سامي النصف

الخيالة

ما كان لرحلتنا للاردن والضفة وسورية ان تتم لولا الدعم الفاعل لوزراء ووكلاء وزارتي الخارجية والاعلام ومتابعة سفيري الاردن في الكويت والكويت في الاردن وطاقمي سفارتيهما ومدير مكتب «كونا» في عمان ورجال السلطة في الضفة وحماس في دمشق.

وقد ترأس الوفد الزميل شديد الديناميكية عدنان الراشد وكوكبة من «الخيالة» ممثلة في كل من الزملاء منى ششتر وبدرية درويش وحسين عبدالرحمن وعصام الفليج ومحمد الدوسري وعبدالصمد الفاتح، وقام بجهد ملحوظ كل من الزميلين جهاد الرنتيسي في عمان وهدى العبود في دمشق.

وقد بلغ ترحيب الاخوة الفلسطينيين بالوفد الكويتي حدا جعل الرئيس ابومازن يؤخر سفره للضفة ويستقبلنا لمدة جاوزت 3 ساعات تخللتها وجبة غداء لم يتوقف الحوار السياسي خلالها، وقيام الاخ خالد مشعل بتسهيل عملية دخول الوفد لدمشق وتواصل اللقاء الاعلامي معه منذ الساعة 12 ليلا حتى صلاة الفجر تخللتها وجبة عشاء او سحور على وجه التحديد، وسنرجع لتلك المقابلة التاريخية في وقت آخر.

ولم تقل حميمية الاخوة في الاردن عن اخوتهم في فلسطين، فتم لقاء مع مستشار الملك عبدالله الثاني ايمن الصفدي ومع وزير الداخلية نايف القاضي ووزير الاعلام د.نبيل الشريف، وفي جميع تلك اللقاءات امتد الحوار لساعات عديدة لم تكن في حسبان مديري مكاتب الوزراء، كما لم يكن ذلك الترحيب المميز مختصا بشخوص الوفد بل بالكويت عامة ويمكن متابعة الحوارات والصور على موقع «كونا» للانباء.

وكان الاخ عبدالصمد مصطفى قد قام بجهد شخصي تكلل بزيارته القدس في الصباح الباكر ثم عاد ظهرا ليبلغنا ويدلنا على الطريق الامثل للوصول دون عراقيل، مما جعلنا نسميه «عبدالصمد الفاتح» ونضع رقابة لصيقة عليه من قبل الزميل حسين عبدالرحمن كي نعلم تحركاته ونسبقه اليها.

آخر محطة:
مما قاله السيد خالد مشعل ان بعض المنظمات الفلسطينية الاخرى المفضلة من قبل دولنا العربية قد قامت بالتدخل في شؤون الدول الاخرى وقتلت الابرياء وخطفت الطائرات وفجرت السفارات، ومع ذلك غفرت لها اخطاؤها بينما تفرغنا نحن لقضيتنا فلم نتدخل او نقتل او نخطف، فلماذا نقاطع ونعادى ويتم التودد..؟ سؤال مهم!

سامي النصف

موعد مع الرئيس

التقينا في أراضي الضفة الغربية بدولة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض الذي أظهر بما لا يقبل الشك دعم السلطة الكامل والحقيقي لقطاع غزة حيث يتلقى 77 ألف موظف هناك رواتبهم بشكل منتظم من السلطة كما ان غزة التي تمثل 35% من السكان تحوز 77% من الموارد حيث تجبى الضرائب من الضفة لتدفع لإسرائيل كي توفر الكهرباء والماء والخدمات «مجانا» للقطاع، ثم التقينا صباحا بوزير الداخلية الفلسطيني حيث طمأننا على ممتلكات الكويتيين في رام الله، ومساء بالمستشار ياسر عبدربه، والبعض من الأحاديث معهم سينشر لاحقا والبعض سيبقى طي الكتمان.

ما ان وصلنا لعمّان حتى توجهنا مباشرة للقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي أخر سفره للضفة للالتقاء بالوفد الصحافي الكويتي، وكان اللقاء الذي استمر لساعات عدة حميما وصريحا لأقصى حد وقد بدأه الرئيس أبومازن بإرسال التحية لصاحب السمو الأمير الذي قال ان دعمه للقضية الفلسطينية لم ينقطع أبدا، وكرر ضمن الحديث الاعتراف بخطأ الموقف الفلسطيني من احتلال الكويت والذي اعتذر عنه في وقت سابق مذكّرا بالمصير المشترك للشعبين الشقيقين وموجها الدعوة للمستثمرين والسائحين الكويتيين للقدوم وشاكرا شركة زين دخولها سوق الاتصالات الفلسطينية.

ومما قاله الرئيس أبومازن ان المقاومة العسكرية قد جربت ولا أمل فيها وان المقاومة السياسية هي التي تسببت في حشد دول العالم أجمع خلف القضية الفلسطينية للمرة الأولى في تاريخها وان الواجب ان يدعم الجميع مسار السلام حتى يؤتي ثمره، وقال انه يدعم نهج الرئيس أوباما ويرى انه رجل «فاهم وذكي جدا» وهو ما نريده وأضاف انه طلب من الاسرائيليين تشكيل لجنة مشتركة تبحث عن مناهج «الكراهية» في المدارس ووسائل الإعلام الفلسطينية والإسرائيلية وتجرمها وتمنعها.

