حسن العيسى

نحن المتغربلين معاكم

وزارات الداخلية في دول التخلف المتسلطة، والكويت ليست استثناء وإن اختلفت الدرجة، هي سيف النظام للدفاع عنه والحفاظ على هيبته، والهيبة هنا بمعنى الخوف والترويع «للرعية»، وعلى ذلك فليس من مهام تلك الوزارات المخيفة تطبيق حكم القانون، وليس من شأنها بصفة أساسية كفالة حقوق الأفراد وحماية كراماتهم، وإن حدث هذا فإنه يكون على سبيل الاستثناء، والقاعدة هي حفظ النظام ورجال النظام الذين وفرت لهم السلطة حصانة وضمانات على غير مقتضى القانون، فهم فوق القانون وفوق الشبهات، ولأجل هذا، فالعائلة الحاكمة يجب أن يكون لها نصيب الأسد في مراكز الوزارة وقياداتها، فمن غير المعقول في منطق النظام أن يوكل مسألة أمنه إلى غير أبنائه، فهم دون غيرهم أهل الثقة لأمن النظام، وهم ولا أحد سواهم يجب أن يكونوا في المراكز العليا للوزارة. ولأنهم من أبناء الأسرة الحاكمة فالسيادة تمتد من الدولة، وهي الكائن المعنوي الوحيد الذي له صفة السيادة بالمعنى القانوني، لتشمل أفراد أسرة الحكم، ومن هؤلاء الأفراد تتمدد السلطة إلى المقربين والذين يدورون في فلك أصحاب الأمر والنهي.

فهل كان من حق أي مشتبه فيه مثل القتيل محمد المطيري أن يسأل «الأشاوس» الذين هجموا عليه في مكانه إن كان عندهم أمر بالضبط والتفتيش؟ وإذا كانت «روشتة» الضبط والتفتيش جاهزة مقدماً في جيوبهم، فهل كان من حقه «نظرياً» أن يتساءل على أي أساس وعلى أي سند من حكم القانون تم الحصول عليها، غير عبارات «بناء على تحرياتنا الخاصة وعلى مصادرنا السرية»!، والله وحده العالم كيف تتم تحرياتهم الخاصة، ومن تكون «مصادرهم» السرية، وكيف يمكن الفصل بين الكشف عن الجريمة وبين خلقها ولصقها برقبة من يريدون الفتك به…!! وحين سارعت سيارة المباحث برجالها المدججين بالسلاح وأدوات الإرهاب مع الضحية والضحايا فهل كنا نتخيل ونتوهم أنه بإمكان رجل شرطة عادي توقيف هؤلاء «السوبر» أمن لأي سبب وسؤالهم، أين يتجهون وماذا يفعلون «بالجسد» الآدمي المرمى عند أقدامهم…؟ الإجابة قطعاً نافية ومستنكرة، فهم «العين الساهرة» على الأمن، والعين الساهرة هي فوق المساءلة لأنها هي القانون، ويصح لتلك الشاكلة السيئة من رجال القانون ما لا يصح لغيرهم، من كيل الصفعات والبصق على الوجوه إلى حشر «هوزات» التعذيب في مؤخرات الضحايا.

اللواء عبدالحميد العوضي علق بأن المباحث الجنائية بحاجة إلى غربلة…! بس …! بس المباحث الجنائية وحدها التي تحتاج إلى غربلة… ماذا عن قيادات في الوزارة أغمضت العين عن الاعتداء على اللواء كامل العوضي، وألغت عقوبة الحبس عن الجاني لتحل مكانها خدمة المجتمع…! «خوش خدمة» وماذا عن متهمين في قضايا الرأي وحرية الضمير مثل محمد الجاسم والدكتور الوسمي، لماذا لم تتم معاملتهما بالنهج المتسامح ذاته؟… وماذا عن تعيين شقيق النائب سعدون حماد مختاراً والنائب الفاضل عضو في لجنة المجلس للتحقيق في جريمة قتل محمد المطيري، أليس هذا عيباً كبيراً؟… ماذا عن تراخيص قيادات السيارات التي لها سعر معروف في أسواق الفساد، ماذا عن «التكاسي» الجوالة ومن الكفلاء لها… ماذا عن تجار الإقامات… ماذا عن آلاف القضايا الشائكة في وزارتكم منذ سنين «الطواعين»…؟!

ليست إدارة المباحث وحدها من تحتاج إلى غربلة… الوزارة كلها دون استثناء تحتاج إلى غربلة… وليس هذا كفاية فالدولة كلها بحاجة إلى غربلة… وحتى تأتي لحظة «الغربلة» الموعودة سنظل نحن «متغربلين» بحرياتنا وكراماتنا معكم.

