حسن العيسى

إعلامنا المُغتصَب

"إن مسألة تدهور الإعلام هي التي تطرح نفسها على الساحة السياسية"، بهذه العبارة لـ"بيار ريمبير" فتحت مجلة "لوموند دبلوماتيك" في عددها الأخير ملف "زواج القُربى بين الصحافة والسلطة والمال"، ومضت المجلة لتنبش دور الإيديولوجيا المسيطرة في المجتمع في تكريس ذاتها حين تهيمن على الإعلام، حتى لا يسبب الأخير الإزعاج لأي شخص، طبعاً هذا الشخص يُفترَض أن يكون من رموز السلطة أو صاحب المال، أو من حراس العقيدة…، والتعبير الأدق من زواج القُربى بين الصحافة والسلطة والمال هو اغتصاب حريات الضمير (حرية التعبير والاعتقاد والنشر…)، من السلطة السياسية أو من سلطة المال أو من سلطات اجتماعية، فلا يوجد هنا زواج قُربى، بل سلطةٌ غاصبة -من دون تحديد نعتها- ورأي مُغتصَب، والسلطة ليست بالضرورة أن تكون سلطة الحكم الرسمية، فهي أحياناً تكون سلطة المال، حين يُسخِّر صاحب الجريدة أو القناة التلفزيونية أو أي وسيلة إعلام أخرى يملكها جريدتَه أو قناتَه، لمصالحه الخاصة مصوِّراً فسادَه على أنه العدل ويحقق المصلحة العامة…! أو يستغل ملكيته للطعن في خصومه، وهنا يصبح الكاتب أو مُعِدُّ البرنامج مخلبَ القط لأصحاب الملكية.

وقد تكون السلطة اجتماعية مثل سلطة الجماعات الدينية في الكويت على سبيل المثال، فتلك الجماعات وإن لم تمتلكْ وسائل الإعلام، فالأخيرة تتواطأ معها لتكريس حال الغيبوبة العقلية في الدولة، فهناك الصفحات الطويلة لتفسير الأحلام للفقيه ابن الأوهام، وهناك صفحات الترويع والزجر للحرية، تُلبَّس عبارات الأخلاق والعادات والدين… ولا بأس أن تنشر الصحيفة أخباراً رخيصة مثل: الأمن يكشف وكراً للدعارة، القبض على وافد مع مواطنة في وضع "مثير"، أو الأمن يقبض على ثلاثة بنغاليين يصنّعون الخمور المحلية، فهنا الخبر اللاهث خلف "الإثارة" على تفاهته يروِّج لسلطة الدولة الرسمية ومسؤولها الأمني، وفي الوقت ذاته يخدم أصحابُ الخبر -بقصد سيّئ أو ببلاهة السبق الصحافي- القوى المحافظة الدينية حين تتم المبالغة في تصوير الفساد الأخلاقي في الدولة، ولابد حينها من تدخل حراس القيم والعادات لحفظ ثوابت المجتمع… فتبدأ الأسئلة البرلمانية الجوفاء… ويهرول نواب القيم لتقديم الاقتراحات بقوانين لقبر ما تبقى من الحريات الشخصية في الدولة.

صور اغتصاب الحريات من قِبَل السلطات السياسية والاجتماعية عبر وسائل الإعلام لا حصر لها… إذ يكفي أن تفتحوا صفحات بعض جرائدنا اليومية أو تتفرجوا على بعض القنوات التلفزيونية، لتتأملوا كيف يدسُّ آسياد المال والسلطة السُّمَّ في الدسم.

حسن العيسى

هشوا وكشوا الذبان يا ناس

من نصدق وبمن نثق، هل نصدق الشيخ أحمد الفهد وفريقه من النواب أم نضع بيضنا في سلة البعض من كبار التجار والبنوك؟

والبيض هنا من ذهب باضته الوزة المسحورة، واسمها نفطه بنت الفائض، ولا يعرف أسياد المزرعة الكويتية كيف يوزعون بيضها الذهب في ما بينهم، وهناك منهم من لا يريد الاستئثار بالبيض كله بل ينوي ويعمل للاستحواذ على الوزة ونقلها إلى مزرعته الخاصة…! من نصدق وبمن نثق فقد ضعنا في أدبيات الجدل بين فريق الشيخ أحمد الفهد وخصومه! فأين الحقيقة؟ والحقيقة هنا هي ضمان أن تذهب الأموال الفلكية المخصصة لخطة التنمية في دربها الصحيح، وإذا كان لابد أن تتعرج قليلاً في مسارها نحو اليمين واليسار، وهذا أمر عادي ومتفق عليه بين جمهور فقهاء المزرعة الكويتية، فإن النهاية يجب أن تكون في مصب لا خلاف عليه.

