د. شفيق ناظم الغبرا

بين ضرورة الحروب وقدرتها على التدمير

الحرب وحش كبير يدمر الحياة بأسرع مما نعتقد. وقد تطور فعل الحرب في القرن العشرين ثم في قرننا هذا. مبادئ كثيرة كتبها مفكرو الحرب عن الحرب العادلة والمبررة والأخرى غير العادلة، لكن مع الوقت تصبح الحرب بقدرتها التدميرية مشكلة للإنسان في كل مكان. الحرب العالمية الأولى التي فتكت بأكثر من ١٦ مليون قتيل كان يمكن تفاديها، وهناك من الكتب والأبحاث ما يؤكد أن الحروب تبدأ بدرجة من درجات تقدير الموقف الذي يميل الى الاستخفاف بالقرار بصفته عملية عسكرية لن تدوم طويلاً. لو علم هتلر وقادة اليابان بالنتيجة التي سيصلون إليها، فهل كانوا دخلوا الحرب التي أدت الى دمار كل من ألمانيا واليابان ومقتل اكثر من ٦٠ مليون إنسان؟ ولو عرف الأسد بأن شنّه الحرب على شعبه سيؤدي به الى ما هو فيه الآن، فهل كان بدأ القتال ضد ثورة سلمية؟ كل من دخل الحرب حرّكه الإيمان بانتصار سريع قلما يتحقق. وما أن تبدأ الحرب إلا وتلتهم ما يحيط بها. الحرب لا تدمر العدو فقط، فهي عملية مسلحة تحرق صانعيها وتغير حياتهم وتؤدي في معظم الأوقات الى مشكلات أعمق. في معظم الحالات، تفتح الحرب الطريق الى حروب أخرى. متابعة قراءة بين ضرورة الحروب وقدرتها على التدمير

د. شفيق ناظم الغبرا

بين الثورة والانقلاب والإصلاح

كلمات الإصلاح والانقلاب والثوره متكررة في حياتنا، فكل منها يختزل سلسلة معقدة من الأحداث، فقد وقعت الثورة كما الاصلاح والانقلاب في العالم العربي في المرحلة التي تلت عام 2011، ومازال الإقليم العربي مفتوحا على مصراعيه لهذه التعبيرات، ولهذا فإقليمنا ليس ببعيد عن تجارب جديدة مع كل من الإصلاح والانقلاب والثورة.

لقد تنوعت تعريفات الثورة، فالثورة حالة فوران كبرى طابعها الغالب سلمي، وإن كانت تحمل بعض مظاهر العنف.

الثورة تشبه فوران الماء وانفجار البحر، ويصاحبها ما هو أقرب للإعصار المدوي، إنها ظاهرة فريدة تتطلب مشاركة قطاعات شعبيه رئيسية تشمل معظم طبقات المجتمع، وذلك بهدف إزاحة النظام السياسي القائم بالكامل. متابعة قراءة بين الثورة والانقلاب والإصلاح

د. شفيق ناظم الغبرا

.. الجدران العازلة .. تراجع الدولة؟

يصدمك في فلسطين مشهد الجدار الذي شيده الاحتلال على الأرض الفلسطينية ليفصل بينه وبين الفلسطينيين، لكن بنفس الوقت، ورغم الفوارق بين الجدار الإسرائيلي وجدران العالم، ستصدمك مشاهد الجدران التي تبرز الآن وفي هذا الزمن بين دول كثيرة في العالم العربي، كما والغربي والآسيوي: جدار في جنوب إفريقيا وآخر بين الهند وكشمير، والولايات المتحدة مع المكسيك، وجدار بين مصر وغزة، والسعودية مع اليمن، وامكانية تعميم ذلك على الحدود مع العراق وهكذا. الجدران صناعة جديدة تقع ضمن المجتمعات والمدن كما يقع في بغداد بين طوائف وجماعات، ويتبادر لذهنك عندما ترى جدارا السؤال التالي: هل الجدران علامة قوة وسيادة أم ضعف وتراجع للسيادة؟

