيل للكثير من عقول الشباب العربي من قبل بعض المتطرفين والمتهورين والمشتبهين، بحيث صدق هؤلاء الشباب الكثير من الأوهام والتصورات، وتبنى الكثير من الأفكار والمعتقدات، وأصبح يتصرف كما لو أنه المسئول عن كل ما يحدث في كل العالم، مستنداً على بعض القناعات والإستدلالات والتفسيرات غير الواضحة والخاطئة أو التي لم يتم الإجماع عليها، وهم في أغلبيتهم الساحقة، واقعون بين مطرقة التطرف والتشدد وسندان الإنحلال والميوعة وضعف الانتماء الوطني. لكن هنالك نسبة من شباب الأمة يُمثل خط الاعتدال والتسامح والانفتاح والوعي وتحمل المسئولية والقدرة على الإنتاجية والمشاركة في التنمية الوطنية». (انتهى الاقتباس).

نأتي لسؤال نوجهه إلى المسئولين عن قطاع الشباب في دول مجلس التعاون الخليجي: «هل من الممكن أن نطلع على ما قدمتم من دراسات وأبحاث وخطط عمل حقيقية وبرامج وطنية تجمع الشباب (في حضن الوطن) بعيداً عن التمييز المذهبي والتهميش والمحسوبية؟ وما هي أبرز جهودكم لاحتضان الشباب، بكل طوائفهم وانتماءاتهم وطبقاتهم، كي لا تستهويهم مشاهد السكاكين ونحر الرقاب، ونخسر، على سبيل المثال، طبيباً شاباً له مستقبل واعد ترك وطنه وأهله وفجّر نفسه في الأبرياء منتحراً؟»… ملف الشباب خطير للغاية يا سادة فانتبهوا.

سعيد محمد سعيد

التحريض الطائفي الإلكتروني

 

لو تساءلنا: «كم موقع إلكتروني وحساب تواصل اجتماعي يثير الصدام الطائفي والاتهامات والتشهير أغلقته وزارة الإعلام خلال السنوات العشر الماضية»؟

ليت بالإمكان الحصول على جواب يحدّد العدد ويكشف أسماء تلك المواقع والحسابات، ومن يديرها، وكيف تم التعامل معها قانونياً… هل يمكن ذلك؟

دون شك، هناك تهاون واضح، ليس على مستوى البحرين فقط، بل على مستوى الخليج والعالم العربي والإسلامي في السماح لانتشار وتوغل كل أدوات التحريض الطائفي الإلكتروني في المجتمع العربي والإسلامي. وهذا التهاون في الأساس مثيرٌ للشك والتساؤل: «من المستفيد؟ ولماذا يتم استهداف طائفة دون أخرى؟ ولماذا يتم السماح ببوق طائفي على منبر أو مساحة إعلام إلكتروني ليبث سمومه ويتم التصدي للآخر وتطبيق القوانين عليه؟

ثم الأهم، هل يدرك القائمون على الإعلام العربي والإسلامي خطورة هذه الظاهرة التي لا يمكن أن تنمو وتترعرع إلا في رحاب مجتمعات ودول وقوانين تسمح لها بذلك؟

في تطبيق القانون بعدالة، لا خلاف بين اثنين، إذا ما تم التطبيق على المحرض الطائفي الكريه المريض من أي دين وطائفة كان، فمخاطر أفعاله لا تصيب فئة أو طائفة إنما تؤثر على السلم الاجتماعي برمته. ومع الانتشار الكبير المذهل لوسائل التواصل الاجتماعي، في البحرين على سبيل المثال، يمكن أن نقف على ظاهرة خطيرة مسكوت عنها، أو يتم التعامل معها بمزاجية طائفية، فهناك كم هائل من أساليب التحريض التي تعج بها بعض المنتديات وحسابات التواصل الاجتماعي. فبعض تلك الحسابات تتبنى منهجاً تحريضياً مدمراً أيضاً ولابد من إيقافها سواء كان القائمون عليها منتمين إلى هذه الطائفة أو تلك. ومع أن تلك المنتديات والحسابات لا تمثل في حقيقتها صورة المجتمع البحريني، إلا أنها على أي حال، جزء من المجتمع ويشارك فيها آلاف الناس وتطرح فيها الكثير من المواضيع وتنشر فيها معلومات وبيانات ومشاركات تهدف إلى إشعال الفتنة والتصادم وتأجيج أبناء المجتمع.