قرأت حججاً قوية لفريق الشيخ أحمد الفهد بأن البنوك لم تمول أو تشددت في التمويل، مثلما حدث مع شركة "المقاولون العرب" في مستشفى جابر، التي لم تجد تمويلاً محلياً فلجأت إلى الخارج (قبس الأحد بعنوان الحلقة المفقودة لأحمد بومرعي)، ويضيف فريق الشيخ حججاً أخرى جاءت بتصريحات تبدو مقنعة من النائبة رولا دشتي والنائب زلزلة، بينما رد المعارضون من أهل الغرفة وأقطاب القطاع الخاص والبنوك ومحافظ البنك المركزي بحجج لا تقل قوة بأن البنوك هي المكان الطبيعي للتمويل، وهي تخضع لرقابة البنك المركزي، وفي ذلك شفافية لا تتوافر في طرح فريق الشيخ أحمد، ويمضي أصحاب هذا الرأي إلى أبعد من ذلك في جدلهم ليقرروا أن خلق نظام مواز للتمويل سيكون ضربة للبنوك والقطاع الخاص في النهاية، وهذا الأخير مازال يترنح من الأزمة المالية العالمية التي حدثت قبل عامين ولم يتعاف حتى الآن.

الجدل وتكتيكات الصراع بين الفريقين لا تنتهي، لكن القدر المتيقن أن فريق الشيخ أحمد الفهد يتحدث بلهجة شعبوية، يهضمها الكثيرون إن لم يكونوا هم الأكثرية التي تريد أن يكون لها مكان تحت شمس الخيرات "التنموية"، يريد هؤلاء أن تكون لهم حصتهم وسهمهم من بيض الوزة، فهم يرون حقيقة أو وهماً أن الكثير فاتهم في الماضي، واليوم جاء دورهم!

هل أمامنا صراع طبقات من غير طبقات رأسمالية ولا عمالية، فلا يوجد غير طبقات من الرمال والصخور تختزن تحتها نفطاً قريب النضوب؟ أم نحن بصدد مواجهة بين الذين يملكون والذين لا يملكون، مع أن كلا الفريقين يملكان وحالهما مستور وأكثر من مستور…؟ من نصدق وبمن نثق لخطة تنمية حوائط الأسمنت وشوارع الزفت…؟ لا أعلم… ولكن أدرك تماماً أن وزه بنت فائض لا تطير وإن طارت فلن تنزل إلا في مطار آخر من مطاراتهم، أما أنتم ومستقبل أجيالكم، فليس لكم غير ذباب مزارع الوفرة "فهشوا وكشوا" يا ناس.

حسن العيسى

اصبحنا أقلية مخيفة

لم يكن الكويتيون يوماً تنابلة السلطان، ولم يتكبروا على أي مهنة في تاريخ قبل النفط، فقد عملوا في الغوص والتجارة وصناعة السفن، إلى تنظيف القلبان من الطين وسطوح المنازل من مخلفات أمعاء أصحاب المنازل، لم يكن هذا عيباً، بل كان عملاً، والعمل شرف تم تناسيه بنعمة النفط وكيفية إدارة هذه "النعمة".

مناسبة هذا الكلام المكرر، الذي لن يقدم ولن يؤخر في برنامج ساعة التراخي الكويتية، هو أن الكويت أضحت رابع دولة في العالم في عدد الوافدين، فقطر الأولى والثانية موناكو والثالثة الإمارات العربية، كما نشرت صحيفة الوطن نقلاً عن دراسة البنك الدولي.