حسن العيسى

غسلوا أيديكم من هذه الحكومة

من غير المفهوم أن يتردد أعضاء العمل الوطني في كتلة «إلا الدستور» في حسم موضوع استقالة وزير الداخلية، لا خلاف أن الوزير لم يرضَ بجريمة تعذيب وقتل محمد المطيري، وأنه لم يكن موافقاً في الماضي على أي من أعمال التعذيب التي تجري على قدم وساق في إمبراطورية «دون كيلوني»، وهو رجل المافيا صاحب النفوذ في مؤسسات الدولة في فيلم العراب، هذه مسألة محسومة ولا أحد يحمّل الوزير وزرها، لكنه يتحمل سياسياً وأدبياً في كل الظروف، مثل تلك الجرائم البشعة التي يرتكبها رجال يفترض أنهم حماة القانون، وهم في الحقيقة ليسوا إلّا مجرمين يتلقون أوامر التصفيات الجسدية من رؤسائهم المجهولين حتى هذه اللحظة، ونتمنى أن تكشف تحقيقات النيابة ولجنة التحقيق بمجلس الأمة عن «دون كليونيات» وزارة الداخلية. كان أولى لسمو رئيس الوزراء قبول استقالة وزير الداخلية بمجرد تقديمها، ولو حدث أنه لم يقدمها لكان يتعين على سموه إقالته دون تردد، فماذا يعني اليوم الإصرار على رفض الاستقالة وحشر الدولة في استجواب للوزير لم يكن له داعٍ لو تم قبول استقالته المستحقة؟

هل هي مسألة عناد وغطرسة حكومية وغياب أبسط مبادئ الحصافة السياسية أم ماذا تكون؟! استقالة الوزير أو إقالته ستعني أن القيادة السياسية لم تكن ترضى عن أبشع انتهاك لحقوق الإنسان، وخروج الوزير هو أبسط تعبير للتكفير عن «خطيئة» الوزارة، وما أكثر خطاياها… لكن الحكومة وأتباعها من حملة الدفوف والطيران في مجلس الأمة وصحافة «نستقبل الهدايا» دون خجل، تكابر دون مبرر، وتفتح على نفسها أبواب المساءلة السياسية لرئيس الحكومة ذاته دون مقتضٍ..! ليت الأمور وقفت عند هذا الحد من المكابرة والعناد، فوزير الداخلية عين أخيراً شقيق النائب سعدون حماد مختاراً، وهذا النائب عضو في لجنة التحقيق في ملابسات قتل المواطن المطيري! فسرها لنا يا سعادة الوزير! اشرح لنا طال عمرك ماذا يحدث؟ عضو مجلس يحقق في قضية ضرب مفضٍ إلى الموت متهم فيها ضباط يتبعون وزارتك، وتقوم أنت بتعيين شقيق «محقق وقاضٍ» حكماً في منصب مختار… هل تفهم «الحياد» القانوني وحكم العدالة بهذا المعنى وإلّا فكيف تفسر مثل هذا التعيين! سأكرر مقولة د. عبدالله النفيسي، فلنغسل اليد من حكومتنا.

