سامي النصف

الشبرة والغرفة ومشروع الدولة الورقية

هناك ما يقارب الاتفاق على ان تخلفنا عن الآخرين قد بدأ قبل 30 عاما مضت، مما يأخذنا حسابيا الى العام 1979 او ما حوله، فما الذي حدث في ذلك العام؟ وما المفاهيم التي تغيرت في حينها فتحولنا من التقدم الى التندم ومن الريادة الى «الربادة» ومن الاخلاص للوطن للاختلاس منه؟!

مع عصر النهضة الكويتية الحديثة، تكونت في البلد مجموعتان اقتصاديتان ـ سياسيتان متنافستان اضيفت لهما بعد ذلك اذرع اعلامية ممثلة في جريدتي «القبس» و«الأنباء»، وقد اتفق على تسمية الفريق الاول بتجمع الغرفة بقيادة العم عبدالعزيز الصقر، والثاني بتجمع الشبرة بقيادة العم خالد المرزوق.

وكان تنافس المجموعتين يصب في مصلحة تنمية الكويت وتقدمها وتطورها، فقد انشأ رجال المجموعة الاولى البنوك كالوطني والشركات الرائدة كالناقلات، قابلها لدى المجموعة الثانية انشاء البنوك كالعقاري والشركات الرائدة كعقارات الكويت التي اقامت في حينها مجمعات اسواق لا مثيل لها في الخليج او المنطقة العربية، كما اعلن عن فكرة احاطة الكويت بـ 6 مدن لآلئ بحرية كانت ستسبق مثيلاتها بالمنطقة بما لا يقل عن 10 اعوام.

ومن نافلة القول التذكير بان المجموعتين المتنافستين لم تغلقا الطريق امام الآخرين لتكوين انفسهم وانشاء المشاريع الاقتصادية الخاصة بهم والتي تضيف لبلدنا الكثير، فبرزت اسماء مثل جواد بوخمسين ومبارك الحساوي وعيسى اليوسف وحسين مكي جمعة وشاكر الكاظمي والعشرات من الاسماء الناجحة الاخرى.

وما ان هدد قبل ذلك الطاغية عبدالكريم قاسم الكويت، حتى حشد الجانبان صفوفهم للدفاع عن بلدهم، فجزء استغل علاقته مع مصر والآخر مع السعودية، ولم يملأ احد سيارته بالوقود او يحول امواله للخارج استعدادا للرحيل، بل شوهد كبارهم وهم يحملون السلاح على الاكتاف ويتجولون ليلا بين المناطق تحسبا لغدر الزعيم الذي لا ينام ومن كان يسمي نفسه «ابوالمباغتة».

ان نكبتنا ونكستنا ابتدأت في ذلك العام 1979 ـ 1980 عندما أطّر ونظّر البعض لفكرة انتهاء دور تلك القوى الاقتصادية والسياسية، وبالتالي ضرورة خلق قوى سياسية ـ اقتصادية جديدة قام عملها في النهاية على الاقتصاد «الورقي» والمضاربات «المناخية» والتي اعتبرت الكويت بلدا زائلا لا يصح الإعمار والبناء فيه ومهدت للقبول بالتضحية بمصالحه وكينونته لاجل الولاءات البديلة، وبدأ منذ ذلك اليوم مشروع الدولة الورقية التي احترقت سريعا فجر الخميس 2/8/1990، والحديث ذو شجون.

آخر محطة:

انشأ رجال المجموعتين جريدتي «القبس» و«الأنباء» وقبلوا في الوقت ذاته ان تمثل ضمنهما جميع الآراء، ففي «الأنباء» كان خالد قطمة، رحمه الله، يطرز المقالات التي تشيد بالرئيس عبدالناصر بينما بدأت شخصيا الكتابة بـ «القبس» في يناير 1980 بسلسلة مقالات قوية تهاجم خط عبدالناصر ونهجه الثوري وتدخله في شؤون الدول العربية الاخرى.

سامي النصف

ظاهرة القصيبيين وظاهرة الربعيين

د.غازي القصيبي ود.احمد الربعي مبدعان خليجيان يتشابهان كثيرا في عقليهما النيرين وافكارهما الخيرة، وقد تولى د.القصيبي وزارتي الكهرباء والصحة ثم ترك الاخيرة بعد ان ارسل قصيدة عتب للملك فهد بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، الا ان تلك القصيدة لم تمنع تعيينه سفيرا للملك في البحرين ثم في بريطانيا حيث شكلت مقالاته المعنونة «في عين العاصفة» ولقاءاته الاعلامية خط الدفاع الاول لبلده وخليجه ضد افتراءات البائد صدام.

وبقي د.القصيبي سفيرا في لندن حيث اصدر ما يقارب 22 كتابا في علوم الادارة والأدب والسيرة الذاتية تعتبر وبحق اضافة للمكتبة السعودية والعربية مفندا قول من يدعي ان دول الخليج هي نفط فقط، كما ستخلد تلك المطبوعات سيرة القصيبي العطرة وتبقيها حية امام الاجيال المقبلة، ومازال «ابويارا» وهو في طريقه للثمانين وزيرا مبرزا يخدم بعمله وفكره المميز بلده.