كما قال ان عملية السلام تسببت في تحرير أراضي الضفة والقطاع مما ساهم في عودة 350 ألف فلسطيني من المهجر، وأردف بأن المستوطنات بعد إخلائها من المستوطنين يمكن لها أن تستوعب أعدادا كبيرة من العائدين الفلسطينيين، وفيما يخص العلاقة مع حماس طالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية على ان يبعد وزراء حماس عن الوزارات التي لها علاقة مباشرة بإسرائيل كوزارات الزراعة والماء والكهرباء والصحة الخ فكيف لوزير حماس ان يجلس مع وزير اسرائيلي للتباحث معه في القضايا التي تهم الطرفين وهو لا يعترف به؟!

واضاف انه لا يقبل من حماس اللعب بالأمن أو حيازة الأسلحة والمتفجرات أو التورط في عمليات غسيل الأموال كما انه لا يقبل ان تطلق صواريخ عبثية تتسبب في تدمير بلدنا، وقال الرئيس أبومازن انه يوافق «بشكل مسبق» على الاتفاق الذي ستقدمه مصر في 7/7 للصلح مع حماس لثقته المطلقة بالقيادة المصرية الحكيمة، وأوضح ان مشاكل فلسطين من مياه وأمن وحدود وإرهاب مرتبطة بجميع الدول المحيطة وليست مختصة بالفلسطينيين فقط، لذا فحل القضية الفلسطينية يحل كل مشاكل المنطقة ويسهل لها التركيز على عمليات التنمية والبناء والتقدم.

آخر محطة:
1 – فيما يخص الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية قال الرئيس أبومازن ان لنا ان نسمي دولتنا بما نرغب من أسماء ولهم ان يسموا دولتهم بما يشاءون حتى لو سميت بـ «الجماهيرية الاسرائيلية العظمى» دون ان يفرضوا علينا الاعتراف بتلك التسمية.

2 – سألت الرئيس عن كتابة مذكراته فأطلعني على أوراق صغيرة انتهى للتو من كتابتها وقال انه يسجل كل شيء أولا بأول في تلك الأوراق ثم يخزنها بالكمبيوتر وذكر انها تكفي لكتابة 65 كتابا، وكان الرئيس عرفات يقوم بالشيء ذاته وقد بقيت عشرات الآلاف من أوراقه اليومية الخاصة حبيسة الصناديق بعد وفاته.

3 – دخن الرئيس أكثر من سيجارة وقال لنا مرافقوه ان في ذلك دلالة على ارتياحه التام من اللقاء، وقد سألناه عن تلك العادة الضارة فأجاب ضاحكا «من هول المعاناة منيح اني بدخن ما بحشش» وقد انفجر الجميع بالضحك على تلك القفشة.

4 – لو سخر للقضية الفلسطينية منذ يومها الأول رجال بحكمة وذكاء واتزان وسماحة الرئيس أبومازن لما منيت بالنكبات التي أصابتها، وستفقد القضية الفلسطينية الكثير فيما لو اعتزل أبومازن الحياة السياسية كما هو متوقع.

سامي النصف

في رحاب المسجد الأقصى

كان الوفد الصحافي الكويتي يتناول الغداء يوم السبت الماضي عندما قررنا وجوب زيارة المسجد الأقصى بعد أن طال انتظار وصول الإذن من سلطات الاحتلال خاصة بعد أن اتصل البعض منا بالمراجع الدينية في الكويت التي أفتت بوجوب زيارة أولى القبلتين وثالث الحرمين.

رتب لنا مضيفونا من رجال السلطة الفلسطينية – ممن أخجلونا بحسن وفادتهم وكرم ضيافتهم – سيارات من القدس يقودها رجال من المرابطين والصامدين في بيت المقدس وقد مررنا على نقاط تفتيش إسرائيلية لم تمانع في دخولنا وبعد أن أوقفنا السيارات أخذنا في المشي عبر الحواري القديمة باتجاه المسجد الأقصى.

انتهى السير في الحواري ليتجلى أمامنا مسجد قبة الصخرة وخلفه المسجد الأقصى المسقوف ومبنى المصلى المرواني والمتحف الإسلامي وكان شعورنا عند رؤيته قريبا من شعور من يشاهد الحرم المكي للمرة الأولى، وقد دخلنا من باب الغوانمة علما بأن للمسجد إحدى عشرة بوابة تبدأ ببوابة المغاربة وتنتهي بـ باب الرحمة والتوبة.

دخلنا وصلينا في مسجد قبة الصخرة المشرفة الذي يعتبر آية في الجمال العمراني الإسلامي الذي بناه الخليفة عبدالملك بن مروان عام 66 هجرية ورصد لبنائه خراج مصر كاملا لسبع سنوات والمقدر آنذاك بـ 2.5 مليون دينار والذي فرض نفسه كأحد أهم معالم القدس، وضمن مسجد الصخرة المشرفة كهف صغير وفوقه فتحة يقول مرافقنا إن الرسول ژ مر منها في طريقه للسماء.

