سامي النصف

استجواب راقٍ وليس جرحاً دامياً

نرجو أن نعامل جميعا استجواب اليوم على انه سؤال مغلظ كما ينص الدستور يهدف في النهاية للوصول للحقيقة التي هي ضالة المؤمنين من نواب ومراقبين، وليس جزءا من حرب شعواء لا تنتهي بين السلطتين، فنتيجة الاستجواب أينما كانت ليست نهاية العالم.

هناك مثل أميركي يقول ان رجلا رجله اليمنى في النار واليسرى في الثلج يعيش في «معدل عام» هانئا، هناك من يعشق الأزمات السياسية فيظهر رضاه عنها ومحاولة تبريرها عبر الاستخدام الخاطئ للغة الأرقام عبر قسمة عدد الاستجوابات على عدد سنوات الحياة البرلمانية، ثم القول ان «المعدل العام» مرض كحال المثل السابق، حيث ان هناك فقط كذا استجواب في كذا عام.. الخ.

وفي البدء، الأساس في قضية الاستجوابات هو النوع وليس الكم، ففي جميع البرلمانات الاخرى تحدث عدة استجوابات في الجلسة الواحدة دون ان يسمع بها احد أو تؤثر على مسار الدولة، مشكلة استجواباتنا هي في كم التحريض الجماهيري والتأجيج الإعلامي المصاحب لها مما يجعلها تتسبب بالتغيير المستمر للحكومات والمسؤولين، مما يؤثر بالتبعية على برامج التنمية في الدولة في ظل التغيير المستمر للوزراء وقتل روح المبادرة والإبداع لديهم.

ومثل ذلك من يلقي باللائمة على الحكومة في تلك الأزمات عبر القول ان لديها نقصا شديدا في «رجال الدولة» وهو ما يتسبب في نظره بوفرة الاستجوابات وحدتها، وعلينا في البدء ان نضع تعريفا محددا لرجال الدولة وما هي مواصفاتهم وأماكن تواجدهم حتى يعرف من يختارهم أنه اختار رجال دولة من عدمه، والحقيقة ان أغلب من تم استجوابهم في السنوات الأخيرة ينطبق عليهم مسمى رجال دولة بالمفهوم الصحيح وان كثيرا ممن لم يستجوبوا (ممن اشتهروا بتظبيط انفسهم على حساب المال العام) كانوا ابعد ما يكونون عن ذلك المسمى ومع ذلك لم يستجوبوا أو يحاسبوا.

والحقيقة ان الفارق بين استقرار الحياة السياسية في الماضي واضطرابها في السنوات الاخيرة ليس بوجود رجال دولة من عدمه، بل بكون الحكومة كانت تحوز في الماضي أغلبية مريحة في البرلمان (إسلاميين – تجارا – قبائل) وفرت لها الاستقرار السياسي وبقاء الوزراء من رجال الدولة و«غيرهم» لمدد طوال، حيث انحصرت المعارضة في قوى اليسار قليلة العدد، بينما فقدت الحكومات في السنين الاخيرة تلك الأغلبية حين انقلب الجميع عليها لأسباب سنذكرها في مقالات لاحقة، فتوالت القلاقل السياسية والاضطرابات كحال اي حكومة ديموقراطية اخرى في العالم لا تملك الأغلبية.

ومن اشكالات الحكومة الغياب الفاضح للعقول الاستراتيجية المفكرة الذكية القادرة على رسم السياسات الصحيحة والتكتيكات الفاعلة – لا الفاسدة – للوصول لأهدافها، ثم غياب العمل المؤسسي والاعلامي الفاعل لتغيير الصورة النمطية السالبة المتوارثة لدى الناس كحال الديموقراطيات المتقدمة التي لا تترك حكوماتها الساحة للقوى الاخرى تلعب بالجمهور كيفما تشاء، بل تعمل جاهدة لمقارعة الحجة بالحجة واظهار الجانب الايجابي للإنجاز حتى تكسب الناس لصفها ومن ثم تكسب ممثليهم في البرلمان.. والحديث ذو شجون.

آخر محطة:
شكوى من البريد الإلكتروني، المكاتب الإعلامية في الخارج تؤدي مهمة وطنية جليلة للكويت، لذا يجب اعتماد مبدأ الكفاءة والقدرة لا الواسطة والنفوذ عند اختيار المرشحين لتلك المكاتب، ومنا للوزير العزيز بوفهد.

سامي النصف

كتب وذكريات عن صدام

وصلتنا من الأخ الفاضل د.عويد سلطان المشعان مجموعة قيمة من كتبه الشائقة منها كتاب «سيكلوجية التوجيه المهني» وضمنه فصل كامل عن التوجيه المهني للنساء واثر العمل الإيجابي على صحتهن النفسية (برسم معارض عمل المرأة) اضافة الى كتاب «الضغوط النفسية ومهارات المواجهة من أجل النجاح» وعدة إصدارات ودراسات علمية أخرى… جهد طيب للدكتور المشعان الذي يعتبر مرجعا كويتيا هاما في مجال عمله.