حسن العيسى

حلوها يا شيوخ الديرة

استقالة وزير الداخلية وقبول الاستقالة من رئيس مجلس الوزراء يفترض أن تكون مسألة محسومة وغير قابلة للنقاش لا من مجلس الوزراء ولا من مجلس النواب، ولا يغني عن استقالة وزير الداخلية اشتراطاته بإطلاق يده لإصلاح وزارة الداخلية، كما جاء في مانشيت «القبس» أمس… فتلك مجرد أعذار تتلمسها الحكومة للإبقاء على الوزير، فهو «شيخ» والشيوخ يبدو في عرف سلطة الحكم فوق المساءلة السياسية. ليس الوزير مع كل التقدير لمحاولاته الإصلاحية كما يتشدق بها نواب الحكومة في معرض المساومة على الاستقالة، فهناك ضحية بالأمس اسمه محمد المطيري مات من التعذيب، وهناك قبل محمد عشرات ومئات المتهمين الذين يتم التحقيق معهم عبر الهراوات «والهوزات» وغيرها من وسائل التعذيب التي استقرت عليها أعراف وزارة القهر منذ خلقها، ربما ينقص أبطال الوزارة التعذيب بالكهرباء كي نتساوى مع «جمهورية الرعب» الآفلة لصدام حسين.  
ما معنى أن يطلب الوزير السماح له «بنفض» الوزارة، وكأن شخصاً غيره كان في أعلى قمة الهرم الإداري لوزارته، وإذا كانت هناك جماعات نفوذ ومراكز قوى فاسدة في الوزارة لم يكن باستطاعة الوزير قلعها فلماذا لم يقدم الوزير استقالته إلى رئيسه منذ البداية، ثم يصارح الناس عبر الإعلام والقنوات القانونية «بالخمال» المعتق في وزارة الداخلية، عندها سنؤمن بأن هذا الوزير وغيره من الوزراء جاؤوا للإصلاح، ولكن قوى الفساد كانت أقوى منهم، ولم يكن هناك من خيار سوى تقديم الاستقالات وفضح تلك الجماعات وعوراتها  وتعرية من يتستر عليها مهما علت مراكزهم. الزميل عبداللطيف الدعيج اختصر مأساة هذا الوضع المزري بعبارة «وهذا وزير شيخ»، فإذا كان الوزراء الشيوخ «مربوطة» أيديهم وهم الوزراء «الديلوكس»، وهم «حكومة الحكومة»، كما أسميتهم منذ سنوات، فماذا عن بقية الوزراء العاديين، الذين يتركون الوزارة بعد سنوات من «محاولات» الإصلاح الفاشلة بعد صدهم بحوائط الفساد وقوى النفوذ، ليصبحوا مستشارين عند الحكومة (إذا كانوا من المرضي عنهم) بطبيعة الحال، أو ننساهم مع الزمن حتى يأتي اليوم الذي يتذكرهم فيه أهل الحل والعقد ليضعوهم في مركز ما كنوع من التعويض عن سنوات النسيان.
لم يعد للكويت متسع من الوقت لسياسات «الهون أبرك ما يكون»، وليست الكويت بحاجة إلى المزيد من «المحامين» النواب الذين لا هم ولا عمل لديهم غير «الترقيع» للحكومة والتماس الأعذار لها أو لوزرائها، وتحميل مجلس الأمة كل أسباب التخلف والتأخر وهدر كرامات الناس، فهذه قضية لم تعد تخص شيوخنا الأفاضل، بل قضيتنا وهي قضية هذا الوطن الصغير، فحاضره لا يتسع لمزيد من نزاعات السلطة ولا مكان في مستقبله لطموحات وأحلام التفرد في السلطان.

حسن العيسى

حزب إلّا الحكومة

رسّينا يا سلطة على بر، فإما أن تُبادِر -السلطة- بحل المجلس التشريعي حلّاً غيرَ دستوري وتقول لنا بصراحة إنها ضاقت ذرعاً بالأقلية المعارضة لها، ولم تعُد تتحمل هؤلاء النواب ولا تتقبّل زوايا الرأي الآخر من كتّاب الرأي، أو تختار أن تبقينا على حالنا المأزوم وعلى هذا "الشكل" المضحك للديمقراطية.

الأمر غير المقبول الآن ما يحدث من تزايد مظاهر الاستبداد للسلطة يوماً بعد يوم، فرغم أن للحكومة أغلبيةً نيابيةً تسير بهدي السلطة وتقبض من خيراتها، فإن الأقلية المعارضة لم يعُد لها مكان ولو كان ضيّقاً في الصدر الحكومي، ولا تريد السلطة لهذه الأقلية المجلسية أن تمارس أبسط حقوقها الدستورية.

ماذا يحدث في البلد؟ فصور البدلات العسكرية الزرقاء للقوات الخاصة في العربات المصفّحة تزيِّن بخطوط الرعب صفحات الجرائد، وتصريحات المسؤولين تهدِّد وتتوعَّد، واقتراحات بقوانين من الحكومة تقول لـ"دراكو": ارقد بسلام فنحن مكانك اليوم، و"دراكو" هو ذلك الشخص (الترزي) الذي كلّفه نبلاء أثينا وضعَ مدوّنة القوانين التي تعاقب بأقسى العقوبات لأتفه الجرائم، إذ رأى هؤلاء النبلاء في قسوة القوانين وسيلةً لزجر الرعاع إذا فكروا يوماً في قلب نظام حكم الأقلية، فلم يجد "دراكو" من وسيلة لتحقيق تلك الرغبة غير خلق ما يُسمَّى بالإرهاب التشريعي، وأضحى فيما بعد مثالاً ونموذجاً يحتذي بهما أعداء الحرية وأعوان الاستبداد على مر العصور، (انظر افتتاحية القبس في يناير الماضي) غرامات خيالية لقوانين النشر والمرئي والمسموع لتصل إلى ثلاثمئة ألف دينار! وكأن قوانين النشر والجزاء التي تخنق حرية التعبير ينقصها المزيد من القسوة والظلم؟ ما هذا وماذا يجري؟ أتحدّى مستشاري الحكومة أن يقدموا لنا تعريفاً واحداً لمفهوم "الوحدة الوطنية" أو"الفتنة"، حتى يضعوا لهما مثل هذه الاقتراحات التشريعية المزرية!

