ماذا يحدث في البلد؟! وزارة الخارجية الأميركية تُبدي قلقها من حبس سجين الرأي الأستاذ محمد الجاسم، وقال الناطق باسم الوزارة السيد كراولي: "قدرة مواطني أي دولة وصحافييها على بحث ومناقشة ونقد أفعال الحكومات بحرية وقوة لا تُهدِّد المصالح القومية… إنها تجعل الحكومات أفضل وأكثر عرضة للمحاسبة…"، كلام الخارجية الأميركية ونصيحتها لحكومتنا جميل، لكن من يسمع ومن يكترث عند "ربعنا"؟!
أما منظمات حقوق الإنسان الدولية فقد أخذت تتحدث بقوة عن قضية الجاسم، وقالت حسيبة الصحراوي نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط لمنظمة العفو الدولية: "…إن الملاحقة الدائمة لمحمد عبدالقادر الجاسم تجعل الادعاء بأن الكويت تحترم حرية التفكير والرأي نوعاً من السخرية…!".
تصريح حسيبة قوي ومؤلم للكويت، وحسبنا الله ونعم الوكيل، فلم نكُن بحاجة إلى هذا الصداع، وإن كانت تلك الانتقادات هذه المرة توجه إلى الدولة بسبب قضية رأي وممارسة عادية لحق التعبير… فماذا كان سيحدث لو أن السلطة عاملت مقالات الجاسم كأيِّ قضية عادية، يُساءَل صاحبها متى حملت كلماته سبّاً أو قذفاً في حق أيِّ فرد من غير الزج باسم الدولة وأمنها وترويع أصحاب الرأي بعظائم الأمور…؟ على ماذا يا سادة؟ وهل نحن بحاجة إلى كل ذلك؟ إضافة إلى هذا يبحث دفاع الأستاذ الجاسم مدى جواز "استمرار" حبسه بعد أن انتهت مدة الـ"21 يوما" للحبس، التي أمرت بها النيابة العامة، وبعد أن انتهى تحقيقها في التهم الموجهة إلى الجاسم، وستتم مقاضاة السيد وزير الداخلية لعدم مشروعية حبس الجاسم في سجون أمن الدولة، ولعدم استناد استمرارية الحبس إلى سند من تفسير صحيح لروح القانون، وهذا دفاع سيُثار أمام المحكمة، وسيصل إلى أسماع الناس ومنظمات حقوق الإنسان، وسيزيد الإحراج السياسي للدولة الكويتية في قضايا الحريات، ولا يمكن الحجر على وعي الناس بعدم النشر الإعلامي، فجلسة المحاكمة لم تكُن سرية، ولم يطلب الادعاء أو رئيس الجلسة سرّيتها، فماذا سيكون موقف الدولة بعد ذلك؟!
لديّ شعور بالغم واليأس مما يحدث، وتتملّكني مشاعر الحسرة على ما وصلت إليه الأمور، وتهيمن عليّ هواجس مقلقة لا بسبب قضية الأستاذ الجاسم فقط، وإنما لعدم اكتراث عدد كبير من نواب الأمة بما يحدث اليوم لحرية التعبير، ماذا أقول بعد كل ذلك؟ وماذا يحدث للديرة وأنا أسمع بين الحين والآخر عن "شيخ يقول أنا معزب وآخر يقول راح ألسب"؟!
ملاحظة: "اللسب" يعني الجلد بالعصا في لهجتنا الناعمة.
التصنيف: حسن العيسى
تحية لكم
شرّف الثمانية عشر كويتياً وكويتية من أبطال أسطول الحرية الكويت وأهل الكويت، وقالوا للعرب وللناس إن الكويتيين ليسوا شعباً متغطرساً متعالياً ينظر إلى العرب والفلسطينيين بتكبر واستعلاء، وإنما لدينا قلة مريضة تريد تحميل كل الشعب الفلسطيني ومأساته وزر حماقات قام بها قلة من الفلسطينيين أثناء الاحتلال الصدامي للدولة، ودفع معظم الأبرياء الفلسطينيين الذين كانوا في الدولة الكويتية قبل الاحتلال الثمن الغالي لمواقف تلك القلة.
أثبت الأبطال الـ18 ومعهم نواب الأمة، أن الكويتيين لا يحملون الضغائن في صدورهم، وأنهم يتسامون فوق جروح الماضي متى رأوا الجور والظلم التاريخيين على العرب الفلسطينيين، وأن حصار التجويع الظالم لأهالي غزة لا يمكن تعليقه على مشجب "حماس"، وإنما هو عقوبة إسرائيلية لأهل غزة لأنهم انتخبوا الحماسيين بعد أن يئسوا من فساد أجهزة منظمة التحرير، وأن الجوع والفقر وقلة الثقافة الإنسانية في النهاية هي مصانع ومعامل تنتج لنا المتطرفين، وأن الأخيرين يحملون أوهاما كالأساطير اليونانية في عودة كل الحق الفلسطيني، وغذت تلك الاوهام القوى اليمنية في الدولة الإسرائيلية وأعطتها صكوك الغفران لكل الجرائم التي ترتكبها الدولة العبرية بحق الفلسطينيين.