جرت العادة على أن تنزل أوراق الساسة وغيرهم مسلسلة في الصحافة، وبعد انتهاء الحلقات يتم إنزال الكتاب بشكله النهائي بعد تنقيحه من خلال الردود والتعليقات التي تتم. أحد ساستنا المخضرمين أنزل للمكتبات كتاب ذكرياته – وليس مذكراته – وإحدى الزميلات مازالت تقوم بنشرها، وقد اشــــتريت نسخة منها ولي في مقالات لاحقة بعض الملاحظات عليها، وخاصة ما يخـــتص بدقة الوقائع التاريخية التي تم التطرق إليها.

الوزير والنائب اللبناني محسن دلول شخصية غير عادية، فرغم انتمائه المذهبي الشيعي الا انه تقلد منصب نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي الشهيد كمال جنبلاط، كما ان ابنه متزوج من ابنة الشهيد رفيق الحريري، لذا سمى كتاب ذكرياته ولقاءاته بـ «حوارات ساخنة من كمال جنبلاط إلى رفيق الحريري»، ومعروف ان دلول يحتفظ بعلاقات شديدة الحميمية مع سورية، مما يعطي أوراقه كشاهد على العصر الكثير من المصداقية.

يروي دلول ضمن أكثر من موضوع قصة لقاءاته مع طاغية العراق السابق وفيها ما يستحق الإشارة له من أدوار هدامة خافية وخداعة لصدام في المنطقة العربية، فقد وسّطهم الرئيس حافظ الأسد عام 1973 للطلب من العراق عدم سحب قواته من الجبهة السورية كونهم مازالوا مشتبكين مع الإسرائيليين، وعندما التقوا صدام قال ان سبب سحب القوات تحركات كردية في الشمال، لذا توجهوا للملا مصطفى البرزاني الذي قال انهم لن يطلقوا رصاصة واحدة ضد الجيش العراقي، وعندما أخبروا صدام بذلك وعدهم خيرا، الا انه عجّل بسحب قواته من سورية.

ويقول دلول كشاهد عصر ان تصلب موقف القوى الوطنية بقيادة كمال جنبلاط ضد القوات السورية عام 1976 كان بسبب وعد صدام بتحريك الجيش العراقي ونصرتهم بدخول سورية، وقد أضرت تلك الكذبة بهم وبحلفائهم الفلسطينيين الذين سبق أن وعدهم بعمل مماثل في الأردن عام 1970، أي دخول الجيش العراقي لعمان، ثم تركهم لحالهم عند اشتداد المعارك.

وضمن لقاءات صدام مع دلول طلبه منتصف السبعينيات إبان الحرب الأهلية من القوى الوطنية إعلان صيدا عاصمة لهم مع وعده لهم بأن يحصل لهم على اعتراف دولي بدولتهم، ويقول اننا رددنا عليه بأننا لم ندخل الحرب إلا لمحاربة التقسيم وان في ذلك المقترح التقسيم ذاته ويستطرد: اننا أسمينا فيما بعد ذلك المشروع بـ «المشروع الخياني».

ويذكر دلول ان الجنرال ميشال عون كان يراهن بالكامل عامي 90 و 91 على صدام حسين ويعتقد بثقة كاملة، وحسب خبرته العسكرية، انه سيهزم بجيشه المليوني وبسهولة قوات التحالف الدولي وستكون لصدام – حسب قول عون لدلول – زعامة أكبر من زعامة جمال عبدالناصر.. حسابات وتوقعات جنرالاتنا شديدة الصحة والدقة ما يجعلهم منتصرين دائما وأبدا «عينا عليهم باردة».

آخر محطة:
نرجو ألا يعلن القائد الظافر شاكر العبسي بعد التدمير الكامل لمخيم البارد وتقدم جنوده للخلف عن نصره الكبير ومن ثم إهداؤه ذلك الفوز العظيم للأمتين العربية والإسلامية فقد شبعت أمتنا انتصارات حتى النخاع.

سامي النصف

هيبة الحكم ومؤشر الدول الفاشلة

يقول احد الساسة الثورجية المخضرمين الذي لم ينظّر لشيء في الماضي إلا وثبت خطؤه انه كان يتعمد إبان عضويته للبرلمان استقصاد الشخصيات الكويتية البارزة من وزراء شيوخ وغيرهم بطول لسانه «لكسر هيبتهم» حسب قوله ولتشجيع الآخرين على مهاجمتهم، ولم يقل لنا ذلك الثورجي المخضرم ما الفائدة التي يجنيها المجتمع الكويتي – او اي مجتمع آخر – من كسر هيبة الحكم عدا نشر الفوضى والخراب وتشجيع اعمال الإرهاب والتقاتل، والتحول بالتبعية من منهاجية الدولة المستقرة المتقدمة الى تصنيف الدولة الفاشلة المتأخرة.

نشرت مجلة الـ «فورين بوليسيز» الاميركية وهي احدى اكثر المجلات السياسية رصانة واحتراما في العالم جدولا لعام 2007 حول الدول الأكثر فشلا «The Failed States Index» ضم 177 بلدا وتم التصنيف الى دول في «المرحلة الحرجة» وتصدرت المراتب الثلاث الأولى فيها كل من السودان والعراق والصومال وجميعها دول أعضاء في الجامعة العربية التي يسيّر اعمالها الأمين العام «الناجح» السيد عمرو موسى.