اتجهنا بعد ذلك للمسجدين الأقصى المسقوف والأقصى القديم الذي يقع تحت الرواق الأوسط للمسجد المسقوف ثم المصلى المرواني الذي تبلغ مساحته 3750 مترا مربعا، والمسجد الأقصى المسقوف تحفة معمارية كذلك وهو عبارة عن مسجد ذي رواق يبلغ طوله 80 مترا وعرضه 55 مترا (مساحته الإجمالية 4400 متر2) وقد بني المسجد في العهد الأموي وجدد في عهد الفاطميين و الأيوبيين والعثمانيين والهاشميين.

آخر محطة:
1 – دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي في الخطاب الذي ألقاه يوم الأحد الماضي لقيام مشروع «السلام الاقتصادي» الذي يسبق السلام السياسي والواجب يفرض عليه تحقيقا لذلك المشروع أن يتم فتح المعابر وتسهيل عمليات وصول الزائرين والمستثمرين والسائحين الخليجيين والعرب والمسلمين للقدس ولأراضي الضفة والقطاع.

2 – أرسل مرافقونا المقدسيون عبرنا رسالة دعوا من خلالها الخليجيين لزيارة القدس وقالوا إن في ذلك ما يفرحهم ويشد من أزرهم ويدعم اقتصادهم.

سامي النصف

لا تهجروا أرض الأنبياء

توجهنا ضمن وفد جمعية الصحافيين الكويتية من عمّان إلى جسر الملك حسين لنبدأ بعدها مرحلة العبور إلى الأراضي الفلسطينية مرورا بنقطة الأمن الإسرائيلية التي اتسم التعامل فيها بالاحترام والبطء رغم اننا نحمل صفة V.I.P بسبب الجهد الطيب لرئيس الوفد الزميل عدنان الراشد وسفيرنا النشط في الأردن الشيخ فيصل المالك الصباح وقبل ذلك توصيات الرئيس محمود عباس الذي لم يتوقف عن متابعة تحركات الوفد رغم وفرة مشاغله.

استقبلنا محافظ أريحا التي تعتبر أكثر أراضي العالم انخفاضا وقد أخجلنا بأريحيته وتواضعه الجم وتقديره لدور الكويت قيادة وشعبا في دعم القضية الفلسطينية، ومما قاله معاليه ان عزوف السائحين والزائرين والمستثمرين العرب عن زيارة الأراضي الفلسطينية يعتبر خذلانا للقضية وتشجيعا لعمليات الاستيطان ومحو الهوية العربية وطلب منا كإعلاميين إيضاح هذه الحقيقة للرأي العام العربي وهو أمر استمعنا لمثله من قبل جميع القيادات الفلسطينية الأخرى التي التقيناها أثناء الزيارة.

وكانت ملاحظتي ان أحد أسباب عدم قدوم السائحين والمستثمرين الخليجيين والعرب الاعتقاد الراسخ بأن الضفة الغربية هي أراض مدمرة تسيطر عليها القوى المسلحة والميليشيات والحروب الدائمة حالها كحال الصومال وأفغانستان وغيرهما، بينما يظهر واقعها الذي رأيناه الجهد البارز لرجال السلطة في تعزيز البنى الأساسية وبناء الطرق السريعة وإقرار الأمن حتى ان المدن الرئيسية في الضفة تقارن بأرقى المصايف العربية ولا تبقى إلا الحاجة لفتح سفارات عربية في رام الله بعد ان فتحت أغلب الدول الرئيسية في العالم سفارات فيها تمهيدا لقدوم العرب من سائحين ومستثمرين.

وقد صلينا الجمعة في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل ثم صحبنا الشيخ تيسير التميمي ود.سمير أبوزنيد نائب محافظ الخليل في جولة بالمسجد التاريخي والأزقة الضيقة حوله ثم حدث تصادم بينه وبين بعض المستوطنين حيث تنفرد الخليل بوجود مستوطنات في قلب المدينة لا خارجها كما زرنا بعض المشاريع الخيرية التي أقامها الكويتيون هناك.

انتقلنا بعد ذلك لمدينة بيت لحم السياحية التي تعني «بيت القمح» وزرنا كنيسة المهد التي تعتبر أقدم كنيسة في العالم ويوجد تحتها الكهف الذي ولدت به السيدة مريم العذراء، كما عرجنا بعد ذلك على القدس الشرقية التي تحيط بها المستوطنات من كل جانب وتناولنا العشاء على مائدة السيد ياسر عبد ربه، على أن نلتقي خلال اليوم والغد مع رئيس الدولة ودولة رئيس مجلس الوزراء كي يتاح لنا شكرهما على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال.

آخر محطة:
 1 – لقد قرأت آلاف الكتب والدراسات عن القضية الفلسطينية إلا انها لا تساوي شيئا أمام المشاهدة الحقيقية لما يجري على الأرض لذا نوصي بألا يهجر العرب والمسلمون أرض أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين.

2 – كنت لا أؤمن بالخط الثوري الزائف ومنهاجية التأجيل والتسويف والقول الشائع بأنه إذا لم تحل القضية بهذا الجيل فلنرحلها إلى الأجيال القادمة، وبعد زيارتنا الحالية للضفة ورؤيتي للمستوطنات ازددت اقتناعا بما أؤمن به، حيث ان التأجيل والدغدغة لن يبقيا بعد سنوات قليلة قضية كي يتم حلها.