بحماقة العدوان على أسطول الحرية التركي زاد رصيد الجمهورية الإيرانية و"حماس" من التعاطف عند الشعوب العربية والإسلامية، ومثل هذا الرأي قاله الأستاذ عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط قبل يومين، وهذا لن يضير الدولة الإسرائيلية بل العكس هو الصحيح، فإسرائيل اليوم تصور نفسها بعد نهاية الحرب الباردة أنها واجهة الحضارة والتقدم الإنسانيين في المنطقة، وأنها الحامية لهذه القيم امام "همجية" المتطرفين، وهي تعلم أن العالم الحر لن يذكر مآسي الفقراء والضعفاء من دير ياسين إلى سفينة مرمرة وإنما يذكر تماما جرائم 11 سبتمبر، وقبلها أحداث ميونيخ والتفجيرات الانتحارية وخطف الطائرات… وعلى هذا تحيا وتستمر إسرائيل ويحيا معها التطرف والجنون لدينا، فهما ليسا نقيضين بل حليفان.
هل تدرك معنى كلمة شيخ يا شيخ؟
اهدأ يا شيخ وتركد، وكلامي موجه إلى الشيخ صباح مبارك صباح الناصر، مرة ثانية وثالثة ورابعة ومن غير نهاية أكرر وأقول: اسمعها منّي يا شيخ صباح مبارك ولكل السادة الشيوخ، وهم محل تقديرنا واحترامنا.
اسمعها منّي يا شيخ، فلست أنت ولا غيرك من شيوخ الكويت "معازيب" النائب مسلم البراك ولا الوزير هلال الساير.
الكويت ليست إقطاعية لأسرة أو فرد، ولستم رعاةً ولسنا رعيةً لكم ولا لغيركم، أنتم تحكمون برضائنا وبإرادتنا الحرة، نحن مواطنون، ومشاركون في الحكم وأنتم حكام معنا وبقبولنا لكم، والعهد بيننا وبينكم وثيقة مدوَّنة اسمها الدستور، وإذا حاول أحد ما مسح تلك الوثيقة أو قلبها فسيُردُّ كيده إلى نحره، ومن يراوده وهم أو حلم مريض بالاستفراد في السلطة وعودة الأيام الخوالي الشاذة حين عُطِّلت أحكام الدستور في أكثر من مناسبة، فهو واهم وتهيمن عليه أحلام اليقظة… اصحَ يا شيخ… فعهدنا مع أسرة الصباح الكريمة هو الدستور، وما نصت عليه المادة السادسة فيه حين قررت أن "النظام في الحكم ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا…"، ونحن يا شيخ صباح المبارك -وأنت معنا لا فوقنا ولست معزبنا- الأمة ونحن مصدر السلطات، ونحن الجذع والجذور، ونحن الأصل، ومتى غُيِّب المصدر وقُطِع الجذع واجْتُثَّت الجذور، فستُمحى الفروع والأوراق.. فأين ستكون شجرة السدرة الكويتية؟
ماذا تقول يا شيخ، وبماذا هذيت في لقائك مع قناة "سكوب"…! عبارات مثل "معازيب… وتاج راسك… واضرب بيد من حديد"، ليس مكانها دولة المؤسسات ودولة المشروعية القانونية التي نعمل من أجلها، مكانها المناسب هو العدم والصمت، قلْ خيراً أو اصمتْ… قلْ يا شيخ: لي رأي وسأتواضع في ما أقول، وسنسمع رأيك، فهذا حقك مثلما هو حقنا أن نقول رأينا بما تفوهت به من بؤس وحديث جارح… هكذا نفهم دولة حكم القانون… وهكذا نفهم الحرية…
حريتنا يا شيخ ليست وقفاً على رغباتك، وليست مرهونة لدَينٍ علينا لكم، حرياتنا هي وجودنا وهي كرامتنا، وهي دستورنا الذي تبغضه شئت أم أبيت… حريتنا وحقنا في التعبير لن يكونا سجينَي المزاج الفردي والهوى الشخصي.
حريتنا يا شيخ هي "كويتيَّتُنا"، وهي ليست هبة منك ولا من غيرك، إنما هي للأرض وللدهر حين خُلِق المكان.
حرياتنا تملي علينا أن نقف مع الحق، والحق هو الإنصاف والمساواة تحت حكم القانون العادل… والقانون ليس مجرد نصوص مبثوثة هنا وهناك… إنما هو الروح… وهو احترام الكرامة الإنسانية كما أرادها الحق… وهي أسمى من أن تكون سلعة بخسة في أسواق شراء الذمم وبيع الضمير… الشيخ يا شيخ لا يتفوه بكلمات مثل "احترم معازيبك… وتاج راسك"… الشيخ يا شيخ نجده معنا في الأفراح والأتراح… الشيخ يا شيخ معنا في حفل الزفاف وفي مأتم العزاء… والشيخ يا شيخ يتألم للظلم إذا أصاب المواطن أو الوافد… والشيخ يا شيخ لا يهدد ولا يتوعد… والشيوخ يا شيخ رايتهم بالأمس… يعزون ويتواضعون من غير لافتات وتنبيهات تقول… أنا شيخ واعملوا حساباً لقدومي…!
