يطبع المكان صورته في وجدان الفنان المبدع، ثم تتحدث اللوحة عن ذلك المكان بلحظة وجوده وتحفظه خالداً من التلاشي في الزمن المطلق، ولا يبقى غير ذكرى الماضي. ونقل إلينا الفنان الكبير أيوب حسين- شفاه الله- ذلك الماضي بفرشاة الرسم المعبرة عن حياة الأمس, وترك لنا إرثاً رائعاً لهوية غابت وطمست اليوم في طيات حداثة وتفاهة السلعة في أكوان الاستهلاك والغرق بمادية النهم الاستهلاكي، أما السيد غانم يوسف شاهين الغانم فقد وضع القلم مكان فرشاة أيوب العملاق، وبسط لنا لوحات مخطوطة بخمسة كتب خطها من وحي ذاكرته، وتخبرنا عن أيام الجمال والقبح، وأيام بهجة البسطاء وليالي الشقاء، تذكرنا بالجميل والتراحم والقبيح الكريه حين يتشكل ببؤس الفقر والمعاناة.
بزغ قبل أيام نجم سهيل، وفي سهيل يقول الشاعر "… يا سهيل الجنوبي برده يأتي نسناس…"، ويكتب غانم "… ومن المناظر التي رأيتها أن المواطن يقضي تقريباً جزءاً من يومه منقع جسمه بالبحر وأما المرأة بغرفة الجليب وهي تلطف جسمها بالماء البارد يستخرج كأنه مثلج…" ويضيف غانم الشاهين "ومن الأشياء الواجب ذكرها أن الحمارة والجصاصة حميرهم تتعب بالصيف فيكون عملهم أكثر الأحيان بالليل أو أذان الفجر. ومن جراء ذلك ترتفع أسعار حطب البادية من عرفج وحمض… أما الذين يصيفوا بالخارج فإني أتذكر منهم الشيخ فهد السالم ومحمد العتيبي وزيد السرحان وهؤلاء وجهتهم لبنان وسوريا". ولنترك الصيف ونرى كيف يصف لنا السيد غانم حياة البؤس في مهن لم تكن تعيب الفرد كما يحدث بثقافة اليوم النفطية وإنما تشرفه فيقول "… من المهن التي عاصرتها أنني رأيت كيف كان المواطن يطرق البوادي بهذا البر الشاسع واضعاً على كتفه شوال (خيشة) وهو يرتحل على رجله خارج من بوابة الشامية أو نايف ووجهته البادية، وهو يتقصى خطوات الجمال الذاهبة والايبة… فعندما يتبعها يعرف بأنها وصلت آبار كيفان لترتوي ويقف بقربها ويضع (الشوال) على جنب وينتظر الجمال بعد ارتوائها وقد اخذت تلقي فضلاتها من بطنها فينتظرها حتى تجف من الشمس ثم يأخذ الجلة ويضعها بداخل الشوال…" لتباع بوسط الصفاة بالمغرفة (المغراف) التي تسع من كوب شاي اربع مرات. كان يباع هذا الكوب ما بين بيزة او بيزتين…" وتستعمل تلك الفضلات كوقود للطبخ.
ويمضي بنا غانم واصفاً الديرة حين تهجم عليها أسراب الجراد "… فما يأتي صباح باكر فإذا بالطبيعة تغيرت وأظلمت البادية والمدينة وغابت الشمس وتحول النهار كأنه ليل دامس. وما تمر ساعة أو ساعتين وإذا بهذا الظلام أسراب ملايين الجراد وقد حل بالمدينة وقراها وأكل الأخضر واليابس… وحلت بالمدينة وقراها كارثة. ومن كثرته امتلأ البحر بملايين الجراد فقذفته الأمواج على الساحل… (وحين يجف إضافة مني) يصبح كالخشب اليابس، فيأتي أصحاب المزارع والبهائم يحملوه على دوابهم ويذهبوا به إلى بيوتهم ويخزنوه بكميات كبيرة…".
"وهذا الجراد أكله الأوائل قبل الإسلام وبعد الإسلام لأنه نظيف ولا يأكل إلا الخضار والأعشاب. فهو عندنا أكل خضارنا وشجرنا انتقمنا منه فأكلناه مطبوخاً حاراً ومشوياً بلونه الذهبي…".
لن تتسع مساحة المقال لعرض الكثير من لوحات غانم شاهين الغانم في كتبه الخمسة… هي تستكمل أعمالاً قدمها المرحوم حمد السعيدان في الموسوعة الكويتية… وهي تضيف إلى كتابات الفاضل سيف مرزوق الشملان وصفحات من تاريخ الكويت للوالد يوسف بن عيسى وغيرهم حين تصور الذاكرة الاجتماعية للدولة بالأيام الخوالي. اقتبستها وعرضت بعض صورها دون محاولة تعديل الأسلوب واللغة المختلطة باللهجة الكويتية… تركتها على دفئها وببساطة روح صاحبها… ويبقى هناك الكثير، مثل أصل كلمة فريج سعود وسكة عنزة ومطير، وطحن الحبوب، والضريرين وعملهما العظيم في تنظيف "القلبان"… سأعود إليها إن شاء الله… بدون أن أنسى أن جراد الأمس كان حشرات ابتلعناها… أما جراد اليوم فهو بشر يبلعوننا ويهضمون غدنا… يهضمون الدولة… ونعجز عن هضمهم.