في المقابل نزل د.الربعي الانتخابات البرلمانية وسمي بـ «الساحر» لفوزه بمعجزة امام من دفع لهم للترشح امامه واسقاطه، وبعد ذلك الفوز رشحه زملاؤه اعضاء مجلس الامة لتقلد الوزارة التي خرج منها سريعا مع اول اعادة تشكيل وزاري ليعود منشغلا بهموم العيش والحياة حتى اصابه المرض وانتقل الى رحمة الله وهو في عز شبابه وعطائه دون ان يخلف كتبا مطبوعة تحيي ذكره وتوصل للاجيال المقبلة فكره وتضعه في المكانة التي يستحقها كراية كويتية مضيئة، وكم استمعت منه لشكاوى مريرة ابان سفراتنا المتكررة للخارج.

والملاحظ ان «الظاهرة القصيبية»، اي المحافظة على المبدعين في مختلف مجالات الحياة ودعمهم، موجودة في اغلب الدول العربية والاجنبية الاخرى ومنها مصر التي حصدت عبر ذلك الدعم ابرز المناصب والجوائز العالمية والبطولات الدولية بشكل لا يتناسب اطلاقا مع حجمها وعددها الصغير مقارنة بالتعداد العالمي، بينما «تنفرد» الكويت بظاهرة الفخر بتخذيل ومحاربة المبدعين ثم يتساءل بعدها من قام بالتخذيل «ليش تقدم الآخرين وتخلفنا؟» والجواب بالطبع يكمن في البحث عن اقرب مرآة، والنظر فيها!

آخر محطة:
 
1 – من «قصيبييهم» الذين دعموهم وحافظوا عليهم مطرب العرب محمد عبده وهداف العرب سامي جابر (اعتزل وهو في الاربعينيات) واعلامييهم عبدالرحمن الراشد وطارق الحميد وجمال خاشوقجي وتركي الدخيل وفنانيهم ناصر القصبي وزميله اصحاب طاش ما طاش وشاعرهم خلف هذال العتيبي وقائمة طويلة تضم الآلاف.

2 – ومن «ربعيينا» الذين خذلناهم شادي الخليج ومصطفى احمد وعبدالمحسن المهنا وهداف العالم جاسم الهويدي (اجبر على ترك الملاعب وهو في العشرينيات) وسعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا ويوسف الجاسم والآلاف غيرهم

و.. آه يا بلد يفخر وينتشي بقتل الكفاءات!

سامي النصف

الانقسام الحقيقي

لا نختلف بشريا او جغرافيا عن الدول الاخرى المشاركة لنا في الاقليم الا ان الملاحظ هو استفرادنا دون الآخرين بالنكبات والمصائب والازمات الامنية والسياسية والاقتصادية، فمن خطف طائرات الى تفجير مقاهٍ وسفارات وانهيارات اسواق مالية حتى انتهينا بالاحتلال الصدامي البغيض، فأين يكمن الاشكال الحقيقي؟!

يعتقد البعض اننا ننقسم في الكويت الى حكوميين ومعارضة، اسلاميين مقابل ليبراليين، اغنياء وفقراء، حضر وقبائل، سنة وشيعة، دستوريين وغير دستوريين، وطنيين وغير وطنيين.. الخ، والحقيقة انني اعتقد ان الانقسام الحقيقي والمؤثر في الكويت والذي كان السبب الرئيسي خلف نكباتنا السابقة قائم على معطى مختلف تماما عما سبق.

فضمن الانقسام المؤثر الذي نراه ونعتقده يصطف ضمن الفريق الاول حكوميون ومعارضة، اسلاميون وليبراليون، اغنياء وفقراء، حضر وقبائل، سنة وشيعة، دستوريون وغير دستوريين، وطنيون وغير وطنيين، كما يصطف ضمن الفريق الثاني حكوميون ومعارضة، اسلاميون وليبراليون، اغنياء وفقراء.. الى آخر المنظومة.

وضمن رؤية الفريق الاول الاعتقاد الجازم ان الكويت «دولة زائلة» بالضرورة، لذا يجب التعامل معها بناء عل هذا المعطى، فيتم تناسي كل الاسس الثابتة التي تقوم عليها الامم والاوطان من احترام القانون ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وخلق مشاريع جادة دائمة.. الخ، وتعزز في المقابل مفاهيم الواحة المؤقتة في النفوس والاذهان وهو ما كان قائما قبل عام 1990 حتى انتهينا بما خططناه تماما لأنفسنا، اي الاختفاء والزوال.

الفريق الآخر غير المسموع صوته او المحترم رأيه هو من يرى العكس من ذلك، اي ان الكويت هي «بلد دائم» يجب ان يخطط لبقائه لالف عام حاله حال دول العالم الاخرى عبر تسويق مبدأ «الديمومة» عملا وقولا، ومن ثم ضرورة تغيير النهج السابق الذي انتهى بنا الى الف كارثة وكارثة وكي لا تنتهي بنا غفلتنا الى مصير امم وشعوب سادت ثم بادت واصبحت عينا بعد اثر، والحديث ذو شجون.