أتت بعد ذلك دول «المرحلة الخطرة» ومن ضمنها الـــيمن وسورية ومصر ولبنان، تلتــــها دول «حافة الخطر» ومنها دول شمال افريــــقيا والأردن وإيران والسعودية وتركـــيا، ثم «الــــدول الآمنة» وضــمت الكويــت وعـــمان والإمارات والبحــــرين وقطــر، وهي للمعلومة بنفــــس تصنيف امــــيركا وأستـــراليا واليابان وأغلــــب دول الاتحاد الأوروبي، ثم اخيرا الدول «الآمنة جدا» وهي كندا والنرويج وفنلندا والسويد.

نعمة الأمن التي ننعم بها والتي تقر بها المنظمات الدولية، كما اتى في جدول مجلة الـ «فورين بوليس»، ليست امرا ثابتا او جبلا اصم او حقيقة أزلية لا يمكن مسها، بل الأمر على العكس من ذلك، فجميع تلك المعطيات مرشحة للتغيير السريع ما لم نحكّم العقل والحكمة ونسعى جميعا جاهدين الى الحفاظ على هيبة الدولة حتى لا تنفرط السبحة ونضحي كمشاريع الدول الفــاشلة التي ينعم البعض منها بالنفط والموارد الطبيعية والديموقراطية والحريات الصحافية، والمرشحة للانفلات وتفشـي الحروب الأهلية.

هذا الأمر لا يعني من قريب أو بعيد التوقف عن محاسبة التجاوزات وملاحقة عمليات الفساد والسرقات بل على العكس من ذلك فقد ثبت ان الدول الأكثر نجاحا واستقرارا في العالم هي في الوقت ذاته الأكثر محاربة للفساد المالي والإداري والأعلى مكانة في جداول منظمات الشفافية الدولية. ان المحاسبة الحقيقية الفاعلة أبعد ما تكون عما نراه قائما كل صباح من عمليات تكسّب سياسي وتمصلح شخصي تقاد له بعض الجموع المغرر بها لما فيه خراب الأوطان عبر الأخذ بمنهاجية العلاج الأكثر ضررا من المرض.

آخر محطة:
العزاء الحار للصديق م.فواز الفرح مدير عام الطيران المدني لوفاة المرحومة عمته، للفقيدة الرحمة والمغفرة ولأهلها وذويها الصبر والسلوان.

سامي النصف

أحوال الدنيا

هناك حديث حاد من بعض قوى المعارضة العربية وقادة الاعلام والفكر فيها حول ما اسموه بظاهرة «الجمهوريات الملكية»، اي بقاء الحكام لمدد طويلة ثم توريثهم الحكم لابنائهم من بعدهم، ولا تتحدث قوى المعارضة عادة عن تفاصيل التغيير المطلوب وماهية القادم الجديد بحجة ان الوضع لا يمكن ان يصبح اسوأ، وقد يكون هذا هو خطأهم القاتل الكبير خاصة بعد ما حصل في عراق ما بعد صدام.

وسأستثني القيادة المصرية القائمة من الحديث عن تلك الظاهرة كونها اعظم القيادات المنجزة والبناءة في تاريخ مصر الحديث والقديم حيث استرجعت الارض ومنعت الحروب وفاق ما بني في عهدها بآلاف المرات ما بني منذ عهد الفراعنة حتى يومنا هذا.

بالنسبة لما يسمى بقيادات الجمهوريات الملكية نود ان نشير الى ان طول البقاء في الحكم قد يكون نعمة لا نقمة، فالانجاز الخليجي المميز قد تم على معطى بقاء القيادات الخليجية التاريخية لمدد طويلة، مما اتاح لها المجال لتحقيق احلامها وطموحات شعوبها.

وطول البقاء نلحظه كظاهرة في اوروبا واميركا (ريغان، تاتشر، ميتران، بلير، شيراك، كول.. الخ) بل ونشهد ظاهرة التوريث والقرابة مع «آل بوش، آل كلينتون، لي كوان الاب والابن في سنغافورة».

أخشى ما نخشاه ان يكون من نراهم من حكام جمهوريات الوراثة هم آخر حكام دولهم المستقرة والموحدة، وان ما سيحدث بعدهم أشرّ وأضر ببلدانهم وبالامة العربية جمعاء من عهودهم أيا كان لونها، لذا لنحافظ على طغاة الامة ولنحملهم مسؤولية بقاء اوطانهم موحدة حتى ينقضي امر كان مفعولا.

