سامي النصف

حتى لا نتحول لبلد إضرابات

من عاش في بريطانيا قبل الحقبة التاتشرية يعلم كم كان الوضع مؤلما هناك حيث تفاجأ كل صباح بإضراب موظفي السكة الحديد أو الباصات أو عمال النظافة أو شركات الطيران أو حتى القائمين على خدمات الكهرباء والماء والبريد وعادة ما تمتد تلك الاضرابات المدمرة لأشهر أو سنوات عدة.

لذا لم ينطلق الاقتصادان البريطاني والأوروبي ولم يتحررا ويتطورا، ومثلهما اقتصاد الولايات المتحدة ابان عهد الرئيس ريغان، إلا بعد حل مشكلة الاضرابات، التي كان من أشهرها اضراب المراقبين الجويين، من جذورها والتأكد من أن عمليات التفاوض بين الجهات المعنية تتم بعيدا عن منهاجية الاضراب التي تشل البلاد وتزعج المواطنين وتضر بمصالح الطرفين المتفاوضين.

في الكويت بقيت اشكالية الاضرابات محدودة والحكمة سائدة حتى تغيرت المعطيات قبل مدة عندما قام البعض بتشجيع مبدأ «اضربْ تُجَب» أي عليك أن تلجأ للاضراب حتى نستمع لك ونحقق لك كل طلباتك، وهو ما جعل شرارة الاضراب تنتشر كالنار في الهشيم في البلاد، ولم يوقف أكثر من 22 نقابة عن الاضراب، كما أتى في بعض الصحف، الا دخول الشهر الفضيل.

ان الواجب الوطني ومصلحة البلاد والعباد يقتضيان من الجانب التنفيذي أن ينجز الطلبات المحقة للموظفين والعمال عبر التفاوض الجدي والودي، ودون الحاجة لدفعهم للاضراب للحصول على حقوقهم كاملة، كما ان على الجانب النقابي ان يتفهم ضرورة طرح المطالب العقلانية والقبول بالتدرج للحصول على ما يتم طرحه، فما لا يحصل كله لا يترك جله.

ان كل قطاعات الدولة مهمة، وأي اضراب أيا كانت مهنة منتسبيه سيتسبب في أفدح الضرر للبلاد ولا حكمة من الحج لطرق ووسائل تركتها الدول المتقدمة خلفها لما تتسبب فيه من خسائر فادحة للاقتصاد الوطني وتعطيلها لمصالح المواطنين، لذا نرجو ان نرقب في المرحلة المقبلة تعزيز نهج مفاوضات الغرف المغلقة التي يقوم بها الحكماء من كل الاطراف والتي تؤدي الى النتائج الطيبة.

آخر محطة:
إضراب يلد اضرابا سيجعلنا نتحسر بشدة على عصر أزمة سياسية تلد أخرى.

سامي النصف

يا رجال الاقتصاد الحر اتحدوا

لا يستطيع ارتفاع أسعار النفط المؤقت أن يخفي حقيقة ان عهد «الحكومة الكبيرة» التي توظف وتربي المواطن من المهد الى اللحد قد اختفى من العالم، وحل محله عهد القطاع الخاص المنتج والفاعل والقائم على البادرة الفردية ومنهاجية الابداع والتطور.

وبذا أصبح رجال الاعمال في العالم أجمع يوقَّرون ويقدَّرون وتُفرش لهم السجاجيد الحمراء عند الوصول، وتحوَّل قادة الدول الكبرى من مسوِّقين للنظريات السياسية كما كان يحدث في العقود الماضية الى بائعين للمصالح الاقتصادية لشركاتهم، كما انصرف اهتمام السفارات والمخابرات عن العمل السياسي الى التجسس الصناعي.

في وسط هذه المتغيرات العالمية القائمة منذ سنوات نجد أن رجال الاقتصاد والاعمال في بلدنا وهم أمل المستقبل ومن سيخلق فرص العمل الجادة للأجيال المقبلة يضربون ضرب غرائب الابل من كل الاتجاهات ومن جميع التوجهات، وهم من يتسابق بعض رجال السلطات الذين تظللهم قبة البرلمان على محاربتهم وفسخ عقودهم واطلاق الصفات والمسميات الضارة عليهم.