التصنيف: حسن العيسى
ثقافة الغبقات بمركز الكون
تشع علينا كل عام في شهر رمضان فلسفة ثقافة الغبقات حين تستحوذ على الحيز الكبير في معظم جرائد الصحافة الكويتية، وتكثف كثيراً في صفحات المجتمع كي تتألق بها صور أهل الصيت مسلطة الضوء على أهميتهم ومركزهم الاجتماعي المبهر. الشيخ الفلاني يتوجه إلى غبقة فلان… والشيخ الآخر بدوره يقيم غبقة رمضانية لرجال الإعلام أو لتنظيمات سياسية كانت تقف طرفاً نقيضاً في انتقاد السياسات الحكومية، إلا أنه اليوم هناك هدنة الشهر المبروك تبزغ ببركاتها ورياء أشخاصها، وتشع بها أنوار الرحمة والتواصل بين اللاعبين السياسيين، وتركد معها أتربة معارك "دون كيخوته" بين رموزنا السياسية وخصومهم. الابتسامات الدبلوماسية والمجاملات تطفح متورمة على وجوه السياسيين أصحاب القرار تصاحبها مجاملات خاوية من الطرف الآخر تفرضها الأخلاق الكريمة للشهر الفضيل… السياسة والاقتصاد يغطان في نوم عميق في إمبراطورية مركز الكون الكويتي، لكنها في الرمضانيات الصيفية، تخنقنا مع شخيرها لزوجة الرطوبة والأغبرة المعلقة بين السماء والأرض، وتلفها الاختناقات المرورية، ثم السيارات المتلاصقة على خلاف قوانين الوقوف قرب بيوت الله حين تغلق الدروب في ساعات صلاة التراويح وبعدها، وتتعالى الأسوار صعوداً محتضنة سجون الكويت الروحية.
الكثيرون، وأنا منهم، يغلقون أبوابهم في زنازين المنازل، فلا حاجة إلى تدوير سويتش السيارة حتى تحشر في علب السردين المرورية بالشوارع… وماذا ستجني في النهاية لتبارك في صالات "ثنك تانك" بمراكز العلم والثقافة بالدواوين الكويتية… عبارات تتردد كل مساء وفي كل عام رمضاني مثل: مبارك عليكم الشهر… والحمد لله لا جوع ولا عطش… صبوا القهوة… هات البخور يا ولد فعندنا زائر كبير… تفضلوا على الحلويات والموالح يا جماعة… وبعدها… يستهل سيل من الأحاديث الساذجة عن الأحوال الاجتماعية العامة وأخبار منقولة عن وكالات "يقولون… وسمعنا" تتخللها فواصل من النكات السمجة… ثم تأتي حفلات السحور العامرة… وتنتفخ البطون من بركات "الخير والنعمة"… ويمضي بعدها الجميع إلى حالهم بعد ساعات طويلة قضوها في بحوث عميقة لعلم الاجتماع الكويتي… ماذا قبضت؟ لا شيء غير اجترار عبارات تعيد مضغها كل عام في دنيا الخيرات الروحية حين بزغت من باطن الأرض.
مسكينة صحافتنا المسائية… فلا أخبار يكترث لها القراء… غير قط ينط على قطة… والشرطة تلقي القبض على فاطر دخن سيجارة وخرق قانون المجاهرة بالإفطار… ثم هناك إعلانات تجارية فوق إعلانات تجارية تنفخ صفحات ملونة عريضة تضج بينها لقطات أخبار جدباء تؤكد بتصميم كبير ثقافة الاستهلاك حين سكن سرطانها نفوسنا وأضحى وعينا سلعة من سلع الفرح العابر بمدينة الأحلام والمركز المالي التجاري القادم بعلم الغيب… ثم هناك المسلسلات الرمضانية الساذجة تفرض بعد الفطور قليلاً من الوقت كي تهضم البطون المرتخية أكوام التشريب وتلال الهريس وتختم بحلوى اللغيمات وصب القفشة تسد الكروش وتخدر العقول.
أما كتابنا… فكثير منهم أيضاً مساكين… فلا مجلس ولا حكومة… ولا فسحة مكان للتعليق على أخبار تنتقد رأي أو مشروع هذا النائب أو ذلك الوزير… أما أخبار العالم… فلا تهم القارئ الكويتي… فقد حشر في وعينا بعد التحرير أن الكويت مركز الكون… ونحن نكتب من أجل ما يريده القارئ، لا من أجل الفن والإبداع… والحصفاء من كتابنا هم من أخذ إجازته مع عطلة المجلس… فمع غيابه ترتاح وتعطل الحكومة… فالكل هنا بإجازة صيفية وبجوفها تسكن بخدر وسكون إجازة رمضانية تسورها حوائط عالية من الملل والسأم… علينا في النهاية ملء الفراغ بفراغ فكر آخر ينبض بكلمات الخواء…!