آخر محطة:

شاءت المصادفة التاريخية البحتة ان يرجع لنا وطننا بعد 6 اشهر من الاختفاء، وندر تاريخيا ان تسقط وتدمر البلدان الصغيرة ثم يتاح لها العيش، لذا يجب ان نستوعب حقيقة ان الضياع هذه المرة قد لا تتبعه عودة ابدا، وحفظ الله بلدنا من كل مكروه.

سامي النصف

في خصائص المجتمع الكويتي المعاصر

لكل مجتمع انساني خصائصه وصفاته السائدة وهي بالطبع لا تنطبق على جميع منضويه بل على جزء منهم ومن ذلك فمما يتم ملاحظته على البعض من المجتمع الكويتي المعاصر امور عدة منها:

الزهو والفخر الفارغ والاعتقاد السائد بأننا الشعب الوحيد الفاهم في العالم لذا نرى سن قوانين وتشريعات (اخرها التحول للدائرة الواحدة) لم يسن مثلها في بلد آخر قط.

يتبنى العالم مبدأ اعطاء الجزرة للمجدّ والعصا للمسيء فيرفع المنجزين من الاذكياء والاكفاء والامناء لأعلى الرتب حتى يضحوا قدوة حسنة للاجيال المقبلة، اما في بلدنا المعطاء فيشيع اختراع كويتي فريد اسمه «المحاسبة المعاكسة» اي استخدام العصا والعقاب للمجدّين واهداء مزارع «الجزر» للنكرات والقدوات السيئة.

والكويت العزيزة هي كذلك المقر العالمي لحزب «اعداء النجاح»، فلا تجد في بلدنا منجزا الا وتسمعه يشكو الامرّين ممن يترك لهم المجال للفخر بأنهم من حاربه وعرقله والصياح بعد ذلك وبغباء شديد «انظروا لقد فشل المنجز ونحن بالطبع من افشلناه» وعجبي.

عدم التعلم من الاخطاء التي تقع ومن ثم اعادتها مرارا وتكرارا رغم ان علماء الحيوان اكتشفوا منذ زمن بعيد ان الكثير من سلالات القرود وبقية المخلوقات تتعلم من اخطائها ولا تقع حتى الحمير ـ اجلكم الله ـ في نفس الحفرة مرتين (لدينا من يقع في نفس الحفرة الف مرة دون تعلم).

تفشي الحرمنة وعدم الامانة وتسميتها بـ «الشطارة» حتى توقف الاخرون عن مشاركة الكويتيين في اعمالهم لعدم الشعور بالأمن والامانة معهم.

اختفاء الخصال الحميدة من كرم ونخوة وفزعة واعتبارها من دلالات الغفلة والغباء، وتفشي بالمقابل الخصال الدنيئة من غدر وبخل وخسة وتقديم من يشتهر بها في مراكز العمل والمجالس والدواوين.

تفشي مفاهيم الكسل والعبط وكراهية العمل الجاد مقابل الطمع الشديد في المكاسب المادية التي يتم بعد ذلك «فسفستها» طبقا لمبدأ وفر الفلس واصرف الدينار.. منتهى الذكاء!

البيع بأبخس الاسعار وارخص الاثمان لاجمل وارقى القيم والمبادئ الانسانية كالحفاظ على الصداقة أو التواصل مع الاقارب.

شيوع ثقافة الاستماع لوجهة النظر الواحدة واتخاذ المواقف الحادة بناء على ذلك المعطى فـ 90% من مشاكلنا السياسية والوظيفية والاقتصادية والعائلية والاجتماعية تقوم على معطى غبي جدا هو الاستماع لوجهة نظر واحدة وتصديقها وكأنها كتاب منزل دون الاستماع لوجهة النظر الاخرى وهو الحد الادنى الذي تفرضه الحكمة والعقل.

العنصرية البغيضة والاستعلاء المكروه على الاخرين وهو امر لا يقبله احد من الشعوب المنجزة كالالمان والاميركان واليابانيين والسويسريين فكيف يتم فهمه او قبوله من شعب تسوده الصفات سالفة الذكر؟! لست ادري!

آخر محطة:
 
(1) بالمختصر المفيد، جل مشاكلنا بسبب الحاءات الاربع اي الحمرنة والحرمنة والحقد والحسد.

(2) ان نقر بعيوبنا لتصحيحها والعودة بنا لمكارم الاخلاق خير من انكارها وابقائها وإخفائها تحت.. السجادة!

سامي النصف

نحر الكويت من الوريد إلى الوريد

 

الكويت بلد لا زرع ولا ضرع فيه لذا يعتمد في بقائه المستقبلي على موردين اثنين لا ثالث لهما، أولهما النفط الذي صدر حكم عالمي بإعدامه ولم يبق إلا التنفيذ الذي يمهد له عبر ضرائب الكربون ودعاوى محاربة التلوث والحد من الانبعاث الحراري.. الخ، وقد أشار تقرير السيد بلير الى تلك الحقيقة القائمة.

المورد الثاني الذي سيبقي الكويت قائمة حتى لو بالحد الأدنى من مستوى العيش هو استثمار العوائد المالية بشكل يخلق لنا تدفقا ماليا بديلا، وضمن ذلك النهج التأكد هذه الأيام من استقلالية كل المؤسسات الحكومية والبعد عن الاعتماد على المال العام لتسديد خسائرها في وقت يفترض ان تقوم فيه بتحويل أرباحها المجزية للخزينة العامة لمنع عجوزات قادمة ضخمة ستؤثر على سعر صرف الدينار في بلد يستورد كل شيء وستفرض رفع الدعم عن وقود السيارات والكهرباء والماء والمواد التموينية كحال بقية دول العالم.