وبمجرد ما أسأل نفسي سؤال القوة والضعف أجد بعض الاجابة التي تؤكد بأن الدولة السيادية القوية المنيعة المسيطرة على حدودها بدأت تفقد مناعتها: تنظر للجدار، وتكتشف انه سيمتلئ بالثقوب من قبل الرافضين للفكرة والمتأثرين بسلبياتها على جانبي الحدود، الجدران في الحالات كلها تبدأ بسبب فقدان سيطرة، وبسبب تراجع نفوذ وضعف في التأثير على المحيط، بل يرافق ذلك حالة كراهية وتعصب تجاه الآخر أكان هذا الاخر في الداخل (جماعة قومية أو طبقة أو طائفة أو قبيلة) أم في الخارج وعلى جانبي الحدود بنفس الوقت. متابعة قراءة .. الجدران العازلة .. تراجع الدولة؟

د. شفيق ناظم الغبرا

قبرص وخطف الطائرة المصرية

عندما حطت الطائرة المصرية المخطوفة في مطار لارنكا كنت في المدينة وعلى وشك مغادرة الفندق عائدا للكويت عبر مطار لارنكا، لكن عاملة الفندق أعلمتني بما وقع قائلة: «لقد تم غلق المطار ولن يتم فتحه قبل حل الإشكال». بعد انتظار قلق قررت أخذ جولة في المدينة التي تنتشر فيها المقاهي الصغيرة، لكن حيثما وصلت قدماي حول الفندق وجدت تلفزات المقاهي وقد تحولت لمتابعة أخبار الخاطف الذي لا يبدو ككل الخاطفين من شكله وعمره وإعلانه عن حب مفقود من زواج سابق. لقد حضر الشرق العربي في قبرص عبر قصة خطف بدت غريبة. متابعة قراءة قبرص وخطف الطائرة المصرية

د. شفيق ناظم الغبرا

مصر والمفترق الأخطر

تتفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية، كما الأمنية والإنسانية في مصر، إذ تكتشف مصر مع بداية 2016 أن النظام السياسي ذا الطابع العسكري الذي جاء لحكم مصر في يوليو 2013 يكاد يصل لذات مفترق الطرق الذي وصل إليه نظام الرئيس مرسي قبل تدخل الجيش، إن الوضع الجديد يعبر عن نفسه من خلال تآكل مستمر في وضع الدولة.

تناقض غريب ذلك الذي تعيشه مصر: دولة عميقة لديها أذرع وقدرات أمنية ضخمة في ظل اختفاء مكانة الدولة الحقيقية المستقلة عن النظام السياسي بمؤسساتها وجيشها والقادرة على الدفاع عن نفسها وتحقيق توازنها؛ لقد دخل النظام المصري في مأزق أخلاقي وسياسي وبيروقراطي ومؤسساتي، محولاً مأزقه لمأزق للدولة المصرية برمتها.

ويتبين في مصر، وهي أكثر دولة تأثيراً على بقية العرب وأكثرها اقتراباً من مفهوم الدولة التاريخي، أنه لا نهاية لما كان قد بدأ في 2011 دون تحقيق أهداف العيش والحرية والعدالة، بل يتبين أن التاريخ يسير بسرعة كبيرة ويحتوي على تقلبات حاسمة، فالذي تؤيده الناس في الصباح سترفضه في المساء إذا لم يحقق وعوده، ومن ترفعه في هذه اللحظة لن ترفعه في اللحظة التي تليها إذا مارس سياساته كما مارسها من جاؤوا قبله. هذا عصر الجماهير والرأي العام الذي لا يمكن القفز عن قيمه بلا ثمن كبير. متابعة قراءة مصر والمفترق الأخطر

د. شفيق ناظم الغبرا

العروبة بين الحاضر والخيال السياسي

لقد تغير معنى العروبة وأخذ أكثر من بعد منذ اكتشاف العرب أهمية الوطنية العربية في واقعهم خصوصاً بعد سقوط الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. فبينما تمثل تركيا الحديثة دولة موحدة للأتراك وغيرها من القوميات، تمثل ايران دولة للإيرانيين من فرس وغيرهم، إلا ان العرب لم يستطيعوا حتى اليوم تشكيل أمة وتحقيق وجود لهم كما وقع مع أمم اخرى وقارات كأوروبا. الحالة العربية تعيش التحدي الأسوأ منذ ولادة الدول العربية في النصف الأول من القرن العشرين وذلك لضعف التخطيط وسواد المصالح الضيقة وانتشار الفساد وغياب المساءلة ومفهوم المشاركة من الأسفل إلى الأعلى. الحالة العربية هي الأكثر تمزقاً نسبة للحالة العالمية، وهي الأكثر اضطهاداً في الداخل كما ومن قبل الخارج بل والأكثر فرزاً للفئات المتضادة. العرب في كل هذا بين متناقضين: العلاقة مع الخارج (الغرب وإسرائيل) التي تخضع للتبعية وتتحكم بها تلك الهوة الاقتصادية والعلمية والسياسية الكبيرة، ثم من جهة أخرى حالة الاستبداد التي تمزق الإقليم وتساهم في أضعافه.
متابعة قراءة العروبة بين الحاضر والخيال السياسي