لنتوقف الآن ونتأمل قليلاً دراريع بعض نسائنا المزركشة بألوان الوردي والأصفر والأحمر في ليالي الشهر قبل زيارتهن لغبقات المساء غير المختلطة… فهن يقمن بعروض أزياء لعالم ما بعد الحداثة الكويتي في صالات الدراريع والنضال من أجل كاميرات حقوق المرأة… وما عليهن غير انتظار الرجال حين يعودون منهكة بطونهم من غبقات الفكر العميق في دواوين رمضان… الحمد لله… العالم بخير ونعمة… مادامت الكويت بخير ونعمة… وكل غبقة وكل رمضان وأنتم بخير.
من عمل الإنسان وليس الطبيعة
في بداية عام 2008 اندلعت في أوطان الفقر والبؤس حركات تمرد وعصيان، بدأت أولاً في هايتي ثم في بنغلادش، هدفت تلك الحركات إلى جلب الانتباه الدولي نحو معاناة الشعوب الفقيرة بسبب غلاء أسعار الغذاء وعدم قدرة مزارعي تلك الدول على منافسة مزارعي الدول الثرية الذين تدعم منتجاتهم دولهم، ومثال ذلك الولايات المتحدة التي تنادي بالعولمة وفتح الأسواق للمنافسة دون تدخل الدولة، وكأنها تأمر بالمعروف وتنسى نفسها! لم تُرِد تلك الحركات سوى تنبيه المجتمع الدولي إلى مأساتها. ومضت حركات العصيان هذه من دون أن تترك أثراً في الذاكرة التاريخية. وذكرت جريدة "الفايننشال تايمز" نقلاً عن لجنة برنامج الأمم المتحدة للغذاء أن قطع المساعدات عن تلك الدول وصرف النظر عنها من قبل الدول المانحة يرجعان إلى أن الأخيرة تعاني أزماتٍ مالية، فكانت دول مثل إثيوبيا ورواندا وأوغندا هي أول ضحايا الجوع، وأصابت الكارثة الملايين، ولاحظت جريدة "الأمة" البنغالية أن المؤسسات المالية الدولية تعهدت بـ12.3 مليار دولار لمساعدة تلك الدول التي يتهددها شبح المجاعة لم يصل منها سوى مليار واحد! ثم أضافت الجريدة أن هذا لا يعني سوى اللامبالاة من الدول الغنية!
ترجمت الفقرة السابقة باختصار وإضافة وتصرف من كتاب "نوام تشومسكي" الأخير "آمال واحتمالات". وتشومسكي هو عالم لغويات في جامعة" إم إي تي" وهو أحد أشهر ممثلي الضمير الإنساني بالولايات المتحدة، ولم يتأخر يوماً عن فضح تاريخ ممارسات الدول الاستعمارية بدءاً من اكتشاف العالم الجديد على يد كولمبوس حتى هذه اللحظة، ويمضي تشومسكي مقرراً أن مثل تلك الكوارث التي تصيب البشر في دول الفقر هي من صنع الإنسان وليست من القدر فقط، بمعنى أن تلك الكوارث وإن رجعت إلى فعل الطبيعة التي لا ترحم فإن الإنسان ساهم بالقدر الأكبر فيها عبر استغلال دول البؤس من المستعمر وعدم اكتراث الأخير لعمق ما سببه من مآسٍ.
لنترك الكبير "تشومسكي" ونقرأ ما يحدث اليوم في باكستان، فكارثة الفيضانات تنمو يوماً بعد يوم في تجويع ونشر الأمراض في المناطق المنكوبة، والمساعدات الدولية غير كافية، والمتضررون يشتكون من ندرة وصولها إليهم. وهناك مَن يتوجس من أن معظم المساعدات ستذهب إلى المؤسسة العسكرية دون المتضررين، وأدبيات الإعلام الغربي همها الأكبر يتلخص في خطر استقواء حركة "طالبان" مستغلة بطء الدعم الدولي لباكستان، وكأن الكارثة هنا ليست فيضان نهر على أراضٍ لم تكن مأهولة في السابق، وكان النهر سابقاً يتمدد كما يشاء دون أضرار، ثم أضحت تلك المناطق قرى ومساكن للفقراء المزارعين، بل تكمن الكارثة هناك في خطر نمو "طالبان" و"القاعدة"… أما الجوع والأمراض فهي مسألة تأتي في المرتبة الثانية بعد "طالبان"! "عجبي" على هذه الإنسانية!
خرائب فوق التل
قبل احتلال العراق بفترة وجيزة زار الأستاذ الأميركي فؤاد عجمي (من أصل لبناني) الكويت، وجلسنا معه في جمعية الخريجين، وبدأ الأستاذ فؤاد موعظته متحدثاً عن "حلمنا" الكبير حين يزال نظام صدام وتشيد في العراق دولة ليبرالية ديمقراطية تقوم على مبدأ سيادة القانون والحريات الإنسانية، قال لنا إن الدولة العراقية القادمة ستكون كما يذهب المثل الغربي "مدينة فوق التل"، أي ستكون مثالاً يشع بأنواره على المنطقة العربية، كنا مشدوهين ومأخوذين بسحر الأحلام الوردية حين يضرب المارد الأميركي بقيادة البطل بوش الثاني ضربته السحرية في المنطقة، ويتبدد الظلام ليبدأ "عصر الأنوار" محمولاً لدولنا ليس على فكر فلاسفة مثل اسبينوزا وهوبس وروسو، بل سيأتي على متن قاذفات القنابل وطائرات الشبح ومصفحات ابرامز…!