لقد تسببت تلك الاجواء المحلية غير المشجعة في هجرة رجال الأعمال الكويتيين للخارج حيث واجهوا كذلك الأمرّين طبقا لنظريتين أولاهما نظرية عربية نصها مقولة «الدخول السهل والخروج الصعب» وهو ما يحدث في بعض بلدان الاقتصاد الاشتراكي العربي المتحول التي تسهّل الدخول وتصعّب الخروج، والثانية نظرية خليجية ملخصها «خل يكبر كفله حتى يحل ذبحه» وهو ما يحدث في بعض دول الخليج التي تسمح للمال الكويتي بالاستثمار والعمل، الا انه ما إن ينجح ويزدهر حتى تبدأ عمليات الاستيلاء القسرية والمضايقات على الممتلكات والاستثمارات التي لا تنفع معها الشكوى أو الذهاب للمحاكم.

إن الحل الوحيد لإبقاء الاموال الخاصة الكويتية في الكويت لتنمية البلد ولاستغلال تلك الفرص النادرة التي تمر علينا كمرور السحاب ولإزالة المعوقات السياسية والبيروقراطية هو عبر العمل المؤسسي المنظم لرجال الاعمال القائم على خلق كارتيلات ولوبيات منظمة ومؤثرة تشرح حقيقة دور القطاع الخاص في التنمية وخلق فرص عمل للشباب الكويتي ومحاولة كسب الدعم والتأييد من قبل الوزارات المختصة واعضاء البرلمان.

آخر محطة:
يحتاج الأمر كذلك من هيئة أو تجمع رجال الاعمال القيام بعمل اعلامي فاعل لتغيير الصورة النمطية السالبة عن رجال الاعمال في أذهان الناس والتي خلقتها موروثات حقبة الاشتراكية العربية والتي نراها منعكسة في أعمال الدراما العربية والخليجية والكويتية، حيث يمثَّل رجل الأعمال دائما بدور المستغل والشرير والمتجاوز على القانون.. إلخ.

سامي النصف

مبدأ فصل السلطات وحدة واحدة!

السلطات في الدول هي ثلاث حقيقية ورابعة اعتبارية هي سلطة الاعلام وقد جرت العادة في دول العالم الثالث ان تقفز السلطة التنفيذية على مبدأ فصل السلطات العام فترغم اعضاء السلطة التشريعية على رفع الايدي بالموافقة على كل ما يطرح وتجعل من تصطفيه من القضاة سيفا مصلتا على اعناق الابرياء ووسيلة لملء السجون بالمعارضين كما يتحول الاعلام فيها الى اعلام مطبل يرقص للطغاة ويبرر اخطاءهم الجسيمة.

وتظهر تجربتنا المعيشة في الكويت خلال نصف القرن الماضي العكس من ذلك تماما فقد امتدت صلاحيات السلطات الاخرى على حساب السلطة الأولى «التنفيذية» فرأينا التدخل اليومي لبعض النواب في اعمال الوزراء والوزارات كما تفننت بعض الاحكام القضائية في نقض قرارات السلطة التنفيذية دون دفوع منطقية، وفرضت السلطة الرابعة في كثير من الاحيان اجندتها على رجال السلطة الأولى فأبعدت بعض الوزراء على معطى هجوم الصحافة الكاسح عليهم.

وقد اصبح رجال السلطة الأولى تبعا لذلك هم المنفردين بالمحاسبة حيث تكرر عزلهم على معطى الاستجوابات المتلاحقة القائمة على اخطاء بسيطة بينما لم تشهد الكويت خلال نصف قرن من الزمن محاسبة علنية حقيقية لأحد النواب أو أحد رجال النظام القضائي في وضع فريد من نوعه في العالم اجمع حيث تفترض حقيقة كهذه ان رجال السلطة الأولى قد اصبحوا هم فقط من يخطئون بينما أصابت العصمة رجال السلطات الأخرى.

على هذه الخلفية كان «صراع الجبابرة» الفريد الذي شهدناه قبل ايام فقد كبرت لدى بعض رجال السلطة الثالثة (القضائية) عملية انتقاد اعمالهم خاصة انها تحدث للمرة الأولى في تاريخهم من قبل رجال السلطة الثانية (التشريعية)، كما كبرت بالمقابل لدى رجال السلطة الثانية ان يطبق عليهم للمرة الأولى في تاريخهم القانون ويدخلوا النظارة عند رفضهم دفع الكفالة المالية حالهم حال بقية المواطنين.