فما نشهده هذه الأيام هو أقرب لنحر مستقبل الكويت من الوريد الى الوريد، فمن الجانب الرسمي هناك محاولة لإرضاء «الهوس الشعبي» المجنون بما يسمى مشاريع البنى الأساسية اي البناء غير المدروس للمزيد من الطرق والجسور والمستشفيات والجامعات.. الخ، متناسين ان انخفاض اسعار النفط سيقلل مستقبلا وبشكل كبير من أعداد السكان ومن ثم يصبح ما نملكه اليوم اكثر من حاجتنا الفعلية وسيتحول ما نبنيه الى أطلال دون أثر واسألوا في هذا السياق احدى دول المنطقة (القدوة لدى مفكري شعبنا الأذكياء) التي بالغت في عمليات البناء فتحولت ميزانيتها من «الفوائض» الى «العجوزات» التي لا يعلم احد متى يتم سدادها.

وعلى جانب السلطة التشريعية هناك تدمير كامل لجميع مؤسسات الدولة: اهمها مؤسسة التأمينات الاجتماعية ثم باقي المؤسسات العامة، حيث يشتري بعض الاعضاء اعادة انتخابهم عبر المطالبات الشعبوية باهظة التكاليف المدمرة لميزانيات تلك المؤسسات بحجة ان الميزانية العامة كفيلة بسد تلك الخسائر التي جاوزت عشرات المليارات من الدنانير ولم يقل لنا هؤلاء «المنجمون» كيف علموا بأسعار النفط المستقبلية وانها كفيلة بخلق فوائض تعمر ما دمروه بسبق إصرار وترصد؟ ما يحدث هذه الأيام أشبه بتكبيل أيدي وأرجل الكويت.. قبل نحرها!

آخر محطة:
 رغم كل تلك التضحيات الجسام التي تدمر غد الكويت لأجل إرضاء المواطن اليوم، الا ان الدراسات العالمية المختصة التي نشرت في الصحف قبل ايام تظهر بوضوح ان المواطن الكويتي هو اقل شعوب الأرض سعادة وقبولا بوضعه.. وعجبي!

سامي النصف

جذور الحرب الأهلية الكويتية (2)

ان ترك الخلافات ضمن المجتمعات الآمنة تكبر وتستفحل، ينتهي بأن تصبح اطرافها لا تطيق رؤية الآخر، لذا ما ان تقع حادثة بسيطة حتى تصبح اقرب لعود كبريت يرمى على حقل بارود، فيتفجر بركان الاحقاد الخافي وتشهد الشعوب المبتلاة حقبة جنون حقيقية تحفل بأحداث قتل وابادة وقطع رؤوس هي في العادة الاشنع في التاريخ الانساني.

وقد لاحظ علماء الاجتماع السياسي ان جميع القيم الانسانية تضعف وتقل قبيل او اثناء اشتعال الحروب الاهلية، فلا احترام للدول او لمؤسساتها الوطنية او للكبير او للجار، بل ان اول ما يقوم به الجار في تلك الحروب هو نحر عائلة جاره المنتمي للجماعة الاخرى كما تبدأ عمليات التهجير القسري والقصف العشوائي والتفجير الانتحاري بالتجمعات البشرية المنتمية للآخر الذي يجب ان يموت بشكل جماعي كي يحيا الطرف الأول.

وبعد سنوات من الجنون والقتل والحروب القائمة على الكراهية، تبدأ مقولات الانقسام والتشطير مثل: مادمنا لم نستطع تهجيرهم او القضاء عليهم جميعا فلماذا نشاطرهم الوطن؟ ولماذا لا ننشئ دولة جديدة تضمّنا نحن فقط على اراضينا تقوم على مبادئ الاصلاح والعدل والمساواة والرقي والتي توفر الثراء لجميع ابنائنا فـ «الآخر» دائما هو المسؤول عن الفساد والسرقة وتعطيل عجلة التنمية.. الخ؟

وضمن ثقافات الحروب الاهلية وتفعيل ايديولوجيا الكراهية والحقد، الاستحضار الخاطئ للتاريخ بهدف اعادة تشكيل عقول التابعين والمنضوين الذين يشبههم احد المختصين بأن عقولهم تضحي كالدار التي اغلقت ابوابها ونوافذها في وجه ما يقوله الآخر وفتحت كوة في سقفها لتتلقى فقط ما يقوله مسؤولوها الذين لو قالوا ان الشمس تشرق من الغرب لصدقهم الاتباع.

وللاعلام دور مؤثر في تلك الحروب الدامية الضارية بدءا من شعراء القبائل في عصور الجاهلية العربية او ممثلي المسارح المتنقلة في عهود حروب البروتستانت والكاثوليك ابان العصور الوسطى بأوروبا، او ما يأتي من الاذاعات ومحطات التلفزة «المؤدلجة» في الحروب الاهلية الحديثة، ويتساوى حامل الدكتوراه والامي في تصديق كل ما يأتي من وسائل الاعلام تلك دون مناقشة، فالحق كل الحق هو ما تقوله وسائل اعلام جماعتنا، والباطل كل الباطل هو ما تقوله وسائل الاعلام المعادية التابعة للشركاء في الوطن.