ليخبرنا "ترزية" التشريع عن مفهوم "الإضرار بالعلاقات بين الكويت وغيرها من الدول"؟ هل يعني ذلك أنه من واجب أصحاب الرأي مثلاً، التهليل والتصفيق لنظام عمر البشير في السودان وهو المطلوب للعدالة من المحكمة الجنائية الدولية، حتى يهنأ خاطر الحكومة وتصبح علاقات الدولة الكويتية مع دول القهر والاستبداد سمناً على عسل…! ماذا تريد السلطة في النهاية؟ ولِمَ لا تخلق مع كتّابها حزباً اسمه "إلَّا الحكومة"؟ فهي المعصومة عن الخطأ.

حسن العيسى

علي الراشد ومدور الطلايب

بين العبارتين العاميتين "شفت شلون سوو فيه" و"زين سوه فيه" تبدو واضحة حالة الاستقطاب في المجتمع الكويتي الصغير، فهناك الكثيرون من الكتلة الحضرية الذين أبدوا سخطهم وغضبهم في جريمة الاعتداء على محمد الجويهل، لم أسمع من هؤلاء غير كلمات الغضب والسخط على جريمة الاعتداء، لم يسأل هؤلاء أنفسهم عن مبررات زيارة الجويهل لتجمع "إلا الدستور" وهو (الجويهل) الذي كان له صولاته وجولاته الإعلامية في استفزاز أبناء القبائل بمبرر وبدون مبرر، كان أحرى به أن يدرك أن مجرد دخوله هذا المكان سيوفر كل الأسباب "اللاعقلانية" للاعتداء الأهوج على شخصه… نعم… للجويهل حقه الثابت في حرية التعبير، وحقه الأكيد في الحضور إلى المكان والتعليق بالنقد على خطابات المشاركين في الندوة، وهذا أبسط مظاهر الممارسة لحقوق المواطنة الدستورية التي من أجلها يفترض الغرض من التجمع، ولكن يظهر بصورة قاطعة أن الجويهل بممارسته لهذا الحق، وفي مثل "ظرفه" الخاص كان "يدور الطلايب" بجهد كبير، بمعنى أنه كان يمهد الأرض لإثارة عدد من المتجمعين خارج ديوان السعدون للاعتداء عليه ليظهر بصورة الضحية التي تستحق التعاطف معه، هذا لا يعني بطبيعة الحال تبرير الجريمة ولا يعني إصدار أحكام البراءة مسبقاً على المعتدين، فهم ارتكبوا جريمة الأذى البليغ بأضعف الأوصاف القانونية، و"ساهم" المجني عليه ذاته في هذه الجريمة بمجرد حضوره إلى هذا المكان من غير إدراك مغبة (وربما بإدراك وتوقع) ما قد يحدث له.

لنترك ما حدث لحكم القانون، ونحن يفترض أن نحيا تحت ظل المؤسسات القانونية ولا نرضخ لشريعة الغاب وسلطة الغوغاء، ونسأل النائب علي الراشد إن كان تعقيبه على الجريمة منصفاً بحق أحمد السعدون، فهل نقبل عبارة "دم الجويهل برقبة أحمد السعدون…"؟! هل يصح أن تصدر مثل تلك العبارة من رجل عمل بالقضاء في السابق ويفترض به الحياد والإنصاف؟! ماذا يعني النائب علي الراشد بتحميل زميله جريرة ما حدث للجويهل؟ فهل كان أحمد السعدون أحد المعتدين، أم ان علي الراشد يعلم يقيناً أن السعدون كان على علم مسبق بوجود الجويهل في الشارع المقابل للمنزل، فقام بدوره بتحريض الجناة للاعتداء عليه؟ مهما كان اختلاف المواقف بين الراشد والسعدون، ومهما تباعدت المسافات السياسية بين جماعة الموالاة وجماعة المعارضة للحكومة لا يصح بأي حال أن تصدر مثل تلك التعقيبات الجائرة تجاه أحمد السعدون أو غيره… فلم تحمل عبارة النائب علي الراشد سوى كلمات ثأرية تجاه السعدون جاءت في غير مكانها الصحيح، ولا يصح أن تكون مثل تلك الحوادث المزرية سبباً للانتقام من الآخرين أو تصفية حسابات قديمة معهم.