لذا فالمفروض – استفادة مما حدث – ان نرى فصلا حقيقيا للسلطات لا ان يتم التباكي على ما اعتبر مساسا بالسلطة الثالثة من قبل من يقفز يوميا على صلاحيات السلطات الاخرى، كذلك يجب ان نرى سريعا عمليات محاسبة علنية لمن يخطئ من رجال السلطتين الثانية والثالثة ضمن عملية الاصلاح المطلوبة من قبل الشعب في كل القطاعات ومن ثم التوقف عن اعطاء العصمة لمن لم يمنحهم رب العباد ذلك.

آخر محطة:
مبروك لابن مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية الكفء براك الصبيح تسلمه مقاليد «الكويتية» للسنوات الثلاث المقبلة وفقه الله ومن معه لايصالها الى بر الامان وجعلهم خير خلف لخير سلف.

سامي النصف

مجتمع الغضب

قضيت اجازة الصيف في لبنان وكنت اشاهد في مطاعمها الاخوة والاخوات اللبنانيين يملأ جلساتهم الفرح وتجلجل ضحكاتهم اركان المكان رغم محدودية دخولهم المالية ووفرة الصعوبات الحياتية بينما يكتفي بالمقابل بعض ابناء جلدتنا بالمراقبة بوجوه مكفهرة غاضبة رغم وفرة المادة والصحة الجيدة.

ظاهرة «الغضب الشديد» وعدم السعادة تستقبلك منذ اللحظة الاولى التي تطأ فيها قدمك معبر الدخول الكويتي من مطار وغيره وتعكس نفسها بحالة انفجار كبيرة عند حدوث اي خطأ صغير فتسمع صرخات رجال الامن او الجوازات او الجمارك وغيرهم ويلحظ حالة الغضب تلك الزائر الجديد في الشوارع والمطاعم ولدى موظفي الدوائر الحكومية.

ويندر ان تجد مقر عمل في بلدنا لا تكتنفه الصراعات والكلمات الغاضبة المنطلقة من كل الاتجاهات من زملاء تجاه اخوة لهم مما ينتج عنه عادة ضعف معدلات الانتاج والدفع بالكثير من الكفاءات الى عمليات التقاعد المبكر حيث ينتقل الغضب مع الغاضبين الى البيوت والدواوين والمقاهي.

وتعكس ظاهرة الغضب الكويتي نفسها بوفرة المنازعات في المحاكم وتفشي الطلاق وكثرة امراض السكر والضغط والقلب والقولون والموت المبكر، كما تنعكس بشكل آخر بوفرة حوادث السيارات وانتشار المخدرات لدى الشباب ممن يترجمون غضبهم بزيادة السرعة او تناول الجرعة او حتى القتل على معطى «الخز».

اننا في حاجة ماسة الى علماء اجتماع ونفس يدرسون ظاهرة الغضب المقيتة والمميتة ويرون ان كانت ظاهرة مستقرة تاريخيا في المجتمع الكويتي ام طرأت علينا في وقت لاحق وهل تسببت فيها اي متغيرات سياسية او اجتماعية حدثت لنا خلال الثلاثين عاما الماضية ولماذا؟

يتبقى التحسر الشديد على من لا يعرف معنى الحياة او سر السعادة فيها فيمضي به العمر سريعا الى القبر دون ان يترجم ما حباه الله من نعم الامن والمال والصحة الى سعادة دائمة تجعله لا يتحسر في شيخوخته او رمقات عمره الاخيرة على ما فاته من سنوات لا تعوض قضاها في الغضب والمنازعات التي ينتهي الاجل دون ان تنتهي.

آخر محطة:
يجعل الغربيون من اعياد الكريسماس نقطة تحول في مسار حياتهم فيتعهدون بالتوقف عن هذا الامر او ذاك، بودنا ان نجعل من عيد الفطر المقبل نقطة تحول لمن ابتلي بتلك الظاهرة فيستبدل مسار الغضب الضار بنهج الفرح المطيل للأعمار ولن يندم بالقطع.

سامي النصف

حكايات منتصف الأسبوع

مع القرار الموفق بتغيير العطلة الاسبوعية من الخميس الى السبت، تحول منتصف الاسبوع الذي تكثر فيه عادة الديوانيات من يوم الاثنين الى يوم الثلاثاء، والواجب ان تتحول أيام الدواوين طبقا للعطلة الجديدة، وأن يعلن عن ذلك تباعا بعد العيد مباشرة عبر وسائل الاعلام من صحف ومجلات.