يتبقى ـ وهذا المهم ـ : اننا لا نعني بالمقال اننا على شفا حرب اهلية في الكويت، والعياذ بالله، الا ان علينا في المقابل ان نوقف على الفور عمليات تحريض بعضنا على بعض والتي تمتلئ بها الصحف ومنتديات الانترنت، وان نجرم عمليات نشر «ثقافة الكراهية» ضمن المجتمع الواحد وان نخلق عمليات انفراج واسعة في البلد، حيث قل ان ترى حضرا في دواوين ابناء القبائل والعكس بالطبع صحيح، ولا شك ان الحديث المتكرر عن التجنيس وازدواجية الجنسية مضر ولا يقل عنه ضررا الاستمرار في الانتخابات الفرعية المجرّمة التي يعلم الآخر انها تهدف الى اقصائه، والحديث ذو شجون، وحفظ الله الكويت واهلها من كل مكروه.

آخر محطة:

احد اخطاء اخوتنا العراقيين التي يجب ان نستفيد منها انهم لم يفعّلوا دور تنظيمات المجتمع المدني التي تضم دون تفرقة كل الوان الطيف الاجتماعي والسياسي العراقي. التخندقات القائمة هي اقرب للشرر الذي ان تجاهلناه كبر واحرق، وان «لحّقنا عليه» صغيرا سهل معالجته، ولم يفد النعامة قط اخفاؤها لرأسها في الحفرة.

سامي النصف

جذور الحرب الأهلية الكويتية (1)

نحن في الكويت مسلمون دينا وعرب قومية، وسكان للجزيرة العربية والشرق الأوسط موقعا، والملاحظ ان الحروب الأهلية تنخر بأراضي العرب حيث اشتعلت الحروب في الاردن ولبنان والجزائر سابقا ولحقتها العراق وفلسطين وبقيت حروب السودان واليمن والصومال على حالها مثلها مثل الشعوب الإسلامية المبتلاة دولها بحروب الشيشان وافغانستان والبوسنة وكوسوفو والهند وجنوب الفلبين وغرب الصين.. الخ، وكانت جزيرة العرب هي الأوفر حظا بالحروب الأهلية عبر غزو القبائل بعضها بعضا، وغزوها للآخرين حتى اوقفها المصلح العظيم الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه، وقد زادت الحروب الأهلية في منطقة الشرق الأوسط عددا عن حروب دول البلقان.

والملاحظ ان مثقفي ومفكري تلك الدول المبتلاة وآخرها العراق كانوا ينكرون دوما وجود النيران الخافية تحت الرماد ويكابرون بالقول ان تلك الحروب الاهلية تحدث فقط لدى الآخرين ولا يمكن لها ان تحدث لدينا مستشهدين عادة بالتاريخ متناسين حقيقة ان عدم حدوث احداث في الماضي لا يعني عدم حدوثها مستقبلا، ومن ثم يمنعون بجهلهم التعامل الوقائي مع مستصغر الشرر قبل استفحاله ولا يعلم خطأ ذلك النهج الا بعد خراب البصرة وكم بصرة دمرتها غفلتنا.

ومازلت اذكر تقريرا لمراسل الـ «نيويورك تايمز» ارسله من رواندا قبل الحرب التي قامت بها والتي ذهب ضحيتها الملايين، حذر وتنبأ فيه بقيام تلك الحرب المروعة بسبب لهجة الخطاب الحادة بين قبيلتي الهوتو والتوتسي اللتـين كانت احداهما تسيطر على الإذاعة والأخرى على التلفزيون ولم يتحرك احد تبعا لتحذير التقرير حتى حركت الانهار الجثث الطافية الملقاة بين الأشجار.

ولا تقوم الحروب الاهلية الا على معطى «ايديولوجيا التخاصم والكراهية» بين الاثنيات والاعراق والطوائف والديانات التي تتشكل منها المجتمعات فمن دون تلك الايديولوجيا الدافعة لكراهية الآخر لا تقوم الحروب بل تصبح تلك التباينات اضافة جميلة للمجتمعات ومن ذلك دعوتنا المتكررة لإصدار تشريع يجرم بقوة وبقسوة دعاوى الكراهية في المجتمع الكويتي.

ويسبق الحروب الأهلية عادة اضعاف للروح الوطنية التي تجمع الجميع ويتم حجب الوطنية عن الآخر، فهؤلاء غرباء، قادمون جدد.. الخ. أو بالمقابل ان الآخرين مستكبرون مستغلون للموارد الاقتصادية.. الخ، ولا تصبح الفوارق الاقتصادية بين افراد المجتمع أداة للحرب الأهلية ما لم يتم تحويلها إلى ايديولوجيا التخاصم والكراهية سالفة الذكر والغريب ان تلك التباينات الاقتصادية المرفوضة مع الآخر تقبل وبكل رحابة صدر ضمن التجمع التعبوي الواحد.