وإذا تركنا "موناكو" جانباً فهي ليست دولة بالمعنى الفعلي، فالكويت هي الثالثة إذ بلغت نسبة الوافدين 69 في المئة، بكلام آخر لو زادت هذه النسبة قليلاً فسيكون ثلثا السكان من الوافدين، فما هذه الدولة والدول التي تحيا على عمل الغير؟

في دراسة للنائب عادل الصرعاوي عن التركيبة السكانية في الكويت جاء بها أن عدد الخادمات بلغ نصف مليون، وتشير هذه الدراسة وغيرها إلى أن العمالة الأجنبية تشكل أكثر من 90 في المئة في القطاع الخاص، والعكس صحيح في القطاع الحكومي، إذ يشكل المواطنون الأغلبية؟ هل لنا أن نتحدث بعد ذلك عن وجود بطالة حقيقية في الدولة، والقطاع الخاص يفضل الهندي أو الوافد بصورة عامة الذي يعمل بإنتاجية أكبر وبأجر أقل…؟ تحت مظلتي الرأسمالية والعولمة لا مكان للحديث عن الواجب الأخلاقي أو الوطني لإحلال العمالة الوطنية مكان الوافدة، فهناك واقع لابد من الإقرار به، مثل قلة الكفاءة عند العمالة الوطنية ورخص العمالة الوافدة، مع استعدادها لتقبل معظم المهن التي يترفع عنها المواطن… والرأسمالية لا تعرف غير لغة الأرقام والربح، ولا تنصت للمواعظ الأخلاقية.

هي كارثة نعمة النفط، التي خلقت واقع الأقلية الكويتية في وطنهم، وهي كارثة الفساد في تجارة الإقامات، وهي كارثة غياب الرؤية والتخطيط وغياب العزيمة عند الحكومات المتعاقبة، والحل لن يكون بغير التعليم وتوجيهه إلى الطريق الصحيح، ثم سن التشريعات التي تفرض العمالة الوطنية على القطاع الخاص، ولم يكن قانون دعم العمالة الوطنية كافياً يوماً ما… لكن هذا القهر والفرض على القطاع الخاص لن يكون ممكناً طالما غابت الكفاءة وتقديس العمل عند أهل الوطن.

حسن العيسى

شركة ميري وراجو لصناعة الخدم

يمكنك أن تضع قطعة من السماد وتلفها في ورق سوليفان فاخر وتروجها على أنها حلوى لذيذة، وهذا على ما يبدو ما تفعله الحكومة بإنشاء شركة حكومية مساهمة لاستقدام العمالة المنزلية، وذريعة النوايا الحكومية ممثلة في وزارات الأوقاف والداخلية والتجارة هي "رفع اسم الكويت من قائمة الدول المتهمة بالاتجار بالبشر" (قبس الاثنين)، وستطرح هذه الشركة الحكومية أسهمها للاكتتاب العام، وسيساهم فيها أهل الكويت المساكين، وذلك حتى يعم الخير على الجميع، وبطبيعة الحال فإن شركة "السماد لاستقدام العمالة" ستواجه اعتراضات من بعض نواب الأمة، لأنها ستكون احتكارية، بمعنى لا توجد شركة أخرى في نشاطها الإنساني، وسيجتهد النواب لإنشاء شركة ثانية وثالثة بأغراض مشابهة، وستشتعل حرب المنافسة بين شركات السماد للخدم, وستحصل الشركة الأولى على وكالة حصرية لاستقدام الفلبينيات، وستكون هناك فلبينية بها "بلوتوث" وشاشة خلفية تعمل باللمس، تصلح للشباب وبألوان مختلفة، وستكون هناك ماركات أخرى مثل "فلبينية بحجاب" مخصصة للعمل في بيوت العادات والتقاليد الأصيلة، وستطرح الشركات المنافسة منتوجاتها من عمالة منافسة صنعت في الهند أو سريلانكا أو بنغلادش، ومنتجات الهند هي الأفضل لأنها الأكثر تقدماً، والخادمات والخدم مزودون بأجهزة "جي بي إس" تدل سيدة المنزل على طرق الطبخ والنفخ.