3 – يكفي الثوريات العربية عارا وشنارا انها من تسبب في إشعال وهزيمة حرب حزيران 67 التي سلمت الأرض لمن يبني المستوطنات فيها.

4 – وصلنا القدس وصلينا فيها وهذا موضوع قادم..

سامي النصف

الطريق إلى القدس

نحتاج الى نهج جديد للتعامل مع التشريعات الانفعالية التي يحرج بها بعض النواب زملاءهم الآخرين لتصدر بعد ذلك تشريعات وقوانين يستحيل تطبيقها كحال قانون الضوابط الشرعية الذي ارجو من الزميل العزيز د.وائل الحساوي ان يرجع الى نصه ليكتشف انه غير مقتصر على المرشحات بل يشمل نصا الناخبات، ومن ثم نشاطره ما خطه في مقاله على «الراي» بأن هناك من بلغ به الغباء لحد اصدار تشريع يستحيل تطبيقه، وقاتل الله العجلة والتسرع.

نشرت مجلة «روز اليوسف» قبل فترة فتوى لوزير الاوقاف المصري يطالب فيها المسلمين بأن يزوروا المسجد الاقصى حتى لو اقتضى الامر ان يطلبوا الاذن من السلطات الاسرائيلية، حيث ان هجر الاماكن الاسلامية المقدسة فيه ضرر كبير على المسلمين، وقد سبق لليبيا المتشددة اسلاميا ووطنيا ان ارسلت حجاجها للقدس دون ان يحتج احد وخاصة اصحاب القضية.

ان القوانين الدولية والتوجه العام في المنطقة نحو مسار الاعتدال في مرحلة ما بعد خطاب الرئيس اوباما يتطلبان من السلطات الاسرائيلية الا ترفض طلب اي مسلم او مسيحي لزيارة المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس حتى لا تتكرر اخطاؤنا كعرب عندما ضيقنا ومنعنا اليهود من زيارة حائطهم المقدس و«خطآن لا ينتجان صوابا واحدا».

نقول هذا ونحن نقرأ مقترحا لبعض النواب الافاضل قد يكون شابه بعض الاستعجال، يفرضون خلاله عقوبات مغلظة على أي عمليات اتصال مباشرة باسرائيل مما يعني بالتبعية حرمان المسلمين ـ ومن ضمنهم الفلسطينيون ـ من زيارة القدس التي تسيطر اسرائيل على شؤونها السياسية والادارية.

وإشكال ذلك المقترح الذي يربط بين زيارة المقدسات الاسلامية وهوية الجهة الادارية التي تشرف عليها هو انه يدعم بطريقة مباشرة وقوية مطالبات بعض الجهات المغرضة بشل وغل يد المملكة العربية السعودية في الاشراف على الحرمين الشريفين بحجة ان سياستها لا توافق هواهم.

آخر محطة:
بديهية.. دعم القضية الفلسطينية والحفاظ على المقدسات الاسلامية يقتضيان تكثيف الزيارات لها، لا مقاطعتها، ولا حول ولا قوة الا بالله.

سامي النصف

قبل الحديث عن الدائرة الواحدة

واضح ان مقدمي مقترح الدائرة الواحدة ليسوا اكثر فهما وقدرة وذكاء وحكمة من «جميع» حكماء وخبراء الديموقراطيات الاخرى التي تؤمن بأن الممارسة الديموقراطية الصحيحة لا تتأتى من دمج جميع الشرائح السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والثقافية بدائرة واحدة تسيطر عليها المجاميع الاكثر عددا والاشد تنظيما ـ ايا كانت ـ حاصدة جميع الكراسي النيابية تاركة 49% من الشعب بها هو اقرب لمصير السود في جنوب افريقيا او اليهود في المانيا النازية.

ان لدينا تباينات شديدة في الممارسة السياسية في الدوائر الخمس تمنع في الوقت الحالي دمجها، فالدائرة الاولى كما اتى في الملف الاحصائي للباحث الاخصائي الزميل صالح السعيدي تحتوي على 60% سنة و40% شيعة، ومع ذلك فاز 7 من الشيعة مما يدل على التسامح الكبير فيها، كما يمثل الحضر 75% من الدائرة والقبائل 25%، ومع ذلك لم تجر فرعيات حضرية لابعاد ابناء القبائل الكرام، ففاز منهم عدة نواب، كما فاز بالمركز الاول سيدة مما يدل على ان الممارسة الديموقراطية في الدائرة الاولى تقترب من الممارسات الديموقراطية في ارقى الدول المتقدمة.

والامر كذلك في الدائرة الثانية التي يبلغ الحضر فيها 78% والقبائل 22% والسنة 86% والشيعة 14%، وتظهر الدائرة تسامحها ورقي ممارستها بعدم وجود فرعيات للاكثرية فيها تبعد الآخرين فيفوز ابناء القبائل الكرام والشيعة والنساء، ومرة اخرى تتطابق الممارسة السياسية في الدائرة مع اكثر الممارسات رقيا في العالم.