والملاحظ ان الحروب الأهلية في جميع تلك البلدان المبتلاة قد سبقتها قطيعة مع الآخر والتركيز على نقاط الاختلاف لا الالتقاء وتعميم التهم والكراهية فجميع «هؤلاء» سيئون وبالطبع كلمة هؤلاء تعني الآخرين من شركاء الأوطان وتتحول الاحقاد الى اشكالات سياسية «ظاهرة» تخفي تحتها النيران الخافية في الصدور وترفع ضمن راياتها دائما وأبدا قضايا الظلم الاجتماعي وتبني الاصلاح ومحاربة الفساد ويسمح في احدى مراحل تلك الحروب بتدخل القوى الخارجية، والى الغد وكيفية اطفاء الحرائق والاحقاد وابعادها عن مجتمــعنا الكويتي الآمن.

آخر محطة:

يجب ألا يسر المسؤولين ان ترتبط اسماؤهم بأسماء مكروهة جدا في المجتمع لكون تلك الأسماء تحث عبر القول والمقال على كراهية شرائح كبيرة في المجتمع، حيث ان تلك الكراهية ستنتقل منها الى من تدعي انها تمثله والأمر بالفعل خطير.

سامي النصف

بلد التوتر وعاصمة التعقل

لأسباب غير مفهومة تعتبر الكويت اكثر بلدان العالم توترا و«نرفزة» وهو امر يشهده الزائر لبلدنا منذ الوهلة الأولى، حيث قل ان تجد هذا الكم من الغضب والضيق وشد الأعصاب لدى شعوب الدول الأخرى وهو ما جعل شعبنا ـ الله يحفظه ـ الأعلى عالميا في الإصابة بالأمراض التي تصاحب عادة مثل تلك التوترات كالسكري والقلب والضغط والقولون.. «والذي منه».

لذا كان جميلا تسمية الزميل يوسف خالد المرزوق لرئيس مجلس الأمة السيد جاسم الخرافي بـ «عاصمة التعقل»، فالدول لا تقاد ولا تعمر ولا تصلح ولا تنمو بالغضب المتواصل ورفع الصوت و«فش الخلق» بل تترعرع تحت مظلة الهدوء والحكمة والتعقل، كما لا تبنى العلاقات السليمة مع الدول الأخرى عبر استخدام الحدة والشدة وطلب الإذعان منها كونه سيولد أحقادا في النفوس ستنفجر يوما ما ونندم عندما لا ينفع الندم.

ومما ذكره الرئيس بوعبدالمحسن الحاجة لزيادة عدد النواب اللازمين لاستحقاق تفعيل أداة الاستجواب وهو أمر منطقي جدا، الا انه يحتاج الى تعديل دستوري عاجل جدا ودون حساسية وإلا فسنبقى في نفس الحلقة المفرغة، حيث يمكن لنائب واحد ان يتقدم بأي عدد يريده من الاستجوابات التي توقف حال البلد دون ان يكترث لرأي 49 نائبا آخرين يمثلون 98% من الأمة، وإن لم تحدث تلك التعديلات الجوهرية في عهد بوعبدالمحسن فإنها لن تحدث في عهد غيره.

ومن الأمور التي نود ان تسجل تاريخيا لعهد الرئيس جاسم الخرافي والتي سيشكره عليها كثيرا الشعب الكويتي القيام بحزمة إصلاحات طال انتظارها في السلطة الثانية كإنشاء لجنة للقيم تحاسب النواب المخطئين وعقد دورات إرشادية ملزمة للنواب الجدد لا يمارسون العمل دونها، حيث ان هناك «امية دستورية» لدى كثير من النواب ينتج عنها اشكالات وأزمات سياسية كثيرة، و«جهل بروتوكولي» تنتج عنه إحراجات متكررة عند زيارة الدول الاخرى، كما نود ان يفرض على النائب كوسيلة لتحسين ادائه الاستعانة بأصحاب التخصص بدلا من ترك تلك المناصب لقضايا الانتداب للتنفيع.

وفي هذا السياق، نرجو ألا تؤخذ بخفّية عملية التحول لنظام الدائرة الواحدة كما تعاملنا بخفّية وحكّمنا الكيدية والعاطفة في قضية التحول للدوائر الخمس، وان يتم الاستماع في لجنة الداخلية والدفاع للرأي و«الرأي الآخر» ولي عتب خاص على الزميل إبراهيم السعيدي كونه عقد ندوة في جريدة «القبس» للحديث عن خيار الدائرة الواحدة كان جميع ضيوفها من المؤيدين المعروفين لذلك الخيار.

آخر محطة: تقوم بعض المطاعم بعمل اكبر فطيرة في العالم بقصد الدخول لموسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، والقائد «الضرورة» صدام قرر أن يدخل تلك الموسوعة من أوسع أبوابها عبر تسجيل أكبر كمية من الكذب يمكن ان تقال في لقاء واحد، ومن ذلك قوله كما نشر بالأمس للمحققين «ان الكويت عراقية إلا ان بريطانيا سرقتها لأن بها نفطا..» فمعروف ان المعاهدة البريطانية ـ الكويتية عقدت في عام 1899 بينما اكتشف اول حقل نفط في الكويت عام 1937 وصدّرت اول شحنة نفط عام 1946م، وضمن اصرار صدام المدهش على دخول الموسوعة قوله انه لا يعلم بقيام ثورة عليه في الجنوب عام 1991! بأقوال كهذه سيدخل الموسوعة بجدارة وبمسافة كبيرة عن المنافسين الثاني والثالث.. غوبلز ومحمد سعيد الصحاف!