يعتقد البعض ان الطغاة ما اتوا للامة الا لتمزيقها ثم تركها ضمن ظروف غامضة تعفيهم من المساءلة والمحاسبة، في جريدة «الاساس» المصرية الصادرة في 4/1/1948، اي بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب الكونية الثانية، تنقل من وارسو في النرويج ان الطيار الخاص بهتلر المدعو بيتر جومجارت (33 عاما)، ذكر في المحكمة انه طار بهتلر قبل سقوط برلين من مطار هوهنزوليرن في 28/4/45 وهبط به على مسافة 44 ميلا من نهر اتيار في الدانمارك وان هتلر شكره وسلمه شيكا بعشرين الف مارك واختفى بعد ذلك، وكان جومجارت يحاكم بصفته احد اعضاء الصاعقة النازية المحيطة بالطاغية.. والله اعلم!

سامي النصف

مجتمع الملائكة

اول مبادئ الاصلاح الذي يطلبه الجميع هو الاقرار بوجود القصور ومن ثم العمل على اصلاحه، ولا يصح في هذا السياق ان يطلب احد الاصلاح من السلطات الاخرى وينسى نفسه او سلطته، ان السلطات الثلاث بل وحتى الرابعة مجازا (الصحافة) في حاجة ماسة لفضيلة الاقرار بالقصور ومعها البدء في نهج تصحيحه.

ان بامكاننا كطيارين او اعلاميين او محامين او رجال دين او مهندسين واطباء وتجار ونواب وقضاة ووزراء، وغير ذلك من مهن وشرائح المجتمع الكويتي الادعاء بأننا لا نزل ولا نخطئ ولا نتجاوز ومن ثم لا يأتينا الفساد من فوقنا او تحتنا او يميننا او شمالنا ومن ثم نصبح مجتمعا ملائكيا لا تجوز فيه محاسبة الذات الطاهرة النقية بل ينحصر ويقتصر الشر والتجاوز على الآخر.

ان واقع حالنا يظهر ان الخير هو الغالب، فأغلبية الناس والمسؤولين واصحاب المهن والحرف المختلفة هم في الاعم خيرون وجادون في اعمالهم، ولا نشك في نقاء ضمائرهم او حسن ما تضمره سرائرهم، الا ان علينا جميعا الاقرار بأن هناك دائما متجاوزين ممن يجب ان تخلق الادوات ـ دون حساسية ـ لمحاسبتهم وردع انفسهم الامارة بالسوء، ودون خلق تلك الآليات ضمن مختلف التخصصات وتفعيلها والاعلام عنها يمكن لنا الحديث عن الاصلاح حتى يوم الحشر دون ان يتحقق على ارض الواقع شيء.

في الشقيقة مصر تصدر صفحات جريدة «صوت الامة»، في عددها الاخير، خبر ومحاضر تحقيقات وجهت اصابع الاتهام فيها الى 10 من القضاة والمستشارين ومنهم رؤساء محاكم نقض ومعهم عدد من المحامين والقائمين على الاجهزة القضائية تناولت اتهامات بالفساد واستلام رشاوى من تجار المخدرات لاصدار احكام براءة، ولاشك ان خبرا كهذا يرفع من مكانة القضاء المصري الشامخ ويزيد من ثقة الناس فيه كونه قادرا على الارتقاء بالعمل والاعتراف بالخطأ ومن ثم تطهير ذاته بالخيّرين من قضاته.

والعكس من ذلك ان يتم السكوت على الاخطاء والتجاوزات حتى تستفحل ويتحول همس الناس الى صراخ ويعم الظلم وتتفشى السرقات وتجارة المخدرات مع تكرار اصدار احكام البراءة في قضايا واضحة المعالم والاركان مع محاسبات – ان تمت – لا يعلم بها الا القلة القليلة في وقت يفترض فيه الاعلان عنها طمأنة لقـلوب الخلق.

آخر محطة:
شاهدت على YOU TUBE شريطا مؤثرا للشاعر الاسير فائق عبدالجليل وابنته وهما يغنيان ابان الاحتلال البغيض للكويت ويقدحان بشجاعة بالغة في طاغية العراق.. ابو فارس شمس ساطعة في سماء الكويت.

سامي النصف

استجواب وكتاب

ذكرنا في وقت مبكر، ابان استجواب السنعوسي وكررنا ذلك ابان استجواب العبدالله، بأن كل استجواب يقدم سيحظى على الارجح بطرح الثقة بالوزير بعيدا عن عدالة مادة الاستجواب من عدمها بسبب الاجواء العامة والثقافة السياسية السالبة السائدة المتوارثة في البلد، اضافة الى الصراعات الخفية بين الاقطاب والتوجهات السياسية المختلفة.

نجاح عمليات الاستجواب هذه الايام يبقى اقل ضررا وكلفة على الوطن من افشال الاستجوابات في السابق عبر رشوة بعض النواب والقفز بهم على القوانين المرعية في الدولة واهداء المناقصات المختلفة، للعلم ما نراه قائما من اظهار عداء وتخذيل ستكون له اثمان باهظة ستُدفع في الغد، وستندم كالعادة كتل ومجاميع سياسية على مساهمتها بأكل الثور الابيض المتكرر.