لم نهتم، ولم نكن نحن الممتنين للتحرير الأميركي لدولتنا الكويتية نكترث من أي درب ستأتي لنا "أنوار" الحرية، فالرعب من صدام كان يملأ نفوسنا، وفكر القوى الدينية المتزمتة يحاصرنا من كل اتجاه، وإذا كانت الأرحام العربية عقيمة لا تلد فلاسفة ولا مفكرين مناضلين يكونون شعلة نور في دروب الحرية فليكن إذن التغيير من الخارج على يد أهل الحضارة والتقدم، ولتسطع أنوار الحرية القادمة من عاصمة بنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسون… ونسينا في معمعة التاريخ مونرو "ومبدأه" بالهمينة المطلقة على القسم الغربي من العالم الجديد، ونسينا من بعده ولسون وتي دي روزفلت، ومن خلفهم ومعهم تاريخ حافل ممتد للدولة الأميركية في الهيمنة على العالم حين تتدخل بحجة حماية الحريات وحقوق الإنسان في الظاهر، وبدأت بدول أميركا اللاتينية وامتدت إلى منطقة الذهب الأسود (النفط) في الشرق الأوسط… لم تكن "المأساة" الفلسطينية ولا موقف الولايات المتحدة المساند الأبدي لإسرائيل يهمنا كثيراً، فالكويت بعد تحريرها أضحت في عقلنا اللاواعي مركز الكون، وكانت مواقف بعض الفلسطينيين الذين أيدوا صدام في احتلال الكويت نكاية بأميركا سبباً مقنعاً لتناسي الهم الفلسطيني العربي جملة وتفصيلاً.
مضت الأيام… لنشاهد انتصار البطل بوش الثاني، وهو يقف على سطح حاملة الطائرات يزف للعالم خبر انتصار الحرية في العراق… وكان انتصاراً عظيماً تعاصر معه انتصار الطائفية والقبليات في العراق… وحمل معه أجساد العراقيين المقطعة من تفجيرات "القاعدة" ومن الحرب المذهبية التي نقول رياء إنها انتهت.
من حاملة الجنود الخارجة من العراق والمتوجهة إلى الحدود الكويتية أشار الجندي الأميركي الصغير بإشارة النصر فرحاً وهو يقول: انتصرنا…! هذا صحيح فقد انتصروا بضمان مكامن النفط يحرسها الخمسون ألف جندي من الباقين في العراق ومعهم قوات شركات الحراسة الخاصة… وانتصرت معهم قوى الإرهاب والطائفية وتفتت العراق… ماذا سنقول لفؤاد عجمي ومثاله عن "مدينة فوق التل"… لنخبره عن الخرائب فوق التلال.
ماذا تعلمنا؟
الكويت هي الدولة رقم عشرة في حجم التبرعات التي قدمت إلى ضحايا باكستان، وتسبقها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وبعض الدول الأوروبية ومنظمات تابعة للأمم المتحدة. حجم الكارثة الباكستانية أكبر مما يمكن تصوره، فغير الضحايا الذين ماتوا هناك أكثر من عشرين مليون نسمة، وأكثرهم من الأطفال، معرضون لأمراض فتاكة مثل الكوليرا، بسبب تلوث مياه الشرب، وصرحت "اليونيسيف" بأن توفير مياه نظيفة يتطلب اكثر من مليوني دولار يومياً، وهو مبلغ لا يمكن أن تتحمله تلك المنظمة.
أرقام كبيرة، وهي ليست أرقاماً حسابية بل أرقام تشي بمأساة بشرية وأشباح الموت والجوع تقف فوق رؤوسهم. ونقلت "بي بي سي" عن مسؤول باكستاني ان الدولة الباكستانية قد تحتاج إلى أكثر من خمس سنوات لإصلاح الأضرار، وبتكلفة قد تصل إلى 15 مليار دولار… لكن هذه الدولة الباكستانية التي يئن شعبها اليوم من هول كارثة طبيعية هي قبل كل شيء دولة نووية، ولم تتأخر في الماضي بالصرف على إنتاج سلاح الرعب هذا قبل الهند، فهل أنفقت كما يجب لبناء جسور وسدود وطرق ووسائل تصريف مياه متينة، لا لتجنب مثل تلك الكارثة بطبيعة الحال وإنما للتخفيف من أثرها…؟ في بحث دورية "فورن أفيرز" نشر الباحثان الستر سميث وكوريز فلور بحثاً في "سياسة الكوارث"، فهما يقولان إن الأموال مسألة مهمة للتخفيف من هول الكوارث، إلا أنه قبل الأموال تأتي السياسة الحصيفة، فعلى سبيل المثال في 12 يناير عام 2010 أصاب عاصمة هايتي زلزال بقوة 7.0، وتسبب في قتل وهلاك ما يقارب 222 ألف نسمة، وفي الشهر التالي تعرضت تشيلي لزلزال بقوة 8.8، ولم يمت سوى 500 فرد… وقبل أربعين سنة أصاب بيرو زلزال قتل 66 ألف نسمة، ثم أصيبت عام 2001 بزلزال أقوى ولم يمت غير 150 نسمة، مع الأخذ في الاعتبار الكثافة السكانية ومعدلات النمو، لكن المعيار الأهم هو أن بيرو كانت عام 1970 دولة غير ديمقراطية، ولم تعد كذلك حين حدث الزلزال الثاني… ومضى الباحثان في ضرب عدة أمثلة من الصين واليابان وإيران وغيرها، لننتهي بنتيجة هي أن الوعي وسياسة الاستعداد للكوارث هما العامل الحاسم في التخفيف من مصابها.