سامي النصف

الاتجاه المعاكس في السياسة الكويتية

النيابة ومثلها الوزارة ليست عملا تخصصيا، اي لا يطلب من النائب ان يكون خريج محاسبة او حقوق ليمارس عمله في الرقابة والتشريع، والحال كذلك مع الوزراء فلا يطلب بالضرورة ان يكون وزير الاشغال مهندسا أو الصحة طبيبا، الحقيقة ان عمل الوزارة والنيابة سياسي بالدرجة الاولى.

لذا يختار النواب من يشاءون ليقدم الاستجواب فلا يفرض على النائب الطبيب ان يختص باستجواب وزير الصحة أو المهندس وزير الاشغال.. الخ، بل يقرر النواب الاصلح منهم لتقديم الاستجوابات، لذا نرى اسماء مكررة للمستجوبين وخلو اسماء اخرى من اي استجواب، وعليه يجب ان يعطى الحق ذاته للفريق الآخر المشارك في اللعبة السياسية المقامة تحت قبة البرلمان وامام مدرجات الجمهور ونعني الفريق الحكومي ليختار من يشاء من لاعبيه للتصدي للاستجوابات حيث ان المسؤولية تضامنية والقرارات تناقش جماعيا في مجلس الوزراء وليس من العدل ان تختار اللاعب الذي يشوت «البنلتي» من فريقك وتفرض في الوقت ذاته حارس المرمى الذي تريد على الفريق الاخر، نرجو الا تمتد قدسية الدستور للائحة الداخلية فيكفر من يريد تعديلها.

في النظام الاميركي والغربي يعتبر الحزب هو المهيمن على اللعبة السياسية لذا يفرض اجندته على من يمثله من نواب ووزراء كونهم انتخبوا من الاساس لترويجهم برنامجه الانتخابي وعبر دعمه المادي والبشري لهم فالحزب هو بمنزلة جذع وأصل الشجرة والباقون فروع له سواء في المجالس النيابية او الادارات الحكومية.

البعض يحاول وبشكل خاطئ تماما ان يطبق نفس المبدأ على اللعبة السياسية في الكويت وينسى ان الامر معكوس تماما حيث ان قمة الانجاز السياسي لأي تكتل ضمن اللعبة الكويتية هي ايصال الوزراء والنواب وعليه يجب ان يقود هؤلاء القرار والخيار ضمن التكتل لما يضمن بقاءهم كوزراء واعادة انتخابهم كنواب.

فعلى سبيل المثال يوصل النواب لتكتلهم السياسي ان ما ينفعنا ويدعم مركزنا كنواب ويعطي فرصة اكبر لاعادة انتخابنا حسب ما نراه ونعيشه هو اتخاذ موقف معارض، أو مؤيد، لاستجواب ما ويتلو ذلك اصدار التكتل المعني بيانا داعما لهذا التوجه ويوعز لكتابه وقواعده بالترويج لذلك الموقف المعلن لنوابه والحال كذلك مع وزرائه فهم من يقررون الموقف الافضل للتكتل المعني سواء بالبقاء في الوزارة او الاستقالة منها وعلى التكتل ان يدعم الوزير الذي يمثله فإن قرر البقاء أصدر بيانا داعما لذلك البقاء وان قرر الاستقالة اصدر بيانا داعما لتلك الاستقالة.

في بلد الاتجاه المعاكس الكويت يحدث في كثير من الاحيان العكس تماما من ذلك التصور الصحيح لكيفية ممارسة اللعبة السياسية، فيحاول هذا التكتل او ذاك فرض قراراته على ممثليه في المجلس فينفرون منه ويعلنون انهم لم يعودوا يمثلونه والامر كذلك مع الوزراء عندما تتم محاولة اجبارهم على الاستقالة فيعلنون كذلك انهم لم يعودوا مرتبطين به وتنتهي اللعبة الخاطئة بخسارة الطرفين معا، فلا يبقى للتكتل المعني من يمثله في اللعبة السياسية فيبقى خارجها كما يفقد من كانوا على صلة طويلة به دعمه لهم فيضعفون امام زملائهم.

آخر محطة:
ضمن مسلسل الف كذبة وكذبة لصدام ذكر ضمن ما نشر بالامس في جريدة «الشرق الاوسط» ان احتلال الكويت كان يفترض ان يتم بسرعة اكبر نظرا لدعم الشعب الكويتي للاحتلال! كما أنكر قيام قواته بإشعال النيران في آبار النفط! أو علمه بالجرائم التي ارتكبها جيشه في بلدنا من قتل وتعذيب وسرقة! كما انكر انهم اخذوا اي اسير كويتي معهم!، اجمل تعليق على ما يقوله صدام أتى من عراقي من السويد بأن صدام لو أنكر احتلال الكويت لصدقه عشاقه ومحبوه!