الحمد والشكر لله على هذه الهداية العقلانية المنسجمة مع تاريخنا ونضالنا التجاري العريق، فحتى قضايا انتهاكات حقوق الإنسان يمكن حلها بكل بساطة بإنشاء شركات مساهمة عامة لها حق الاقتراض وتداول أسهم الخادمات وعدم السداد بحماية البنك المركزي، ولنا أن نتخيل كيف ستكون "أغراض" الشركة كما يجب أن تدون في عقد التأسيس؟ هل سيكتبون أن الهدف منها "استقدام الخادمات والخدم من تلك الدول… من أجل خدمة أهل الكويت وتوفير سبل الراحة لهم بنقل كفالات الخدم من الأفراد إلى الشركات حسب الشروط التي تقررها لوائح الشركة بعدد ساعات العمل وأيام الراحة والإجازات"… طبعاً كل هذا يتم بلوائح داخلية لشركات "ميري" و"راجو" للعمالة، وسيتجنب حصفاء الديرة إصدار تشريع خاص يضمن أبسط حقوق العمالة المنزلية، ويلغي نظام الكفالة المخجل… هذا طريقنا المزدحم إلى التنمية المستدامة… وتحياتنا لصين الخليج القادم.

حسن العيسى

بلدية الكويت ويالله تزيد النعمة

القاعدة تنمو وتتكاثر فيروساتها في رؤوسنا وفي اللاوعي بعقلنا الباطن، وليست هي فقط المجاميع المسلحة الإرهابية التي تنشط في العراق وفي اليمن وفي كل بلاد "لا إله إلا الله"، القاعدة عقدة نفسية مركبة نمت بذورها في تربة تاريخ طويل من الجهل والانغلاق، وليست هذه الزاوية مكان استعراضه.

القاعدة في آخر عملياتها الإرهابية احتجزت رهائن في كنيسة "سيدة النجاة" وبعملية تحرير هوجاء للجيش العراقي قتل معظم الرهائن المسيحيين… واخرجوا من العراق أو من اليمن، التي تصدر قاعدتها آلات التصوير المفخخة لأوروبا، وتعالوا للكويت "المتسامحة" لنر صورة "حضارية" ثانية تم تحميضها مسبقاً في استديو القاعدة للإنتاج وتصوير الأشلاء الآدمية، فالمجلس البلدي رفض طلب وزارة الخارجية تخصيص قطعة أرض لإقامة كنيسة للروم الكاثوليك في منطقة المهبولة، وطبعاً الأصوات الخيرة المتسامحة من بعض أعضاء المجلس البلدي تم تجاهلها من الأغلبية "الظواهرية والبن لادنية"… عيب عليكم وأكبر عيب أن يرفض طلب "الخارجية" الكويتية يا أعضاء البلدي، ألا ترون أن أكبر المساجد وأفخمها تنمو وتتكاثر في قلب أوروبا، في روما وفي باريس بلدان "ايف سان لوران" وعروض أزياء "غوتشي" والليالي الملاح، وليست ليالينا "الجلحة الملحة"! ولماذا أوروبا، فقبل أسابيع كانت هناك في نيويورك عاصفة اعتراض يمينية أميركية مثل جماعة "تي بارتي"، وهم على شاكلة جماعاتنا، اعترضوا على إقامة مسجد لا يبعد كثيراً عن موقع بركات "غزوة منهاتن" بتعبير د. عبدالله النفيسي مع فارق الدرجة في التعصب القومي-الديني بيننا وبينهم، لكن الرئاسة الأميركية وقفت مع الدستور الأميركي وأكدت حق أي جماعة في إقامة شعائرها الدينية، فماذا كتب وقال ملالي الكويت عن العنصرية وكراهية الإسلام في أميركا وأوروبا؟… راجعوا مربعات "كت اند بيست" في صحافتنا اليومية وستجدون الكثير من أدبيات الردح والتشمت على الغرب العنصري الكاره للإسلام والمسلمين.