لقد أصبح الكثير من الناس، ومنهم متعلمون يحملون شهادات عليا وخبرات عملية في مجالات متقدمة، يحملون قابلية لتصديق كل (برودكاست) على «الواتس أب»، ويبصمون بعشر أصابعهم على روابط فيديوهات «اليوتيوب» والمواقع والحسابات المتنوعة، فإذا كان هذا حال المتعلمين، أليس الشعور بالقلق أكبر تجاه الشباب والناشئة والفئات محدودة التعليم والإدراك؟

يعلم أولئك أن الكثير من مقاطع الفيديو ومقتطفات الكتب والمحاضرات والمقالات ومختلف منتجات الإعلام قابلة اليوم للتحريف والفبركة، ولكن لأن هناك نزعةً ترسّخت لديهم بضرورة استخدام الإعلام الجديد فيما يغطي جوانب النقص في شخصياتهم، لاسيما ذوي الأصل والقابلية الطائفية، فإنهم يشعرون باستمتاع كبير لنشر الأكاذيب والافتراءات والاتهامات، بل والأخطر من ذلك، يشعرون وهم ينشرون تلك القاذورات أنهم ينصرون الدين.

ثمة أمر مريب يثير تساؤلاً حول مدى إدراك أولئك للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، مضافاً إليها القيم الذاتية في صد أو ردع النزعة المريضة لبث محرضات الفتنة وتدمير المجتمع. كيف يكون ذلك من أجل وباسم الدين والقيم والأخلاق والعروبة؟

على أي حال، لا يمكن اعتبار أسلوب التحريض والشتم والحملات الطائفية البغيضة في تلك المواقع المريضة على أنها صورة من صور التعبير عن الرأي، فما هي إلا حالة من حالات هوس البطولات الوهمية الخطيرة التي تسهم في تأجيج الأوضاع في البلد. وإذا كان كبار المسئولين يزعمون فتح المجال للناس لأن يطرحوا وجهات نظرهم وآراءهم بكل حرية، فإن تلك المستنقعات الإلكترونية القذرة، تفعل فعلاً مشيناً، وليتنا نتابع حملة حقيقية تقوم بها وزارة الإعلام لإغلاق الحسابات والمواقع الطائفية وتقديم القائمين عليها للمساءلة القانونية.

ولا أظن أن من الصعب على المسئولين المعنيين اكتشاف الحجم المريع من المقالات والكتابات والمساهمات الطائفية التي هدفها إحداث تصادم طائفي بين أبناء البلد، والسعي لصب الزيت على النار… ثم يصرخ من يصرخ: «المجتمع البحريني أصابه شرخ طائفي»!.. سلامتكم.

سعيد محمد سعيد

لجان التظلم المظلومة؟

 

هل لجان التظلم في الجهات الحكومية والقطاع الخاص «مظلومة»؟ لاشك في أن السؤال يحمل شيئاً من الغرابة، لكنه مستوحى من كلام موظف بحريني سرد فيها قصته مع لجنة التظلم التي استقبلت شكواه، ثم شكت منها، ثم اشتكت من أنها تنظر فيها، ثم جأرت بشكواها من أنها مظلومة لأنها لا تستطيع مساعدته!

بالطبع، لا يمكن أن نظلم لجان التظلم كلها في الجهات الحكومية والشركات، فبعضها يعمل بكل صدق وأمانة ونزاهة لمنع انتهاك حقوق موظف أو موظفة، وهي قليلة، فيما هناك لجان تجد نفسها «معوقة» خصوصاً إذا كان من انتهك حقوق الموظف «هامور» لا يضع للقوانين والأنظمة أي اعتبار.

وحتى نكون أكثر دقة ومعرفة بآلية لجان التظلم في الحكومة وفق المادة (45) من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية الصادر بالمرسوم بقانون رقم (48) لسنة 2010، فإنها نصّت على أن تنشأ في كل جهة حكومية بقرار من السلطة المختصة لجنة دائمة للتظلمات تتكون من رئيس لا يقل مستوى وظيفته عن مدير وأربعة أعضاء على الأقل تختص بالنظر في التظلمات المقدمة من الموظفين غير شاغلي الوظائف العليا ومن في حكمهم من القرارات الإدارية التي تمس حقاً من حقوقهم الوظيفية وفقاً لعدد من الضوابط، حيث يشترط أن يكون رئيس وأعضاء اللجنة من الموظفين المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والسيرة الحسنة.