حسن العيسى

صفعة دبند

كيف استلهم النائب فيصل دويسان بقدرة قادر روح الفقيه الدستوري الكبير الفرنسي "دوجي" وهو الذي كان اسمه يطرق أسماعنا في معظم محاضرات القانون الدستوري حين كنا طلبة بكلية الحقوق؟ النائب "دويسان بن دوجي" يرى أن الحصانة النيابية تشمل فقط أقوال النائب حتى يستطيع أن يعبر عما في داخله بكل حرية ولكنها لا تشمل الأفعال! ومضى "دبند" (دويسان بن دوجي) موضحاً رأيه بقياس مضحك، فهو يتساءل: "ماذا لو قام أحد النواب بصفع نائب آخر أو شيء آخر موجود تحت قبة عبدالله السالم، فهل يعتبر النائب محصناً في هذه الحالة؟!" النائب فيصل دويسان لم يشرح لنا كيف فرق بين الفعل والقول، فكل قول هو فعل بحد ذاته، واللافعل هو الصمت، وهو الموت، فهل يريد "دبند" أن يصبح النواب أمواتاً حين يمارسون الرقابة على أعمال الحكومة؟ وحين عرض فيصل مسلم صور شيكات سمو رئيس الحكومة تحت قبة البرلمان فهل صُفِع أحد ما في ذلك؟

الحكومة التي يسير في ركابها الفقيه فيصل دويسان وغيره من نواب القافلة الحكومية لا تمانع في الذهاب إلى المحكمة الدستورية لتفسير المادتين 108 و110 المتعلقتين بالحصانة البرلمانية وكأن المادتين مكتوبتان بلغة "هيروغليفية" وبحاجة إلى تفسير! ليس هناك أوضح من المادتين اللتين تعتبران من أهم أسس الممارسة الديمقراطية، وبغيرهما فلا ديمقراطية ولا يحزنون، لكن هل يجوز الذهاب إلى المحكمة الدستورية لتفسير نصوص دستورية؟ جاء في كتاب "المحكمة الدستورية.. نحو إصلاح جذري" لسجين الرأي المقيم بصفة اعتيادية في السجن المركزي الزميل محمد الجاسم في تلك الفقرة التي يستند فيها إلى تفسيرات فقهاء دستوريين وعلى أعمال سابقة لمجلس الأمة الآتي: "يمكننا القول بأن المادة (173) من الدستور لم تمنح أي جهة الاختصاص في تفسير نصوص الدستور كاختصاص أصيل ومباشر مبتدأ. غاية ما هناك أن المحكمة… تملك، وهي في سبيل فحص دستورية القانون فقط، أن تفسر النص المرتبط به في هذه الحدود، لا أن تصدر قراراً مستقلاً بتفسير نص دستوري". بكلام آخر فسلطة المحكمة الدستورية هنا قاصرة على منازعة في دستورية نص قانوني، وتحد بهذا ولا ترتفع إلى تفسير "المعيار" الدستوري، فقد يتم تحت ذريعة ذلك التفسير تعديل المبدأ الدستوري وتحريفه عن غاياته التي ارتآها المشرّع الدستوري.

الحكومة الآن في أزمة لم تكن بحاجة إليها حين مارست سلطاتها بطريق غير مباشر لرفع الحصانة عن فيصل مسلم، وكما أدخلت نفسها ومعها البلد في هذا النفق المظلم، وأضاعت الكثير من عمر الدولة عليها الآن أن تبحث عن مخرج سياسي مقبول Depend بمساعدة جماعة "دبند" أو من غيرها… وبالمناسبة تعني "يعتمد" بالإنكليزي، فلتتوقف الحكومة عن اعتماد الجماعة.

حسن العيسى

وكلاء الأمة أم وكلاء الحكومة؟

دعونا نسمع حجة واحدة للنواب الذين سيصوتون اليوم مع رفع الحصانة عن النائب فيصل المسلم، نريد حجة تقنعنا بأنه لا مكان هنا لتطبيق المادتين 108 و110 من الدستور اللتين تقرران حرية النائب "في ما يقول ويبديه من الآراء والأفكار في المجلس ولجانه"، وأنه لا "سلطان عليه في المجلس" غير سلطان حكم القانون والرقابة الشعبية.