لنعد الآن إلى الكويت التي كانت الأولى عربياً في سخائها بشأن مأساة باكستان، علنا نتعلم شيئاً من كل هذا، متسائلين ما إذا كانت الدولة تعي وتعمل حساباً لكل احتمالات الكوارث، سواء كانت طبيعية أو بشرية سياسية من فعل البشر بأخطائهم وحماقاتهم…! ماذا تعلمنا من تجربة الغزو مثلاً… وهو كارثة نتيجة فعل بشري إجرامي… وهل غيرنا من سياسات الماضي وتعلمنا من دروسه آخذين في الاعتبار اليوم نواقيس خطر الحرب التي تدق بشدة قربنا…؟ هل تعلمنا شيئاً أم مازلنا على "طمام المرحوم"؟ السؤال لكم.
تحت يد الشيخ أم تحت أيديهم؟
أين ستودع أموال مدينة ألف ليلة و"نيلة" للصندوق الوطني المقترح للتنمية، ومن سيشرف على صرف الأرقام الفلكية المقدرة له لخدمة مدينة الأحلام القادمة؟ لم يعد سراً خافياً، فهناك معركة داخل بطن الحكومة بين وزير ووزير، بين وزير المالية الشمالي والشيخ أحمد الفهد نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وهي معركة أيضاً بين البنك المركزي ومعه البنوك المحلية من جهة، ومن يريد أن تكون أموال الصندوق بيد الحكومة وتحت إدارة الشيخ أحمد الفهد.
كل طرف في دولة "اغنم زمانك" له حجة وسند، أما مستقبل أولادنا فله الله…! المؤيدون لاستقلال الصندوق ووضعه تحت يد الحكومة أو تحت إشراف الشيخ أحمد، مثل النائبة رولا دشتي، يقولون إن البنوك المحلية غير قادرة على حمل هذا الثقل، فالحكومة مثلاً أودعت أربعة مليارات دينار لدى البنوك كضمان ولتحريك الائتمان، فماذا فعلت البنوك لزيادة التمويل للقطاع الخاص… لا شيء… فالانكماش على حاله والوضع الاقتصادي "مكانك راوح"، وتقول محامية الصندوق الوطني رولا دشتي لجريدة "الأنباء": "هناك تشويه منظم لفكرة مساندة الحكومة في تمويل هذه المشاريع، وهو (تقصد التشويه) لخدمة مصالح خاصة وقطاع بعينه…"! وكأن ما صرحت به رولا أمر جديد على الكويت… فالدولة، ومنذ زمن بعيد، كلها مفصلة على مصالح وقياسات البعض من جماعات إن "حبتك عيني ما ضامك الدهر".
أما المعارضون لولاية الحكومة على الصندوق أو فكرة خلقه من الأساس، ومنهم من أهل الحكومة ومنهم اقتصاديون وتجار وبنوك، فيقولون إن إنشاء مثل هذا الصندوق يعد سلباً لصلاحيات البنك المركزي في الرقابة على الائتمان، ويضعف النظام المصرفي، والصندوق يفتح أبواب التعدي على المال العام، وذكر الاقتصادي جاسم السعدون لجريدة "الجريدة": "أن الصندوق سيخلق منافسة غير شريفة بين الحكومة والقطاع الخاص… فالشركة التي تملك حظوة تمويلها سيكون أسهل من التي لا تملك مثل هذه الحظوة… وسيستخدم الكيان الجديد كمركز لتوظيف سيئ يرتكز على مصالح شخصية وعائلية وقبلية وطائفية كشروط توظيف أكثر من الكفاءات نفسها، وقد يشمله الفساد نظراً إلى محسوبية التوظيف والولاء لغير جهة العمل…".
أياً كان الأمر… فلا يبدو أن هناك اتفاقاً قريباً لتقسيم كعك العيد لمشروع مدينة الأحلام، لكنه من المؤكد في نهاية المطاف أن أصحاب النفوذ المؤلفة قلوبهم سيقولون مثلما قاله هارون الرشيد: "امطري يا سحابة حيثما شئت فسيصلنا خراجك…" أما أولادنا فسيقولون غداً: كفاية… فقد غرقنا بخرابك…!