د. شفيق ناظم الغبرا

مأزق الدولة القطريّة وتناقض المشاريع العربيّة

كنا كعرب قبل سايكس بيكو، موعودين من بريطانيا العظمى من خلال مراسلات الشريف حسين بدولة عربية ممتدة وموحّدة بعد سقوط العثمانيين، لكن الوعد لم يتحقّق وجرى بدلاً منه استعمارنا وتقسيم أقاليمنا العربية التي كانت خاضعة في شكل شبه موحّد للدولة العثمانية. ذلك تاريخ مضى، صارت له مائة عام يتطوّر ويتفاعل. الذي حصل في ذلك الزمان، أن محاولات استعمار تركيا من جانب بريطانيا والحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٨، فشلت بفضل أتاتورك وسعي الأتراك الى حماية استقلالهم، فبرزت تركيا الموحدة والمستقلة بعد نجاحها في حروب ومعارك ضد اليونان وضد القوات البريطانية والغربية في عشرينات القرن العشرين. من جهة أخرى، لم ينجح استعمار إيران، فبقيت أيضاً دولة كبرى مترامية الأطراف وإن متأثرة في ذلك الزمن بالغرب وبريطانيا. العرب تحديداً (مع استثناءات محدودة كالمملكة العربية السعودية التي لم تُستعمَر) هم من سقطوا في الشباك: استعمار، تقسيم، وإذلال وطني، وفوق ذلك كله احتلال دائم لأراض عربية منذ قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨.
لكن بعد الحقبة الاستعمارية بين الحربين الأولى والثانية وصولاً الى خمسينات القرن العشرين، ساد الاعتقاد بين كثر من العرب بأن الدولة العربية على جزء من الأمة الأوسع ستكون قادرة على صهر كل مواطن في كيان وطني وعلم ونشيد، وأن الدولة العربية الحديثة في إمكانها أن تحافظ على استقلاليتها عن مناطق النفوذ والدول الكبرى. بل اعتقد كثر من العرب أن الدولة العربية الجديدة هي مقدّمة للوحدة. متابعة قراءة مأزق الدولة القطريّة وتناقض المشاريع العربيّة

د. شفيق ناظم الغبرا

عن حاجة النظام العربي إلى تطوير نفسه

في غالبية الدول العربية تدير السلطات السياسية بضعف واضح عملية التعامل مع العقبات التي يفرضها الواقع كالزيادة السكانية المتنامية، وتكدس الناس في المدن، وانتشار التعليم ومشكلات الاقتصاد والبطالة، ثم البنى التحتية والتعليمية والصحية وأزمة الإسكان. لكنها في الوقت نفسه تواجه تحديات تراجع العدالة وتفكك أيديولوجية النظام الأخلاقية (سواء كانت دينية أم قومية أم خليطاً) والتي تستند إليها لتبرير دورها وحكمها. يقع هذا في ظل تآكل دور الأجهزة التشريعية والقضائية بل والتعليمية العربية. فمع استثناءات عربية قليلة، تغيب الرؤية الإستراتيجية وأصبحت السلطات السياسية في أفضل الحالات تعبر عن نفسها عبر ردود فعل تؤكد ندرة التخطيط والانهماك في المفاجآت. إن مأزق العرب الراهن يتلخص في عدم القدرة على إنتاج المعادلة التي تنمي وتطور وتفعل وتعدل في الوقت نفسه. متابعة قراءة عن حاجة النظام العربي إلى تطوير نفسه

د. شفيق ناظم الغبرا

الثابت والمتغير بعد مئة عام على «سايكس بيكو»