أصبحت الأقليات الدينية في زمن صحوة القبليات العربية والنعرات الدينية، بعد تهاوي القومية العربية بعد هزيمة حزيران في الإقليم وسقوط حائط برلين والدولة السوفياتية على النطاق الدولي، أضاحي البؤس لأغلبيات التعصب ورفض الآخر، صار كل عربي مسيحي دماً مستباحاً نفرغ فيه شحنات القتل واللعنة، فهذا المسيحي هو وكيل الاستعمار وعميل للكفار، وصار أقباط مصر أهل ذمة عند العصابات الدينية الأصولية، وجب عليهم دفع الجزية ومن الجائز نهب ممتلكاتهم… مسيحيو العراق يهاجرون من العراق بآلاف الهاربين الباحثين عن الأمان في سورية بعد الغزو الأميركي الذي كان أفضل مناسبة لتفقس بيض القاعدة المرعب في بلاد الرافدين وفي معظم بلادنا العربية… أعود وأكرر أن القاعدة ليست تنظيم بن لادن فقط ولا غيره… بل هي نتاج ثقافة الدولة الدينية القبلية التي تترسخ جذورها يوماً بعد يوم في بيوتنا وفي مدارسنا وفي مجالسنا… وحتى تأتي ساعة الوعي والإدراك بالعلمانية الإنسانية بدولنا سنظل نجتر ونعيد تاريخ حرب المئة والثلاثين عاماً في أوروبا العصور الوسطى إلى ما شاء الله.

حسن العيسى

الطريق إلى اليمن

تتراجع الكويت يوماً بعد يوم إلى زمن الثارات القبلية والنزعات الطائفية والاستقطابات المناطقية، ولم يكن الاعتداء على مقر تلفزيون سكوب من قبل مجموعة من الغاضبين من أسرة مالك الصباح على برنامج غمز ولمز فيهم سوى مظهر بسيط وشاهد على تردي الدولة، وانتقالها من حكم القانون إلى حكم الثارات وممارسة الأفراد أن ينتصفوا لأنفسهم بأنفسهم بمعزل عن مؤسسات دولة القانون. هنا ننتقل من حالة الاطمئنان والأمن تحت مظلة الحياد القانوني إلى جحيم الفوضوية، ونرتهن في النهاية إلى ظلام الفتوة وفرد العضلات.

كان الاعتداء على قناة سكوب مجرد مشهد بسيط من مشاهد كثيرة سبقته، من التعدي على مخافر الشرطة ورجال الأمن إلى التعدي على الأطباء أو أي مؤسسة خاصة أو عامة، لم يرق للمعتدين موقف تلك المؤسسات، ولم يكلف الفاعلون أنفسهم اللجوء إلى مؤسسة القضاء كي ينتصفوا لحقوقهم.

أمامنا وليس بعيداً عنا المشهد اليمني والمشهد الصومالي قبله، وأمامنا كذلك صورة جماعة حزب الله في لبنان حين دخلت مطار بيروت عنوة وفرشت البساط الأحمر لجميل السيد رغم أنف "الدولة" اللبنانية المتلاشية، ولن ننتظر طويلاً حتى نصل إلى المرحلة اليمنية أو اللبنانية ما لم تبادر السلطة الحاكمة إلى إبراز هويتها كقوة حياد تحتكر العنف بعقلانية حكم القانون والعدل في أعماله، ولا نريد أن نضع أنفسنا بين خيار الارتهان لإرهاب الأفراد أو خيار إرهاب السلطة، فكلا الأمرين شر ليس أي منهما أهون من الآخر، وهذا لن يكون بغير تطبيق حكم القانون بحزم وشفافية.

إعمال القانون هنا يجب أن يتم بنزاهة بإزاحة الانتقائية في التطبيق، وإعمال النص القانوني من أبسط المخالفات المرورية حتى أكبر جرائم الفساد.

دائماً نتذكر في خيالنا صورة تمثال العدالة كامرأة معصبة العينين تحمل ميزاناً بيد وسيفاً باليد الأخرى، توازن الأمور بميزان العدل وتحسمها بسيف الحق، فأين هي هذه المرأة في الكويت اليوم؟ وهل فقدت ميزانها وأضحى سيفها مثلوماً؟

إعادة الاعتبار إلى دولة القانون مسألة مستحقة اليوم ولا تحتمل أي تراخ، ولا تقبل المجاملات ولا التوسطات في دولة أدمنت على حكم الواسطة والمحسوبية وفتحت الأبواب على مصاريعها لأهل النفوذ كي يكون لهم قانونهم المجهول وللضعفاء القانون المعروف… فهل ننتهي اليوم من هذا الكرب أم سنقفز إلى أرض اليمن التعيس…؟

حسن العيسى

باقون في مناجم الحكومة والمجلس

مسطرة واحدة يجب أن تقاس بها مساحة الحريات، وميزان بكفتين متوازنتين يفترض أن توزن به خفة الحرية وثقلها. هذا منطق العقل والعدل، وغير هذا فليس لدينا غير الرياء وازدواجية المواقف الانتهازية والانتقائية في إعمال حكم القانون.