الشيخ يا شيخ هو مواطن مثلي ومثلك… لا يجوز أن يكون "معزباً"… ولا راعياً… فنحن لسنا رعية ولست أنت ولا غيرك رعاة في صحراء الكويت… الشيخ يا شيخ هو من يؤمن بحكم القانون وبالمساواة في العدل لا في الظلم… الشيخ يا شيخ لا ينتقم، إنما يُعمِل حكم القانون… والشيخ لا يؤدب الشعب ويرفع العصا الغليظة في وجوه أبناء وطنه حين يرى ما لا يرون… وإنما يقول لهم: نحن سواسية أمام حكم القانون.. والشيخ يا شيخ هو من يتأسَّى بكلام كريم مثل "كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته"، والراعي والرعية بصيغة الجمع "كلُّكم" لا تعني غير المساواة في العدل، وهي بذلك تنفي مفاهيم الاستتباع والراعي والرعية… فهل عرفت معنى كلمة "شيخ" يا شيخ… اتقِ الله في نفسك وفي وطنك يا شيخ…
حوائط المركزي لا تفرق بين الأحرار والأشرار
"حبس المتهم احتياطياً إجراء شاذ وخطير… والأصل ألا تسلب حرية إنسان إلا تنفيذاً لحكم قضائي واجب النفاذ، لكن قد تقتضي مع ذلك مصلحة التحقيق منعاً لتأثير المتهم على الشهود أو العبث بالأدلة ودرء احتمال هربه… حبس المتهم احتياطياً لفترة محددة".
سجلت العبارات السابقة للأستاذ د. رؤوف عبيد على كتاب د. حسن المرصفاوي الذي كان يدرسنا مادة الإجراءات الجزائية قبل أكثر من 35 عاماً، وجدت في عبارات رؤوف عبيد عن القانون أصدق تعبير وأقرب روح لمفهوم العدل والعدالة… لكن ماذا يهم الآن غير التذكير بأن قانون الإجراءات الجزائية ولد عام 1960 من القرن الماضي أي قبل بعث دستور الدولة عام 62…!
أكثر من نصف قرن مضى ومع ذلك ما يصادر حرية الفرد وينتقص من كرامته، ولا يقيم وزناً بين قاتل سفاح محترف يسفك الدماء دون ذنب وصاحب رأي أو قضية مؤمن بها صاحبها يتصور أنه بعرضها قولاً أو كتابة وهماً أو حقيقة أنه يحقق مصلحة وطنية، مازال قائماً يحكم العلاقات الاجتماعية، وهو قانون الإجراءات الجزائية أهم القوانين لضمان حريات الأفراد وللمفارقة أخطرها أيضاً في سلبها.
طلبة القانون يعرفون في بداية دراستهم أن النيابة العامة خصم شريف، هي تمثل المجتمع والدولة في ملاحقة المتهمين، وتقدم الدليل بمساعدة أعوان الأمن من الشرطة للمحاكم… هذه النيابة كما قلت "خصم" شريف… ماذا كتبت؟ خصم… بمعنى أنها خصم للمتهم، وهي بهذه الخصومة قد يغيب عنها الحياد الذي تتطلبه العدالة، لذلك أوجدت بعض التشريعات مثل التشريع المصري في مراحل تاريخية مختلفة، والتشريع الجزائري على سبيل المثال، ما يسمى قاضي التحقيق، الذي تكون مهمته إصدار أوامر الحبس الاحتياطي بعد أن يستمع إلى طرفي القضية وهما جهة التحقيق كالنيابة وجهة الدفاع عن المتهم، وهنا نكون أقرب إلى روح العدالة، فمن يحقق في القضية، وهو وكيل النيابة، ليس هو الشخص ذاته الذي يتصرف بها ويصادر حرية المتهم، فقاضي التحقيق هنا أكثر تجرداً وأكثر بعداً عن التأثر بخصوصية القضية، وما قد يصيبها من تيارات اجتماعية أو سياسية.
في الكويت… حسب قانون الإجراءات الجزائية من حق وكيل النيابة أن يحبس المتهم 21 يوماً على ذمة القضية، وليس للمتهم التظلم إلا للجهة ذاتها التي أصدرت حكم الحبس الاحتياطي، ففيها الخصام وهي "الخصم والحكم"، كما قال المتنبي قبل ألف سنة تقريباً، وتمضي مدة الحبس الاحتياطي مدة قد تصل إلى ستة أشهر، وإن استغرقت النيابة حدها الأقصى بالحبس الاحتياطي مدة 21 يوماً، يظل المتهم خلالها بعيداً عن الاتصال الفعلي بسلطة القضاء التي ستفصل في القضية وتحسم أمر حريته…!