الدائرة الثالثة تحتوي على 87.5% حضرا و12.5% قبائل و86% سنة و14% شيعة، ومع ذلك تخرج الدائرة نواب قبائل وشيعة ونائبتين، ومرة ثالثة تثبت الدوائر الصغيرة التي ستذوب حال التحول لنظام الدائرة الواحدة رقيها وتسامحها، والواجب ان نشهد مثل تلك الممارسة في الدوائر الاخرى «قبل» الحديث عن الدمج لا بعده.

وتحوز اكبر قبائل الدائرة الرابعة 17% من اصوات الناخبين (17 الفا)، وثاني اكبر القبائل 13% (13 الفا)، وتحصد القبيلتان الكريمتان اللتان يبلغ مجموعهما 30% من الاصوات بسبب الفرعيات 90% من الكراسي الخضراء، ولا يظهر في الافق اي امل بفوز النساء او القبائل والفخوذ الصغيرة او الحضر او الشيعة لا بسبب عدم الكفاءة بل بسبب الانتماء العرقي رغم انهم يمثلون 70% او سبعين الفا من الناخبين.

ويفوز عادة مرشحو القبيلتين الكبيرتين في الدائرة الخامسة وهي الاكثر بالفرعيات كما تظهر الاحصاءات بأصوات تقارب 15 الف صوت للائحة الفائزة مما مجموعه 110 آلاف، اي اقل من 14%، دون اعتبار مرة اخرى للنساء او الشرائح الاخرى في الدائرة، كما ان فوز تحالف الاقليات الاخير بـ 3 مقاعد لا يقل سلبا عن مخرج فرعيات القبائل الكبيرة كونه يعتمد بالمطلق على رابطة العرق والدم لا على الكفاءة والقدرة والطرح السياسي كما هو الحال في الدوائر الثلاث الاولى، مما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص امام الجميع.

آخر محطة:
1 ـ يجب ان تتشابه الممارسة السياسية الصحيحة في جميع الدوائر لا البعض منها قبل الحديث عن الدائرة الواحدة، والا فستطغى الممارسة السالبة وتنتقل الفرعيات من بعض الدوائر الى جميعها ضمن الدائرة الواحدة.

2 ـ ستحتّم الكلفة المالية الضخمة للترشح ضمن الدائرة الواحدة الا ينزل للانتخابات الا الاثرياء او المدعومون بالمال السياسي الداخلي او «الخارجي» وهنا مكمن الخطورة.

3 ـ مصير الشعوب والاوطان لا يجوز ان يصبح عرضة لـ «خفيّة» اصحاب نظرية «خلونا نجرب وبعدين نشوف».

4 ـ العزل المتوقع ضمن مشروع الدائرة الواحدة لشرائح كبيرة ومؤثرة من المجتمع الكويتي سيجعلها تطالب ـ وليس السلطة ـ بوقف العملية الديموقراطية للابد.

5 ـ اذا صعب او استحال وقف الفرعيات على مستوى دائرة لا يزيد عددها عن 100 الف، فماذا سيحدث عندما تتفشى الفرعيات ضمن الدائرة الواحدة ذات المليون مواطن؟!

6 ـ اذا كانت جائزة 4 او 10 كراسي خضراء قد تسببت في الممارسات الخاطئة والتصدي لرجال الامن وضرب الوحدة الوطنية، فماذا سيحدث عندما تكون الجائزة 50 كرسيا اخضر لامعا؟ وماذا سيعمل من يفوز بها تجاه المطالبات الشعبية المدغدغة وميزانية الدولة؟

7 ـ من يتكلم عن النسبية ضمن القائمة الواحدة في الدائرة الواحدة عليه ان يرى ماذا فعل ذلك النظام بالعراق المنكوب.

8 ـ لا أستبعد دون مبالغة ان يصل التناحر على الجائزة الكبرى الممثلة بـ 50 كرسيا اخضر ضمن الدائرة الواحدة الى حدود الحرب الاهلية.

9 ـ لم يقصد من المقال الا الخير للجميع عبر تعزيز الوحدة الوطنية والارتقاء بالعملية الديموقراطية والقضاء على التفرقة والفئوية.

سامي النصف

أمس الكويت واليوم لبنان وغداً إيران

بعد النتائج المبهرة للانتخابات الكويتية التي اظهرت التوجه الشعبي العام نحو الاعتدال والتنمية والوطنية والبعد عن التشدد واصحاب التوجهات الخارجية بجميع مشاربهم، اظهرت نتائج الانتخابات اللبنانية وجود توجه عقلاني مماثل لدى الشعب اللبناني الشقيق يتناغم ايجابا مع خطاب الرئيس اوباما الاخير.

فالفوز المظفر لقوى 14 آذار يعني الفوز لمشروع الدولة على مشروع الحزب، ولصوت التعقل والتنمية والاعتدال على صوت التأزم والدغدغة والحرب، ولمنهاجية الانتماء للبنان الوطن الحر الديموقراطي النهائي على مشروع لبنان الولاية و«الساتلايت» التابع لبعض القوى الاقليمية التي تعشق حتى الثمالة استغلال اراضي الغير لحروب الوكالة التي تدمر وتشطر الامة.