هناك تفاصيل كثيرة مهمة في المادة حول قرارات الأغلبية وحماية الموظفين الخاضعين لرئاسة أحد أعضاء اللجنة ومدة تظلم الموظف من قرار خلال خمسة عشر يوماً، وإخطار الموظف بقرار السلطة المختصة، و»في جميع الأحوال يكون للموظف المتظلم الحق في اللجوء إلى ديوان الخدمة المدنية أو إلى القضاء للطعن في القرارات النهائية التي تمس حقاً من حقوقه الوظيفية»، لكن هل تعلمون ما هي المشكلة التي تجعل موظفاً/ موظفةً تعرض للظلم من أن يمر في كل تلك الدوامة ويضرب (رأسه في الطوفه)؟ المشكلة هي الخوف من عواقب هذا الإجراء الذي ربما جعلهما في ترقب انتقام المسئول؟

قد يكون هذا الشعور خاطئاً، وقد يكون صحيحاً، إلا أنه في كل الحالات، لا يمكن قبول وصف لجان التظلم «المظلومة» التي لا حول لها ولا قوة في حماية الموظفين، وربما يعود السبب في كل ذلك إلى نقص توعية الموظفين بحقوقهم وضمان حمايتهم، ولا ننكر أن من أكثر الأحاديث التي تسبب الكآبة للإنسان تلك المرتبطة بالشكوى من الظلم أياً كان شكله وموضعه وقصته! وما أكثرها عدداً وأشدها ضراوة بين الموظفين البحرينيين، في القطاعين الحكومي والخاص على حد سواء، وهو الأمر الذي يترتب عليه من دون شك، سوء الإنتاجية.

كثيرة هي الشكاوى التي ترد إلى الصحافة من موظفين وموظفات وعمال تعرضوا لأسوأ أشكال التنكيل بسبب سوء تفاهم مع مسئوليهم أو لسبب خلاف بسيط – وطبيعي – وقع في وقت ما. ولا ندري ما الغاية من لجان التظلم التي تشكلت في معظم الوزارات والتي تتلقى خطابات واعتراضات الناس ثم تركنها في الأدراج أو تتعامل معها بأسلوب يزيد شقة الخلاف بدلاً من تصحيح الوضع، مع التقدير للجان المخلصة التي تعمل وفق الأنظمة لحماية الموظفين.

من الضروري الاهتمام بتثقيف الموظفين والموظفات وكذلك العمال في مجال قوانين العمل وأنظمته ولوائحه، وهذه نقطة مفصلية، إذ يتعرض البعض منهم لسلب الحقوق ولا يستطيع تحريك ساكن خوفاً من سطوة المسئول المباشر وانتقامه! ويحدث كثيراً أن يتقدم موظف ما بشكوى أو رسالة للمطالبة بحقه فيقع في شر أعماله ويواجه سوء العاقبة فتظلم الدنيا في وجهه ليتوجه إلى عمله مهموماً ويعود إلى زوجته وأطفاله مهموماً، وقلبه مليء بالخوف من المستقبل!

إن المشكلة تزداد صعوبةً حين تتعامل مع مسئول يعتقد أن إدارته أو قسمه أو المنشأة المسئول عنها هي ملكٌ شخصيٌ له يتحكم فيها كيفما يشاء، ويصدر القرارات بحسب هواه ويقر ما يشاء من أنظمة حتى وإن خالفت قوانين العمل!

مثل هؤلاء المسئولين ليسوا أهلاً لحمل الأمانة، لكننا في حاجة لتعامل صارم من جانب الجهات المختصة مع أي مسئول لا يحترم حقوق الموظفين، ويتلذذ بإظهار ساديته المريضة عليهم… فلا ينبغي تحطيم كفاءات وطنية بسبب شخص مهووس بالتنكيل بالناس.

سعيد محمد سعيد

إعادة تدوير «الفئات الضالة»!