ألا ترون أن آلية الوصول إلى القضاء تنتهك أهم معايير العدالة حين تشل حريات الأفراد… وتغرق حرية الفرد في استبداد النصوص التشريعية المطاطة الخطيرة!
ألا تتفقون معي على أنه لا سبيل لإنصاف الفرد في ما لو حكم ببراءته في ما بعد… أي بعد 21 يوماً أو ستة أشهر… ألا تدركون أن حوائط السجن المظلمة لا تفرق في دولنا البائسة بين صاحب الكلمة وحامل سكين تنقط دماً أحمر.
ليس من أجله وإنما من أجلنا
هي قضيتنا لا قضية زميل وصاحب رأي، اتفقنا أو اختلفنا معه في ما يقول وفي ما يكتب، هي قضيتنا حين نفكر، هي قضيتنا حين نعبر، هي قضيتنا حين ننتقد ونسطر ما نراه يضر بالمصلحة العام ويثير هواجسنا من مستقبل مقلق، ومهما كانت قسوة الكلمة على الغير المتضرر، فالكلمة ليست فعلاً ولا عملاً. هي تعبير عن رأي، وهي إفصاح عن المعنى كما يريده صاحبها، وإذا أجاز المشرع، وهو يتخبط في معنى حرية التعبير حين صدّر تشريعات "دراكو"، كما هي ممثلة في قوانين الجزاء وأمن الدولة والمطبوعات والنشر، أن يُعمل مثل تلك التشريعات فتلك مسؤوليته من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو (المشرع) يوكل ضمناً إلى سلطة القضاء حق تعديل حالة الشذوذ لتلك التشريعات، كي يرمم عوارها لمصلحة الحرية الإنسانية وحق التعبير. وهذا أساس تلك الحرية وقوامها الراسخ في العصر الحديث. هكذا نفهم مبدأ الفصل بين السلطات وهكذا يتعين علينا أن نقف دون تردد لمصلحة حق الكلمة مسموعة كانت أو مكتوبة.
ليست هي قضية المواطن محمد الجاسم اليوم بعد أن زج به في سجون أمن الدولة، لأنه كتب وعبر عن رأيه، وليس من حقنا وليس من حق أحد أن يشق صدر الزميل محمد الجاسم وينبش عما قصده ومبتغاه حين كتب وعبر، وليس من حق أحد أن يزج برؤيته وفهمه الخاصين في تفسير ماذا أراد صاحب الكلمة وماذا عساه رمى حين كتب وقال! فالقضية هي قضية كلمة لا أكثر، هي قضية حروف لا يجوز أن يكون جزاؤها السجون ومصادرة الحرية… هي رأي بالنهاية، هي رأي آخر نقبله أو نرفضه، هي مسألة من شأننا الخاص، ولنا كذلك حق اللجوء إلى حكم القانون من غير تعسف ومن غير جور… أكرر من غير تعسف ومن غير افتراضات سوء النية، ونصب الفخاخ لصاحب الرأي.
خلقت القوانين- وقبلها الأعراف قبل التدوين- كي تحافظ على المجتمع، وتؤسس كيان الدول حين وجدت فكرة القانون في العصور الغابرة، واليوم ليس القانون أداة لحفظ نظام الحكم فقط، وإنما وسيلة لحفظ كيان الدولة المشتق من حفظ حريات الأفراد في دولة الحداثة…!
قبل أن نلجأ إلى حكم القانون علينا الاطمئنان إلى حكم العدالة، والعدالة هي الإنصاف وروح الإنسانية… والإنسانية لا تعني غير كرامة الإنسان وحريته في ممارسة وجوده، فهي حرية العقل الواعي… تلك أولويات وبديهيات لا يجوز الحياد عنها ولا يصح أن نهشها تحت أي ذريعة كانت.
ختاماً، من حقنا نقد رأي محمد الجاسم وبيان أوجه الخطأ فيه، لكن ليس من حق أحد ولا من سلطانه أن يصادر حريته ويروعه بسيف القانون متى انحرفنا عن سكة سير صاحب الشأن، فبالتأكيد أنه متى سكتنا اليوم عن سجن صاحب الرأي، فسنصمت غداً حين نكون شهوداً على مذبحة حرية الفكر.
نحو تغيير اقتصاد الوهب والنهب
ابن الغراب لن يكون بلبلاً صداحاً ولن يكون غير غراب آخر، وقطاعنا الخاص هو ابن بالتبني لحكومة الموظفين الكبرى، يحيا من نفقتها ويرضع من ثديها رغم أنه تجاوز سن الفطام. هو ابن بالتبني ولو كان أكبر سناً من الحكومة، فهو ولد قبل الحكومة وقبل الحكومات، فعبر الرسوم التي تتقاضها السلطة منه عاشت الدولة قبل النفط، ومن عمله الخيري، أي من عمل هؤلاء التجار، بدأ التعليم وبدأت النهضة قبل أن يرش النفط ذلك الابن الكادح، وتسيطر السلطة على مورد الدولة الوحيد، وهو النفط، وتصير هي الواهب والأم التي أفسدت ليس القطاع الخاص فقط بل روح العمل عند الإنسان الكويتي.
