تتزايد أهمية دور المفكرين والمثقفين الحقيقيين في إحداث التغيير الإيجابي على نحو أكبر من السابق. وأعني بالتغيير: التأثير الأكثر شمولية في مختلف الشرائح. فوجود المثقفين لم يعد نخبويا ومحدودا، حيث كانت الثقافة في العقود التي تسبق ذلك ـــ غالبا ــــ نخبوية، وإن تناولت باقتصاد ورمزية قضايا شعبية ماسة، في الأطروحات الأدبية والفكرية. وجود ودور المثقفين الحقيقيين يقود إلى انفتاح تنويري أكبر من العقود السابقة. لأن الثقافة النخبوية السابقة لم تكن متاحة للعامة سوى من خلال قنوات محدودة مقارنة بالوضع التكنولوجي الحديث. لكن في المقابل، ربما تكون هناك ثغرة يصحبها هذا الطوفان التكنولوجي كضريبة وهي الامتلاء الأجوف بكم من المعلومات المنوعة “الخردة”. متابعة قراءة التماس بين الفكر وهموم الناس
التصنيف: فضيلة الجفال
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]
twitter: @fadilaaljaffal
بيتي .. جعلتموه مغارة للصوص
أثارت تصريحات البطريرك كيريل، بطريرك موسكو وكل روسيا، في شأن التدخل العسكري في سورية بصفته معركة مقدسة سخطا وسخرية. إذ كيف لروسيا رمز الشيوعية والإلحاد أن تستعين بخطاب ديني لتبرير قرار عسكري وسياسي! وربما بسبب ردود الفعل اضطر المسؤولون الروس إلى التصريح مجددا بأن ثمة أخطاء في النقل والترجمة في استخدام مصطلح “المعركة المقدسة”. وقد قال البطريرك في تصريح منشور “روسيا لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الإبادة التي يتعرض لها المسيحيون والأقليات الأخرى في تلك المنطقة.. فقد تابع المسيحيون الأرثوذكس ظروف العيش القاسية لمسيحيي المنطقة وحوادث الخطف والذبح المقيت تجاه الأساقفة والرهبان والتدمير البربري للهياكل المقدسة.. الضرر أيضا لا يستثني المسلمين في تلك الديار التي هي مقدسة بالنسبة لكل أتباع الديانات الإبراهيمية”. البطريرك، الذي عادة ما يبدي رأيه في الأمور السياسية، مؤيدا للكرملين، أعلن أن الكنيسة تدعم قرار روسيا استخدام قواتها الجوية في سورية لمهاجمة تنظيم داعش. يذكرنا ذلك بما قاله وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف قبل عام “لا يخفى على أحد أن المقدسات الدينية في سورية تتعرض اليوم للتدنيس والعبث. وقد قرأت أخيرا عن هدم كنيسة أرثوذكسية في سورية وإتلاف صورة لقديس يحظى بمكانة مرموقة سواء لدى المسيحيين أو المسلمين”.
عرف عن الكنيسة الروسية الأرثوذكسية علاقتها الوثيقة بالسلطة السياسية والعزف على وتر الدين لتأييد قراراتها. وهذا ليس طارئا، بل منذ روسيا الشيوعية وإبان الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت علاقة رومانسية بين السلطتين. وقد كان الدين بطبيعة الحال في العصور الوسطى والقديمة هو السبب والمحرك الرئيس للحرب، قبل فصل السلطة عن الكنيسة في أوروبا. وهي تتغذى في منطقتنا الآن على المحرضات نفسها. وحين اشتعل الشرق الأوسط بالثورات في السنوات الأخيرة، كانت المليشيات الإرهابية، ومن فوقهم محرضو الجهاد الإسلامي، يقتلون الأبرياء باسم الدين بصفة أن ذلك معركة مقدسة، فيما ينشر ما يسمون أنفسهم بالعلماء دعوات للتحريض والجهاد للدفاع عن “السنة” ومساجدهم. الأمر نفسه حين أرسل حسن نصر الله عناصر حزب الله وقال إن التدخل في سورية والعراق هو لحماية المقدسات الشيعية. ما يحدث في إسرائيل وفلسطين مثال تاريخي آخر ينطلق من الأرض الموعودة.