يقال إن أهم مراحل عمر الطفل السنتان الأوليان من حياته، حيث يكتسب خاصية التعلم والذكاء، لذا ينصح بالاكثار من الحديث الهادف والعاقل معه وتدريبه على المهارات المختلفة، لدينا مازالت الجرعة الوحيدة التي يتلقاها الطفل العربي في تلك السن المهمة هي عمليات التخويف المتكرر له واظهار اللسان ومط حرف «الغين» طوال الوقت، ما يسبب له عملية تخلف عقلي شديد يصعب التخلص منه في مراحل لاحقة.

نتاج مثل تلك التربية الضارة ما نراه هذه الايام قائما في بعض برامج المسابقات الرمضانية على الفضائيات العربية المختلفة، فقد ظهر على واحدة منها سؤال مكتوب نصه هكذا «وزير العمل السعودي هو د.(…..) القصيبي، اذكر اسمه الأول».

وقد قرأ المذيع النابغة السؤال بالطريقة التالية «وزير العمل السعودي هو د.غازي القصيبي فما هو اسمه الاول؟! الغريب – كما أخبرني أحد الاصدقاء – ان المتسابق احتار في الاجابة وطلب تغيير السؤال!

مسلسلات الغرب «المادي» لا تستطيع قراءة أسماء ممثليها من سرعة مرورها على الشاشة كونهم لا يحاولون خداع أو غش المشاهد، مسلسلات رمضان العربية يضيع أول ربع ساعة منها في عرض بطيء وممل لكادر الاسماء مع أغنية مكررة ثم يعاد الأمر في نهاية المسلسل، ما بين الاسماء والاسماء نجد أن البطل يتكلم بحديث عادي لمدة دقيقة ثم تضيع أربع دقائق بعدها في «زومات» الكاميرا على وجوه الحاضرين لإظهار استغرابهم الشديد مما قاله.

كما أن المط والغش والتطويل تجعل تحرك الممثلين يصل من البطء أحيانا لدرجة أن بإمكانك أن تبدأ فطورك مع تحرك البطل من منتصف الغرفة باتجاه الباب وتنهي الفطور وهو مازال يمشي ويتوقف لينظر للأرض تارة ثم للسقف تارة أخرى، وكأنه مشغول بتفكير عميق، بينما هو يضحك في سره على خيبة المشاهدين ممن يفترض أن يهجروا من يحاول خداعهم.

آخر محطة:
سمعنا قبل الصيف تهديدات تظهر عواقب استبدال عطلة الخميس بعطلة يوم السبت، تغيرت العطلة هذه الايام فما بدّل أحد دينه لليهودية أو أطال معها زلفه واعتمر القبعة السوداء، فلنحسن الظن قليلا بقوة ديننا وبشدة إيمان أتباعه.

سامي النصف

حتى لا تقطع الرقاب في الكويت

حتى لا نصل إلى يوم نقطع فيه – لا سمح الله – رقاب بعضنا كما يحدث في العراق، أو يفجر بعضنا بعضا كما يحدث في لبنان، أو يقاتل بعضنا بعضا كما يجري في فلسطين، علينا ان نعلم ان شعوب تلك البلدان الشقيقة كانوا يرددون ان تلك الأمور لن تحدث لهم أبدا، فحدثت سريعا حتى قبل أن يجف حبر تصريحاتهم.

نرى أن هناك ظواهر أو حلقات متى ما اجتمعت في أمة انتهى بها الحال الى الدمار والخراب ومن ثم فكلما فككنا حلقة من تلك الحلقات ابتعدنا أكثر وأكثر عن الفوضى العارمة واحتمالات الحروب المدمرة، لذا فإبطال أول تلك الحلقات يقتضي منا العمل جميعا للحفاظ على «هيبة الدولة» واحترام النظام فلم يحترق وطن قط وتنعدم نعمة الأمن فيه إلا عبر هدم مبدأ توقير السلطات.

تفكيك ثاني الحلقات يقتضي ان نركز على ما يجمعنا كأبناء وطن واحد لا ما يفرقنا ومن ثم البعد عن الطرق اليومي على التباينات السياسية والاجتماعية والدينية المعتادة وتحويلها من ظاهرة جميلة موجودة في كل البلدان الى مشكلة مستعصية لدينا، كما علينا الا نستقصد الناس على معطى هوياتهم وانتماءاتهم المذهبية والاجتماعية وان ننأى بأنفسنا حتى عن النكات الفئوية الضارة والمدمرة حتى لا ينتهي المزاح بطعنات الرماح التي تمزق الأمة.

وتفكيك الحلقة الثالثة يوجب علينا الالتفاف حول اهداف واماني وطنية مشتركة فلا يجوز ان يصل التباين بين ابناء الوطن الواحد الى ان يصبح ما يبكي نصف الشعب يفرح نصفه الآخر والعكس صحيح.