ليس هذا المهم، بل ما يهمني هو الأمثلة التي يوردها عدد من الزملاء عن فشل القطاع الخاص في الإدارة، وجشعه المالي الكبير حين استغنى عن خدمات الموظفين الكويتيين، فالزميل د. بدر الديحاني ضرب لنا عدة أمثلة صادقة، على سبيل المثال لا الحصر، منها تخصيص محطات الوقود و"قرين للأسواق"، في المقابل أتمنى على الزميل أن يطالع كيف تدار الأمور في 90 في المئة من حجم القطاع العام، سأضرب لكم مثالاً واحداً، فإثر النزاع القضائي بين إدارة الموانئ والشركة الوطنية العقارية تم تسليم إدارة المنطقة الحرة للهيئة العامة للصناعة، فماذا حدث؟! جاء الآتي في تقرير جمعية الشفافية لشهر مارس "… بالنسبة إلى المنطقة الحرة نشرت عدة تقارير وتحقيقات سلطت الضوء على حزمة المعوقات والمشاكل التي تحول دون استغلال المستثمرين الأراضي التي حصلوا على حق الانتفاع بها… أبرزها تداخل الصلاحيات بين الشركة الوطنية العقارية، التي كانت مسؤولة في السابق عن إدارة المنطقة الحرة، والهيئة العامة للصناعة التي انتقلت الإدارة إليها، وتراجع الطلب على شراء الأراضي بنسبة تفوق الخمسين في المئة، إذ لم تعد هناك رغبة لدى تجار العقار أو المستثمرين في الاستثمار بها، خاصة بعد السمعة التي أصبحت شائعة عن الإجراءات الروتينية والمعوقات التي يواجهها ملاك القسائم في حال احتياجهم إلى أي إجراء رسمي…".
هذا مثال واحد عن كيف تدير عقلية القطاع العام الأمور في الدولة، فلم يعد هناك فرق بين الولوج إلى المنطقة الحرة والتيه والضياع في دهاليز بلدية الكويت التي "… ما يشيل فسادها البعارين".
التخصيص ليس روشتة العلاج من سرطان البيروقراطية والفساد "المعشعشين" في جل أجهزة الدولة إن لم تكن كلها، وإنما هو محاولة يجب أن تستكمل بإقرار قوانين ضريبة الدخل والشفافية والرقابة المالية ومنع الاحتكار وحماية المستهلك التي هي كلها ضرورة وشروط أولية يجب إنفاذها بالتزامن مع إقرار قانون الخصخصة. المطلوب اليوم "هو إعادة هندسة جذرية لفلسفة ونظام اقتصاد الدولة ليتحول من اقتصاد توزيع الثروة إلى اقتصاد خلق الثروة…"، كما كتب بحق فهد العثمان في إعلانه المنشور بالأمس… بكلام آخر المطلوب اليوم تحويل اقتصاد الدولة من اقتصاد الوهب والنهب إلى اقتصاد العمل والكد… فهل تقدر الحكومة على هذا…؟! أتمنى وإن كنت أشك حتى اليقين.
قولوا لنا ما العمل؟
كأننا نقترب من إعلان ثورة أكتوبر 1917 المجيدة التي أطاحت بالنظام القيصري في روسيا وإقامة دولة العمال الاشتراكية، "بروليتاريا" الموظفين في حكومة "خليها على الله" وتوابعها سيعلنون الثورة الكبرى على مشروع قانون الخصخصة، وعلى رأسمالية التجار المتنفذين الذين سرقوا الدولة بالأمس بشكل غير رسمي، وسيبتلعونها غداً رسمياً تحت جلباب الخصخصة، ولن يجد عمال جنرال موتورز وكرايزلر وتقنيو وكالة ناسا للعلوم الفضائية وغيرهم من قوى الإنتاج الورقي و"ترويقة" فول وفلافل الضحى وظائفهم غداً، عندما يستغني عنهم التجار وكلاء السيارات ومستحضرات التجميل، وهم "كمبرادور" الاستعمار وصندوق النقد والبنك الدولي والعميل توني بلير.