سنقتنع برأي النواب الموافقين على رفعها إذا قدموا الدليل القاطع بأن فيصل المسلم تعدى على سمو رئيس الوزراء وعلى سرية المعاملات المصرفية (بنك برقان) حين رفع شيكات سموه في قاعة المجلس، مؤكداً أن بعض نواب الشعب يتقاضون مقابلاً مالياً مقابل مواقفهم السياسية، وأن لكل نائب منهم سعره ولكل موقف مطلوب ثمنه في أسواق الذمم النيابية.

إذا افترضنا أن النيابة العامة قد تقدمت بطلب رفع الحصانة على سند من القول بأن فيصل قد حصل على صور تلك الشيكات بطريقة غير مشروعة "بأنه اشترك مع مجهول لكشف أسرار مصرفية" بالمخالفة للمادة 85 من قانون البنك المركزي…! وأن هذه الواقعة حدثت خارج البرلمان، وبالتالي لا تمتد إليها الحصانة، فهذا مردود عليه بأن "الكشف" عن تلك الشيكات بإظهارها للعلن قد تم في البرلمان، وفي سياق ممارسة النائب لعمله بالمجلس، وأنه لو لم يتم "الكشف" عن صور تلك الشيكات علناً في المجلس لما كانت هناك تهمة ما يمكن أن توجه إلى فيصل المسلم، ولظلت القضية في علم الغيب. ماذا لو حصل هذا النائب أو غيره على صور تلك الشيكات مصادفة، ثم صرف النظر عنها وركنها بعيداً هل كنا سنتصور أن تقوم أركان جريمة ما ضد النائب؟ وأياً كانت الأسباب القانونية التي تستند إليها النيابة العامة في طلبها برفع الحصانة إلا أن يقيناً بأن رفع الحصانة عن النائب هنا سيضرب بعرض الحائط النصوص الدستورية، وسينزع الحماية الدستورية المقررة للنائب حين يمارس عمله كرقيب على أعمال السلطة التنفيذية، وبالتالي فلا رقابة ولا نيابة ولا ديمقراطية (ولو كانت شكلية) يمكن الحديث عنها الآن.

اليوم سيكشف لنا نواب الأمة إن كانوا حقيقة هم وكلاء الأمة بأسرها أم وكلاء الحكومة! وسنرى ما إذا كان لدينا مجلس نيابي وسلطة ثانية أم ليس لدينا غير سلطة تنفيذية مع ملحق تابع يقبع على شارع الخليج…!

حسن العيسى

زمن معكوس

"نحن بزمن معكوس والعكوووس، من لا يؤمن بالديمقراطية والدستور أصبحوا قادته ورموزه، ومن حملوا لوائه أصبحوا تبع مثل النيباري والمنبر الديمقراطي تبا لهكذا ندوات وتجمعات…"! الفقرة السابقة باللهجة الكويتية كتبها "مهند" معلقاً على خبر جريدة الآن الإلكترونية، جاء فيه أن الحركة السلفية ستقيم ندوة (الخبر كان بالأمس) بعنوان "الدستور بين التعديل والتفريغ"، ويشترك في الندوة عدد من النواب والكتاب بينهم النائب السابق عبدالله النيباري…! تعليق "مهند" على الخبر أفضل من عشرات المقالات التي نكتبها من غير نتيجة لا على السلطة الحاكمة الرسمية ولا السلطة الدينية القبلية الموازية لها… وإن كنت أتحفظ عن وصف مهند لعبدالله النيباري والمنبر الديمقراطي بأنهما "تبع"… فليس هذا الوصف صحيحاً لكن للزمن أحكامه، فماذا يمكن للمنبر أو عبدالله أن يفعلا أمام واقع ضمور الوعي السياسي للمجتمع الكويتي (حاله من حال أشقائه بالدول العربية) وسيادة القوى الدينية والطائفية والقبلية على العقل الكويتي والعربي…!