أما تفكيك الحلقة الرابعة فيقتضي الحد من الولاءات البديلة التي تسوّق تحت ألف ذريعة وذريعة، فلا يسمح بولاء «فوق الوطن» أي تقديم ولاء أممي على الولاء للكويت، أو ولاء «تحت الوطن» اي تقديم مصلحة العائلة أو الطائفة أو القبيلة على مصلحة الوطن.

وتفكيك الحلقة الخامسة يوجب خلق مواثيق شرف اعلامية تضع نصب اعينها مصلحة الوطن اولا ومصلحة الوطن اخيرا، فالإعلام هو القادر على اطفاء الحرائق وتعزيز الانتماء للأوطان وهو القادر كذلك على العكس من ذلك.

واضعاف الحلقة السادسة يقتضي منع الاستحضار الخاطئ للتاريخ الحديث منه والقديم بحثا عما يفرقنا فقد حل الداهية هنري كيسنغر الإشكال المعقد بين مصر واسرائيل بثلاث كلمات نطقها بالعربية وهي «اللي فات مات» والواجب ان نفشي ونطبق ذلك المفهوم في العلاقة المتبادلة بين الحكومة والمعارضة من جهة والتكتلات السياسية والشرائح الاجتماعية بعضها مع بعض من جهة اخرى.

أما إبطال الحلقة السابعة فيكمن في الحاجة للتوقف عن الاختلاف «الحاد» على معطى ما يحدث في الخارج فما يحدث في العراق أو فلسطين أو أفغانستان أو إيران أو لبنان أو السودان.. الخ، هو شأن خاص بتلك البلدان ولنا بالطبع ان نبدي وجهات نظر متباينة فيه بحدود العقل والحكمة دون جعله اداة للفرقة والشقاق والتناحر فيما بيننا او ارسال «المتطوعين» لتعلم فنون القتل والنحر هناك.

آخر محطة:
يمكن استخدام نظرية «الحلقات السبع» سالفة الذكر لتقييم الأوضاع في الدول الاخرى فكلما زاد تواجد الحلقات في احدى الدول زاد خطر دمارها واقتتالها الداخلي وكلما قلت او انعدمت زادت معها احتمالات رسوخ عمليات التنمية والسلام الاجتماعي فيها.

سامي النصف

الحكومة الذكية

الحكومة الذكية التي نشير لها ليست حكومة الكمبيوتر والانترنت وغيرهما من وسائل الاتصال الحديثة كما تسمى في العادة، الحكومة الذكية التي نعنيها ونحن في وسط مشاورات اكمال الشواغر الوزارية هي التي تنتقي من تثبت سيرته الذاتية الذكاء الحاد والقدرات غير العادية التي تضيع وسط البحث عن التوازنات المختلفة ولإرضاء بعض التوجهات السياسية.

فالذكاء هو إحدى نعم السماء التي تختص بها قلة قليلة ونادرة من الناس تتسابق عادة الدول الاخرى والشركات الكبرى لتوظيفهم والاستعانة بهم لتحقيق الانجاز وتقليل السقطات وحصد النصائح المتميزة تجاه ما يطرح أمامهم من قضايا، ما يحدّ من منهاجية التجربة والخطأ والتصحيحات اللاحقة الواجبة.

في أوطاننا العربية أسيء بشدة فهم حقيقة ان الناس سواسية كأسنان المشط، حيث تناسوا أنها تختص بالمساواة في الحقوق والواجبات الانسانية والدينية حيث لا فرق بين أبيض وأسود أو عربي واعجمي، واعتقدوا بالمقابل أن لا فرق في القدرات الذاتية والمواهب الربانية بين الناس، لذا فلك أن تختار منهم ذوي الرؤية الضيقة المحدودة، وتترك من يمتلك الذكاء والنبوغ دون ضرر أو خسارة على البلدان، وتلك – حقيقة – إحدى مصائب دول العالم الثالث.

وكلما صغرت البلدان وقل عدد السكان قل معهم عدد الناس المتميزين ذوي العقليات الفذة والقرارات الحكيمة التي لا ترتبط بالضرورة بالشهادات الاكاديمية العليا، لذا فهناك حاجة ماسة لخلق مركز معلومات يختص بحصر الاذكياء منذ ايام دراستهم الاولى ومتابعة المتميزين في أعمالهم وأصحاب الكفاءات المحلية النادرة لوضعهم امام المسؤولين كي يختاروا منهم القياديين المستقبليين للدولة، وعندها سنرى القفزات السريعة في البلد والبدء في ملاحقة ركب الآخرين.