حزب الله المعصوم
لم تعرض على الإعلام قرائن المحكمة الدولية نحو إدانة بعض العناصر القيادية في حزب الله بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولا أحد يستطيع أن يقدر الآن معقولية أو عدم معقولية أسباب "القرار الظني" للمحكمة في اتهام حزب الله، فالقرار في ضمير المحكمة أو القاضي بلمار، إلا أن حزب الله وأنصاره سارعوا إلى اتهام المحكمة ضمنياً بالعمالة لإسرائيل والأميركيين، وقدموا بدورهم أدلة، حسبما يقول أصحابها، تقطع بتورط إسرائيل في جريمة الاغتيال بواسطة الطلعات الجوية ودور ضابط لبناني عميل لإسرائيل اسمه غسان الجد كان موجوداً في مسرح الجريمة…!
سياسة حزب الله في الدفاع هي الهجوم على المحكمة والتحقيق وتوجيه الاتهامات إليها قبل أن تعرض على الرأي العام أسباب القرار الظني، فلم يترك حزب الله فرصة كي يطلع اللبنانيون والعالم على محتوى وأسباب القرار، وفي الوقت ذاته تجري التلميحات بعظائم الأمور مثل الحرب، بينما لو مضى نحو إعمال هذا القرار المحتمل… كيف يمكن هضم دفاع حزب الله وتبرئته من تهمة لا نعرف أدلتها حتى الآن؟
لا يجحد عاقل دور حزب الله النضالي ضد إسرائيل، ولا ينكر أحد أنه لولا هذا النضال لما تحقق الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، وبهذا سجل لنا حزب الله أول انتصار عربي جزئي ضد إسرائيل في مسلسل طويل من هزائم الأنظمة العربية… أيضاً لا يمكن أن ننفي حقيقة أن حزب الله هو الأكثر تمثيلاً للأغلبية الشيعية في لبنان، وهو الأقرب لمعاناتهم التاريخية وبؤس أحوالهم لعقود ممتدة في التاريخ اللبناني، ومع كل ذلك، ورغم الدمار الذي أصاب لبنان واللبنانيين حين تحول الجنوب اللبناني إلى "هانوي" التحرير ضد إسرائيل، يبقى أن نسأل هل كانت مثل تلك البطولات والتضحيات الكبيرة للحزب تضفي رداء القداسة عليه وتحصنه من أي خطأ أو انحراف في مسيرته؟… ضلوع إسرائيل في جريمة اغتيال الحريري مسألة محتملة، وأيضاً هناك احتمالات تقول إن غير إسرائيل لهم مصالح و"أجندة" مكتوبة لاغتيال الحريري وغيره من رموز لبنانية كبيرة مثل جبران تويني وسمير قصير… فلماذا الآن النفي المطلق لكل هذه الاحتمالات؟
يكاد يقول الحزب للناس إنه هو لبنان ولبنان هو الحزب، ولا شيء قبله ولا بعده، وبالتالي فإن للحزب وقياداته صفة "السيادة" المستحقة للدول، ولا يجوز في أي حال مساءلة أصحاب السيادة ولا مخاصمة أهل العصمة… ولتذهب العدالة إلى الجحيم…
سجِّلوها على «أبو عدس»
لبنان (أو على الأقل الحكومة اللبنانية)، أصبح مثل "بلّاع الموس" كما يُقال في الأمثال الشعبية، فلا هو قادر على قبول ما قد يسفر عنه قرار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي تبدو فيه مؤشرات على إدانة لعناصر من حزب الله، ولا يستطيع في الوقت ذاته، نسيان أمر المحكمة، وكل ما بُني من تحقيقات وإجراءات خلال أكثر من خمس سنوات، تمّ تحت وصاية مجلس الأمن الذي خلق المحكمة بعد جريمة اغتيال الراحل.
كيف يمكن لعاقل أن يوفِّق بين عبارتين للرئيس سعد الحريري، حين أكد أن المحكمة ليست "أمراً طارئاً وليست بنت الساعة"، لكنه في الوقت ذاته -والكلام عائد إلى رئيس الوزراء- يرفض أن تكون قضية الاغتيال "سبباً في اندلاع فتنة مذهبية…"!
كم هو صعب موقف الرئيس سعد الحريري، يريد حكم القانون والعدالة حين ينتصفان لمقتل والده، لكنه يدرك أن حكم القانون سيعني فتح صندوق "بندورا" للشرور على لبنان من جديد، مع أن جرّة "بندورا" لم تُغلَق يوماً ما في لبنان منذ لحظة ميلاده واستقلاله حتى اليوم، فلبنان هو حالة قبائلية عربية متخلفة تحت مسمّى طائفي، وقد كتب الباحث بطرس لبكي في "النهار": "…كل اللبنانيين ينتمون إلى أسر، والأسر تنتمي إلى جب، والجب إلى عائلة، والعائلة إلى عشيرة، والعشيرة إلى قبيلة، وهذا صحيح، خاصة في المناطق الريفية من حيث يأتي 95 في المئة من اللبنانيين"!