سامي النصف

صدام كاذب حياً وميتاً

نشرت جريدة الشرق الأوسط الغراء خلال الأيام الماضية محاضر التحقيق مع الطاغية صدام حسين، والحقيقة أن نظرة سريعة لما نشر تجعلك توقن بأن أجهزة كشف الكذب ستنفجر لو عرض أمامها ما يقوله القائد «الضرورة»، فبين كذبة وكذبة كذبة ثالثة تقفز بينهما ولو لم يفعل صدام موبقة واحدة في حياته فستكفيه تلك الأكاذيب لوضعه في الدرك الأسفل من النار.

فجيش الشاه الذي كان يملك من طائرات النقل أكثر مما تملك بريطانيا ولديه من طائرات الفانتوم والدبابات الأميركية والبريطانية أضعاف ما تملكه إسرائيل والذي تسبب بعض خبراء جيشه الذين أرسلهم لدعم الأكراد في استسلام كامل لصدام وعرضه إعطاء نصف شط العرب لإيران، أصبح ضمن تلك المذكرات أو التحقيقات المضحكة جيشا ضعيفا «هرعا» لا يستطيع الصمود أمام جيش صدام أكثر من شهر حسب قوله، ولو كان الأمر كذلك فلماذا لم يبدأ حربه على إيران إبان الشاه لا بعده؟!

وتاريخ حربه مع إيران الثورة، والذي يعرفه الجميع، أصبح يروى بشكل معاكس تماما، فإيران هي من غزت العراق وليس العكس، وما حدث عام 82 لم يكن هزيمة مروعة للجيش الصدامي بل كان انسحابا مشرفا، كما أن إيران هي من استخدمت السلاح الكيماوي ضد العراق وليس العكس في تلك الشهادة القريبة من «خليفة خليفوه» كما أن العراق حسب أقوال الرئيس «أبو لمعة» لم يكن في حالة مالية سيئة بعد انتهاء حربه مع إيران (تراكم على العراق بسبب تلك الحرب العبثية دين بأكثر من مائة مليار دولار) والجميع يتذكر أقوال صدام التسولية إبان قمة بغداد وبعدها على لسان مبعوثيه.

وفيما يخص الشأن العراقي لم يكن للحمل الوديع صدام أي ذنب في الدماء التي أسيلت والقتل المنظم الذي ابتدأ بالدائرة المحيطة به وانتهى بالمقابر الجماعية لملايين العراقيين، كما ذكر أنه يحب حياة البساطة في العيش والمسكن (لديه من القصور ما لا يملكه أحد في العالم)، كما ادعى أنه يؤمن بالديموقراطية وإنشاء الأحزاب إلا أن زملاءه الآخرين في القيادة ـ سامحهم الله ـ رفضوا ذلك وفرضوا عليه الخيار الديكتاتوري مرتين لا مرة واحدة.

وقال الكاذب صدام إن خشيته من إيران جعلته لا يمانع في قيام حلف عسكري مع أميركا لمنعها من غزوه بعد عام 1988، ولو كان الأمر كذلك فلماذا لم يعقد أو يقترح عقد معاهدة تحالف عراقية ـ خليجية ـ أميركية، بدلا من اتهام الكويت والإمارات بالتآمر مع أميركا للإضرار به، وكيف يصح قوله إن الكويت كانت تريد غزوه بالتعاون مع أميركا (!!) ولم يكن هناك جندي أميركي على أرضها قبل عام 90 كما ان حدودها مع العراق كانت شبه خالية من العسكر مما سهل غزوها، وقد كان مضحكا للغاية تشبيه الكويت بالجار الخطر المدجج بالسلاح الجاهز لغزوك لذا كان عليك أن تخرج وتبادر لغزوه.

ومن دعاواه الطريفة أن الكويت سرقت 2.5 مليار برميل من حقول الشمال ولن نتحدث عن حقيقة يعلم بها الجميع وهي أن الكويت كانت تهديه مع السعودية إنتاج نفط المنطقة المحايدة بأكمله الذي يقارب 400 ألف برميل يوميا، ونذكر حقيقة رقمية فحواها أن مستوى الإنتاج الكويتي من حقول الرتقة أو الرميلة لا يزيد عن 60 ألف برميل يوميا مما يعني حاجة الكويت للقيام بالسرقة اليومية لمدة تتجاوز 1157 سنة كي تستولي على 2.5 مليار برميل من تلك الحقول.

آخر محطة:
(1) في مكان آخر من التحقيقات يكشف صدام عن السر الرهيب لتصرفه المريب الذي كان يظهره وكأنه يملك أسلحة دمار شامل عبر طرد المفتشين الدوليين وتحديد تحركاتهم بقوله إنه لم يكن يريد أن تعلم إيران بأنه لا يملك تلك الأسلحة فتهاجمه وتسقط حكمه وهو ما تم على يد أميركا بسبب تلك التصرفات الغريبة والغبية والحمقاء. الأكيد أن لدى صدام صداقة وثيقة مع هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري، فهذه العقلية من تلك!

(2) ومما ذكره أنه لم يكن يعلم أن صاحبه طارق حنا عزيز مسيحي الديانة والأرجح أنه كان يعتقد وبحق أن بابا الڤاتيكان شافعي المذهب!