ان النهضة السريعة لكثير من البلدان والمؤسسات الخليجية قامت في أحد أهم عناصرها على الاستعانة بالمتميزين والاذكياء من مسؤولين محليين وخبرات وكفاءات عالمية كي يعملوا بتناغم مدروس لتحقيق الانجاز، ولا نحتاج في نظرتنا الاستشرافية للمستقبل الباهر، الا ان نستعين بالكويتيين المتميزين من مستودعات المعلومات وتشجيعهم على الاستعانة بالخبرات الاجنبية المتميزة كذلك للعمل معهم كي تقلع طائرة الوطن محلقة في الاجواء العليا، فتخف الشكوى وينتهي التذمر.

وإحدى مزايا الاذكياء قلة سقطاتهم السياسية، كما أن نتائج أعمالهم وافكارهم ستبهر الشعب، فتقل الاستجوابات والمناكفات الشخصية، كما سيملكون القدرات اللازمة تحت قبة البرلمان لمقارعة الحجة بالحجة، خاصة أن هناك 50 نائبا يقابلهم 16 وزيرا أي أن الكثرة العددية للنواب الافاضل تستوجب قدرات نوعية اضافية للمسؤولين.

آخر محطة:
قبيل ارسال المقال وصلني بريد الجريدة ومن ضمنه كتاب «ديوان المحاسبة مسيرة وتاريخ»، ولما كان الاخوة الاعزاء في الديوان وهم عين الشعب الساهرة على أمواله لا يتركون شاردة أو واردة أو خطأ دون رصده وتسجيله ولهم الشكر الجزيل على ذلك، نذكر لهم بعض الاخطاء البسيطة التي لحظتها خلال دقائق التصفح راجيا تصحيحها في الطبعات المقبلة، ومنها (1) صفحتا الغلاف مقلوبتان فوق تحت، كما أن الغلاف الانجليزي وضع للقسم العربي والغلاف العربي وضع للقسم الانجليزي، (2) صفحة 18 تذكر أن وصول أسرة آل الصباح للكويت عام 1613، وصفحة 47 تذكر أنه تم في عام 1711 (بالعربي والانجليزي)، (3) لا يمكن لوكيل الديوان العزيز عبدالعزيز الرومي ان يولد عام 1974 اذ ما كتب بعده أنه تخرج عام 1971 كما أتى في الطبعة الانجليزية، كما لا يمكن للمرحوم حمود المضيان أن يولد عام 1919 ثم يتخرج من مدرسة المباركية عام 1993 كما أتى في القسم الانجليزي من الكتاب، تلك الملاحظات الاولية والغلطات المطبعية لا تبخس معدي ومراجعي ذلك الكتاب المعلوماتي المهم جهدهم الطيب والمميز، فلهم الشكر المستحق.

سامي النصف

الكويت في فكر أميرها

أتى لقاء أمير الكويت واطفائيها الأول صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله، بأبنائه رؤساء تحرير صحفنا المحلية ليلقي بالماء البارد على كثير من النيران التي أُججت في الفترة الأخيرة دون احساس بالمسؤولية أو الحرص على المصلحة الوطنية، ومن ذلك قول سموه «انني لا أرى، حقيقة، مبررا واحدا لكل هذه الممارسات غير المسؤولة، الا ان يُقصد بها جر شعب الكويت الى التصارع والتطاحن، وهذه أمور لن نسمح بها لأنها خط أحمر لا يمكن تجاوزه».

فما ان أُطفئت شائعة تنقيح الدستور حتى لحقتها على الفور أكذوبة حل المجلس حلا غير دستوري دون أن يُسأل من بدأ اسطوانات الزيف تلك عن مقاصده من اثارة البلبلة والفرقة في البلاد وسط الظروف الحرجة القائمة أو أن يحاسب من يكتب ما يسمع دون تدقيق أو تمحيص.

ومما قاله سموه في لقاء السابع من رمضان الهام، في اشارة الى هذه الشائعات المنتشرة والصراعات المتصلة: «ان مثل هذه الممارسات الخاطئة انعكست سلبيا على سمعة الكويت وشوهت نظامها الديموقراطي الذي نعمل جميعا على صيانته وتطويره خدمة للوطن والمواطنين». وقد يكون من الامور المحزنة حقا ان الكثير من الامور التي تسيء للديموقراطية وتشوه سمعتها أمام الآخرين تصدر ممن يفترض ان يكونوا أكثر الناس دفاعا عنها.