لو اننا نشهد ممارسة ديموقراطية راقية وهادئة لا تخندق او تعصب بها لما اعترضنا على دعوات ادخال العسكر والأبناء الطلبة لمعترك الانتخابات النيابية والحياة السياسية، اما واننا نرى بالعين المجردة العكس من ذلك تماما فإننا نرجو ترك الابناء يركزون على بناء مستقبلهم ومستقبل بلدهم ورجال الأمن يضعون نصب اعينهم امن البلد الداخلي والخارجي، بعيدا عن الانشغال بالعراك السياسي الدائم، وسنعيد النظر بهذا الموقف في زمن حالم بعيد عندما يرتقي الاداء السياسي وتنضج الممارسة الديموقراطية، وحينها فقط يصبح لكل حادث حديث.

العمل السياسي يرتبط نجاحه بالتوقيت الجيد والقرار الحاسم السريع، كتبنا في السابق عن الاعتذار المتأخر وكيف انه كان سيقلب الطاولة ويعطي حجة قوية لمعارضي الاستجواب لو تمت المبادرة به فور طرح القضية، هذه المرة نتكلم عن قضية اخرى نقرأها في الصحف ونسمعها في الدواوين وهي ان هناك رغبة بإعفاء احد الوزراء مع دخول الصيف، السؤال: اذا كان هناك قرار متخذ من قبل اصحاب القرار بالاعفاء فلماذا الانتظار حتى الصيف وبقاء الحالة متوترة بين الحكومة وبعض النواب على معطى ذلك الاعفاء الموعود؟

مما يُستغرب له بعض المواقف السياسية لاحدى اكثر الكتل النيابية خبرة وحنكة، ففي الوزارة السابقة وابان تسنم احد اقطابها لمنصب هام في الحكومة، قامت هذه الكتلة بدعم ان لم نقل بالتخطيط لاستجواب اودى بالحكومة وتسبب باستقالتها، عندما ابعد ذلك القطب تحولت من المعارضة الى الموالاة، واتحدى ان يفهم احد ما يجري على الساحة السياسية الكويتية من مواقف!

آخر محطة:
وصلنا من الشيخ مبارك فيصل سعود الصباح، وكيل ديوان سمو ولي العهد، اهداء لكتاب «الشيخ نواف الاحمد رجل دولة» الذي يعتبر اول كتاب توثيقي شامل يروي المسيرة التاريخية لسموه حفظه الله، الشكر المستحق لرجل المواقف الطيبة الشيخ مبارك الصباح.

سامي النصف

صباح الخير يا وطننا العربي الكبير

صوماليون يقتلون صوماليين وعراقيون يقتلون عراقيين وفلسطينيون يعدمون فلسطينيين ولبنانيون يفجرون لبنانيين وسودانيون يبيدون سودانيين والحبل على الجرار وصباح الخير يا وطننا العربي الكبير وسلاما يا خير أمة أخرجت للناس!

ما يحدث هذه الأيام في العراق مرشح للتكرار مستقبلا، الحافر بالحافر، في اكثر من بلد ثوري عربي واسلامي حيث سرقت المليارات طيلة العقود الماضية لاستخدامها في اثارة القلاقل والحروب الأهلية اللاحقة فور تغيير تلك الأنظمة القمعية مما سيجعل عهود الطغاة أقرب لعهود حكم الملائكة مقارنة بما سيحدث بعدهم لذا فلتتمسك الشعوب العربية بطغاتها حتى لا تضيعهم وتضيع معهم.

في العراق الجريح مازالت مخابرات صدام ورجالها المنتمون لجميع الطوائف يمارسون عملهم الاجرامي دون هوادة الهادف لإيصال العراق لحرب أهلية تجعل شعبه يترحم على الأيام التي كان يداس فيها بالجزم ويساق فيها من حرب عدمية الى اخرى، الصدامية مساوية للكفر لذا علينا ألا نستغرب ان يقوم السنة المنتمون اليها بتفجير مساجدهم او يقوم كذلك الشيعة المنتمون لها بتفجير مساجدهم والا كيف للسنة ان يصلوا لمساجد الشيعة وللشيعة ان يصلوا لمساجد السنة في هذه الأوقات الحرجة وضمن الاجراءات الأمنية المشددة؟ الاتهام السريع والمستعجل للآخر يتيح المجال لإبقاء الفاعلين طلقاء مما يمهد لتكرار جرائمهم الشنيعة.

من لندن خبر نشرته جريدة الشرق الأوسط في 2/6 مستقى من الوثائق السرية البريطانية المفرج عنها هذه الأيام يظهر ان عملية خطف الطائرة المليئة بالركاب الاسرائيليين قبل 30 عاما من اثينا الى مطار عنتيبه الأوغندي ثم تحريرهم بعمل بطولي اسرائيلي هز العالم وجعل هوليوود تخرج 4 أفلام سينمائية عنه هو في الحقيقة عمل استخباراتي متفق عليه بين اسرائيل والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (وديع حداد) التي كانت الاكثر ادعاء بالعداء لاسرائيل آنذاك.. هل هناك دروس فيما يحدث هذه الايام في قطاع غزة وغيرها؟ الله أعلم.