ماذا يحدث اليوم في الكويت وأي معركة بؤس ضد مشروع قانون الخصخصة؟ وحتى هذا المشروع ولد على الطريقة الريعية الخليجية من ضمانات لليد الوطنية تذهب بمعنى التخصيص مع غياب كامل لمنظومة تشريعات للشفافية وضريبة دخل ورقابة مالية فعالة تضبط سير إجراءات التخصيص حتى لا يظلم الناس في مصادر رزقهم… ويصير إحلال قوى العمال الآسيوية مكان العمالة الكويتية…
الخصخصة ليست وصفة دواء تشفي من داء الريع والاتكال الكويتيين اللذين تزامنا مع تصدير أول برميل نفط كويتي في أربعينيات القرن الماضي، وتم تدريجياً القضاء على روح العمل والإنتاج عند الإنسان الكويتي، وحل محلها مفهوم الجنسية الكويتية كوسيلة وحيدة لضمان بحبوحة العيش الرغيد، وصار الأجر مقابل الجنسية لا العمل. وليست الخصخصة هي الطريق إلى القضاء على الفساد في دولة الموظف العام. العكس أحياناً هو الصحيح، ففي باكستان الخصخصة تساوي الفساد، وأعلن وزير الداخلية في روسيا عام 1993 أن 30 في المئة من المحال والصناعات الصغيرة استولت عليها المافيا الروسية وأصحاب الإثنيات العرقية بعد بداية التخصيص في روسيا، وهنغاريا التي بدأت الخصخصة عام 1989 تم تسمية اقتصادها المختلط بـ "جلواش الشيوعية"، وجلواش هي شوربة فوضى من اللحم والخضار اشتهرت في دول أوروبا الشرقية.
ندري بكل عورات الخصخصة التي ليس لها أول ولا آخر، لكن ما الحل وأمامنا لغة الأرقام التي تحدث بها بقوة جاسم السعدون في لقاء تلفزيون الراي مع التحالف الوطني؟ ما العمل حين يصير من الاستحالة توفير رواتب لـ 80 في المئة من العاملين في الحكومة حين يتضاعف سكان الكويت عام 2035؟! وما العمل ونحن أمام واقع أن 90 في المئة من دخل الدولة يكمن في سلعة البترول وأنه سيتناقص وقد توجد له بدائل خلال السنوات القادمة؟! وما العمل عندما أضاعت السلطة بوصلة التعليم وأحلت الكم بدل النوع، واستثمرت في أسهم وسندات وأوراق مالية بمديري محافظ مالية ماركة "بلاعين البيزة" يتقادمون على كراسيهم ولا أحد يزحزحهم عن جبالهم الراسخة في التكسب والارتزاق من المال العام بدلاً من الاستثمار في الإنسان الكويتي بالثقافة والتعليم الجيد؟
ندري ونعلم بكل ذلك… ندري أننا مع الخصخصة وبوجود حكومة وحكومات ليس لديها رؤية للمستقبل وتغرق في شبر ماء نخاطر وندخل في عالم المغامرة… لكن من جديد ما الخيار الآخر أمام ثوار إمبراطورية الموظف العام وجيوش اجلس في بيتكم والراتب مضمون…؟! بدلاً من تحريك التجمعات والمسيرات، أما كان من الأولى أن يقدم ثوار "الطبقة الثالثة" الكويتيون – تأسياً بمجلس طبقات الشعب الفرنسي قبل ثورة 1789 – رؤيتهم وطريقهم لحل معضلة تفجر الوظيفة العامة، وأن يقدموا مشاريع القوانين التي تضمن مستقبل الأجيال مثل قانون ضريبة الدخل، ويبدأوا في تشريع ضوابط الرقابة على التخصيص مثل قوانين الشفافية ومنع الاحتكار وغيرها؟ أم ماذا… هل نحن أمام معركة ضمان الغد للأجيال أم ضمان الشعبويات وضمان سيادة الجهل والتواكل…؟
شدوا الرحال إلى بانكوك
نشرت جريدة النهار خبراً، يوم الجمعة الماضي، جاء فيه أن وزارة الأوقاف قررت تشكيل لجنة من قبل وكيل الوزارة المساعد للتنسيق الفني ووكيل الوزارة المساعد للتخطيط والتطوير لمتابعة إنشاء مبنى مجمع الشيخ صباح الأحمد للشباب والرياضة في بانكوك! بصراحة لم أفهم الخبر ولم أستوعب العلاقة الحميمية بين متابعة الشؤون الدينية في الدولة وإقامة مجمع رياضي في بانكوك!
لا أعلم إن كانت الوزارة قد نفت أو أكدت الخبر، وإذا كان الخبر صحيحاً فما حاجة الوزارة إلى هذا "الشو" الاستعراضي في العاصمة التايلندية، وهل "بانكوك" في حاجة إلى استعراضات يد الخير وأريحية العطاء الكويتية حتى يقام فيها مثل هذا المجمع الرياضي؟… أتصور أن آخر ما ينقص "بانكوك" هو مثل ذلك الـ"شو" المبارك في عاصمة الليل والمتع واللهو غير البريء.
أهم من ذلك، أعرف أن وزير الأوقاف المستشار راشد الحماد كرجل فاضل خلال عمله الطويل، حين كان رئيساً لمجلس القضاء لا يرضى بتلك السخرية -إن تأكدت صحة الخبر- التي ستقام في العاصمة التايلندية، وأضيف زيادة على ذلك إقراري بجهلي الفاحش عن الطبيعة الخاصة لاختصاصات وكيلي الوزارة المساعدين، فماذا يعني "التنسيق الفني" في الوزارة، وماذا نفهم من "التخطيط والتطوير" في وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية؟ وأتمنى أن توضح الوزارة طبيعة اختصاصات المنصبين الإداريين في الوزارة "الوقف والشؤون الإسلامية"!