المضحك في الندوة ليس فقط الداعي لها من قوى الأحزاب الدينية، بل ما جاء في عنوانها بكلمة "التفريغ"…! فنحن ندرك ببساطة الرفض "الشكلي" لتعديل أي مادة من الدستور، ونعرف أن الأكثرية ضد طرح النائب علي الراشد لتعديل بعض مواد الدستور، إلا أن هذا النائب كان واضحاً وصريحاً في دعواه بالتعديل، لكن ماذا عن الذين "أفرغوا" الدستور من محتواه، حين أضحت نصوصه مجرد كلمات مسطرة لا حياة فيها… أين هي النصوص الدستورية التي تؤكد حرية الاعتقاد والمساواة بين المواطنين حين شرع مجلس النواب عام 81 حظر منح الجنسية الكويتية لغير المسلمين؟ فأين الحياد القانوني المفترض للدستور المنسي؟ وأين مبدأ قدسية الحريات الشخصية ومجالس النواب المتعاقبة تخنقها يوماً بعد يوم بتواطؤ صريح أحياناً وضمني في أحيان أخرى؟ ماذا عن فرض قانون منع الاختلاط بالجامعة ومحاولة فرضه على التعليم الخاص؟ ماذا عن قرارات ملابس الحشمة للنساء؟! وماذا عن سحب جناسي أكثر من مواطن من قبل الحكومة ولكن بتحريض وترويع من نواب الغم، ليس لسبب يتسق مع حكم القانون سوى أنهم عبروا عن آرائهم وأثاروا نعرات الدعاة الصالحين في هذا الوطن…؟

الدستور ليس نصوصاً جامدة… وإنما هو روح العدل والحرية ومفتاح التقدم، وقد تاهت تلك الروح في طيات "البشوت" السوداء عند الحكومة ولحى نواب الأمة الكثة… فلا ديمقراطية حقيقية من غير حرية… ولا يوجد لدينا اليوم دستور بعد أن أصبح فضيلتكم حماته…

حسن العيسى

الفساد في عقولكم

الفساد ليس في اللحوم ولا في الأغذية التي لم يراع تجارها أصول التخزين فقط، الفساد يطوق الدولة كلها من ألفها إلى يائها! البلدية "التي ما يشيل فسادها البعارين"، على حد تعبير سمو الأمير حين كان رئيساً للوزراء، هي التي ضبطت بعض اللحوم والأغذية الفاسدة، وبالتأكيد الكمية المضبوطة هي مجرد الجزء الظاهر من جبل الجليد العائم، لكن المجلس البلدي بأعضائه المنتخبين والمهيمن على بلدية البعارين يقدم لنا نوعاً آخر من الفساد وفصيلة منقحة منه، هو فساد الفكر والثقافة، وهو فساد التزمت الديني والتعصب الأصولي والمتاجرة بالشعارات الدينية، فأغلبية الأعضاء وبفارق صوت واحد صوتت على رفض طلب وزارة الخارجية إنشاء كنيسة في منطقة المهبولة للمرة الثانية، في المرة الأولى كانت حجة أولياء الله الصالحين في المجلس أسباباً فنية تذرع بها الولاة لرفض طلب الخارجية، كانت هذه "علثتهم" التي أخفوا خلفها أصوليتهم، فماذا سيقولون الآن، وماذا سيقول محاموهم من جماعة الفرقة الناجية في زوايا البؤس بجرائد "القرقيعان" الكويتية…؟

"ياليت" الدول الغربية والولايات المتحدة، التي بسطت أراضيها لبناء مساجد للمسلمين هناك من غير حساب، تمنع دخول أعضاء البلدي الذين صوتوا على رفض إنشاء الكنيسة، وتقول لهم العين بالعين والسن بالسن، من دون شرط المعاملة بالمثل، وذلك بمنع بناء المساجد في تلك الدول، فليس ذنب المسلمين المعتدلين في تلك الدول أن يدفعوا جزية وضريبة وكلاء تنظيم القاعدة في الكويت وبقية الدول العربية والإسلامية المتنطعة بدين الدولة، طبعاً كلمة "ياليت" لن تقدم أو تؤخر، بل هي مجرد أمنية من خيال يائس، فهو يئس من حال الدولة بنظامها ومجتمعها. نظام سياسي حاكم متعقل بدرجة محدودة حين يصير الحديث عن بعض حريات الضمير، لكن هذا النظام ينسى نفسه حين يرتفع سقف النقد ليمسه، وإذا تركنا هذا النظام الحاكم نصعق من ناحية أخرى بمجتمع يتأصل فيه يوماً بعد يوم الجهل، وتقنن في وجدانه ثقافة التزمت الديني ورفض الآخر، والتباعد عن الجوهر الإنساني، فأين نذهب وقد تمت محاصرة حرياتنا من كل الجهات؟