لقد شعر المواطن اللبناني بان انتصار خطاب المعارضة الذي تمثله قوى 8 آذار يمهد لتفجير شامل للبنان عبر وضعه في مواجهة مع المجتمع الدولي ومحيطه العربي ومن ثم تعريضه للحصار على معطى استحقاقات المحكمة الدولية التي ترفض قوى المعارضة التعامل الايجابي معها، كما سيمهد ذلك الوصول لحرب جديدة مع اسرائيل تدمر ما تم تعميره.

وأعتقد ان لخطابي السيد حسن نصرالله المنحاز وبشدة لايران مما ارعب حتى بعض حلفائه من أتباع الجنرال، وخطاب «اب ثورة الارز» البطريرك صفير الذي صب لمصلحة قوى 14 آذار، وانتقاد الجنرال عون لرئاسة الجمهورية، اثرا فاعلا في النتائج التي تحققت.

ونتمنى ان تمتد اشعاعات الحضارة والتنمية والاعتدال التي اظهرتها نتائج الانتخابات الكويتية واللبنانية الى الجارة الشقيقة ايران، فقد كفى شعبها الصابر ما ذاقه طوال عقود عديدة على ايدي قوى التطرف والتأزم والاحتراب، وحان وقت مصالحته مع جيرانه في المنطقة ومع القوى الدولية الجديدة ليتفرغ لتنمية ذاته واسعاد ابنائه.

آخر محطة:
(1) كانت جميلة للغاية ردود الفعل الاولية من السيد فؤاد السنيورة والشيخ سعد الحريري حيث مدا ايديهما للمعارضة وطلبا من اتباعهما عدم الاحتفال وازالة الصور والتفرغ للعمل، ولنا ان نتصور ما كان سيحدث لو انتصرت المعارضة وما كان سيقوله قادتها.

2 – من الاعراف والممارسات الديموقراطية الجميلة تهنئة الفريق الخاسر للفريق المنتصر وهو ما لم يحدث، بل كان التصريح الاول للنائب حسن فضل الله تضمن طلب الثلث المعطل «من تاني» الذي اسقطته نتائج الانتخابات، والذي كان سبب التأزيم في السنوات الاربع الاخيرة.

3 – الشكر الجزيل للاخ الفاضل نجيب العمر مشرف مركز خدمة المواطن في «الحكومة مول» على الاداء المتميز واكثر الله من امثاله.

سامي النصف

لماذا سقطت الطائرة الفرنسية؟!

الأغلبية المطلقة من حوادث الطيران تقع ضمن مرحلة الإقلاع + 90 ثانية او مرحلة الهبوط ـ 90 ثانية، اي حين تكون الطائرة قريبة من الأرض والمرتفعات. حادث الطائرة الفرنسية الايرباص 330 وقع في المرحلة الاقل خطورة ووسط اجواء عاصفة قد تزعج الركاب، الا انها لا تسقط عادة الطائرات، لذا أتت ردود الفعل الفرنسية من شركة الايرباص والخطوط الفرنسية وسلطات التحقيق مريبة وكأنها تود التغطية على شيء ما عبر نشر اشاعات تتعلق بانفجار قنبلة او خطأ طيار او حتى الحديث عن استحالة الوصول للصندوق الاسود (وهو ما قد يحدث بقصد او جهل) للتغطية على الحادث بالكامل، فماذا حدث؟ وما هي الاحتمالات؟ ولماذا محاولة التغطية المسبقة؟!

إلى عدة سنوات سابقة كانت الطائرات تحلق عبر استخدام الاجهزة الميكانيكية والهيدروليكية التي تتلقى أوامرها مباشرة من دفة الطيار، هذه التقنية استبدلت بتكنولوجيا الطيران عبر الاسلاك الكهربائية (FLY BY WIRE) التي استبدلت تلك المعدات الثقيلة القابلة للصدأ والتسرب الهيدروليكي بـ «وايرات» كهربائية ذكية خفيفة تمرر أوامر الطيار أولا للكمبيوتر الذي يفحصها ويصحح الخاطئ او العنيف منها ثم يمررها للدفة وللوقود وللأجهزة وللمحركات.

وقد ثبت ان تلك التكنولوجيا قد تخطئ كما حدث في 7 اكتوبر الماضي مع الطائرة الاسترالية الايرباص 330 التي تعرضت لمطبات هوائية فأصدر الكمبيوتر اوامر خاطئة للطيار الآلي ادت الى الهبوط الحاد وجرح 115 راكبا، وقد تكرر هذا الأمر مع نفس طائرة الايرباص في 27 ديسمبر الماضي، وقبل ذلك منع جهاز الكمبيوتر الوقود من الوصول لمحركات طائرة الايرباص 330 التابعة لشركة ترانزات الكندية فهبطت بمعجزة ومحركاتها مطفأة بجزر الازور البرتغالية، وقد تكرر الأمر اوائل العام الماضي مع البوينغ 777 البريطانية التي تستخدم نفس الكمبيوتر وقد هبطت قبل المدرج بعد توقف محركاتها رغم توافر الوقود وقد قيل كسبب آخر: ان تجمد الوقود هو السبب.