 

ليس من الصعب على الإطلاق رصد التكرار المكثف لمصطلح «الفئة الضالة» في وسائل إعلام المجتمعات العربية والإسلامية، ومن السهولة بمكان عدّ المرات التي يتكرر فيها هذا المصطلح في خطب بعض الخطباء والمشايخ والدعاة، لكن لن تجد على الإطلاق تحديد نهج واقعي صحيح لكيفية معالجة هذه المعضلة… كيف؟

لقد اعتدنا على سماع وصف «الفئة الضالة» على الإرهابيين والمتطرفين والمجموعات المذهبية والطائفية التي تمارس على أرض الواقع أفعالاً تهدد استقرار المجتمعات، وإلى حد ما، ينطبق هذا الوصف على تلك الفئة، وعرضياً، قد يأتي استخدام ذلك الوصف على سياسيين ومعارضين أو قادة حركة مطلبية في أي مجتمع من المجتمعات بصورة (استهداف لا أكثر ولا أقل)، لا سيما إذا كان أولئك يعملون في وضح النهار وممارساتهم ظاهرة للعيان! وهنا يصبح الوصف رهن القبول من جانب فئة والرفض من جانب فئة أخرى، إلا أن المعضلة الرئيسية، خصوصاً في دول الخليج العربي، أنها تفتقد الرؤية والمنهج للتصدي لكل فئة متشددة تتلبس بلباس الدين في هيئة، وتمارس الفظائع والجرائم في هيئة أخرى.

وطرحت في هذا الشأن سابقاً، أنه لكي تواجه دول الخليج خطر «الفئات الضالة»، فعليها أولاً إثبات الاتهام بالأدلة القطعية، ومن ثم، لابد أن تكون صادقة وصريحة في تعاملها مع كل من يمول ويدعم ويساند تلك الجماعات، وفي مقدورها أن تفعل ذلك… لو أرادت.

الكثير من الباحثين والمهتمين بدراسة ظاهرة التطرف في الخليج والعالم العربي والإسلامي، يجمعون على نقطة مهمة في الحقيقة، وهي أن هناك متغيّراً مهماً لابد أن يضعه أصحاب الشأن في منطقة الخليج العربي، وهو الدعم والتمويل والمساندة الكبيرة التي تحصل عليها مؤسسات دينية واجتماعية ظاهرها خدمة الدين، وباطنها دعم الجماعات المتطرفة. فالمتغيّر الذي طرأ على مجتمعات الخليج هو التغير في دور المؤسسات المجتمعية وخصوصاً الدينية، فقد امتد دورها ليغطي مجالات حياتية متعددة رسمت مناهج تفكير وخلقت أنماطاً فكرية معينة تستند على التشدد والكراهية والطائفية، وجعل ذلك من أتباع ذوي التفكير السلبي ينفذون بكل سهولة ما يملى عليهم من دون تفكير وتبين، حتى أن تلك المؤسسات عملت على كسب شرائح من الأتباع المؤيدين لأفكار التكفير والتشدّد والعنف والحدة التي تصل إلى القتل ضد كل من يخالفها الرأي أو المذهب أو التيار. وهم يشعرون بالأمان لأن في فترةٍ ما، كانت «بعض الحكومات» تسهل أمورهم و»تسمّنهم» كركن أساسي لحكم المجتمع بالنفس الطائفي المدمر.

لذلك، فإن الميدان الأول لمكافحة التطرف والإرهاب هو ميدان الفكر، ولكون التربية ومؤسساتها المختلفة معنية بصناعة الفكر، وغرس القيم والاتجاهات، فإن ذلك يحتم الاهتمام بتطوير المؤسسات التربوية، لتتحول إلى مصانع للفكر المعتدل والناضج الذي يقود الوطن إلى شرفة التميز والإبداع، ويحتم التأكيد على أهمية قيم التماسك والتوحد في مواجهة تيارات العنف والتطرف.

وللأسف، لقد أخفقت الكثير من الحكومات في اعتماد هذا الأساس، فهي تواجه وتسجن وتطارد من جهة، لكنها لينة تماماً في التعامل الجدي لتغيير المناهج التعليمية السيئة، وإيقاف الخطاب الديني التكفيري المتشدد، وكبح جماح الإعلام الداعم للتطرف.

إن التصدي لمظاهر الضلال والإرهاب والتكفير والتشدد والتطرف، يتطلب دوراً أكبر للباحثين المعتدلين من الجنسين، بالإضافة إلى دور علماء الدين ذوي الاتجاهات الدينية المعتدلة بعيداً عن المتطرفين الذين هم حتى اليوم، يغذون فئة الشباب بالأفكار والمعتقدات الخاطئة التي تستهدف أمن بلادهم وأهلهم، وخصوصاً أن هناك إجماعاً على رفض هذه الممارسات من قبل ذوي الفكر المعتدل في المجتمع، غير أن ذلك لا يكفي، طالما تهاونت الحكومات في تطبيق القوانين على الأفراد والجماعات والأطراف المتورطة تورطاً حقيقياً، وفق ما تلزمه إجراءات التقاضي التي تضمن المحاكمة العادلة وعدم الاكتفاء بالإفتراء وفبركة التهم.