بعيدا عن التبريرات الدفاعية للحروب، أثارت إعجابي ردود الفعل الغاضبة من مسيحيي سورية أنفسهم، في الوقت الذي تحاول فيه جماعات الإسلام السياسي تكريس العقيدة على الوطن، بوصف الوطن مجرد رابط مادي. وأستشهد ببيان جيد من منظمة “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، الذي اعتبر أن خطورة التصريحات الروسية تكمن في أنها تضع مسيحيي سورية من الأرثوذكس تحت تهمة العمالة المتعاونة مع الأجنبي ضد بقية أبناء الشعب السوري “نعلن استنكارنا الشديد لمثل تلك التصريحات الدينية والعقائدية المختلفة.. الكنيسة الروسية ليست وصيّة على المسيحيين.. كما نرفض أي حرب تحت أي مسمى أو غطاء ديني. إننا نعتبره تصريحا سياسيا، يجب ألا يصدر عن رجل دين.. هل فكر هذا البطريرك بالضرر الذي يمكن أن يلحقه بالعيش المشترك بين مكونات الشعب السوري، حيث نعمل كل جهدنا أن يبقى مثل هذا العيش قائما ومستمرا كمقدمة لدولة المواطنة السورية التي هي حجر الزاوية لبناء الدولة المدنية الديمقراطية السورية”.
بين الإسلام ومذاهبه، والمسيحية ومذاهبها كما بين الأديان وبعضها، حروب دموية تاريخية. ربما من البلاغة وصف ما يحدث على مر التاريخ بكلام السيد المسيح “بيتي بيت الصلاة يُدعى، وأنتم جعلتموه مغارة للصوص”.
صوتي ليس نشازا
وصلني سؤال من إحداهن تستفسر حول ما الذي يمكن أن يقدمه مرشحو الانتخابات البلدية؟ في الحقيقة كانت الأسئلة أكثر من مجرد استفسارات عامة عن الانتخابات وآليتها، بل هي حول مفهوم ما يمكن تقديمه فعلا للإقناع بالهدف. وقد اطلعت على موقع “انتخاب” التابع لوزارة الشؤون البلدية والقروية، ووجدته موقعا يستحق الإشادة فهو كامل التحديث ومملوء بالمعلومات والخدمات الإلكترونية. وكون هناك بعض القصور في مسألة الوصول إلى المراكز الانتخابية والبيروقراطية أو حتى قلة التكثيف الإعلامي وغير ذلك، وأتمنى أن ما يشاع لن يكون مثبطا. متابعة قراءة صوتي ليس نشازا
إن الذي خان العراق عراقي
العراق الذي أنجب أجمل الشعراء والمثقفين الذين تميزوا غالبا بالعمق، يتفنن مواطنوه المتظاهرون بمختلف الطوائف، في إبداع هتافات في مظاهراته الأخيرة ضد فساد الحكومة، وهي حالة عراقية جديدة. ربما ما ميز هذه المظاهرات أن العراق لم يعش حتى الآن حالة الممارسة الديمقراطية الطبيعية. وبطبيعة الحال من الصعب التنبؤ بما يمكن أن تأتي به هذه المظاهرات والاحتجاجات سوى ردود فعل حيدر العبادي الأولية بالاستجابة مع الشعب والتضامن معه. هو الذي كان يحتاج إلى أن يتمرد مثل الشعب نفسه على دوره الشكلي. وإذا كانت وعود الإصلاح في العراق معقدة مع تغول الفساد ونخره في أجهزة الدولة، إلا أنه يبقى هناك تطور في ثقافة الديمقراطية لدى الشعب العراقي. متابعة قراءة إن الذي خان العراق عراقي
النسخة الرديئة من التقدم