وقد ذكّر سموه في اللقاء المثمر ابناءه رؤساء تحرير الصحف بضرورة الحرص على علاقات الكويت بالجيران والاشقاء فمازلنا بلدا صغيرا تكمن مصلحته الاستراتيجية في الحفاظ على الاصدقاء والاكثار منهم لا البحث عن الاعداء، كما بيّن سموه ان توجه الدولة للخصخصة لا يعني تبني نهج الرأسمالية المتوحشة ومن ثم القبول برمي المواطنين دون عمل في الشوارع.

وقد كان تذكير سموه للحضور بأنه أقسم أمام الله والشعب على حماية البلد وصونه من أي شيء يؤدي للضياع أو الابتعاد عن الدستور أمرا حاسما لا يجوز بعده الركون للشائعات والاقاويل المغرضة، وعليه نرجو أن يرقب الشعب الكويتي مسارا جديدا بين الحكومة والقوى السياسية يقوم على نسيان الماضي وخلق أسس جديدة للعلاقة بين السلطات تبنى على الثقة المتبادلة وافتراض حسن النوايا اللذين لا غنى عنهما في أي علاقة انسانية صحية، ومن دون ذلك ستتوقف خطط التنمية ويتخلف البلد ونشغل بأنفسنا عن مخاطر الخارج.

آخر محطة:
نرجو أن يكون خطاب الأمير الكافي والوافي الاطفاء الاخير للنيران التي تشعل بين حين وآخر، كما نود ديمومة وانتظام مثل تلك اللقاءات الحميمة التي بددت كالضوء الباهر في دقائق شائعات مظلمة بنيت في أشهر عدة.

سامي النصف

الحرب قادمة فهل نحن نائمون؟!

هناك 3 سيناريوهات لما هو مقبل من أحداث ومواجهات محتملة بين الولايات المتحدة وإيران، وأعتقد شخصيا ان جميعها يدل على ان الخاسر الاكبر فيما قد يحدث هو أميركا، ومن ثم علينا كحلفاء وأصدقاء لها ان نطالبها بحل اشكالها مع ايران عبر الطرق السلمية والوسائل الديبلوماسية ومنهاجية الغرف المغلقة بعيدا عن التهديد والوعيد المتبادل.

السيناريو الأول هو بقاء الأمور ساخنة دون نزاع مسلح رغم التهديدات والتصريحات الغربية اليومية، وخسارة أميركا واضحة في هذا السيناريو كونه سيضعف من هيبتها في العالم ويظهرها كنمر من ورق خاصة أمام أعداء تقليديين مثل كوريا الشمالية وكوبا وحتى روسيا ممن يعتقدون ان المستنقع العراقي جعل الرأي العام الاميركي وممثليه في الكونغرس يرفضون تورط أميركا في حرب أخرى.

السيناريو الثاني حدوث ضربة عسكرية «جراحية» لأماكن محددة في ايران لا تخلق أي اهتزازات أو أضرار بنظام الحكم في طهران ومن ثم سيظهر بمظهر المنتصر خاصة عند قياس فارق القوى العسكرية والمادية والبشرية بين البلدين، وسيتم استغلال ذلك الانتصار لتلعب إيران دورا أكبر في المنطقة، وبالتالي خسارة أميركا في المحصلة النهائية لمثل تلك المواجهة، وقد يكون هذا السيناريو هو الاكثر احتمالا كونه الاقل ضررا على أميركا من السيناريوهين الآخرين.

السيناريو الثالث هو ضربة أميركية – ولربما بمساعدة اسرائيلية – كاسحة تستخدم بها احدث الاسلحة والقذائف المدمرة على مدى زمني أطول بشكل يهز صورة النظام في طهران ويضعف قبضته على الاطراف ما يمهد لخلق حالة أشبه بعراق ثان ستستغلها القاعدة وغيرها من منظمات ارهابية لاختراق ايران من الشرق والغرب، ومن ثم تخسر اميركا ضمن هذا السيناريو كونها ساعدت على خلق أكثر من قاعدة لتنظيم القاعدة عدوها الاول.