آخر محطة:
كالعادة الأخبار السارة تأتي دائما من دول الخليج، حيث توقع مصرف جولدمان ساكس الاميركي، كما اتى في جريدة «الاقتصادية» السعودية، ان الناتج الاجمالي لدول الخليج عام 2050 سيبلغ 5.5 تريليونات دولار كنتيجة لارتفاع اسعار النفط والغاز وهو دخل يفوق دخل دول صناعية مثل المانيا وبريطانيا وبمتوسط دخل للفرد الخليجي يفوق 65 الف دولار اي اكثر ثراء مما هو عليه الوضع الآن او في السبعينيات، وقد وضع محللو البنك محذورين هما عدم الاستقرار السياسي في الخليج وظهور مصادر بديلة للطاقة، نرجو الا يعتمد على ذلك التقرير للمطالبة بعدم دفع فواتير الكهرباء او تسديد القروض حتى حلول ذلك العام البعيد.

سامي النصف

الوصول متأخراً

الحفاظ على هيبة واحترام المرجعيات السياسية في الدولة وعلى رأسها سمو أمير البلاد المفدى أمر هام منعا للفوضى، وكي نجد دائما الاطفائي الذي يرش الماء البارد على نزاعاتنا الساخنة التي لا تنتهي، طلب سموه التهدئة لا يختص به رجال السلطة التشريعية بل يمتد لرجال السلطة التنفيذية ومن ثم ضرورة الحذر من التصريحات التي تؤدي الى ازمات.

مع بداية الأزمة الحالية وضعت 3 خيارات من النواب، أولها تصحيح ما أتى في لقاء الزميلة «القبس» او الاعتذار، او الذهاب للاستجواب، بودنا لو ان الازمة انتهت آنذاك في التو واللحظة عبر الاعتذار السريع بدلا من الاعتذار المتأخر، ووددنا بالمقابل لو ان الاعتذار، حتى وان أتى متأخرا، قد حصل على رضا النواب الافاضل وتوقفت القضية عند ذلك الحد.

ماذا لو لم يتم ذلك اللقاء الصحافي؟ هل كانت الكويت تنعم هذه الايام بمرحلة هدوء وسكينة سياسية؟! الجواب ببساطة «لا»، فمنهاجية الازمات امر مكتوب على الحياة السياسية الكويتية حتى نصل الى يوم يجلس فيه الحكماء من رجال السلطتين التشريعية والتنفيذية ويصلوا لحلول مؤسسية تفيد وطننا الكويت وتوقف تلك الأزمات المتلاحقة.

وفي هذا السياق بودنا ان يتوقف استخدام مصطلح «المنصة» القاسي، الذي لم أجد له مثيلا في قواميس البرلمانات العربية والأجنبية الاخرى، كونه يعطي دلالة على الإعدام او قطع الرقاب وليس على الحوارات السياسية الراقية والرأي والرأي الآخر الذي يفترض ان يشهده جمهور الاستجوابات.

نحن في حاجة ماسة لمستودعات عقول، احدها لدى السلطة التنفيذية بحيث تلجأ له قبل طرح القضايا المختلفة، مكون من رجال ساسة وتشريع وإعلام للتقليل من عدد الازمات والاصطدامات اللاحقة، والمستودع الثاني تختاره السلطة التنفيذية من رجال وحكماء السلطة التشريعية من مختلف الكتل والتوجهات السياسية، بحيث ما ان تبدأ الشرارة الاولى لأي ازمة حتى تلجأ لهم لمعرفة التوجهات العامة ضمن البرلمان والحل الامثل لذلك الاشكال وهي اخراجة تحتاجها الحكومة بشكل دائم في ظل غياب الاغلبية البرلمانية التي يفترض ان تركن لها.

بعد عودتي من السفر قمت بقراءة جميع اعداد الصحف الكويتية – وما اكثرها – ثم توجهت لمكتبة البابطين حيث تابعت قراءة الصحف الحزبية المصرية القديمة التي زود المكتبة بها مشكورا الأخ الكريم عبدالكريم البابطين، لمعرفة تفاصيل ما حدث يوما بيوم في الفترة من يناير الى يوليو 1952 والتي اشتهرت بعدم الاستقرار السياسي وكثرة تغيير الحكومات فيها، وذلك عبر الاطلاع على صحف «الاساس» السعدية و«السياسية» الدستورية و«البلاغ» الوفدية.

وقد قرأت بالصدفة في عدد جريدة «البلاغ» الصادر في 1/5/1952 مقالا للدكتور رياض صالح تحت مسمى «ابن امير يجذبه ابن حمال الى الصف فيطيع» يقول فيه انه قضى في الكويت عامين وقد وجد بها «شعبا متجانسا صغيرا يتصف ابناؤه بصفات يندر ان تتوافر لغيره من الشعوب، حيث يتمتع الفرد بكرامته وتجد الشوارع خالية من المنازعات» حسب قوله، ثم يروي تفاصيل القصة التي حدثت امامه حين خرج طالب من طابور العلاج وتقدم على الآخرين فجذبه طالب آخر وأرجعه الى مؤخرة الصف ووقفا يتضاحكان، ويقول ان مدرسهما ذكر له ان احدهما ابن امير البلاد والثاني الذي جذبه هو ابن حمال كويتي!