من الواضح جدًا أن هناك إعادة تدوير وإنتاج «الفئات الضالة»، ولربما تطلب الأمر إلحاق «فئات غير ضالة» في دائرة الاستهداف، ولكن لا يمكن أبداً قبول المعايير المزدوجة التي تتبعها بعض الحكومات التي تزعم أنها تكافح الفئات الضالة والمتطرفة والتكفيرية، وهي تغض الطرف عن أفعال كثيرة تراها أمامها وتعلم أنها مدمرة!

إن الكارثة تبدو واضحةً في الإدعاء الفضفاض ب التصدي للإرهابيين الذين يحصلون على الدعم والتمويل والتغطية والحماية من بعض الأنظمة، إقليمياً وعالمياً، وهذا، على سبيل المثال، سبب فشل تحالف دولي قرر توجيه ضربات جوية لـ «داعش» وأخواتها من الجو، وقرّر من جهة أخرى (وإن في الخفاء)، تمويلها ودعمها من الجو والبر والبحر.

سعيد محمد سعيد

العبيدلي والنجاس… أسعد الله قلب أمكما البحرين

 

في الشدائد فقط، يظهر المعدن الأصيل لشعب البحرين الكريم، الوفي النبيل وحسب.

في الملمات، يتباهى أولئك الشرفاء من أبناء البحرين بأنهم قلب واحد لا تفرقهم سياسة ولا أديان ولا مذاهب ولا مواقف أيدولوجية أو سياسية اتفقوا أو اختلفوا معها…

ربما تقلصت تلك الصور كثيراً على امتداد سنوات الأزمة الماضية، لكنها لاتزال ماثلةً وقائمةً في البيت البحريني الجميل بكل موروثه الديني والاجتماعي والتراثي والتاريخي. وهي وإن كانت قليلة الظهور، لكن الكرماء لم يتنازلوا عنها قيد أنملة، ولربما فضّل آخرون أن تبقى في خفائها أفضل وأسلم من نهش وحوش الطائفية.

في ضراوة المشاهد التفتيتية في المجتمع اليوم، لا شيء يسعد قلب البحرين الأم سوى تلاحم أبنائها وهي ترى قبضتهم تلوي عنق أهل الاتهامات والافتراءات والتأجيج الطائفي. بالطبع، مازال الكثير من أبناء الطائفتين الكريمتين يدركون أن بيتهم واحد، مهما نشر أقطاب الطائفية بكتيريا سمومهم، أياً كان مذهبهم، وأن مصيرهم واحد، وأن لهم الحق في العيش بين جدران هذا البيت وتحت سقفه، إلا أن تلاحم المواطنين محمد عيسى العبيدلي وأهله وأصدقائه مع أخيه وصديقه محمد النجاس، ليست صورة معتادة أو عابرة. ولعلها الصورة الأقوى في انصهار المخلصين من أبناء الطائفتين الكريمتين مع بعضهم، بالنسبة لي كمواطن على الأقل، متجاوزين كل الأسلاك الطائفية الشائكة، وضاربين بعرض الحائط كل دعوات الصدام المذهبي الكريه، وداهسين تحت أرجلهم كل ناعق بخبيث القول وخسيس النوايا.

لسنا في معرض استحضار تفاصيل قضية العبيدلي والنجاس فهي معروفة لدى الكثيرين، إلا أن إصرار العبيدلي على تنظيم الاعتصامات التضامنية مع المعتقل محمد النجاس لا يمكن حصرها في كون مواطن من الطائفة السنية الكريمة أبى إلا أن يساند ويعاضد ويرفع صوته مدافعاً عن مواطن من الطائفة الشيعية الكريمة. لكن بالتأكيد، إن لهذا الموقف اللافت جذوراً اتصلت منذ القدم بما كان عليه الآباء والأجداد، ويريد البعض لتلك الجذور اليوم أن تذوب وتتفتت، لكن ذلك عصي على من يسعى لذلك الهدف.

في نظري المتواضع، يقدم العبيدلي والنجاس في أحلك الظروف وأقساها، أصدق معنى للمواطنة الصادقة والأخوة الإسلامية وسلامة المبدأ في الحياة. أمر لا يعرفه من يصبح يومه حتى يمسي وهو ينشر في الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي وفي الخطب وفي المحاضرات وفي الغرف المغلقة نيران الطائفية والتناحر، سواءً كان خطيباً أم نائباً أم مسئولاً أم إعلامياً أم كاتباً لا يستطيع العيش في بيئة تسودها المحبة والتفاهم والتعايش والتسامح… تفسد بضاعته وتبور ويفقد لقمته الحرام.