سأتوقف قليلا هنا، وأذكر أنه قبل بضعة أيام وفي خطاب الرئيس الأميركي أوباما لأهل الحرف والمواهب، توقف أوباما وذكر الدكتور نايف المطوع شاكراً إياه على عمله الكبير باقتباسه شخصيات خيالية مثل الرجل الوطواط و"سبايدر مان" من الفكر الغربي وصياغتها في قالب إسلامي بمجموعة 99 لتنقل إلى العالم رسالة المحبة والتسامح الدينيين، نظر الرئيس الأميركي باحثاً عن نايف بين الجالسين، ثم صوت باسماً: هذا هو نايف وجدته، فصفق الحاضرون ورفع نايف إبهام يده اليمنى شاكراً الرئيس والحضور.
التصفيق لم يكن لنايف وحده، بل كان للكويت ولشباب الكويت. هنا أسأل السادة في وزارة الأوقاف، ماذا لو خلقوا من وقف وصدقات أهل الخير مجمعاً علمياً يتبنى تنمية قدرات ومواهب شباب يتألقون كنجوم في السماء الكويتية على شاكلة نايف وغيره من المنسيين هنا بدلا من "نيون" أحمر وأزرق ووردي يتوهج وينطفئ بلا روح ولا مضمون كإعلان عن خيبة مجمع رياضي في بانكوك عاصمة اللهو غير البريء… ما رأي السادة في الوزارة الجليلة…؟
لنَسْمُ قليلاً
لم يكن النائب العراقي عزت الشابندر ممثلاً لأرض السواد – وهي العراق – حين صرح بكل فجاجة بأن الكويتيين في حاجة إلى صدام مرة أخرى كي يؤدبهم، فالعراقيون أنفسهم قبل الكويتيين هم مَن تجرعوا مرارة السم أيام حكم نازي العروبة صدام حسين، وإذا كان تصريح الشابندر حماقةً ما بعدها حماقة، فمن العقل ألا نجاريها بعنتريات مقابلة صدرت من بعض نوابنا حين وجدوا في شخصية نيابية عراقية سيئة مثل الشابندر مناسبة لتقويض كل محاولة للتعاون بين دولتين جارتين، الأولى هي الكويت، التي مازال الكثير من أهلها يحملون جروح الماضي من جراء الغزو الصدامي، والثانية هي الدولة العراقية التي تحاول لملمة أشلائها المبعثرة من بين الطوائف المتقاتلة، ومن بين سياسات انتهازية وفساد مالي وحروب بالوكالة عن دول أخرى يُهْرَق فيها الدم العراقي رخيصاً.
لم يكن احتجاز الطائرة المستأجرة للخطوط العراقية في مطار لندن من قِبَل الجهات القضائية، تنفيذاً لأحكام صادرة لمصلحة الخطوط الكويتية، عملاً موفقاً من الناحية السياسية؛ فقد كانت تلك الرحلة «عرساً عراقياً» بتعبير الأستاذ عبدالرحمن الراشد في جريدة الشرق الأوسط، الذي أضاف: «إنه مهما كان الحق القانوني فإن الحسابات السياسية عندما توجد تبقى لها الكلمة العليا… ولا يوجد خلاف سياسي يبرر الاستيلاء على طائرة وفتح جروح بين البلدين تكلف الكويت والعراق أكثر وأكبر من مطالب شركة الطيران الكويتية». كان من الأولى أن نتسامى فوق جروح الماضي، ولا نشغل أنفسنا بتهليلات وصرخات الحروب «القبائلية» للثأر من الجانب العراقي أو الكويتي، فالعراق بحاجة إلى الكويت، كما أن الأخيرة بحاجة إلى العراق مهما طال الأمد. ومَن يتصور غير ذلك فليفكر في طريقة لنقل مثلث الأرض الكويتية من رأس الخليج لحشْرِهِ في قلب القارة الأوروبية، فهذا قدرنا وهذا مصيرنا وعلينا التفكير بحصافة العقلاء. وحين يصرح وزير الخارجية الكويتي د. محمد صباح السالم بأن الكويت على استعداد لاستثمار التعويضات التي حصلت عليها من العراق في إنشاء البنية التحتية للعراق وتطوير الجزء الجنوبي منه ليكون منطقة صناعية، فذلك يدل على حصافة الدكتور محمد الصباح ووعيه بمسؤولية الكلمة، وهو يعرف، مثل زميله العراقي السيد هوشيار زيباري، أن مشكلة العلاقة بين الكويت والعراق هي مسألة إقرار الحكومة العراقية واعترافها القاطع بقرار الأمم المتحدة لعام 1993 بتقسيم منطقة الحدود بين البلدين… لكن أين هي الحكومة العراقية اليوم؟ ومتى ستنتهي التجاذبات السياسية في الدولة العراقية المتشظية؟! وحتى يحلَّ ذلك اليوم القادم فأضعف الإيمان الآن أن نبدأ في ترميم الجسور بين الدولتين، والتسامي فوق النعرات العصبية التي يطلقها هذا الطرف أو ذاك، ولا يجوز رهن علاقتنا المستقبلية مع العراق بابتزازات ورهانات انتخابية تسكب الزيت على نيران الجهل والتعصب الأعمى.