آخر محطة:
أحر التعازي القلبية للمملكة العربية السعودية في فقيدها البارز الشيخ عبدالعزيز التويجري والشكر الجزيل لسفير النوايا الحسنة الكويتية الأخ الفاضل عبدالعزيز البابطين على بادرته الخيرة باختيار ثلة من رجال الكويت واصطحابهم بطائرة خاصة لتقديم واجب العزاء بفقيد المملكة الكبير.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.

سامي النصف

حروب العرب.. حرب أكتوبر المجيدة

بعد نكسة يونيو كتب هيكل مقالا أسماه «تحية للرجال» كان ظاهره تحية لرجال القوات المسلحة المصرية، وباطنه تدميرا للقوة المعنوية للجيش المصري، لذا تبارى القادة العسكريون والمفكرون المصريون في الرد القاسي عليه.

في عام 73 كان المضلل هيكل مازال على رأس الاعلام المصري لذا حاول كعادته تحوير وتحريف الانتصار المصري الجبار عبر تسليط الضوء على انجازات واطفائه عن انجازات أخرى لا تقل أهمية عنها لأسباب سياسية خاصة به ومتصلة بعقله المريض.

ومن ذلك عدم تسليطه الضوء على الانتصار الاكبر الذي تم في مرحلة ما بعد سقوط خط بارليف، كذلك تطبيله المجوف لعنصر «المفاجأة» في الحرب والذي يقلل في مضمونه من حجم الانتصار الكبير ما دام قد تم على حين غرة وأثناء نوم العدو، والحقيقة ان جميع الوثائق الاسرائيلية والمحايدة ومنها كتاب رئيس المخابرات العسكرية الاسرائيلية تظهر معرفتهم بوقوع الحرب قبل 40 ساعة من حدوثها، وهو أمر طبيعي في ظل تحرك الجيشين المصري والسوري اللذين يتجاوز عددهما المليوني جندي، وإخبار أحد القادة العرب لهم بموعد تلك الحرب، وفي هذا اضافة مستحقة لحجم الانتصار العربي الذي تم والعدو مستيقظ وعالم بحدوثها لا نائم كما يدعي المضلل هيكل.

تولى قيادة الجبهة الجنوبية الاسرائيلية أعوام 67 ـ 70 الجنرال بارليف الذي آمن بنظرية الدفاع «الثابت» لذا جعل خط بارليف مرتكز الدفاع الاول امام الهجوم المصري المرتقب وحصنه بكافة أنواع الاسلحة والتخندقات، وكثف التواجد العسكري فيه.

في اعوام 70 ـ 73 تولى قيادة الجبهة الجنوبية بدلا منه الجنرال شارون الذي تساءل عن فائدة ذلك الخط، ودلل على خطته الدفاعية الجديدة بأنه لا يوجد خط دفاع صمد قط في التاريخ، مستشهدا بخط الدفاع الفرنسي «ماجينو» وخطوط الدفاع الروسية والالمانية ابان الحربين الكونيتين الاولى والثانية. كان شارون يعتمد على نظرية الدفاع «المتحرك» أي لا مانع من سقوط خط بارليف الذي أهمله وتسبب في إغلاق ثلثي نقاط مراقبته، وقلل من عدد جنوده حتى ان حرب أكتوبر بدأت ولم يكن فيه الا 356 جنديا قتل منهم 147 على حساب خلق منطقة «قتل» اسرائيلية تقوم في المنطقة ما بين خط بارليف والممرات في صحراء سيناء، معتمدا بالكامل على السيطرة الجوية الاسرائيلية وقوات دباباته على الارض، ومن هنا كان الانتصار المصري العظيم الذي أهمله اعلام هيكل، وهو الانتصار الذي لم يختلف عليه كحقيقة تاريخية الاسرائيليون والمحايدون قبل المصريين.

فبعد سقوط خط بارليف المتوقع، وهو الانتصار الاول، تقدمت القوات المصرية ليلقن الجندي المصري والآليات المصرية الاسرائيليين افدح الدروس والخسائر، وقد تمخضت عبقرية سلاح الجو المصري، الذي كان يرأسه آنذاك الرئيس حسني مبارك، عن خلق حائط صد فاعل من صواريخ «أرض ـ جو» حيدت سلاح الجو الاسرائيلي وأسقطت طائراته كالذباب وأسقطت معها نظرية الدفاع المتحرك لشارون بعد أن أسقطت نظرية الدفاع الثابت لبارليف، في وقت قامت فيه الدبابات المصرية ومعها قناصو الدبابات من الجنود المصريين بتحطيم اسطورة سلاح الدبابات الاسرائيلية، وكانت اسرائيل قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة الكبرى الاولى في تاريخها لو تم تطوير ذلك الانتصار المصري الساحق بالتقدم للمضائق ومن ثم منع احتمال حدوث ثغرة الدفرسوار.