ترى، أي خاتمة نختار في نهاية حديث كهذا؟ هل سنعربد كما يعربد أهل الشقاق والنفاق والطائفية والصدام المذهبي والمتاجرين زيفاً بالولاء وحب الوطن؟ أم سنفعل كما يفعل من يسعى لتدمير هذا الكنز البحريني بين أبناء البحرين باستحضار ما تعفّنت به كتب التاريخ بسقيمها ومكذوبها، وباستعراض مقاطع اليوتيوب المؤجّجة للناس وبفبركة المقاطع والصور لتبقى النار مشتعلةً يستمتع بها جراثيم الطائفية؟ أم سنحمد الله على هذه النعمة وندعو لأن يديم رب العالمين الإحسان بين الناس، وليعيش أهل البحرين، ومن يقيم فيها، بوئام وسلام وتعايش ومحبة؟ يبدو أن السؤال الأخير هو الجامع لذوي القلوب الصادقة، والمثير لغضب وحنق ذوي النوايا الشيطانية.

وهنا خاتمة جميلة جداً. ذات يوم، كتب زميلي هاني الفردان مقالاً بعنوان: «العبيدلي والنجاس»، ختمه بنص يقول: «هذه هي الحقيقة، قضية واحدة يقال إن المتهمين فيها صديقان من طائفتين مختلفتين، لم تفرقهم أبداً الزوبعة التي اختلقها المؤزمون في البلد، إلا أنهم بالتأكيد (أي المؤزمين) سيسعون للاستفادة من هكذا قضايا لزيادة حدة الشرخ المجتمعي، ضمن مفهوم «فرق.. تسد».. هناك من ينادي بالحرية للأول فقط، وتجاهل الثاني، ولكننا سننادي بالحرية للاثنين، لأنهما أبناء وطني، دمهما دمي، وعرضهما عرضي، ومالهما مالي، لا فرق بينهما… إنهما أخوة لي». (انتهى الاقتباس: «الوسط»، العدد 3530 – الإثنين 7 مايو 2012).

الأحبة، العبيدلي والنجاس… أسعد الله قلبيكما كما أسعدتما قلب أمكما البحرين وأبناءها الطيبين.

سعيد محمد سعيد

«دراكولا»… في عباءة الإسلام؟

 

لم يكن مشهد «إحراق» الطيار الأردني معاذ الكساسبة كجريمة من أبشع الجرائم التي نفذها تنظيم «داعش» الإرهابي هو المشهد الوحيد من بين عدد لا حصر له من المشاهد البشعة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما موقع «اليوتيوب»، إلا أنه يضاف إلى هستيريا تشويه الدين الحق على يد «دراكولا» المتلبس بعباءة الإسلام.

طرحت مع مجموعة من طلبة الإعلام، ونحن نناقش قائمة أفكار لاختيار فكرة رئيسية لدراسة علمية، فكرة تحليل عينة عشوائية من مشاهد القتل الإجرامية البشعة المنتشرة على وسائل الإعلام الجديد وتأثيراتها على المجتمع الإنساني بشكل عام من جهة، ومنطلقات اعتبارها كعوامل لتشويه الدين الإسلامي من جهة أخرى، وقياس فعل التصدي من جانب علماء ومفكري الأمة ومؤسساتها العلمية والأكاديمية. ولم يكن الأمر صعباً مع شديد الأسف والأسى، فخلال مدة أسبوع واحد، كان بين أيدينا مئات الروابط البشعة لمن يدعون الإسلام ونصرة الدين وحماية الأمة، ولو شاءت المجموعة الاسترسال لوصلت روابط جرائم أهل الإرهاب إلى آلاف بل مئات الآلاف.

على ذات المسار، كان الزميل سعيد الزهراني من صحيفة (الوطن أونلاين) السعودية قد طرح بحثاً حول غياب المعيار القانوني لمعاقبة ناشري المشاهد الدموية، وعلى الرغم من أهمية الموضوع، إلا أن حسابات تنظيم «داعش» الإرهابي وسائر الحسابات التي تديرها الجماعات الإرهابية في كل العالم، لا يمكن السيطرة عليها وفق قوانين محلية. إن الشركات العملاقة في نطاق الإعلام الإلكتروني لديها بالطبع قوانين منظمة لكنها تعتمد على المبلغين وفق أسباب مقنعة لاتخاذ قرار الحجب. ويبقى القرار لها في نهاية الأمر، فلربما تاجرت هي الأخرى بمثل هذه الحسابات.