لا يجوز أن نفرق بين حق السيدة فجر السعيد في انتقاد عدد من نواب المجلس مهما كان محتوى مسلسل النقد هزيلاً وساذجاً، وبين حق هؤلاء النواب أنفسهم في ممارسة حق التجمع بعد حكم المحكمة الدستورية عام 2006 ورفضهم وصاية السلطة عليهم، وبالمسطرة ذاتها وبالميزان ذاته لا يصح إقامة الجدران العازلة بين الحريات السياسية والحريات الشخصية، فنواب التزمُّت ومعهم حكومة "وين رايحين احنا وياكم" صادروا أبسط حرياتنا الشخصية وأحالوا الحياة الاجتماعية في الدولة إلى جحيم لا يطاق، فهم تدخلوا بسواعدهم وبعصي السلطة في كل صغيرة وكبيرة في حياة الأفراد، في إقامة مهرجان الفرح، في قبر الفنون وتحقيرها، وكأنها "رجس من عمل الشيطان"، حشروا أنوفهم في ما يجب ويمتنع لبسه على الفتيات، تنصتوا وترصدوا تماماً كما تفعل أجهزة أمن الدولة على البشر، وصوروا الجزر الكويتية على أنها مثل "فوكت" في تايلاند، وضعوا مراصدهم على الكتاب والفكر، وكانت أجهزة الرقابة الحكومية أداتهم وعذرهم.

من حق فجر السعيد أن تنتقد، وإحالتها بجرائم أمن الدولة مسرحية مضحكة, وستنقلب إلى "تراجيديا" على الحكومة إذا حكمت المحكمة ببراءتها أو حفظت النيابة التحقيق في القضية، وعيب كبير أن تتجمع قوات الشرطة أمام دواوين بعض النواب والمواطنين لترويعهم بقانون قُضِي بعدم دستوريته، وكارثة حلت علينا حين أصبحنا مثل عمال منجم تشيلي، مقبورين في الظلام بدون أي بصيص نور. عمال المنجم بتشيلي مكثوا قرابة الشهرين في عتمة المنجم ووحشته، ونحن حُكِم علينا أن نبقى من المهد إلى اللحد في مناجم الحكومة والمجلس.

حسن العيسى

العراق مجلس دائم للعزاء

مبروك للدولة العراقية ثورتها الفنية والثقافية؟ هكذا يجب أن  تسير الأمور بين الجيران، بين العراق والكويت، بين الشقيق وشقيقه في الشقاء والبقاء للأفضل في اللعبة السياسية بثوبها الديني. الحمد الله، فليست الامبراطورية الكويتية العظمى التي حرمت سلطتاها التشريعية والتنفيذية الفكر والفن والثقافة بوسائل الرقابة والحظر والممنوع والعادات والتقاليد حتى أضحت الدولة ساحة ترابية من الخواء والملل والسطحية الفكرية وحدها، فالعراق "الديمقراطي" يماثلنا، ونحن الاثنان (العراق والكويت) أصبح كل منا صورة ومرآة للآخر… الكويت تمنع الخيم الرمضانية وحفلات الموسيقى والمسرح والطرب وتفرض الرقابة على الكتب في معارض الكتاب لمصلحة القارئ كما برر لنا السيد الوالد بدر الرفاعي عميد المجلس الوطني للثقافة، والعراق يسير أيضاً في الدرب ذاته، فنائب محافظ بغداد ألغى حفلات فنية يوم السبت الماضي بعد أن حلمت وزارة الثقافة هناك بإحياء الاحتفالات البابلية كما كانت قبل الإطاحة بصدام.
 الفنانون الذين جاؤوا من ديار قريبة وبعيدة رجعوا إلى ديارهم يجرّون معهم أذيال الخيبة… فنائب المحافظ الذي شتت البهجة وطعن الفن لم يجد عذراً يروج للجماهير غير أن هذه الحفلات الراقصة صادف توقيتها ذكرى ميلاد الإمام السادس…! طبعاً  سيادة نائب المحافظ هناك يسير على هدي الإشعاع الفكري لمسؤولينا في الامبراطورية الكويتية، حين يغتالون الفن والجمال ممتثلين لأوامر نواب الشعب…! فهناك دائما "مناسبة" حفل فني تصادف ذكرى ميلاد أو وفاة رمز ديني أو تحدث بقدرة قادرة في زمن حاضر نجترّ فيه (نحن الرعية) كل مآسي الماضي التي لا تنتهي.
مبروك للعراق بلد المتنبي وهارون الرشيد والمأمون… ومهد الثقافة العربية ما حققته لها "ديمقراطية  الطوائف والقبائل"… فلسنا وحدنا هنا في الكويت بديمقراطية الدين والقبيلة ساحة ترابية من الخواء، فالعراق الآن مجلس دائم للعزاء.