مضت مائة عام على خرائط «سايكس بيكو» التي قسمت تركة الدولة العثمانية (منطقة الهلال الخصيب) ضمن اتفاق سري بين دولتين حليفتين في الحرب العالمية الأولى (بريطانيا وفرنسا) وضمن موافقة وتفاهم مع روسيا التي كانت تحت حكم القياصرة، والتي تعتبر جزءاً من الاتفاق في جانبه الأوروبي التركي. بعد كل تلك العقود، تعود إلينا الاتفاقية من خلال سلسلة نقاشات في الأوساط العالمية والغربية تتعلق بمدى التغييرات المتوقعة على الخريطة العربية التي رسمتها الدول الاستعمارية للعالم العربي. فبموجب اتفاقية «سايكس بيكو» تم تقسيم الأقاليم العثمانية بعشوائية إلى جغرافيا خاضعة إما لبريطانيا أو لفرنسا وستصبح دولاً فيما بعد: سورية ولبنان وفلسطين والعراق والأردن. لكن الأمر لم يتوقف عند «سايكس بيكو» بل قامت بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى بلعب دور حاسم في تحديد حدود كيانات أساسية في منطقة الخليج الساحلية. من أشهر الاتفاقات ذلك الذي سمي بمؤتمر العجير الذي حدد في العام ١٩٢٢ حدود العراق والكويت والسعودية تجاه بعضها البعض. مائة عام انقضت بينما تطرح الآن الأسئلة عن الخرائط الجديدة والتغيرات الكبيرة التي تحوم في فضاء الشرق الأوسط. متابعة قراءة الثابت والمتغير بعد مئة عام على «سايكس بيكو»

د. شفيق ناظم الغبرا

2016: عنف وحروب وتحديات؟

كان عام ٢٠١٥ عام نزاعات وحروب لكنه قبل كل شيء عام اللاجئين السوريين الهائمين في العالم وعام المهاجرين العرب من أوطانهم والذين بلغوا حتى الآن ٢٢ مليون انسان. عام ٢٠١٥ هو أيضاً عام التدخل الدولي والروسي في سورية، وعام انتشار «داعش» وضرباته في باريس والكويت وغيرهما. إن عام ٢٠١٥ كان عام تراجع أسعار النفط وعام تشديد الحصار على تنظيم «داعش». في ٢٠١٥ استمر مأزق مصر السياسي حيث تعمق التراجع الحقوقي في ظل العنف في سيناء وتفجير الطائرة الروسية الذي أدت الى أزمة كبيرة في السياحة، لكنه في الوقت ذاته عام إيران واتفاقها النووي مع الولايات المتحدة. في العام ٢٠١٥ ازدادت رائحة الموت في منطقتنا العربية في ظل فتك الدول وفتك الإرهاب، لكن عام ٢٠١٥ تضمن صموداً صعباً للتجربة التونسية وصموداً ثابتاً للكثير من القوى الحقوقية والديموقراطية العربية بألوانها الإسلامية والاجتماعية الحرة.
سيكون عام ٢٠١٦ أصعب من العام الذي نودعه اليوم. فعام ٢٠١٦ سيكون أيضاً عام المفاجآت حيث يستمر تفكك النظام العربي الذي عرفناه بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. وسبب ذلك ما زال مرتبطاً بفرضية أن الشعوب العربية تغيرت وتتوقع معاملة مختلفة وتنمية واضحة ومشاركة تحترم حقوقها، بينما الأنظمة لم تتطور وترتقِ ما خلق في ظل تراجع الدور الأميركي جدلية تحول ونزاع سوف تبقى معنا وتزداد وتيرتها في العام ٢٠١٦. ستزداد ضغوط الإصلاح في دول الخليج، وسيحفزها في ذلك النموذج المغربي الذي قطع شوطاً مقبولاً في طريق طويل، لكن ذلك سيقع في ظل ارتفاع حدة الخسائر الاقتصادية والاستنزاف العسكري والسياسي. هذه أول مرة منذ عقود تلعب القوى الإقليمية المحلية كإيران وتركيا وبعض المعارضات والحركات دوراً أكبر من القوى الغربية والأميركية. في بداية عام ٢٠١٦ وفي يومه الأول نجد أن النظامين العالمي والعربي عاجزان عن التعامل الجاد مع الأسباب السياسية والاقتصادية التي تؤدي إلى الانهيار العربي. فإن كان بشار الأسد في جانب هو الأكثر تطرفاً وجموحاً في التصدي للتغيير، نجد في كل دولة عربية، باستثناءات قليلة، تمترساً وعجزاً عن مجرد التفكير بالتغيير. متابعة قراءة 2016: عنف وحروب وتحديات؟