هذه هي حالة لبنان القبلي الطائفي المُفتَّت إلى إقطاعيات مناطقية، يتزعم كل إقطاعية شيخ القبيلة أو "الرمز الطائفي".
لبنان ومعظم أقطار العالم العربي مع استثناء جلي في الحالة المصرية، مشاريع دول أوطان لم تكتمل، والانتماءات القبلية والمذهبية مقدمة دائماً على الولاء للدولة العاجزة عن توفير الحماية والعدالة الاجتماعية، ليس لبنان حالة مختلفة عن العراق أو اليمن في الفشل، ولا يبتعد كثيراً عن المشهد الصومالي، أو المشهد المحتمل لمعظم الأقطار العربية، والاختلاف هنا في دولنا ليس في النوع، بل في الدرجة، أي درجة التناقض والتنازع في الولاءات العشائرية والمذهبية، فكيف لنا أن نفكر بدولة القانون في لبنان وليس لدينا "دولة"؟ دولة بمعنى السلطة التي تحتكر سلطان العنف على إقليمها، وهناك سلطات أخرى أقوى من سلطة الدولة، مثل حزب الله الذي يرفض مع حلفائه من حركة 8 آذار القرار المحتمل للمحكمة، التي يصفها الجنرال عون بعدم النزاهة وغياب الشفافية، وبأن "أحكامها مسيَّسة"!
مصادرة قرار المحكمة "الظني" في النهاية، هي مصادرة لما تبقى من الدولة اللبنانية، ولن تجد الحكومة اللبنانية من حل سوى أن تطلب من مجلس الأمن نسيان المحكمة وما مضى، ولتُسجَّل قضية مقتل الحريري ضد مجهول كان اسمه "أبو عدس".
«خمالي»
أطلقت وزارة الداخلية حملة "حياتي" بغرض توعية الناس باحترام القانون، وقال اللواء مصطفى الزعابي "إن وعي المجتمع بالأمن ومتطلباته ضعيف، فضلاً عن الاستهتار بالقانون وكسره من قبل شريحة كبيرة من المجتمع"…! لم يقل الصديق مصطفى أمراً جديداً… فوزارة الداخلية في حاجة حقيقية إلى توعية المواطن بالقانون وهيبته… وهذا غرض حملة "حياتي" كما جاء في الخبر… لكن قبل ذلك نسأل وزارة الداخلية من المسؤول عن غياب هيبة القانون…؟! كلمة "هيبة" تعني الاحترام المفروض للقانون والخشية من كسر أحكامه… وحتى تكون للقانون صفة "هيبة" لا بد أن يكون هناك إيمان بجدوى احترام القانون، وأن هذا القانون لا بد أن يكون محايداً ويساوي بين الناس… لا يفرق بين الكبير والصغير، أو القوي والضعيف… ويجب أن يكون هناك إحساس عام لدى الجمهور بعدالة القانون، بمعنى أن يكون ذلك القانون منصفاً… وكلها أمور لا تنزل من السماء، فالناس في المجتمعات النامية عادة لا يؤمنون بالقانون الذي يولد بالتزامن مع ولادة الدولة ذات السلطة المركزية، قبل ذلك لا يوجد غير الأعراف والتقاليد، وهي تأخذ حكم القانون لكن ليس لها عموميته ولا دقة تنظيمه… وإنما يخلق الاحترام للقانون في تلك المجتمعات بإعماله بسلطة الإلزام التي تحتكرها الدولة.
حين تتحدث "الداخلية" عن "هيبة القانون" الغائبة… فهذا يعني إقرارها بعجزها عن إعمال حكم القانون، فوزارة الداخلية عجزت أو "تعاجزت" عن إعمال قانون منع الانتخابات الفرعية، فالعرف العشائري الذي أملاها أمضى أثراً من قانون الحظر، وإذا كنا لا نملك إعمال هذا القانون فالأولى أن نلغيه بنص تشريعي بدلاً من تركه في حالة الموت السريري… و"الداخلية" غير قادرة على ضبط "حرب الشوارع" ووقف هدر الدماء وقبلها هدر الأخلاق… لأن أغلبية من يكسر قانون المرور أهل البلد أولاً ثم الآسيويون (وفق بيانات "الداخلية") الذين يعملون تحت مظلة كفالة أهل البلد… وتم تكريس ثقافة أن أبناء البلد الأقلية في وطنهم هم عادة فوق القانون… وأن الواسطة والمحسوبية والولاءات الخاصة تقف كلها سداً أمام المساواة في حكم القانون.
القانون ليس مجرد نصوص في المدونات، وإنما هو ذلك النص "الفاعل" الحي الذي يعمل وتفرضه سلطة الدولة التي تحتكر القهر… فأين القانون، مثلاً، من جرائم التدخين في الأماكن العامة إلى جرائم السرقات الكبرى من المال العام… حين يتم غض النظر عن الجرائم الكبيرة قبل الصغيرة؟ المسألة في النهاية ليست قضية "هيبة قانون" حين قصرت على وافد آسيوي كشفت عيون صقور "الداخلية" عن مصنعه البائس لإنتاج الخمور المحلية، كذلك نرى "هيبة القانون" فاعلة تماماً إزاء كاتب أو صاحب رأي تجاوز المحظور الثلاثي (الجنس والسياسة والدين) في مجتمعات الأعراف المتخلفة… بل هي قضية غياب "هيبة" دولة بكاملها، وهي قضية رياء ونفاق متفق عليهما ضمناً بيننا وبين السلطة… فلنسم الأسماء بأسمائها وبدلاً من حملة "حياتي" سموها "خمالي".