حسن العيسى

ماذا بقي من ذلك الإرث التاريخي؟

إرث طبقة التجار التقليديين في الكويت هو إرث الدولة الكويتية، فهذه الطبقة سواء رفضناها اليوم أو قبلناها بالأمس مثلت بداية الدولة الكويتية، فمن الرسوم التي دفعها التجار للحكم بالعهد بين أسرة الصباح وبينهم كانت بداية الاقتصاد الكويتي في زمن ما قبل النفط، وهي طبقة التجار التي شرعت في الدولة إصلاحات الحداثة لخلق "دولة معاصرة"، ولو كانت تلك الدولة تحت نظام الحماية البريطانية، وطبقة التجار هي التي رفعت صوتها عالياً للحد من استئثار الحكم بالسلطة في سنتي المجلسين التشريعيين في عامي 38 و39 من القرن الماضي.

بعد اكتشاف وتصدير البترول، أضحت طبقة من التجار تابعة تماماً لسلطة الحكم في الدولة، وفقدت استقلالها الاقتصادي، ومع ذلك ظل "إرثها" التاريخي قوياً ممثلاً في رجال لهم قناعاتهم الراسخة في الإصلاح والمشاركة في الحكم، فعلى سبيل المثال لا الحصر نعرف موقف الراحل عبدالعزيز الصقر في المسألة الوطنية الرافض لأوامر الحل غير الدستوري لمجالس الأمة في العقود السابقة، وكذلك لعب ثقله الاجتماعي والسياسي وبمشاركة بقية القوى الوطنية دوراً واضحاً وراسخاً لعودة الحكم النيابي في مؤتمر جدة أيام الاحتلال العراقي.

الدولة اليوم لم تعد كما كانت، وهذه سنة التطور وقانون التغيير، فالتركيبة السكانية تبدلت، وبرزت قوى جديدة من أبناء القبائل وغيرهم، تريد مكانها في الثراء، أو على الأقل تنشد حقها بالفرصة بالمشاركة في الثروة الريعية للدولة، ويرى المطالبون بتعديل قانون الغرفة التجارية أن مطالبتهم ترتكز على مبدأ المساواة في الفرص، وعندها لا فرق بين الكبار التقليديين من التجار وأصحاب "الدكاكين والبقالات"، بتعبير الزميل عبداللطيف الدعيج، فهما (الكبار أصحاب الوكالات الضخمة والصغار أصحاب البقالات يمارسان العمل التجاري حسب القانون الذي لا يفرق في تعريف العمل التجاري) متساويان قانوناً، ويجب أن يتساويا في الفرص، وترى المجموعة الجديدة من التجار أن ممارسة الغرفة التجارية واحتكارها سواء كان ذلك الاحتكار حقيقياً أم لا، لابد أن ينتهي بحكم الأغلبية. وبحكم الأغلبية كان لابد من تقليص النفوذ السياسي لغرفة التجارة، وأياً كان الرأي في ذلك، وأياً كانت اتهامات "الانتقام" وصور الصراع الطبقي المشوه من غرفة التجارة ومن تمثله، واتهام أن من يقوده هم أفراد نافذون في سلطة الحكم، يبقى المؤكد أن السبيل إلى العدالة والإنصاف لا يكون بقبر "التراث" التاريخي لطبقة التجار التقليديين الذي تمثله الغرفة مهما اختلفنا معها، فالديمقراطية في أساسها قامت على سواعد البرجوازية الليبرالية الصاعدة في أوروبا (انظر كارل شميث وكتابه في النظرية الدستورية)، ولو كان القياس هنا مختلفاً بعض الشيء في مجتمع الدولة – القبيلة.