شروق من غير فجر
تاهت قضية شروق الفيلكاوي في أضابير «اللا اهتمام» بحقوق المرأة، وركنت العدالة الإنسانية جانباً على حافة الطريق الكويتي الغارق في هموم الرواتب والكوادر وهبات دولة الخلافة الكويتية، ونسينا الشروق وغطسنا في الظلام.
تقدمت شروق الفيلكاوي الحاصلة على ليسانس حقوق بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف إلى وظيفة «وكيل نيابة فئة ج» حسب إعلان وزارة العدل المقرر عن حاجة الوزارة إلى شغل تلك الوظيفة، غير أن الإعلان قصر أن يكون المتقدم إلى الوظيفة من ماركة «ذكر» كويتي على خلاف حكم الدستور والقانون، فطعنت شروق في هذا الإعلان، بعد أن رفضت الوزارة قبول أوراقها للتقدم إلى الوظيفة، واعتبرت شروق إعلان الوزارة بمنزلة قرار إداريٍّ سلبي، لها حق الطعن فيه بعد التظلم ورفض تظلمها، وتقدمت بصحيفة دعوى تطعن فيها بعدم دستورية ذلك القرار الإداري السلبي، وتنعى عليه مخالفته للدستور ومبادئ المساواة التي نص عليها الدستور.
لنقف قليلاً هنا ونسأل إذا كنتم تتذكرون كيف كانت ردود إدارة الفتوى والتشريع أيام زمان حين طعنت مجموعة من الناشطات في عدم دستورية قانون الانتخابات (قبل التعديل) وكان رد الحكومة عبر إدارة الفتوى يتلخص في رفض الطعون، وكانت مع «الخيل ياشقرا» ومع النص القانوني الظالم، ولو بركل أبسط المبادئ الدستورية، كذلك حدث الأمر ذاته مع شروق الفيلكاوي، ووقفت الإدارة الحكومية تتلمس السبل الفقهية وآراء الشرع لرفض دعوى شروق، وكأن الدول يحكمها رأي الفقهاء الديني، لا قطعية النص الوضعي…! وعندما طُرح النقاش في الصحافة أخذ بعض أساتذة القانون الدستوري يناقشون الموضوع بما ذهبت إليه المدرسة الشرعية التابعة للفقيه زيد أو للفقيه عبيد بشأن هل تعد ولاية القضاء عامة أم خاصة؟ وهل يجوز للمرأة توليه أم لا يجوز! وإذا كان هذا رأي النخبة فقيسوا عليه آراء العامة!
حكمت محكمة الدرجة الأولى الإدارية برفض الدفع بعدم دستورية قرار وزارة العدل وقررت «أن التعيين في وظائف القضاء يستند إلى السلطة التقديرية للجهة الإدارية، ولزوم توافر الشروط القانونية في المرشح، وأن الرقابة في هذا المجال التقديري هي في التحقق من أن القرار الصادر في هذا الشأن يستند إلى سبب موجود مادياً وصحيح قانوناً…». ثم قالت المحكمة: «… لما كان ما تقدم، وكان الثابت بنص المادة الثانية من الدستور أن دين الدولة الإسلام، والشريعة مصدر رئيسي للتشريع، وكان المرسوم… في شأن تنظيم القضاء وإن لم يتضمن نصاً صريحاً بحظر تعيين المرأة في القضاء، إلا أنه كذلك لم يورد نصاً بوجوب مساواتها بالرجل في شغل تلك الوظيفة….»!.
لننتهِ من حكم المحكمة، ونسأل أولاً: هل نحن محكومون بالنص التشريعي الوضعي وبنصوص الدستور الذي يؤكد مبدأ المساواة بين المواطنين بصرف النظر عن جنسهم أو دينهم؟ أم أن المدارس الفقهية الدينية هي التي تحكمنا؟! وثانياً: إذا لم يكن قانون تنظيم القضاء قد تضمن نصاً صريحاً بحظر تعيين المرأة… أَفَليس من الأولى أن نرجع هنا إلى الأصل، ونقول إن الأصل هو الإباحة لا التحريم؟ وإن الأصل هو المساواة لا عدم المساواة؟! وإن الأصل هو الدستور لا مدارس الفقه؟! وإن الأصل في حكم القانون هو العدل، والعدل هو الإنصاف لا الانحياز؟! وإن الأصل هو أن يكون القانون أداة تطوير المجتمع لا انعكاساً ومرآة لمعتقداته ورغباته متى اصطدمت بالحقوق الطبيعية للإنسان التي تسمو فوق أي اعتبار؟!
أمام شروق طريق الاستئناف والتمييز… فإن لم ينفع ذلك… فهناك طريق التشريع… فهل سيتحرك من أجلها نوابنا التقدميون أم سيتركون قضية شروق من غير شروق فجر الحرية والكرامة؟