نريد مدن التدبير لا مدن الحرير
تواضعوا قليلاً، تمهلوا كثيراً، لا نطلب الكثير ولا المستحيل، نريد منكم يا قادتنا الأكارم بعض البساطة حين تسوقون علينا بضاعتكم، وهي سلعة الوهم واللامعقول! خبران طالعتنا بهما جريدة "الجريدة" قبل يومين، الأول يتحدث عن مدينة الحرير، وكتب بالمانشيت العريض، وجاء به حرفياً "المشروع… يشتمل على أربع مدن رئيسية: المال والتسلية والترفيه والثقافية والبيئية"، ووضع المحرر "قوسين" صغيرين حول كلمتي التسلية والترفيه…! وسرح الخيال و"شطح" طويلاً عن الليالي الوردية القادمة بإذن الله في عوالم التسلية والترفيه في أكوان مدن الحرير الكويتية، إلا أن الخبر الثاني صفعني وأصحاني من خدر الحلم الجميل، وليس هذا بجديد علينا في ديرة التزمت والدين والعادات والتقاليد، فقد اعتدنا "طراقات" فقهاء مجلس الأمة ومحتسبة الحكومة، الأولون يصفعوننا بحرياتنا الخاصة، والآخرون بحرياتنا العامة، ونحن آخر الأمر محشورون بين الاثنين، ويا لها من حشرة ثقيلة على الروح…! الخبر الآخر، يقول إن لجنة الداخلية والدفاع قررت السماح للعسكريين بإطلاق اللحى…! هكذا انتهت قضية الضبط والربط للعسكريين، وانتهت معها تكنولوجيا الأمن والدفاع التي يفترض أن تكون من إطلاقات حكومة المحتسبة دون معقب، لتختم بقرار حرية إطالة اللحية وفق مقاييس الحداثة الكويتية… شكراً للجنة الداخلية والدفاع في دفاعها العظيم عن الحريات الكبرى.
وفي اليوم التالي فتحت رسالة من "كويت نيوز" على الموبايل تقول إن وزارة الشؤون قررت منع الرجال من العمل في المحلات التي تقدم خدمات إلى النساء…! ما المقصود بالمحلات التي تقدم خدمات إلى النساء وكيف نفهمها… لا أدري… لكن يمكنكم سؤال أهل الذكر في وزارة الشؤون فهم "أبخص" في نوع الخدمات المقصودة بالحظر. أليست هي الوزارة ذاتها التي أخبرني الهندي سانتان "مخلص" معاملات المكتب الذي أعمل فيه أنه وقف منتظراً قبل الساعة السادسة صباحاً عند قسم إثبات تحويل الرواتب للمقيمين بقصد تجديد أو تحويل الإقامة، فوجد هناك بشراً ينتظرون دورهم من الساعة الخامسة فجراً، والموظف المختص بتوزيع كروت أرقام الدخول يأتي الساعة السابعة والنصف… فلينتظر سانتان ولينتظر غيره الساعات الطويلة في الحر الملتهب… فهذه الوزارة مثلها مثل أخواتها من وزارات دولة مدن الحرير تعلم الناس قراءة أدب "صمويل بيكت" وأبطاله في مسرحية "بانتظار غودو"، وهذا العم "غودو" لم يأت ولم يشاهده أبطال المسرحية العبثية كعبث مدينة الحرير وكملهاة مدن "المال"، كما تخبرنا بها أحوال البلد المالية في البورصة، ومن بعد هناك مدينة التسلية والترفيه"، وهي ما نتجرع كؤوسها المرة في كل لحظة بهجة تمضي في الدولة رقم 23 في مقياس السعادة…! أما مدينة "الثقافة والبيئة" فلنتركها لثقافة المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون ولجنة الرقابة على الكتب في معارض الكتاب ومسرحياتنا التي تتنفس في الخارج، أي خارج هيمنة ملالوة قندهار الخليج، وما يخص مدينة البيئة فألقوا بحملها على محطة مشرف لضخ مياه المجاري في البحر، ودعوها لشواطئ النظافة والمهملات الورقية والفحم الذاوي بعد حفلات الشواء على سواحلنا… ومنها "يا ساحل الفنطاس ويا ملعب الغزلان" والله ترحم الراحل غريد الشاطئ.
شكراً نقولها لكم مرة ثانية وثالثة على حلم مدن الحرير، كل ما نتمناه منكم فقط هو بعض الصراحة والواقعية في ما تصرحون وتتفوهون به عن جناتنا القادمة… لا نريد منكم أن تعدونا بمدن الحرير، وإنما تكلموا عن مدن التدبير… ندري أننا كنا وسنظل على "اطمام المرحوم" فارحمونا يا جماعة وعسى الله يرحمكم.