وإحدى النظريات القائمة لسقوط الاير فرانس قبل ايام تتهم الجليد كذلك، وانه قد يكون سبب تجمد اجهزة قياس السرعة هو انقطاع التدفئة الكهربائية عنها او عدم كفاية تلك التدفئة وسط العاصفة، ما اعطى التيار 3 سرعات مختلفة وسط اعاصير تجعل انخفاض السرعة يؤدي الى انهيار الطائرة (STALL) وزيادتها تؤدي الى تفككها وتدميرها، مستشهدين بـ 24 رسالة الكترونية ارسلت بشكل آلي من كمبيوتر الطائرة، كما يحتمل ان فقدان الكهرباء بالطائرة بسبب البرق قد تسبب في إعطاء اوامر خاطئة لصمامات الهواء، ما ادى الى فتحها وتسرب الهواء وهو ما يؤدي الى الإغماء خلال ثوان قليلة ويستوجب هبوط الطيار السريع الى ارتفاع 10 آلاف قدم، وهو امر مستحيل بسبب تعطل الاجهزة والعدادات كنتيجة لذلك الانقطاع غير المسبوق.

وأحد الأمور التي ترعب شركتي الايرباص والبوينغ حقيقة ما اذا كان تحولهما من تصنيع الطائرات من معدن الألمونيوم الى البلاستيك والكاربون فايبر قد ساهم في وقوع الحادث الاخير خاصة بعد اشكال ذيل طائرة الايرباص 310 في مارس 2005 المصنوع من الكاربون فايبر الذي سيصنع منه كامل جسم طائرتي البوينغ 787 (الحلم) وايرباص 350 الجديدة القادمة، وقد نشرت جريدة العلوم الحديثة الرصينة بحثا في 22/11/2007 لبعض المهندسين المختصين حذروا فيه من عواقب ذلك التحول.

آخر محطة:
(1) من المبكر التنبؤ الدقيق بأسباب الحادث الذي قد لا نعلمه قط في حال فقدان الصندوق الأسود الذي وقع من ارتفاع 35 ألف قدم فوق سطح البحر الى 23 ألف قدم تحته.

(2) أحد إشكالات علوم سلامة الطيران التقليدية انك قد تنتظر في كثير من الاحيان وقوع الحوادث المؤسفة لمعرفة الأسباب الجديدة لها والتي قد تتراوح بين فداحة اخطاء الاجهزة وفداحة اخطاء الطيارين.

(3) لاتزال الانسانية مبهورة بعالم الطيران لذا تتصدر حوادثه، وبعكس حوادث القطارات والسفن، مانشيتات الصحف الدولية لمدد طويلة.

(4) كان الله في عون وزير مواصلاتنا الجديد الذي أقترح عليه ان يعين له مستشار سلامة طيران ليطلع اولا بأول على ما يحدث بالاجواء حتى يسبق الحدث بدلا من ان يسبقه، و«الدين النصيحة».

سامي النصف

خطاب الألفية

خطاب حسن النوايا الذي ألقاه الرئيس باراك اوباما في قاهرة المعز احتوى على كلمات ومعان لم يسمع بمثلها العالمان العربي والاسلامي منذ الف عام اي مع بدء الحملات الصليبية في 18 نوفمبر 1095 والتي قسمت حوض البحر المتوسط الى دول مسيحية في الشمال واسلامية في الجنوب وقد تمر الف عام اخرى قبل ان نسمع بمثل هذا الخطاب التاريخي الفريد والذي اصبحنا في ختامه كمسلمين ومسيحيين ويهود وعرب واميركيين واسرائيليين وايرانيين شركاء في حل مشاكل المنطقة المزمنة والمستعصية بدلا من القاء اللائمة على بعضنا بعضا.

وقد كان مستغربا ان تأتي ردود الفعل السالبة والمتشنجة بعد دقائق قليلة من انتهاء الخطاب، ولم يكن مستغربا على الاطلاق ان يتشابه الى حد التطابق خطاب المتطرفين والمتشددين من اسرائيليين وفلسطينيين وايرانيين واميركيين الذين تصدوا له مما يؤكد ان ملة التشدد والتطرف واحدة، ولم يكن مفهوما ان يطالب ممثلو منظمة حماس بأن يظهر اوباما للعالم حسن نواياه عبر الافعال لا الاقوال متناسين مطالبته بوقف الاستيطان واعترافه بالدولة الفلسطينية اضافة الى اغلاقه لمعتقل غوانتانامو وقرار سحب قواته من العراق وبدء حواره مع ايران وزيارته للسعودية والقاء خطابه من جامعة القاهرة.

لقد كانت المصلحة الفلسطينية تقتضي من قيادة حماس ان تتروى في رد فعلها الغاضب وان تقوم بالتصالح مع رجال السلطة والتشاور معهم حول المسار الامثل والطريق الافضل لاستغلال تلك البادرة التاريخية والاستفادة منها مستحضرين حقيقة ان القضية الفلسطينية هي قضية «الفرص الضائعة» ومستذكرين بادرة الحكومة البريطانية عام 1937 لحل الاشكال الفلسطيني عبر لجنة بيل الملكية التي اعطت العرب 90% من الارض ووعدا بدولة فلسطينية مستقلة فلم تجد من ممثل الممانعة آنذاك المفتي امين الحسيني الا الرفض المبكر ثم البكاء اللاحق على اللبن بعد سكبه.