لابد في النهاية من أن تقر الأغلبية بحق الأقلية في وجودها، وليس بإصدار حكم إعدامها، ولا يعني هذا توفير امتيازات خاصة بها بقدر ما يعني ترك باب الحوار الديمقراطي مفتوحاً للتفاعل بين كل الأطراف، وبافتراض حسن النية عند الفريقين دون تهميش لطرف على آخر.

حسن العيسى

برافو للعفاسي

النخاسون في سوق العبيد الكويتي لا "يستحون ولا ينتخون"، وبرافو للشاطر وزير الشؤون العفاسي بعد أن وعد بنهاية نظام الكفيل للعمالة الأجنبية اعتباراً من فبراير المقبل، وعلى الوزير أن يضع الشمع في أذنيه بعد أن تعالت صرخات المعترضين ومن والاهم من أعضاء المجلس، وحسب تصريح الوزير لجريدة السياسة بأن أحد أصحاب الأعمال قال له إن إلغاء نظام الكفيل يعني هجرة العمالة الوافدة… ولا أعرف ماذا يقصد من كلمة "هجرة"، فهو يدري أنهم لن يهاجروا إلى ديارهم بلاد البؤس والفقر، وإنما سيتركون رب العمل متى ابتلع حقوقهم وأقفل عليهم في زنازين الكفالة، فالهجرة لن تعني غير كسر قيد العبودية الذي وضعه القانون عليهم، وطبعاً ملاك "الأقنان" وتجار الإقامات لا يريدون أن يتنازلوا عن ملكياتهم، وسيعلنون الحرب على الوزير، وما على الوزير غير أن "يطنشهم".

النائب وليد الطبطبائي رجل الدين والتقوى والأخلاق الحميدة قال الله يهديه إن الوزير واهم إذا كان يقصد إلغاء الكفيل "نهائياً إذ إن هذه الخطوة تترتب عليها سلبيات كثيرة"، ولا أدري بأي شرع يقرر النائب وليد ضرورة التروي في إلغاء نظام العبودية الكويتي، أليس من الدين أن تعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه! أم أن الدين عند "ربيعنا" هو المرأة والعورة والاختلاط والحجاب والنقاب وما يتصل بالجنس…؟

إلغاء نظام الكفيل، الذي هو سمة من أبشع سمات القباحة من إنتاج دول النفط الريعية، لن يكون كافياً طالما تم قصره، واستثني من أحكام قانون العمل "الخدم ومن في حكمهم" وهنا الطامة الكبرى، فالخدم هم الضحايا الحقيقيون لتجار الإقامات، وهم وهن من تم استثناؤهم من قوانين الظلم بحجة "خصوصية" العلاقة بين رب العمل والخادم، هذه الخصوصية لا تختلف في شذوذها عن "خصوصية" أوضاعنا كي تستثنى دولنا من أحكام الديمقراطية وحقوق الإنسان كما قررتها المواثيق والأعراف الدولية. وكم قرأنا عن القليل من مآسي خادمات المنازل، من اعتداءات جنسية من عيال المعزب، إلى ضربهن وحجزهن في الشقق حتى لا يهربن من جنة "المعازيب"، لم ننس مشاهد الخادمات وهن يلقين أنفسهن من الأدوار العليا بدون بارشوتات، بعد أن أغلق السجان عليهن باب الشقة، وعرفنا أخيراً عن الخادمة السيلانية التي دق مخدوموها في السعودية بجسدها أكثر من عشرين مسماراً! الظاهر يحسبونها لوح خشب قابلاً للتعديل.