كانت تلك الثغرة، كما تظهر الوثائق الاسرائيلية والمحايدة، بمنزلة المعجزة، وكان انجازها الاكبر انها استطاعت تدمير 36 بطارية صواريخ مما مجموعه 39 بطارية ومن ثم عادت السيطرة لسلاح الجو الاسرائيلي، وقد تقدم الفريق سعد الدين الشاذلي بمقترح مجنون، نحمد الله ان الرئيس العاقل انور السادات لم يأخذ به، وهو سحب كافة القوات المصرية المنتصرة من شرق القناة لغربها لمواجهة تلك الثغرة التي أدت الغرض منها بعد تدمير بطاريات الصواريخ، ولم يعد مجديا اضاعة النصر بحصارها غرب القناة وكأنك يا بوزيد ما غزيت.

سامي النصف

حروب العرب.. الاستنزاف

ذكرنا في مقال أمس ان الطائرات المصرية ضُربت على الأرض وهو أمر يمكن بسهولة تعويضه نظرا لنجاة الطيارين المصريين، وكانت الحالة الاقتصادية شديدة السوء في مصر بعد تطبيق التأميمات الاشتراكية العبقرية ابان حقبة الستينيات، وقد وصلت الى حد تم فيه وقف الطيارين عن التمارين الجوية قبيل الحرب بحجة ترشيد الإنفاق وقد كان هناك 8 طيارين لكل طيارة حربية.

مما سبق نجد ان المنطق والعقل السليم (لا الغوغائية) يتطلبان ان يمد النظام المصري في الهدنة التي بدأت فور انتهاء حرب الأيام الستة حتى يمكن له الحصول على الأسلحة وتدريب الطيارين استعدادا لجولة تحرير الأرض، والطيار والمقاتل المصري ليسا أقل قدرة من الاسرائيليين.
 
بعد سقوط عامر تولى القيادة شخص آخر محدود القدرات هو الفريق محمد فوزي الذي يقول الفريق عبدالمحسن مرتجي ان سبب اختياره للقيادة انه كان أول من رد على هاتف عبدالناصر فور عزل المشير عامر.

في يناير 91 ارسل الفريق المتقاعد فوزي رسالة مفتوحة لصدام نشرتها جريدة «مصر الفتاة» التي كان يرأس تحريرها مصطفى بكري قال فيها ان الهجوم الاميركي الرئيسي سيأتي من البحر (الشرق) وان خسائر الهجمة الأولى ستزيد على 200 ألف قتيل اميركي مما سيجعل الشعب الاميركي يثور على قيادته ويوقف الحرب الهادفة لإرجاع حاكم الكويت لعرشه (كما أتى في الرسالة).

بدأت حرب الثلاث سنوات بقرار سياسي خاطئ من ناصر (ما الجديد؟) وعسكري من فوزي ودعم تنظيري وإعلامي من هيكل (ما الجديد كذلك؟) والحقيقة ان الكارثة الحقيقية ليست حرب 67 بل حرب الاستنزاف، فعنصر المفاجأة في الأولى قد يبررها أما الثانية فهي هزيمة أو جريمة تمت مع سبق إصرار وترصد، فالثانية لا الأولى هي التي تسببت بتهجير مئات الآلاف من سكان مدن القناة، والثانية لا الأولى هي التي أغلقت القناة وحرمت مصر من مواردها، والثانية لا الأولى هي التي تسببت بالذبحة الصدرية الأولى لعبدالناصر بعد فضيحة رادار الزعفرانة، والثانية لا الأولى هي التي أرغمت ناصر على القبول بمبادرة روجرز بعد ان تمخضت نكسة 67 عن لاءات الخرطوم الثلاث.

قامت فلسفة حرب الاستنزاف العبقرية على استنزاف اسرائيل كما هو مسماها، والشيء البسيط الذي تم تناسيه من خطط لتلك الحرب الغبية هو رد الفعل الاسرائيلي عليها، فلم تعطل حرب الاستنزاف الاقتصاد الاسرائيلي أو حتى تؤثر عليه كون الحرب قامت في الجانب الاسرائيلي على الجنود المتحصنين في خط بارليف، الا ان الدور الرئيسي في تلك الحرب لعبة سلاح الجو الاسرائيلي الذي استغل قوته وهيمنته فصال وجال في الأجواء المصرية فأوقف عمليات اعادة بناء المطارات والمنشآت العسكرية وقام بضرب المصانع والمزارع والمدارس لاظهار ضعف قدرات القيادة المصرية واثارة حنق الشعب المصري عليها، ولم تسقط في تلك الحرب وخلال 3 سنوات طائرة اسرائيلية واحدة، وقد اثنى فيما بعد المضللان هيكل وفوزي على تلك الحرب الخاسرة.

والملاحظ ان القبول العاقل والمضطر لمبادرة روجرز قد أعطى مصر أخيرا فترة الهدوء اللازمة التي كان يفترض ان توفرها هدنة ما بعد حرب 67 والتي أوقفتها ومنعتها حرب الاستنزاف، لذا لم تقم حرب أكتوبر المجيدة إلا في عام 73 أي بعد 3 سنوات من الهدوء والعمل لإعادة البناء العسكري، وقد كان بإمكان تلك الحرب المجيدة ان تحدث في عام 70 لو لم تقم حرب الاستنزاف.