الزميل الزهراني تناول ما تحفل به مواقع التواصل الاجتماعي من صور ومقاطع لمشاهد مروعة تجسد وقائع تعذيب وقتل، وغيرها من الانتهاكات التي تحدث في مناطق عدة بالعالم، ناقلاً دعوة أستاذ علم النفس الإكلينيكي بجامعة الملك سعود بالرياض عبدالله الحريري بمقاضاة كل من ينشر الصور والمقاطع المؤلمة وصور التعذيب أو القتل، وغيرها من السلوكيات الشاذة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها تنافي الفطرة السليمة، وتؤثر في النفوس، وقد تتسبب في صدمات نفسية يصعب علاجها، وخصوصاً للأطفال والنساء، ورقيقي المشاعر.

ولكن، في أية خانة يمكن تطبيق تلك الدعوة على جرائم الإرهابيين من كل الفصائل والجماعات المسلحة التي تدعي انتماءها للإسلام وهو منها بريء، وهي جرائم أصبحت اليوم تعتمد على وسائل الإعلام الجديد، تبدأها في بعض الأحيان بالأناشيد الدينية الممسوخة، وتتاجر بآيات القرآن الكريم، وتنهيها بأحاديث نبوية شريفة أو بكلمات أو فقرات من كتب مشايخ الإرهاب؟

لاشك في أن الدراسات العلمية ذات القيمة العالية مهمة، حتى وإن لم تكن ذات تأثير مباشر في سلوكيات المجرمين، فهي ضرورة للساحة العلمية خصوصاً في منطقة الخليج والعالم العربي، إلا أن شخصية «دراكولا» المنتسب إلى الإسلام جوراً وباطلاً، متمثلاً في التنظيمات الإرهابية هو عنصر مهم وفعال بالنسبة لدول وتنظيمات وأقطاب قوى أقليمية. لهذا تحظى تلك التنظيمات بالدعم المالي واللوجستي والمساحة الإعلامية الهائلة على مستوى العالم.

لكن، لنتحدث بصراحة مطلقة ونوجه أصابع الاتهام إلى وسائل ووسائط إعلامية فضائية وإلكترونية في منطقة الخليج والعالم العربي، كانت ولا تزال داعمة لمسار تشويه الدين الإسلامي من خلال التبرير لجماعات الإرهاب، وتقديم مصطلح «الجهاد» والتكبير الزائف المولغ في سفك دماء أبناء المجتمعات الإسلامية، بكل أديانهم وطوائفهم، والبعيد عن الصهاينة وأعداء الإسلام الذين يرون في أولئك السفاكين موجة داعمة لاستقرار الكيان الصهيوني.

دول الخليج، والدول الإسلامية بشكل عام، تتيح مع شديد الأسف مجالاً كبيراً للخطاب التكفيري العنيف المضاد للإسلام، وتمنح التراخيص والحماية لقنوات فضائية ومواقع إلكترونية وإدارة حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أن مقطعاً ظهر فيه شخص مصري ملتح يهدد الشركات والسواح والعباد والبلاد، بعد فترة حددها من الزمن، بالويل والعذاب والقتل وسفك الدماء، وتبين أن ذلك الشرير يتحدث في قناة فضائية تبث من تركيا!

سؤال أضعه في الخاتمة بكل استغراب: «ألا يستطيع وزراء الإعلام في دول مجلس التعاون والعالم العربي والإسلامي، أن يعقدوا اجتماعاً متواكباً مع الحرب المزعومة على الإرهاب، ليصيغوا بياناً خاصاً بموقف موحد لاستئصال الإعلام الإجرامي وتطويق إعلام الجماعات الإرهابية والخطاب الطائفي؟ ما الذي يمنعهم؟ هل تنقصهم القدرات الفنية والإدارية والمالية؟ أبداً، إنما الخوف من «دراكولا» تارة، ومحاباته وحمايته تارات أخرى… هو ما يجعلهم في اضطراب، ولا ندري، هل ماء في فهمهم أم دم؟.