وعلى العرب جميعا ان يوحدوا الصفوف في مرحلة ما بعد الخطاب التاريخي للخروج بتحية مماثلة او احسن منها للولايات المتحدة وقيادتها التاريخية توازيا مع التوقف الفوري عن الخطاب الغوغائي والتحريض المعتاد واستبداله بورقة عمل وخارطة طريق واضحة المعالم وخطاب عربي عقلاني متفق عليه «يعطي بقدر ما يأخذ» ولا يتعامل مع الآخر بمنطق كاذب يصورنا وكأننا منتصرون يملون شروطهم على طرف مهزوم.

آخر محطة:
1 – اختيار مصر لا اندونيسيا لالقاء الخطاب هو تقدير لمصر ولقيادتها التاريخية.

2 – يحسب لوزير الثقافة المصري د.فاروق حسني عمليات التجديد والعناية التي اختص بها آثار مصر ومنها مسجد السلطان حسن الذي اظهر العمارة الاسلامية بأجمل صورها.

3 – لدي يقين بأن 95% من المصريين و99% من العرب الزائرين للقاهرة لم يقوموا بزيارة ذلك المسجد الرائع.

سامي النصف

يوسف إبراهيم الغانم وتاريخ الكويت

العزاء الحار للكويت قاطبة ولآل الغانم الكرام في الفقيد الكبير العم يوسف إبراهيم الغانم أحد جنود الوطن المخلصين والمجهولين ممن لم يعرف عنهم إلا كل عمل خيّر فللفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومع فقدان الراحل الكبير الذي لا نستطيع أن نضيف لسيرته الحافلة أكثر مما كتب في صحافتنا المحلية وفي ظل عدم وجود مذكرات تؤرخ لمشوار حياته المثمر، تفقد الكويت مرة اخرى جزءا هاما من ذاكرتها الحية، وكانت طائرة الصديق عبدالعزيز البابطين قد ضمتني قبل يومين في رحلة للرياض مع العم عبدالرحمن العتيقي طلبت خلالها من العم أبو أنور أن يسجل ذكرياته على اشرطة كاستحقاق للكويت واجيالها المقبلة وكي يعرف العالم ان الكويت ليست نفطا فقط، بل بها رجال اثبتت السنين حكمتهم وصواب رأيهم في المحافل العربية والدولية.

وعلى رأس رجال الكويت العظام الذين لم يعرف عنهم إلا كل خير صاحب السمو الأمير حفظه الله الذي نرجو أن تسجل أعماله كما يرويها سموه على اشرطة لإظهار دوره الفاعل والخيّر في خدمة بلده الكويت ودول الخليج وأمتيه العربية والإسلامية، حيث أثمرت تحركاته ورحلاته المكوكية التي قد لا تعلم بها البراعم الكويتية الصغيرة في أكثر من مرة في إطفاء الحرائق وحقن الدماء، مما اعطى الكويت السمعة الطيبة لدى أمم الأرض مما جعلها تهب لنجدتها ابان الاحتلال الصدامي الغاشم عام 90.

ولا يفترض ان تحتوي كتب الذكريات او المذكرات على كل صغيرة وكبيرة او ما يحرج كاتب المذكرات مع الآخرين او يكشف اسرارا لا يجوز كشفها، فأمور كهذه لا نجدها في مذكرات الزعماء والرجال الكبار في العالم اجمع، بل يتم التطرق فقط للقضايا الكبرى ومساهمة تلك الشخصيات بها وسيرتهم الذاتية، حيث ان كتابة التفاصيل مهما صغرت تعني وجود كتب تحتوي على آلاف الصفحات وهو امر غير عملي على الإطلاق.

وسامح الله الدكتور الخطيب ومفرغ كتاب ذكرياته على ما فعلاه من سردهما لقضايا هامشية لم تحدث ضمن تلك المذكرات، مما افقدها قيمتها التاريخية المرتجاة وجعل الناس والكتاب ينشغلون بالقشور وتوافه الامور التي تضمنتها تلك المذكرات، مما ارسل رسالة للكبار في الكويت ـ المتحفظين اصلا ـ بألا يكتبوا مذكراتهم حتى لا يحدث لهم ما حدث لمذكرات د.الخطيب، ان الدرس المتعظ من تلك المذكرات ليس بعدم تكرارها، بل بتسليمها لأيد محترفة أمينة تعرف ما يجب ان تتضمنه من قضايا هامة وكبرى وما لا تتضمنه من الصغائر والحديث ذو شجون.

آخر محطة:
(1) رغم المكانة التاريخية الرفيعة للدكتور الخطيب إلا أن مذكراته صدرت مشوشة وغير مرتبة وبطريقة التفريغ المباشر للأشرطة دون تمحيص او تدقيق للمعلومات.

(2) كان بالإمكان حفظ المكانة التاريخية للدكتور الخطيب لو قسمت ذكرياته لأربعة كتب أو أربعة فصول يتعلق الأول بسيرته الذاتية والثاني بدوره في الحياة السياسية المحلية والثالث بدوره في المحيط العربي ككويتي مؤسس لحركة «القوميون العرب» ورابع لعلاقاته بدول المعسكر الاشتراكي وقد ضاعت كل تلك المعلومات التاريخية القيمة بالأخطاء والقضايا الخلافية التي نشرت.