حسن العيسى

ثلاثة من أحلام الأمس

الزمن يتدفق إلى الأمام، واللحظات تمر من المستقبل المجهول محمّلة بالاحتمالات لتستقر في يقين الماضي، فلا لحظة حاضر، وإنما مستقبل كله احتمالات، وماضٍ رُسمت بعض صوره على صفحات الذكرى، وهي ذكريات حين كنا نستمع للإذاعة وميكروفون المذيع يتنقل بين الحجاج، وينقل رسالة من عبدالعزيز البلوشي ورسالة أخرى من عبداللطيف بن ناجي ينقلان سلامهما وتحياتهما إلى أهلهما وأقاربهما في الكويت ويقولان إنهما رميا الجمرات بالأمس وإنهما بخير وعافية… كنا نستمع في ذلك العمر إلى رسائل الحجاج بابتسامة بهجة وضحك خافت على رسائلهم بعفويتها وبراءتها، وكنا نهرول في المساء لنلصق الأذن على سماعة الراديو لنفتح في الساعة الثامنة مساء على إذاعة "صوت العرب" وننصت بكل شوق إلى حكايات ألف ليلة وليلة… وكيف أدرك شهرزادَ الصباح فسكتت عن الكلام المباح، وقالت "مولاي" … فقد غلبها النعاس.

هكذا كنا بخدر الأمس الجميل، وهكذا شاهدت البارحة شريط "يوتيوب"، تنقلت الكاميرا فيه إلى قرية إنكليزية في بداية ستينيات القرن الماضي، ويظهر الطالب إبراهيم بورسلي يحدّثنا عن حلمه وحلمنا معه بأنه جاء من لندن إلى هذه القرية وهو يدرس الهندسة في المملكة المتحدة ويعِد بأنه سيعود إلى الكويت ليساهم في بناء الكويت، ثم لقطة أخرى ليظهر لنا الشاب أحمد علي الدعيج ويقول إنه يدرس في لندن العلاقات الدولية ويحمل الحلم ذاته بالعودة للكويت قريباً… ثم لقطة ثالثة لبدر حمد سلطان وهو يجلس في مقهى ثم يضع جانباً الجريدة التي كان يقرأها، متحدثا إلى الكاميرا بأنه قد مضى عليه أربع سنوات في لندن يدرس الطب، مشاركاً رفيقَيه حلم العودة للوطن قريباً ليرى الكويت الجديدة ويساهم في بنائها.

ثم تمضي الكاميرا بلقطات أخرى تعبر بنا مساحة من المكان، والمكان هو الزمان عام 1962 لنرى مَشاهدَ لعمال يبنون عمارات في شارع الجهرا (فهد السالم)، ثم مشاهد أخرى لطرق جديدة تُعبَّد وناس يشتغلون بلا كلل… كانوا ثلاثة شباب بعمر الربيع، واحد يهندس الأمل، والثاني يخطط للغد، والأخير يريد أن يداوي الأمل… ثلاثة نماذج لشباب الأمس تمثلت في المهندس والسياسي الاقتصادي والطبيب المداوي، حملوا في غربتهم أحلام الدولة وأحلامنا الكبيرة… ثم ماذا بعدها؟ لا أعلم شيئاً عن المهندس إبراهيم بورسلي، ولكني أعرف أن أحمد الدعيج تخرّج متفوقاً في جامعة عريقة بلندن ثم عمل في مجلس التخطيط، وبعدها في الاستثمارات على ما أذكر، ومات بحادث سيارة في بداية ثمانينيات القرن الماضي، بعد أزمة المناخ، وكتب كتاباً رائعاً عن الأزمة، كما سطر مقالات ملتهبة قبل رحيله، أما بدر حمد السلطان، فقد تخرج طبيباً متخصصاً في أمراض النساء والولادة، وبرع في عمله، وكان شعلة من النشاط، وعُيِّن مديراً في ما بعد لمستشفى شركة نفط الكويت. كان يخدم القريب والبعيد من غير حساب، إلا أن حظه كان عاثراً في حياته الخاصة… وأصيب بالاكتئاب بعد التحرير، ولم يمضِ وقت طويل حتى مضى إلى عالم الفناء.

هؤلاء الشباب الثلاثة مثلوا أمل الطليعة الكبير في تلك الأيام، حملوا أجمل الأحلام في أجمل الأيام، كانت أيام ولادة الدستور، وولادة التشريعات الحديثة، وبداية العمران، كانت أيام الانفتاح الثقافي، وأيام التسامح الاجتماعي. مات اثنان من الثلاثة، وكان هذا حكم القدر، لكن لم يكن من حكمه أن تموت أحلامنا بالدولة العصرية، لنصحو اليوم على واقع القهر… فما السبب؟ اسألوا أصحاب المقام الرفيع دافني الأحلام… ماذا فعلتم بأحلام الأمس؟!