سعيد محمد سعيد

مناهضة «الكراهية والطائفية»

 

من البديهي، ألا ينتظر المجتمع البحريني طويلاً حتى يرى ثمار لجنة مناهضة الكراهية والطائفية التي يترأسها نائب رئيس مجلس الوزراء جواد سالم العريض، وتضم في عضويتها وزراء الداخلية والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية والعدل والشئون الإسلامية والأوقاف.

وجاء في المادة الثانية من القرار رقم (17) لسنة 2014 أن اللجنة «تختص باقتراح وتبني السياسات والمنهجيات وإعداد البرامج الفعالة التي تتصدى لمشكلة خطابات الكراهية التي تبث عبر المنابر والكتب أو من خلال وسائل الإعلام والاتصال والتعليم، أو من خلال القوى السياسية والمجتمعية، والعمل على تكريس روح التسامح والتصالح والتعايش، وتعزيز عوامل الوحدة في المجتمع البحريني».

دعونا نتحدّث بصراحة مباشرة، سواءً وضعت اللجنة نصب أعينها خطة عمل واضحة المعالم أم لم تفعل، فإن إطالة أمد الصمت على الأفعال والممارسات الطائفية، مهما كان انتماء فاعلها المذهبي، لا يجب أن تطول. وقد رأينا كيف أن الحادث الأليم الذي راح ضحيته مجموعة من الزوار البحرينيين في العبدلي، كشف وجوهاً قبيحة في وسائل التواصل استبشرت وفرحت وتبادلت التهاني بموت مجموعة من المواطنين الذين وصفتهم بـ «المجوس». وهناك منتديات الكترونية تنفخ في هذه النار، لا تزال تعمل بكل حرية لنشر الدمار والبغضاء والكراهية.

ومهما يكن من أمر، فقد تسبّب الخطاب المؤجج لبعض النواب وبعض الخطباء وبعض الناشطين السياسيين، في إثارة حالةٍ من الصراع اليومي، بدأ يزداد مع ظهور نموذج جديد من «الوطنية» القائمة على لفت نظر الحكومة إلى شخص أو إلى جماعة أو إلى عيّنة من المسئولين أو الشخصيات، على أنهم الرمز الحقيقي والمثال الأكيد المدافع عن مصلحة الوطن، أما غيرهم من المواطنين فليسوا سوى «قوة» خطرة تعمل في السر والعلن لتقويض الحكم والعبث بمقدرات الدولة والشعب.

ولعل في خطابات نماذج من أولئك الطائفيين الشهيرين (بعضهم الآن قيد اتخاذ إجراءات التقاضي ضدهم)، لعل في خطاباتهم ما يمكن اعتباره «دينامو» لتشغيل آلة الصراع الاجتماعي الطائفي بعيداً عن أصول رأب الصدع والالتزام بالأدوار الدينية والاجتماعية والوطنية في معالجة قضية حساسة أو اختلاف في وجهات النظر، سواء كان ذلك الاختلاف على المسار الديني أو السياسي!

إن اتباع أسلوب الخطب التأجيجية في صلاة الجمعة وإصدار التصريحات الصحافية النارية هو منهج خاطئ دون شك، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على من اشتهر بهذه الصنعة من النواب والخطباء والناشطين السياسيين وأياً كان من يكون الفاعل.

الحل يكمن في ألا تسمح الحكومة بنجاح بأية محاولة لزيادة أعداد المنضمين إلى التصنيفين الجديدين: المواطن واللا مواطن، فالدستور يقول أن المواطنين سواسية، وما عدا ذلك من ممارسات تخالف العرف الاجتماعي وتتعدى القوانين، فإن للدولة الحق في تقديم كلّ من تجاوز حدوده للمساءلة القانونية. ولوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الممثلة في «لجنة مناهضة الكراهية والطائفية»، الحق في محاسبة الخطباء والأئمة إن ثبت عليهم الخطأ، وللسلطة التشريعية الحق في ملاحقة من يثبت عليهم الفساد والإضرار بالبلد. أما إن تركت كل القضايا للخطاب الديني اللامسئول أو للتصريحات الصحافية ذات الأبعاد البطولية الفارغة، فالخطر المفتت للمجتمع لن تُحمد عواقبه.

الإعلام الطائفي والخطاب الطائفي والنفس الطائفي وكل فعل طائفي، لا يمكن اعتبارها أشكالاً من أشكال المواطنة الصالحة. هي بالتأكيد فرصةٌ للمتاجرة الهدّامة على حساب الآخرين، يربح فيها البعض ممن لا تهمهم أصلاً سلامة الوطن.