تتبقى قضيتان على هامش الحدث، الاولى هي ان عملية «الخداع الاستراتيجي» تتطلب الكثير من التحركات والتصريحات التي نراها ونسمعها ترسيخا لخديعة تكرار صيحة «الذئب، الذئب» أو «الحرب، الحرب» حتى يطمئن الخصم فتأتيه الحرب على حين غرة وقد حدث مثل هذا الامر مع العراق في الفترة الممتدة من 91 حتى 2003، القضية الثانية وهي الأهم هل نحن في الكويت مستعدون لاحتمالات نشوب مثل تلك الحرب وتداعياتها أم أن صراعاتنا الداخلية ستشغلنا – مرة أخرى – عن الاخطار المحيطة بنا؟!

آخر محطة:
قام الزميل محمد الحسيني بعمل مقارنة معلوماتية جميلة ضمن زاويته الشائقة «مواجهات يشهد عليها التاريخ» بين القائدين تشرشل وهتلر الذي يعتبر أخطر رجل عرفه التاريخ كونه تسبب في حرب عالمية راح ضحيتها 50 مليون انسان، بودي أن أشير في هذا السياق الى ما كتبه تشرشل في مذكراته من كلام خطير عن هتلر، وكيف تم السكوت عن تسلحه تحت سمع وبصر الدول الحليفة المنتدبة على ألمانيا حتى فاق بقوته قواتها مجتمعة، يقال ان دول العالم الثالث تشتهر بالاهمال في اداء أعمالها! على الاقل اهمالها لا يكلف الانسانية 50 مليون ضحية!

سامي النصف

أخطر ما كتب عن الغزو

يبقى الغزو الصدامي الغاشم هو الحدث الاخطر والأهم في تاريخ الكويت منذ نشأتها الاولى، فقد اصبح الكويتيون يؤرخون الاحداث بقبل او بعد الغزو كحال بعض الاميركان ممن باتوا يؤرخون تاريخهم بقبل او بعد احداث سبتمبر2001.

مما لازال يكتب عن اسباب الغزو والاحداث المؤدية له من قبل بعض المضللين العرب والاجانب انه لولا الضوء الاخضر الذي اعطته السفيرة الاميركية ابريل غلاسبي لصدام عندما التقته في 24/7/90 لما حدث الغزو، ومثل ذلك القول ان الكويت لو تنازلت قليلا في مؤتمر جدة الذي عقد في 31/7 لما جرى الاجتياح.

صدر هذا العام كتاب هام عنوانه «قبل ان يغادرنا التاريخ» من تأليف الفريق الركن رعد مجيد الحمداني قائد فيلق الحرس الجمهوري الثاني «الفتح المبين» الذي شارك بفعالية في غزو الكويت، ويذكر كاتبه ان صدام جمع قادة فيالق الحرس الجمهوري في 2/7/90 ليبلغهم استياءه الشديد من الكويت واعتزامه القيام بعمل ما تجاهها.

في 15/7/90 ارسل طارق عزيز رسالته التهديدية للجامعة العربية، الا ان الفريق الركن الحمداني يذكر انه ابلغ من قبل قيادة الحرس الجمهوري في الساعة 11 صباح يوم 19/7/1990 بأن تستعد فرقته «لتحرير الكويت» وتم تحليفه على القرآن الكريم لكتمان ذلك المشروع (غزو الكويت) الذي يحمل رقم 17.

معنى هذا الكلام الخطير الصادر من قيادي كبير في الجيش الصدامي ان كل ما قيل بعد 19/7، اي التاريخ الذي صدر فيه امر الغزو كان تحصيل حاصل، فالغزو كان قادما لا محالة مهما قالت السفيرة الاميركية، كما ان اي تنازل من الجانب الكويتي في مؤتمر جدة كان سيحسب تاريخيا علينا دون ان يغير شيئا من مسار الاحداث عدا، لربما، تأجيل الغزو ليوم او يومين على الاكثر حتى يتم ايجاد كذبة او ذريعة اخرى.

ويضيف شاهد العصر الفريق الركن رعد الحمداني انه حضر الساعة 6 مساء يوم 31/7/1990 مؤتمر «الاوامر النهائية» للغزو الذي حُدّد حسب قوله في فجر يوم 2/8/1990، وعلينا ان نتذكر ان ذلك التاريخ «يسبق» انتهاء مباحثات مؤتمر جدة او حتى، لربما، بدايتها مما يعني مرة اخرى ان نتائج المؤتمر ليست مهمة كما يشاع في مسار الغزو.

آخر محطة:
المضحك المبكي ان العقيد الركن يدّعي انه توضأ وصلى صلاة التوكل على الله متوسلا العزيز القدير، حسب قوله، ان يوفقه في مهمته القائمة على قتل شعب آمن شقيق للعراق في العروبة والاسلام..