الواقع الاجتماعي متعدد الأبعاد وينطوي على صيغ مختلفة وعوامل مختلفة أيضا. عوامل ديموغرافية واقتصادية وتقنية وسياسية وأيديولوجية وغيرها. وقد يهيمن أي منها أو بعضها على الآخر في وقت ما، لكن حتما هناك نوع من التدوير لهذه الهيمنة، فلكل عامل سلطة في وقت ما، تعطي للواقع الاجتماعي شخصيته وطابعه وشكل التغييرات التي تجري فيه وتعقيداتها في عملية التدوير التي تليها، إلا أنه لا شيء ثابتا في عالم متحول بطبيعة الحال. وثقافة منطقتنا تحتاج إلى كثير من التوقف ودراسة الواقع الاجتماعي فيها. فلا يمكن اعتبار سبب تأخر بعض الدول ومجتمعاتها فكريا، فقط لأنها تأخرت بهذه البساطة فحسب، بل ربما الصيغة الأكثر ملاءمة لوصف ذلك هو أنها تحاول استزراع الشكل العالمي للتقدم الطبيعي بصورة يمكن أن نقول عنها إنها خارج الشروط التاريخية والثقافية والتكنولوجية، التي تنتمي إلى التقدم العالمي نفسه. متابعة قراءة النسخة الرديئة من التقدم
إلى المصري إبراهيم عيسى
أكتب هذا المقال وأنا أستمع إلى أغنية “خدوا بالكو دي مصر”، بعد أن طرحت جهاز الموبايل من متابعة مقطع قصير لإعلامي مصري منفعل جدا. أحترم الإعلاميين “الشرفاء”، لا سيما من يخلصون في رؤاهم وأفكارهم إلى أوطانهم بنقد المساوئ نقدا بناء يسعى إلى الإصلاح وتدارك الأخطاء. يحدث أن يكون حديثهم لاذعا وشاطحا ينبع من غضبة ولسعة الضمير. لا نلوم الوطنيين إذا غضبوا أحيانا، و”سأحسن الظن” وأحسب إبراهيم عيسى كذلك. هو الذي يقول في برنامجه الذي نقلت عنه الجزيرة “عندي قدرة المفكرين والمبدعين المصريين على أنهم يديروا الدنيا بفنهم وإبداعهم، إنهم يستعيدوا المكانة العظيمة لمصر ثقافيا وفنيا وحضاريا ووجدانيا بدل ما سايبين الدنيا لدواعش غبية بتفسد عقول الناس وتدمر أجيال وتنشر الظلام، ووهابية مدفوعة من السعودية وفلوس النفط، وسلفيين ممولين من السعودية ومن دول النفط تلوث في العقل المصري، تخرب في الوجدان المصري، تحوِّل مصر إلى صحراء فكرية وإلى بداوة فقهية”. متابعة قراءة إلى المصري إبراهيم عيسى
في مواجهة «لوبي» المتطرفين
لا يوجد “لوبي” (أو جماعة ضغط)، استغل الثقافة الاجتماعية في المنطقة مثل “لوبي” أفراد الإسلام السياسي، سواء تلك التي تندرج تحت إطار جماعة سياسية ـــ وهي بطبيعة الحال ذات فضاء محدود في منطقتنا، أو التي تستغل العاطفة الاجتماعية تجاه الدين دون إطار جماعة محددة وهي كثيرة. يستغل المتطرفون منابر التواصل الاجتماعي لإبراز القوة وكثافة الجمهور بصورة تصل لدرجة شراء متابعين بالملايين. وكما يفعل لتشكيل قوة مضادة ومنافسة للسياسة في المجتمعات، يقوم المتطرفون بتأسيس الكبت وتوظيف هذا الكبت وإدارته في المجتمع. ومن ثم يقومون بابتزاز المجتمع والسياسي معا. وأقرب مثال هم المتعاطفون مع داعش منهم، بطريقة أقرب للصريحة منها للملتوية، وذلك بتبرير أفعال الإرهابيين بصور مختلفة.
التطرف في حد ذاته عملية سياسية شبه بدائية تلائم المجتمعات التي يمكن أن تتلقى وتتقبل هذا التطرف كالمتدينة منها، والدين بطبيعة الحال هو القفل وهو المفتاح. التطرف ليس ظاهرة حديثة بمفهومه العام، بل تاريخي قدم المجتمعات الإنسانية نفسها. إلا أنه وإن بدأ بمفهوم سياسي فهو يسعى لأن ينافس الإدارات السياسية الآن بل يسعى لأن يحل محلها. وهذه المنافسة غير متوافرة في المجتمعات العلمانية التي لا يوجد فيها غالبا ما يوحد أفرادها في وجه الإدارات السياسية والأنظمة القوية. وهي تجد أرضا خصبة في مناطق مضطربة كالشرق الأوسط. متابعة قراءة في مواجهة «لوبي» المتطرفين